الجمعة، 5 فبراير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(36) بعيدا عن حنان "هذه..."15 تابع :"23-1"


 في مرحلة مبكرة من حياتي تعرفت على اول حزب ..كانت ايام الانتخابات الجماعية لسنة 1983 وكان حزب التجمع الوطني الاحرار قد اتصل بوالدي طالبا منه ملئ دائرة إنتخابية ووالدي لم يكن له اي نشاط سياسي او حزبي ولا حتى اجتماعي لكنه رضخ امام اصرارهم على تقديمهم لهم باسم الحزب في دائرة سكناه الاصلية على ان يتكفلوا هم بكل امور ومصاريف الدعاية الانتخابية  ..كنت اصاحب والدي للمقر وابقى معه لساعات متأخرة  ..لم اكن لاستوعب تماما معنى الحزب ولا الغرض من وجوده لكنني كنت مستثارا بفكرة ان اعرف وان اكون فكرة واضحة عن الحزب وعن ماهية النشاط به وبدات اسال كل من اقابله ولي معه سابق معرفة ومجال للحديث والنقاش ..وفي سنة 1984 لم امانع في مصاحبة "يوسف ملوك "وحسن العدلي "وعزيز قريدش "لمقر حزب الاتحاد الدستوري ولاحضر اجتماعا تنظيميا لبرامج الحملة الانتخابية النيابية كان من تأطير كاتب الفرع ومرشح الحزب للانتخابات السيد ",محمد البو "وكان يسنده موظف للشبيبة والرياضة يعمل لمصلحة الشباب والرياضة كمدرب لكرة السلة وهناك كان اول لقاء لي مع "محمد ايت السي مبارك "صاحب دكان الحي خارج اطار الحي ..كان "حسن العدلي " هو من عرض علي ان اصاحبهم لهناك وسمعت منهم كلاما متفرقا كنت اخزنه في ذاكرتي دون ان اعيره الكثير من الاهتمام ..كانوا بدورهم يتبعون خطو "يوسف ملوك" وكانوا متشككين في امكانية ان يحصلوا على عرض سخي وبمقابل مادي مغر من ذلك الحزب الذي حسب تخمينهم لم تكن له اية حظوظ في الفوز بمقعد برلماني  ..نفس الحديث سيهمس لي به جارنا صاحب الدكان بعد ان اخدني جانبا واستفسرني عن سبب تواجدي بهنالك ...كان يتحدث لي بنبرة العارف بالخبايا وبهدف توجيه النصح لي ومما قاله لي ان ابقى في نشاطي الفني والثقافي دون ان اترك للاخرين فرصة التلاعب بي وتسخيري في اغراضهم النفعية والمصلحية على الاقل الى ان اكبر قليلا في السن واتمكن من تحديد اختياراتي ...

في سن ابكر من ذلك كنت قد تعرفت على وجوه حزبية شابة من الشبيبة الإستقلالية بدار الشباب المقابلة لمقر قنصلية دولة اسبانيا كانوا على معرفة باخي الاكبر والذي كان ابانها يقيم معرضا تشكيليا بفضاء الدار وتحدثوا الي وعرضوا علي ان انشط مع منظمة الكشاف المغربي بمقر حزب الاستقلال صبيحات ايام الاحاد وخلال ايام العطل المدرسية وطوال ذلك الموسم صاحبت مجموعتي من من يدرسون معي بمدرسة البلدية المختلطة ومن من كانوا يجرون معي تداريب على التمثيل والمسرح المدرسي لنمثل هنالك ونشارك في صبيحات الاطفال وفي بعض الامسيات وكنا نتنقل مابين دار الشباب ومقر المنظمة التي كانت جادة في شان انظمامنا اليها والمشاركة ضمن انشطتها بل وفتح المجال لنتلقى تدريبات على نظام الكشفية وتحصيل رتب فيه ..استطعنا أن نخرج من مشكلة توفير مكان لتدريباتنا عوض عن اسطح منازلنا وكاراج منزل صديق لنا وان بقينا متشوقين لايجاد نصوص مسرحية تناسب اعمارنا وجمهورنا في غياب إمكانية لكي نكتب نحن نصا ولو في حجم مشهد او مشهدين قصيرين  ...بمقر حزب الاستقلال لم اولي اهتماما بمسألة الحزب وكان كاتبه المحلي "السي الزوبير "الذي يشغل وظيف مدير مدرسة ابتدائية يحضر لبعض الوقت لنشاطنا ويرحب بنا ثم يتركنا لحالنا بينما كان كاتب الشبيبة الإستقلالية "المنصوري "يتولى توجيهنا والاهتمام بنا وهو من قدم لنا "حسن لبحر  "الذي يهتم بتاطير وتنشيط صبيحات الكشفية ايام الاحاد .. 

