الأحد، 22 مايو 2022

يوميات : عوالمي السرية ...مابعد كورنا حياتي الاسرية ..

 ١- الثقة...



تكبر داخلي هذه الرغبة في اجراء هذا الحديث ..في التكلم .. في قول اشياء واشياء تظل حبيسة بذاخلي وتتحرك بعنف ..تريد الخروج ...خارج كل سياق ما كنت احكي واسترجعه..ربما لان لا علاقة لها بذلك الماضي القريب او البعيد ولكنها مرتبطة بحاضر هذا الوقت ...بهذا الحاضر المبعثر كما هو دائما ..

وحدتي قد لا يكون اي جديد فيها ومهما حاولت استحضارها كانها معانات ستبدوا مجترة وقديمة ولا شيء فيها مستجد ..دائما كنت كذلك في معظم لحظات عمري ..كنت وحيدا ..وماذا بعد !!؟..

الزمن خاص ..زمن يهرب من اي التزامات ولا يريد ان يخضع لاطار يقيده او يخصه ...زمن اكون فيه ويسعني لا يهم نهارا او ليلا ولا اي ساعات منهما ولا ما عساه يكون اليوم وتاريخ اليوم ...

زمن بلا ذاكرة مهمة ..لا شيء يستحق ان يوضع حكاية او يقص عنه..

زمن غالبية وقته استرجاع ..ارتماء في تفاصيل الماضي البعيد وبعض من الماضي القريب ..

زمن كل الشخوص فيه غير حقيقة الا بمقدار ما كانت وما لم تتبدل فيه رغم كل امتداد زمنها وتاريخها ..

اعرف انني لن احي ولن اميت اي من شخوص ذاكرتي وقد لا افاجا بان ارفض وان احاصر متى سجل علي تطاول على تلك الذاكرة التي لا تخصني انا وحدي ...

لا ابالي بان اوضع بين معقوفتين وان يحسب علي انني امارس فضحا غير مقبول اجتماعيا ..لانني ما كنت لاهتم بنشر غسيلي ولا غسيل اي احد وجل ما ابتغيه ان اتخلص من ذاكرة قد تتعفن ولا تحكي اي شيء والاهم ان لا تملك ان تقول كل ما كان يجب ان يقال ويحكي قبل ان تضمحل وتضيع كالهباء المنثور ...

لم اكن قاسيا في احكامي ولا متطرفا في نظرتي للامور فقط حاولت ان اكون صادقا مع نفسي ومع من حولي حتى وان لن يرقهم حالي ولا حالهم كما تناولته من زاوية نظري ومن تمام حرية رؤيتي ...

"سعاد " اخدت الفرصة التي تستحق ..الفرصة الثانية ..فرصة كاملة بلا سابق احكام وبلا تدابير اختبارات وكشوفات تقيمات ..فرصة تامة لها كامل القوة لكي تنهي وتطمس التجربة السابقة التي كانت بيننا والتي انتهت على ذلك النحو الكارثي والدرماتيكي..وتاسس بالمقابل لزمن جديد يجمعنا ..يوحدنا ..يقربنا من بعضنا ..يديب اي خلافات بيننا ..يوصلنا فعليا للحظة المصالحة الخاصة ولتاسيس السلم والعيش الممكن مع بعضنا ...

كانت مغامرة من طرفي ..مغامرة بحق ان ابدا مع واحد انا اعرفه جيدا واعرف لحدود بعيدة نسبية امكانيات تغييره لكن ما كان مقبول ان الغي فعل اننا نتطور ونتغير ما دمنا في تفاعل مع الحياة ومع الناس ومع ظروفهما...

كانت مغامرة ادرك انها قد لا تسلم جرتي معها وانها قد ترتد فوق راسي ..لكنني كنت مدفوعا وعلى نحو واعي وصريح واخر غير صريح ولكنه واعي هو كذلك لاخضها ولاعيشها كتجربة عيش جديدة وبشكل كامل بدون ان اضع سقفا محددا لنهايتها ..النهاية ليست شاني ولكنها قد تاتي كنتيجة منطقية وموضوعية وعندها لا محالة من ان اتقبلها واعمل بها وانتهى ...

كان يلزمني اطار اطرح فيه المغامرة لكي لا تتحول مهزلة تجرني الا ما لا يحمد عقباه ...

من قبل اخد القرار كان نص روائي لنجيب محفوظ يطاردني بشدة ويفرض حضوره بقوة على فكري وذهني ..كان عمله الموسوم ب"حضرة المحترم "يجثم على فكري ..يمارس رصدا فوقيا علي ..وكل الذي كنت اردده داخلي بانني لن اعيش روايته بل اريد ان اعيش روايتي ...

ما كنت لاقبل ان تدخل حياتي وتخرج منها متى شاءت وتعاود الكر كذلك ودون ان تحس بانها مطالبة باي تفسير او تبرير منطقي ...

هذه المرة كانت مصممة على ان تلعبها خارج قواعد الزواج والعشرة والمساكنة الشرعية رفضت ببساطة ان تترك الكوخ الذي تكتريه في عمارة سكنية مقسمة بيوتاتها على عدد من المكتريين منهم المتزوجون ومنهم المطلقون ومنهم الاعزاب ...كان منطقها هش لا يستقيم ..ان الدعوى بانه يلزمها ان تتحوط وان تترك لها مكانا خاصا به تعود اليه لانها تعبت من ان تدور على بيوتات الاخرين وكل مرة يخرجونها الى الشارع ...قالت ان لا امان اضحى لها ...وانا لعلي افهم ان سابق انكسارها ودوران الدنيا عليها زعزعز الثقة بنفسها ..افقدها قدرتها على ان تركب التحدي كل ما من مرة وان تبدا من جديد مهما كانت الظروف التي تقابلها ...

سجلت كامل رفضي لهذا الوضع الشاذ وقلت انني لن ادعمه ..اما ان تكون معي او لا تكون ...خصوصا ان مجال بيتنا واسع ولا يكلفنا اي اجر وما من يطرق باب بيتنا طالبا باجرة او حق لديه علينا ...

ابت ان تترك كوخها لتقيم بشكل رسمي معي كما ابت ان اخبر اخوتي بانني اعدتها الى البيت وانني من يتكلف بكل مصاريفها ومصاريف البيت 

من جديد تمادت في الخروج لعالمها لحيث صاحباتها واحياءهم ونشاطاتهن سواء في البيع على ارضية الطرقات والشوارع وعادت لجلساتهن ولكوؤس الخمرة وسجائر الحشيش ولقصصهن وحكايتهن وعادت لتاتين لتطرق باب مسكني وهي سكرانة وفي حالة متدمرة وقد صرفت كل ما كان بحوزتها من مال قليل بل وتاتي وقد تعرضت لسرقة هاتفها ومفاتيح باب كوخها وباب ومسكننا وما كان معها من نقود ...بل وتاتي وقد تعرضت لمحاولة اعتداء بالضرب لما خرجت عن طورها وهي شاربة الخمرة تسب وتلعن كل ناس السوق الذي يتوسط حيهم ...

يعز علي حالها اعرف انها كبرت في السن واخدت تشيخ تجاعيد تجد مكانها تحث جفونها ..اما فمها ففي حالة كارثية من الدمار ..اسنان مكسرة وصفراء واخرى سوداء واخرى اخلت مكانها وحتى شفتيها اضحت بجلدتين جلدة متسخة بسواد وصفرة الدخان مغطاة باخرى ..ما زالت بنفس الحدبة الخفيفة على ظهرها وجسدها يشكوا من سوء التغدية .ما من نهذين ممتلئتين ولا ردفين ...كلها على بعضها في حاجة الى ترميم والى اعادة تاهيل ..بالاضافة الى الكسرين الذي تعرضت له على مستوى القدمين والقصبتين والذي وان وقفت منه عليها فهي لا زالت تعاني الالم والتعب بسرعة ولازال اسفل قدمها يتذمل ....

قبل ان نعاود الاتصال ببعضنا بعد وفاة والدتي كنت اعرف انها اشعلتها معركة مع اهلها مع كل العائلة ووصل الامر باخيها من والدتها ووالدتها ان قدم بلاغا وشكاية بها لمصالح الدرك الملكي بدعوى تهديد اهل بيته بتصفيتهم جسديا وقد قدموا تسجيلات بذلك للمصالح الامنية .. 

كما علمت بان حتى ابنتها حنان هددتها بان ان لم تترك ساحتها وتنساها فهي بدورها ستوصلها الى الدرك والمحكمة معها ...

وكل القصة حسب روايتها هي تدور عن باي حق يزوجون بنتها دون حضورها ودون علمها ودون مشورتها ....

وجدتها هي هي لازلت تجتر ويلها لوحدها وتوجد الاسباب ايجادا للاتتغير بل لتبقى بكل الحقد الذي ياكلها من الداخل ويمتص دمائها ويعكر صفوها ويفسد علاقتها ...

هالني حالها وشكل وجهها وتعنتها بعد لا تريد ان تصدق الا ما تصدقه هي وان كان لا عقلا يقول به ولا نظرية تدفع به ...

ضيعت كل صاحباتها القديمات وابتدات مع اخريات بنفس الاستعداد لتضيع اول واحدة منهن لن تنسجم مع افكارها او خواطرها او جنونها ...

ابتدات معها تاركا لها حرية القرار واتخاده ..قالت يلزمني الوقت لاطمئن ولاقرر ..قلت خوديه لكن بحساب لن يكون بامكاني ان احتمل ان تضعيني في اختبار دون ان اضعك بدورك في نفس الاختيار ...ثم عدت وقلت ..صعب سعاد ان نبدا حياة جديدة نفتقد فيها كلينا لاهم عنصر الثقة ..

الجمعة، 1 أبريل 2022

يوميات : عوالمي السرية.../فصل مطول...استرسال الحكي والسرد / ابن التاسعة سنوات..


 ننسى لربما لنحاول ان نبدا من جديد.. ننسى لربما كي لا نجبن من الاستمرار في النظر للوجوه التي خدلتنا باستمرار وتلك التي تمنت ان تمحونا وببساطة شديدة لتعيش هي فقط وتبتسم هي فقط... ننسى لاننا قد نفزع من حقيقة ما عشناه ورايناه منا ومن الاخرين.. لاننا قد نتمكن من هول ما وقع ان نفكر جادين في وضع نهاية لكل ذلك ولكل وجودنا... ننسى لاننا لا نملك ان نظل نفتكر كل الذي حصل ونتصرف وكان لا شيء حصل.... 

لا اعرف...(وان اعرف تماما...!) كيف كنت اتحمل ان اصحوا في الصباح وان افطر وان البس ثيابي.. وان امضي الى المدرسة وان اتصرف وكان لا شيء حصل معنا.. وانني طفل عادي وكذلك ها انا امضي.. واسير... واجلس طاولة الدرس واحمل حقيبتي... واعود للمنزل... وان ذلك والدي يحضر طعامه بنفسه ويعد لجلسته لوحده مع قنينته وذخانه وموسيقاه... وان تلك امي منحنية بقلة صبر واضحة تخيط ملابس زبنوناتها... وان تلك القادمة وهي تحاول رسم ابتسامة على محياها.. اختي الصغيرة التي ستقبلني على خذي وستحاول مداعباتي بجملة ما ثم ستكمل طريقها الى الداخل وكان كل شيء يمضي وفق ما مقدر له ان يمضي.. وانه بلا شك مجرد يوم اخر مثل اي يوم اخر في حياتنا العادية... مهما كنت احاول تقليب الاشياء لا ارسوا على اي فهم يقنعني اننا بالفعل نعيش حياة عادية... لم اكن ابانها افهم شيئا عن الحياة الخصوصية... وخصوصية الاخرين لااول كل شيء يحدث معنا وبيننا بانه نمط خصوصي بنا واكيد انه لا ينبغي ان نشبه الاخرين في كل شيء.... لا كانت عندي قناعاتي الصغيرة التي تجعلني اميز بان ما يصير معنا ليس عاديا بالمرة ان يصير مع اي اسرة.. واننا باليقين لسنا اسرة سوية مهما حاولنا التظاهر.. ومهما ربث كل واحد منا على كتف كل واحد منا وابتسم في وجهه... 

كان على كل واحد منا ان يخلوا لنفسه لبعض الوقت او لكثيره ليعيد استعاب ما الذي يحصل معنا ويعدمنا الاحساس بان الحياة الى حد ما عادلة معنا واننا نستحق ان نعيشها على نحو ما نفعله... كان البيت يصمت لبعض الوقت او لكثيره.. ليوم ليومين ولربما للاكثر من ذلك لنستعيد شيئاً فشيئا بعض الحركة وبعض الضجيج الذي يعطي نفس الحياة للبيت... كان يلزم وقت كي نعاود القدرة على النظر لوجوه بعضنا والقدرة على بدا حديث صريح... 

انا كنت اتعطل... يحدث ان اصاب بالخلل... اكذب على كل واحد فيكم لو قلت او ادعيت بانني من ساعتها اعرف كي امضي او اسير ولا كيف للوقت ان يمضي سلسا كاي وقت... كنت اتمنى لو امرض واتعب تعبا شديدا وانتهي بلا حركة طريح الفراش وانعم قليلا باهتمامهم قبل ان انتهي مودعا الحياة وساعتها لعلي قد لا احرم من رؤيتهم من حيث لا يرونني هم وانظر لكم كانوا يحبونني ويفتقدونني.... كنت اتمنى ان امسي في خبر مر من هنا... كان وانتهى...  

لا اعرف ما الذي كان ينكسر بداخلي ويصيبني بالذهول والحزن وبلا رغبة في فعل اي شيء...

كان العالم يبدوا لي كبيرا جدا بحيث لا مكان لي اصلا فيه ولا حجم لي عليه...بانني لا شيء...مجرد طفل قلق..يعاني باستمرار ضائقة وجوده في مثل هذه الحياة...

كنت انظر الى ثيابي اجدها قد تكون تليق اكثر من تلك التي يرتديها الاخرون من حولي وان هناك من ينظر الي شزارا لانني ابن هذا واننا...واننا...واجدني انني حتى بالافضل منها لا اريدها ولا اريد لي مثل تلك الاحساسات بالهزيمة والضعف والرثاء على نفسي وعلى حالنا... 

لم اكن اعرف انني اسمم اكثر باحاديث الوالدة وشكوها المستمر والمزمن من حال والدنا معها ومعنا..لكنني كنت اتعرض باستمرار لاعدم احساسي بالتوازن واشك بانني قد اكون فتى عادي مثل كل الفتيان....

احساس بانني مفضوح..وبانني منظور لدرجة ملفتة للانتباه دون ان اعرف كيف يحدث ذلك ولا لما ينتابني...

احساسي بانني مهما راوغت وادعيت فشبه الجميع يعرف بانني قلق ومشتث الذهن وخائف وبلا ثقة في النفس...

خوف مستمر من الاخرين على نفسي...اخاف ان يشتم خوفي حتى من الاغراب ومن البعيدين عن محيطي وعن من من يعرفون ما يحصل معنا....

رغبة خفية في ان انهمر بالبكاء..ان ابكي وابكي حتى يصبح الامر بلا معنى وانتهي على مزاج اخر...

تحسس من الضوء الذي يتسلل من النوافذ المشرعة على الخارج..وتحسس من العيون التي يمكن ان ترصد تحركاتنا بالداخل ويمكن ان يصلها صوت تحدثنا وتحركاتنا..

وتحسس اكثر من ساعة غروب الشمس وقرب دخول الليل ومن ضوء المصابيح الاصفر الشاحب..تحسس يثير الاعصاب وينبه المخاوف والتوجسات..ما الذي يمكن ان يحدث الليلة كذلك...؟!.

لا معنى لاقف اكثر على ناصية طوار بيتنا او حتى لاجلسه...اعرف انني انا ووالدي من فضلا بالبيت وان الوالدة بعد لن تعود وان اخوتي نادرا اذا ما كانوا لم يعدوا قبل هذا الوقت ان يدخلوا البيت عما قريب....

اعرف ان الوالد يتابع وقوفي مرات ويتقصى وجودي من نافذة الطابق الاول 

قد يحدث ان يناديني الوالد ليهبني قطعة طرطة البيض بالجمبري ونصف كاس ليموندة كوكا كولا...وقد يهبني نقودا..مبلغا محترما قد يصل الى خمسة دراهم مما سيجعلني اخرج قاصدا وسط المدينة عند اول مكتبة لاقتناء مجلة او كناب صغير وانني لن استبقى حتى قطعة نقدية لاقتناء زريعة عباد الشمس لالبلبها ولا فولا سوداني...لا احب عندما اكون وحدي ان امضي كالمتسكع امضغ لبابا او فولا سودانيا...ثم اعرف ان والدتي حتما ستمر هي واختي بشرى في جولة لوسط المدينة لاقتناء مستلزمات الخياطة وقدرا من الزريعة والكاوكاو والحمص المقلي...

واعرف ان ذلك سيفرحني لكنه في نفس الان سيحزنني لان السيد الوالد يريد ان يقول بذلك اسمح لي او اغفر لي لكنه لا يجرا على قولها صريحة وانه بذلك يبلبل مشاعري نحوه اكثر وسيجعلني من جديد افكر فيه وافكر في ما الذي يحدث معه حتى يتحول على ذلك النحو الفضيع والعدواني..وافكر في اسبابه الخاصة التي جعلت منه والدا لنا على هذه الشاكلة...افكر وكل همي ان افهم..ان املك فهما له فهما يسعفني على تلمس الاعذار اليه واسامحه وانسى كل ما بدر منه الا انه والدي ولا يمكن ان يكون الا يحبني لانني ابنه...

مصيبتي انني اعرف انه لا يمكنني الا ان احبه وان التمس له آلاف الأعذار لاتقبله على ماهو عليه لا أقل ولا أكثر لانه في كل الأحوال انسان مثلنا رحلة حياته اخدته لهاهنا واصبح هكذا ...!؟؟علي ان اتقبله وابحث عن أي سلوك فيه يعجبني واقدره منه لاقتنع بانه يلزمني ان احبه....كان علي ان اعدل مرارا وتكرارا من نظرتي اليه ولا احتفظ منها الا على ما يعجبني او يسير تقبله منه كصورة له احملها معي ....كنت اعرفني واعرف انني علي ان العب معه لعبة الحب كما هي ودون اخد مواقف جاهزة او معدلة سابقا ...وكنت مصرا على ان العبها بإتقان لسبب بسيط وهام جدا لانني على كل حال في حاجة لوالد بجانبي لمن يلعب معي هذا الدور ..كنت أعي ان تطوري يلزمه حضور هذه السلطة ومرجعياتها المجتمعية كي اتجنب الصدام والتهميش والحصار او التغييب...لكنني لم اكن افهم الا على نحو بسيط يقول بأهمية الوالدية ودورها في صناعة الرجل والكائن الاجتماعي المتوافق مع بيئته ....ووعيتها  على النحو الاخر الاقتصادي البناء فأنا في أشد حاجة ليعيلني ويهتم بحاجياتي المادية على رعايته النفسية والسلوكية...وفي حاجة نفسية-نفسية لاتصالح  مع نفسي ومعه دون ان اترك للصورة المشوهة ان تطغى وتفسد علاقتنا وسلوك بعضينا نحو بعضينا ...

كنت اعرف بانه يعرفني جيدا واختبرني دائما وبسهوله يستطيع كشف مشاعري نحوه وما يقلقني وكنت اعرف بانني لا املك ان اخادعه لانه سيكشفني ولاكون صادقا نحوه وامامه علي ان اتصرف على نحو متسامح معه وان التمس له الاعذار باستمرار ...لا يمكن الا ان انتهز فيه وارفض التعامل معه ....

كنت اتجنب الاصطدام معه خصوصا في ساعة تعكر مزاجه في ساعة الاستيقاظ من النوم او في ساعة يبدوا من الموسيقى والاغاني التي يستمع إليها مكتئبا او حزينا او بلا طيب خاطر ...وساعة يطلب مني ان اتركه لوحده لانه يريد ذلك ....وكان علي ان احافظ على ابداء احترامي له مهما كان موقفي من سلوكه يظل هو الكبير وهو الأصل وهو السيد الكبير ..والدي ...

كنت بنوع من السكونية والاستسلامية اتقبله على ما هو عليه لسنا نحن من نختار من يكون والدينا ولا واقعهم الذي اوجدنا نحن ...واتقبل ان هذا حالنا المادي وانا  هذه هي كل امكانياتنا وانا حتى وجهي في المرأة هو كما يبدوا لي عليه لا صنيعة لي فيه وإنما هم من اوجدوه على تلك الشاكلة ....ربما كنت اتمنى ان اكون على حال اخر وبفرص وحضوظ أخرى لكن الواقع يبقى واقعا....  

كان علي ان ابدل جهدا كبيرا لاسوي الصراع داخلي ولاركن لجانب من السلم والسلام الداخلي يسمح لي بان اتقبل ايامي وتواجدي في دوائر الحياة ...كان علي ان ابكي وابكي خيباتي حتى اشبع من البكاء وان اتارق طويلا وان افكر كثيرا حتى أوجد لي فسحة استعيد معها هدوئي الخاص وابدا في تقبل الأمور والاوضاع والأشياء من حولي ...  

الايام لا تمضي كما نشتهي معظم الأوقات لكنني اتقبل القليل الذي تجود به من الهدوء وان اظل على حذري ..لا يمكن ان اطمئن للايام وهي دائما ما تخدلني وتهز مني يقيني بأنها ممكن ان تعطف علي وتدعني اعيش بسلام...

كنت اتقبل فكرة انني بعد صغير وان العمر مازال كله أمامي وانه لن ينتهي على ذات الوتيرة التي يمضي بها الان ...او لعلي فقط كنت امل في الفكرة ان تعدل من مزاجي ومن طعم الكآبة التي يسيطر علي خصوصا لما ابقى وحدي وذلك كان معظم الأوقات حالي ...

كنت بما لا أعتقد أنه طبعي او ميلي ابقى لوحدي حتى بت اانس حالي واقنع به ..احاول ان اسيطر على زمني الخاص بان اهتم بشؤني الخاصة وان ابحث دوما عن أشياء أفعلها..اشياء تستوعب تركيزي وتدخلني عوالمها..وكان يحصل ان انتهي بان لا أفعل شيئا سوى ان اختلي بنفسي واسرح بخاطري وخيالي واراجع ذاكرتي الحديثة واعيد ترتيبها بحسب ما يطيب ويحلو لي ...أقف مطولا عند أحداث بعينها ..عند صور حبيبة على قلبي ..عند احاديث استحضرها بلذة غريبة وممتعة ...أقف عند ذكريات عزيزة علي ..ذكريات سفريتنا الى طنجة ..ذكريات جمعات ببيت الجدة ..لحظات بالشاطئ الصخري القريب الى جهتنا السكنية ..بعض الذكريات التي كان يحضر فيها عمي محمد وهو يجلس الى والدي ويعاملنا بحنو وبمحبة خالصة ..ثم أغرق في استشفاف عوالم الغذ ..واسافر مع احلام ظاهرة وجلية المعاني لي ربما لأنها تحمل الكثير من الشوق والرغبة في التواجد قريبا من الاحباب والأقارب والأصحاب منهم في أماكن وفضاءات مغايرة لجو بيتنا والقلق الذي يعصف به ..اتمنى بكل بساطة ان تمر السنة الدراسية سريعا وان اخلص من الكدر الذي يرافقني كلما تذكرت بأننا بعد في بدايتها ويلزم صبر طويل والكثير من الاحتمال لما يفوق طاقتي الصغيرة بعد على بدل كل ذلك الجهد وغير المبرر الا برغبة في الاستمرار والبقاء على ذلك الحال ..الاستمرار بعناد حين لا خلاص يبدوا قريبا في الافق من كل ما يضجرني ويشفيني ويعرضني للاضطراب والاحساس بالمرض وبانني لست على ما يرام ... 

