السبت، 31 أكتوبر 2020

يوميات :مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (13).تابع : سلاما متجددا فاطمة" 12-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (13) تابع :سلاما متجددا فاطمة "12-1"

*درس الوفاء :

 -"غذي نقولك شنو غذي نديروا بالفلوس لدبرتي ..ياك كتيق بي..غدي نشربوا حتى حنا ومن بعد غذي نقولك حاجة وحدا خرى.."..

تعلمت ان انظر الى اخي "فؤاد"جيدا ..اتفحصه مليا وان لا احاججه وان لا استغرب من أفكاره او اقتراحاته لا لانه يعاملني جيدا بل لانني اعي انه يرعاني ..يساهم في تربيتي ..كان يومها السوق "سوق كسا براطا"قد نام ..شبه توقفت حركة البيع والشراء وحتى عدد من بقي فيهم نفس للتجول بين ممراته وطاولات الباعة او بين ازقته الجديدة والحديثة البناء والتي لم يكتمل بعد تشطيبها او خارج سور السوق الاساسي قل عددهم ويبدون  منهوكين والزمن يدنوا من وقت ادان صلاة العصر ..والدنا كان ضجرا من جلسة السيارة الكبيرة العائلية "فوزفاكن.."التي تشبع هيكلها باشعة الشمس واضحى جوها خانقا خصوصا مع ما تنبعث منها من رائحة علف الماشية الذي تم توصيله لاحد الكسابين بفحص طنجة وكان يفضل ان يبقى واقفا خارج السيارة مراقبا عبث وضحك ابن خالتنا الكبير "محمد" الذي ينسى انهاء اعداد سيجارته الممزوجة بالحشيش ويضل ممسكا  بورق اللف الى أن يبتل بعرق كفه ليعاود البحث بلا كلل عن ورق اخر باحد جيوبه وهو لا يكف عن التمازح مع نساء من مختلف الأعمار الاغلب على سحنتهن انهن من بدويات ومداشر ذلك الاقليم الذي يبدوا انه غير منتهي والذي يجمعون على تسميته فحص طنجة ..والدي كان بين الفترة والاخرى يفتح باب السيارة ويصعد ليجلس ويدعوني لانادي على "محمد" ويوصيني ان لا ادعه الا وقد استجاب وجاءه السيارة ...بالداخل كانا يتناوبا تناول الجعة لان وقت الخمرة لم يصل بعد ..أنهما ينتظرا الى أن تخفت أشعة الشمس وتتحول رياح الشرقي الى نسمات الغربي مع بداية غروب الشمس .

"فؤاد"حر في تصرفه ..كان ياخد على والدنا تعهدا بأنه يدعه وشانه خصوصا بطنجة .كان اكبر من ان يضيع في طرقات المدينة الواسعة هو الذي خبرها وحده ونظم بها في كل عطلة كنا نقدم فيها للمدينة خطة تجوال  واستكشاف ..و"فؤاد" في عطلة نهاية السنة الدراسية ولم يتخلف عن النجاح والصعود للقسم الموالي وبنتيجة حسنة ..و"فؤاد" في مدينة غير التي الكل يعرفه فيها ويعرف على الاقل الجهة التي يسكن بها .."فؤاد"في زمن السفر والاستكشاف لذلك فهو حر ..كان يقول لخالتي "زهرة":-اخالتي انا بلا متعبي راسك معيا ..شتي اخالتي انا من يجبني الجوع ونبغي نكل اي حاجة انا غذي نجي لعندك ونقولها ليك وانتي دبري معيا " تضحك مقهقهة بنت خالتي "فاطنة "وتتكلم بصوت عالي لتسمع جميع الحاضرين :"ويما وقالك وانتي دبري معها " تناديه خالتي ان يقترب منها وتقول له بصوت خفيض :"وش باغي شي حاجة افؤاد..؟" وتبدا في فك خرقة النقود ويرد عليها وهو ينظر الى صرة  النقود الصغيرة :"علاش غذى تعطيني شي حاجة ؟"تضحك من مراوغاته وتكاتفه وتضمه الى صدرها وتقول له :"شحال بغتي يلاه قول لي اخالتي ديالي .."وبمكر وتصنع للاستنكار يعاجلها بالرد :"وماشي شحال كخصني دبا انتي الا بغيتي تعطيني خصك تعطي حتى لطارق وزيد زيد حيث طارق غذي يقولك وخصك تعطي حتى البشرى ....وهذ شي بزاف عرفتي اخالتي عطيني غير انا وصافي " تضحك ويضحك الجميع هذا حالهم مع "فؤاد"الكل يجمع على أن خفة دمه بحد ذاتها غريبة عليه هو نفسه بطابعه العصبي والحاد  وبقلة حديثه واختلاطه بالاخرين ..

كان "فؤاد"يدعوني فقط لاستمر في مرافقته ولما انظر اليه وابدي شعوري بانني تعبت من السير من الصعود والانحدار في طرقات طنجة الكبيرة كان ينظر الي بتشحيع وهو يقول لي :"وغير زيد ..زيد أصاحبي زيد قربنا ...انت غير زيد معيا وصافي كيما كتقولك بنت خالتك فاطمة (يقولها وهو يغالب الضحك الساخر مني )"

عدنا لنجلس  على تلة اسفل الساحة الكبيرة التي تقع خارج سور السوق الاساسي ل"كاسا براطا"كان قد اقتنى نصف كيلو من العنب الاسود الممتاز وغسله ووضعه بجانبنا كان يصب القليل من النبيذ الاحمر في الكاس التي نبهني بان احملها واخفيها تحت ملابسي ونحن في مؤخرة "الفركونيط "السماوية اللون التي هي في الاصل لعزيزي "سي محمد"زوج خالتي "زهرة "ويشتغل عليها بالتناوب مع ابنه الكبير "محمد" ..يسكب الخمرة بحرص شديد وتأني وهو يقايس الحد ليجترعه دفعة واحدة ثم يسكب لي مثله لابتلعه ودون حتى ان اتمرر من مداقه المر ..

"فؤاد"لا يتخلى عن عادته في التحدث والمزاح خصوصا في مثل جلساتنا هذه التي كانت سرا بيننا وسرا نشيعه ساعة شئنا ولمن يروقنا نحن حتى يخال من نخبره به بأننا فقط نتضاحك عليه ونتشيطن عليه لانه من غير المعقول أن يكون الاكبر فينا ابن الثالثة عشرة وانا اصغره باربع سنوات يحتسيا الخمرة ..كان يوصيني فقط بان لا افارقه ساعة نشرب سوية وان لا اقترب من والدتي او خالتي بالخصوص وان ابقى على تواصل مع نظراته واشاراته  كان يقول لي :"حنا مكنسكروشي حنا فايقين حنا بغين غير ندورا الراس شي شوية ونشوفوه فين كان سارح  بوا (والدنا)ومحمد ولد خالتي كيبقو غير كيهدروا في الخاوية وعينهم على هذيك وهذيك لدايزا ومحمد كيشعل وكيبقى غير على الجوانت ديال الحشيش حتى كيطير ..وشتي بوا ياك كبير وكيسكر من شحال هذي وكينوض هو الاولاني كيتقي ..محمد هكذاك وكيبقى شاد مع بوا الطرح حيث عارف راسوا هو لكيسوق .." ..

كان اليوم الذي ينادي على اخي "فؤاد"او يستوقفني في الشارع اكثر من يوم مميز لانه اليوم الذي املك فيه ان تخفض عن وجهي القناع الذي دوما البسه ..نمضي سويا قريبين من بعضنا لكن على مسافة محفوظة بيننا لا تتسع الا لاسمح لراجل مثلنا ان يسلك الرصيف الذي تحتم علينا أن ناخده او جانبا من شارع تقرر بان الكل يعبر فيه بجانب السيارة والعربات المجرورة بالدواب او التي يدفعها الحمالون ..كنا في أغلب الأوقات ونحن معا تتخاطب بالاحالات البصرية يعرف انني منتبه له كما هو كذلك وفي الان الذي يريد توجيه رؤيتي لموضوع يحيلني عليه بعينه ..كانت طريقتنا التي طورنا التحدث بها حتى ونحن بين باقي افراد اسرتنا او عائلتنا ...أشياء ما ...لعلها أشياء متعددة تجعل علاقتنا ببعضنا معقدة جدا ...عندما اقابل اخي "فؤاد"الذي كان على مسافة من اخوينا الكبرين كان لا يصعد ليجالسهما بغرفتهما المشتركة وحتى عندما يتناديان عليه كان يدخل لبرهة ليلقي التحية عليهما وينسحب بسرعة ليقف الي او الى اختي الصغيرة "بشرى" بمدخل الباب ..كان دائما ابعد على أن يشارك الأسرة تجمعاتها والعابها وفرجتها كان يناى بنفسه بعيدا في ركن او زاوية يتخفى فيها  وهو يتصنع اهتماما معينا كالمراجعة  او استخراج تمرين ..كانت حتى قراءته للكتب والمجلات متخفية كان حريصا على أن لا يتتبع اي احد ما هو مهتم به ..حتى أصحابه لم يكونوا يطرقون باب بيتنا كانوا ببساطة يقفون في اعلى الزقاق على غير عادة من ينظرهم اخي "سمير "مثلا باسفل الزقاق الاقرب لموقع البيت من اعلاه ..وهو على علم بوصولهم كما أنا لانه مبرمج معهم بدقة ساعة المرور للبيت ليصاحبهم  ....عندما اقابل اخي "فؤاد"يتولد داخلي احساس بالاغتراب ..كان الصمت اغلب لغة بيننا نتوادد بها ونحن بها على بعضينا ونتواصل بها كان حريصا على أن يوجهني فقط بعيونه دون ابراز تدخله في نشاطي الحركي الدعابي داخل البيت ..كان حريصا على أن لا اصاب بمكروه او اتعرض لحادثة او ادخل شجارا او معركة خاسرة ..

عندما اقابل اخي "فؤاد" اقاوم ان لا انظر اليه مباشرة في عيناه للحظات ثم اكسر الحاجز واجدني انظر مليا لعينيه ليشاع بيننا جو بئيس ..اعرف ان اجمل الاوقات هي تلك التي كان يلزم مصاحبتي لفترة أطول قد تمتد لعطلة فصلية باكملها..غير ان البؤس الذي يشيع بيننا كان وعيا منا مختلف تماما عن وعي اخوينا الكبرين كما باقي ابناء وبنات عائلتنا الكبيرة ..وعيا بالظروف التي تحيط بنا وعيا بالناس التي حولينا وعيا بحال مجتمعنا ...كان ياخدني لنتجول باسفل جنان العائلة ولما نكون ابعد على أن يسمعوننا او حتى ان يبصروننا يبدا في التحدث الي بشكل مباشر بعد ان كنا بحضورهم نتبادل حديث الصمت ...لم يكن بمثل سخط اخي "سمير "او بحيادية اخي "خالد"الباردة كان فقط يسمي الاشياء باسماءها ..اخي "سمير "كان من النوع الذي لا يكتم مشاعره بحضور اخي "خالد"لكنه يداور الجميع بما فيها أقرب أصحابه ولا يكاشفه بمشاعره ..بينما كان اخي "خالد"يتصنع التفهم ويلعب دورا اكبر منه دور المكايس والاجتماعي والمحترم المتانق بما كان يجعله متحفظا كليا عن ابداء رئيه الشخصي او مشاعره الشخصية ..."فؤاد"اختار الغياب ..اختار الصمت الا معي على ما اعقله لانه على كل كنت اعرف انه يتخير ما يخبرني عنه من أسراره وعلاقاته وسلوكاته الخاصة ولم اكن لاجراء على مكالبته بان يكشف لي اكثر مما يريد هو ان يكشفه لي ...

كان السخط يعتري جميع افراد اسرتنا وكل يعبر عنه بطريقته لم نكن لنرضى على حال ولدنا وعربداته ليلا ونقمته نهارا ...كان الجميع يتنحى أسلوب التظاهر بان لا شيء حدث امس او اول امس ...كنت اكره من اخي "خالد"عبارته :"وصافي حتى انت "كانت "صافي"تلك مغايرة كليا عن "صافي ..صافي "لإبنة خالتي "فاطمة " سافهم منها لاحقا بدقة ما كنت اعيب منه فيه (من اخي "خالد")اخي "خالد"كان يطالب بالاكثر من التجاوز كان يدعو بذلك للتطبيع  باعتبار أن كل ما يحصل امامنا عادي ..كان له منطق لا يختلف عن كبار مجايليه من الشباب مع انه هو نفسه كان بعدا مراهقا لم يعبر لمرحلة الشباب لكن تربيته على انه الكبير والمحترم والمقدر والمختار من بين كل ابناء عائلتنا الكبيرة جعلته يحاول الالتفاف على الكل ومحاولة اقناع الكل بأنه كذلك اصلا ...كان يحيل على شواهد من المجتمع ..من ناس الحي ..من ناس المدينة ليخلص الى الى تعميمات وبما لا نعرف كيف تحصل ذلك يريدنا أن نعتبر أن الأمر عادي جدا لنتقبله والمهم عنده اننا متوفر لهم الاساسيات وبعض الكماليات واننا احسن من الاخرين ..."سمير "كان يناقده ..ويجتهد في وضعه في الصورة الموضوعية مع علمه المسبق ان "خالد"لن يقتنع الا بما في راسه هو حتى ولو طارت معزة ...

مع "فؤاد"طورت حتى مقدرتي الشخصية في ان اسمي الاشياء باسماءها وان لا اتسامح مع الموضوعات من باب المراعات والاحساس بالاخر التي كان يتبنها اخي "سمير "والتي كانت تجعل منه غير مختلف عن اخي "خالد"في ردات فعله ..."سمير "كان ساخطا وناقما عن احول البيت والعائلة والمجتمع حتى انه اختار العزوف ما أمكنه ذلك واستحلى الانزواء بعيدا في ممارسته لهوياته الجميلة والمتعددة لكنه كان يتحاشى التعبير عن أفكاره ولكي لايتورط في ابداء ما لن يعجب مصاحبه ينقل الحديث بطرق تقنية طورها هو لموضوع اخر ...وعندما كان يحتدم الجو ويتكهرب بدار العائلة دار جدتي كان يختار الانسحاب وهو يغلي كالبركان وكنا انا و"فؤاد"نعرف ما عساه يفكر فيه ويقوله مع نفسه او مع ابن عمتنا "البشير "الذي اختار ان يصادقه من كل ابناء العائلة والذين كان على وفاق معهم كلهم وان بقي على نفس تحفظه من ابن عمتنا "فطوم "؛"مصطفى "الذي كان يحذر "خالد"من ميله اليه و"خالد"هو هو نفسه لا يسمع الا الى هوسه هو ...كنا نعرف أن "سمير "انفعالي وما ان سيندلع في نقاش او محادثة صريحة الا ولن يعرف كيف يصمت او يفرمل نفسه او يمنع نفسه من ان يقول الحقيقة ويسمي الاشياء باسماءها والاهم من كل هذا انه غير مراع لاي مصلحة قد يضر فيها باعلاءه للصراحة فيه ..كان لا يهتم بان يتكبد خسائر لذلك توجه بتوجيه والدتنا والتي كانت تسندها عمتي "مينة "  واخد يعمل بنصيحتها وهو أن ينسحب قبل أن تكبر الاشياء ويخرج منها الوحيد الخاسر ..."سمير"بينه وبين نفسه لم يكن يرضى بما يخلص اليه وفي هذه كنت اعرفه انا اكثر من اخي "فؤاد"الذي جنبني سلوك النمام الاخوي الشبه المستحدثة بين كل الاسر والعواىل كان يجعلني لا اقبل على التحدث له عن الاخرين الا كموضوعات تفرض نفسها على ما بيننا من احاديث ونقاشات كان يؤكد لي التالي :"انا مكيهمني حتى واحد ..كلشي حر في راسوا غير يبقى بعيد علي .."وكان يعود ليخبرني :"انا مكيهمنيش هذاك لي حتى الا جبدتو في الهضرة ديالي  بكثر ما كيهمي هذاك السلوك لي كيديروا ومشي غير هو بوحدوا ...انا كيهمي بالضبط نهضر معك على شنوا كيظهري في ذيك السلوك مشي الاشخاص لكيديروه "...

كان اليوم الذي يستادنني في مرافقتي يوما استثناءيا يوما يحمل الكثير من المفاجاءات البسيطة وغير المكلفة وفي غاية الامتاع ...كنت ابقي على توقعي بأننا سنشرب نبيدا  معا لكن لا يمكنني ان اتنبا بمتى سيحدث ذلك ولا اين ولا ان كانت معه نقود اصلا لاقتناءها ...وأكون متيقنا بانني لن اسكر او اثمل هي فقط مرات معدودات من فقدت فيها سيطرتي على نفسي ربما لانني كنت قبل أن نجلس  لنشرب قد اجهدت نفسي في نشاط بدني او لانني افرطت في تناول طعام غير مناسب قبل ان ابدا معه في احتساء الخمرة ..