ربما في اول تعرفي على حزب التجمع الوطني للاحرار كنت متشوقا لاتعرف على تنظيماته الموازية من قبل الكشفية قبل ان ابدا بالاصطدام مع مفاهيم جديدة كليا علي ..كان كل هؤلاء الحزبين يبحثون على فرص ليكسبوا على حساب الغير وانهم يطمحون للمناصب وللتقرب من السلطة و....و....

كانت الصورة قد اخدت في الاتضاح لي اكثر فاكثر عن الحزب وعن الانتخابات وعن السياسية في بحر سنة من الانتخابات الجماعية الى الانتخابات البرلمانية ولم اكن لابالي بالتواجد في اي مقر حزبي على أن يكون نشطا ويوفر لنا الفضاء المناسب لنمارس هوايتنا ونقضي به وقتنا الثالث لذلك فضلت فضاء دار الشباب الهادئ وتعامل مدير الدار السيد "محمد المسطاجي "ومساعده "محمد العربي السحيسح "بينما مجموعتي كانت تفضل جو حزب الاستقلال لما يخلقه من فرص لقاء مع عدد كبير من الاطفال والطفلات  ولانهم كانوا بطبيعتهم أميل للشقاوة والمرح من فرض الامتثال للقانون الداخلي للدار وللاشراف المغاير الذي كان يقوم به مديرها علينا و لما كان يوجهنا اليه "السي السحيسح "على اعتباره ممارسا سابقا للمسرح والتمثيل ....

بالمكتبة العامة للبلدية كنت متلهفا على قراءة كل النصوص المسرحية المتوفرة ومن بعدها الروايات والمجموعات   القصصية ..لم يكن نظام المكتبة الداخلي والصارم يسمح بإجراء اي نوع من الإستكشاف لا للفهارس ولا للكتب ..كما لم يكن هناك اي تشجيع يذكر فقط هي النظرات المتفحصة والمرتابة والحادة ولا فكرت جادا في إمكان ان اجد من الكتب بها ما يجيب لي عن الكثير من الأسئلة وعندما كنت  اسأل المقربين من حولي لم يكونوا يشبعون فضولي للمعرفة وحتى عندما يبداون في التحدث فهم غالبا ما يبسطون الامور على ذات الاعتبار المسبق عندهم انني بعد صغير على مثل هذه المعرفة ...

مع "عبدالسلام الصروخ" كان الامر مختلفا كليا إذ أقبل بحماس على افادتي على كل ما كنت اطرحه عليه من استفهامات وأسئلة وقدر مني اهتمامي بان اعرف ..وهذه المرة لم يحلني على واقع وممارسة الحزبين كما كان الجميع بتعميم يحيل عليها وانما وبتقديم وتحليل نظري كان يشرح لي المفاهيم السياسية ويقدمني منها وكلما لمس مني المتابعة والرغبة في ان اعرف اكثر ما كان يبخل علي بالمزيد ...

اما مع"بدر الدين الساخي"فلم يكن  يكتفي بعرض المفهوم وشرحه والاستدلال عليه بشواهد عامة من الواقع القريب نظريا منا وانما بعدما يتعمق في عرض تطوره التاريخي ومدلولاته المختلفة من وجهة نظر العلوم المختلفة اليه والمدارس الفكرية يعود ليبسط كل ذلك لحد انك تشتشربه وبكل يسر وسهولة ..على انه وبذات كرمه يدعوك لتقرا في كتاب سياتيك به ...