اخدت استقل اكثر بنفسي عن محيطي وكوني بلا صاحب او رفيق دائم لي إذ حتى رفقة المدرسة لا تناسب فيها إذ يظل من كنت تفضل ان تصاحبه ليس من يصاحبك ويتقرب دوما منك ومن تستمتع بمجرد الدنو منها والتلفض ببعض الكلمات أمامها وبحضورها ليست من في الواقع تتقرب منك وباستمرار وبما يشبه المطاردة ...ورفاق الحي ليسوا رفاقا مخلصين في أغلب الأحيان إذ بمجرد ما تكبر اللمة ويحضر جماعة منهم حتى تسترك وتهمل من من كان لوقت قريب ملتصق بك ويحلم معك وبانتظار  العمل مع اي اقتراح منك ..المهم ساعتها انه كان يريد رفقتك ومؤانستك ..والان أتى غيرك والافضل منك بالنسبة له ...ومن كان يراعيك له ان يتحول ليتنمر عليك بمجرد ما يبدأ الامر الاخرون معك ..على ان الاهل وتبعا للعلاقات مع اندادك وأبناء الحي من اقرانك يبدأون في تفضيل التعامل مع هذا دون ذاك ويمنعونك من مصاحبة من يرون هم انه قليل التربية او لا يحسن التصرف والسلوك العام ... ويتم التشديد بخصوص من يدفعونك لتتعارك معهم..وكلما تدخل الاهل كلما قلت فرصتك في تكوين علاقات مع أبناء الحي وكلما فاتوك لوحدك أو كمن يعمدون لمحاصرتك ...

انا لم اكن فتيا كما قد يخالوا ذلك ..كل ما هناك انه كان علي ان اكون مراعيا لاداب السلوك ان لا اتصرف ببداءة وان لا أتحدث بسفالة وقلة حياء وان انوء  بي بعيدا عن أساليب التنمر ومضايقة الاخرين صغارا كانوا او كبارا وان لا اتصرف بعدوانية او اسلك سلوكا  تخريبيا يمس ممتلكات الناس والآخرين..وان احافظ على ظهور بسلوك عام محافظ ومهدب ومقبول اجتماعيا ..كما أنه كان علي ان اتجنب الشجار والعراك  والسباب واللعان وان لا اخدش الحياء العام بما اتلفض به ....وان لا ابتعد بعيدا عن دائرة الحي دون ان اخد اذنا من اهلي بذلك ...كان يمكن ان اتصرف ببعض الخشونة وببعض المكر لكن في حدود لا تلفت انتباه الاخرين الكبار لنا ...كان يلزمني ان احافظ دوما على الانطباع الذي يكونه العامة عني والذي ياهلني لاتصف بحسن السلوك وبالمهدب والمربي ..وهو نفسه ما كان ينعثه الباقية من أصحابي واقراني بانني " ابن ماما   " او يجعله الاخرون نعثا بانني "خروطو"..وبان سوقي خاوي ....وأحيانا يتبعه وصم اجتماعي جنسي فيقولون عني بانني "مبنت "...

"مبنت" كانت تلصق بي صفة ونعثا لامرين اثنين كوني اخالط بنات الحي صاحبات اختي وصاحباتي كثيرا اصاحبهم دون ان اتخلى على لعب دور الذكر بحضورهن ودونما ان اتمادى في معاملتهم من خلفيتهم النوعية الجنسية وإنما كاصحاب كاصدقاء وصديقات مقربات....  ولكوني احضى باهتمامهم وتفضيلهم لي وهو ما كان يحرك غيرة الاخرين الذين يهاجمونني ويلصقون بي الوصم اياه "مبنت " 

انا لم تكن في حركاتي اي تماهي مع حركات وأساليب الفتيات والبنات ولا في لباسي اي ميل او شبه بملابس الاناث ولا في طريقتي كلامي تفضيل للتحدث بانوثة او غنج او اي اتباع لطرقهم في لوك الكلمات والنطق بها ...كل ما هناك انني كنت اشاركهم جلساتهن  ومحادثاثهن  واصاحبهن في طريقهن لقضاء غرض للبيت او للسخرة او لزيارة صاحبة في حي سكني خارج دائرتنا السكنية ...على انني في ساعات كنت استمتع معهن بلعب دور الأنثى من قبيل التفكه والسخرية والتطبيع بيننا ....

البنات لسن سليطات اللسان خصوصا في علاقتهن مع الذكور ومراعيات للود اكثر من الذكور ومكايسات وحنونات وديعات ويتمتعن بحس مرهف ويهتمن بك شخصيا بهندامك وحسن لباسه وترتيبه عليك ومعهن لا شجارات ولا عراكات...   

في القرب من البنات امتاع وراحة وحس بالانسجام وما ممكن الخوض فيه معهن غير ما يخاض مع الذكور..

البنات في الغالب نظيفات الثياب والحالة ويتحدثن بصوت منخفض ومراعيات للأدب العامة ويبدين كامل الاحترام للكبار وعلى عكسهم  يحاول الذكور ان يبدوا عنيفون .. صاخبون..همجيون الى حد ما..غير مراعين في كافة الأحوال للأخلاق وللاداب العامة والسلوك العام الى حد قد يكونون فيه جناحين ويمارسون النشل والسرقات الصغيرة ويعتدون على الملكيات الخاصة والمنشاءات العامة بالتخريب وتلويثها بالقادورات ..يزعجون راحة السكان بقصد وبغير قصد..بالإضافة إلى العنف والاعتداء على بعضهم البعض دونما اعتبار او احتساب لما ممكن ان تتطور  اليه مثل هذه الاعتداءات...

انا حتى مع رفاق المدرسة كنت حريصا على ان لا ألفت انتباه العامة بسلوك شائن قد اسلكه ولا حتى بمرافقة من يبدون من هندامهم اولاد سوق ومتسخين وغير مراعيين..

عالم الذكور عالم يمتاز بالعنف والعدوان والتنمر لكنه ليس عالم الذكور كلهم هناك من أحسن تربيتهم وتاديبهم ومتخلصين من تلك الطاقة الميالة للعنف .ويحسنون التصرف وغير مأديين للاخرين ولا معتدين على ملكيات الاخرين ...

وضعت لي حدودا خاصة واراحني كثيرا عدم اهتمامي بلعب كرة القدم ولا ايجادتها من الانتساب لفرقة صغار أبناء الحي لكرة القدم ولا في ربط علاقات مع كبار الفتيان واليافعين الذين ينتظمون هم الاخرون في فرق ويلعبون مع فرق أحياء أخرى بيضاء غابة اولمبيكا ...وان عدمت هواية لعب الكرة الأكثر شعبية فلقد عدمت ام الألعاب وأهمها وأكثر من يلتف حولها الصغار واليافعين والكبار...

انا كنت احب ان اجري قليلا ..ان العب كرة التنس ..ان أجرى مباريات "البي " ان العب الورق ..وان اغني وانشد الاناشيد وان نتحاكى وكان ذلك يخلق لي قمة النشاط والمتعة والانبساط ...كما كنت احب ان اتسكع في الجوار برفقة ما ..مجرد تسكع نرى فيه الناس والمحالات والأشياء ونتحدث في اي شيء قد يلفت انتباهنا..  

لم اكن  بحاجة للباس او حذاء رياضي ولا لي لأن اتظاهر مثلهم بمشية جد خاصة وبحركات مميزة..

كنت أغلب الأوقات هادئا وقد اصخب في غمرة الحماس والنشاط والجهد البدني المبذول..لكنني منتبه للاخرين ومستعد لان ابدي كامل انضباطي اذا ما نسيت نفسي وحدودي العامة...

كان ياخدني الفضول لما اراهم جماعات ..فرقة لهم اهتمام مشترك ويجمعهم حماس واحد ورغبات واحدة واتابعهم ..اراقبها.. احاول ان افهم المشترك بينهم وما يوحدهم ويجعلهم احيانا يتصرفون كعصبة واحدة ويدخلون في مناوشات مع عصبة حي اخر ...

وحده الفضول ومحبة ان اعرف عنهم اكثر ليس ان اكون بينهم فأنا لا يستهوني نشاطهم ولا ينقص ذلك من ذكوريتي في شيء...كنت اعرف الحد الفاصل بين النوعين ..بين الأنثى والذكر وابدا ما وجدتني برغبة او تفضيل لان اكون أنثى بالعكس كنت احس ذكوريتي وفي الاعيبنا وحينما نتماسك ونتجارى وتدافع ونتماس يحدث ذلك اللقاء الجسدي الذي يعزز في ذكوريتي وينفخ فيها بمثل ما أشعر بانوثة الأخرى شريكة في اللعب اياه...ونتبادل التلميحات الجنسية والنظرات  الفاضحة بيننا ولا نخجل كثيرا من بعضنا البعض ..نعي ونستوعب في حدودنا حتى نوع العلاقة التي يمكن ان تجمعنا وتجمعنا ....

لم يحدث في كل مراحل طفولتي ان كرهت نوعي ..جنسي ورغبت في ان اكون أنثى بدل الذكر الذي اكون...كنت  متوافقا مع نوعي وسعيد بذكوريتي...وحتى في الاعيب دعني أرى وترى..بين اترابي الذكور لم اكن مبتاسا لحجم ذكري بل كنت مفتخرا بانني املك حجما لاباس به  ..

اضطررت لاخد مسافة من اختى الصغرى ومن صاحباتها لانني كنت أشعر بانني اكبر ولكي لا تضطرب نظرتي وعلاقتي بأختي الصغرى بالأساس اعرف وتعرف اننا كنا متالفين ودائما ملتصقين ببعضنا ونمتد لجوار بعضينا وننام بالقرب من بعضنا البعض ..كنا أخوة صغار وكنا نحاول اكتشاف المختلف عند بعضنا البعض وكانت لنا العابنا الخاصة لوحدينا ومع جماعة صاحباتها ...لكنه مع ازدياد وعينا وحسنا ومعرفتنا الجنسية نبدا في اخد مسافة من بعضنا البعض ربما كي لا نثير سوء الظن ولربما للانفقد احترام بعضنا للبعض...لكنها تبقى اختى وابقى اخاها الذي يعانقها ويقترب منها ويقبلها ويمسك بها وتمسك به ....وأحيانا تشعر بثوتري وبرغبتي فيها وقد تتقوى فيها هي الأخرى ونغافل بعضنا البعض محاولين تحقيق قدر من الاستمتاع دونما ان نتمادى وذلك كان يخلق بيننا ميثاقا سريا وفهما عجيبا لبعضنا ونشعر معهم بأننا نحب بعضنا البعض اكثر فأكثر...

في فراغنا وسأمنا من العابنا..يحدث ان نصمت ونكتفي بمشاهدة الاخرين والأشياء من حولنا وننتبه لوجودنا ولقربنا من بعض ولتماس جسدينا وللحرارة التي تسري بيننا فتسيقظ رغبات فينا نفهمها ولا نفهمها..نفهم الاحساس بالدفئ الذي تولد فينا ..نفهم ميلنا الطبيعي لنكاتف بعضنا البعض ما دمنا أصحاب ويحدث ذلك بين الأصحاب...لكن أشياء أخرى تتحرك فينا..نشعرها تكبر فينا ..تتورم فينا ..تنتصب بين فخدينا..وكلما أصبح الوضع محسوسا اكثر فينا على انه قد نحرص على ان نخفيه عن أنظار بعضنا البعض بضم ساقينا او بوضع ساق على ساق وفخد على اخرى.. تتحول نظرتنا عن بعض وترتبك بالتالي مشاعرنا وتصرفاتنا ونصبح ما بين الرغبة في إنهاء الحالة والوضع الذي أصبحنا عليه وما بين رغبة أخرى في الاستمتاع بهذا الدفئ اللذيذ ..نفقد صبرنا..ونصبح قلقين بلا سبب سوى لاننا متضايقن  من ما لا نعرف كنهه ..محروجين بدون لزوم لان نكون كذلك ...الاحساسات بيننا اخدت شكلا من التضايق الصريح ولربما كل واحد منا بدا يعمل عقله لانهاء الحالة والوضع والنهوظ لغاية أخرى...افهم الى حد ما مالذي يعتمل فينا وبيننا ومع بعضينا ممكن للامور ان تاخد بعدا اخر وتمضي لانى شاءت ما من مشكلة..وافهم ان على واحد منا ان ييسر فتح الحوار لانه بالحوار يمكن ان نخفض من توثراتنا ونمضي في الكلام مع بعضنا ..اساءل نفسي فلا أجد عندي ممانعة فادفع الامر نحو الذي ينبغي ان يحدث ويكون ..ويكون اقتراح صغيرا :"نلعبوا...."وعلى صاحبي ان يكون بقدر ذكائي واستعابي وبلا تعالي او تناكر عليه ان يتخير الإجابة كان تكون :"وفين غذي نلعبوا هانين..."او قد تكون اكثر عملية الإجابة:"ياله نطلعوا لسطح ديالكم من سطحنا..."   

اللعبة بسيطة من حيث انك تريد وانا اريد ومن حيث انك تفهم حدود اللعبة وبيننا الان رغبة في ان نلعب اللعبة فلتكن بيننا ....

نحن لسنا في حاجة للكثير من الكلمات والخطابات والنقاشات لنصل الى اتفاق او تراضي بيننا ....

كما ان العمر بيننا المتقارب لا يسمح لنا بان نلعب لعبة تكالب واحد على واحد ..نعرف بعضنا ونعرف هوانا الحقيقي وهذه العاب نمارسها مع بعضنا كتبادل للخبرات او كمحاولات استكشاف وتعرف عن قرب وغذا سيأخذ كل واحد طريقه وسيختار ما يحلوا له وما يناسبه او يفضله....

الكبار ليسوا مغفلين تماما كما قد ننظر إليهم نحن الصغار بل هم من يهيؤوا لنا الأجواء والظروف لنتقرب من بعض ولنكتشف مع بعض ولنتبادل الخبرات بيننا ...الكبار مروا من هاهنا ...الكبار كانوا بدورهم صغارا من قبلنا ويعرفون ما يكون بين الصغار وما يحس به الصغار وما يتحرك بداخل الصغار ....                         

    نحن الصغار لعلنا اكثر ميلا للصدق والمصارحة ولا نحب اللف والدوران ولا كثرة الكلام والملاججة ..ولا نملك من الصبر الكثير  في موضوع الاختيار....نحزم أمرنا بسرعة ونتخد في العادة قرارنا بنفس السرعة بمثل ما قد نغضب دفعة واحدة او نندفع دفعة واحدة...    

نحن الصغار نميز بطريقتنا الخاصة وبمنطق خاص بنا ونستطيع ان نتبين الحدود وان نتخطى ما لا نجد من ضرورة  في وجوده او اعلاءه واقامته ...ولا يخيفنا الضرب والردع بالقدر ما يازمنا العقاب النفسي...وهو كذلك قد لا يحد من رغبتنا في تجاوز الحدود اذا ما وجدنا ذلك العقاب النفسي تعسف في حقنا ولم ينصفنا او تعدي علينا ...عندنا احساسنا بقيم كالعدل والظلم والحب والكراهية والقوة والضعف والكذب والصدق ...وتستطيع  ان نحكم عقولنا الصغيرة واحساساتنا لنصل الى يقين والى تكوين اقتناع وقناعة ...نعي متى اننا أخطأنا ونعم كذلك متى اننا لم نخطئ من موقعنا نحن ..من ظروفنا ..من وضعنا ..من تجربتنا..ولا نحب ان نسلب حقنا او يتحكم فينا او يشتط في استعمال الخوف علينا دريعة للحجر على مشاعرنا وعلى حرية اختيارتنا الصغيرة....

لعلنا لا نريد أن نعرف الكثير لا نريد الخطابات والوصايا الطويلة بقدر ما نريد الصدق والوضوح معنا ...

لا نطلب الاشياء الكثيرة وإنما الأساسي منها ان توفر وان لم يتوفر لا نحتج ..نتفهم فقط على اساس ان يتحدثون إلينا بصدق ويعاملوننا كعاقلين وان كنا صغارا نحن نملك ان نستوعب الأفكار والحقائق...

لا نشكوا بجد غير عدم الاهتمام بنا ..واهمالنا..وعدم السؤال عن أحوالنا...نحن نقدر اعطيتهم لنا وتعبهم من أجلنا وخوف على صالحنا ولسنا بجاحدين...لكننا نكره التعالي علينا ..نمقت المن علينا ..نكره من لا يتعامل معنا بمنطق القلب ...

نحن اقدر على ان نتعلم في كل يوم العديد من الاشياء الجديدة نحن اقدر على ان نتطور لمستويات في كل يوم ..نحن اقدر على اكتساب المهارات اسرع من اي كبير اخر  وكذلك لاخد الخبرات لذلك نرفض احتقارنا والتعامل معنا كصغار سادجين لا عقل ولا ذاكرة لهم ...

نحن من نسامح اكثر من اي واحد راشد منهم ..لأنهم جميعا يرتكبون الأخطاء في حقنا ويسيؤا  التعامل معنا لأنهم بداية لا يقدروننا جيدا ولانهم يقعون في التناقض اكثر منا ..ولانهم ينسون بسرعة ..ولانهم لا يملكون الخبرة اللازمة في التعامل والتربية الصحيحة والسليمة ليراعوننا ...

نحن من مجبرون على الاقتداء بهم لاننا مسلوبون بحبهم فلماذا نعاقب على ما اتيناه تأثرا بهم ..يطالبوننا بالصدق وهم غير صادقين معنا وعلى مع الناس . يطالبوننا بمراعاة الله وهم لا يراعونه ...

نحن بالذي يتحرك فينا وبالذي هم من استدخلوه فينا وايقضوه فينا وجدنا الفرصة وقبلها الرغبة لنلعب مع بعضينا ..لنخوض التجربة والاستكشاف..فلماذا علينا ان نتخوف..ونتهيب..ومن ماذا ...؟!!

والدي ليس وحشا ولا قاضي او سجان وليس في مقام الله ليفرض علي العقاب ويحاكمني وينفذه في وكل ذنبي انني بالذي يتحرك ذاخلي وعلى نحو طبيعي خضت التجربة للاكتشاف او بالرغبة في المعرفة او بالرغبة ذاتها في الاستمتاع ..والدي ان فرضا وجدني اخطئت عليه ان يصحح لي مساري وان يعيد توجيهي ولا حاجة لي به لان يقلب الطاولة علي ويبدي لي منه وجها اخرا لا أعرفه منه وانكر  ان يكون لوالدي الذي احبه وافتخر به ....

كنت صغيرا لكن اسئلتي بدأت تكبر ..وصمتي وعزلتي قوت في إمكانيات الملاحظة والمقارنة وصياغة الأحكام...واعرف من أين استشربت كل ذلك ...لقد كان من القصص والكتب والمجالات والاداعة  

كنت بعد كالهر الصغير الذي ابتلع لسانه ...اسجل وانسج الحوارات واتابع وأقيم واصيغ الأحكام.. الاحظ واعي واستوعب والتزم الصمت ...بعد لا املك الاستعداد اللازم ولا فنونه او تقنياته لاخوض في النقاشات والمحادثات واقول واقول ....الان حتى القول عندي هو كمحطة قول وليس مجرد قول ولانه كذلك فهو يكون مجرد سؤال...سؤال وتحدث انت ..تكلم انت ..انا سامعك وساتابعك وساتحرى الصدق في كلامك وساستبين التناقض بين كلامك وسلوكك ان وجد وساترك لك انت ولوحدك إمكانية المرور على ما ممكن ان يكون موقفي ..او ماخدتي.. او ملاحظتي...او حكمي..ان كنت في مستوى تبين محطة قولي ....نحن الصغار لا ينقصنا الاحترام الا متى لم نتعلمه والا متى لم نرضعه مع الحب ...نحن نصمت وقد نغلق فمنا كليا كي لا نقلل في احترام كبير لنا أي كبير لانه يمثل كبار أحبتنا والدينا واخواتنا وأفراد عائلتنا وجيرانا...

كان وعي يكبر يوما على يوم.. وخشيتي على نفسي من ان اسيء الفهم او يساء فهمي تكبر...اعرف انني بعد لا اعرف أشياء كثيرة ولا املك ان اعرف كل الصواب...لا املك ان اميز في النوايا كما الوعود ولا في تمام الصدق من تمام الكذب..اتصرف في احيان عديدة مستعملا حدسي الخاص ..او مدفوعا برغبات غامضة كحب الاستطلاع او مجرد الفضول او لانني بلا رغبة وإنما منقاد لاشبه باللعب او التجريب او اختراع شيء لا أعرفه ولا شكلا له في مخيلتي حتى ...مجرد شيء ..أي شيء ..المهم  انني أفعل أمرا..شيئا... وفي تعاملاتي مع الكبار قد افهم وقد لا افهم تماما المعنى ..او المقصود منه ولا الصريح تماما منه ...واخشى ان اكون مجرد مدفوع بتاويلات خاطئة وان كل ما ذهب اليه عقلي او خاطري خاطئ وسوء فهم...

الأحكام في عالمنا قد تكون تهويلية وتضخيمية اكثر من كونها تقريرية وواقعية ..وأحيانا فقط لاننا عاجزين عن تكوين حكم نميل لتبني حكم ما على اننا قد نعي انه غير حقيقي وإنما نساير عقلية ما ..نمط ما ..او نريد أن نحصل على رد فعل ما ..كتعاطف او تستر علينا ...

الأحكام في عالمي غير يقينية دائما هناك شك ما ورغبة في عدم التصديق مقابل عدم الانخداع لدرجة تنطلي علي حيلة توهيمي في كل مرة انني اتعرض فقط للخداع ...

كان يلزمني الكثير من الجرأة وقدر كبير من اللامبالاة لاراهن على نفسي بانني لن اكون الخاسر على اية حال وانني على اي حال كنت احاول ان أفعل شيئا...

الشك كان يقابلني في اتباع رغبة الاخرين ويخلق لي موقفا متصلبا اكثر ما اكون مترددا او خائفا من التجريب ..مادام الامر لا يوافق هوايا ولا ينبع خالصا من عندي ..من رغبتي فيه فأنا اكثر تصميما على ان أقف عند حدي ولا اعبر الى حد اخر...ما كان يهمني حكم الاخرين علي ..لا اهتم لنعثي بالجبن او الضعف او بانني "مشي راجل "...

عندما يرتسم في ذهني مخطط أمر لا ارتاح الا بعد محاولات ومحاولات تنفيذه او الحصول عليه وان لم احصل عليه لا اصدق في وعد الحصول عليه لاحقا ...لا أريد أن اصدق الا فيما احصل عليه ..حتى تجاربي الناجحة والتي حققت فيها الهدف تشبه تجاربي التي كانت فاشلة لان كلهما كان تجاربي الخاصة ..تجاربي أنا ولا يهم كثيرا ان أفشل في بعضها لان الفشل فيها يعوضني هم الانشغال بها دوما دون القدرة على المرور للفعل وتجريبها واقعيا واكتشاف محتواها فعليا ...

كنت اعرف انني قد اسب والعن واقدف بأول شيء تقع عليه اليد او اعنف واضرب بشكل مبرح واهدد بمعاقبات  تالية و..و..و..لكنني ما كنت لابالي كثيرا لانه حدث ما حدث وحدث كما أردت له ان يحدث وانتهى الامر بالنسبة لي لا عند ما حدث وإنما عند ما دعني أساسا للاقدام عليه سواء كنت افهمه واستوعبه تماما او لا استوعبه ...لم اكن اقبل على نفسي ان اجبن طويلا امام أفكاري وامام ما يسيطر على ذهني ويبلبلني ...  

الاخرون وخصوصا الكبار عليهم ان لا يعرفوا الكثير مما نفكر فيه او يحدث بيننا ومعنا ...كما عليهم ان لا يخضعوننا دوما للاستنطاقات والتحقيقات...خصوصا عندما نلحظ إنهم غير صادقين معنا ولا نهتم بما عساهم يفتكرونه عنا او يتخيلون اننا نفعله او نفكر في فعله ...حين إنهم أنفسهم يتجاهلوننا ويتجاهلون رغباتنا...