اصبحت اولى المرات التي سكرنا فيها اطيب النكات التي نتداولها نحن معا على انفسنا في ما بيننا كنا نحتال فيها على والدنا وعمينا وازاواج عماتنا وبغاية المكر والحيلة ننسق في مابيننا أسلوب اختلاس بعض من شرابهم كان اول مرة يقترح فيها علي ذلك وانا اصحبه لدار سينما تعرض افلام كارطيه يومها نبهني لاراقب أسلوب القرد وان اخفظه وعندما خرجنا لنتمشى بشوارع المدينة كنت انتظر منه ان يشرح لي الغاية من توجيهها لي لكنه لم يفعل ذلك الى أن طلب مني وانا على اهبة  الاستعداد لمصاحبة عمي ووالدي  لجنانا ان انتظر معم الى أن نلحق بهم مع باقي نسوة العائلة وجدتي "رحمة " واثناء دخولنا للمعبر الموحش المستوحش باشجار  ونباتات شوكية ملتصقة مع بعضها كاحواش اقيمت كحدود لكل جنان عن جنان اخر تمنع حتى دخول الضوء اليها الا لماما لكنه على العموم مظلم وبارد ومخيف بكثرة اصوات الحشرات والزواخف فيه اوما الي اخي "فؤاد"ان اتمادى في الامساك بعمتي "مينة "والاقتراب منها بطلب ان تداعبني كما تفعل في العادة معي بكل تحبب وعن طيب خاطر .ولحظة بدات هي تتحج بانني اعرف مسيرها وتطلب مني الانتظار الى أن نعبر الممر ونصل الى الجنان تقدم هو واخد من بين يدها مباشرة "بدون الزيت المعروفة العلامة والشكل وحجم سعتها ذات الخمسة لترات والتي كانت تغسل بعد استهلاك زيتها لتحول لانية تملأ بالماء والحليب او اللبن "اخدها من بين يدها ولما امسك بها نطق اخيرا بطلب ان يساعدها في تخفيف من حملها وبعد ان قطعنا بضع امتار عاد ليوما الي ان اتاخر معه عن كوكبت النسوة والأطفال وفي لحظة وصولهم لباب الجنان القزديري المربوط بسلسلة عليها قفل حولني بسرعة لنعرج الطريق الاسفل المؤدي لجنانات غير جنانا ثم حولني لنعبر ثرعة محدثة ومتخفية بزرب جناننا ونحن نعبرها بحث هناك وأخرج قارورتين بلاستيكية أحدهما مملوءة بصودا الكوكا كولا والثانية فارغة كنت انظر إليه باستغراب وهو قد كف عن ان يتحدث الي منذ خروجنا من دار جدتي ..حمل "البيدون"الذي كنا نعرف انه معبا بالخمرة التي كان يحرص والدي نفسه على ملاها بافراغ القنينات الزجاجية للنبيد فيها ويطلب من عمي "محمد"نفسه ان يتكفل باسناد حملها لاحد اخواتهن النساء من باب حرصه الشديد على أن لا يثير الانتباه اليه من الناس أو الشرطة من ان بحوزتهم خمرة وعلى الاصح كذلك أنه كان يفعل ذلك من باب اعتداده بنفسه هو على الخصوص كان يحب ان يكون ويتصرف على انه السيد الذي يخدم ويحمل متاعه بينما هو يضع رجلا فوق رجل او يضع يده في جيبه ويبقي الاخرى ممسكة بسجارته   ...افرغ اخي "فؤاد"منسوبا من الخمرة يوازي اللتر في القنينة البلاستيكية الفارغة ثم اعاد موازنة ما افرغ من "البيدون "بمشروب الصودا ..واخفي من جديد القنينة التي افرغها وطلب مني ان اعقل المكان ،المخبا جيدا ثم تسلل لموضوع اخر واخفى القنينة المملوءة بالنبيد وسحبني من جديد للخارج وطلب مني أن اعحل في الخطو لتدخل الجنان من بابه الرئيسية ...يومها طلب مني ان استحضر أسلوب القرد الذي كان يحتال على جماعة صاحبه السكير وبسرق منهم شرابهم ومن يومها غذت تلك لعبتنا الممتعة وسر من بين اسرارنا ..كنت حينها في سن السادسة من العمر وسيذكرني بكم لعبنا سوية ونحن بعد نقطن مدينة "القنيطرة"لعبة القردين لنبدل الكؤس المملوءة بالنبيد بالصودا وافراغ بعض من القنينات المتبقية بالمطبخ وملاءها ببساطة ببعض من الماء دون ان يكتشف اي احد منهم أن سدادة القنينة سبق وان فتح ..

ما معنى ان نشرب ..ان نسكر حتى ..؟! هل تم. وجه كنا نحاول فيه ان نقلد الكبار ..كبار عائلتنا وكبار ناس حينا وكل كبار ساكنة مدينتنا وبلدنا ...؟! هل يعني ذلك اننا سنضيع وسننتهي من الخاسرين كما حذرت خالتي "زهرة" اخي "فؤاد"بحضوري ولم تكن هي من امسكتنا نشرب بسطح منزلهم بل "فؤاد "من قرر دخول ذلك التحدي ليس معي بالتاكيد بل مع نفسه ومع خالتي قال لي مساءها :"اليوم بغي نعرف قداش انا خالتي كتبغيني وقداش متقدرشي تخسر لي خاطري ..." ولما انهينا شرابنا "ليترنا "اخفى القارورة بين مهملات بالسطح وطلب مني أن افضحه امام خالتي وكذلك كان لا بد ان افعل ..

خالتي لم تمنع عن "فؤاد "العطايا التي كانت تخصه بها وحده دون جميعنا .كانت تفضله بشكل استثنائي كما تحبني بشكل استثنائي وتصر مع ذلك ان تصرح بحضور جميع افراد اسرتها موجهة خطابها لوالدتي ،اختها "رحيمو""انا اختي معمري كندير القروبات بين والدك بش تقولي لي انا في الفرزيات ...انا اختى كنديرهم مع ولادي بصح مشي مع ولادك اختي .."...خالتي تصرح وتقسم على صدقها وجميع اولادها حاضرين يسمعون ..ربما قد يقولوا أشياء في نفسهم لكنهم غير منتبهين لما تقوله وحتى ان انتبهوا سيسلمون باي شيء غير انها تعني ما تقوله بل حتى مع انفسهم لن يتركوا المجال لانفسهم ليتساءلوا حول هل يعانون اصلا من سلوك كهذا الذي تقر به ..!!؟ 

خالتي رمت بجملة من التوصيات لاخي "فؤاد"وشددت على انها موجهة حتى الي انا كذلك لكنها لم تفشي الامر لاي احد اخر بل اخدت تصر على أن نحمل ما معنا ونخباه كل مرة في مكان احيان بين اكياس القمح والشعير والفول والاعلاف واحيانا في  جنبات المطبخ السفلي ..او بالمرحاض ...تصر على أن نحمل ما معنا ونصعد لمجلس بالسطح ...

"فؤاد"كان قد انتصر عليها بمنطقين ؛منطق القلب والحب ومنطقه الواقعي والغريب في الاقناع واستطاع بصدقه وصراحته ان يكسب كامل تعاطفها ..من جملة ما قاله لها :"وتصوري معيا اخالتي انا كنكون غذي ندبز مع دراري ديال حومتنا ودراري ديال الحومة ديال "موي/جدتنا"حيث كيبدوا يبسلوا علينا وكيعيطولينا :اولاد السكايري وزيد هذرات وحدة خرين على موي انا (على امي انا ) ...."

....."انا اخالتي من وانا صغير باقي في قنيطرة وانا كنشوف التصرف ديال بوا وعمامي وهذوك لكيحي معهم يشربوا الشراب ومعمرهم كانوا كيعجبوني ..كنت كنبقى نشوف فيهم وهما كيولو كبحال الدراري الصغار الباسلين  والحماضين ..نقيم على حوايجهم وخارحين بايلين في حوايجهم وقلت مع راسي انا غذي نتبعكم وغذي نشرب حتى انا وانا وخا باقي صغير انا بعقلي ..."

..."شتي اخالتي عزيزي كانوا كيعياو يتقارو عليه بش يسكروه ويطبلوا لي في جيبوا وهو ديما ثابت ومطاوعهم بخاطروا حتى دورت فيه وقلتوا يحضي راسوا منهم راه ما بغين غير يسيزه وقال لي اولدي فؤاد انا كبير ......ما كنديريش حساب الفلوس مع لكنعرفهم ......"

خالتي "زهرة "لا امرأة تشبهها في كل محيط العائلة والاقارب ومعارفنا جميعهم ...بنت خالي "يمنة " قد تسابهها في جوانب متعددة لكنها ليست في قسوة بعض طباعها ولا في حدة ذكائها العفوي وان كانت "يمنة "امرأة شاطرة وتاجرة يضرب بها المثل في كل سوق "كسا برطا "وبين كل من سبق من تجار الاعلاف والمواشي الذين تعاملوا معها او مجرد حضروا احدى معاملاتها ..كانت امرأة نشطة وجد متواضعة او كما كانت تحب ان تسمي نفسها "امرأة على قد الحال "لكن عزيزي "سي محمد"سلمها كل إدارة تحارته بل وحتى توجيه ابنه الاكبر "محمد"الذي كان يتولى نقل وتسليم الطلبات وتحصيل العائدات المالية أو مبادلتها العينية كان يقول لها وبحضورنا  معا انا و"فؤاد":"ديري شغلك ..ديري شوارك انت الخير والبركة والرباح علي وعلى ولادي .."...

خالتي "زهرة"امرأة متفردة وبميزات عديدة اعظمها قدرتها على الاصغاء وتحكيم عقلها ..صوابها وكان ذلك كافيا ليقلب نظرتها وسلوكها  لثلاتة مئة وستين درجة وعلى الرغم من  شكوى كل ابناءها من قسوتها العاطفية كانت احن امرأة معروفة في كل أنحاء الجهة التي تسكنها ومحيط كل السوق الذي ترتاده  على كل ذي عاهة عقلية او جسدية وعلى كل امرأة مسنة او رجل مسن وعلى كل من علمت انه افتقد والديه وتيتم وهو صغير او في مقتبل العمر كانت لا تمانع في عناقهم وضمهم لصدرها وتقبيلهم على ما كانت تجود لهم به من طعام ونقود او تعد بأنه ستحلبه خصيصا لهم في يوم السوق الاسبوعي المقبل كانوا ينادونها "امي الشريفة "وكانت تضحك وتقهقه على النداء وطابعه بحد ذاته كانت تجد بأنه مركب لا يليق بها فلا هي مسنة وطاعنة  في العمر كما لا تحسب نفسها سليلة احد الشرفاء المعروفين على تحجاج والدتي لها التي كل مرة تنسبها لولي من أولياء المنطقة ....ولم تكن تبالي بغير حقيقة انها تربت يتيمة ليس الا ...

خالتي "زهرة"  لم تكن عنيدة كما يخبرها المقربون منها بل فقط كانت مشكاكة في كل ما يتعلق بالصواب كانت من النوع الذي لا ينام الليل الا للحظات قصيرة جدا ومتقطعة وحدها ساعة ونصف الساعة الى ساعتين تنامها في القيلولة وتنهظ بعدها لتتحضر لصلاة العصر ..خالتي "زهرة "كانت دائما مشغولة البال مستغرقة في التفكير ومشاورة راسها  على غير عزيزي "سي محمد"الساهم الغارق في الاسترجعات او في تلواة القراءن وعلى غيرشرود ابنة خالي "يمنة "التي تسرح بنظرتها كل شخص متعوب او منهوك او مريض او عطشان او يبدوا عليه الجوع لتتصيد اي قرب له منها اتعرض عليه أن يستريح لجوارها او لتنهض لتقدم له الماء او لتدعوه ليتناول معها بعض الطعام البسيط ربما بعض الخبز واللبن او بعض حبات التمر او لتقترح عليه أن تعطيه ما يشار به بعض "السفنج "او الرغيف ...لكننا انا واخي "فؤاد"لم نكن نشرد او نسرح او تنشغل بمشاورة راسينا الا ساعة كنا نجلس لنحتسي مقدرنا من الشراب وغير ذلك كنا حرصين على أن نبقي منتبهين لكل شيء من حولنا او مر من حولنا ... 

والدتنا لم نكن تزايد على انها امنا الطيبة التي نحبها ونحفظ لها الجميل لكن فيما بيننا كنا نجدها امرأة رعناء وطائشة ولا تقدر نفسها حق تقديرها على اننا كنا نعيب عليها اعتدادها بنفسها وغرورها ولطالما لعبنا على غرورها ذلك لنستدخل او نعدل سلوكا من سلوكها كما كنا نلعب على غيرتها من النسوة الاخريات لنخلق داخلها الطموح للتغيير الايجابي وللافضل ...كان البؤس ما يرافقنا بعد انتهاء مشروبنا الذي نادرا ما كنا نضاعفه الا بتوالي اخر الصبح واخر المساء خصوصا بطنجة اما  بمدينتنا فكنا نضع كفاية لنا من قناعة انه يمكن ان نفقد توازننا يمكن ان نفقد السيطرة على معدتنا ونبدا في التقيء والتبول على ثيابنا وداخلها لكننا لن نفقد قدرتنا على التنبه والتمييز الذي كنا نجد والدنا هو اول شيء يفقده على رغم من سلوكه القناعي المبرمج اليا لا فيما يخص لحظات سكره وثمالته الحادة وقدرته على قطع الطريق دون ميلان اوظهور علامات الترنح عليه او في حرصه  الشديد على أن يثبت من انه يحمل وبحوزته كل متعلقاته الشخصية مهما كان قبلها شبه فاقد الوعي من السكر او اضطر ليخلد لبعض الوقت للنوم املا في ان يستعيد بعض صحوه ورباطة جاشه  ومعدته المتقلبة من اثر الكحول ..ولا في يخص قدرته على الانكار صبيحة اليوم الموالي بل وكامل استعداده ليقلب الحقيقة كلها رأسا على عقب ويتصنع اكبر خناقة وخصام برفضه على الاعتراف والاعتذار ..

بؤس طعمه غريب ..بؤس يحول دون إمكان أن نتعاطف مع الاخرين بمثل تعاطف خالتي وبنت خالي "يمنة "ولا بإمكان ان نتسامح ونجود  مثلما هو طبع عزيزي "سي محمد"ولا بإمكان ان تفلسف الامور مثلما يفعل اخونا "سمير "وبالتاكيد غير قادرين على تصنع حيادية اخونا الاكبر "خالد"...بؤس من حال الناس مع الناس وعلى الناس ..بؤس من حال سلوك الناس مع الحيونات ومع الطبيعة ومع الجامد من المباني والمرافق والطرقات والشوارع والحارات ..وبؤس من عدم تنبه او اهتمام الانسان نفسه لحاله ...وبؤس من وضعنا نحن.. من سبب تحول رؤيتنا ونظرتنا الشخصية لكل هذه الموضوعات التي لا يفكر فيه عموم الناس أو ينتبهوا اليها ...ساعي لاحقا معنى الرؤية الحساسة لكل الظواهر الاجتماعية والنفسية وساحمل وضع اخي "فؤاد"الذي لعلي لا اريد استذكار كنهه على الاقل الان السبب في جعله يقارب الموضوعات بحساسية جدا لكنها غير مغرقة في  المثالية او الحلم بل كانت جد واقعية ومبنية على شدة الملاحظة والتركيز التام ...

لا اعرف تماما الامر ربما لانني لم اتلاقاه كاعتراف صريح لكنني ضللت لفترة طويلة نسبيا وانا شبه متيقين في ان خالتي "زهرة"واخي "فؤاد"يخفيان سرا بينهما وله وحده يعود تفضيلها له ويعود اليه قدرة اخي "فؤاد"على الإفصاح البليغ والخطير لكائن وحيد لا غير يحمل صفة "خالتي "...

تفضيل خالتي "زهرة "لاخي"فؤاد"وتوصيتها به جعل الكل يراعي جانبه ويعامله بالمخصوص حتى والدتي بمحضر خالتي وابناءها كانت تتحفظ في تعاملاتها مع اخي "فؤاد"وتطرق معه نفس سلوكهم في تقديمه وتقديره ومراعاته ...

اخي "فؤاد"منعني من احبه على اي طريقة أخرى احب بها ناسي واحبتي المقربين مني ..منعني من ان احبه بكل اختصار لانه موه علي  اية صفة يمكن ان اقايس بها حبه فهو لا يعاملني معاملة الاخ للاخ الاصغر ولا الاكبر ولا معاملة الأب أو العم او الخال او القريب ولا اية معاملة من معاملة اقاربي وعائلتي وناس اسرتي النسوة ولا معاملة الاصحاب والأصدقاء ولا كل ذلك معا لانه شبه مستحيل والمستحيل ما كان يعاملني به لذلك لم اجد في قاموسي العاطفي ما اضمه ليسمي ما يربطني به ....في سنوات لاحقة ساتعرف على حكايات وقصص انسانية استثنائية من عالم غامض حيث تتم عمليات تبني عاطفي ودعم مادي كلي وتوجيه عالي المستوى بين أشخاص غير متقاربين لا في السن ولا في الوضعيات الاجتماعية وانما في حدسهم لبعضهم في قدرتهم على التواصل بينهم في قدرتهم على الوفاء لبعضهم ... 

كان حريصا ان يسالني وهو لا يطلب مني اي جواب وانما فقط لكي يطمئن قلبي ويقول لي بأنه لم ينساني مطلقا في كل مناسبة نلتقي فيها ويجمعنا الحديث والذكريات عن "فاطمة "بنت خالتي وكان ينتهي بان يهزء معي قليلا وهو مبتسم في وجهي بتعذب ابتسامة :"اما كنهدرش على فاطمة بنت خالتي انا كنهدر على فاطمة ديالك ...."واشاركه روقان مزاجه واقلدها في طريقة تعبيرها :"ايو صافي حتى انت لي كنقولوا عليك كبير ومرزن وواعي وليتي تشوفني هكذا ..."ويرد علي متصنعا التجهم :"انا ديما كنشوف فيك هكذا .."واصبح بوجهه متقمسا دور الانثى :",اولي عليك افراد باقي انت هو انت معمرك بغي تنسى .." ويغالبه  المرح واستمتاع الاستحضار لذكرياته مع ابنة خالتنا "فاطمة "وبساير الجو الذي ادخلني وادخلته فيه :" وشنو بغياني ننسى  وش بغيني ننسى صحة ..." وارد بتعنج مثلما كانت تفعل معه "فاطمة " :"مشي تنسى غير  دير عين ميكة .."ويرد هو بتناول :"وانا غذي ندير على شي عين ديال الميكة "ونضحك حد القهقهة وكل واحد منا منتسب باحلى الذكريات بايام لا تنسى من عمرنا مع كامل احبتنا والناس الطيبين ....