شجعني كثيرا "عبد السلام الصروخ"على ان احافظ على الروح التي اسال بها وحثني على ان اتجاوز الإحراج بلا سبب في التعرف على الاخرين وفتح علاقات ونقاشات معهم وكان يجسر لي الهوة مع عديدين كما فعل مع "توفيق العمراني "الذي كنت اعرفه وابادله التحية وشيئا من الكلام او كما فعل مع "محمد عابد"الذي كنت اراقبه من بعيد في طلاته وخفوت صوته وابتساماته المتأدبة ..بعد ذلك ومن تلقاء نفسي اقتحمت مقر حزب التقدم والاشتراكية وجالست شبيبته وتعرفت على وجوه منهم ..كما حرصت على زيارة "توفيق العمراني" بمقر الحزب وجلست لمكتبهم "شبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"..كما تغيرت طريقتي في التحدث ل"حسن لبحر "عضو كتابة الشبيبة الإستقلالية"  ...

كنت اريد الكثير من الاجوبة ومن اقرب المصادر كما كنت على استعداد لاقرا كل ما يوفروه لي من كتيبات او مطبوعات ..معهم تجاوزت تلك الاستفهامات التي كان الكبار يواجهونني بها :"ولماذا تريد ان تعرف ؟! "او "كل هذا لن يفيدك في شيء .."

لم تكن بالمدينة من مقرات حزبية قارة ومفتوحة ونشطة او شبه كذلك من غير مقرات "حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية "اما مقر حزب التجمع الوطني للاحرار فعلى انه كان موجود بشكل دائم ومفتوح الا انه غير نشط بالمرة ليس هناك الا الحارس المكلف بفتحه واغلاقه ...وبالاضافة لذلك كان هناك مقر دائم لنقابة الاتحاد المغربي للشغل التي يظهر لها بعض التحرك من وقت لآخر   لكنها غير نشطة كذلك ...

اما الجمعيات والنوادي فكلها مغلقة على منخريطها وروادها فكان هناك نادي وادي اللوكوس للكرة الحديدية وجمعية نادي الحسنية للصيد والقنص ونادي شباب العرائش لكرة القدم الذي كان مقره بالملعب البلدي كما نادي نجم العرائش لكرة السلة الذي كان مقره ملعب الميناء لكرة السلة واليد بالإضافة لجمعية نادي الموظفين البارز والذي كانت تنظم به بعض النذوات والمحاضرات والاجتماعات العامة والجمعية الخيرية الإسلامية "دار المسنين "العاملة في مجال الشؤون الاجتماعية والخيرية  ..غير ذلك من الجمعيات والنوادي فكانت تعتبر دار الشباب مقرا مؤقتا لها والنشطة منها تستفيد من برنامج  حصتين الى ثلاثة حصص صباحية او مسائية في الأسبوع خصوصا بعد افتتاح دار الشباب الراشدي الجديدة بحي النابص" زنقة السعديين "   سنة 1983 وعمليا دجنبر 1983 /يناير 1984.

وعلى الرغم من اعتيادي دخول حزب الاستقلال من فترة مبكرة من عمري الا أنني ابدا ما اعتبرت نفسي امت بصلة للحزب وعلى توطد معرفتي بمسؤولي مكتبه ونقابته ومنظماته إلا أنني دائما كنت اجدني بعيدا عنهم ..أعرفهم لكنني لا اجزم بانني أعرفهم لانهم كانوا جد متصلين ببعضهم ويكادون لايفترقون عن بعضهم البعض ومرتبطين باواصر عائلية وقرابات بينهم ولايفصحون الا بالعموميات بحضور الاخرين ..والاخرون قد يكونوا اي احد لم يطمئنوا له وكسبوه بحق لجانبهم ليصبح واحدا منهم ..وانا منذ البداية كانت رجلي هنالك و رجل اخرى في مكان اخر ...كما انا نفسي لم اكن افصح عن ما يجول في خاطري ولا عن ما تكون خطواتي اللاحقة ...وحتى لما انفتحت شهيتي على القراءة لم اجد في ادبيات الحزب أو زعيمه التاريخي ما يجدبني اليه ولا في خطاباتهم المغنات بالوطنية  وبالتضحيات الجسام التي بدلوها من اجل استقلال المغرب ما يقنعني ويجعلني اعتقد في انهم كذلك ...