نكتشف في لحظات عديدة إنهم يمثلون علينا..مجرد أدوار يمثلونها امامنا وبحضور الاخرين ويعرفون اننا اذكياء لحد اننا نعي حقيقة ما يفعلونه امامنا او ما يريدون ان نصدق ولو بعض القليل مما فيه ولا نقبل تحديهم او كشف خداعهم وإنما ببساطة نوهمهم كما يحاولون ايهامنا...نتبادل التوهيم ذلك كل ما نفعله امام ما يفعلونه ...

نكاد في مواقف متعددة من ان نرفع أيدينا عنهم ونكف نهائيا  في الإعتقاد بأنهم صادقين في كل ما يفعلونه او يقومون به او يقولون به ....

نشك في كل الحقائق التي يعللون بها سلوكهم فقط لاننا غير مقتنعين في صدقهم وعلى الاقل في صدق ما يعبرون به ويحاولون استدخاله في عقولنا او مخيلاتنا من حقائق كبرى كالنار وجهنم وارتضاء رضى الوالدين ولقيا  وجه الله تعالي...والاحترام....

صغار للا نجادلهم ونعرض أنفسنا للانتقاد او للعقاب او للوضع في خانة الاختبار وجس النبض او للمتابعة والمراقبة ..لكننا لسنا مغفلين للصدق في كل ما يقولونه ويفعلونه ظاهريا وامام الاخرين وبحضورنا...

يبقى دائما هناك ذلك البون امام ما نصدقه وما يريدوننا ان نصدقه..وامام ما نجرا على فعله وما نفعله امامهم وبحضورهم ودائما معنا الحق لأنهم هم من علموننا ان لا نكون صادقين معهم ثم من الغباء ان نترك لهم فرصة النيل منا بالادعاء الكاذب بأنهم يريدون الخير لنا ولا يهمهم  الا صالحنا ...في أشياء بسيطة نكشف زيف ادعاءتهم إنهم يكذبون في غالب الأحيان ويريدوننا ان  نصدق إنهم لا يكذبون علينا وان الكذب حرام وهم على الاقل لا يقولون كل الحقيقة ويريدوننا ان نطالعهم حتى فيما نفكر فيه ....أغبياء هؤلاء ليعتقدوا بأننا سدج للا نلاحظ وللا نعقل الاشياء .... 

لم يكن عمري يتجاوز التسع سنوات عندما شبه فقدت القدرة على متابعة تعلمي المدرسي وانعزلت عن الاخرين..كلما كنت استقل بنفسي وبافكاري كلما كنت ابتعد عن التصديق في حقيقة ان الاخر صادق معنا في كل ما يقوله ويتظاهر بانه يفعله ويسلكه..وكلما كبرت اسئلتي  

كنت استمتع بوقتي مع اقراني حينما يسمحون لي ان اشاركهم العابهم واكون بين حضورهم وما كان بإمكانية ان اكون دوما برفقتهم وأنا دون اهتمامتهم وبلا قوة لمسايرتهم نشاطهم ولا مسموح لي من اهلي بكل الحرية التي ينطلقون هم بها ..على انني لم اكن لأحصل على مكانة متقدمة بينهم تحول دون ان اتعرض لتنمرات بعضهم علي وهزئهم مني ...

خروجي للزقاق ولدربنا يبقى تحت أنظار والدتي ومتابعاتها لي وهي من توجهني لالاعب هذا دون الاخر او الاخرون واحد حتى من حركية الإبتعاد عن فضاء الدرب او الزقاق ..على إنها اقراتني وصاياها لا عراكات ولا قلة حياء ولا تصرفات عنيفة كما اوصتني الاهتمام بنظافة ثيابي والمحافظه على سلامة حذائي...على ان اخوتي بدورهم يوجهون خروجي وعلاقتي مع اقراني ويتابعونها ..أما في المدرسة فشكليا أنا تحت أعين الوالد وكل من يعرف ابن من اكون أنا بما في ذلك حتى معلمي لكن عمليا أنا مجرد تلميذ كباقي التلامذة ولا كنت من زمرة النجباء او المجتهدين وفي هذا ما اربك علاقتي بالسيد والدي الذي أعرفه جيدا لو شاء واراد ان يصنع مني التلميذ المجتهد والاول على مستواه او على كامل المدرسة لفعلها معي واهتم بتدرسي وتقويتي منزليا كما سبق ان فعلها مع أخي خالد وأخي فؤاد إما سمير فكان جهده الخاص من يجعله من الناجحين والاوائل دائما... 

في مستوى المتوسط الأول كانت تدرسنا معلمة اللغة الفرنسية والرياضيات " الأستاذة سعيدة " ومعلم اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية "السي الجمعاوي "....في حصص اللغة الفرنسية كنت اجلس جنبا لجانب بطاولة واحدة مع ابنة حينا "نجية فراجي " وسبق ان كنت اجلس لجانب "رحيموا الموثوق"في مستوى الأولى ابتدائي عندما كان يدرسنا السيد الوالد وفي حصة اللغة العربية كنت اجالس "بهاء الدين الصروخ"وفي مستوى الثانية ابتدائي كان أستاذ اللغة الفرنسية والرياضيات "السي الشاوي " ومعلم اللغة العربية والدي وكان يجالسني في حصة الفرنسية "العدوي منير "وفي اللغة العربية كانت تجالسني "فاطمة الحدادي"...

"بهاء الدين الصروخ"كان صغير الحجم ومتخلق جدا ومتدين ووالده رجل تعليم ابتدائي بدوره وكل تفكيره مقصور على التعلم وعلى أداء الصلوات وحفظ القرآن..كان ضعيف الشخصية ومتنمر عليه من الجميع لذلك كان منعزلا وحريصا على ان يأتي في الموعد تماما وينصرف كذلك في تمام موعد الانصراف كي لا يتعرض لتنمرات باقي التلاميذ ...حاولت مصاحبته لفترة من الزمن وكان يأتي وعمر علي بيتنا وكذلك كنت أفعل أنا لكنه كان مضغوطا اكثر مني وانتهينا بان لا نكون أصحابا...على انه زميل لي بنفس طاولة الدرس...بالساحة كان بعد يأتيني "اليأس امزيان "ابن مدير مدرستنا لنتسكع معا او لنقف بجانب بعضينا وعادة لا نتحدث طويلا كانت صحبتنا يتخللها الكثير من الصمت والرفقة الطيبة والود...

"نجية "ابنة حينا كانت أكبر سنا مني وذات بنية طويلة وتبدوا أكبر سنا من قريناتها وعلاقتي بها كانت في الغالب صامتة لا نكاد نتحدث الا ببعض الكلمات مع بعضنا البعض لكنها كانت مهتمة بي وتجيد  معاملتي وتفرض نفسها علي فترافقني في طريقي من المنزل الى المدرسة او بالعكس وكانت منتبهة لي وكأنها كانت تقرأ أفكاري وتعرف بانني أعاني من مشاكل جمة...

كنت احاول ان لا افكر طويلا في معنى اختيار واحدة دائما لتجالسني طاولة الفصل دوني دون باقي التلامذة لانني في بدايتها معي جاءت من والدي/معلمي ...ووالدي لعله ادرى بمصلحتي وله اسبابه الخاصة وتقديره للامور ومادام رأى ذلك وفعله فلا يجب أن افكر طويلا فيه على انني كنت مستمتعا بذلك الاستثناء و"رحيموا" كانت تتعامل معي بتودد كبير وبعاطفة جياشة حتى انني كنت احرج منها وهي حريصة على ان تقربني منها وتمسك بيدي على غرار ما كامت تفعله اختي الصغيرة بالمدرسة دائما معي...ومع "فاطمة الحدادي" كان الامر مختلفا لأنها كانت مختلفة عن "رحيموا " كانت صغيرة الحجم ورشيقة ودقيقة الملامح وانيقة ودائمة الابتسامة في وجهي مع الكل ومعي بالتدقيق ولم يكن لي بها سابق معرفة كما "رحيمو" التي كانت اسرتها على علاقة بعائلتنا وكانوا يعرفوننا .."فاطمة" ظلت توثرني لفترة طويلة قبل ان أانسها وأالف دنوها مني وتقاربنا من بعضنا البعض ..."فاطمة " كانت أنثى بالنسبة لي بينما "رحيموا " كانت كأخت كبيرة لي على إنها كانت جد بسيطة لحد ممكن اعتبارها سادجة كما ان تحصيلها الدراسي كان ضعيفا بخلاف "فاطمة " التي كانت حريصة على ان تتلقى تعليمها وتنجح ..غير ان "نجية " كانت مختلفة كليا عنهما كانت صامتة ومنطوية على نفسها وتجاهي كانت باحساس امومي وهي ترعاني بأمانة وصمت ..كانت نظراتها احيانا لي تخجلني من نفسي وهي لم تكن تتعمد الاقتراب مني بتودد الطفلات الصغيرات بل كانت على مسافة مني وهي المسافة التي كانت تكسرها متى شاءت هي لقد كانت تكبرني وليس هذه هي الحجة بل هي كانت تتصرف على نحو إنها أكبر من عمرها اعتبارا لطول قامتها ولحضور جسمها ..كانت تحرك في الرغبة لملاحظتها وتتبعها والنظر إليها وعندما تلامسني كانت تفعل ذلك بذكاء يخجلني..كانت تعرف ما الذي افكر فيه او اتخيله ..كانت تدرك انني أصبحت بتجارب طفولية مع الاناث وكانت تراقب علاقاتي مع بنات عائلتي اللواتي يكبرنني وكيف اقبل منهم ضماتهم وتقريبهم لي لهن ...انا لم أقل لها في أيامها إنها تذكرني بحضورها ببنت خالتي "أسية " التي تكبرني بعامين وكانت بمثل طولها ...غير ان بنت خالتي كانت لي معها اشكال وصال لاننا كنا قريبين وعائلة واحدة وكانت خالتي وبنات خالتي الكبيرات يسمحوا لنا باشكال من الاحتكاك والتعايش مراعين المرحلة العمرية التي نحن عليها واختلاف النوع بيننا على ان ذلك كان أسلوبهم في التوليف بيننا ومد جسور المحبة بين الاقران من افراد العائلة الواحدة ..لقد كان مسموح لنا بالعبور الى مناطق حميمية مادامت  الأمور تحت سيطرتهم ورقابتهم والفرص هم من يوجدوها لنا ..."نجية " لم تكن بنت خالتي ولا قريبة لي لكنها كانت بنت جيراننا ..بنت حينا ...لكنها مع ذلك كانت مختلفة عن باقي بنات جيراننا خصوصا بنات "سي قاسم "فهي لم تكن منطلقة مثلهم ولا تلاعبنا او تختلط بالذكور ..كما إنها كانت تعاني لربما من مشكلة جسمانيتها ..طولها وكبر قامتها بالنظر لعمرها ثم لعلها كانت تعدم الاسباب نفسها التي كانت تجعل كل بنات "سي قاسم "يختلطون بنا فمهما كانت الواحدة منهن كبيرة لتكون من غير اقراننا فمع ذلك ما دامت أختها قرينة لنا فهي بحكم وصايتها ورعايتها لاختها تقترب منا وتتحدث لنا وتتصرف معنا بمرجعيات عمرها وسيكولوجية الاناث اللواتي من عمرها .."نجية " دائما  كانت مراقبة اكثر من منخرطة معنا في العابنا واحاديثنا..وواحدة مثلها كانت بالتأكيد تضمر وتخفي اكثر مما تفصح عن شخصيتها وميولاتها ...بالإضافة إلى إنها من اسرة محافظة وعدد الذكور فيها أكبر من الاناث بخلاف اسرة "سي قاسم " التي كان الوضع بالعكس وكما كان يقال بين الكبار تربية الاناث متطلبة اكثر من تربية الذكور ومختلفة في وضع الأنثى المستفردة بين الذكور والتي حتى ترتيب أخواتها الاناث متباعد  عمريا ..أي تبقى على كل مستحكمة بعقليه تربية الذكور ..وكذلك كانت "نجية "حتى في المرات القليلات التي تصاحب والدتها مع جاراتهم أم أبناء وبنات "سي قاسم " للشاطئ الصخري " الماء الجديد " ما كانت تجرا على ان تتعرى وتدخل البحر للسباحة ...لا اعرف تماما ما كان يحول دون ان تكون منطلقة وعلى طبيعتنا هي الأخرى..غير انني في علاقتي معها بقيت اكن لها الكثير من الاحترام وذلك الفهم العميق الغير قادر ان يشخص بالكلمات والتعابير ..وقد أقول ولا ازعم في قولي ..إنها كانت في صميم اهتماماتي ونصب  عيني وانها استطاعت ان تدخلني بعيدا الى عالم الاناث ..الى محاولة فهمهن واستبيان حقيقة مشاعرهن وسلوكهن ..ما يقلنه صراحة وما لا يقلنه الا تلميحا او صمتا ...  ما هن قادرات عليه ويجرأن عليه وما هن من الصعب ان يقدمن عليه ...والسؤال عن هل يحسسن بمثل ما نحسه نحن..أم الامر مغاير...!!؟

أستطيع أن اصف  نفسي ولا أجد في وصفي خصوصية تجعل اساتذتى يجلسوني على طاولة واحدة مع زميلة أنثى...فلماذا يفعلونه ذاك بي ؟! 

"نجية " كانت حريصة على علاقتنا ببعضنا بالفصل بالمدرسة بخارج المدرسة وبالحي ..وعليه أصبحنا اصحابا ...كان الامر الذي فقط كنت اتصوره ..قد احلم به ..قد أتمناه ان يحدث معي ...لكنني أبدا ما قفزت الى ارض الواقع ورغبت بحق في تحقيقه...وحتى عندما كنت معجبا بالصغيرة " سكينة التفرسيتي " الشقراء الجميلة كنت لا أخال ان شيئا ممكن ان نقول به ويحدث بيننا لذلك بقيت احرم حول كل مداراتها واحاول التقرب منها لتعي بانني أحبها واتمناها صديقة مقربة لي ليس إلا لانني كنت أعي بأننا بعد بعمر صغير ويلزمنا عمر وعمرين آخرين...

"نجية "بكل تودد وذكاء اجتماعي  طلبت مني ان اقبل بها صاحبة لي لأنها تريديني كذلك...لعلها كانت تكبرني بثلاثة سنوات إنا بعمر التاسعة وهي بعمر الأنثى عشرة سنة واتفقنا على ان نبقى ونظل كذلك اصحابا نترافق في الطريق للمدرسة وبالمدرسة وبالفصل وارافقها في خرجاتها للتبضع أمرا للمنزل ...وتأتي لتطرق باب منزلنا وتنادي علي لاخرج واقف إليها...وفي كل ذلك أنا لا اتصرف كالمذهول ولا كالمستغرب وإنما بكامل هدوئي واريحية وسعة صدر وانتظارية ..اظل إنتظر خطواتها هي ..اقتراحاتها هي ...لانني كنت استوعب ما أكونه أنا بالنسبة لها أنا صاحبها الصغير الذي ترعاه والذي ارتات هي ان تتطور معه عاطفيا وان تجرب نفسها معه ...لذلك زاد احترامي لها وكبرت كثيرا في عيني للاانساها أبدا...

كنت ارتاح كثيرا للبنات اللواتي يكبرنني سنا لأنهن في العادة يبدون مستقلات بانفسهن او لم يعدن  طفلات صغيرات يخشى عليهن ويجب حراستهن ومراقبتهن وفي الحقيقة لم اكن أبدا أنا من يتقرب منهن بل هن كن البادئات معي ومما يقولونه عني انني أبدوا مختلفا عن الباقية وبانني أبدوا أكبر من سني وهادئ  ومتزن وصامت في غالب الأحيان وانني اطرح لهن مجموعة أسئلة فيودون التقرب مني والتعرف عني عن قرب ..  وكنت أقولها لهن ان ذلك ليسعدني جدا ويشرفني معرفتهن...

هن مثلنا كذلك ..وكلنا في حاجة للمزيد من الاختلاط  بيننا لنتعرف على بعضنا البعض ..لنتجاوز الأحكام المسبقة والخلفيات المشوهة وكلنا في حاجة لمساحة لا نتعرض فيها لزجر او رفض او تضيق او حصار من أهالينا...لذلك كل واحدة وجدت في نفسها الاستعداد لتغامر في معرفة اخر كان عليها هي ان تختار جيدا من يكون شريكها والذي عليه ان يكون مخلقا ويعرف معنى الاحترام والتصرف السليم ....

هل كنت كذلك ؟!!...نعم كنت كذلك وأكثر اؤمن في الوفاء واصون السر ولا اتطاول  على الاخرين ..واحب ان أعامل الاخرين كما احب ان يعاملون أنا....

لقد كنت واقعيا بطريقتي الخاصة ...واقعيا للابني أحلاما كبيرة ..وللانسى انه بمضي العمر تتغير الاشياء والاوضاع والناس...واقعيا للارفض ان ادخل علاقة إنسانية وعاطفية ممكنة الان وفي حدود الان ....وللغد كلام اخر وحديث اخر ....

منذ متى بدا ذلك الاحساس يكبر ذاخلي .. ؟!! ..وهل حصل ان لا كان معي حتى انوجد لاحقا ....؟!!...لا اعرف تماما غير انني بدأت اعقله كاحساس مغاير منذ اللحظات الأولى التي أصبحت اتدوال بين الاحضان واحمل من هذا وذاك وكان في كل ضمة احساس منفرد وخاص جدا ...وفي كل حركة تقريب اكتشاف  احساس اخر مفرح او عجائبي..وتمريغ وجه هذا فوق وجهي مخالف إحساسه اللذيذ داخلي ...وعندما كان لي ان أخطو على قدمي كنت السباق في اختيار والذهاب الى الموضوع العاطفي المشتهى عندي ...دائما  كان معي ذلك الاحساس ودائما معي الشوق اليه والكثير من الحنين والاحتياج اليه .....

كانت مداعبة بسيطة لشعر راسي تاخدني بعيدا في دروب الرغبة وفي عوالم الاحساسات اللذيذة المطبوعة داخلي لاستقرئها وافك شفراتها وأحيلها على مرجعها الأول...كانت كل لمسة تنفد بي عميقا لمستوى تفقد اللمسة الأولى اللمسة الام ولما بعدها للمسة المخالف عنها للمسة التي تكون هي من اهدتها إليك لأنها هي من سمحت لذلك الاخر ان يحملك او يقترب منك او يمسسك .....

لا اخال ان احساساتي مختلفة وان تنتمي لنفس الزمرة وإنما لأنها متعددة وكل منها كان لاحقا لسابق منها وأنا وبذاكرتي من يحيلها على الخامة الاساس ...الخامة الحسية البليغة والاصلية ....حيث يمكنني ان استشعر وجودي الأول....

البنات الكبيرات في السن اقدر على النفاد سريعا لمثل هذه الاعماق فينا ... معي كنت أنسى العالم والناس أجمعين والوقت والفرق بيننا وما كان وما ممكن ان يكون ..وابقى في غاية الاستسلام لملامسة هذه او لمكتافة أخرى لي او لمداعبة شعر من تلك او من دنو ملامس لكل جسدي من تلك ....

البنات الكبيرات كن روعة بالنسبة لي لأنهن يتحرك بسلاسة ويتصرفن بنظام عفوي او لاشعوري وهن يتخاطبن معي مع جسدي ..مع البعض من جسدي ...حنوهن..دفئهن.. ملامستهن الخفيفة والمكتسحة والعابرة لحيث ستقف وستشعل أجمل الاحساسات ...رائحتهن ...رائحة صابون الحمام ..او شنبوان الشعر ..رائحة الحناء او الحناء والقرنفل... رائحة عطر رخيص او غالي .. رائحة أم مرضعة على رائحة خالة تطبخ الطعام على رائحة جدة متطيبة بالمسك والماء ورد ...وملامستهن لاثوابهن العجائبية ..الصوف  غير الثوب الخشن غير الثوب الناعم غير الحريري غير المصنوع من نيلون ...ملامستهن باكفهن المختلافات تماما من حيث الاحجام والكثل والخشونة من الرطوبة والعظمية من اللحمية الثخينة ...وشعورهن هل هن مستويات او مجموعات مغطات ولون شعوره  واشكاله وملمسه  هو نفسه ......

ما ان تقترب بنت كبيرة لتسلم علي من وجهي حتى اتكهرب وان كانت بعطر جميل امسك فيها واتمنى لو أموت مختنقا بعطرها وعلى كتفها   

اما اذا كانت تقبليني وتنظر لعيني وتبتسم  فلها ان تفعل بي ماشاءت ان تنظرني مابين القبلة والقبلة زمنا وهي تتحدث لاخرى او تنادي أحدا وان اختلط عليها الحساب فلتكن حتى ستة قبلات الاهم عندي اللحظة التي ستقربني من صدرها وتضمني اليه لانني هناك اريد ان ادفن الى الابد ولا أصحو  ...

البنت الكبيرة تحس بك تهب اكثر للجسد فيك تقربك منها تغرز صدرها في ظهرك او براسك ..تقترب اكثر منك تجعلك تلامس تقريبا كل جسدها وتمسك بكفك كما تكاتفك وتقربك لصدرها ...تجلس الارض وتجلسك ملتصقا بها وتعود لتكاتفك ولتقرب كامل  وجهها لوجهك وتشعر بانفاسها قريبة من أنفاسك ومن رائحة فمها وعندها....

كيفما كنت أشعر بالسلام بحضرتهن وبانني طاهر وقد عدت لعودتي الأولى..لوجودي الأول....

كنت افكر فيهن نحو ان استعيد معهن اللذات الأولى وافعم الاحساسات الأولى...كل واحدة كنت احيلها على الأصل المتفرد المطبوع بداخلي وكانهن لسن غير مثيراث توصل لذلك العمق الأصلي في .. ذلك الأصل الذي حضيت به في اولى ايامي ومع أعز الناس علي الذين سنحت لهم والدتي ووالدي بان ياخدونى الى احضانهم ويحملونني إليهم ومن بعدهم اخوتي وخالتي وعماتي وأبناء كل واحد من كل هؤلاء 

البنات الكبيرات هن من يعبرن إليك ويكسرن ذلك الحاجز الوهمي الذي يسمونه الحياء والخجل..وربما لأنهن كبيرات فهن الاقدر على التمييز  والمراعات وربما لأنهن قطعن  شوطا في التاهل لممارسة أدوار العاطفة والأمومة ومدركات لحدودهن في مثل هذه الممارسات حتى لا تزيغ عن اهدافها المحددة والمرجوة وتصبح لعبة خطرة ....

"نجية " نفذت لي من موقع فاهم وعارف ومدرك لما يريد ان يلعبه معي من أدوار نفسية او نفسية إجتماعية  وبمثل ما استشعرت الحاجة للتطور مع مغاير جنسي لها كانت تستقصد العمل على تطويره هو الاخر ....

نحن في الحي كنا كلنا نعرف بعضنا البعض ونعرف بعضنا البعض جيدا .. ولا أحدا كان فيها خارجا عن الردار الاجتماعي نعرف الأسماء الكاملة ومكان المنشا والمستوى التعليمي والاجتماعي  لكل واحد منا وعائلته وقصصا  من تاريخ عائلته ونعرف الوقائع الاجتماعية اليومية والاسبوع والشهرية والفصلية التي تحدث في جهاتنا السكنية ....

كان الكبار يسعون للتبادل مثل هذه المعرفة الاجتماعية والتي تاسس لادوار ممكن ان يلعبوها لصالح الحياة الاجتماعية السلمية والممكنة التعايش داخلها 

كان كل كبير في زمننا نحن جيل السبعينات والثمانينات  يملك سلطة وهي سلطة الكبير الواجب احترامه والسماع لنصائحه وتوجهاته ويملك سلطة الكلمة فكلمته يجب أن تكون مسموعة ومطاعة..على إنها كلمة ضامنة وكلمة ثقة ...

والكبير كيفما كان وضعه عليه ان يحترم حضور المرأة الام الكبيرة او المتوسط في العمر لأنها هي من تمثل المجتمع وهي من تصنع ابناءه وبناته  وتكون نساءه ورجاله . .