"فاطمة "ضلت بكامل عمرها لا تتحرج من السؤال عن اخي "فؤاد"والاطمئنان على احواله والتصريح امام الجميع بان افراد معزة خاصة ....وكانت تنظر إلي كلما جاء تعبيرها موافقا لما تقله "معزة خاصة "معزتو فشي شكل "  الا وتنظر الي جانبا وتبتسم واذا حدث وكانت "فاطنة "او "آسية "لجوارها الا وتفجر الجو بينهن بالضحك لتبدا "فاطمة "نوبة احتجاجها  :"والله حتى انتما فشي شكل انا والله مبقى نهدر قدامكم ..عيقتوا فيها والله حتى زيدتوا فيها ..."وكلما زادت في احتجاجها اندلع الجو اكثر بالضحك منها ..."فاطمة "تغيرت كثيرا لكنها لم تتغير ابدا للاسوء وصلت دوما وفية لنفسها ولاحبتها "فاطمة "جرات على تسلل مرات من بيتهم والمقدم لحيث مدينتنا لعندنا والرجوع في نفس الصباح او المساء وكل همها الاطمئنان علينا وربما علي اكثر ...مع "فاطمة "ترسخ لي معنى الوفاء  الذي حرص اخي على أن يلقني مبادئه العلمية والعملية لكن "فاطمة" استذخلته عميقا في كياني ونبضي 

"فاطمة "كانت الوجه العاطفي المقابل لاخي "فؤاد" وعلى انني ظللت لفترات من عمري ابحث في فهم تعلقي بها وعاطفتها تجاهي لكنني لم ارسوا على تصويغ ارتاح اليه ..بقيت علاقتي بها يكتنفها الكثير من الغموض وحبها اكثر  من ان  يفوق المستحيل ...اذكر جيدا يوم ان كنا صغارا في العمر واختى بشرى للتو اكملت عمرها الثالث وكلما كان يقربها اكثر منه اخي "فؤاد"ويرعاها بحب كانت تحرص على أن تظل تناديه بلقب "بابا ..بابا فؤاد"وكان يستنكر عليها بنلطف وتمازح نعتها له وعندما تبدأ في الاحتجاج كان يصمتها :"وصافي ..صافي صدعتي لي راسي ..دبا الى بغيتي نكون باباك خصكي تطلبي الاذن من عند طارق حيث انا هو باباه ديال طارق .." انا لا اعرف لماذا استصغرت حتى التوصيف الشعبي المتداول بيننا والذي يضفي صفات عاطفية جليلة على تلك العلاقات الخاصة التي تجمع بين أفراد قد لا يكونوا حتى من العائلة والاقارب وانما قد يتعدونهم الى الحيران والى الحيران البعيدون والقدامى الغير قاطنين بنفس المدينة أو القرية ويختصرونها في نعثها ب"هذي رها مربيني "او "هذا راه انا لربتوا "..لم استسغ منها اقرانها بعاطفة الام الطبيعية لانها لا تمت اليها بصلة رغم كل التشابه المستذخل بينهما قسريا ...ابدا لم المس في عاطفتي تجاه "فاطمة "لذة الأمومة ولا استطعت ان اجد فيها نذية ما يتملكني من احاسيس فياضة تجاه عماتي وبناتهن كما بنات بنات خالتي باستثناء بنت خالتي "آسية "التي كنت متيم بسحر عينيها ولا احن اكثر من النظر اليها ولا اشتهي اكثر من الموت وانا اغوص عميقا في النظر اليهما ....

"فاطمة "استوعبت تعليقي على محاولة فهمي لموضوع "بابا فؤاد"وقالت لي :"حتى انا معمري حسيت بك ديك الاحساس ديال الأمومة ..آسية يه ..آسية بغاتك كبحال لتقول ولدها من كرشها ...انا نفسي معرفاش كيفاش نوصف شعوري ..." ...

ربما حكاية التبني العاطفي والعقلاني قد ترضيني اكثر وتقنعني ...

ل

   

   

  

الخميس، 29 أكتوبر 2020

احبتي ..والاوفياء ..(2-1)














 

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

احبتي من العائلة والاوفياء


























 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (11).تابع : سلاما متجددا فاطمة "10-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية..عالم الصمت (11) .تابع : سلاما متجددا فاطمة "10-1"

 - لغة الكلام:

"فؤاد"علمني الكلام و"فاطمة"علمتني لغة الكلام ..."فؤاد"ظل ذلك الشخص الغامض الغير مفهوم باستمرار ..الشخص الذي اختار الغياب والذي كان يقبع بين الجميع حتى ينسي الجميع في حضوره بينهم ..لم يكن يتربع في الصمت الا بعد ان ياخد كامل نصيبه من لفت الانتباه الى حضوره ..كان حريصا على أن يعلن كامل حضوره :"ايه ..انا هنا "....وكان يستزيد عليها بعد حين :"تذكروا ..انا مستعد لخدمتكم .."ثم كان يميل على الجميع ليهمس لهم انه سيكون هناك ...لم يكن يعلن انسحابه بل فقط كان يعقد اتفاقات سرية تضمن له بعض خصوصيته..كان يكفي ان يشد انتباه اكثر من واحد لموضوع يبث على التلفاز للحظات لينشغل هو بنفسه وليتراجع لمكان يختاره هو ولموضوع يروقه هو ويبدأ معه علاقة تعارف واكتشاف كنت اعرف انها طريقه ليستعيد بها مشكلاته ..تعاطيه مع جماعة رفاقه ..استغراقاته الفكرية ...لم يكن يتظاهر باي شيء .كان فقط على سجيته يتصرف ..قد يعدل من جلسته قد يترك المجلة او الصورة التذكارية البريدية ..قد يطرح جانبا المذياع المفكوك الوصال ..وياخد الوضع الذي يرتاح فيه غالبا ،وضع جلسة الأريكة حيث ظهره مسنود بالوسادة وراسه مائلة للأعلى وعينيه لا تبحلق في الفضاء ولا تبحلق في اي شيء وانما فقط متموضعة بين اعلى ..اقصى الاعلى ولا تنزل الى أدنى اسفل ...حتى بعد ان اصبح مذخنا معروفا كان يقوى على لجم رغبة التذخين كان ان استهواه جو الغرفة الشبه المعتم قد يبقى بها للاكثر من ثلاثة ايام وقد يتحرج فعلا من الخروج منها حتى لغرفة جلوسنا جميعا حيث نتناول الطعام والحديث والفرجة ..وسيكون ممتنا جدا لي لو تكفلت يتدبر تزويده بحاجياته من الطعام بغرفة اعتكافه وبعيدا عن انظارهم ...كان يقول لي :"انا مكنرتاحش ..انا ديما مشغول حتى الى معندي ماندير او عيت كنكون كنفكر ولا كنكون كنهضم هذيك شي لداز علي وكنت كنتفاعل معه ..."...

"فؤاد"ظل غير مفهوم ويساء فهمه باستمرار من اقرب الناس اليه حتى من الوالدة التي قدرت في زمن مبكر من طفولته بأنه مختلف ويتطلب رعاية مختلفة .نسيت وعمل هو بالاكثر من طريقة واعية ولاوعية على جعلها تنسى ان تعامله بمثل ذلك المنطق ..سيقول لي لاحقا في جلسة خاصة :"انا لبغيت نلفت ليها الانتباه بانني مختلف عن خوتي وعن الجميع من كنت صغير وانا عاود ثاني فضلت نخليها تطمئن علي وتشوفني كيما لخرين ..."...كان دائما لا يتحدث بجديد وانما اول ما ينطلق متحدثا كان يستعمل صيغا وتعابير توحي لك بأنه يستانف معك احاديث سابقة مع انك قد تصدم من حقيقة أنه لم تكن لك معه سابق حديث ولربما حتى معرفة قريبة ..كان يتخير جيدا الان واللحظة المناسبة ليرمي باول كلمات الربط والمفتاح وكان مع الغرباء يستخدم صيغا تحيل على ذاته ..على رؤيته ..على ارتسماته الجد خاصة ودون حاجة ليحاصرك في حقل ابصارك..دون ان ينظر حتى الى جانبك او نحوك ..ومباشرة يقتحمك ..يحرك فيك نوازعك الاجتماعية ..رغبتك في الدفاع عن نفسك ..ربما رغبتك في توضيح الالتباس الذي وضعك فيه ..ربما رغبتك في التعبير عن حالتك الشعورية التي مسها وعرى عنها برفق ..ربما رغبتك في التنفيس عن سخطك ..لم يكن في حاجة ليمارس على مخاطبه طرق الرصد وتتبع انفعالاته كان يكتفي بان يتركك انت على اريحتك تتحدث اليه بينما هو في حالة استغراق وهدوء وتحاشي تام ليحاصرك بنظرته ...ربما احتاج للاكثر من ابتسامة التشجيع التي يمارسها جزئيا عنك ..ربما احتاج ليخرج صوت ضحكاته المتوسطة لا الصغيرة المتقطعة ولا الطويلة المقهقهة ليجعلك على وئام معه فهو اكيد لا يسخر منك ولا تثير استغرابه كذلك وانما يسمع اليك ويتابعك ويتدوق معاني كلامك ...

"فؤاد"كان حريصا على أن يبادر باعلان انسحابه الفعلي وبان يكون انسحابا غير مفاجئ ..كان يمهد له بشتى الطرق والحيل ثم يعلنه وهو متيقن بأنه ترك داخلك ..فيك.. الاثر العميق والانطباع الجيد والحسن ..كان يقول لي :"معندناش علاش نغلطوا في حق الناس ..."

"فؤاد"الوحيد الذي كان يفاجئ كل مدع بأنه يعرفه بأنه لا يعرفه وانما يتبادر إلى ذهنه ذلك الاعتقاد عنه .."فؤاد"كان قادرا ان يستنهظ والدي ذاته من جلسته ليطلب هذا الأخير منه ان يعانقه لانه لم يكن يعرفه هكذا ...حتى اخوتي كلما خال احد منهم انه يعرفه يريه كم انه كان مجرد معتقد وظان في ذلك ...

اخي "فؤاد"علمني الكلام وطرق اخراج الاصوات وتركيب الجمل والتعابير الأولية ورسخ داخلي قواعدها الحسية ..كان التصويت واخراج الاصوات عنده كما علمني اكثر من رفع او خفظ لجهيرتنا في الكلام كانت عنده موقفا تعبيريا يجب اتخاده وبحزم  وفي الوقت المناسب ..كان لا يعيب علي رغبتي في الثرثرة والتحدث لكنه كان يوجهني للاقتصاد في قول اي شيء من اجل لا شيء لمجرد التحدث وفقط.."فؤاد"من علمني ان الصمت في احيان ومواقف اجتماعية هو اخير كلام ورد وجواب ...

"فاطمة "علمتني لغة الكلام ..لم تكن تحاصرني بعينها وب"انظر الي كما انظر اليك "فقط بل انظر كذلك لكل استعداداتي تجاهك ..وانظر الى "فاطمة "التي تحبك والتي لا تخلف وعودها نحوك ..وتصدقك.."ولعندها كلمة وحدة صافي ..صافي "

"فاطمة"كانت مستعدة لتتلون معي.. لتسايرني..لتتحول كما ارغب وكما اشتهي ..مستعدة في لحظة لتنزل على ركبتيها لتلاعبني كطفلة ولتتحدث الي بمنطق الاطفال  ..ومستعدة في لحظة اخرى لتتجاوز أية رقابة مجتمعية او أسرية لتاخدني بجانبها وتكاتفني وتقربني من نهدها ومن كل دفئها ولتهمس قريبا من وجهي :"حتى نوصلوا للدار ونهدروا .." هل كانت "فاطمة "تعني بأنها ستتكلم لي بحديث يخصها ؟!هل كانت "فاطمة "ستستدرجني لاتحدث لها ببعض اسراري الصغيرة ؟!هل كانت "فاطمة "تتحايل علي لكي لا نتحدث اطلاقا وانما فقط لنمارس الاعيب الحب ؟!لا لم تكن "فاطمة"من تلك الطينة كانت "فاطنة "تعني ما تقوله ان "نهدروا "هي ان "نهدروا "ان نتكلم نحن الاثنين ان نتسامر ان نتحاكى ان نعبر عن كل ما يخالجنا ويخاطرنا مهما بدى لنا تافها ان نتناوله بحضور اخر ..والمهم أن "نهدروا "ونحن في صفاء مع انفسنا كانت تقول لي :"انت كتعرفني وانا كنعرفك انا منخسرشي معك وانت متخسرشي معيا  ..."كانت تقول لي ببساطة كل شيء مباح بيننا ما دام لن يؤدي اي واحد منا ...كنت اعشق منها تلك اللحظة الأخيرة التي تعود فيها الي وتاخد اي شيء مني ..وجهي ..شعري ..كفي ..او تضمني ببساطة لحضنها حتى فيما صرت اطول قامة منها ..وتقول لي "سمحلي أخاي ديالي .."كان يهمها ان تطمئن علي لم تكن من من يستهويه دموعي او يلعب عليها كما كانت تفعل اختي الكبيرة "مليكة "حتى لما   تجرات على أن تختبر اعترافي ،بانني لما اشتاق اليها ابكيها وانام .فعمدت على أن تقسوا علي لترى دموعي عادت لتظل المساء كله تطلب ان اصفح لها وتقدم لي اعترافاتها اجمل اعترفات بأنها تحبني ..

"فاطمة "علمتني لغة الكلام ..لغة ان اقول كل شيء واي شيء دون ان اشعر بالعار او الخجل او الذنب ..وان اتجاوز أية اعتبارات ..والمهم أن أكون صادقا في كل ما اقوله ..كانت تقول لي وباحلى تودد :"شتي اخي طارق مكينشي حسن من الصدق ..الصدق كيدخل للقلب ..كلين الحجر .."

مع "فاطمة "لم يعد الكلام مجرد اخراج للاصوات وتراكيب وجمل وعبارات تصاغ وتلقى بل غذى لغة تفترض الصدق وتفترض الشجاعة وتفترض الاحساس بما تنوى قوله ولمن تنوي قوله ... 

مع "فاطمة "تجاوزت الريبة والقلق التي كانت تحملها نظرات اخي "فؤاد" كانت لا تتنازل لي لحظة في ان لا انظر إليها بشكل مباشر وان  اتبع نظراتها لاحقا لتسرح بي اينما شاءت هي ..كانت تطلب مني ان اثبت بنظرتي على متحدثي   أن لا اجعله يتلاعب باعصابي ويثير قلقي وتوجسي بما يحيل عليه :"شتي هذيك عقلها في راسك ..عرفوا فين كيبغي يطيحك وشوف فيه مباشرة متخليهشي يذوخك او ياثر فيك .." 

كنت اعقل جيدا انني صادفت مثل هذا التوجيه في اكثر من موضع ..قراته في روياتي الحبيبة وقراته ومثلته لما كنت اتقمس شخصية من شخصيات سيرة "حمزة البهلوان"وانني سمعته على لسان ممثلة إذاعية أو ممثل اذاعي في حصة التمثيل الاذاعي التي تبث على موجات القناة الإذاعية الوطنية الرباط ..وربما نبهني اليه اكثر من واحد ..لكنني ابدا ما كنت ساثبت عليه واستدخله في منظومتي الشخصية لو لم اتلقاه من عند "فاطمة "..

"فاطمة "هل كنت احبها ؟!! 

"فاطمة "هل كانت تحبني ؟!!..

كلما تذكرت هذا السؤال وهذا الاستفهام اشعر بالغصب ..كلما اراد من يعرفني جوابا عنه يتملكني الشعور بالحنق والملل...حتى والدي الذي لفت انتباه في الاكثر من موقف تلك العلاقة "العجيبة "التي توحدنا ببعض وادهشه اقبالنا على بعضنا لم يتمالك نفسه من ان يدخل علي خلوتي بغرفة السطح ويتقرب مني ويطلب ان يسالني سؤالا واجيب عنه بصراحة :"اجي ..قول لي شنو  بينك وبين فاطمة بنت خالتك "قلت له :"لا شيء كنبغيها وكتبغيني ..صافي " رد بتعحب:"كيفاش صافي وانتما كتبقو حتى كيطلع الصبح وانتما كتهدروا مع بعضيتكم وشادين راحتكم وكندوز انا من قدامكم وانتما زعماكين دايرين فيها ما كاين والو ..وتقولي صافي "وارد اليه وانا احرك راسي يمينا ويسارا :"والله ابوا ما كاين ديك شي لكيدور في راسك انا كنبغيها وهي كتبغيني من لي كتجي لعندنا كتكون موحشى في وانا كتلقاني كثر منها ومكنتهنوا حتى كنجلسوا نهدروا مع بعضيتنا ..الباقي ابوا هو كيجي هكذاك هي كبيرة مني وهي كتعرف حسن مني .."

لم اعرف لماذا يدعونني لابرر ما لا يبرر ..لانه فعلا لا يحتاج لتبرير ..