الذي كنت اعرفه عنهم محليا انهم يشكلون شبكات معارف وعائلات حتى لاجد أن الواحد منهم يولد وهو استقلالي ما دام جده وابوه وكل أفراد عائلته استقلاليون ...وان الواحد منهم لما يكبر قليلا ياخده والده او أخاه الاكبر منه للحزب كما لو انه ياخده للكتاب ...وبدى لي ان تكون استقلاليا انما ذلك مثل القدر وانا قدري لم يجعل لي اي احد في عائلتي استقلالي ...وطيلة فترة التمدرس الاعدادي كنا نهزء في قرارة انفسنا وبيننا من اقراننا الاستقلاليين الذين كانوا يبدون مبالغين في حيويتهم ونشاطهم وادعائهم انهم يعرفون في كل شيء وانهم متمرسون في مؤسسات الحزب ...

كانوا مع بعضهم البعض قادرين على أن يغطوا كافة تنظيمات الحزب .. الاطفال للكشاف المغربي والتلامذة للشبيبة المدرسية والطلبة للاتحاد العام لطلبة المغرب والشباب للشبيبة الإستقلالية والنساء للمرأة الإستقلالية والرجال للحزب وللنقابة حسب وظيفه او عمله او مهنته ...وكل هؤلاء من مصدر واحد تشكله العائلة والعوائل الإستقلالية بالتبعية كيف ؟! لا احد يريد ان يعرف كيف او لا يريد أن يفصح عنها ...

كان الاستقلاليون لجانب الاتحاديون وحدهم من جميع الحزبين الذين يوسمون الاحياء السكنية بلون سياسي وتنظيمي مختلف ومن بين كل عائلات المدينة تذكر عوائلهم بانتمائها الحزبي السياسي ..وكان الاستقلاليون اكثر ميلا للدعاية لبعضهم البعض بالانتماء للحزب حتى عندما يهم الامر محلا تجاريا او مكتبة او مكتبا عقاريا او هندسيا او للمحامات ....  فيحرصون على التجمع عنده او مصاحبة صاحبه هم كوجوه  معروفة عند الساكنة بانتمائها الحزبي السياسي ...

بمقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل كنت اعرف ماذا ساواجه ومن ساواجه من كل من اخد يتوافد عليها بعدما اخدت تتسع الحلقة للايعود فيها غير الرفاق وحدهم ..بالتاكيد لم يكونوا ليكونوا من النقابين المحسوبين على الكونفدرالين ولا للشغالين ولا من حزبيهما ..وبالتاكيد لم يكونوا ليكونوا من اي حزب اخر وان ليس معروف على الساحة المحلية ..ربما يكون بعضهم من حزب التقدم والاشتراكية. الذي كان يفتح صحيفته بيان اليوم لتنشر فيها مكاتب نقابة الاتحاد المغربي للشغل لكنهم محليا مكتفون بانفسهم وبرفقتهم ومقرهم الحزبي الذي حتى وان اختفى يعود للظهور في مكان ما من المدينة ويحاول أن ينشط على رغم الاتهام العام  الموجه اليهم بأنهم شيوعيون ...وبالتاكيد لم يكونوا من الذين شكلوا تيارات او أجنحة داخل احزابهم الأم لأن هؤلاء كما كان معروفا ظلوا متمسكين بالتواجد والانتظام داخل مقرات احزابهم رغم اختلافاتهم والى ان يحسموها لم يفكروا في الانفصال عن الحزب للانظمام لاخر او النشاط في تنظيم نقابي مغاير وحتى الذين انظموا الى نقابات غير تقليدية كاتحاد النقابات الشعبية التابعة لحزب الحركة الشعبية اغلبيتهم لم يكن لهم اي انتماء حزبي او سياسي وانما بحكم المصالح والمنافع انضموا مع نقابة الأغلبية القطاعية كما حصل مع رجال التعليم والصحة الذين انظموا للكونفدرالية والاتحاد العام للشغالين دون حزبيهما ...