الاخوة الكبار والاصفر منهم لهم كلمتهم على اليافعين  والصغار وهم من يحاولون ان يصنعوا السلم الاجتماعي بين الاقران والمجايلين وبالتالي بين  الاسر والعائلات بالتدخل للحد من اي عدوان او عنف او زيغ خلقي ولتنظيم الفضاء العام للحي ولزقاق والشارع وللمنطقة السكنية ...وفي العادة ينسقون مع الكبار في ذلك ....

صغارا او كبارا بعض الشئ كنا نعرف بأننا مراقبون وباننا دائما تحت التقييم وبقدر ما كان يحلوا لنا اللعب خارج رقاباتهم كنا نقدر جيدا مسألة ان تحاكم اجتماعيا فتدان او توصم او يسمح للدوائر الاجتماعية الأخرى الحق في التصرف معك من تخصصها التاديبي او الوقائي الامني ...

صغارا كنا ولكن بذهننا مجموعة لاءات  وتحريمات  وتجريمات علينا ان نعقلها جيدا  قبل ان يسمح لنا بالخروج فرادى  الى الحي او لامام منزل الباب  واخرى اكثر تعقيدا علينا ان نعلم بها قبل ان نعتاد الذهاب الى المدرسة ...واخرى يجب تذكيرنا بها باستمرار قبل الاشراف ضيوفا عند أي عائلة اخرى...

"نجية " لو لم تكن تعرفني واسرتها لو لم تكن تعرفنا لما تصاحبت معي ...لانه صعب ان تمر من مجرد متابعة بسيطة وعادية ..الى متابعة وتقييم خاص ونوعي ...

"نجية " لوحدها شان ...و"طارق" لوحده شأن اخر ...لكن "،نجية " ترافق وتصاحب وتخرج وتقف وتسأل عن "طارق "شان اخر ويتطلب تنبها من نوع اخر ورقابة من مستوى اعلى واذنا خاصا من اعلى سلطة ببيتها .... 

ارفع راسي لعينها تنظر عميقا فيهما لأقرأ فيها السلام والترحيب والثقة فأطمئن على نفسي بحضورها ..أقف عند منضدة الفران التقليدي تقف وراني وتضع كفها على كتفي وتتركه هناك ..ارغب اكثر في الانغراز فيها بظهري ..ارغب في ان تتلامس اجسامنا اكثر ..ومع مجيء واحد اخر يحمل طبلة الخبز المعجون ليضعها على المنضدة تسحبني "نجية "معها وهي تميل لتقف جانبيه والان أنا ملتصق بها من خلف وراسي على صدرها وكفها على كتفي الاخرى والان هي كمن تضمني من خلف ...لا يمضي الكثير من الوقت ربما دقيقتين او ثلاثة ثم تتركني لاعدل من وضعي او لننطلق في طريق عودتنا للبيت ..للحي ...  

وعندنا تلتقي عيوننا من جديد تقرأ في عيوني كامل الامتنان والمحبة والرغبة في ان تقبلني اكثر صاحبا لها ...

تقول لي :"تسناني حتى ندوز عليك نمشيو مع بعض للمدرسة "

أرد عليها :" عيطلي أنا كنتسنك..."

أنا لجانب اختى الصغيرة بشرى و"نجية "تقترب منها لتسلم عليها من وجهها ولما  تنتهي من ذلك تعبر من جواري .. بمحادتي كأنها ستحضنني ولا تحضنني الا عبورا وعليه تكون بالفعل كمن حضنتي..وتبتسم في وجهي ....ثم تذهب لتدخل بيتهم ....

تكاتفني اختي الصغرى وتطلع قبلة على خذي وتدفعني لندخل البيت سويا انه موعد الغذاء وما ان ننتهي منه حتى سيحل وقت العودة للمدارس .....   

من جديد تقبلت موضوع العلاقة كحادثة سعيدة وككل الاشياء المستجدة علي والتي لا اعرف فيها شيئا يذكر...الذي اعرف انني احببته جدا هو انني لم اكن متكلفا في أي سلوك وإنما مفتوح على كافة الاحتمالات والاستجابات ..وعندي ثقة الى حد بعيد بأنها لن تؤديني ولن تقسوا علي ....إنها الادرى بالحال اكثر مني وهي التي تملك ان تصيغ قانون اللعب بيننا ..انا فقط جد ممتن بالاهتمام الذي غذقتني به وليس لي أي سيناريوا اسير عليه ... 

كنت أقول لها في كل مرة نتقابل ونترافق بانني اقدر منها جدا ما تفعله معي ..أقولها بصمت وأنا انظر الى عينها وأنا طامع في ان تقربني منها او تقترب اكثر مني ... 

لم اكن  أعتقد من قبل ذلك ان ما حصل معي منها كان ممكن ان يحصل لا لانني لم اكن افكر فيه واحلم به ولكن لانني أنا شخصيا ما كنت لأجرأ حتى تصور نفسي ممكن ان احضى بعلاقة وأنا بهذا العمر وأنا بكل هذا الخوف الذي يسكنني..انا وبكل حجم الاغتراب الذي أشعر به بين اقراني وبين كل الناس .... 

علاقة من هذا النوع وعلاقات الحي الأخرى جعلتني انظر جيدا لواقع الحياة الاجتماعية ..لأن افكر في طبيعة وجودنا الاجتماعي..في العوائل التي تسكن في حينا والاحياء الأخرى المجاورة منا او الابعد منا ..في نمط كل عائلة ..عائلة ..وفي نوع تربيتها لابناءها  ..في مدى انفتاحها على الاخرين من مدى انغلاقها ومحافضتها على خصوصيتها .. وان افكر مليا في مدونة سلوكي الاجتماعي وكيف علي ان اظهر اجتماعيا وكيف اتصرف واسلك اجتماعيا ...وان أعيد تقيم سلوكي تجاه الاخرين ...كنت استشعر مسؤولية ان اكون في موقع المنتبه لسلوكه والخاضع لنظام التقييم الاجتماعي باستمرار ..كان علي ببساطة ان أزيد من تعديل سلوكي لدرجة إن أكون مقبولا اجتماعيا وان اتجنب ما يمكنه ان يعطي انطباعا سينا عني وعن التربية التي تلقيتها ...كنت وأصبحت اكثر ميلا لان أبدوا مأديا ومهتما بملابسي  ومظهري والاماكن التي يمكن ان اجلس الارض عليها غير مستهتر بحال لباسي وبما يمكن ان تتعرى له من اتساخ ..ومتنبها اكثر لكي لا أحدث ضجيجا ولا لان أتحدث بصوت عالي او بنظرة سوقية وكلام قد يكون فيه فحش او ما يخدش الحياء ...كما عملت الى تعديل طريقة رؤيتي بحيث لا تبدوا حادة تجاه موضوعات بعينها ..حاولت ان احفظ منها لتصبح متوارية اكثر وحرفية اكثر دون  ان تكون ملحوظة فوجدتها اتعمد ان اضفي عليها لمسات من الحياء والمداورة غير المكشوفة...كان ببساطة علي ان اكسب المزيد  من الاحترام الاجتماعي والقبول ...وكان الامر يسير علي من حيث انني كنت ميالا للانعزال والمكوث لاطول وقت بالمنزل وحتى خرجاتي محدودة ومحسوب..ومخالطاتي للاخرين منتقاة فأنا كنت اتجنب مخالطة أي واحد معروف بسيرته الرعناء او قلة الحياء وسوء التربية ..  

ودونما وضع في الحسبان وجدت ان وضعي داخل البيت بات أفضل حالا وتقيمهم لسلوكي  مرضي عليه واشجع  عليه وقد اكافئ عليه احيانا ..   

في الجانب الاخر ظلت علاقتي في تطور مع إبن حينا وجارنا "فريد " كان بالفعل هو الاخر يتطور .. ويكبر ..ويبدوا اكثر هدوءا عن ما كان ولم يعد عدوانيا تجاه الاخرين وتجاه كل الاشياء مما فيها الحيونات وممتلكات الناس ...فريد في علاقاته المتميزه والخاصة جدا مع والده "سي محمد بن سعيد " الرجل ذو الكاريزما  والشخصيه القوية والحريص على اناقته وابداء استقلاليته وتفرده كان أكبر بكثير من عمره الطولي الكمي ..كان والده يعامله بنذية الأصحاب والرفاق وبهيمنة وسلطوية مستترة غير بارزة او ملحوظة ...فهو نادرا ما يعنفه او يهم بضربه او معقابته كما جاد في تلقينه مبادئ الميكانيك والصيانة للاليات والشاحنات وكل المحركات و"فريد "كان من أولئك الذين ننعث رؤسهم بأنها خفيفة ويسهل تعلمهم وتلقينهم...   

"فريد " كان الوحيد الذي جعلني أقف مليا عند شخصية الاخر ...ذلك الاخر الذي لا يفرض شخصيته عليك لكنه يعرف كيف يتقرب منك ..كيف يصادقك...كان حريصا على اللقاء بي عند حصة الاستراحة كنا ندرس  عند نفس المعلمين لكن بنظام مختلف ..وكان يفاجئني بزيارته حتى باب قسمنا والنداء علي ..كان قد كف على ان يتنمر علي او يتصيد وحدتي ووجوده هو بين جماعة اقران ليهمشني ...كان في هذا العمر كمن شبع من تذاكيه الحاد ومن ميله للمقالب والمكر بالاخرين وغدى اكثر ميالا للانعزال نسبيا على ما كان ..."فريد " كان أكبر بكثير من عمره وكان يتصرف باستقلالية نوعية ...

تعاملي مع "فريد " اخد في التبدل إذ لم أعد محترسا منه ومن تقلباته المفاجئة وبت بدوري إنتظر قدومه وسؤاله عني وارحب بمرافقته ..   

"الياس " كان الحاضر الغائب في الأكثر من الأحيان فهو يدرس معي لكن قلما كنت انتبه اليه لانني تعودت ان أراه بجانبي ..مقتربا اكثر مني ..وعادة ما تتقايل عينانا ونتبادل الابتسام والترحيب...واعرف انه يفكر في مثلما افكر فيه وانني احاول ان اطرحه من بالي  مثلما أعتقد أنه يفعل هو الاخر ...علاقتي به كانت عجيبة ..كان فيها إصرار من جانبه ليلفت انتباهي له بحسن معاملته لي ..على انه مدلل وابن مدير مدرستنا وبيننا فرق واضح في المظهر ..كان دائما يناولني أفخم قطع الشكولاتة والحلوى وهو مبتسم برقة في وجهي وصامت في أغلب الأوقات..كنت أشعر بامتنان عجيب لنبله معي ..

"فريد " بقوة ملاحظته ولتنبهه اليقظ لكل ما حوله ومن الجميع كان سديدا في توجيهه لي ويصحح من سلوكي الاجتماعي..بدى انه يريدني ان أبدوا أقوى مما أنا عليه وقادر على ان افك حلقات التنمر علي ومحاولات استغفالي من الكبار مني الذين كانوا يحاولون احتوائي بظرفهم ووقوفهم لجانبي ضد مضايقات البعض لي لاستدراجي نحو افساد خلقي ودفعي لتجارب التدخين وشراء السجائر بالتقسيط ..على تعريضي لصدمات نفسية واجتماعية بوضعي في مواقف شاهد على ممارسات فيها الكثير من الجرأة الجنسية والتمادي مع ذكور مثلهم كل نقصهم إنهم أصغر سنا منهم او معزولون لغرابة ملامحمهم او وضعهم الاسري الاجتماعي المتردي وحدث ان تعرضوا في سن مبكرة جدا لممارسات جنسية او نحوها...

"فريد " كان  ذلك الاخر الأكثر جراة على ان يحادثني وان يسمي الاشياء بأسمائها الفجة والواقعية جدا ..وأحببت منه ان يقول كل ما كنت أقوله واتحدث فيه فقط بيني وبين نفسي دون الجرأة حتى للتعرض لموضوعه لا من قريب أو بعيد مع اخوتي او أبناء عائلتنا ..كان يقرب إلي منطق ادراك الأمور ويقصر الفجوة علي بين ما أدركه ولوحدي واصل الى تحديده ورصده بمفردي وما قد يظل يراودني الشك فيه واخشى ان يكون مجرد ضلالات تسيطر على تفكيري ...كنت لعلي اقايس بين ما اعيه كحقائق وما بين ما يعيه الاخرون ..الاخر بدوره كحقائق ...وكنت في حاجة لمثل هذا الإسناد..

" الياس " مختلف تماما عن "فريد " احب شيء ل"فريد" ان يشارك اخر قطعة خبز ..لقمة منه وقد يقاسم آخرون منها ..لم يكن من من يتلدد بحلوى او قضم الخضر النيئة لكنه كان يستعدب تناول الفاكهة ولا يحب سرقتها لكنه يستطيب التحايل والنصب للحصول عليها ..وكان جسورا على الكبار بعكس "الياس "الذي كان يغلق فمه ويذهل نظرته ويتصرف وكأنه عدم الوجود بمحضر الكبار منه على انه يقف في مكانه ولا يسير في مجموعاتهم لما يهموا بالتحرك لجهة ما كخلف المدرسة او للساحة الخلفية الخاصة بالرياضة ..كان بكوابح دقيقة في موضوع مخالطتهم  لكنه بالمقابل كان شغوفا  بالصغار والصغيرات ويستلطفهم جميعا وهم كذلك في أغلبيتهم.."الياس " كأنه في عالم غير عالمنا ..ذكي وجد منتبه وصاخب دون الحاجة للكلمات او إخراج الأصوات كان يجيد التحدث بنظراته ..بوقفته..بحضوره ..بجسده ..وبابتساماته...وكان يشغل مجال تفكيري أيام الاحاد والعطل حيث اعدم  وجوده بجانبي ....  "فريد " وان كبر على قدف بيتوات الاخرين ونوافدها بالحجارة وترصد اليافعين الذين يحاولون الاختلاء بصاحبتهم في الدروب المظلمة والخالية من المارة لافساد خلوتهم فهو لم ينثني عن تصيد الصغار ومحاولات الغواية بهم كان يقول لي بانه هكذا يتأهل لان يكون رجلا ويحسب له الف حساب وانه لن يترك الصغار الذين سيكبرون ذات يوم يرفعون راسهم مقابل رأسه...كنت اعرف الى حد ما ان شخصية والده مأثرة فيه وانه بذلك  يتباهى بقوة شخصية والده لا بعضلاته المفتوحة فقط وبالوشم عليها وإنما بعلاقات والده مع من يمتلكون السلطة وبجسارته وجراته التي تبلغ احيانا حد السفالة والسباب والعربدة دونما ان يراعي ان من الممكن لأحد ان يتصدى اليه ويضع له حدا ... 

"فريد " استطاع ان يكسب مودتي بحرصه  على ان يصادقني وان يكون بالأساس صادقا معي واصبح لنا وقت لنقضيه بالحي سويا بالقرب من منزلينا المجاورين لبعضيها  وبالزقاق المطل على بستان صغير تابع لمنزل "با مجاهد " والذي كنا نطلق عليه إسم "باكا " ولربما هو تحريف بسيط لاسم "البارك " ومعا كانت تجمعنا الكثير من الحكايات والاحاديث والتي كان يتقن روايتها وتأليفها وإختراعها دون ان ينفي إنها من تلفيقه وان شخصيتها مستعارة ولا تمت بصلة لمن ينسبها إليهم...

كنا بعمر واحد تقريبا وندرس بنفس  المستوى وكلا والدينا يتعاطى الشراب والسكر وان شخصيتهما مختلفتين تماما مع جامع واحد هو قدرتهما على التظاهر وكان لاشيء حصل منهما او يحصل منهما ساعة يتماديان في الشرب والعربدة ..

"فريد " اقحمني في مغامراته و اكتشافاته وفي ميله العفوي للتمرد على القوالب والحدود المرسومة بعناية وبخطوط عريضة وظاهرة وكذلك ولربما هذا هو الاهم في القدرة على المنافقة والادعاء بالبراءه  والسذاجة كما القدرة العجيبه على المفاجئة والمناورة والانقلاب كليا من حال الى حال ..."فريد " بات لي بمثابة مرجع في التحايل واقتناص الفرص للانقضاض  على اي غريم  او خصم او منافس ... 

 "فريد " كان بقامة طويلة ونحيلة لكنه صلب العود وفي عراكاته يعتمد على المباغثة والهروب  جريا وباقصى سرعة لكنه لا يعتمد ذلك مع من يعرفه جيدا ...ويفضل ان يتركه للوقت حتى يتدبر له مقلبا او حيلة يتصيده فيها وينهي حساباته معه...

"فريد " لم يكن يعول على التقدم للمراتب الأولى في تمدرسه وكان يقول لي انه مع "الساهلة " ينجح فقط ولا داعي ليتعب راسه...

"فريد " كان جريئا حتى في التحدث للاغراب كما للفتيات ومن كل الاعمار ..وعندما عدل من سلوكه الارعن ومن مظهره قليلا خصوصا في ايام الدراسة بات انيقا ومقبولا اجتماعيا وراقني مصاحبته وما عدت اتحرج من تعليقات اخوتي على مرافقتي لواحد مثل فريد بل راقهم حتى هم التغيرات التي اخدت تلحق بي ...

المدرسة نظام مغلق وصارم وعنيف ويلتهم الوقت كله ويتعب خصوصا بعدما يستثب برنامج الحصص والدروس ويصبح معروف اول باول ما سندرسه واي دفتر سنخرجه او سنحمله معنا بمحفضتنا ...

المدرسة تصبح عبئا ثقيلا لنتحمله ولولا الصداقات وحكايات كل يوم مع الرفاق ومع الاخرون لما رغبت اساسا في ارتيادها كل يوم ..وحتى ايام الاحاد قد تصبح بدورها مملة ورتيبة ان لم يكسرها برنامج استثنائي يمتص الوقت كله ...

انا لحدود هذا العمر ابقى فاشلا في تكوين صدقات دائمة ربما لان مزاجي سيء ومختلف عن مزاج اقراني ودائما في صراع لم استطع الحسم فيه نهائيا ..صراع مع ما اجده يدفعني لانهي علاقاتي مع صاحبات اختي وبنات جيراننا وابدا كغيري من الذكور في تكوين علاقات مع نوعي وجنسي ..وفي نفس الوقت الاحساس بالحاجة لان اكون معهن واشاركهن احاديثهن ورفقتهن ...

لعل المشكل كان اكبر من ذلك  فانا ارتاح في التواجد معهن واستمتع بالوقت الذي اقضيه بجانبهن لكنني في نفس الوقت اعير اهتماما لما يحاول ان يوصمني به الاخرون من ذكور الحي والذي يقللون فيه من ذكوريتي ورجوليتي ...على انني اعرف بانني قد اكون محسودا على علاقاتي بالجنس اللطيف ...

كان علي ان احسم الصراع وان اتصرف على سجيتي حتى في اهتمامي ومشاركتي في شؤون البيت كالتنظيف وغسل ثيابي والصحون والاواني .. 

لم اكن افهم الادوار الاجتماعية على ما هي عليه من تقسيم بين ادوار خاصة بالاناث واخرى خاصة بالذكور ولا الفضاءات كذلك كالمطبخ وسطح المنزل ومدخل البيت .. انا داخل بيتنا كانت الامور عندنا لحد بعيد واضحة على الكل ان يتعلم ما يصلح له من امور البيت ليقوم بشؤونه متى دعت الحاجة لذلك او لزمه الامر دون ان يعتمد على الاخر او يختبا وراء جهله وعدم تدريبه عليها ..لكن خارج البيت كانت الانتقادات والملاحضات والكثير من الهزء والسخرية لانهم كانوا تابعين لعقلية ذكورية جامدة تنتقص من شان الاتثى ومن الادوار التي تتطلع بها ...

وبيني وبين اختى الصغرى كان يسود جو من التفاهم والتناغم والتماهي وكل شيء كان بامكانها ان تفعله هي كنت بدوري احاول ان اتعلمه وانافسها عليه وكذلك هي ...لم نكن نشعر بذلك البون الشاسع بين ان تكون انثى او تكون ذكر ..نعي اختلافاتنا الفيزيولوجية لكننا نستشعر اننا نفس المخلوق ..اننا نفس ذلك الانسان ولا شيء مما اقدر عليه لا تقدر هي كذلك عليه ...وانا وهي  كنا ندرك ما للتربية التي نتلقاها من دور في تكريس ذلك التنميط والتقسيم التعسفي للادوار ...

مع اختي كنت اكسب مساحة اكبر والكثير من الحرية في ان اعبر عن نفسي وان افهم خصوصية الانثى في واقعنا المجتمعي الكبير والبسيط ..في حينا مثلا وفي وسط عائلتنا الكبيرة كذلك ..كما انها معي كانت تملك كامل الجراة والحرية في التجريب والانخراط في نشاطات ذكورية بامتياز ....

هي انثى وانا ذكر  ولكننا خارج التقسيمات المتعارفة وقوالب التنميط المتداولة ...

هي انثى لها مايميزها كاللباس والشعر الطويل و انا ذكر لي ما يميزني مظهريا كذلك وغيره لا نهتم باقامته او الخضوع اليه قسرا ...

اختي احبها وتحبني واشعر باحساسات طيبة وانا امضي لجانبها مكاتفا اياها او وهي تجلس قريبة مني ..ملتصقة بي 

وصاحبي اعزه ويعزني وبدوره يشعرني باحساسات جيدة وهو يمضي لجاتبي مكاتفا اياي او وهو يجلس قريبا مني ..ملتصقا بي ..

وصاحبتنا بنت جيراننا افهمها وتفهمني واشعر باحساسات طيبة وعجيبة وهي تمضي لجانبي او وهي تجلس بالقرب مني ...

اختي غير صاحبي وغير صاحبتنا وصاحبي "فريد " غير "صاحبي " الياس " و"لمياء " غير " شهرزاد " وغير " نجية "....

وفي المجموع الامور مختلفة تماما عن بعضها البعض ويلزمني الكثير من محاولات فهمها وتاطيرها كل واحدة على حدى واستعاب خصوصية كل واحدة منها ...

مع اختي والامور تختلف من حين لاخر ..احيانا نتجاوز المسموح به ونستشعر كلانا ذلك لكننا نقبل مثل ذلك اللعب ومثل تلك المدعبات ويكون علينا ان نعود من جديد لنرسم الحدود من جديد بين المسموح واللامسموح لنا دائما وفي كل الاوقات وما بين الحين والحين الاخر والممكن في احيان مختلفة تماما ...

نعي ذلك لوحدينا وان غير صحيح ادعاءنا هذا ..لان كل واحد منا وهو مهتم بامر ما يناقشه ويتحرى فيه مع اصحابه ومع من يثق فيهم ولو بطرق غير مباشرة او من بعيد لبعيد ...وقد ينقض كل ما سلم به معهم لانه ببساطة لم يقتنع او لم يجد بدا يدفعه ليعقد الامور كما يفعلون هم او يحاولون القول به صراحة وعلانية هم ...

نعي المحضور الاجتماعي ونعي اكثر اهمية الاسرار الشخصية والتي تبقى فقط بين اثنين ..اثنين لااخر ثالث ..لا اي احد اخر ..

نعي الممنوع الاجتماعي وندرك اهمية التكتم على نشاطنا ولو كنا مجموعة اشخاص ...

نعي الحرمة والحرام والحلال وبمنطق بسيط نوجد مناطق وسطى بينهما وداخل وعينا بحيث لا تعرضنا لاحساسات التكبيت والذنب ...

لم يكن مجرد منطق بسيط انه متى اردت واردت انت كذلك واتفق ان تجرانا قليلا لنكتشف حقيقة ما تريده وما اريده واتفقت ارادتنا ان نفعله او ان نحاول اكتشاف كيف يمكن لنا ان نفعله ودون ان يعرضنا للخطر او للمساءلة او للضرر...وحتى ولو حدث ان اكتشف امرنا احد ان لا نبالي كثيرا لاننا نعرف اننا لسنا الوحيدين الذين قدر لنا ان نكون صغارا في هذه الحياة ...  