في الشاطئ الصخري "الماء الجديد"القريب من جهتنا السكنية وفي المرات القليلة التي كانت تزورنا فيها صحبة اختها "فاطنة "او صحبة اختي"مليكة " اكاد لا اذكر انها كانت تتركني للحظة دون ان تكون قربي او ممسكة بي ...من اول استيقاظنا  من النوم لخروحنا من باب بيتنا لا اسمع منها الا "طارق اجي حدايا ..""طارق فاينك  ..اجي قدامي " كانت تهتم بي ..تمسح بالفوطة شعري ..كامل وجهي ..تبقيني متلامسا بها لتدفئني ..تسالني ان بي الجوع ..وهي تحمل لي شيئا لاكله ..تعاود ان تطلب مني ان نذهب لنسبح معا وحتى في موضوع اختلاءها بنفسها لتتبول لم تكن تطلب مصاحبة اي احد غيري كما لم تكن تسال اي احد عن جديد احواله او عن سبب تعكر مزاجه قبل ان تسالني انا عن السر في ذلك ..

كانا اخوايا "سمير "و"خالد"يظلا يراقبان سلوكنا وكل واحد منهما يعلق بطريقته وكنا ندرك ونلتفت لما بينهما ويخصنا لكننا لم نكن نعره اي اهتمام زائد فقط لانه لا يستحق ذلك .."خالد "كان يتجاسر عليها ويقول لها بشكل مباشر:"وانتما لجات معكم ..اعايشين .."تنظر إلي بشكل جانبي وتبتسم ثم تنظر لخالد مباشرة في عيونه وهو ما كان اخي "خالد"يتحرج منه بشدة وتقول له :"شوف أخاي خالد ..عايشين ..عايشين بصح راك غالط الا تعتقد فشي حاجة فشي شكل بناتنا ..هذا انا لمربياه هذا ربتوا هنا (وتشير الى صدرها )هذا ربتوا ونزيدك كنبوسوا وكيبسوني من فمي وحدا بابا حدا عزيزي حدى يما حدى كلشي " وبتنمر هازئ ينقض عليها اخي "سمير ":"وعلاش حنا زعماكين مربتيناش  ..غير شوف وكان ..شوفي (ويقدم لها وجهه وشفتيه مشيراً لرغبته في تقبيلها )"وترد هي بصيحة منها :"اولي اسمير عليك انا فين نجيك وانت فين تجيني بش نكون ربيتك  ..والله حتى انتما زيدتوا فيه ..انا غذي نهز العايل ديالي ونسبقكم للدار لعند خالتي والله "وتظهر انزعاجها الذي ليس انزعاجا وانما احساس بالاحراج المتعمد وتكون بذلك وكأنها تطالب بتقديم اعتذار لها ...

"فاطمة"تجاوزنا واياها اي احساس مصطنع ..نكون على سجيتنا معا ..لا نحتاج لنمثل وقد نفعل ذلك بوعي اننا نمثل ..نتمسرح ..نلهو ..لكن غير ذلك لم نكن في حاجة لنتظاهر او لنخشى عيونا تراقبنا او تتطلع الينا ..كيفما طالت غيبتنا عن بعض نعود الى بعض عند اول وهلة التلاقي ..انا لا اعرف كيف عساها تقربني منها ولعلها هي كذلك ..قد نكتفي بتبادل النظرات لساعات ..نظرات افتقاد وحنين وفرح باللقاء وقد تنسى كليا انها لم تبادلني إلا بعض العبارات في زحمة السلام والتقبيل لخالتها ، والدتي ولاختي ولربما لزوجة اخي" خالد التي "تصحبنا ..قد تنشغل باعداد واجب الضيافة الاول ..قد تنادي علي وتسالني اين ذهبت "آسية "او "عواطف "..قد تفسح لي مجالا اثيرا على طاولة القهوة والحلوى والخبز والعسل والزبدة الطرية...وقد نظل في تسامرنا الى ساعة متأخرة بعد العشاء  لحين استشعار الجميع بالحاجة للنوم فتتطلع لوالدتي مخبرة اياها وكمن يطلب منها الاذن بان "طارق سينام معنا بالغرفة الكبرى بالطابق الاول وتطلب من "آسية"أن تحمل البطانيات وفي لحظة لعلي وانا امد لها كفي استجابة لطلبها ونحن ننزل الدرج تنتبه الي وتصيح في وجهي :"اولي اطارق مسلمتشي عليك والله اخي ديالي متنبهت شوفتك وانا ننسى كلشي سمحلي اخي ديالي سماحلي بزاف ..اجي عندي درعني ..د...ر..عني ..توحشتني ..انا توحشتك بلا قياس .."

"فاطمة "بسرعة اصبحت اطول منها لكنها لم تكن تبالي بان يكبر طفلها "العايل ديالها "الذي سلمته لاختها "آسية "ليكبر معها .."فاطنة "اختها الكبيرة كانت تتغامز معي لتوقع "فاطمة "وهي تتلحف ملاية خفيفة وتنوي ان تقيل بعد الغذاء مثل الجميع من غير "آسية "التي كانت تفضل ان تهتم بغسل الاواني وتنظيف المطبخ .افهم على "فاطنة "خطتها واباشر العمل عليها ..اخاطب "فاطمة "قائلا :"فاطمة نجي ننعس حداك اختي !؟"تدير راسها الي لتنظر لعيني مباشرة وبدون تردد تبدا في افساح المجال لي :"اجي قدامي أخاي ديالي .."وامضي لجانبها تناولني وسادتي بل وتحرص على أن تضعها بجانب وسادتها تفسح لي جانبا من الملاية التي تتغطى بها ..انحشر بجانبها تاركا بعض المسافة القليلة بيني وبين ظهرها الذي ولته لجانبي ..تنظر إلي جانبيا وتهمس لي :"قرب لعندي ..درعني ونعس معيا .."واسايرها لتنقض عليها اختها "فاطنة "ضاحكة ومقهقهة تسخر منها :"فاطمة كيفاش درعني ونعس معيا وش هد شي حدانا .."وكانها اكتشفت المقلب تبتسم وتقوس زاوية عينها وترد "ياه ..شحال انتما كتزيدوا فيه انا والله ما نويت شي حاجة  وانت (تنظر إلي بعتاب هازئ)حتى انت كتتقرى معها علي ..ياك اطارق وعقل فيها .." اقبلها على خدها قبلة كبيرة ترضية لها تتجاوب معي على نحو خفي اهمس لها قريبا من اذنها :"والله حتى كنحمق عليك وبغيت غير نشوفك قداش كتحمقي عليا "من بعيد ياتي صوت والدتي :"و نعسوا وسكتونا ..طارق "يتبعها صوت خالتي "زهرة":"فاطمة نعسوا ولا هودوا للتحث..يالاه "وتنزل "آسية "بخفة على صوت والدتها لتراقب الوضع وهي تبتسم وتتمسح بي بعيونها تحنوا علي بنظرتها .."فاطمة "تتابع الموقف تنظر إلي انظر ل"آسية "وتعاود النظر ل"آسية "تنظر إلي تعدل من استلقاءها وتخاطب اختها "آسية ":"آسية "الى كملتي يلاه نهودوا للتحث اختي هادوا راهم بانت ليهم في "تضحك "آسية "وتخاطبني انا :"يلاه اولد خالتي ..زيدي افاطمة "وتنهظ فرحة "فاطمة "ربما في راسها عشرات المخططات والافكار لتنفذها ..ربما تشتشعر انها ليست غبية لكي لا تفهم المقلب ولما يحيل عليه ..ربما شعرت لهنيهات بأنها مستثارة حسيا ...وربما تفخر بنفسها وبجراتها على تدبر الموقف ...وربما هي كذلك أحيانا تتصرف بكامل العفوية ودونما حاجة لترسم الاف الحسابات وتضع امامها عشرات العوائق بدون موجب ..

عندما كنت احكي لاستاذتي علاقتي بابنة خالتي "فاطمة "كانت لا تكف عن الابتسام في وجهي بل واحيانا كانت تصول بضحكتها وتتفطن لتعاود النظر في الممر لتتاكد من انها لم تلفت الانتباه اليها ..منذ ان قلت ل"فاطمة "بعلاقتي النوعية باستاذتي واستاذنتها في إمكان أن أتحدث عنها وعنا امام استاذتي لتوافق بالتاكيد ودون تردد تعبيرا منها بأنها تفهمني وتقدر احتياجاتي وتنتظر مني ان اوضح لها اهدافي البعيدة التي لا ينطلي عليها انني اخفيها بعد عنها أما استاذتي فكان يكفي ان اخبرها بانني لا اخفي على ابنة خالتي "فاطمة "اي شيء يهمني ويعنيني لتقول لي :"عاود ليها كلشي حتى انا كيهمني نسمع منها شنوا غذي تقول عليا "...

  -"فاطمة  وش كتظنني كنغلط مع استاذتي وش كتظنيها غير مرة هكذا ..رها قارية وعندها الباك وام وغزالة ومحافظة جدا هذيك هي لمعمرها تغلط في حق شي واحد ولا مع شي وحد بش تظنيها كتغلط مع تلميذ صغير عندها .."

+"اطارق مقلتشي ليك كتغلط معاك ولا كتغلط معها وانما انا مقدراش نصدق كيفاش طوعاتك وكيفاش كتقولي كتبغيها "

_"افاطمة ..اختي ..ابنت خالتي العزيزة عندي راه كيما كنبغيك ..كنبغي آسية كنبغي خالتي ..فاطنة ..ماما اختي عمتي خاك عبدالحميد ..محمد كنبغيها ..وباغي نكون قريب منها نهدر معها نتكلم معها نشوفها كتبتسم ليا ..نحس بها كتتحرك حديا كتلمسني ..انا هكذا والله مكنتصنع ولا كنراوغك .."

+"عارفك اطارق بصح اجي لهنا ودبا اذا تعرفتوا او شنو غذي تديروا ؟!"

_"ما حنا معروفين واتفقنا نلعبوها مفضوحين بش يتقبلنا كل واحد بحسب نيتوا ..حنا معدنا ما نخبيوا ..واحد صغير كيبغي وحدة كبيرة في العمر ومزوجة وعندها البنات وولد وموظفة .. أستاذة وعايش لاباس عليها اش غذي نطلب منها ولا غذي تطلب مني  انا هكذا قلتها ليها انا مشي ديك المراهق الإعتيادي لكيدور في ديك الساقية ديال الرغبة والجنس انا محتاج فقط مع من نهدر ويسمعني ويفتح لي قلبوا يتقبلني يعطني فرصة نطور معه ومع نفسي احاسيس انا معمري كننسى راسي ولا كنتجاوز الحدود ديالي  وانا كل النسا وكل البنات ديال عائلتي ربوني وربوني مزيان .."

+"وشنوا ردت عليك ...على هذ الهدرة اللخرة لقلتي ؟!"

_"ضحكت في وجهي وقالت لي 'لا باينة مربينك مزيان  'ثم شافت في مزيان وعاودت قالت لي 'لا والله عجبتني التربية ديالك "

كنت اعرف عن ماذا ابحث فيهن وعن ماذا يجدبني  اليهن ..كنت اريد الاكثر من الحب ..كنت اريد تعميق تجاربي وخلق اكثر من امتداد لمواضيع الحب الأساسية عندي بما يعني انني لا ابحث عن بديل مؤقت او مرحلي او عابر في حياتي بالقدر ما ابحث عن تثبيت اولى انطباعاتي واولى احساساتي بمعاني الحب ..وانا احب هذه وتلك وتلك  واترك نفسي وخيالي يقودني الى حيث يشاء  لم اكن في قرارة نفسي الا استكشف من جديد ومن جديد مرة أخرى تلك اللذات الأولى المحفورة عميقا في ذاكرتي وعلى  جسدي ...

ربما هذا ما اقنع استاذتي بالتعاطي الحر معي لقد كنت صادقا تماما معها لم اقل لها انني احب فيها "فاطمة "بنت خالتي لكنني قلت لها انها تشكل امتدادا لنفس الحب الذي لا يمكنه ان يتطور الا كحب خالص ونقي ومحايد  ولما سالتني :"وعلاش انا بالضبط "قلت لها بتمام الصراحة :"حيث انتي كبيرة مني وحيث انت ام ولفتي تعطي وتمدي في الحب ..انت لتقدري تسمحلي نتطور  معك وتحميني من نفسي حتى هي حيث انت فاهمة ..عندك تحاربك وعندك مرجعياتك لتحتكمي ليها وحيث انتي قارية وحيث انت كيف ما بغى يكون ماضيك عيشته دوزتي من هذ المراحل لدوزت منها ولو غير على مستوى الحلم وكنظن غذي تلقاي راحتك في انك تعاودي تتاملي فيه من موقعك الحالي انا مكنطلبشي منك تنزلي لعندي ولا انا نطلع عندك كل مكنطلب منك انك تحسي بي وتقرايني وتقراي راسك معايا ..."

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

مابعد عوالمي السرية .. عالم الصمت (10) تابع :سلاما متجددا فاطمة "09"


 

الاثنين، 26 أكتوبر 2020

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (10) تابع : سلاما متجددا فاطمة "09"

 كل تتشكل نظرته للناس ..للاشياء ..للموضوعات بطرق مختلفة واعية ولاوعية وتبعا لتفاعلاته معها ...انا ظاهريا قد لا اعرف منذ متى تعلمت ان اضعني جانبا وان احمل غيري معي ليتعاطى عوضا عني مع الناس ..مع الاشياء..مع الموضوعات ...كنت حريصا على أن لا اتبدى كليا وان لا اكون في منتهى الوضوح او الصراحة الا بمقدار وفي الان الممكن ومع الناس الصحيحين ..كنت حريصا على أن اقومني في كل ما من مرة وغير متساهل في تعميق خبرتي بنفسي وبالاخرين ...لكنني كنت متسامحا مع نفسي كما مع الاخرين ولا أبالي بان اخطأ التصرف او السلوك مادمت أتعلم واحرص على أن أشحد مهاراتي واوسع مداركي ومعارفي ... 

طاردني منذ وعي الاول الاحساس بانني مختلف عن الاخرين خصوصا اقراني فحملت العهد على نفسي على أن ارعى اختلافي وان اطوره مهما كلفني من معاناة 

قوى في الاحساس بانني مختلف اعتزازا خاصا بذاتي لكنها ابدا لم تكن محض نرجسية او أنانية مبالغ فيها ..كان والدي يغذي في باستمرار طابع الهزيمة أمام الواقع الذي رفعه امامنا عاليا بمنطق رؤيته هو للواقع العام والشخصي ..وهو ما كنت رافضا قالبا وطابعا له ودائما التفكير والتفكيك فيه ومنذ أن توسع بيني وبين اختى الصغيرة مجال الكلام والحديث والرأي والتعاطي الحر مع الموضوعات والافكار  اضحينا شركاء في البوح والتداعي والنقاش حول هذا الواقع وما يكونه وكل ما يكونه ... كنا نختلي ببعضنا كلما توفر الوقت وسنح المكان بذلك لنتحدث اطول وقت ممكن فتتلون سحنتنا وتتعكر امزجتنا وترتسم تعابير بعينها على وجوهنا انا كنت اقرب للحالم المتذمر وهي اقرب من الحكيم الساخر ..كانت ترتسم على وجهها تعابير اكتشاف المعنى والسخرية من الحقائق المزيفة لكنها لا انا ولا هي كنا نسمح بتعابير اللامبالات تمسخ وجوهنا وتتسلل من ثمة لدواخلنا ..تعلمنا ان نهتم بادق  التفاصيل وان نراقب لاطول فترة كل ما يتحرك من حولنا وان نحتفظ بكل انطباعتنا وارتساماتنا لحين ان يكتمل لدى كل واحد منا شكل لها ..خطاطة ذهنية لموضوعها او لشخصها ثم نتشارك طرحه والنقاش حوله ..

علاقتي بالصغيرة "بشرى"اختى كانت صاخبة وضاجة بالحياة لكنها في الجزيئات الصغيرة والخفية والصامتة منها كنا على النقيض من كل ما نتبدى عليه ونظهره منا ...كنا ناسى ونعاني ونهتم ..كنا نكف على أن نكون متناغمين مع اعمارنا او فقط منسجمين مع محيطنا واقراننا ...وبيننا كنا دائمي تذكير كل واحد منا بان نحرص ولو مؤقتا على أن لا نكشف عن رؤيتنا الحقيقية للآخرين فقط لكي لا نصدمهم او تجعلهم يتصادمون معنا ...

تعلمنا ان نحتال على الواقع كما خبره والدنا وكما يريد ان يفرضه علينا وتعلمنا ان نمارس احتيالنا حتى عليه لكي نكشف تناقضاته وتناقض المثال الذي يريد استزراعه فينا ..كنا قد طورنا لغتنا الخاصة وقدرتنا على لعب الادوار والتمثيل بحضور الكل والجميع .. كنا قادرين على أن نحتفظ بخقيقتنا لنا وحدنا بينما مع الجميع نحن مجرد ممثلين اذكياء ومراعين للظرف وللشخص او الأشخاص الذين تتعاطى معهم ...لزمنا وقت طويل من الاخد والرد والتجريب والاختبار حتى مع اصحابنا وصاحباتنا ابناء وبنات جيراننا لنجد بيننا وبينهم مساحة تفاهم وصدق حقيقين على انها لم تكن كلها على درجة او مستوى واحد بل كانت متفاوتة ما بين كل واحد واخر من نفس جماعتنا واصحابنا ..كان يلزمنا أن نكون حذرين في كل تعاملتنا دون ان يعني ذلك اننا غير صادقي النوايا او متامرين او خبثاء ..كان كل الذي نرصده من حولنا ..من المقربين منا من داخل حتى اسرتنا لا يسمح لنا بأن نامن الجانب وتطمئن بسرعة لاي احد ..كنا نعرف ونقدر ان نذية اعمامي ووالدي ستتاثر وتتصدع بمجرد دوام تطبيعهم  مع بعض وانسجامهم المبالغ فيه ..وكنا نعرف أن صاحب الذكان الذي تتبضع منه والدتي اللوازم التموينية الشهرية للبيت وتشكر فيه عما قريب ستذم وتخس من قدره وذميته ..كما كنا نعرف أن الخصامات بين اخوتنا مهما بدت عميقة او عنيفة سرعان ما ستسوى وستتناسى ولو ظاهريا ...كما كنا نحدس ان التغيير حاصل لا مفر منه لكل ما حولنا والمهم أن لا نغفل عن تتبع وقراءة مؤشراته ..

