السبت، 16 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."11 تابع :"19-1".


 عندما كنت بعد تلميذا منتظما على الدراسة كان سهل عليهم تحديد هويتي الاجتماعية وحصري في خانة التلمذة واليفاعة وبداية الشباب ..حتى وان كانوا قلقين جدا من فروة نشاطي وعلاقاتي ويحاولون تحديد ميولاتي الفكرية والسياسية من من اخالطهم أساسا ومن ما معروف عنهم من تشبع فكري أو انحيازات سياسية ..انا لم اهتم بالاقتراب منهم لانهم ببساطة لا يرقونني ولا ينسجمون مع ميولاتي الاجتماعية ولانني لا استسيغ انماط تفكيرهم والقوالب التي حشروا  رؤسهم فيها ولانني ما كنت اقبل منهم اشكال الوصاية التي كانوا يحاولون ممارستها على الجميع ...وحتى داخل فضاء الدراسة ومؤسساته لم اسعى لإقامة علاقة مع من كانوا يمثلون نمطهم وتوجههم السياسي الاجتماعي لانني حتى لما انفتحت على الاخرين كنت اتخير من بإمكان ان اطور معه النقاش والعلاقة لمستويات أكثر فاعلية ودينامية ...وهم كانوا يمثلون لي اولئك العازفين عن ممارسة اي فعل ثقافي او جمعوي منفتح على العموم ..ومعزولون عن التفاعل السليم مع باقي مكونات وافراد المجتمع ..وحقودين ببساطة لانهم لا يتكلمون عن أنفسهم وغير جادين في إقامة علاقات متفاعلة كما الجميع ...على انهم يدورن في نسق رتيب ومحافظين على شكل لباس ومظهر يميزهم ومنظمون ايقاع يومهم على اوقات الادان والذهاب المساجد ويعطون ذلك الانطباع بأنهم احرس الناس على الطهارة ونقاء الداخل ان لم يتعدوه ليعلوا من شأن ذميتهم وضمائرهم وسرائرهم النقية على حساب كل من لا ينتمي اليهم ويسير على خطوهم ...كانوا وكانهم كلهم نسخة واحدة ليس فيها اي تميز ..ناس نمطيون جدا وكسالى وحذرين ويعانون .... 

عندما انقطعت عن الدراسة وخرجت لرحلات الإستكشاف الإجتماعية ولاخالط اصنافا متعددة من الناس ولانفتح على مجالات نسبيا جديدة على من في عمري ووضعي ..بدوا اكثر اهتماما بمحاصرة هويتي وتحديد انتمائي ..كانوا يسعون بجد لتعليق يافطة علي وتصنيفي ..كان منهم من يجرا على تعقبي وتتبعي في الشوارع العامة ويقترب من مجمعي ليستسرق السمع لحديثنا ..وكخطوات يائسة حاولوا الاصطدام معي عنوة كجس نبظ من جانبهم لي ..لم اهضم لهم وارتابوا كثيرا في مجموع تحركاتي وسعة واختلاف علاقاتي ..لم يستوعبوا حتى اشتغالي بالصحافة ربما لانها كانت تتبع حزبا يمينيا ومشارك امينه العام في الحكومة ..ولأن حتى مفتشه الإقليمي الاستاذ محمد بديع كان شخصا اشكاليا فهو مناضل اتحادي حتى النخاع ارتاى ان يخرج من صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وان ينظم لحزب الحركة الشعبية وان يؤسس بمجهوده الخاص الفرع المحلي والاقليمي للحزب بكل من العرائش ومدينة القصر الكبير ..حاضرتا الاقليم ..ارتابوا في إمكان ان يتحول واحد بتفكيره وبقناعاته وبما دائم التعبير عنه جهرا وصراحة الى مثل هذه الدرجة من التحول والميلان...كما لم تهضم لهم علاقاتي برجال الأمن والشرطة والسلطة ..وكانت العلامة التي حاولوا وضعها علي هي انني مقرب من السلطة وعين لها وربما متورط اكثر معها ...كانوا يشيعون الخبر عني في كل دوائر المجتمع الذين أعرفهم ويعرفونني واتعامل معهم ...وكانوا يتجنبونني باستعداء في نفس الآن ..يرفضون التعامل معي حتى عندما يتعلق الامر بخدمة عامة يقدمونها للجميع او بشأن البيع والشراء  ومعاملاته  ..ولم يكفوا عن التحري في شاني ..لحسن حظي انني كنت على علاقات جد طيبة مع من شاءت طرقهم ان تتقاطع وتلتقي معهم وكانوا يخبرونني ويعلمونني بشأن مسعاهم ذلك ومنهم من كان يسالني سبب اهتمامهم بي ببعض الإستغراب ..وهؤلاء لم يحدث أن قاطعتهم او اتخذت منهم موقفا عنيفا ..ظلوا كما كانوا اصدقائي ومعارفي واجتمع اليهم كلما سنح الوقت بذلك واتحدث اليهم ويجمعنا النقاش وحرارته ...