لا اعرف تماما...لكن متى انتابني احساس بان ما يحصل معي قد لا يكون هو ما يحصل مع الاخرين ..او وجدت في نزوعا لضرورة ان اداري واخفي احاسيسي ووقائعي الصغيرة كلما تعرضت داخليا لنوع من الانقسام وكلما خفت على نفسي اكثر ...!؟؟..

لا اعرف صراحة هل يجب ان اشك في نزاهتي وذميتي وامضي للابعد من ذلك نحو انهاء الصراع داخلي والخروج من اي احساسات بالذنب او يجب ان اصغر امام الضغط الواقع علي وانحنو نحو اتجاه مختلف انكر فيه علي اي رغبة مخالفة ....!!؟..

في كل هذا كنت اعرف شيئا واحدا هو انني اتغير ..اتحول ..اتطور الى اشكال مختلفة واميل نحو اتجاهات جديدة علي ..وان الرغبة في للمضي في ذلك للابعد مشتعلة ومتقدة ...

في اجزاء كبيرة من ذاتي كنت اقبلني على شاكلتي واحاول ان اتجاوز اية موضوعات تعيق سيري ونمائي الشخصي ...كنت ارفع كتفي غير مبال كثيرا بما قد يعتقده الاخرون عني ..كنت اعقل امرا فريدا واحدا يخصني انا هو انني بداية ونهاية اتصرف كما انا ..كما انا عليه ..وكما ممكن ان اتصرف ...ربما لانني كنت بحاجة للاطمئنان كنت احسم في الامور على هذا النحو ...

في تفاعلتي مع اقراني اعي ان ما نعقله كحقائق عامة قد لا تكون مطابقا لما يحدث على نحو خاص في تفاعلات محدودة مع شخصين اثنين ..بينهما هما لوحديهما...كنت اكتشف انطلاقا من علاقاتي وتفاعلاتي الخاصة كم نحن نتستر على ما نتحدث به ويحصل بيننا حتى فيما بيننا نحن الاثنين نحجم عن التصريح به او تسميته ونتصرف كما لو ان لا شئ حدث او كان يحدث بيننا ...وقد نمضي للابعد من ذلك قد نحجبه حتى عن وعينا الشخصي ونحاول ان نصدق انه لم يحدث معنا كما كنا نتصور انه كان يحدث معنا ..نتصرف وكان سوء تقدير وفهم هو ما ساد وقتها لا غير ...

كان يلزمني من يعزز الثقة في نفسي ومن يميز معي الصواب من الخطأ ومن يقنعني بانني لن اسمح بوقوع نفس الاخطاء ...كان عالم ينشأ داخلي من تقديري الخاص انا ومن محاولاتي لاكون ومن ما اجرب فيه وافكر فيه واتساءل نحوه ..عالم بدات اعقل انه خاص بي لانه وليد مصادفاتي انا وظروفي الخاصة والعامة ولا هو ما يحدث في ظروف اخرى ومع اشخاص اخرين ..

كانت صورتي عن نفسي ليست مرضية تماما وينبغي علي ان اعدلها في كل ما من مرة ولو بتامل صورة اخرى عنها ...صورة مستحسنة ومقبولة اجتماعيا وغير مرعوبة او خائفة على نفسها باستمرار ...كنت اتمنى لو اكون مكشوفا كلية حتى فيما ينتابني من افكار وصور وتخيلات وان يكون هناك من يصحح لي جنوحاتي وبشكل عادي يجعلني لا اشعر بالاغتراب ..

بصعوبة كنت انجز تكيفاتي النفسية ...كنت اتارق كثيرا ويجفل النوم عن عيني ..وابكي لوحدي وبصمت اغتراب مشاعري ..واصحو متعبا ومنزعج المزاج او بلا رغبة في متابعة اي شيء ...

لم اكن املك كامل اليقين في ان ما يحصل معي طبيعي او غير طبيعي ولا اعرف لماذا لا يحصل معي تماما ما يحصل مع الاخرين ..!!؟ ..في المدرسة ...في المنزل ...في الحي ...في الشارع ...في منازل الاخرين ...دائما هناك ما يتفق حصوله معي دون سوايا او يحصل عكسه مع اخرين ...كانت الاختبارات والفروض المدرسية تعقد عملية تعلمي وتحصيلي لمبادئ الكتابة والقراءة ولقواعدهما لانها كانت تضعني في امتحان قدراتي مقابل قدرات الاخرين ..ولما لا احصل على تقديرات بعض الاخرين..يملئني الشك في ذاتي وتتبلبل مشاعري خصوصا انني كنت احاول ان اكون في مستواهم ومثلهم ...وفي الشارع اقابل بتنمر واستخفاف بي ليس الا لانني لا اعرف كيف ادافع عن نفسي مثلما يفعل من يتعرض لمحاولة تنمر ...وفي العابنا لا اعرف لماذا حتى ولو حاولت البقاء بمسافة من الالعاب تلك تكبر في مشاعر خاصة تفسد عفويتي وتربك سلوكي وكانني انست ان يتعامل معي ومن الجميع على ذلك الحال ودون الجميع ...وفي البيت لا افهم سر عزوفي عن البقاء تحث اعينهم وتفضيلي البقاء في وحدتي وفي احلام يقضتي ان لم اكن افعل شيئا اخر يخصني انا وحدي وبهم يركبني انا بمفردي ...

لم اكن استوعب ذلك التسلسل المنطقي للوقائع وللافعال ولردود الافعال ..لم اكن اعي بوضوح ان الحال من بعضه ..وانه مادمت قبلت بوضع الا وقد جررتني لوضع اعقد منه بالتتالي ...وانه ما ان تملكت فك عقدة الا وانحل كل البناء بالتتالي وبالتتابع ...وضع كان يدفعني لوضع وحال الى حال وسلوك الى سلوك اخر من نفس الصنف ..حتى اصابني التاثر في كل نواحي ذاتي وعلاقاتي مع العالم ومع الاخرين ....

خوفي من الاختبارات عمق تشتث ذهني وتركيزي وطرق استثمار المعلومات حتى ولو كنت حافظا اياها واذكرها جيدا ..كانت عندي صعوبات في اجراء عمليات القسمة الحسابية على اعداد ثلاثية ..وكانت عندي صعوبات في تمثل الكلمات لكتابتها سواء في اللغة العربية او الفرنسية ...وكان خوف يلزمني كلما هممت بقراءة نص من ان اتعثر في تهجي الحرف جيدا او في تصويت بعض الحروف في المفردات والمصيبة هو انه لا يحصل الامر مع الجميع بالفصل فيكبر التساءل عندي ..لماذا انا بالضبط اتعثر واخاف وانتهي بالا اوفق مع انني قد اكون من قبل انجزت قراءته او اعرف الجواب عنه ...وهذا دفعني لان اكون اقل تنبها وتركيزا في المرات المقبلة لان شيئا في كان يضعف داخلي في كل مرة كنت افشل او اتعثر فيها ..وعندما كنت انشغل بالتفكير فيما تعرضت اليه قبل دخولي للفصل وما للممكن ان اتعرض اليه بعد انتهاء الحصة يزيد ضياع تركيزي وهذا التفكير كله يعقد من حالاتي المزاجية ويسئ اليها يوما على يوم ويضعني في موقف العاجز عن فعل اي شيء لي ويجعلني اكثر سلبية في تقبل اوضاع التنمر وتشتث الانتباه والاحساس بالعجز والضعف وبانني دون الاخرين وهذا بدوره كان يهز شخصيتي ويحد من قدرتي على الافتخار بنفسي بالبيت ونيل اعجابهم وهذا كان يؤدني داخليا في مشاعري ويجعلني عاجزا عن تحصيل الرضى الداخلي عن نفسي وعن حالي وعن اوضاعي كلها ويعرضني للاضربات في النوم وفي تقلب شهيتي ما بين الرغبة في التهام اي شيء واكبر قدر من اي شيء وما بين العزوف عن اكل اطعمة بلا سبب معقول وبدون ان اعرف لماذا افعل ذلك ...فقط كنت احس بانني اغرق يوما على يوم وتتعقد حياتي يوما على يوم 

كنت احاول ان افهم ومنشغلا بذلك في معظم الاوقات وفي الوقت الاخر اتصرف واسلك كيفما اتفق معي وكانني معدوم الاختيار او القدرة على التغيير ...اصبحت متوثرا اغلب الاوقات وبتقدير سيئ عن ذاتي وزاد هذا من حدة عصبيتي ونرفزتي وسرعة تاثري بالاحداث والوقائع التي تحدث معنا داخل اسرتنا وفي علاقاتي مع اختي الصغرى التي اصبحت غير مستقرة وفيها شطط من طرفي وحب استبداد ...كما افسد علي صفاء تفكيري وتوقعاتي وابتلاني ببعض السوداوية والشك ...

اصبحت مكشوفا في مستوى ما انا عليه من ضعف وعجز وسوء تكيف واداء ...واضحيت مقيما اجتماعيا من اقراني وحتى من الكبار بشكل مسبق يحكم علي ويميزني ...وهذا جعلني غير راض على حياتي وغير مقبل بترحيب على ايامي ولا اعرف ما عساني انتظره كحل او علاج لمشكلاتي ...هذا انا وهذه اسرتي وهؤلاء ابناء حينا وهؤلاء اقراني وزملائي في المدرسة وهذا مجتمعنا ...هذا واقعي وهذه حدودي وهذه انطباعاتي واحاسيسي وما يشغل تفكيري وما في المحصلة يجعلني لا اقبل نفسي واريد ان اكون اخرا غير هذا الذي انا عليه ...

اصبحت في حكم المقتنع بانني لا املك لي الكثير لاتغير للاحسن وللافضل ولما اتمنى ان اكون عليه فملت طبيعيا لاتقبل انهزاميتي وفشلي وضعفي وكل اشكال السلوك الذي اسلكه كنت في احسن الاحوال لا افترض غير ان انجح وبمعدل متوسط وان لا اسلم الا من الادى البدني او تمزيق الثياب من المتنمرين بي وان   اهان ولا اعاقب من والدي على سوء تحصيلي وعلى المعدل الذي نجحت به وان انهر على سوء اداءاتي او تصرفاتي دون ان امنع كليا من محاولات فعل شيء ....

كنت اتغير ..واكبر حجما وتتبدل ملامحي واهتم بمقارنة نفسي بالاخرين وانا افعل ذلك يتحرك داخلي غيض وحنق لانني اكتشف نفسي على غير ما هم عليه اقراني ...زهاء الاربع سنوات بالحي قربتني لا محالة من ابناء حينا ودفعتني لاكون علاقات معهم لكنها لم تكن ندية في مجملها ..بقيت وحدها علاقاتي مع ابناء وبنات "سي قاسم " و" فريد "واصحابه هو طيبة لحد بعيد ..."فريد " كان على علاقة مع الجميع وكان موقرا ومراعى حتى من ابناء الاحياء الاخرى لانه كان يعرف كيف يفرض نفسه وكيف يتسلل الى الصفوف الاولى بينهم والى حد زعامة مجموعاتهم وانا لم اكن الا تابعا له وتحث وصايته وعطفه ..كنت اتحرك وفق ما يمليه علي وتبعا لما يشير علي به ..هو كان مرجعي في التعامل مع الباقي ..هو من يسندني ومن يبعد علي الاذى عندما تسوء الاحوال بيني وبين بعضهم او احدهم ...وهو من يرسم لي حدود تعاملتي معهم لانه هو من كان يخالطهم ويعرفهم اكثر مني واكثر من اي واحد منهم ..

"فريد " كان مفتوحا في علاقاته على الجميع وكان يقضي اغلب اوقاته خارج البيت وكان حركي جدا وتسعفه رشاقته وخفته وصلابة عوده في تجاوز اي اعتداء عليه ولو بسلوك طريق الفرار السريع ...

"فريد " كانت له دوما حكايات تروى وماثر تذكر له بين جماعات الاقران ..فملت طبيعيا لتقبل صحبته خصوصا انه لم يكن معظم الاوقات يسلك معي بمثالبة او يتنكر لي ...

هو كان له ان يدمجني بين الاخرين لكن انا لم اكن اسعف في ذلك مع من اصلا كانت اختي الخيط الواصل بيني وبينهن و بينهم ..وكنت اعرف عنه ومنه انه كان يقصد بتقربه مني التقرب كذلك من جماعاتي الخاصة ..

بخلاف ايام الاحاد وايام العطلة المدرسية لم نكن نجتمع كلنا ابناء الحي لنلاعب بعضنا البعض ونخلق جوا من النشاط والمتعة بيننا بل كان هناك من ينظم الينا ممن يسمح له بالخروج للحي او كان يتفق ان يكون غير مداوم على المدرسة لسبب من الاسباب و عندها كان "فريد "  من نوع معاملته المخصوصة يهبني مفاتيح للدخول الى عالمهم ومعرفة شخصيتهم ومستوى ذكاءهم وميولاتهم وما يستهويهم ونوع موهبتهم التي يمتازون بها ...كان يطلب مني ان ابقى متنبها في البدايات وان استبين طريقته الخاصة في تعامله معهم لاعي بالتالي نوع من انظم الينا ...

"فريد " كان يصدقني معظم الاوقات وطور علاقاته بي لمستوى انه اخد يشركني في خططه للتكالب على هذا او الاحتيال على ذلك او للانتقام من احد...وفي هذا المستوى طور من زاوية نظري ومن رؤيتي للموضوعات ..اذ اخد يكشف لي حقيقة الالعاب وطرق التنمر واساليب الاستقواء على الاخرين ..."فريد " كان ذكيا اجتماعيا ومزودا بخبرة كبيرة من والده بالاساس الذي كان يصاحبه ودون ان ياثر ذلك على سلطته الابوية ..والده كان يريده ان يكون رجلا ولو في هذه السن الصغيرة خصوصا انه ابنه البكر والذكر و"فريد " في حقيقته بيننا كان هو زعيم ابناء الحي ولكن دون ان يتبوا الزعامة علنيا كان يتركها حسب المقام والوضع لغيره ..فهو ما كان يجرا على معاندة اختيارات ابن حينا "محمد الشكذالي " الذي كان مهابا ويحسم خلافاته بالعنف ويميل الى استعداء من لا يتفق معه وكانت قامته الطويلة وصلابته تميزه بدورها بالاضافة انه كان من اسرة وضعها المادي والاجتماعي لا باس بها والى مستوى مستحسن ..كان والده "سي عبد السلام الشكذالي يشتغل مديرا لشركة 'افيم " الفلاحية ويتحرك بسيارة ويبدوا ذا شان عال ومهم وميسور في حالته المادية ..

الحي كان مقسما لقطع ومتعددة اشكال زعاماته ..ففي زنقة عبد الواحد بن عاشر التي تضم الباب الخلفية لمسجد حينا "مسجد تشاد " كان "سيمحمد  ولد ربيعة "من يملك الزعامة هنالك بالاضافة للحماية فلجانبه ابن عمه "زكرياء " واخيه الاصغر "احمد "ولا يبقى من ابناء الزنقة غير"هشام واخوه الصغير محمد "  والصغير "نور الدين الرحموني " وبحكم ان له اخوات بنات وبنات ابن عم له كذلك وهولاء يصاحبن مجموعات البنات الاخريات فلقد كان يجد نفسه بدوره مهعم يحادثن ويداعبهن ويمزح معهن ويفرحن هن بحضوره ومشاركتهم تجمعاتهن ...اخواته البنات "حنان ..احسان بهية..."كنا منظمات مع مجموعات بنات "سي قاسم ": "بدرى ..قمرية ..شهرزاد ..لمياء "واختي بدورها كانت منظمة لهن ..وكان طبيعي ان اجد نفسي ومن جديد في مواجهة "سيمحمد الشكذالي" ولكن هذه المرة بعيدا عن الانفة التي كان يتعامل بها والصرامة الى حد الاستعداء التي كان يتظاهر بها وربما ما سمح لنا بالتقابل والتصادق هذه المرة انه لم يحصل من جهتي اي رد فعل سلبي على ما كان يصدر سابقا منه على انه كان من المحتمل ان اواجه تعنفه بالوقوف خلف اخوتي الكبار الجاهزون لموازرتي حسب الظرف والموقف وبالرجوع للاعراف الاجتماعية ...

"محمد الكنفاوي " اخو "احمد " الصغير منه والذي يماثل عمرنا كان من زعماء الحي وعلى قدر كبير من الذكاء والاستقلالية بنفسه ومن الذين كانت لهم علاقات خارج الحي وقدر من التجارب والمعرفة الاجتماعية ...وكان بيتهم الصغير والذي سطحه بدون سور  متفرد في زقاق يصب في دربنا ...بينما كان الزقاق الاخر الموازي له والذي تفصلهما عن بعضهما "الباكا "ذاك الجنان الصغير المدمرة اسواره تؤول الزعامة فيه ل"ولاد مجاو " على ثلاثة مراتب عمرية متفرقة ففي مرتبة الصغار كان "رشيد مجاو " وللاكبر قليلا منهم كان اخوه " خالد " ولمرتبة المراهقين كان اخوهما "يوسف " الذي كان يماثل عمر اخي "فؤاد " الذي يكبرني باربع سنوات ...

كنا نحن الصغار نقارب عدديا فئة مراهقي الحي ..كنا في حدود الخمسة عشرة طفلا ومثلها مراهقين ذكور ..البنات كن فئات متعددة بدورهن وتميز النوعين عدد من المسافات والحواجز قد تقصر وقد تطول بحسب العمر وتقاربه وبحسب الفضاء والزمن الخاصين ...

ابن الخمسة سنوات التي ولجت بها الحي وتعرفت فيها على وجوههم واسمائهم غير عمري الحالي بالازيد من التسع سنوات ..حدث تقارب تعارفي واعقبه تباعد وتقاربات اخرى شكلية ثم حدث تقارب نوعي جديد من حيث اننا بتنا بهذه العمر اوسع اضطلاعا على فضاءات المدينة واكثر حرية في اكتشاف المجال والنشاط فيه وهذا اسهم في اعادة اكتشافنا لبعضنا البعض اذ لم نعد محدودي الحركة ومقيدة اكثر ساعة خروجنا للزقاق والعابنا كما ان قدرتنا على الحكي والتحدث تطورت بتطور اهتمامتنا ومستويات تعلمنا المدرسي ....

لم نعد ميالين طوال الوقت للتحرك والجري واللعب بل اضحت لنا اوقات لنجلس فيها لبعضنا ونتحاكى ونتحدث ونغني ووقت لنتمشى فيه بالجوار او لنجلس بصمت جنبا لجنب بعضنا البعض ..هذا الصمت وفسحات التحدث لبعضنا البعض جعلتنا نكتشف كم نحن مختلفون وممكن ان نكون مدهشين ومثيرين للاعجاب وبالمقابل كم يمكن ان نكون تافهين وضحلي المعرفة وسدج وبلديين ...بالاضافة الى تنبهنا بوضوح للفروقات الجسمانية بيننا ولمن موعود منا بان ينمو بسرعة وعكسه ..ومن منا يتمتع ببعض الملاحة والرشاقة ومن منا يستزيد عليها بقدرته على ان يلبس ويرتدي افضل الثياب والاحدية ومن عليه على الدوام ان يغطي على نقصه وفقره وضعف بنيته او على عيب خلقي عنده ...

اصبحنا نتزاور ونطرق ابواب بيوت بعضنا البعض ونتنادى واصبح بامكاننا ان نختار مع من يمكن ان نقضي الوقت ونتلاعب ونمرح ونستمتع من غيره ..من من لا نحس معه بالارتياح او بالاثارة ..اضحى بامكاننا ان نختلق الاعذار ونكذب لنزيح من لا يروقنا مخالطته ورفقته ونحسسه بانه غير مرغوب فيه لسبب او اسباب لعلنا تحدثنا فيها ووجهنا الانتقاد اليها ...

اصبحنا اكثر ذكاء في تعاملاتنا مع بعضنا اذ اصبح هناك اختيار اول وثاني وثالث وحسب مزاجنا ورغباتنا واهوائنا اذ يمكن ان نقبل برفقة واحد منا فقط لانه لا يتوفر غيره في الحي ولا يوجد اخر محتمل اكثر من من وجدناه يعيش الفراغ ومتاح له ان يكون بالخارج بالزقاق او الدرب ..

واصبحنا نميل للتعامل السياسي اذ لا نرفض احدا كلية ولكن قد ندفعه ليتركنا ويدعنا فقط لاننا لا نريده في انها معنا وقد نتفق على ان نتزوار دون علم اخر لاننا ببساطة لا نريده ان يكون معنا ونحن قد ننطلق لنصعد سطح بيت احدنا لنجلس به هنالك ونتلاعب او نجلس لنتشارك الاحاديث والاستمتاع بالوقت جنبا لجنب بعضنا البعض ...

هذا المستوى من التعامل بيننا هو الذي ميز بيننا و ادخلنا لابواب تكوين صدقات ورفقات وصحبات حميمية ...كنا نعرف بعضنا البعض كلنا على اننا ابناء الحي الواحد واقران لكن بات هذا مستوى من التعامل والصحبة والصداقة والرفقة شيء اخر ..مستويات اخرى من التعالق تسمح لنا بتكوين مشاعر وانطباعات عمق عن بعضنا البعض وتدفعنا بالتالي لاتخاد خطوات محسوبة تجاه بعضنا البعض ..كنا قد نكذب بحضور الاخرين وندعي لكن لم يعد مقبول ان نكذب او ندعي ونحن اصدقاء واصحاب او رفاق ..واصبح طبيعي ان نهتم ببعضنا البعض ونصحح اخطاء بعضنا البعض ونتواثق بمعرفتنا لبعضنا البعض ونتحدث اكثر عن انفسنا وخواطرنا ونتبادل التعريف باسرنا لبعضنا البعض واصبح ممكن ان نكتشف بيوت بعضنا البعض ...

لم نكن نغفل عن ما يشدنا لنكون علاقة مع اخر بل اضحينا اكثر تنبها لدوافعنا ولميولتنا ولمستويات كل واحد منا وكان يهمنا ان نكسب رضى اهالينا عن علاقتنا لانه كان طبيعي ان نتجنب الابقاء على علاقتنا مع من اتخد والدينا او اخواتنا موقفا سلبيا منهم وطلبوا منا الابتعاد عن مرافقتهم ..

كان علي في هذه المرحلة ان احكم عقلي جيدا وان انظر مليا لنوعية دوافعي ومشاعري تجاه اي اخر قبل ان ابدا في الانتظام على التفكير في انني قد اقبل بصداقته او اسعى اليها وارحب بها ..في اجزاء من ذهني كنت انشغل بصورة الاخر وبمجموع الانطباعات التي يخلفها اللقاء به واسعى لمحاولة تفكيكها وفهمها والنظر في مستقبلها ..في الممكن وغير الممكن ان تتطور اليه ...

كنت جادا في بحث علاقاتي مع الاخرين افكر فيهم جيدا واراجع باستمرار تطور مستويات علاقاتي بهم ...ابحث في الرغبة الاساسية التي تجعلني على حرص في ابقاء علاقتي به او تطويرها او العمل على انهائها ..انظر في نوع التكامل الذي لربما يحدث في اللقاء والتواجد مع بعضنا البعض ..واهتم بمستوى الاحترام الموجود بيننا والى نوع التبادل الحاصل بيننا وابحث في اشكال التاثير الممارس بيننا على كلينا ...

اصبحنا نسعد بالتعبير عن سعادة لقاءنا وتواجدنا معا ونراهن على ان ياخد قدرا كبيرا من زمن اليوم ولما لا ان يمتد لليوم الاخر الاتي ولكل ما كان متاحا من الاوقات ...

اصبحنا نجيد التعامل مع بعضنا البعض ..ونحرص على ان لا نفسد الوقت الذي نمضيه مع بعض ونحرص على ان نسيء لمشاعر كلينا لان علاقتنا مع بعض تهمنا ونشعر بتميزها ...