لم تكن لا "شهرزاد "ولا "قمرية "ولا "بدرية "صديقتنا الاقرب الينا بل كانت اختهن الصغرى "لمياء "والتي كانت في الاول رهاني الخاص الذي ادخلت فيه اختى الصغرى "بشرى"التي بمثل عمر "لمياء ".

"لمياء "على ملاحتها وعذوبة ورقة طبعها كانت رشيقة القوام وتبدوا أصغر من سنها ..وظلت كذلك حتى بعد فترة مراهقتها  ظلت الطفلة المحببة والذكية التي تعرف ممارسة لعبة التسلل للقلوب واحتلالها ..

"لمياء "كانت تصغرني بعامين لكنني وقد تعرفت عليها في سن الخامسة من عمري فلقد كانت بالفعل طفلة صغيرة بالنسبة لي ..اختى كانت صغيرتي وحبيبتي وشريكتي في كل شيء بينما كانت "لمياء "طفلتي المحببة التي اخاف عليها وارعاها واحن عليها واقربها باستمرار مني واريدها ان تتعرف اكثر على كل ما يشكله عالمي الخاص ...

منذ ان كنت اصاحب والدي وعمي "محمد"لمعاينة اشغال بناء الطابق الاول لمنزلنا ونحن في موسم الصيف وبعد نستقر بمدينة "القنيطرة "وانما نحن بعطلة نقضيها بمنزل جدتنا وعماتنا واعمامنا مع كامل افراد اسرتنا الصغيرة استهواني جو الترحيب من من كان ينعثه عمي "محمد"لي بجيرننا المستقبليين  ..كانوا بشوشين وظرفاء وطبعيين غير متصنعين وكان نصيبي معهم ومنهم اطيب العناقات والقبلات فانا بعد طفل صغير لم يتم الأربعة سنوات من عمره لكن احلى الضمات والقبلات كانت تلك التي كانت تناولني اياها الصغيرة جدا بنت الثانية سنوات من العمر "لمياء "..التي انتظرت بفارغ الصبر والتطلع نهاية سهرة ليلة محيئنا برحيلنا النهائي للاقامة بمسكننا بالطابق الاول لمنزلنا الذي كان سفليه مكترى ..وانتظرت بزوغ الشمس وبداية انطلاق حركة الناس بالخارج لاخرج  الزقاق على أمل ان ارى من وعدتني امها بأنها ستكون صاحبتي هي وكل اخواتها  وللعمر كله ... لم اكن مجرد طفل صغير لاصدق  في كل ما يقال لي لكنني كنت بيني وبين نفسي اتخير ما اصدق فيه حسب ما أريد انا نفسي أن اصدق فيه حتى ولو اخدع فيه ...وكنت جادا في أن اصدق ان تلك الصغيرة التي عانقتني من تلقاء نفسها وقبلتني من فمي ستكون صاحبتي وما علي الا ان احرص انا على ذلك وان اسال من يهتمون بامري ويحبون أن يسمعوا الي مثل "عمي محمد "وعمتى "مينة "وابنة عمتي الكبيرة "حورية "ناهيك عن اخي ومعلمي الاكبر مني "فؤاد" عن كيفية الوصول لذلك..

      ***.           ***.               *** 

بصراحة اقف لنفسي واحاصرها بالسؤال الاساسي مجاهدا رغبة في تعنيفها وهزها بقوة لأنها ببساطة أتعبتني وارهقت قواي :"قل لي ماذا تريد بالضبط ...؟! "...هل كنت اعرف ماذا اريده تمام المعرفة ؟! ابدا كان يخيل لي انني اعرف بعضه ..اعرفه على وجه التعميم ..اكاد انسج معه خيالات عدة لكنني انتهي مضيعا كل الصور الاستهلالية التي بدأت بها ..واضيع فهمي حتى لكنه اللغة التي كنت انسج بها المعاني وانتهي مجددا على حيرة من امري ...

استاذتي كانت تقف الي في الطرف الاقصى من قسم التدريس الواسع والعريض .انا شبه متكئ على الجدار وهي كفت على أن تقف لي جانبيا وتوزع نظرتها بين الفينة والاخرى على تلامذة الفصل ..كانت تقف اقرب مني وتنظر مباشرة إلى عيني وتتفحصني من اعلى ..كنت الحظ عينها ورؤيتهما اين تحط مني كانت تتطلع لشعري ..تقف عند كتفي ..تنزل بلحظات قصيرة جدا لذراعي ..لتنظر لكفي ...وكلما كانت تتعاطى معي بكل تلك الاريحية كنت اتجاوز عتبات الصدق لمنتهاها ..كنت حينها قد تجاوزت الاستدلال بالوقائع والشهادات او الإحالة ببساطة على تجربتي المعيشية كنت قد اندلعت في التعبير فقط عن انطباعاتي الخاصة وعرض تاملاتي والاحالة على احساساتي الشخصية ...استاذتي كانت ام لاربع فتيات ولصبي صغير وبعدها في ابهى عمر وجمال بعد في عز نضوحها..استاذتي طورت علاقتي بها خارج الفصول الدراسية ..قبل حتى ان الج فصلها كتلميذ تدرسه اللغة العربية وادابها في آخر مستوى اعدادي لي "السنة الرابعة توجيهي اعدادي "..استاذتي كنت حريصا على أن ادخلها كمستمعة لحوارتنا ودردشاتنا ونقاشاتنا التي تطورت بعزم وتصميم على أن تتطور وبقناعة شاركني فيها بكل ترحيب واعجاب استاذي منذ السنة الأولى اعدادي  "السويحلي "أستاذ مادة التربية الإسلامية الذي افسح لي المجال بداية بمصادقته ثم بتقديمي لباقي الأساتذة لنفتح نقاشات معهم انا وشلة من رفاقي ورفيقاتي المقربين لي ...استاذتي وكما تصورتها الوحيدة التي ظلت مكتفية وبكل استمتاع بان تقف لجانبنا وان لا تدلي بارائها الخاصة كانت متحفظة جدا وحريصة على أن تضع مسافة بينها وبين كامل طاقم التدريس والإدارة التربوية للمؤسسة مثلما لا تكون داخل الاقسام وبين تلامذتها الذين كانت تحرص على توحيههم دونما صرامة او شدة بل وكانت جد متعاطفة مع الحالات الإنسانية التي كانت تعج بها مؤسستنا من موقعها الجغرافي الاسكاني الذي حدد لها  حدود تلامذة المدينة الممكن استعابهم بها من جهات سكنية معينة ..اعداديتنا "الامام مالك "رغم موقعها الاستراتيجي وبناءها الذي يعود لفترة الإقامة الإسبانية بجهة شمال المغرب والذي جعلها جد متميزة كانت تطل على حزام شاطئ بحري يشكل حدودا للمدينة باكملها وباليابسة كانت تفتح تلك الحدود لاجمل شرفة اطلنطية باجمل حدائق وتنتهي لتتحوط جزئيا على المدينة القديمة بداية من احياء باب البحر التي تفتح بدورها المحال لمدخل ميناء الصيد التقليدي والعصري للعراىش ..لكن البحر ما كان ينتهي هناك كان يمضي في التفافه وبعدما  يعانق فيض نهر اللوكوس يمتد او يتراجع للوراء  ليفتح اطلالات على قرى ومداشر حتى يفسح المجال لميناء صغير تحتضنه مدينة "اصيلا "ولاخر بعد امتداد زهاء الاربعين كلم كسب صية دوليا، انه ميناء طنجة الذي يستقبل البحر الأبيض المتوسط ويودع المحيط الأطلسي ليسافر بعيدا في عمق الافق الغربي والشمالي ..

من جهة الجنوب كانت تتراص بيوتات على خط شريطي واحد تشكل بدورها سورا لمقبرة "سيدي علال بن احمد "التي تنفتح على حي صغير وفقير "حي برج سيدي ميمون "ثم تتجاوزه لتنفتح من جديد على المقبرة المسيحية المجاورة لمبني السجن المحلي الذي يشكل شبه بوابة رسمية لحي عريض اسباني الطراز والبناء حي القشلة الذي كان يفتح في حدوده الجنوبية لبيوتات هامشية صفيحية عشوائية تنهي المجال الاسكاني وتفتح المجال لبروز الغابة الجميلة غابة "اولمبيكا "..بالمقابل كانت تمتد المساحات الخالية بتربتها الحمراء وببعض نباتاتها الشوكية ويكسر امتدادها من جديد بيوتات هامشية صفيحية اقيمت كاحياء متكاملة عشوائية تشكل مع صف بيوتات اتت كشريط أحادي المساكن تطل على شارع "جاكارطا "الشارع الرئيسي لحي يضم كل تلك البراريك الهامشية يعرف بحي "الناظور "الذي يلتقي مع حي "جنان بوحسينة "الذي كان يحتوى اولى  البيوتات  التي بنيت خارج اسوار المدينة القديمة وكانت في معظمها بيوتات قديمة وصغيرة الا ما بني في فترة نهاية السبعينات ..كانت مدرسة "البلدية المختلطة "ومدرسة "ابن زيدون "نهاية توسع حي جنان بوحسينة والفاصل بينها وبين حي يجمع المساكن القديمة الموروثة من حقبة الإقامة الإسبانية بالمدينة واخرى غادية في النمو البطئ اعلى الحي المعروف باسم "الليخرو " ..مدرسة "البلدية المختلطة"كان يقابلها حي مخظرم هو الاخر لكن بنسبة اضعف عن حي الليخروا معروف بحي "النابص"ينتهي عند صف بيوتات من طراز اسباني جميل اسقفها مغطاة بالقرميد وشكلها كاشكال اكواخ عصرية تحد اعداديتنا "الامام مالك "من جهة جنوبها وتفتح المجال للمدخل الخلفي للسوق المركزي اليومي "البلاصا "وحي البلاصة ..الذي تبتدا معه شوارع المدينة الرئيسية واحياءها وتشكل جميعها معا وسط المدينة وتفرعاتها الشبه عصرية والعصرية ..

اعداديتنا "الامام مالك"ببناءها على دورين وبهندستها الفخمة كانت تحتوي اكبر عدد من تلامذة ما كنت احب ان اسميهم "تلامذة الظروف الصعبة " لانهم لم يكونوا تلامذة قروين في السواد الأعظم منهم وحتى تلامذة احياء الصفيح بها لم يكونوا يشبهون تلامذة احياء صفيح اخرى بالمدينة ك "كليطو"و"المحصحص"و"جنان الباشا "وغيرها ..كان تواجدهم ضمن إطار سكني عمراني متمدن يفرض عليهم بأشكال متعددة الاندماج معه ..  ويخضعهم لرقابته ويحاصر لحد ما طابع البداوة من ان ينتشر في عموم المجال الحضري .."تلامذة الظروف الصعبة "هم من سكان أحياء المدينة القديمة واحياء القشلة والناظور وجنان بوحسينة وبعض من حي الليخروا وحي النابص وحينا نحن "حي جامع الجديدة" وحي البلاصا و احياء شوارع وسط المدينة والجامع الغالب بينهم توسط الحال والفقر المحتشم ..كان قلة بيننا من يمكن نعتهم بميسوري الحال او حتى أولئك المعتبرين لاباس باحوالهم المادية والاجتماعية ...وكما كان يسر الحال درجات كدلك كان توسط الحال بيننا وكذلك كان الفقر بيننا الشعبي والعام والسائد ...استاذتي كانت لا تخجل من تبدى كامل تعاطفها مع من كانت معاناتهم مفضوحة لان ظروفهم كانت أكثر من صعبة بل جد صعبة ...وكنت احب ان اعرف عنها اكثر فاكثر من طريقتها في التعامل واسلوبها في التدريس وفرض هيبتها داخل الصفوف من من كانوا يتتلمذون في صفوفها ..على أنني تتبعت كل سبيل لاتعرف على شخصيتها من سكان الحي الذي تقيم به ومن من كانت تقف لتبادلهم السلام وبعض الكلام وهي في خرجتها للتسوق او التبضع من وسط المدينة أو من دكاكين الحي ..

استاذتي لم اكن في حاجة لاغزف عليها لحن "ست الحبايب ياحبيبة.."ولا اناشيد "قم للمعلم ووفيه التبجيلا " كنت انظر إليها ببساطة كامراة ناضجة مثلما علمتني عمتي "مينة "والتي لم تعلمني فقط الارتماء في حضنها والاقبال على محبتها بل علمتني الاحترام كذلك ...واحترامي الشديد والخاص لاستاذتي تلك كان نابعا من معطيين اثنين اولهما جمالها وتانيهما امومتها .. كونها أستاذة كان امتيازا لها ولنا كلنا كان يحب ان يشرف على تدريسه أستاذة حتى من كان يعرف انه لن يتم دروسه الاعدادية و لا محالة سيخرج نهائيا من الحياة المدرسية لحياة اخرى كان يرتاح لان يحضر دروسا أستاذة له على حضور دروس استاذ مفضوح لنا خصوصا نحن الذكور ونحن نجده اكثر ميلا للتعامل مع الاناث على التعامل معنا نحن الذكور على تصنعه لمنطق الأبوة للجميع ..

استاذتي بعد ان تجاوزت صور عمتي "مينة "التي كانت تشوش علي وتحجب علي رؤيتي الخاصة للموضوعات التي قد اكون أحبها او ارغبها بدات انظر إليها مباشرة في عينها واتخاطب بصريا معها اسلم عليها من بعيد .. ابدي اعجابي بما تلبسه ..اقول لها اشتقت اليك بعد كل دخول واستئناف للدراسة من فترة عطلة ..استاذتي ما اكتفت بمجرد ملاحضتي وتتبعي بل اخدت تتجاوب معي وتقبلتني ببساطة وكنت اعرف انه سياتي اليوم الذي ستدير معي حوارات خاصة كان يكفي ان اتحول من مجرد مراهق يروقها أسلوبه التعبيري عن نفسه ورغباته الى اخر ينبهها الى أنه غير ذلك المراهق بالمرة الذي استحود على انتبهاها وادخلها لعبة الاستلطاف عن بعد ..وكنت واضحا لحدود بعيدة خصوصا لما توسعت حلقات النقاش بين استاذي "السويحلي "وبين جماعة رفاقي الى رفيقاتنا وباقبال عدد من الأستاذة الى الانضمام إليها بين الفترة والاخرى .. كنت واضحا معه وانا اسمي المختارة من الأساتذة التي يسعدني التعرف اليها والتعريف عن نفسي لها وقلت له انها تهمني على وجه الخصوص وانني احتاج اليها ..كنت قد طورت علاقتي باستاذي "السويحلي"لدرجة المكاشفة وكان معنا غير متحفظ على اي نقاش ومستعد للتدخل حتى في معالجات مشكلاتنا النفسية والمرحلية او كما كان يقول وهو يعبر عن ابداء كامل استعداده :"علاش منحاولش اولدي طارق". ..لم يطلب مني الكثير من التوضيح لانه كان يعرفني لحدود بعيدة وكان يعرف مفاتحي النفسية ويعرف معني ان اكاشفه باحتياح مثل هذا وفي الان نفسه وعند اول ظهور لها قاصدة قاعة الأستاذة لوضع دفتر النصوص الخاص بها نادها استاذي الجليل أستاذة مادة التربية الإسلامية الأنيق بجلاليبه وطاقيته والمهيب بلحيته المستديرة المشدبة والمقصوصة باتقان والتي يخالطها الشيب  والسواد وكانت لعبة إدارة الحوار سمجة ومكشوفة هو اخبرها بحاجاتنا لرايها في موضوع اثير بيننا وترك لي مبدئيا الفرصة لاعرض الموضوع لناخد رايها المفترض وهو ما لم تبديه ولا سمح به وقت الاستراحة لانني لم اتوقف عن الكلام وما كنت استعرض وانما كنت أتحدث اليها وكأن بيننا زمن من الاحاديث وعشرة طال امدها ومن مجرد حديث عن دور الاهالي في التربية والتنسيق مع طاقم التدريس والإدارة لتقويم الاعوجاحات في السلوك وفي رفع  المردودية داخل القسم  والحد من الاصطدامات المباشرة بين التلامذة واساتذتهم وجدتني ابادلها معرفتي بجيرانها وبحيراننا بعلاقاتها الاجتماعية مع اهالي من درسوا في صفوفها وخصوصا اولئك التلامذة ذوي الظروف الجد صعبة ..الى أن اعبر لها صراحةعن بعض رؤيتي الخاصة لها ...يومها فرقنا ازير صوة الجرس الكهربائي القوي الذي كان يصم اذاننا وبسبب الازعاج لنا وبعد ان انطلقت قاصدة الفصل الذي ستدرس به ما تبقى من ساعتين على نهاية الدوام المسائي لا حظت عني انني اهم بمغادرة الممر لباب الخروج من المؤسسة فتوقفت لتنادي علي ولتسالني هل انهيت حصص المساء ولاجيبها  بان لا حصصا مسائية كانت لي وانني جئت فقط كما هي عادتي لمواصلة التحدث والنقاش مع استاذي ولاطلب منه ان يعرفني اليها..وابتسمت كما كنت اتوقع منها تماما لانها لم تكن لتتفاجى اكثر مني  بعد كل الذي قطعته علاقتنا المعرفية البصرية والتي امتدت للاكثر من ثلاثة سنوات ..ابتسمت وقالت لي :انتظرني بباب القسم سادخل وأخرج اليك ..".