بنقابة الاتحاد المغربي للشغل كنت اعرف ان كل واحد او كل ثنائي سيحاول ان يجدب الأطراف الغير المنتمية او المسيسة لجانبه والكل يرفع سقف الاستقطاب عاليا لان الكل عبارة عن أقلية تمارس السياسية وان الخط الواصل بينها عموما هو اليسار وان الكل يبحث عن الشرعية في أفق الانتظام او مرحليا سيحاول التسلل لاكبر عدد من التنظيمات الجمعوية والمكاتب النقابية ليمارس التعبئة وليحاول السيطرة على مكاتبها والظهور بمظهر الاقوى على الساحة السياسية المحلية..بدر الدين الساخي كان يبدوا مسيطرا على الوضع وواضح لحد بعيد مع الجميع ورحب بالجميع ولم يكن ليملي أية شروط على اي كان منهم ..كان ببساطة يحاول أن يلغي أية حزازيات او حسابات قديمة على الرغم مما بدى انه فتح للدفاتر القديمة بين مجموعات وبينه كان النقاش بينهم محتد ويبدوا انه بلا نهاية ...

انا وقفت نفس موقفي لم اكن اتفرج وانما اراقب وكففت عن اقتراح اي شيء بل حتى على مستوى نشاط النادي صبيحة ايام الاحاد مع الاطفال فضلت ان يتعطل أن لا احاول كما كنت افعل التمسك باستمراره ولو في حدود ومع مجموعة صغيرة من الاطفال ..بدى لي اننا كبرنا على هذه التجربة التي خضناها بكامل الجد والعزم والنشاط ..واننا اعطينا فيه الكثير وحان الوقت لكل واحد منا أن يبدأ في طريقه الخاص ..الشريف في السينما والگراب في الموسيقى وبلقرشي في العمل الحزبي الذي اخده جزئيا منا وانا لأرتب اوراقي واتفرغ قليلا للقراءة ولنفسي ...واختى لحياتها بعيدا عن كل هذه العوالم ....

كنت ادرك واحدس ان النهاية قريبة بيني وبين هذه المرحلة لامر لمرحلة اخرى لانني هنا ومع كل افراد المجموعة قد استنفدت كل دواعي تواجدي الذاتية والموضوعية لابقى لصيقا بهم كنت اعرف انه سيصعب علي قليلا ان ابدا من جديد ومن نقطة أخرى وان أألف اجواء و اماكن ووجوه جديدة... كانت اخر مجموعة جديدة تعرفت عليها عن طريق صديق اخي فؤاد "سعيد العمراني " وكانت من ابناء حيه "عبد الحق شهبون .سعيد ركالة .عبدالحفيظ صبحي وعبد اللطيف صبحي اخاه.وطارق طريبق .."وجدت مكانا لها بجانب الاخرين بالنقابة ولحد بعيد وجدت توزعي بين كل هذه المجموعات قد بات  مرهقا ومكلفا وبغير جدوى او لاقل انه حقق جدواه المرحلية واصبح ياخد اكثر مما يعطي لي وان في حدود ..لقد كان  يعدمني الوقت والفرص لاتعرف واعيش اكتشافات اخرى اتحدى فيها نفسي واتعلم منها واحقق فيها بعض الرضى عن ذاتي ...  وعلى طريقتي جعلت "سعيد العمراني"يقترح علي ان ننشط حزب الحركة ونقابته اتحاد النقابات الشعبية  التي كانت طريقه للتعرف على السيد محمد بديع العمري  وذلك بحكم عمله في قطاع البريد والاتصالات واختياره ان ينظم لنقابة البريد والاتصالات التابعة للاتحاد النقابات الشعبية مادام وزير البريد والاتصالات السيد محند العنصر هو الامين العام لحزب الحركة الشعبية ومصلحته تقتضي منه ان يتحالف مع الأغلبية القوية وهكذا طلبت منه ان يرتب لي اوضاع التقرب للحزب واللقاء مع السي محمد بديع العمري ...