بهذه العمر كنا ابناء حي كبير واحد واقران ولكننا اضحينا الان مجموعات اصحاب ومجموعات رفاق ومجموعات اصدقاء وفي نفس الوقت كلنا نظل ونبقى على علاقتنا الكبيرة التي تجمعنا كلنا وتقدمنا على اننا ابناء الحي الكبير الواحد....

لم نعد ميالين للخصومات الطارئة والتي تحسم فيها انفعالتنا او يدفعنا طرف اخر لنميل اليها ..وحتى عندما يحدث خصام نعود باسرع شكل ممكن لنتصالح ونستعيد علاقتنا ...

اصبح هناك تقدير لنوع العلاقة التي تربطني بهذا وذاك ولاختلاف مستويات التعامل داخلها قد اقبل نوعا من التكالب علي من هذا وقد لا اقبله من الاخر لانني ببساطة حريص على ابقى على علاقة بذلك حتى ولو كان فيها ما يجعلني غير مطمئن تماما له ..ربما لانني اقدر في خسارته خسارة تواجد مع اخرين يحيطون به وياتمرون بامره وشكلا من العزلة قد اتعرض له ..اصبح هنالك هاجس ينتابني ازاء الاخرين وعلاقاتي بهم وازاء تواجدي بالخارج ..اصبج يهمني لدرجة غير هامشية كيف افرض نفسي بالخارج وكيف ادافع عن وجودي بين اترابي واقراني ...كنت استوعب اكثر معنى وحدود العلاقات مع الاخرين وتحول انشغالي من مجرد استغلال فرصة وجودي بينهم للاستمتاع بها الى هم خلق هذه الفرص ...اصبح يهمني ان تكون لي علاقة مع العالم الخارجي ومع الناس ومع هذه الوجوه التي تلحضني وتراقبني وتتبعني وتحدد نوع سلوكها معي ..تطور اكثر اهتمامي بكبار ناس الحي وبشبابه وباليافعين منهم ..كنت قد تجاوزت على كل المستويات واقع انني بعد دخيل على هذا التجمع البشري من الاهالي والجيران والناس الان بت انتمي فعليا لهذا الحي ولهذه المنطقة السكنية ولكل فضاءاتها ولمؤسساتها التعليمية ولمرافقها كالدكاكين والسوق والمسجد والكتاب والمحالات والفرن والحمام ....والان هم باتوا يعرفونني باسرتي وبمستواها ووظيف والدي وعدد اخوتي وجنسهم ...."فريد " مع تطور علاقاته بي ومصاحبتنا اصبح مكشوفا لي اكثر بعيوبه وبقدر تنمره حتى علي كان يعرف انني تعلقت به اكثر من احساس بالحاجة لمن ياخد بيدي ويقدمني للاخرين ويفسج لي مجالا لاتعرف عن قرب عنهم ومحاولة مصادقتهم فاضحى يتعامل معي بفوقية وبنوع من السيطرة فهو لم يعد يقبل بالخروج عندي كلما ناديته كما لا يبقى معي الا بحسب مزاجه ...ويوما على يوم اخد يتولد عندي احساس بانني اصغر امامه وانه يبتلعتي ويوجهني بحسب هواه وهو ما دفعني بدوري لابدا في وضع مسافة بيني وبينه ...كان وهو يلاعبني يريد اقحامي في ادوار سلبية ينتهز فيها مني ويستغفلني ويستغلني كما اخد لا يراعي التمويه والتغطية على الاعيبنا الخاصة وغدى متحرشا جنسيا بي بشكل مفضوح ومبالغ فيه مما دفعني لابدا في الثوران ضده والوصول لحد الانتفاض في وجهه ومخاصمته ..وهو كان يبدي عدم اهتمامه او حرصه على علاقته بي فكان يبتعد عني كمحاولة منه لجعلي استجدي واتوسل عودة الصفاء بيننا لانه بالفعل كان يتركني عرضة للوحدة وللفراغ وللاحساس بالسام والملل ...

كان لا بد من اخد افكار واضحة عن ما يحدث بيننا وعن ما نعبر اليه من باب اننا نلعب سوية ونترافق ونحاول الاستمتاع بقرب الواحد منا بالاخر وان اعي نظرة الاخرين لسلوكنا الذي كنا نحاول بقدر ان نموه عنه لكن كان هناك من ينتبه اليه ويستطيع رصده ...وهو ما خلف داخلي رغبة قوية في السعي لتجاوز نظرة الاستنقاص التي كنت احس بانها توجه الي ومنها الى بدا رفض ان يعاملني على ذلك النحو والاجهار صراحة بانني ارفض هذا النوع من الملاعبة الذي يوصمني بنعوث اقلها انني سلبي وضعيف الشخصية ...

هذه المرة وضعت حدا لعلاقات لا شعر فيها بتمام احترام شخصي وكل ما اجر اليه فيها لا يعرضني سوى للمهانة ولا يميز فيها بين مايصح سلوكه معي كذكر و انما يساوي بيني وبين الاناث او بمن هم يقبلون ان يتم معاملته على نحو وسط بين الذكور والاناث ...

لعلي كنت لاقبل لو بقيت العيبنا بيننا وبتراض تام بيننا وطي الكتمان والسر وغير فاضحة وعلنية باشكال متنوعة تروم الى اخضاعي والتحكم في واعطاء فكرة سيئة عن ميولي ونزوعي ...لم اكن لاستشعر بانني ارتكب اي عمل شائن او سلوك من شانه ان يجعلني اشعر بالدونية او بالذنب فانا بعد صغير وبعد استكشف الحياة واتعرف على دروبها واختبر صروفها واحاول ان افهمها من موقعي وبما قدم لي من معرفة جاهزة عنها وعليها ...

كان علي ان اعيد رسم حدودي مع الاخرين وسلوكهم نحوي ومن منطق جديد اصبح خاضعا لقيم ما يصح ولا يصح ..ما ممكن التساهل نحوه وماويجب رفضه جملة وتفصيلا ..وما ينبغي التفكير  فيه مليا قبل السماح بوقوعه وليس مع اي احد ولا اي من كان ....وكان علي ان اعيد الوعي بالرغبة في وفينا وان اتساءل في ماهيتها وفي ما يحركها فينا وياججها فينا حتى ننساق دون التفكير في العواقب ولو كانت مجرد مواقف رفض صارم وتقريع لنا لن يتحول الى عقاب او تهديد واضح به ....

لم يكن سهل علي الشك في قناعاتي السابقة وافكاري عن العالم والوصول الى تبني فهم جديد ووعي جديد للمحيط بي ولاحساساتي به ..هذا النوع من العبور لم يكن يقع بشكل سلسل ودون ان يثير الكثير من الخوف والقلق والريبة داخلي ..لم يكن هين ان اصحوا فجاة وان اجرا على اتخاد اجراءات ومسافات من الاخرين وكانني غير ما كنت عليه ...استوعب انني اكبر في العمر لكن بما لا يتناسب باجراء تحولات سلوكية ونفسية وبمفردي ...

الذي حدث انني فجاة بدات اقيم رصدا مزدوجا لسلوكي العام وسلوك العامة معي ولاحساساتي الخاصة ..لما يتولد عندي من استثارات وانطباعات وهواجس وخواطر ...فيما سبق كنت انفعل مع الاحداث والوقائع والاوضاع والمواقف اولا باول واستدخلها في نسق بسيط ولا ابالي كثيرا بانطباعات الاخرين عني ..الان بات علي ان اقيم المسافات وان انتبه للحدود وان لا اسمح لنفسي بالانسياق وراء انفعالات انية او لحظية وكانني لا اعرف ...ولكن المشكل كذلك هو ما الذي اعرفه الان ولم اكن اعرفه سابقا ..؟؟! ..

كنت افهم منذ زمن جد مبكر العابنا ورغباتنا في التقارب والتعانق والاحتكاك ببعضنا البعض ...كنت لاستشعر رغبات الكبار في احتضاني والتقرب الي وتقبيلي ومداعبة شعري ..جسدي ..كنت استحلي عناقات الكبار وان اكون قريبا منهم ومحط عنايتهم وحبهم وتدليلهم ودفئهم ...كنت استمتع بان نراوغ بعضنا البعض قبل ان نتكاشف ونختلي لنتلاعب ولننظر في هل كبرنا كفاية او لازلنا بعد صغارا ...

لكنني افهم الان انه لا يصح الكثير مما كنا نقبل به بيننا او بيننا وبين الكبار وان علي ان انتبه اكثر من ان انخدع وان هناك الكثير من الاستغلال بشكل مخادع بين اقراني وبين اليافعين وحتى الكبار ...

افهم ولكن ماذا عن احساساتي الخاصة .؟!.وماذا عن عواطفي الشخصية  ؟! وماذا عن كل تلك اللذات الصغيرة التي كنت احصلها ...؟!..

كشف كان متعب ومرهق واحيانا كان يبدوا لي بانه بلا معنى ولا طائل منه الا تعقيد الامور بما لا تحتمله ...

فجاة اصبح لزاما علي ان ابعد رفيقي عن مكاتفتي والسير جنبا لجنب لجواري والوقوف مجانبا لي مقتربا اكثر مني ...وفجاة اصبح ينبغي ان اخد مسافة من رفاقي وان لا اسمح لهم بالدنو مني دون سبب واضح ومعقول مني لان ذلك قد يصبح تحرشا جنسيا بي على اننا لطالما تلاعبنا مع بعضنا البعض واستمتعنا بذلك ولم نكن نقيم مثل هذه الحدود ولا كانت احكامنا قاسية على بعضنا كما اضحينا ...

فجاة اصبح علي ان اتحسس من ملامسات الكبار الي وان اكبر على جلسة حجرهم وتقريبهم لي ...

كنت احاول ان افهم اكثر ...كنت افكر اكثر في هذه الموضوعات بهذه الجدة التي الت اليها ..وان اعرف ما تروم تغيره فينا ونحو ماذا ...؟؟!..

بدون ان نفكر كثيرا كنت ادنوا من اختي ..من صاحبي.. من صاحبتنا ..ونسمح لبعضنا بمثل هذا الاقتراب ونستشعر الدفئ يسري بيننا وبرغبتنا في ان نتكاشف اكثر ونتدبر امر ملاعبتنا لبعضنا ..لم نكن نقيم حواجزا او نعليها بيننا ..لم يكن هناك ذالك الذي يصح ولا يصح بيننا ولا ذالك الحرام والحلال ولا ذالك الفاعل والمفعول به ..ولا ذالك الخوف كله من ان نستكشف وان يرانا الاخرون .....

اشياء كثيرة في رفضت هذا الاختلال في توازني وابت ان تتورط في تقويل الامور العادية والبسيطة والممتعة التي كانت تحصل بيننا بمثل ما اخدت تتقول به والذي يفوق مفهوم الاخلاق والتربية كما كنا نحاول استعابه والتقيد به لمفاهيم اخرى تجرم افعالنا وتوصمنا وتعرضنا للبلبلة وللزلزال ...

اول ما دق الجرس داخلي هو عدم تسامح الاخرين نحونا ونحو العابنا ..وعادة كان هؤلاء الاخرين من من لا يشكلون دوائرنا الاقرب ..لم يكونوا عائلتنا او اسرنا كانوا من اولئك الذين قد نعرفهم ولكن على اعتبارهم اخرون بعيدون عنا ..ربما جيران ..وربما جيران احد اقربائنا ..عمتي ..او احد معارف العائلة ..ومن بعض اليافعين الذين لم نكن على علاقة مباشرة بهم ...وقد يكون احد اصدقاء اخوتي الذي لا نعتقد في ان له اي حق في توجيه سلوكنا نحو الشكل الذي يقول به ...

واولى واقسى ما نبه حواسنا وازعجنا جدا هو عدم تسامح الاهل معنا والذين فجاة اصبحوا اكثر ترصدا لسلوك لعبنا ومكوثنا مع بعضنا البعض واضحوا كمن يتجسسون علينا ويحاولون مباغثتنا والامساك بنا ب"الجرم المشهود "..ولهجتهم التشككية في نوايانا وفيما كان يجري بيننا ...

كانوا يعلون داخلنا وفيما بيننا اسوارا وحواجز ويقيمون متاريس مراقبة وتفتيش في سلوكنا ...والمصيبة ان هناك منا من اجرى ذلك التعديل القسري باوتماتيكية وبانقلابية تامة وفجاة اصبح هو نفسه غير ذلك الفرد الذي كنا نعرفه ونعرف بعضنا البعض ....واصبح هو نفسه يراقب ويفتش ويشي ويدين ويجرم ....

باشكال عدة كنا نحتج ونستنكر ونرفض الانصياع لهذا التمييز الجديد ولهذا الاقبار للحرية وللعفوية ..انا كنت مع الجهتين كنت مع البنات والصبيا ومع حقنا في الاختلاط والرفقة والمضي كما كنا ومع حقنا في ان نعبر عن رغباتنا وعن ميولاتنا في الحدود التي نحن من اقامها منعا لاي انسياق غير محمود العواقب ...وكنت مع فتيان واليافعين والصغار ومع حرية ان نقترب من بعض ونتصاحب ونتلاعب ما دمنا لا نفكر في اذية احد او تحويل مسار واحد لما لا يرتضيه لنفسه ....

لم نكن نعرف بانهم سينقلبون علينا بحجة اننا كبرنا وانهم يسعون من جديد لفطمنا عن احساساتنا ومتعنا الصغيرة والرغباتنا الطبيعية العادية ...

كنا نشعر بالغبن وغير راضين على ان يعسكروا فوق رؤسنا ويعيدوا رسم الحدود بيننا ويقيموها مفاتيش تحكيم في نويانا وفيما يخص ابسط رغباتنا في ان نكون بالقرب من بعضنا البعض ونتحدث ونترافق ونستمع لبعضنا البعض ...

كان علي ان اتخد قراري الشخصي وان اتحمل كامل مسؤليتي كنت احمل تمام الرفض لمشروع اعادة ادماجنا الاخلاقي /الاجتماعي..كما كنت ضد التقسيم النوعي ووضع الحواجز النفسية والاجتماعية بين الذكور والاناث الاقران وكنت رافضا لقوالب تنشئة الذكور المخالفة لقوالب تنشئة الاناث كنت ابن مدرسة عمومية مختلطة ونزعم كلنا اننا في حاجة للمزيد من حرية الاختلاط بيننا والانسجام والتعاون والتكامل وانه ما عاد مقبول سلوك الحريم السابق ولا تلك التربية المحافظة والمتزمة التي تكسر من مقاديف الانثى وتنقص من شانها وتحط من كرامتها ...كنا مع المساوات بين الجنسين والفرص المتاحة لهما ....

كنا نشعر بغبن امهاتنا وعماتنا وخالاتنا وبنات عائلتنا الكبار المحرومين من فرص التعليم والخروج للعمل والسفر وممارسة التجارة ومن اختيار قدرهم ومستقبلهم ولا نريد ان يكون ذالك نصيبنا ..

كنا نشعر ان الكبار يثقلوننا بفعل وتعلم اشياء والسلوك على نواحي معينة وانهم يقسون علينا بما لا نستوعب اهميته ولا الجدوى منه وانهم باتوا اميل كثيرا ليحولوا سلوكنا وقناعتنا بدعوى اننا كبرنا ونكبر ...كانوا كمن يسلخوننا عن جلودنا ويهيؤننا لنفقد عفويتنا وبراءتنا ولعوض ان تظل عيوننا مفتوحة يغمضونها لنا بما لا نستسيغه ولا نقبله الا على مضاضة ونعاني في ذلك ...

كانت الاشياء العادية التي تحصل بيننا تتحول برقابتهم وبرصدهم الفج الى اشياء غير عادية وقبيحة ومذمومة ومنها ما هو حرام بشكل صريح ....

كانت قوانين جديدة تسن ولوائح جديدة تفرض والكثير من عدم التسامح يبرز ....كانت قيم جديدة تناقض القيم التي تشبعنا بها سابقا تطفوا وتملا السطح ..وكانت قيم تبخس واخرى تتزعزع من حديها ...اصبح الصدق نسبي ...واصبح الكدب كدبا ابيضا واخر اسود ..والكلمة والوعود غير ملزمة ...وما يجوز في مقامات لا يجوز في كافة المقامات وتنعدم الحدود وتفقد معالما منها وتختلط وتدبوا في حدود اخرى ....

اصبحت متذمرا من فكرة انني اكبر او كمن يرفض ما يرافق واقع انني اكبر ..كنا لمستويات بعيدة مرتاحين وغير متناقضين ..وطبيعين ونتصرف بتلقائية والان علينا وعلينا وعلينا لا نعرف كم من قيود علينا ان نغتل بها ونتقدم بها في عمرنا هذا ...

هل كنا مغفلين او مستغفلين ...؟!..ولماذا الان يطالبوننا بالامتثال للقواعد وللنظام الجديد ؟! لماذا كانوا متساهلين معنا ليصبحوا متشددين الان معنا ...؟!!..

كانت حريتنا تضرب في الصميم ..وتفردنا يسلب منا اصبحوا الان اكثر ميلا لمقارنتنا ببعضنا البعض واعلاء نماذج على نمودجنا ...فجاة اصبحنا دون المستوى وقليلي التربية وغير منضبطين وكسولين وثقيلي المزاج وغير مسلين وفاشلين وبين بين ...اصبحنا نقيم بشكل مستمر ونانب ونوبخ ونعاقب مما يفقدنا اعصابنا ويبلبل  مشاعرنا ويعرضنا من الداخل للانكسار وللفوضى ....

لم نكن كلنا نستغفل بعضنا وانما كانت العابنا تفرض نوعا من التصرف النحوي السلوكي واشكالا من التظاهر كانت تلزم بان نتبادل المواقع ونبالي هاهنا ولا نبالي هنالك ونتقبل تجاوزا على حساب انصياع معين مقابل ...كان الهدف ان نستمتع بالوقت ونستمتع اكثر بالتصرف على نحو ما ينسجم مع تقبلنا وما يتولد فينا من استثارة ومشاعر التلذذ ..وتعلمنا ان نتجاوز حد التعبير الصريح لانه يفسد اللعبة التي نريدها كما تاتي وكما تطلب التمهيد وظروبه من الوصول اليها ...والاهم اننا لم نكن نجهد انفسنا بالكثير من التحليل ومحاولات الفهم ولا نسمح بترسب لمشاعر الذنب او الاثم ان يطال اعماقنا ...كان يحدث ان نلعب فنلعب وبانتهاءه ننتقل لامر اخر دون حاجة لان نبرر تصرفاتنا او نتارق بما دفعنا للاستسلام لتيارها وكاننا فعلا انجرفنا نحو الممنوع ونحو المحضور ونحو ذلك الحرام والمجرم اجتماعيا وقانونيا .....

كانت امور اخرى  تحدد طبيعة التعامل العام وامكانية المرور الى ذلك النحو الخاص والحميمي من العابنا ..كان الجسد ..وكانت القامة وكانت الملاحة او الجمال الخاص ..وكان زمن العلاقة ومدى استقرارها وامتدادها ..وكانت نظرة الاخرين وتقيميهم لنا ..وكانت مساحات التحرك الخاصة بكل مجموعة منا وكان الزمن الخاص لكل واحد منا عامل بحد ذاته حاسم في تقرير امكانية الدخول لعالمنا من عدمه ...وربما كان كل هذا ما وفر لنا الامكانيات تلك للاستمتاع وللاستكشاف ...لكنه بهذه العمر اضجت معايير اخرى يستلزم استفاءها وتحققها ...فهمنا الدرس جيدا وكل بحسب طريقة تلقينه له وما خلف داخله من اثار او جروح او شروخ ...بتنا نعي اساليبهم في سوقنا وتربيتنا وتدجيننا ...وبتنا نضع المسافة بيننا وبينهم ..وكان عليننا ان نتفنن اكثر في التظاهر والتمثيل والخداع وان نتعلم كيفية صياغة الكذبات وكيف نتهرب من محاولات التحقيق معنا واستنطاقنا ..كيف نحقق اكبر قدر من الزوغان من رقابة الكبار ووصايتهم ...كان علينا ان نجتهد كلنا في دراسة اساليبهم معنا وطرق تحكمهم فينا وتقيد حركتنا وان نتبادل الخبرات بيننا ..الطرق الناجحة للافلات من العقاب ومن الرصد ومن التتبع ....كان لكل واحد منا نوع من مشاكله الخاصة مع والديه او اخوته الكبار والتي تشمل التضييق والمنع والحد من الحرية والقدرة على التصرف ولكل منا سوابق جنح فيها وضبط فيها ربما سرقات صغيرة ..ربما اعتداء على ملكيات الاخرين ..ربما تجاوز اخلاقي جنسي ...ربما اعتداء وعنف في حق الاخرين ....وبمثل ما كانت لكل واحد منا كنيته او صفة تلصق به ومعروف بها ..كان لكل واحد منا موقعه المحدد والمرسوم بين الجماعة ومع الاقران ولعلنا تنبهنا لضرورة ان نبدا في هدم ذلك وتصحيح الاوضاع وتغطية نقص كل واحد منا لنتمكن جميعا من كسب اكبر الهوامش للحرية وللعب ولابراز الذات ...كان علينا ان نفرض انفسنا هذه المرات كابناء حي واحد وكزمرة او عصبة واحدة متجانسة وتكمل بعضها وتفرض نفسها امام زمر وعصب ابناء الاحياء الاخرى...بشكل او باخر كنا نعمل على توحيد صفوف الصغار والفتيان لنضبط جو اللعب ونتجنب المشاكل التي تنتهي بتدخل الاهالي وفرض المنع والعقوبات ...

انا استوعبت الوضع الجديد جيدا وكنت مع محاولات العمل على احتواءه لصالحنا الخاص ..كنت ارفض التدخل المستمر من الاهالي لتقزيمنا واظهارننا وكاننا بلا راي وبلا رغبات وبلا حق في الاختيار ولا نظرتهم لنا باننا بعد صغار وسدج وتحث وصايتهم ....

بالبيت كان علي ان اتحول لممثل صغير يختلق الاكاذيب الصغيرة ليغطي على الفضول الكبير الذي يتحرك في والذي كان يدفعني باستمرار لابحث في ممتلكات الاخرين واعراضهم ..كان يثيرني ان اعرف ماذا يخفون هم كذلك باستمرار ...وكان يشدني نوع كذباتهم وتظاهرهم ونوع الاتفاقات التي ينشؤنها بينهم للتغطية على سلوك احدهم او على خطء واحد منهم 

بالبيت كان علي ان ارعى شخصية جديدة تتكون مني ..شخصية عليها ان تكون متكتمة وتحتفظ لنفسها باسرارها الخاصة ...شخصية مراوغة تستطيع ان تتهرب من بعض المسؤوليات او تماطل في اداء واجبات ...شخصية تستطيع ان تمثل الضعف لتستحود على العطف وعلى فرص افضل ..شخصية مسالمة وهادئة وخدومة ومبادرة وحريصة يثق الكبار فيها وتكافئ على الدوام ....شخصية تترصد وتخطط..وتنتهز وتمسح اثار ما حدث وتعود دوما الى سكينتها وكانها ابدا ما فعلت شيئا .... 

كنت اعرف انني انشا احدا قادرا ان يستوعب كل المتغيرات من حولنا ..كنت اعرف انه علي وحدي ان اجد الصيغة التي تجعلني مقبولا بينهم ...وفي سعي لايجادها كان علي ان اجرب العديد من الاشياء لاختار منها ما يصلح لي ويخدمني وما لا يصلح لي ...

كنت اجري التحول داخلي وافكر طويلا في اموري وفيما يحصل معي ومعنا ...ويحلوا لي ان ابقى اوقاتا لوحدي لارتب ذهني ولانظر في احوالي ...وشيئا فشيئا اصبح الليل يستهوني ..اصبحت احب ان امكث تحث ظلمة الغرفة والبطانية لافكر ولاسترجع الصور ولاحلم ولابكي احيانا ...