يومها كنت تلميذا بصفوفها ولا تزحزحت عن التخاطب البصري معها داخل القسم الذي تديره كما لم اتوانى عن ابداء حرصي الشديد على تهيئة دروسي قبليا بالمنزل وحرصي على أن أشارك وان اكون موفقا في مشاركتي داخل القسم وهذا كان جزء عملي من ابداء كامل احترامي لها انا ما كنت ابدا السباق حتى في التمتم بالسلام او التحية لما نتقابل صدفة خارج مبنى الاعدادية بل هي من طورت معي هذا الأسلوب واحتوتني فيه وفي اطره لكن غير ذلك ما كنت لاتخلى عن استعدابي  كأن انظر إليها ونحن خارجين بعد انتهاء الدرس لاقول لها بعيني فقط مع السلامة والى اللقاء ونهاية اسبوع موفقة وسعيدة ورقت لي اليوم اكثر ...ولتبادلني التجاوب الخاص بيننا...

كنت انظر إليها في عينها واتابع انزياحات بصرها علي لما سالتني ولم تنتظر جوابا مني قالت لي :"ما غديش نقولك شنوا خصك دابا حيث انا عارفه وانما نقدر نعاود نسول راسي انا من جديد ونسولني انا الى اي حد انا مقتانع بكل ماانت وضحتيه لي ولي انا سعيدة به .." وابتسمت في وجهها ودون المزيد من الكلمات اقتربت اكثر مني وضمتني الى حضنها وانامت راسي على كتفها للحظات ثم نظرت إلي وقد استعادة المسافة الأولى التي كانت بيننا وقالت لي : "بغيني ..متخافش مني " وعادت الى مكتبها براس القسم دون أن تلفت لمن كان يراقب ما حدث بيننا ...    

         ****.            ****.              ****

كنت عاقدا العزم على أن لا افشل في كل مساعي ومنضبط الى حد بعيد مع نفسي ومع ما سطرته لي من برنامج ..حتى اصحابي ورفيقاتي عودتهم على زياراتي لهم في أوقات محددة سلفا من جانبي وقابلة للتعديل ان قوبلت ببعض التحفظ من لدن بعضهم ...لم انسى حتى زيارة من كنت حريصا على استمرار صداقتي بهم من رفاق المرحلة الابتدائية من الدراسة كان هناك من عودته على زيارتين في الشهر ومنهم من انس مني زيارة له مرة واحدة في الشهر ..كنت المبادر بتلك الزيارات التي ما كانت تقتصر على ايام الاحاد او ايام العطل الرسمية وانما تتوزع على ايام الاسبوع ولا تتوزع اغتباطيا وانما تراعي موقع سكناهم وطبيعة حيهم ومنطقتهم السكنية واحوالهم المعيشية كما نوعهم البيولوجي وشخصية معيلهم الاساسي ..كان من يصح ان اقابله صباحا وهناك من لا مشكلة في ان ابقى معه ما بعد غروب الشمس وادان العشاء ..وهناك من لم اكن اسال لما الطرق باب بيتهم عن ان كان موجودا هو اولا او لا وانما كنت ادخل مباشرة لصحن دارهم ولا من مشكلة تطرح من كلا الجانبين ...اصحابي وصاحباتي بحينا عدلنا من برامج تلاقينا حسب رغبة كل واحد او واحدة منا وبالضبط فيما إذا كان مرغوبا ان نبقى لوحدينا من ان لم نكن نمانع من ان ينظم الينا الاخرون ....

 كانت لي بالتاكيد دوافعي الشخصية الأصلية التي اتدبر بها كل ذلك الحرص وكل ذلك التنظيم ..كنت بيني وبين نفسي محتاج لان اعبر عن وجودي ..عن ذاتي كما اعيها واستوعبها انا لا كما يخطط لي الاخرون تحركاتها وحدودها ولغة التعبير عنها ..لم اكن في حاجة لان ابهر احدا وان قد تبدوا لعبة مفرحة وتشبع بعض احتياجاتي النفسية ..بالقدر الذي كان يهمني ان اضمن لي المزيد من التزود بالحب وبالثقة في ...ولكي يسهل علي سلوك مثل هذا السبيل كان علي ان اطور اكثر فاكثر من لغتي على التواصل والتفاعل الاجتماعي السليم وان اعبر من ثمة لتطوير لغتي النفسية كي اكون مفهوما للآخرين وخصوصا لمن يهمني امرهم ولمن لست مستعدا ابدا لان اخسر او اضحي بحبهم لي وحبي لهم ...

لم اكن الفتى الحالم طوال اوقات يومي ..هي فقط خلوات اعقدها مع نفسي وارتاح فيها من القراءة والتفكر فيما اقرأه لاسرح قليلا مع خيالاتي وافتكر فيها احلامي ...واترك لذاكرة الاشخاص العاطفين  الماثرين في ان تفتح ابوابها وتستدعي لي صورهم .. وجوههم ..أشكاله ..اصواتهم ..روائحهم ..والازمنة الخاصة التي كنا فيها سوية بالقرب من بعضنا البعض..  

ومن كل اولئك الناس العاطفين الماثرين في والذين اترقب بصبر ومكابرة ان يحين موعد الاجتماع بهم كانت أسرة خالتي "زهرة" وكل فرد فرد فيها بشكل مخصوص إلا أنني ما كنت لاداور نفسي عن حقيقة نفسي ونزوعها العاطفي بشكل قد يبدوا منقسما على نفسه لكنه في حقيقته غير كذلك ...قد يبدوا انني موزع بشكل مكثف على كل من "فاطمة "و"آسية"بنتا خالتي "زهرة".."فاطمة"اكبر من "آسية "لكن ما عاد يهم كم يحملا من العمر فكلتهما قد تجوزا و"فاطمة "اضحت اما لثلاثة بنات و"آسية "قريبا ستضع مولودها الأول ..وانا ابدا ما كنت غرا او بليها لاسمح بخيالي ان يشطح بي ويضحك بسخرية مني ..انا ما خترت حبهما ولا تعلقت بهما من فراغ انا منذ ان فتحت عيني على الدنيا وبعد لا استوعب الأشياء الا حسيا ادركت حبهما لي وكلما بدات في الوعي اكثر لا اكتشف الا كم يكبر خبهما لي وكم انا بدوري احبهما ...كنت اقولها لهما معا وفي نفس الوقت :انتما من تهافت علي واحباني واشبعاني حبا واردف :"اوا دبا دبروا راسكم معيا انتما المسؤولين ..."تضحك "فاطمة "مني وتقهقه بينما ترعاني عيون "آسية "بكامل الحب والتودد والابتسامة لا تفارق محياها ..:"ودبا شونوا كتعني ..زعمكين جاي متحرش .. مقري ..وسير اولدي لعب مع قرانك ..سير لعب قدام باب داركم ..."وتعطف علي "آسية ":"اجي عندي اخي ديالي ..اجي عندي اطارق "كانت نبرة جديدة اضافتها لكلمات التحبب والتقرب مني منذ ان تجوزت  ورحلت لبيت زوجها نبرة فيها كامل الحنية وارقى عاطفة "اخي ديالي .."لم تكن تقلد بها ان كانت تقلد احدا اختي الكبيرة "مليكة "ولا اختي الصغرى "بشرى" وانما كانت حريصة على تقلد فيها صغيرة حينا "لمياء" التي لم تكن تقولها فقط "اخي ديالي .."وانما كانت تتحرك صوبي بكل عاطفة وتبدى  كامل استعدادها لتشبع لي اي من رغباتي ..في الحديث لها او في مرافقتي او في جلوس فقط الي والبقاء صامتة بجانبي ..."آسية "سبقت استاذتي في ان تعرض علي ان أحبها وان لا أخشى شيئا منها :" والله العظيم بغيني ..ومتخافشي مني  .."انا كنت اعرف بالتاكيد ما يلزمني وما انا في أشد الحاجة إليه لاتحرر من كل خوف ولانفتح على كل الافاق ولاحقق كل ما اصبوا اليه ..كنت في حاجة الحب ولأن يثقوا في احبتي ..لم اكن اطالب باي شيء اخر غير الحب انا اعرف حدود الاعيب العشق والغرام كما استوعب كل تعقيدات حياتنا الاجتماعية كما اعي الفارق بيني وبين الاخرين...وكيفما اعتقد في البعض بانني نزق ومشاكش فانا لم اكن كذلك في كل الاحوال اللهم عابثا مازحا بتودد ليس الا ...

هذه المرة كنت على موعد يفرقه  فقط يومين لاسافر مع والدتي واختي "بشرى"ل"طنجة"..موعد يهمني فيه بالاساس ان اتحدث فيه ل"فاطمة"  وان اسمع منها الرد صريحا ...كان طبيعي ان اخبرها بكل ما سار معي طوال فترة ابتعادنا عن بعضنا وان احمي لها بالتفصيل كل ما هي ترى أنه ينبغي علي ان افصل فيه وكنت اعرف انها سيستهويها فصل البوح والاعتراف لاستاذتي ..لكنني لم اكن أراهن على انبهارها واعجابها بحراتي وشجاعاتي واختلافي وانما كنت مراهنا وغير مستعد لان اخسر رهاني معها هي بالضبط كنت اريد ان اسمع منها هي بدورها :"بغيني ..متخافشي مني "لكن فاطمة فحائتني بان زادت في حجم وقوة العبارة بان قالت لي :"بغيني ..متخافشي مني ..انا غذي نعرف كي نبغيك ونبقى نبغيك العمر كلوا ..صافي طارق ..".. 

الجمعة، 23 أكتوبر 2020


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (9) .تابع : سلاما متجددا فاطمة"8-1"

 من اين لي بسحري الذين يتحدثون عنه وكل واحدة تضفي على تعبيره بصمة خاصة ؟! انا اعرف حدود وشكل قوقعتي -جسدي الذي البسه ويلبسني ..واعرف شكل ومحتوى الاسمال التي ارتديها والتي عبثا احاول مساوتها علي وعدم التحفظ في ارتدائها عملا بنصيحة اخي "سمير "الذي كان يقول لي تجاوز الشكل الى الجوهر .الى العمق الانساني فيك ..احسست ببعض الرضى عن حال هندامك ..هيا تحرر ..انطلق تعرف قصة حجا مع حماره وحماية جحا مع حماره وابنه ...تعرف انه صعب ان ترضي كل ادواق الناس لذلك دعك منه مادمت تعرف قدرك ... وانا بالرغم عن قناعاتي تعدبني بعض الاحساسات التي تلم بي وتسيطر على تفكيري لدرجة يصعب علي تحويلها جانبا من راسي ..على كل حركيتي ونشاطي ولمات الاصحاب والرفاق من مختلف الأعمار والنوع اشعر انني وحدي ولانني في حاجة لافهمني اكثر ..كنت بالرغم من الثقة في النفس التي يعززها في كل احبتي وكل الناس الطيبين تاتي علي لحظات يتملكني فيها الخوف ..الخوف من المجهول والخوف من ان افقد السيطرة على نفسي..

في الصباحات التي لا ادرس فيها بالاعدادية انسل مغيرا طريقي المألوف وحريصا على أن اسلك الأزقة واقطع الطرقات بسرعة متفاديا مقابلة من أعرفهم والذين كنت احرص على ان اتعرف على قدر من المعلومات عنهم ..عن طبيعة نشاطهم وعملهم عن احوالهم الاجتماعية ..عن نوع الثقافة التي تربوا عليها عن سلوكهم الإعتيادي عن نشاطهم الاجتماعي بما في ذلك حتى خط سيرهم الشبه دائم في خرجاتهم للشوارع وفي مدارات حيهم...كانت قد أصبحت عندي اكثر من هواية ان اهتم قبليا بمن ساصاحبه و اتعرف عليه بشكل رسمي وعندما اتمكن من استكمال خطاطتي الذهنية عنه يكون سهل علي ان اتدبر فرصة اللقاء به وأكون قد حددت سلفا حتى كيف اقود الحديث التعارفي الاول به ..غير ذلك كنت العب على تيمة الخجل والتحفظ والمراعات للنوع وللفوارق الاجتماعية والعمرية بما يجعلني اتروى في دراسة المعطيات الأولية عن الشخصية التي تتعامل معها ولا اسمح له من الوهلة الأولى التي اختار هو ان يقتحمني ويلاعبني اجتماعيا بموضوع التعارف الاجتماعي ان ينجح في استكشافي الى ان اسمح له وبطريقتي الخاصة وفي الوقت الذي أراه يناسبني ...ربما اخدت بعض الوقت مع مجموعتنا لاقنعهم بصوابية وجهة نظري وموضوعها لكنهم متى اقتنعوا ..ساهم كل واحد منهم في اقناع الطرف الآخر الاقرب اليه عاطفيا في مجموعتنا ومن جديد احصل على تقديرهم وترابطنا كمجموعة نتبادل فيها الادوار التوجيهية والتفاعل الايجابي فيما بينا وفيما بيننا ومع محيطنا..اكتشف كل واحد منهم على كم حصل من خيبات عاطفية من من سعى او سهوا هم التقرب منه في اكثر من محطة حياتية من عمره وكم كان هجرانه وتجاهله وابتعادهم عنه محبطا له ..لم اكن لاتلاعب باي احد منهم غير أنني كنت لحد بعيد اعرف كيف أوجه ضرباتي واحيانا صفعاتي لهم لاهزهم من الداخل ولاجعلهم يرون الاشياء والوجوه والاشكال والمعاني بطريقة جديدة ومغايرة لانماط تفكيرهم وابصارهم المقولبة والنمطية ..كنت أوجه انتباهم لموضوعاتهم النفسية والعاطفية الأساسية لنعيد القراءة فيها وفي نفس الآن افتح اكثر من نافدة على موضوعهم الاساسي ..على صورتهم لذواتهم وعلى وعيهم باحتياجاتهم الأصيلة فيهم ..كان ما يجمعنا كمرحلة عمرية ونفسية فارقة في حياة كل انسان اجتماعي هي مرحلة المراهقة .. اكانت مراهقة مبكرة او متأخرة ..اكانت خملة او نشطة متوقدة ..ومتى وجدت المدخل لافك عقدة لسانه لنمد في التحدث والاحاديث بيننا فقد فتح لي منفدا لامد جسرا لافعل فيه ولاتفاعل معه ..وكنت حريصا على أن لا اقتحمه عنوة وان لا امهد التقرب منه الا عبر اخر نكون قد طورنا انا واياه علاقتنا ببعضنا والباقي افراد مجموعتنا التي تكون فرحة بمثل فرحتي بان نخلق فضاءا أوسع يضم اكبر عدد من أفراد جيلنا وبالتالي ان نوسع من دائرة تعارفاتنا وعلاقاتنا وفرص تبادل الخبرات والمهارات بيننا ..ثم ان نعمل وبشكل اساسي على تطوير وتعميق معرفتنا بانفسنا ..بالانسان فينا وبالانسان الاجتماعي في ترابطاته الاخرى مع الناس والمؤسسات ..كنا نملك اللغة وطرق التعبير عنها ونسعى بكل لهفة وجد لنطورها بالقراءات وحرصنا في اغلبيتنا على أن نتبادل تحصيل الكتب والروايات والمجلات

 وكل ما يقرأ وتبادل قراءته فيما بيننا ..على أن نخصص لكل ما نقراه من حلقات لمناقشته والحاق ما استخلصنا من كل وربطه  بموضوعاتنا الأساسية ومحاورها المتشعبة منافد لادخاله والحاقه بسابق ما اخد يتراكم لدينا من معارف نظرية وعملية انسانية ..لم نكن نغطي على اي نقص فينا او نتظاهر بالجدية كنا صادقين في رغباتنا وفي طموحاتنا كاشخاص وكمجموعات لان نعرف اكثر وان نهتم اكثر وان نتواصل بشكل مستمر فيما بيننا وان نسمح من ثمة لاقتراح اي واحد منا ان يصوغ لنا برنامج لقاءنا ..كان الهم الذاتي المشترك بيننا ان نكون راقين في أسلوب عيشنا وكان الرابط الموحد بيننا على اختلافات احوال معيشتنا ومستوايتها الاجتماعية اننا نعاني بشكل او باخر ..نعاني ولا نريد ان نرهق اسرنا اكثر مما هي مرهقة بتامين ظروف العيش لنا ..كنا نريد ان نضمن قدرا معتبرا من استقلالية ذواتنا عنهم وحريتنا دون ان نصطدم بهم بل ان نحتويهم في رؤيتنا لكيفيات احساسنا بهم هم كذوات وكافراد اسريون واجتماعيون ومدى نجاحهم في استدخال قيهم وقيم الجماعة فينا وكان علينا ان نسلك طريق الحوار معهم ان نمد جسوره اولا فيما بيننا وبينهم  ليسهل التفاهم والتقبل ولما لا اقناعهم بالتفاعل معنا من موقع جديد والتاسيس لعلاقات جديدة فيما بيننا وبينهم ...عن نفسي كنت مهوسا بادب نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ولجيلهم من الكتاب والادباء كما كنت مفتونا برؤى ومواقف الأديبة والباحثة نوال السعداوي ..على أنني كنت مولعا بقراءة كل الاعمال المترجمة من كل اللغات ..لم يكن عندي وقت لاضيعه في عمل اي شيء الا وانا اقراء حتى في المرحاض اقراء ..حتى وانا اتناول الطعام اقراء وان لم اكن اقراء فانا اناقش ما اقراءه وتوقفت عن قراءته لاساهم في نشاط ترتيب البيت او احد فروضه التي ما كنت اتردد طواعية مني في الالتزام بتاديتها ..كنت التهم الكتب ومقالات المجلات والجرائد بمثل ما انا حريص على دوام تخصيص وقت صباحي للاستماع الى محطات الإذاعة الوطنية ووقت مسائي لها متى سمحت ترددتها لبثالبث الإذاعة الجهوية طنجة المباشرة حتى مطلع الفجر ..كنت قد طورت مقدرتي على الانصات والقراءة دون ان افقد تركيزي وحدها بعض البرامج الإنسانية من كانت تستاثر كليا على تركيزي فاضع الكتاب جانبا من يدي لاولى لها كامل حواسي وانتباهي ...كل ما اقراءه يفتح عيني ويوسع مداركي و مخيالي..ويوقظ احساسات جديدة في ..ويفتح شهيتي على اصحابي وصاحباتي الذين اسعد ويسعدون بلقاءاتنا ببعض..بمحاداثاتنا ونقاشاتنا والتي كنت انتهز فرصها لاستذكر ما للتو قرائته او ما يشغلني عميقا التفكير فيه من موضوعات اغلبها اما رصدته  او اثار اهتمامي وانتباهي من مداولة النقاش حوله او بخصوصه في الإذاعة ..