في الفترة الأخيرة من عمر نادي الافاق كنا ننشط مع اطفال وبالغي الاحياء التي نسكن بها ومع اخواتنا واصحابهم وصاحباتنا وكنا جميعا نسهر على تطوير برامج اشتغالنا واشكال ممارساتنا الفنية والثقافية والتنشيطية  وكنا نغطي دائرة سكنية واحدة واسعة ومتقاربة كما يجمعنا ببعضنا كلنا الكثير من الروابط والمشاعر وسهل ان يتعرف جميعنا بجميعنا..ويساهم كل قادر منا على تنشيط ورش وتسيير نقاش او الاشراف على مجموعة عمرية ..كان النادي قد عبر الى مرحلة مغايرة تماما على ما بدا منها وعمل عليها في سنواته الأولى حتى بات اقرب الى الجمعية السياسية منه الى نادي يهتم بالتربية غير النظامية وفي وضعه داخل فضاء النقابة التي وجد اليسار طريقه اليها لم يكن مقبولا ان نمارس وصاية على اي من روادنا وفي نفس الوقت ان لا نكون من نخلق الفرص والمناسبة لاستقطابهم من أي طرف كان وعلى أية حال هذا ما لم اصمت عن قوله لاصحابي ورفاقي من مجموعاتي الذين كانوا بالاساس بجانبي ومعي وبجانب افراد مجموعاتي الاقرب لا مع النقابة ولا مع اي تيار أو تنظيم اخر ...                

يوميات: عوالمي السرية..(36) بعيدا عن حنان"هذه..."15 تابع :"23-1"


 

الأحد، 31 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(35) بعيدا عن حنان"هذه..." 14 تابع :"22-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..(35) بعيدا عن حنان"هذه..."14 تابع :"22-1"


 لما قررت الابتعاد لم افكر في الانسحاب ولا فكرت في مهادنة الاجواء ولكنني كمن اختار ان يقتصد في الحركة ..ان يخرج من القطار الذي يركبه ليعاود تفحص وادراك السرعة التي كان يمضي عليها ذلك القطار ..كان راسي يعج بافكار كثيرة حد التشوش..كنت اعاني من حالة ذهنية قريبة من الخلط .لا اعرف ان فقدت معها القدرة على تحديد اتجاهي او سقطت في براثين من يملي علي قراراتي ويحدد لي اتجاهاتي  ..كنت اعج بانفعالات متناقضة فانا في حاجة لاثباث ذاتي لكنني في ذات الان لا اريد ان اتورط في الاوهام ولا ان انساق مع اللغط الاجتماعي وادور كدابة الساقية لاعيد انتاج خوائي ..ولا يمكنني ان اظل مستعرا ..اقتات من أعصابي ومن جسدي باصطفافي خارج اللعبة الاجتماعية مجرد مراقب ،اعزل ..غير فاعل ..  

عندما قررت الابتعاد كنت مستوعبا تماما لمن كان يهمه ان ابتعد ..ولمن حاول ان يزيحني من الطريق ..ومن اماكني ..ومن فضاءاتي الحبيبة ..ولمن حاول اقصائي ..ولمن حاولوا محاصرتي...