سعوا بجد الى نشر ستار من ذخان حولي وادخال شخصي الى دوائر الإشتباه ..وتمكنوا لحد ما من جعل من كنت لزمن قريب اعتبرهم يعرفونني ومقربين من بعضنا البعض يرتابون مني ويصبحون حذرين مني وشبه عازفين عن خوض الحديث معي ..  ومنهم من قاطعني دون مقدمات ..

حتى من داخل الحي حاول بعضهم تلويث سمعتي ونعثي بالانحلال الخلقي داعي بعض الأهالي للزم الحذر تجاه سلوكي وعلاقاتي مع ابناءهم وبناتهم ..حاولوا استغلال اي معطى سلوكي عني لمحاربتي به ..ولم اكن في ذلك افضل حالا من بعض منا من لم يراعوا حتى مركزهم الوظيفي وحالتهم  الاجتماعية وعمرهم و كانوا يكيلون لهم الاستعداء لدرجة أن حولوا نزق الصغار والاطفال لسلاح بايديهم يضربون به ويحاصرون عبره حتى مرورهم في الشارع وحتى خلوتهم المفروض انها امنت ببيوتهم الخاصة ..فتجد جماعات من الصغار ومن المراهقين تصرخ في وجوههم  وتنعثهم بالسكارى وبافحش الاوصاف وترجم بيوتهم بالحجارة او تضايقهم بطرق أبوابه والهروب لاقصى مكان لحين خروجهم الاستقصائي ليبدؤا في كيل السباب واللعنات لهم ...

كان الامر مقلقا للغاية خصوصا في مدينة صغيرة نسبيا كمدينتنا العرائش حيث الاخبار تشيع بسرعة ويكاد يعرف الجميع الكل ...هذه الحرب النفسية والاجتماعية لم تكن مفهومة على الاقل في خلفياتها ومنطلقاتها  فهؤلاء الاسلامويون خليط غير متجانس على انه يبدوا لا تمايز بينهم شكلا وظهورا اجتماعيا .فهل يمكن فهمها على انها حرب ايديولوجيات وعقائد ؟! ام هي مجرد تعبير اخر عن مفهوم الصراع الاجتماعي والصراع بين الأجيال ..؟! ام هي بالفعل حرب مواقع سياسية وسلط اجتماعية وقوى ونفوذ ...؟! ..

هؤلاء الاسلامويون يبدون ان ان لاروابط تجمعهم كلهم بل لعلهم طوائف وجماعات وملل ..وحتى تواجدهم بالساحات المدينة وفضاءاتها متفرق فلا توحد فئوي مهني او حرفي يجمعهم ولا تصنيف نخبوي يشملهم ..ربما لحد ما التقارب العمري قد يؤلفهم بغض النظر عن الادوار التي يلعبونها مجتمعيا وبمارسونها مهنيا ...

كانت الفئة العمرية المتراوحة بين الثلاثين والخمسة والاربعون هي الناشطة سياسيا واجتماعيا وكانت مهنهم تتوحد افقيا في ميدان التجارة لكنها مختلفة في اشكالها كان بينهم اصحاب محلات الجزارة وأصحاب المقشدات والملبنات وتجار اكسسورات إلكترونية وقطع ملابس وعطورات وكتيبات وأشرطة دينية يعملون كباعة جائلين او مفترشي ارضيات الاسواق والشوارع العامة ...هذه الفئة كانت شبه متواجدة يوميا بكل مركز المدينة وشوارعها ويلتقي اصحابها بعضهم ببعض ويقفون لبعضهم ويتجولون مع بعضهم ..

كانت فئة اخرى يشكلها تجار قيسرية سوق البرارك وهي منقسمة على ثلاثة فئات عمرية فئة اليافعين والشباب من ابناء التجار اصحاب المحلات والعاملين كمساعدين لهم وفئة الشباب والرجال مابين عمر الثلاثين والخمسة والاربعين وفئة الرجال والشيوخ وكان بينها كلها نوع من التفاهم السري وعدم الاختلاط واحترام مبالغ فيه لعامل السن والحالة الاجتماعية والدور الممارس ...