كنت التف على الطرقات واتدبر  بسرعة بديهة طرق الافلات من من لا يتردد على النداء علي بنية توقفي للسلام علي او للدردشة معي او ببساطة ليطلب مني ان ارافقه او يعرض مرافقته لي ...كان لي موعد خاص ..موعد حرصت ان اتدبر تكلفته المادية وخصصته لي والدتي بكل ترحيب على أن يبقى سر بيننا ..امر بعحالة لاقتني الصحيفة المتجددة تحث عنوان "بيان اليوم "بعد ان الفت طبيعتها القديمة التي كانت تملأ اصابع كفي وراحة يدي وحتى وجهي بسواد حبرها واعشق ان اقربها من انفي لاشم رائحة طبعتها ..كانت مفتاحي لارى واطلع  على اخبار الوطن السياسية البائتة .لم اكن من هواة ان الاحق الاخبار الجديدة وموضوعات السبق الصحفي ولأن جريدة "البيان "جريدة تقدمية متأخرة من ناحية الإمكانات المادية والمهنية التقنية فلقد كانت حريصة على أن تتفرد هي بمتابعة كل ما ينشر في الصحف الرائدة الوطنية لتقرا فيه هي بروقان وبمنظورها الحزبي الموسوم بشخصية زعيمها الاول والتاريخي الذي كنا داخل اسرتنا نكن له احتراما جد خاص انه الزعيم "علي يعته "مؤسس الحزب الشيوعي المغربي الذي تحول ليحمل اسم "حزب التقدم والاشتراكية " لم اكن اضيع وقتا في البحث بين عنوانين الصحف وبين ما يظهر من  اسماء صحف عربية وافدة لاول مرة كنت ااجل ذلك لاقرب فرصة اتحصل فيها على مبلغ محترم لاشبع رغبتي في التسوق والتنزه بين رفوف المكتبة و حامل الصحف المعدني او الخشبي المميز ..اضحت لي علاقات مميزة مع اصحاب المكتبات وباعة الصحف الذين كانت لكل واحد منهم طبيعته الخاصة في فرض حضوره الاجتماعي...والتي كنت قد استطلعت عنها وتقصيت عن كل ما أمكن من تفاصيل عنها منذ زمن الطفولة عندما كنت اصاحب على الخصوص اخي الاكبر في خرجاته الاجتماعية بوسط المدينة ..معرفتي بطباع كل واحد منهم وما يستهويه ونقط جدبه وما ينفر منه بالعادة جعلني حتى انا افرض شخصيتي وتحفظاتي الخاصة خصوصا وانني كنت اعرف الانطباع الاول الذي أتركه في النفوس وهو الانطباع الذي لا ينبغي لي ان اجعله يترسخ في ذهنهم عني بل كان لزاما علي ان احوله خصوصا وانهم تعرفوا علي وانا بعد طفل اصاحب احد اخوتي وفي كل مرة من كان يتجرا علي بالملاطفة والمحاكاة يكرر نفس العبارة اليومية التي يكررها الكبار :"لقد كبرت .."وانا في نفسي اردد بنبرة تحد عميقة "انا كبرت قبل الان ومن زمن بعيد ..من اول ان وصلت لاستقر بهذه المدينة .."واعد نفسي بانني في يوم ساجعلها بداية حديث التعرف بيننا وساكسب رهان تحويل ذاكرته عني للابد ..تخيرت مقهى اقصدها واصعد مباشرة إلى سدتها المعدة كطابق علو واول يوم قررت فيه دخولها واعتبارها مقهاي الاثير والسري بعد ان قمت بعدد من الزيارات الإستكشافية لمقاهي المدينة ..خصوصا وسط المدينة صحبة اخوتي وبعض افراد عائلتنا لحين ان استقر راي على تلك المقهى بالضبط مقهى "وادي المخازن "كانت الأولى والاحدث في سلسلة المقاهي التي لا ترتبط بماضي استعماري ..وكانت الأولى  لمستثمر دخيل على الميدان لا سبق أن اشتغل بمقاهي ولا كان والده صاحب شغل بالمقاهي والمطاعم في حقبة الاستعمار والتي تلاها مباشرة اي في بداية الاستقلال ..احببت ان ابدا في الحقبة التي اعيشها انا الان ..في حاضري وحاضر البلد والمدينة ..وان افرض نمط شخصيتي لدى تواجدي بها ..كنت ادخل اليها متجاهلا النظر لاي شخص يجلس بصالتها السفلى والاساسية ومستعدا لتجاهل أية ابتسامة ترحيب او حتى نداء علي من احد معارفنا او اصحاب اخوتي او حتى أساتذة اعداديتنا ...كنت ادخلها وحدي واجلس لزاوية ارى منها ولا ارى منها ارى منها حتى العابرين من الشارع الرئيسي للمدينة "شارع الحسن الثاني"..زاويتي لها ميزة أخرى كانت سارية تخفيني عن تبيني التام من من كان يقصد المرحاض من رواد المقهى وحتى من الباعة المجاورين للمكان الذين كانوا يقصدونها لقضاء حاحاتهم ..لم اكن في حاجة لاتخفى وراء الجريدة التي كنت اطالعها بنكهة جد خاصة وبغاية النظر والإستمتاع والتذوق  لانني كنت افترشها على الطاولة واستعمل قلم الحبر الاسود لااشر على عبارات او موضوعات بعينها كما على اسماء كتابها ومدنهم والهويات التي يقدمون بها انفسهم أو تقدمهم بها إدارة تحرير الجريدة اليومية الوطنية التي كانت تصدر خمسة أيام فقط في الأسبوع ...خرجتي كانت ثلاثة صباحات في الأسبوع اقتني فيها من عدد الى عددين حيث لم تكن الجريدة تنفد من اكشاش الباعة ..لم يكن عليها اقبال وكنت احتفظ بالعدد الذي يحتوي على ملحق بيان اليوم الثقافي الى ثالث يوم أسبوعي لي بالمقهى والذي كان يوافق الاحد بتقدير خاص مني انا ..وهو الصباح الذي تعرف كل المقاهي اكبر توافد لرودها ولكل وجوه المدينة المعروفين وهو الصباح الذي كانت تحلو لي فيه ان اثير المحادثة مع مكتبي جد راق من وانا طفل كان يعاملني معاملة مكايسة وجد محترمة كنت اطلب منه ان يحدثني عن جديد الصحف والمجلات وان يعطني فكرة عن أكثرها انتشارا ومبيعا محليا لكي أعرج الحديث عن الجريدة التي اقتنيها انا واتابع اعدادها عددا عددا ولاسأله عن من يكون الحريص مثلي على متابعتها على الاقل من محله هو بالضبط ولاطلب منه في مناسبة اخرى على. ان يعرفني اليه بصفتي متتبع وقارىء نفس صحيفته ..

لم اكن اعير الجريدة لاي كان وحتى داخل منزلنا كنت اطلب التزامات خاصا بان يحتفظ لي بها وان تعاد لي سالمة كنت احتفظ بكل نسخها واعود مرات لمعاودة تصفحها وقراءة موضوعاتها التي لازلت تثير اهتمامي ..

من المقهى اخرج واعبر ميدان التحرير واتبطا المشي والخطو

امام باحات المقاهي لارى وأرى من روادها متبعا نفس اسلوب وجوه المدينة المعروفين وساستها المتحزبين  والنقابيين وحتى انا ممسك بصحيفتي واقاوم بعد لذة ان امسك بسجارتي السوداء الرخيصة فقط لأن الوقت لم يحن لرفع مثل هذا التحدي عاليا أمامهم هم فقط في مثل هذا الصباح الذي يعني لهم اكثر من طقس اجتماعي وانما فرصتهم لتاكيد حضورهم  وانتماءاتهم السياسية ومكانتهم الاجتماعية الوظيفية والعمالية واوضاعهم التجارية ..كنت انظرني الى أن اصل لمكاني على الشرفة الاطلنتكية وفي قمة الزاوية التي تجمع بين شارع يؤدي الى اعداديتنا "الامام مالك "وشارع اخر يحيط كل امتداده بالبحر ..وكان لي اهتمام اخر بهنالك كنت ارغب في مطالعة الوجوه التي تعبر وتفحصها  وتبين من منها متعود كل ظهر الاحد على المرور من هنالك والتنزه بها ومن اكثر حرصا على رؤية البحر مهما  كانت ظروف وأحوال الجو المتقلبة ..كنت ببساطة اريد ان اتعرف عن قرب من من يكونوا ناس المدينة ..كنت مهتما بان اتعرف على المدينة وناسها وفي كل مرة كنت اسجل علامة على أوجه معينة وعلى من من الممكن ان يعطني اسما وصفة وبعض معلومات أولية عن من يكون اصحابها وكنت اعرف انه سياتي صحبة والدي أساسا وكان عمي "محمد"والذي يعقبه بعد قليل من الوقت ابن عمتي المتوفاة "خدوج ""العربي "والذي يحمل نفس لقبنا العائلي لانه يناسب من جهة الاب كذلك لابناء عمومة والدنا ..وكان هذا أكثر واحد يسهل علي عملية الاستقصاء الأولية التي كنت اباشرها بحكم مهنته ككهربائي منزلي معروف بالمدينة ليحدد لي الجهة السكنية التي يقطنها من يهمني معرفته ولتبدا بعدها عملية ضبط من سيفيدني حقا باستجماع معلومات كافية عنه او سيوصلني إلى ربط علاقة تعارف مع أحد مقربيه او أفراد أسرته المتاحين ..حاول معي اخي الاكبر مرات متتالية ان يعرف مني لماذا اهتمامي بهذا او ذاك ولماذا الحرص بالخصوص على عادة خرجاتي تلك لكنني لم افصح له ولا حتى تلميحا بمرامي البعيدة او القريبة ...ومع الباقي كنت اتحجج في العادة بمجرد الرغبة في التعرف على وجوه المدينة البارزة والمعروفة بحكم انني اقابلها لأكثر من مرة وطبعي ان ينتابني الفضول لا أقل ولا أكثر ...

كنت اعرف انه علي ان اصبر هكذا اوصاني اخي "فؤاد"ان اصبر على رغبة البوح باسراري الخاصة وعن ما يعترني من شك او حيرة او نفاد بصيرة ..كان يقول لي ان اعرف ان طريقي بعد طويلة وانني لا محالة ساقطعها ما دمت متمسكا بالمضي والخطو فيها .. كان اخي لدى عودته في العطل المدرسية من ثانويته التقنية الداخلية بتطوان  يحرص بشدة على أن يدعوني للخروج معه كان يقول لي وهو يكاتفني ويقف بمعانقتي من جديد :"توحشتك اصحابي ...والله "كنا نذخن سوية وكان لا يقدم لي سجارة بالشوارع الرئيسية وبجهات سكننا ومن تلقاء نفسه يرد وكانني سألته لماذا يتعمد فعل ذلك :"عارفك في الوقت من هذ المرحلة محتاج تكسب الناس ..."كنت انظر اليه ويفهم عني دون حاجة للكثير من الكلام كان حريصا على أن نكون مقتصدين في الكلام بيننا على أن نفكر في بعضينا اطول وقت ممكن كان احيانا يطلب مني ان اشك في نوياه أن لا اسلم اذني وكياني بالعاطفة التي تجمعنا وطورنها سوية او فقط اتقبل منه اي توجيه او نصيحة لانه اخي الذي يكبرني قال لي :"بناء الثقة هو الذي يحتاج الى الشك ..فكر في ذلك مليا بينك وبين نفسك .."قال لي في آخر زيارة له للبيت :"وش قررتي دبا ..."نظرت اليه مستفهما فارسل يقول "بقيتي كتمشي للقهوة ..ماما معندكشي معها مشكل ؟!"قلت له بايماءتين نعم ولا ..فتابع :"على ذلك الشي كنسولك وش قررتي تخرج للعلن ..تبين شوي من راسك "بقيت صامتا ولا انظر اليه فضمني لجانبه وطلب مني أن أتكلم وقلت له احاول ان لا اكون مستعجلا فقط فرد علي :"اذن انت مستعد "قلت له :"هذيك درتها شحال هاذي ودبا باقي كنوجد بش منعاود راسي معهم .." "وشنو غدي تدير .."قال لي لاصمت لبعض الهنيهات ثم لاجيبه :"غذي نلبس خويا سمير بالمقلوب وخويا خالد غذي نلبس نيشان وانا غذي نبقى نتفرج عليهم شونوا غذي يبقوا يدير ا معيا مغذيش نتسرع.." عاجبني بالرد :"ايه ..مخصكشي تتسرع ..."مضينا لوقت بدى طويل ونحن صامتين نذخن سجائر شقراء مضى لاقتناءها بالتقسيط عوضا عن ما كان يذخنه معي من علبة سجائر السوداء الرخيصة كنت اعرفه انه مشغول البال يفكر في كيفية تيسير سبلي ..ثم وكأنه يتذكر واقع الحال قال لي :"دبا العطلة سلات شوف مع ماما مغديش تحرافلك معها تمشي انت وياها لطنحة ..خصك  تشوف وتهدر مع فاطمة بالخصوص في هذ شي لكتوجد لو  ومن ثم شوف آسية وترتاح معها غير يومين .."بمجرد ان وجهني كنت قد اوجدت  سيناريوا محادثتي لوالدتي وضمنت ان أحصل على موافقتها لكنني كنت متهيبا لا من مستقبل الايام معي لكن من ما يحملني اياه من ثقة ...

"فاطمة "بنت خالتي هي من عوضت اختها الكبيرة "فاطنة "في زيارتنا بمسكننا ب"القنيطرة " جاءت بها خالتي صحبة ابنها "محمد"لتمكث معنا ولتساعد والدتي في الاهتمام بي شخصيا وهي في أواخر فترة الحمل بأختي التي ستاتي بعدي "بشرى" ولما علقت والدتي على لماذا لم تصحب معها "فاطنة "ردت عليها بنرفزتها العادية جدا :"انا كنعرفش شنو كندير وهذيك باقي خصني نعاود نربيها ونعلمها .."ارادت والدتي ان تستوضح منها اكثر لكن خالتي "زهرة "اقفلت الموضوع بطريقتها الخاصة :"اختي شعندك كتحمقي راسك معاي والله لقلت ليك نيتي حتى ترشق لي وديك الساعة انا نجي عندك ونتحدث معاك .." ..كنت آنذاك على وشك ان اتم عامين من عمري كان كل واحد من اخوتي  تخصص له والدتي ساعة وشكل ملاعبتي وكان الصراع يحتد بين اخي "خالد "و"سمير "على من فيهم يخرجني لامام البيت ..للخارج ويلاعبني ويعلمني المشي لجانبه وحده صغيرهم "فؤاد"من يقف غير متزعزع ومتعصبا غير رائق ينتظر وصول نوبته كان يحملني بين ذراعيه وياخدني لنجلس بالمطبخ ليلاعبني على طريقته الخاصة لعبة الكلمات والاسماء والنعوث والصفات وكان يلقنني بسهولة كل ساعة اكثر من مفردة جديدة وتركيب لغوي جديد كان الكل يقف مبهورا من قدرة اخي على التعاطي معي في الكلام وتعليم الجديد منه .."فؤاد "كان يمانع اي توجيه اخر من اخوتنا بخصوصي اثناء توبته في الإشراف علي ومانستي كان يجلسني على ركبتيه وعيني لعينه ويتحدث الي واحيانا يكافئني ويكافئ نفسه بتقبلي ...مرة عرض عليه اخي "سمير "ان يطلب من ولدتنا السماح لي بان انام معهم بغرفتهم فرد عليه اخي "فؤاد"ان ماما لن تقبل ..ثم اردف قائلا له :",شتي راه وخا غذي تجي اختنا الصغيرة مغديش تسمح فيه ولا تخليه يبقى ينعس حدنا حتى تولي ختنا تضحك وتبغي حتى هي تهدر عاد ديك ساعة غذي تقبل وها انت سول ماما الا متقتيش في "ووافقت امي مبتسمة راي اخي فؤاد دون ان تشرح لماذا ....