كان لي كوخي الخشبي الصغير المسقف بصفائح القزدير الذي بناه لي والدي بمجاورة غرفة سطح سمير وخالد والذي اعطاني معه حرية استقبال من اختارهم من اصحاب ورفاق وان ارتبه على طريقتي ودوقي ...وكان هذا الكوخ مفخرة لواحد في مثل سني لانه صعب جدا ان تجد بين اسرة متعددة الافراد من يملك غرفة مستقلة لوحده حتى ولو كان كبيرا بما يكفي ليكون له مكانا خاصا به ...

كوخي الذي اتعبني محاولة تدبر له الخصوصية التي تلزمني والاحساس بالامان والامن الذي كان ينقصني فيه الا ان قرر الوالد ان يصنع لي بابا خشبيا له كان بامكاني ان اقفله من الداخل بمزلاج صغير ومن الخارج بقفل معي مفتاحه...

كوخي الصغير والاستثنائي في كل محيط الحي قربني اكثر من اخي سمير ومن عالم اخي سمير لانني اصبحت جاره وصديقه الصغير والذي يوفر له فرص شغل صغيرة كتنظيف حضيرة الدجاج وصناديق الحمام التي يربيها ..كما الاهتمام باصاص الزهور والنبتات التي اقامها ...اصبح سطح المنزل شبه مملكتي الصغيرة ..صنع لي والدي طاولة مكتب رائعة التصميم بينما حولت صناديق بلاستيكية للخضار مكتبة لكتبي ولمجلاتي ومجموعة قصصي ..كانت لي كنبتين متقابلتين وحصير وفرته لي الوالدة بالاضافة لعدد من اجود بطانات خرفان العيد الصوفية والمعالجة جيدا ..كان هناك مصباح اضاءة بالكوخ ومسجل كاسيط اصلحه الوالد ليصبح في ملكي هو ومجموعة صغيرة من كاسيط المسجل من بينها اشرطة فارغة لاسجل فوقها تيترات المسلسلات واغاني البرامج التي افضلها ولتذكرات صوتية لاصحابي وصاحباتي من ابناء وبنات الحي والعائلة.. 

اخدت مسافة بيني وبين الجميع ..اصبحت اكثر استقلالية بنفسي ..اصبح بامكاني ان انام وحدي بكوخ السطح وتجاوزت مشاعر الرهبة والخوف التي انتابتني في بادئ الامر ..خوف غير مبرر او مبرر بما يكفي لكن قهره كان سهل ..كان يكفي ان اقتنع من الداخل بانني بامكاني ان افعلها وان اكبر على مخاوفي ..وان اكبر ...وذلك ما حصل ..

لا يمكن ان ينكر علي احد خوفي المشروع من النوم وحدي في كوخ بالسطح مع تواجد اسطح بيوت الجيران المتقاربة من بعضها والتي يمكن لاي متسلل ان يقتحمها الواحدة تلو الاخرى خصوصا مع عدم وجود ابواب بقفل لهذه الاسطح ...لكنني اقتنعت بانه بجانبي من له ان يحميني ويوفر لي كامل الحماية والدفاع عني ضد اي اعتداء او محاولته ...كان اخي سمير ينزل الغرفة المجاورة لكوخي وهو كبير وقوي بما يكفي ليهبني الامن والامان ...ثم كان علي ان ابدا في عقلنة مخاوفي بحسب ما نبهني لذلك اخي فؤاد وان ابدا باستعاب المخاوف الواقعية والجد واردة والممكنة من الجد المستبعدة او الغير المعتادة الوقوع دائما .....

لم يكن لي غرفة مستقلة مثل ما كانت لي "سيمحمد الشكذالي " ولاخيه "احمد " ولا سرير مثل ما كان لكل واحد منهم ولا خزانة ملابس انا كل ما كان لدي كوخ خشبي مسقف بصفائح قزدير واثاث تدبرته بمعرفة الوالدة والوالد حتى اصبح ممكن العيش فيه والنوم به والدراسة به واهم ميزة كانت لي به انه كوخي لوحدي ولا يشاركني فيه احد وانه مسموح لي بان استقبل فيه اصحابي واصدقائي بشرط ان لا نثير الفوضى او الضجيج وان نحترم البيت والمكان مع طلب الادن بذلك خصوصا في المرات الاولى التي يكون  صاحبي غير معروف بالنسبة لهم ..لابي او لاخي او لوالدتي ....بعدها اصبح يكفي اخبارهم بمن معي وكفى ....

تنظيم زيارة لكوخي يحقق لي سعادة خاصة لانني ابدوا خلالها سيد المكان وصاحبه وفرصة لاعرض على اصحابي ما يشكل ممتلكاتي الصغيرة ومفخرتي والتي كانت اساسا قصصي ومجلاتي وكتبي المصورة بالاضافة الى مسجل الاشرطة الموسيقية والمدمج بالراديو ...بالاضافة الى اغراضي الخاصة كطاولة المكتب التي اعدها لي الوالد وكنبتي النوم والجلوس وحصير ووسادات وكرسيين ..على ان فناء السطح الممتد يبقى لوحده فضاءا لنلعب به ونطل عبره على بيوتات الحي وازقته ونستمتع بمتابعة مجموعات من الحمائم والطيور الاخرى ك"ذكر الله " والدجاج ....


                 

                    

                       

             

السبت، 26 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية..../ جيل الاحباطات...



 لم يكن مجرد احساس بان اموري مختلفة عن من حولي.. عن اقراني وعن من يدرسون معي في الفصل او المدرسة وانما كانت قناعة تتاكد لي يوما على يوم... كانت حقيقة ترتسم لي واضحة امام عيني.. تنعكس على المراة وفي عيون من ينظر الي ويتابعني... ولم يكن  سهل علي تقبلها كانها المسلم بها.. كانها قدري الاوحد... ولم اكن اعرف بانني بقدر ما كنت ارفض تقبلها كنت اعمل على نحتها وترسيخها كهوية لي.. كنمط.. او كشخصية لي ستظل ترافقني العمر كله مهما قلت بانني كبرت او ابتعدت عنها... 

بكل عناد كنت اكره مني ضعفي وهشاشتي وسوء تحصيلي على التقدير المناسب لي وغبني بالحاصل معي...كنت ابحث بجهد عن ما يميزني..عن مجال اكون فيه ويخصني..عن اشياء وحدي الذي اتقنها واجيدها..لم اعد اقبل على كل ما كانوا يحاولون تعليمي اياه وجعلي اتجاوز مبادئ تعلمه لمستوى اتقانه كالرسم مثلا او الحرف اليدوية..لانني اتعب بلا مقابل..بدون ان احصل على الرضى عن نفسي وعن مردوديتي..بل تتشبع دواخلي اكثر باحساسات الفشل وبانني فاشل عندما انتهى من كل تمرين وانجاز دون تحقيق مستوى الايجادة ولا التقدم المناسب...

كان علي ان اقنع نفسي اولا واخيرا بانه غير مطلوب مني ان اعرف واتقن ما يعرفه ويتقنه اخوتي بما فيهم حتى اختى الصغيرة..وكان علي ان اقطع مع فكرة اننا اسرة فن وفنانين فانا لم يكن خطي حتى في مستوى المقبول لاظل متباهي فقط بوالدي وموهبته الفذة في رسم الخطوط..وفي محاولات باقي اخوتي السير على منوال الوالد...ولا اجيد استعمال فرشات الالوان المائية ولا تحريك قلم الرصاص بالخفة والدقة والانسيابية اللازمة لرسم كروكي /تخطيط او بورتريه اولي...على انني احب الورق والاقلام والمسطرة والملفات والاظرفة وورق النسخ وكل الادوات المكتبية لكنني احبها بطريقتي وانشغل بهم ما يمكن ان افعله بها انا لا ما يمليه علي الاخرون..كنت احب ان ارتبها واحتفظ بها دون ان اسودها او اكتب او ارسم عليها اي شيء فقط لاستهلكها واراكم محاولات انجازات غير مكتملة ولا ناضجة ولا حتى في مستوى المقبول...كنت استشعر ثرائي بالحصول عليها واتركها جانبا وكلي رعبة في ان اتعلم ما ينقصني وما انا في حاجة فعلا لاعرفه ولاتقنه...

كنت احب النظام والترتيب وهو الشيء الذي اخدته من النبع الاصلي من والدي وان لم يفارق عيني المستوى الجيد والجيد جدا الذي كان عليه اخي خالد في نفس الباب... الا انني ابقيت فقط على تاثري بطرق والدي فيه.. طرقه المبسطة والغير المكلفة للمواد وللاقلام وللدقة الحسابية.. كما انني لم اكن ميالا لاكثار من التوضيب والتخصيص والتخزين بمثل ما كان عليه اخي خالد الذي دائماً عنده مشاريع عمل على قائمة الانتظار.. وفي حاجة دوما لايجاد مساحة اضافية في خزانته او بجانبها لوضع ملفاته الكبيرة وكراساته ومواده الصباغية والواحه وادواته... 

انا ودونما انجداب عاطفي اعمى كنت متاثرا وعلى نحو عقلاني بسلوك اخي فؤاد لانه كان يناقش معي الامور وحتى صغيرها ولماذا يلجأ الى هذا الحل او لهذا الفعل او لمثل هذا السلوك دون غيره.. كان يشرح لي ويقنعني بعد ان يطلب مني ابداء راي الصريح والتحدث عن وجهة نظري فيه..

فؤاد كان ملما بالصورة العامة والخاصة لكل اسرتنا ولباقي افراد عائلتنا وعندما يقدم لي نمودجه الخاص او طريقته في التفكير وفي ايجاد الحلول للمشكلات فهو كان مراعي ليقدم لي معها باقي النمادج والطرق التي يتبعها كل هولاء ويقول لي بانني املك ان اختار منها ما يتناسب معي وما يصلح لي وما يمكن فعلا ان اقبل عليه واتقدم فيه لا ان اجعل نمودج الاخر يغصبني على اتباعه دون ان يكون لي مستقبل في التقدم به او لاجدني بعد يوم او يومين بعد محاولات او عدة محاولات غير قادر على الاستمرار فيه وهكذا انتهي على ايجاد انني ضيعت الوقت والجهد بدون تحصيل نتائج ملموسة ولا مستوى متقدم في التعلم... 

فؤاد... كان انسانا بسيطا جدا وقنوعا لدرجة قد ترثيه عليها ولكنه ما كان يبالي... معي لم يكن الصموت كما كان معهم  جميعا.. ولانه طور من نظرتي للاشياء من السطح الى العمق ومن الظاهر الى الباطن ومن العاطفية الى العقلانية فلقد قدم لي اكبر مساعدة يمكن ان تقدم لي في كل عمري... 

فؤاد.. اخبرني انه ليس في حاجة للاقحام في جو المنافسة والتنافس الذي كان يسعى الوالد لخلقه بيننا ليسهل له تقييم مستوى كل واحد منا وانزياحات كل واحد منا..

بعدما تقبل وبلا اثارة اي ملاحظة ان يشاركنا غرفة جلوسنا ونومنا نحن الصغار انا واختي بشرى اخبرني بانه كان بامكانه ان يسيطر على الغرفة ويجعلها كانها غرفته هو لوحده ونحن لنا مكان محدود داخلها وانه بحكم انه من يكبرنا فهو قادر على السيطرة علينا وضبطنا.. لكنه لا شيء يستهويه في التسلط والسيطرة ولا في اكتساب المكان الافضل والمساحة الاكبر.. كان يضع في اعتباره استفهام كبيرا حول لماذا تحصل اخوتنا الكبار على غرفة مستقلة بالسطح وهو نصيبه كان غرفة صالون عادية يشاركنا نحن الصغار بها لا خزانة فيها ولا مكتبا ولا طاولات مكاتب هل لانه لا يحتاج لكل ذلك او هل هو اقل شئنا منهما... ثم كان يقطع حبل التساءلات ويقول لي المسالة تتعلق اساسا بي انا انا لست في حاجة لما هم في حاجة له ربما في وقت لاحق ساحصل على اشياء الخاصة وانما الان لي ان انظم المكان واهتمامتي بما يناسب جو الغرفة ودون ان ياثر على ما هي في اساسه اوجدت لي وبهكذا لن اكون مستحودا ولا متنافسا مع اخوتي ولا ملغيا لوجودكم لجانبي شركاء معي بالغرفة التي يمكن ان نستغلها وكما هي في الكثير من الانشطة وممارسة الاكثر من اهتمامات من شانها تقريب منا اكثر فاكثر.... 

بصراحة كنا مدينين لاخي فؤاد بالكثير من المحبة والصفاء لانه كان يحضننا بعمق وبهتم بنا جيدا ويتطور باستمرار لياتينا بجديد يدفعنا نحن كذلك لنتطور به ومعه... 

لم يكن ابدا مدعيا كبيرا او مغرورا وانما كان بالاساس شخصا له ثقة عالية بنفسه وبمقدراته ويعرف ماذا يريده من حياته وما يصنعه منها... 

كان سمير يحاول تقريبه اليه ويتعاطى معه في حدود وباحترام لكن فؤاد كان لا يريد التورط معه في برامج تجمعهما لذلك كان دقيقا في التعامل معه ولا يوقع التزمات معه تشدهما لبعضهما اكثر... لانه كان يعرف ان سمير وخالد منسجمين ويجمعهما اكثر من تخطيط والتزام وبرنامج واصدقاء مشتركون لذا ومن هنا فضل اخي فواد ان يدعهما لعوالمهما  ... ولعلهما حسبا عليه الامر انغلاقا نفسيا من جانبه...

ظل سمير علامة فارقة ومنارة شامخة ويستحق ان يلقب بانه الوحيد الذي ربي نفسه بنفسه... كان بيوتيا بامتياز ويقضي اطول اوقاته بغرفته او بسطح المنزل لكنه يمارس اكثر من رياضة بغابة اولمبيكا ويمارس الصيد بالقصبة بكل مواقع الصيد على طول السواحل الصخرية كما يتدرب باستمرار على عدد من الرياضات القتالية وعلى حمل الاثقال بغرفة السطح وبالاضافة لذلك يجد الوقت ليتمرن على العزف على القيتارة وتلحين اغاني انجليزية وكتابة قصائد لها كما مهتم وولوع بتربية الحمائم والنباتات... ومهتم اكثر بالقراءة في حقول علم النفس وعلم الحيوان والفلك ومجالات الخوارق.... 

سمير كان شخصا عجيبا يثير الاعجاب والقبول وحلو المعشر ومسالم وله قدرات عجيبة في كسب الاخرين وهدب من انفعالاته واخلاقه وسلوكاته مما جعله دمثا مقبولا من كل من يدنوا منه ويقترب اليه... 

ومع كل غنى شخصيته يبقى في جوانب نفسية منطوي على نفسه وخجول وبانفة جد عالية  وباعتزاز كبير لنفسه ولكرامته وهذا ما جعله ميالا للدراسات النفسية والبسيكولوجية والروحية... وهو الوحيد الذي كان يداوم على اداء صلواته الخمس في اوقاتها وبعيدا عن فضاءات المساجد وصلاوات الجماعة... 

لكن اخي خالد كان غريب الاطوار ومقفلا على راسه بالمفتاح والدبارة كان في العادة لا يستطيع التحدث بالصراحة اللازمة والاستثناء الوحيد كان يمارسه وبتحفظ  مع اخي سمير.. خالد كان مشغولا في فهم القوالاب ودراسة الانماط السيكولوحية والمجتمعية كان كمن يريد تاسيس فهم ومراجع خاصة به لوحده تمكنه من ممارسة ضبط عليها بما يفيد ذلك القدرة على استخدام قواعدها على النحو العملي الذي يؤدي به الى تصريف مسائله وايجاد الدعم اللازمة له والحصول على مكانة بهاهنالك.... 

فؤاد كان خارج نسقهما علم من البداية ان طريقه عليه ان يمشيها وحيدا ومقدر لها انها ستكون صعبة.. فؤاد في ذلك التحدي البسيط الذي قام فيه بتدبر شغل صيفي موسمي بشركة اثار الانتباه والاعجاب وكبر في عيوننا جميعا وهو كل ما جناه منها صرفه على لباس رفيع كان يتوق لارتدائه والباقي للقيام برحلة... فؤاد كان يخرج مع الاصحاب والصاحبات كانوا يعيشون المرح والفرح والعمر والشباب والنجاح... فؤاد كان يهتم بشعره وبقصاته وبلباس متحرر يصدح بالحياة فؤاد لم يكن منفصلا عن واقعنا وانما كان متصالحا معه ويعمل على تغييره بما يناسب المرحلة والمراحل التالية... 

فؤاد ان تشرب شيئا من سيدنا الوالد فهو بيداغوجيته واساليبه التربوية...فؤاد كان في كل احديثه ورسائله لاصحابه تعلمي ويقدم دروسا ويسعى للرقي بك لتكون الاحسن... فؤاد كان كسبورة بلا حدود مفتوحة في وجه كل من يريد ان يقرا او يتعلم.. كان انسانا جادا ونوعيا ومختلفا ويحب الخير للجميع والعحيب فيه انه متسامح ولا يحقد... 

انا منشغل بعد بنفسي وبمقدرتي وما ارتضيه لي خيارا او توجها او مسلكا..ويهمني ان اعرف الارض التي اقف عليها وبداخلي خاىف ومشكاك ومتردد وسهل الانكسار والانتكاس والعودة الخائبة للانزواء والعزلة والابتعاد عن كل الاشياء الحبيبة...

فؤاد اغناني بعلاقاته وفتح لي مجالا شاسعا وعميقا لاكتشف فيه انماط جديدة من الناس والمتعلمين والمتهدبين والعاطفيين الاجتماعيين ولاتفاعل معها بندية كذلك... اهداني اعز اصدقائه ليرعونني قليلا وليهتموا بي لخيري... 

تجاوز بي تلك المعرفة السطحية بهم معرفة الاخ الصغير باصدقاء اخيه الاكبر ليدفعني لاعبر عن نفسي...عن اهتماماتي..عن ما قد يشكل قضاياي...لقد كان يعرف انني كبرت كفاية ليصعب علي ابلاغ صوتي او التحدث بافكاري لمن هم من اقراني ومجايلي...لقد سمح لي بان اعبر بيسر لعالم الكبار بعيدا عن معيار السن والعمر الطولي والكمي...لقد اصبحت تلك المحادثات التي اجريها مع اصدقاءه مهمة لتطوري السيكولوجي.. وسنحت لي ان اوضح رؤيتي للموضوعات ولما يشغلني ولاانس عالم الكبار دونما ادعاء او مبارزة اغبياء... 

عندما كنت اياس من من حولي..اختار لي عالم الكتاب والقراءة واسافر فيه خارج الاحساس بالزمن او بالحاجة للاخرين..وكلما تجاوزت عتبة كتاب بدى صعب في البداية تقفي اثره ومتابعة حكيه الا وازدادت رغبة اكتشاف كتاب اخر وموضوعات اخرى وتجاوز عقبات تحصيل كامل الفهم من اول سطر الى اخر سطر في ورقات الكتاب.... 

كنت اتسلل للسطح واحيانا لغرفة اخواي بهنالك وقد حملت اي كتاب من مكتبة والدي اي كتاب في اي موضوع كان لا يفرق معي ما عساه يكون او فيما يخوضه...كتاب مطبوع وممكن قراءته وابدا استاناسه والتعرف على شفراته ثم امضي في طي وريقاته..الواحدة تلو الاخرى وكنت اكتفي بتسجيل ما استوعب انه اصطلاح علمي او تقني او مفردة معجمية نوعية..في ذاكرتي لاسال عنها احد اخوتي في اول فرصة اجتمع به...

كلما جمعني هذا الطقس العجيب مع الكتب ازداد احساسي بانني اكبر..اعي..وافهم..املك اللغة لاتواصل افضل مع العالم من حولي...

لم يعد عصي علي ايجاد الكتاب المناسب او المجلة المواتية للانكباب على قراءتها وقد اعتقني اخي فؤاد من هذه القيود التي كانت في السابق تحد من قدرتي على القراءة والتواصل اكثر مع المكتوب والمطبوع من اي نوع تاليفي وفي اي جنس او لون انشائي..اعتقني حينما نبهني لرحلة اكتشاف عوالم القراءة.. لمتعة معرفة كل شيء جديد واي شيء لم يسبق لي ان كونت عليه اية فكرة تذكر.. لسفر البحث عن المعنى وتكوين فهم لاباس به في موضوع ما... في اي موضوع وكيفما كان الحقل الذي يتناوله او يدرس فيه... وبالفعل كانت متعة عجيبة ان اغمض عيني وانتقي اي كتاب  وابدا في التعرف عليه وانشاء علاقة به... كان يكفي ان اغمض عيني لاستعيد المعنى وقد تشكل في ذهني واستجلى لي فك الرموز والكلمات التي اكون لاول مرة اقابلها قد قربني من بعض فهمها من محاولة فهمها وان لم يكن هينا اخزنها قريبة من بالي لانتهز اول فرصة السؤال عن فحواها فامكن من الايجابة.... 

وجدت لي عالما ممتعا يضمني اليه ويكفيني نفسي...عالما يدفعني باستمرار لاكون فهمي الخاص..فهم لعله بسيط ويعوزه العمق المناسب ولربما فيه قصور..لكنه فهم انا من بحث عنه وسافر اليه وغدا سيكون بامكاني ان احفر اكثر في حقله والقبض على اكثر ما يحفل به من معاني ويكشف عنه من معلومات ومعطيات....

عندما كنت اتعب انفس على نفسي بلعبة القص والتلصيق..كانت بحوزتنا مجلات فيه المكرر من الاعداد وفيها ما لا حاجة بالاحتفاظ بها ضمن مكتبة الوالد وهو من قال لي بذلك..فاتخير موضوعات بعينها لابدا في قص مقالاتها وصورها ومحاولة اعادة لصقها وترتيبها كما لو اعد ملفات عنها...وها هنا كانت متعة جديدة تستبد بي..متعة التعامل اليدوي والحسي مع الورق ومع الكلمات المطبوعة ومع الاشكال الطباعية ومع الصور ومع الاحجام وفي ذلك كنت انفس عن ذلك التنبيه المتواصل والمجترر من كافة معلمي واساتذتي عن ضرورة تحسين شكل خطي ورسمي للحروف والكلمات..كنت لا اجده ضروري حينما تمة الاكثر من وسيلة انيقة ودقيقة في الكتابة وطباعة النصوص وكنت اقول مع نفسي لن اعدم في يوم حتى انا من الحصول على ما ييسر لي الكتابة ورقن الكلمات بادق شكل وايسره على القراءة...

سمحت لي قرائتي الاولى للقصص والرويات المبسطة من نسج حوارات داخلية بيني وبين نفسي وحول الكثير من القيم النفسية والمجتمعية والبحث فيها والانشغال بها وحتى الاهتمام بها والهم بها قيم كالصدق والوفاء والكرم والصداقة والفقر والغنى... والكذب والظلم والحسد والسرقة.... حوارات تنامت وتناسلت بسرعة في ذهني واخرى كانت تترسخ عميقا في ذاكرتي وتسجل كحوارات ممكن ان استعيدها واستعرضها واقرا فيها دونما الحاجة للعودة لمصادرها الكتابية.. واصبحت من من يكون رايه الخاص ويملك ان يميز وينتقد سلوكا عن سلوك... واحببت اللعبة واستعذبت ان انسج حواراتي الخاصة مما اقراه واتعرف عليه... كنت ادرك انني على الطريق الصحيح لانهل المعرفة واصحح الافكار ولاكون رايا في الموضوعات وفي السلوكات... لم اعد قط ذلك الصغير الذي كنته والخائف باستمرار والمستوحش من البقاء لوحده طويلا بالبيت بالعكس وجدت لي مكاني في البيت وكان اي مكان يمكن ان اقرا فيه بهدوء مكاني... في الصباحات بجانب باب البيت في الطابق الاول حيث تفترش والدتي جلدة فراء الخروف وتجلس لتكمل خياطة ما بداته وهي مستانسة بضوء الصباح وباشعة الشمس التي تطرق النافذة وتتسلل لحيث تجلس هي واجلس حتى انا ممسكا كتابا انازله وبلا تردد عازم على اقتحام معانيه والاستحواد على ام افكاره ومضمونه..