عندما قررت الابتعاد لم اكن مهزوما ولا كنت ضعيفا ولا كنت يائسا او حائرا ...لكنني كنت بعكس ذلك تماما ..كنت قويا بما يكفي لاختار ان اغير من مسلكي ومن محيطي ومن نظرتي ورؤيتي للاشياء التي اعتادت أن تؤثت المشاهد من حولي ..وكنت مدركا وبحدس قوي بان العالم نفسه تغير ويتغير للايعود كما كان ابدا ... 

بداية التسعينيات ..بداية تفكك منظومة دولية وسياسية وايديولوحية عمرت طويلا هي وحربها الباردة التي انتهت رسميا مع سقوط جدار برلين في نهاية سنة 1989... هل كان يعني ذلك هزيمة الافكار الكبيرة وكل ما شكل المبادئ والقناعات ..؟! هل كان يعني ذلك انتصار الغرب وثقافته وبالنسبة لنا انتهت الحرب وانتهت حاجتنا لجزء من تلك الصحوة ...؟!! ..

بداية التسعينيات كنت قد  اخدت مسافة من الرفاق وكنت قد ودعت مقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل بشكل رسمي على أن لا شيء كان يمنعني من دخوله والمكوث به رفقة من ظلوا اصدقائي ورفاقي لكن دون ان انشط به او اساهم في برامج الشبيبة العاملة المتحولة والتي كانت تعد العدة لانقلاب على كتابة الفرع بعد ان سيطر "اليساريون " على المقر ..كنت أعرفهم واحدا واحدا لكنني لم اعمل على كسب صدقاتهم ..لم يكن عامل السن وفارقه المشكلة ولكنه مزاجي الذي يرفض التعاطي مع اصحاب الأفواه الكبيرة والذين يصنعون الفرق صنعا ليغطوا على نواقصهم ... كان منهم من يشغل وظيف التدريس الاعدادي و الثانوي وكان منهم من للتو تحصل على وظيف ومنهم من دخل للتو مدرسة تكوين رجال التعليم الابتدائي..بالنسبة لهم كانوا ينتظرون الوقت الكافي ليتعرفوا علي او بالاحرى ليدرسون امكانيات التعامل معي لانهم لم يكونوا ليتعاملوا معي كما أنا في ذاتي ..بالعشرين سنة التي هي كل عمري ...كانوا يبحثون عن الجزء الذي يصلح ان يتعاطوا فيه معي لانهم لم يكونوا ليقبلوا ان نترافق ونتصاحب ..ولم يكن حرصهم على ايلاءي بعض الاهتمام الا كمثل اعتراف بانني من فتح لهم الباب ليفكروا في استخدام مقر النقابة كفضاء لتجميع مكونات اليسار والحركة التقدمية بالمدينة والاستفادة من غطاءه ..كانت بينهم سابق معرفة ومحطات نضال  وتاريخ مشترك ونقاشات مفتوحة كنت غائبا عنها وكان بينهم ود ولقاءات سمر وشراب لم اكن حاضرا فيها ..وبينهم مشاريع وافاق يعولون عليها لم اكن ضمنها ..بحسبة جانبية هم من يملكون القرار في ضمي اليهم من عدمه ..في اشراكي وايلاء دورا اساسيا او ثانويا ..وبحسبة جانبية وبعد ان ألفوا المقر والقدوم والاجتماع به  وراقهم الجو ومدوا اقدامهم فلا شيء عاد بإمكانه أن يزحزحهم منه وانا مجبر بشكل او باخر على القبول بهم اذا اردت ان اكون "شيئا"في معادلة وجودهم لكن هذه هي الإشكالية معي لانني لم افكر في يوم في الانظمام إلى جماعة يسار او أو الى أي اتنظيم اخر وحتى استقطابي من طرف الكاتب المحلي للفرع "فخر الدين .."كان استقطاب نادي ينشط في التربية غير النظامية لمقر شبه خالي ومهجور وكل المكاتب القطاعية الممثلة بالفرع تكاد تكون اسمية وبالكاد بضع عناصر أحادية من كل مكتب نقابي من كانت تأتي بين الحين والاخر مع "فخر الدين "او لتسال عنه ..لم تكن تعقد اجتماعات لا اسبوعية ولا شهرية ولا من نشاطات تعبوية او نضالية ..الكتابة المحلية كانت تسعى بشكل فردي في التعاطي مع بعض مشكلات العمال او الباحثين عن عمل مع إدارات العمل أو منذوبية الشغل او لدى السلطات العمومية وكانت تجدد لنفسها مكتبها دون جموع عامة لتضمن استمرارية تواجدها الذي كان يوشي بأنه كسبي ومصلحي ..الكاتب العام المحلي كان هو النقابة ومعه طالب جامعي يسنده هو الشبيبة العاملة ..الكاتب المحلي ممرض اعزب متفرغ للعمل النقابي يتخد غرفة بالمقر كسكن له وأحواله الصحية متعبة من اكل الشوارع ومن الرطوبة التي تعشش جدران المقر القريب من شاطئ البحر ..والكاتب المحلي للشبيبة العاملة "عبد الخالق الحمدوشي "في أغلب الأحيان بتطوان وعندما يقدم للمدينة يظهر بصحبة "فخر الدين "يظهر دون ان يتدخل في نشاطنا او يطلب اشاركه فيه وان بدى مع الوقت اكثر ميلا للجلوس معنا خصوصا في امسياتنا .واخد يكون او يسترد علاقاته ببعض منا امثال "عبد السلام الصروخ "و"بدر الدين الساخي "....واصبح وضع النقابة والفرع من صميم النقاشات التي تثار بيننا ويبدى حولها عدد من الملاحظات والرغبات  في المساعدة على تجاوز عقباتها وتنشيط ادوارها واحياء مكاتبها ...