وكانت فئة اخرى من العاملين بمجال الصيد البحري ومنها من احتكرت تسير مراكب بعينها لوحدها وهذه كانت متشكلة من فئات عمرية مختلفة ..اما فئة تجار السمك بفضاء الميناء ونقله للاسواق الخارجية فهي كانت في نفس الفئة العمرية الممتدة من الثلاثين الى الخمسة والأربعون ..

وكانت فئات لا يجمعها غير المسجد الذي يأموه وهم موزعون على محلات تجارية مختلفة ونشاط تحاري مختلف فكانت فئة مسجد سوق سبتة وفئة مسجد قيسرية ابنيدا وفئة مسجد الباركي ...

وكانت فئات متناثرة لا يجمعها غير مسجد المنطقة القريب وهم ليسوا على علاقات مترابطة ببعضهم البعض كفئات مسجد القدس وفئات مسجد تشاد الهم المجموعة المنتمية منهم لحقل التعليم والتدريس  ...

وكانت فئات شابة تجتمع بمسجد حي ديور حواتة وهؤلاء شبه اقران وأصحاب وابناء حي واحد ...ومثلها كان بكل الاحياء السكنية المتوزعة على المدينة وكانت بالحي الجديد وبحي المحصحص و بحي المنزه تجمع أكبر عدد من المهنيين والحرفيين  المشتغلين بمجال اصلاح السياراة وكهربائها وطلاء هيكلها ..والنجارة  وباقي المهن الفنية والتقنية ..

وكانت فئة اخرى من مستخدمي قطاع الجماعات المحلية من عاملين في قطاع النظافة والحدائق والاعوان وهم من فئة الرجال مافوق الخمسة والأربعون سنة ...

لم يكن هناك توزيع مهني قطاعي يجمعهم ولا سكني مناطقي يوحدهم ولا وظيفي ولا مؤسساتي خاص يضمهم البعض للبعض ..وهذا كان يجعلهم يبدون متعددون على أن العامة لا يميزونهم بعضهم عن بعض فكلهم "اخوانيون "او "سنيون "او خوانجية  " او "ملتزمون "...

كان عدد من رجال التعليم والصحة الاسلامويون قد اختاروا الانضمام الى نضلات نقابتهم التابعة للاتحاد العام للشغاليين التابعة لحزب الاستقلال ربما للمرجعية الدينية المتميزة للحزب ...

كانوا منتشرين ويغطون كامل خريطة المهن والحرف والوظائف وقطاعات التجارة والخدمات كلون سياسي ديني لكنهم كانوا بالتاكيد يحملون الاختلاف بينهم او لا يحملونه الا كتكتيك سياسي بينهم ...

ربما كان يسجل اختلاف شديد في شكل اللحي وتقاسيم وتعابير الوجه والوان قناديرهم وجلالبهم وكان يظهر التمايز ذلك بوجود رفقتهم من النساء فالمتشددون منهم حسب تجهم وجوههم وسلوكهم يصحبون  المنقبات والكاملات الغطاء بينما الاخرون يصحبون المحجبات السافرات الوجوه والكفيين ...

لم تحصل  أية وقائع سياسية كبيرة او هامة ولا اية احداث او هزات اجتماعية لحدود زمننا هذا بداية التسعينات والمشاركة في الاضراب العام لسنة 1984 كان بلا لون سياسي او حزبي وبلا غطاء ديني كان شعبي وتلمذي على مستوى المدينة والاقليم و كما احداث الاضراب العام لسنة 1990 على أنه في تظاهرات فاتح ماي العمالية السنوية لم يكن لهم اي بروز  كتيار سياسي ديني ولا اية مشاركات متميزة لهم ..لم يحدث طوال حقبة الثمانينات اي اصطفاف لهم على الاقل إقليميا ومحليا لنلحظ مدى احتشادهم وقوة تنظيمهم ....هم فقط كانوا منتشرين ومكتسحين  كظاهرة  في كل مواقع  وخطوط المجتمع ..ولم يظهر عليهم الا ذلك المستوى من التجمع كجماعات او "مليشيات "في الاحياء الشعبية والهامشية منتظمة في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وفي الدعوة والتبليغ وفي استقطاب اليافعين والشباب في بعض النشاطات التجارية والكسبية البسيطة والهامشية ...