كانت حكمة بسيطة واجهني بها اخي فؤاد  تفيد بان كل شيء يصلح للاكل وكل كتاب يصلح للقراءة فقط عليك تدبر الطريقة لفعل ذلك... 

كنت اكل اي كتاب يقع بين يدي اي كتاب لي ان افك رموز كتابته وحروفه وتراكيب الكلمات به امضي معه جملة جملة وصفحة صفحة ولا هم لي بان اخلص سريعا منه كما كان حالي مع القصص والرويات المبسطة...ملت لاقرا كل كتب المطالعة لكل المستويات المتوفرة بمكتبة والدي وكل الكتب المدرسية التي كانت لاخوتي وشدتني كتب التاريخ..تاريخ المغرب القديم والوسيط والحديث ثم تماديت وبدات يدي تمتد لكتب التربية والتعليم الخاصة بوالدي ومعها بدات افتح عيني على واقع جديد واعاود اكتشاف مدرستي وساحة مدرستي وفصول الدراسة بها وادهش من كونها لا تمت بصلة لكل النمادج المذكورة بالكتب ولا منهح الدراسة بها يشبه هذا الذي يتحدثون عنه ولا من طريقة مثلى لشرح درس في مادة كذا او كذا قريبة مما تتحدث به هذه الكتب.. لكن الجميل انني لم اصاب بالاحباط ولا بالياس بل باصرار على المزيد من مطالعتها وهذه المرة بنفس جديد كان يسمح لي بالتقاط النفس مابين فقرة وفقرة او محور ومحور واترك لنفسي الوقت لاهضم ما اضطلعت عليه واترك لخيالي الفرصة لاستعاب الامور وادراكها في بعدها الجديد... كان الوالد منتبها لي لكنه كف على ان يتدخل حينما عرف ان تعاملي مع الكتب برفق واحترام وبانني لا استهدف تخريب مكتبته.... 

تغيرت.... تغيرت لمستويات بلغية وانا اتعاطى مع الكتب بت اكثر هدوءا واكثر قدرة على البقاء والمكوث وحدي لساعات دونما ان اشعر بالملل او الضجر.. بت حريصا على نظافتي الشخصية واهتم بحالي وارتب من ثيابي وافعل مثل اخي سمير، الذي يقيم ممتلكاته الخاصة من ثياب واحدية ويعتني جيدا بها.. يفرز ما سيصبن لوحده عن بقية الثياب ويهتم بنشرها في الوقت والمكان المناسب كي لا تبهث سريعا وتضيع الالوان منها ويهتم بما يلبسه في المنزل عن غيره الذي يلبسه للخروح... 

وتغيرت حتى في خارج البيت..بت اكثر قدرة على تحمل نظرات الاخرين لي والتي عادت ما تكون المدخل للتنمر علي..وبت اكثر قدرة على ضبط انفعالتي الداخلية مع ميلي للبقاء وحدي في ساحة المدرسة او قريبا من الفصل الذي ندرس به بغير رغبة في مجرد التحدي بالتواجد لجانب الاخرين وفي وسط عراكاتهم والاعبهم العنيفة والبديئة...

لكن اهم تغيير احسست بالفعل انني خضعت اليه هو انني وضعت مسافة بيني وبين اختي الصغرى حبيبتي ورفيقة عمري وبيني وبين صاحباتها من بنات الحيران ومن تلك اللواتي يرافقنها بالمدرسة...لم يعدن على ذلك النحو الالي الذي اجدهن فيه صاحباتي بدوري حين انهن صاحبات اختي...او ان سوالهم عن اختي هو سؤال عني بدوري.... كنت اكبر في جسدي بدوره واشعر بتغيرات تمته لكنها لم تكن بعد علامات البلوغ ولكنها همت بالاساس نفسيتي وميولاتي واستقلاليتي بذاتي... بدات اشعر بانني مغاير عن الاخرين وليس كذلك فحسب وانما لا يمكنني ان اكون مثلهم لانني بشاكلة اخرى لا يجمعنا ذات الاحساس بالزمن او الوقت ولا نفس الرؤية للاشياء ولاعتبارها وكيف هي على الواقع وكيف كان لها ان تكون لو قيد لها ان يهتم بها ويصرف الجهد لتبديلها للاحسن لتكون كمثيلاتها في زمرات افضل... هكذا كنت افكر وانا اراقب الاشياء والفضاءات من حولي والناس وسلوك الناس... لم اكن استوعب التاثر بالقراءة وبالافكار كان الامر معقول على نحو عام وبسيط نقرا لكي نعرف نتعلم لكن دون ان ندرك ما الذي نريد ان نتعلمه ونعرفه.. وما الذي يستحق فعلا ان يعرف ويتعلم.... كنت غير مقتنع بطرق تعليمنا وتلقيننا بالمدرسة كنت امقت صورة معلمينا الرجل المحترم جدا سواء كان ببدلة قديمة او بجلباب ثقيل باهث اللون... سواء كانت معلمة بجلباب او بمعطف وسترة وشعر مسدول وغير مجموع... امقث فيه كل تلك المسافة التي يضعها بينا وبينه... وامقت فيه كل ذلك الاحترام المبالغ فيه لشخصيته ولشخصية مدير المدرسة ومفتشيها... كنت لا اقدر لعبة قف وانهظ احتراما لهذا او ذاك واكره بالاساس ذلك التقبل البليه الذي يصنعه ذلك المحترم به والمحتفى بقدومه.. تلك الابتسامة والنظرة الابوية الكاذبة التي يتصنعها.. وتلك اللطافة والود الذي سيتحدث به عندما يخص الامر اقتناء المجلة المدرسية "العندليب" او ورقة يناصيب او يومية الوقاية المدنية او المساهمة في اليوم المدرسي للنظافة... هنا فقط كانوا يبدون انسانيون وان بحدود لاننا لا نمنع رؤسنا ان تنسى ما يحتسب على ذلك المعلم من المعلم الاخر ومن بقيتهم ومن منهم غير متساهل تماما ومع الجميع ومن منهم متساهل مع فئة  دون الفئة الاخرى ولماذا...!؟ وايهم اكثر تسليطا للعقاب البدني على العقاب النفسي والعقوبة المنزلية.. وايهم تمت اجماع على انه منبوذ من جميع التلامذة وحتى اهاليهم.... لم اجد عندي بعد صورة المعلم الفضلى التي اوجدتها في ذهني ولزمت تفكيري لوقت طويل ونحن نهمس بموصافاته بيننا كمجموعات وكاصحاب نتبواح ونعترف برؤنا لبعضنا البعض ونتحدث عن سخطنا الخاص من الاوضاع وننتقدها بذلك الحس الانساني البرئ.. لم املك بعد ان اكونها تامة ولكن عندي ارهاصات نحوها.. توارد صور واشكال بعد لم تترتب وتجد الوعاء الذي تنتظم عليه... كنت كما مع اشياء عديدة اجدني اعرفها.. ادركها كلية في مجموع ما لكنني لا استطيع التعبير عنها في مفردات واضحة او جمل مرتبة او لا املك ان اصيغها في فكرة بسيطة واضحة لا لانني لا ادركها كذلك وفي مستويات قريبة من ذلك ولكن لربما لانني لم يسبق لي ان تحدث بها ولا حاولت ان افعل ذلك... انا سبق وان عشت مثل هذه الحبسة عندما كنت اريد ان اطلب امرا من والدي او احد اخوتي وكان يلزمني ان اتدرب على طريقة القائها واظل ارددها كي اعقل جيدا عليها وبعدها مباشرة انطلق لالقائها واسعف في غالب الاحيان... 

لقد كنت ارفض الادعاء والزيف... كان ارفض تودد معلمي لي بحضور والدي على انه في الحقيقة على غير ذلك معي ولا يتقبلتي في فصله الا على مضاضة... ولنفس الاسباب التي قد اجهلها.. اجهل تشخيصها واجمالها في صفة او نعث او في جملة واضحة... كان يلزمني ان اطور من قدرتي على التحدث مطولا مع نفسي دون ان ازيغ عن نقطة البداية التي انطلقت منها.. كان يلزمني ان اركز مليا لاحاول ان احسم في فهمي واحدده.. اصيغه... وكان يلزمني ان اكون اكثر صدقا مع نفسي وبشجاعة كافية للاداورني والتفت على وعي وعلى ما استحضره ببديهة ويكون هو الى ابعد حد ما يشكل الحقيقة كما ادركتها لا كما ممكن ان يدركها الاخرون او يتحدثون عنها في محامعهم.... كان علي مثلا ان افهم ان معلمي يحابني مراعات لوالدي وغير ذلك لا يملك ان يكلف نفسه مجهودا اضافيا معي لجعلي في تمام الاستعاب لدروسه وقادر على ان احصل على اعلى التقديرات... ذلك كان يفعله مع عينات اخرى بالقسم مع ابناء اولئك واولئك او من يستهويه التعامل معهم من بنات وصبايا حلواة ضريفات او احيانا مع مشاغبين عنيدين كمحاولة لشراء السلم منهم او معهم.... انا مهما علا شاني فلست غير ابن معلم زميل له تعب هو الاخر مثل تعبه هو من احل تعليم ابناء الشعب الذين لا فائدة ترتجى منهم ان لم يكونوا من ابناء ذوات او وحيدي والديهم الحريصين بكل السبل على ان يتعلم ابنهم او بنتهم ومصرين على بدل اي شيء لتحقيق المنفعة تلك..... 

اصبحت نزقا املك ملاحضاتي الخاصة حتى فيما يخص المقبول واللامقبول من معلم عن اخر...كان منهم من لا يقبل الحواب الا من ما لقنك اياه وبصيغته الحرفية لا يصبر علي حتى للحظة لاوصل له جوابي الصحيح فقط لانني اقوله بنحو ما اعقله او ما اضطلعت عليه في احد الكتب التدريسية التي حصلت عليها من خزانة والدي وقرات فيها بكل تمعن وتركيز....وكان منهم من تشعر بانه لا يحبك ولا يتقبل التعامل معك لوجه الله... هكذا خالصا... ومنتهى مع يجعله يلتفت اليك ويتعالى ليتعامل معك ان تنسحب للظل وان تكف عن مضايقته بطلب المشاركة او بمراجعته في حين لم يتسنى لك كامل الفهم.... 

واصبحت يوما على يوم امتلك مفردات جديدة ولوحدي بدات اعمل عقلي وفهمي لاحدد بالكثير من الدقة مدلولها ومعناها الخاص والمميز...بدات اعي معنى الزمرة والفئة والطرق المثلى ومجموعات الاقران والعينات والنمادج...وعدد من المفردات والمفاهيم التي كانت تتضح وتنجلي لي كلما استمررت في الكتابة واقبلت على العودة لما سبق ان اضطلعت عليه ومر على ذهني وانا اقرا تارة بيسر وتارة ببعض الصعوبة في تحصيل الفهم او كامله....

تعلمت ان اطوي الكتاب او الكتيب او الدورية او المجلة او الكرسات المطبوعة واخد كامل وقتي لاعاود السفر في مضمون ما قراته ولاعاود استحضار ما تعرفت عليه ولاصيغ اشبه بمحصلة تكون كزوادة اضافية لي في يوم قرائتي الخاصة هذا.... وهذا كان يهبني احساس مهما وبليغا باهميتي وبانني لا ضيع وقتي في الخواء او في اتيان اي شيء.. مجرد اي شيء.. وبانني ماض في طريقي اكبر... واعبر العمر بسرعة الضوء.... لكنني مع ذلك لا استطعت ان اتجاوز تلك الرغبة في البكاء وتبليل وسادتي بالدمع قبل ان اخلد للنوم واحيانا بساعات على نوم من معي بالغرفة... اكانت امي واختي الصغرى او اخي فؤاد وبشرى الصغيرة... شيء ما او اشياء ما كانت تباسني وتجعلني قلقا وخائفا من ان اتعثر وان لا اصل الى اين في كل حياتي وفي كل ما يمكن ان احلم به... شيء او اشياء كانت ترعبني وتجعلني لا املك ان اشعر بالسلام بل بكل خوف من ان اصحوا على فاجعة وعلى زلزال او عاصفة تهد كل البيت الذي يأوينا...  

امتلات بالتردد واصبح مزاجي سيء خصوصا عندما لا اكون في حالة تسمح لي بان اختلي للقراءة..اصبحت اكثر قلقا ومرهف الحواس...اشعر بانني اكثر غيابا عن ما حولي..وعن من حولي...اكون بين تلامذة فصلي ووسط قاعة الدرس لكنني لا اكون معهم..احيانا اكون مسافرا في ذاكرتي..استحضر صور بنات خالتي واولادها ومتعة السفر لجانب ابن خالتي محمد...واتذكر احلى ابتسامات الفرح على ابنة خالتي "اسية"...واحيانا لا اخرج بعيدا عن الفضاء الذي انا فيه...اظل على حالة اتامل القسم...جدرانه..المستطيلات الاسمنتية المركبة منه..وسطحه القزديري المضاعف الحجم والصلب..نوافده التي تفتح من تحت وتسند لعمودين جانبين والتي اغلبها فقدت زجاجها وعوضت بشرائح بلاستيكية قاسية..شكل القسم الواسع طولا وعرضا والذي تقع السبورة الكبيرة فيه بعيدا وتحتها طوار يمكننا من الصعود فوقه للكتابة على السبورة وتمكن معلمنا من الظهور العالي..الشامخ ببزته البيضاء التي تكون حينا كبالطو الاطباء الجراحين او كبالطوا خدام المطابخ...الاربعة مصابيح المتذلية الصفراء الاشعة التي تصدر من لمباتها وبقدر من الشحاح...الخيط الكهربائي المتسخ بالغبراء التي تبدوا كصوف عليه...الباب المطلي بالاخضر الغابوي الغامق...اقارن هذه الاقسام بالاخرى الموازية لها على مسافة عرض كل ساحة المدرسة والتي بها سقف اسمنتي وباب ادراي انيق وتبدوا حديثة ليست كالاخرى التي اجدها اشبه بحضيرة ونحن خرفان ونعجان وبقر وثور يدرسنا...في مثل هذا الجو الممطر والكئيب والمظلم مساءه بسرعة ولازالت تفرقنا اكثر من ساعة ونصف على انتهاء الدوام المسائي...وعندما اكون بالبيت بسطح البيت لوحدي اراقب ولا اراقب صبية الحي متمعون..يلعبون..يتصايحون فيما بينهم...وانا ولو حتى رغبت في ان اشاركهم الاعبهم اكتشف ان لا مكان لي بينهم فانا لا اجيد لعب كرة القدم ولا التجاري ولا "المعابزة" المصارعة...ولا لي من حركات جنباز اتقنها لاستعرضها وحتى الاعيب البي لست شاطرا فيه واصغر بنت ستفلسفني في لحظات....فاظل انظر اليهم ولا انظر اليهم وانما انظر اليهم وانا في نفس الان انظر لنفسي افحص ذاتي...اقارنني بهم..ابحث عن ما يروقني فيهم وما امقتهم في بعضهم..وفي مستوى اخر اتصالح معهم لانه كان بامكاني ان اكون معهم وحتما كان هناك على الاقل واحد الى اثنين سيسمح لي بمشاركتهم الاعباهم وسيجد لي مكانا او دورا بجانبهم وسيحاول تاهيلي وتشجيعي وتحميسي للدور وسيقول لي بانني سريعا ساجيد اللعبة واتقنها....كان سيمحمد الشكذالي دائما يفسح لي المجال كما كان حسن بنسليمان على انه يصغرني من اكثر المرحبين بي ومن يزرعون الثقة في نفسي وقدرتي على مسايرتهم اللعبة...اما فريد فلقد كان يرعاني من بعيد وفي كل اشواط اللعب كان مهتما بان لا ابدوا بسوء المبتدئين والخائبين....كان ينتقد وقوفي وجمودي كان يدعوني للتحرك ولاعلاء صوتي والتحدث لباقي الافراد كان يقول لي:""اخصك تطلق الطبيعة مع الدراري اخصك تحنقز..تهدر..." ويعلق سيمحمد الشكذالي:"" بش توعار اصحبي....."

كان بالامكان ان لا اكون على هذا المزاج واكون معهم اصيح واتهيج وانفس عن ذاتي وطاقتي...لكنني بدات افهم الان بان بامكاني ان انفس عن طاقتي باساليب اخرى اكثر تهديبا ورقيا وعودة بالفائدة..وبانني لا يمكنني ان اقبل بان ابقى نفس الطفل الذي كنته والذي لربما لم يعد يتنمر عليه من ابناء حيه ولكنه يعرف مستواه بينهم وما يقدر عليه وما لا يقدر عليه ويعرف حيدا انه غير منذور ليعيش مثل حياتهم ويلاعبهم نفس الاعيبهم....وهذه الافكار وحدها كانت كافية لتعكر مزاجي ولتجعلني مهموما واحمل اسئلة اكبر مني كسؤال ما الذي اريده مني؟! ما الذي عساي اصنعه بنفسي لنفسي!!؟ حين ان اهم شخص كان بامكانه ان يحولني ويصنع مني شيءا فريدا ونافعا وناجحا غير مهتم بي ولا بنا كلنا في هذه الاسرة.. فقط يهتم بنفسه وبحياته وبمتعه.... اذكره جيدا واذكر يوم عاد ليلا في تمام الوقت الذي يعود فيه كلما كان الغد يوم عمل بالنسبة له.. كان يعود مابين التاسعة والنصف الى العاشرة ليلا دونما تاخير عن ذلك يذكر.... وكان يرتدي معطفا خفيف الثوب من النوع المشمع الذي كان في ابانها يعتبر صيحة الموسم وكان المعطف 3/4 بلون نبيدي غامق (عكري)وكان حديثا قد اشتراه من اخر زيارة له لسبتة للتسوق...وكان فخورا بارتداءه ورفع ياقته على عنقه مع ترك شال خفيف من الصوف بنفس اللون مع خطوط فاتحة متدليا على فتحة الصدر المقفول بازرار كبيرة...وكان يبدوا كالمفتش كلومبوا في السلسلة الامريكية البوليسية ودخل الوالد متفكها معنا وعلى نفسه وهو يسالنا رايه في شكل لباسه وهندامه...:"اكي جيتكوم...ا..ا. "..."وهذا ماشي مفتش كلومبوا هذا راه الكوميسر كلومبوا....."وانا انظر لامي وهي تسايره بضحكاتها لم اعرف كيف تقمست الوالدة وافكار الوالدة وحقيقة ما لعلها كانت ستعلق به صراحة لو ملكت تلك الصراحة والشجاعة في اعلاءها ونطقت بدون نية خبثية وانما فقط بتذاكي:"ويه هذا راه الكوميسركلومبوا ديال السكايرة..."

وفجاة انتبه الوالد لي وبنظرة جانبية مكفهرة وغاضبة وتحرك نحوي مندفعا يكيل لي الضربات كيفما جاءت وكيفما اتفق معه لكمات او ركلات او صفعات او شد بشعر راس....لم لملك حتى اخراج صوت البكاء الى ان انتهى مني وتركني ساقطا مترنحا على الارض ابحث عن نفس اتزود به لاخرج الصرخات المكبوتة والمحبوسة بصدري ولاندلع في الغواث والبكاء دفعة واحدة ككلب مصدوم....كنت مندهشا من انه فقط اساء تاويل تعليقي فكل الذي اعتقدت انه سيلتقطه مثل الدعابة وانه باعتباره محتسي للشراب فهو اذن استطاع التسلل لحيث السكارى الثملين وتمكن من القاء القبض عليهم اي انه انهى عمله كعميد شرطة بنجاح....لكنني فهمت عنه لاحقا ان جرأتي عليه من لم يكن ليستسغها او يقبلها على نفسه وسلطته....وانا لو فعلا كنت لاجرا على قول ما يعنيه لي سلوكه وما تكونه صورته لي لصدمته بحق لربما جعلته يدوب من الارض ويتبخر كما لم يكن له وجود مادي او حضور جسماني....

والدي وانا اعرفه كما لا يعرفني هو ومحال ان يكون قد عرفني في يوم من كل ايام حياته...والدي وانا اعرف وجعه شديد...وجعه ثورة مكبوتة في وجه رب اسرته..وجعه سببه انعدام العقل واللامنطق والحساب كذلك والدي تلقى تكوينا مركزا وسبقه تكوين اساسات لغوية واملائية ونحوية وقاعدية.بالاضافة الى انه قارئ لكتاب الله وفوق كل هذا وذاك شاب بعد في مقتبل العمر وسليل عائلة من قياد وخلفاء قياد وبشاوات وشبوخ ومقدمين عاىلة كانت داىما في قلب السلطة والاحداث والعائلة باجمعها تعتبر عائلة مالكة للاراضي والضيعات واللبيوتات والمساكن وكل اخوته تلامذة مدارس واعداديات بما يعني ان المستقبل يجب ان يكون لهم لكنهم بما لا يفهمون لماذا لا يتقدمون من يحد حقهم في التحرك والمضي للبعيد.... بالتاكيد كانوا مستوعبين بانهم لا يملكون قرارهم لوحدهم وان اب لهم من يقرر ويختار ويفعل ما يشاء ويقدر ما يريد... اب بيده كل السلط ليفعل ما يشاء وليقدر قدر كل واحد من ابناءه.... 

والدي لم يكن يوما راضيا على ان يكون والده ملاك ويملك ويحرمهم من حقهم في الترقي والحضور الاجتماعي ولا يختار لهم الا عيشة الدراويش البسطاء وتكوين الرجل في الميدان اي ان يكون نفسه بنفسه ومن الصغر.... 

كانوا مغبونون في كل شيء ولا حق لهم الا ما يحققه والدهم له وما يدخل تحث تصرف والدتهم ومقتصديتها وهي كانت بحكايات اخرى.. مرة تكرم نساء البيت على حساب رجاله ومرة العكس ومرة تعملها سياسية تقشف عام... 

لقد كان الخير وكانت الخيرات لكن حولت الى دراهم ودراهم لخرب وبيوتات قديمة وحاونيت.. وحولت الى بذخ موسمي ديني يخرجوا له ثورا ودبائح ولباقي الايام طعام بقياس وطعام جاف كذلك بقياس وعلى الكل تدبر نصيبه ليرفع من قيمة الطعام.... 

والدي عانى الحرمان وعانى الجوع وعانى البرد وعانى الفقر دون وجه حق ومع ذلك صمم على ان يقطع الطريق وان يقيم نفسه وهكذا الى ان حصل على الكفاءة المهنية في التعليم واصبح معلما موظفا تابعا للدولة 

والدي ببساطة لم يتجاوز عقد نقصه وحرماناته الغير المشبعة والتي رافقته من اول طفولته الى ان غدى شابا يافعا.. 

والدي يحمل سخطا وكبتا عضيما على كل المجتمع وكل اركانه لا يجد نفسه قادرا على ان يتصالح مع ماضيه ولا مع حاضره الذي لم يناوله ما كان يستحق ان يتناوله فعلا... 

والدي لم يسمح له بحتى ان يحلم احلاما كبيرة لان راسه امرغت في الواقع.. الواقع الذي انشاه والدهم لهم وافهمهم حدودهم 

والدي درس كتاب الله والنحو وقواعده كاي فقيه لانه كان يتجهز لدور عظيم واتمه بتعليم عصري بمدارس المستعمر وكان مستعدا ليمضي بعيدا فيه ليحصل على منصب لائق به...لكن الامور لم يكتب له ان تاخد ذلك المسار لانه لم يكن مسنودا واساسا من والده وعائلته....

والدي احباطاته خربت نفسيته وادمانه على الخمرة اتلف ذماغه وحول سلوكه لينحوا نحو العدائية والتسلط والتنمر والسيكوباتية

 



Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...