"فاطمة "لم يبدوا عليها القلق او الانزعاج لحظة توديع والدتها -خالتي "زهرة "لها ولنا سلمت على والدتها بكل إعتيادية وعادت لتقف مقدمة ظهرها لحضن خالتها والدتي ولتكاتف اخي "فؤاد"الذي كان يحملني كطفله الاثير بين ذراعيه  وهو يطلب مني توديع خالتنا والمنادات عليها وكلما ناديت عليها باسم خالتي تاتي لتقبلني ولتحضننا سوية انا واخي الذي يحملني ..مع "فؤاد"لم اكن لاتطلع  لاي حضن اخر ولا حتى لحضن والدتي ومن ان لم اعد أعطى الحليب بالرضاعة والتي كان يحلو لاخي" سمير" ان يرضعني اياها هو و"فاطمة "بنت خالتي الذين يجلسا لبعضيهما جنبا لجنب كالاشقاء   . بدا اخي فؤاد من يهتم باطعامي خصوصا وانه كان الانجح في حالي ممتثلا لاسلوبه وهادئا دوما بجواره ..ومنذ أن بدات استوعب الكلام وارسم المعاني في ذهني ومخيالي كان لا يكتفي بمجرد الحديث الي وانما يقص علي اولى ذكرياتي التي كنت استوعبها ولا استوعبها باللغة لانني كنت بعد لم اتعلمها وكان حريصا على أن ياخدني للمكان بالضبط الذي احتضن الذكرى التي يذكرني بها ...سيقول لي بعدها لسنوات عمي "محمد":"فؤاد عجيب راه هو لكان صاحبي راه من صغروا هو كيحمقني بالاسئلة ديالوا ومن لي انت تزادتي بغى يولي رجل تربية وهكا جا لعندي وقال لي ياك انت كنتي معلم قريت التربية ودبا خصك تقريها لي بشرط انا نولي رجل تربية .." "فؤاد"كان طوال وقته صامتا ..وكان صمته مختلفا عن صمت اخي "سمير "الهادئ الطبع الذي لم تجد معه امي اي صعوبة تذكر في تربيته اللهم تحسسه الشديد من اي تقلبات في الجو او في الطعام مما كان يعرضه للاصابات المتعددة بالمرض .."خالد "لم يكن محضوضا تماما ..وكان موضوع نقاش دائم بين والدي وبين باقي افراد عائلتيهما ..لم يحضى بجمال فؤاد وانسياب شعره ولا برقة ملامح "سمير "كان راسه يميل لكي لا يكون متناسبا مع حجم جسده ..وكانت جبهته عريضة وبارزة على حول قال عنه طبيب العائلة انه من الممكن إصلاحه لكن يستحسن ترقب ان يمد ويكبر قليلا في العمر لكي يستبعد التذخل الجراحي في مثل حالته ..."خالد"لم يكن ليلتفت لشكله المختلف ولا لشعره الاجعد لان الكل ساهم في اشباعه عاطفيا وفي تقديره والاثناء عليه وحده والدي الذي لم يكن يستسغ ان يكظم بعضا من ما أصابه من خيبة فيه وكان لا يبالي بان يعبر عن اسفه العميق ..الامر الذي نمى علاقة جد خاصة بينهما كان فيها الوالد حريصا على أن يعزز ثقة صغيره البكر بنفسه وان يدفع بكل محيطه العائلي ليسهم في ذلك ..اعطاه درجة عالية من الاستقلال بنفسه وحرص على أن يلعب معه دور الاب الموجه والمعلم في كل حين وفرصة ..كان حريصا على أن يعلمه كل المهارات الفنية والتقنية وياخد كامل الوقت ليلقنها له وليدربه عليها ثم لا يقبل منه بعدها ان يفشل في ترجمتها والعمل بها ..كان لا يغفل عنه ويتعامل معه هو بالخصوص بكامل الاحترام ودونما تدليل ..كان يعرف انه يستعرض من أقرانه للتمييز ولبعض المضايقة ولاشكال من التنمر لذلك كان يريده قوي البنية وقادرا على أن يدافع عن نفسه لكن دون ان يقوى فيه أي توجه عدواني او مرضي ...على ما تجمع عائلة والدي فلقد ربي "خالد"تربية "مخزنية ..تربية قياد (جمع قائد).."سمير "الذي جاء بعده قوا فيه جوانب العاطفة والتعلق واغذقوا عليه من المحبة والحنان وتوصوا به أخاه "خالد"بان لايغار من اخيه الذي سينعم برفقته وصحبته وتابعيته لانه هو الاول وهو الأكبر وهو المحترم دائما وابدا .."فؤاد"جاء في ظروف عصبية كان يمر بها مشوار زواج والدينا ..حيث كلما طالت العشرة بينهما الا وتسرب الملل واتسع الفراغ بينهما ..كان الوالد قد اصبح مدرسا متمرسا في وظيفته وشخصا محترما وكان قد بقي ينسى او يتناسى ظروف تنشئته وحرماناته الأولى ..كان ببساطة قد تراخى وانس أخوته الذين كانوا إذا لم ياتوا سوية للمكوث بضيافته لفترات اخدت تطول في كل ما من مرة يأتي كل واحد منهم لما يغادر الثاني وكانت علاقتهم ببعضهم على ما فيها من تراتبية شبه نذية وكانت الخمرة تقربهم اكثر من بعضهم ..وكان طبيعيا ان تبدا المشاكل والصراعات ..كانت للوالدة مؤخداتها ومطالبها بحقها في ان تشعر بالحرية في بيتها وتنعم بزوجها وبما يكسبه هي واولدهما ..بينما الوالد لم يكن راسيا على قرار ..كان في قرارة نفسه يشعر بانه مدفوع لا طبيعيا ليتصرف على نحو ما يريده الاخرون منه لكنه هو لم يختره عن طواعية ..في مراحل التعرف الأولى من زواجه لوالدتي كان مطاوعا لمنطقها الذي كان يحثه على أن يساعد اسرته أخوته البنات الغير المتزوجات ووالدته ولا بأس بأن يتفكر أخوته الرجال ..كانت هي مرحبة بان يتخلى عن جزء من راتبه كمصروف دعم شهري لولدته وان يخصص مصارف كسوة ولوازمها مرة على الأقل في السنة لاخوته البنات ..مع مضي العمر بينهما و مع ازدياد حاجته ليعوض حرمانات الطفولة وبديات الشباب اصبح يلومها هي على توجيهه لها لمصلحته ولمصلحة عائلته كان يشعر هو بدوره أنه غير حر ببيته لتكرار زيارات افراد أسرته الامر الذي يتطلب زيادة مصروف البيت ويتطلب منه الكثير من إظهار الانضباط ..هو على أن مصاريف أخوته الذكور يمكن ان تكون ثقلا على كاهله الا انها كانت تحسسه برجولته من موقع التراتبية التي تربى عليها ومن اعراف المجتمع الذكوري المغربي ....في هذه الظروف وغيرها من شاكلتها جاء ازدياد "فؤاد". ربما طبعه العصبي وانغلاقه يعود حتى لفترة الحمل به وهو بعد جنين يتأثر بتوتر العلاقة بين الوالدة ووالدنا..ثم لربما لانه لم يعتنى به جيدا ..لم يرسم له دورا محددا وانما بلا وعي منه كانوا يحاولون من جديد تكريس نظام التراتبية بين الاخوة ..."فؤاد "ببساطة سيكون تابعا جديدا للاخ الاكبر وانتهينا ..كانت تربيته صعبة على الوالدة التي كانت تطمح لان يكون مولودها الثالث انثى لا ذكرا من جديد ولانها من جانبها كانت تعاني من خيبات واحباطات انفلات الحبل الذي حرصت على تكبل بها زواجها ومن احلامها التي اخدت تنهار الواحدة تلو الأخرى.."فؤاد"كان عنيفا حتى في نوبات بكائه وجوعه ومتحسس من تركه لوحده ودون كامل الرعاية ..تناوبت العمة الصغرى "مينة "مع والدتي محاولات تطويع عنفه وحدة طباعه العصبية ..كان مقتصدا حتى في التعبير بالكلام وغير قابل للمساومة ولا يلين موقفه الرافض لامر بسهولة ولا بتحايل كان يلزمه صبر من يرعاه ويتواله والكثير من الرعاية ..تفطنت الوالدة لتفرد مزاج ابنها فاعادته لحضنها ووعدت نفسها من أن تلزم تربيته وتسهر على تربيته كما لو انها لم يسبق لها ان ربت اثنين من أخوته ..تعاملت معه كحالة خاصة مستجدة عليها وسايرته في رغباته العنيدة وأحواله المتقلبة واعطته مساحات خاصة ليتحرك فيها بكل استقلالية وحرية وصمت .تكتفي فقط بمراقبته من بعيد ودون تذخل منها او من من تساعدها في الاهتمام به ...عمتى "مينة"كانت مستعدة لان تخلص لدرجة العبادة في تربيته ورعايته وكذلك كان الحال مع ابنة خالتي المراهقة آنذاك "فاطنة "لكنه هو لم يختار ولم يستحود على اهتمام وحب الا من الصغيرة التي اخدت تكبر وبسرعة ابنة خالتنا "فاطمة "التي على قدر استنكارها لطباعه الحادة ولصمته وانغلاقه على نفسه لمحت في عينه بريقا خاصا وذكاءا متميزا واستقلالية متعالية بذاته على حسن ملامحه وثقته بنفسه ..ربما بدات هي الاخرى لمحاولات مسايرته ليس الا لكنها مع تعلقها به اخذت تفهم احتياجاته وتلفت انتباه الباقين لها كحاجته لمن يتحدث اليه ويحكي اليه دون ان يطالبه بالتجاوب الشفاهي معه ..وحاجته لمن يخرجه للشارع ويتمشى معه لكن دون أن يفرض عليه أن يمسكه من يده أو أن يتحوط عليه جسمانيا ..وحتى بالنوم لم يكن بحاجة لمن يحتويه بين حضنه لينام كان يكتفي بان يكون مرافقا وان لا يشعر بانه مستترك وحيدا او مهملا...وانتبه الإخوة لاخيهم الصغير الكبير بدهشة من يكتشفه من جديد "فاطمة "بنت خالتنا التي منذ ان وصلت بشكل رسمي لتقيم معنا مرحليا لحين انتهاء وضع امي لمولودها الجديد ..اخدتها والدتي لتجالسها بصحبتنا انا ابن العامين غير التامة واخي "فؤاد"الذي يكبرني باربع  سنوات وكانت هي تقارب سن اخي "خالد"الاكبر من سمير الذي كان في عمر التاسعة سنوات .."فاطمة "كانت قد تحولت لبنت ظهرت عليها علامات البلوغ لكنه بلوغ لا يشد الانتباه ولا يثير الاستفهام كما ممكن أن لا يثير الاعجاب لانه لم يكن بلوغا متدرجا بل وكأنها نامت وصحت ووجدت لها ثديين متكورين صغيرين تامين النضوج ..كان قوامها يميل للتوسط مما  يفسح تلقائيا ليكون لها ردفين ممتلئين لكن دون بروز فاضح ..كانت في صورة فتاة ،امراة صغيرة وبشعر اسود كث وغزير وساحر ملمسه ..وجهها به استدارة وبعض نتوء بالخذين هو ما ورتثه من امها وخالتها ..كانت مكتملة النضوج وفخورة بنفسها دونما تغنج اختها الاكبر منها "فاطنة "التي كانت اطول منها وبقوام اقل ما يقال عنه انه رائع ومثير ..نظرات "فاطمة "كان فيها مزيج من التحدي والذكاء لم تكن خجولة ولا متمردة بل كانت هادئة ومطواعة حتى انها أنها مستعدة لتتصرف بنزق وليس بغباء لتلبية لك طلبك الغريب او لامنطقي ..بالمطبخ اجلستنا والدتي وتحدتث اليها بشكل صريح ومباشر :"عرفتي يماك علاش مخلتي فاطنة ختك تجي تبقى معيا ..ياك ..دبا سمعني شنو غذي نقولك نساي الهدرة لكانت كتوصيك بها يماك انا خالتك العزيزة عليك انا لغذي نعلمك كتعيشي معنا انت بعقلك وبدتي كتكبري بصح انتي مازال صغيرة ها فؤاد لعبي معه وتونسوا مع بعضيتكم وطارق ديره كبحال ولدك هنني منو شوية وخالد وسمير متزديشي  معهم في الهدرة ولا في الزنقة ضحكي معهم ..تكلمي معهم كبحال ختهم ومتدسرهمشي عليك .. واجي نقولك خالد متخلهيشي يقرب ليك هو ولا عزيزك ..سلمتي عليه وبوستيه وباسك من الوجه من لي جيتي صافي متقربي لعندوا متكلمي لو وخا يعيطليك هذري معاه من موضعك ...ولا توحشتي يماك وخوتك عند متقوليهاليشي بش نعرف انا كيفاش ندير نسردك تشوفيهم ويشوفك ولا نديك انا بيدي وترجعي معاي .. صافي اتفقنا ابنتي العزيزة ..""فؤاد "على عادته كان يتابع كل الحوار وهو متعمد ان يتصنع عدم اللامبالاة ومستمر في ملاعبتي بهدوء كان يجلس بمحاداة "فاطمة " كان ملتصقا بها ولما انهت والدتي صياغة الاتفاق بينهما امالني اليها ليزيد من اقترابه منها وطلب مني أن اقبلها وان تقبلني هي الاخرى ..وهي تقترب لوجهها مني كنت اقترب حتى انا بشكل تلقائي وفي نفس الوقت لارضي مطلب اخي الذي يحبني وأحبه دون ان استوعب كيف وقبلتني وقبلتها لكن قبل أن تنتهي من ذلك كان اخي "فؤاد "قد طبع على خدها هو التالي قبلة ابتسمت لها والدتنا وابتسمت لها بدورها بنت خالتنا "فاطمة "..لكنها بسرعة عقدت عزمها وتصنعت التجهم ونهضت واقفة مخاطبة والدتي باستنكار :"خالتي فؤاد باسني انا طارق بغيت نبوسوا حيث هو بغى يبسوني وفؤادي معرفتشوا كي دار حتى باسني ..وشتي دبا "وردت عليها والدتي وهي تضحك منها وتقلد طريقتها في التحدث والتحامل :"الحامقة فؤاد فين يوصلك فؤاد باقي صغير عند يدوخك ويبقى عليك غير بالبوسان وانتي يعجبك الحال " "فاطمة "كأنها فهمت المغزى ولم تفهم في نفس الوقت ما تشير اليه خالتها بالضبط :"وعلاش اخالتي غذي يعجبني الحال.."ومضت امي اليها لتضمها الى حضنها وتقول لها :"حيث حتى انتي باق صغيرة وفؤاد عندك مقطر من عينك ..ضحكي ولعبي مع خوتك محدك وما حدهم باقين صغار ..".

. .

كنت ابن الثالثة من العمر لما كانا يضعاني بينهما وقد استعد كل اخوتي للنوم في غرفة كبيرة واحدة "خالد "على مرتبة بقاع الغرفة و"سمير "بمرتبة جانبية له قرب مفتاح الإضاءة ونحن الثلاثة سوينا فرشا على الارض  غير بعيدين عن باب الغرفة التي كان يفضل اخي "فؤاد"ان ينام بالقرب منها والذي يفاجئ الجميع ويتفاحئ منه الجميع الذين لا يعرفون متى نام ومتى استيقظ وكيف لم ينتبه اليه احد ..حتى من كان يستيقظ ويريد الذهاب للخارج للتبول متسللا وحدرا كي لا يوقظ احدا كان يفاجئه فؤاد وهو يجده امامه يبحلق فيه ويبتسم في وجهه...لم يكن يتعمد افزاع احد بل كان بهدوءه وابتسامه يمتص فزع اي احد غير والدنا الذي كان يقفز من مكانه لما يتبدى له دائما اخي "فؤاد"من حيث لا يتوقع كان احيانا يصبر عليه حتى يدخل المطبخ وياخد الكوب ويفتح صنوبر الماء ويشرب ويبحث في اواني المطبخ عن ما هناك او ماتبقى من طعام وعندما يهم باطفاء الإضاءة والعودة لفراشه كان ينادي  عليه ويستوقفه ليذهله ويتعحب كيف ومتى دخل وكيف لم يلاحظه ...

"فؤاد"كان يتركني "لفاطمة "لتنيمني في حضنها وكان هذا ما يحصل في البداية يضعاني بينهما ويتسامرا بالقص علي كل الحكايات التي مرت من حولي من قبل حتى ان اخرج من رحم امي لارى النور وكان اخي "فؤاد"يترجم لها كيفيات التعبير المبسط للتواصل معها بشكل جيد ولما كانت تستصعب قدرتها على توصيل لي بعض المعاني كان يتعمد شكل الصرامة معها وياخدني اليه ويدير لها ظهره قائلا لها :"صاف غذي نعسوا معيا "وهي تضحك وتبستسم وتتوسله :"طلق لي العايل ديالي ينعس معاي .."ويمكنها مني وهو يكسر من حدة الموقف وبتعالي يقول لها :"وعيت منعلمك كي تهدر معه وباقي مابغيتش تتعلمي.. القريا وليتي كتطير فيها والهدرة مع العايل ديالك ولو ..." كانا لما يستشعرا  الحاجة في النوم ويبدأ في التفوه والنعاس تحملني الجانب الاخر من جهتها وتدير  راسها لاخي "فؤاد "وتقول له "تصبح على خير اخي فؤاد .."فيطبع كل واحد قبلة على خد الاخر ويديرا ظهرهما لبعض 

 

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...