الامر الثاني الواضح والجلي والمثير للكثير من الدهشة هو اكتساح الشابات والنسوة المساجد بزيهن المميز وبصحبة الطفلات الصغيرات حتى انه كان يحصل تمام امتلاء الأجنحة الخاصة بالمصليات بالمساجد المناطقية القريبة حيث ان المساجد الصغيرة التي تزامن ظهورها مع اكتساح الاسلاموين للفضاء العام المحلي لم تكن تخصص جناحا للنسوة من المصلين لصغر فضاء المسجد ...واكتساحهن للفضاء  المؤسسات الثانوية ك "ثانوية محمد بن عبد الله "وثانوية ماء العينين للتعليم الاصيل ",ولفضاء اعدادية عبد الكريم الخطابي على الخصوص ولمدارس تعليم الرقانة والكتابة ولمدرسة خصوصية للتعليم الاعدادي و الثانوي كان يتوجه اليها الذين وجدوا صعوبات في التمدرس بالقطاع العمومي او ببساطة الراسبون والفاشلون درسيا ..

اليافعات والشابات منهن كن يؤتثن الفضاء العام وحريصات على الظهور الاجتماعي ويتميزين بما يحملنه معهن من كرسات وكتب واوراق ومحافظ أوراق ودفاتر ...وكن التلميذات منهن يحتلن قاعة الاناث بالمكتبة العامة للبلدية دون القاعة المختلطة للمطالعة بمكتبة وادي المخازن التابعة لمنذوبية الشؤون الثقافية ...

اليافعات والشابات كن ميالات لممارسة رياضة الجري والهرولة صباحا بفضاء غابة اولمبيكا بلباسهن المميز ..وكنا حريصات على تنظيم لقاءات بالمنازل قيل عنها انها مخصصة لحفظ القران وللتفقه في الدين و لحفظ الاناشيد والامداح ...

ظهورهن في الفضاءات العامة عني به بشدة اذ لم يلحظ على انه ظهور متسكع او فقط للتجول في الأسواق ومع ذلك بدى طاغيا وكل واحدة منهن او رفقيتين منهن تشكل ظاهرة بشكلهن المتميز وبمشيتهن الخاصة التي حتى هي اقمن لها ادابا وطريقة ...وظهورهن كان السمة الغالبة عليه الظهور الفئوي الجنسي النوعي "النساء مع النساء" والاناث مع الاناث "والخروج صحبة زوج او محرم كان الاستثناء وفي مناسبات السفر والاعياد وزيارات الاهل يوم الجمعة من كل اسبوع وعادة يشاهدون صحبة ازواجهن او اباءهن اما حتى الإخوة فهو أمر ناذر ... 

ظهورهم الاجتماعي لم يكن عفويا او شعبيا مرتجلا بالقدر الذي كان استفزازيا وانما كان سياسيا وكان تعبيرا عن مواقفهم المجتمعية وعن رؤيتهم التجديدية او الإصلاحية لبنى المجتمع ..كانوا يطرحون انفسهم كبديل وكخيار في مواجهة كل قوى اليسار التقدمية وضد كل انحلال وفساد اخلاقي وعقائدي ..وظهورهم الاجتماعي كان استعراضيا بامتياز ..استعراض لاعدادهم ولمدى انتشارهم واكتساحهم وسيطرتهم على الفضاءات العامة ..وكان يستهدف المزيد من الاستقطابات...وظهورهم كان تكتيكيا   كان يحاول الاستفادة من الاجواء السياسية والأمنية المشحونة بين النظام والمعارضة الحزبية وبين النظام واليسار النشيط بالجامعات والثانويات وبين النظام والنقابات المحتجة على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتدهورة وعلى غلاء الاسعار وارتفاع معدلات البطالة كنتيحة لبرامج التقويم الهيكلي التي نهجها المغرب منذ بداية الثمانينات ..

وظهورهم كان خلطا للاوراق لانه كان لا يكفي بان تكون ملتزما بالعبادات وبالمساجد ولا حتى بزي محافظ او حجاب او ببعض العادات المعروفة اتباعها من أهل السنة النبوية لكي تكون اسلاموايا اي تزاوج بين الدين والسياسية وتحمل مشروعا سياسيا في إطار الدولة الإسلامية او دولة الخلافة على المنهج النبوي او تنتصر للثورة الإيرانية وللتشيع....

وظهورهم الاجتماعي كان محاولة منهم لكسب مواقع متقدمة مجتمعيا وسياسيا كحركات وتيارات تجمع مابين الدعوي والتربوي والثقافي وكذا السياسي والاقتصادي الى جانب باقي الحركات والتيارات المجتمعية والسياسية والاقتصادية...     


    



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...