نحن كنا اقران ..ابناء جيل واحد متقارب في العمر ونعيش تقريبا نفس معانات وجودنا ونفس الصراعات النفسية والاسرية وان لم تكن بنفس الحدة .."الصروخ عبد السلام"و"بدر الدين الساخي"لم يكونا من جماعتنا الأصلية وان تقاربنا لدرجة حميمية واصبحنا اصدقاء وأصحاب ورفاق ..ومعهما معا لانهما كانا الباقيين من فرقة كانت تشتغل على المسرح ومسرحية "الأقدار "كانت ايام الاعداد لها وعرضها بدار الشباب فرصتنا للتعرف عليهم ونحن نهوى المسرح والتمثيل ونحن نشكل مع بعض (الشريف محمد الطريبق .محمد الگراب .رفيق بلقرشي .اختي بشرى ) نادي الافاق بدار الشباب الراشدي وارتبطنا بداية باعضاء الفرقة "حسن العدلي . عزيز قريدش .يوسف ملوك ".الذين حاولوا توجيه تداريبنا المسرحية لكنهم لم يكونوا جادين تماما ولا ملتزمين وبعد وقت من الزمن كفوا نهائيا عن القدوم للدار بينما كان "بدر الدين الساخي"بتقاسيم وجهه الحادة وبانفعاله وعصبيته المكضومة حريص على زيارة الدار والوقوف لسبورة اعلاناتها وتذخين سجائره ببابها او على الرصيف المرتفع قليلا المقابل للدار وكان احيانا بصحبه "عبد السلام الصروخ" او يلتقي به هنالك لانه على غير "بدر الدين الساخي"كان حريصا على التطفل على أنشطة النوادي والفرق الناشطة بالدار ويستمتع برفقة روادها والتحدث اليهم وكان يبدوا اكثر اجتماعية من "الساخي "الذي كان يتمتع بشخصية قوية وكارزيمية وكان يدهشنا بسلوكه المعاكس لمظهره اذ كان جد ودود وطيب وعلى صلاة واسعة بكل اولئك الطلبة الجامعيين الذين كانوا يتدفقون دفعة واحدة حينما يكون هناك نشاط ثقافي كمحاضرة او ندوة او حلقة دراسية هم واولئك الذين كنا نعرف عنهم انهم ينتمون لشبيبات حزبية كشبيبة حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وشبيبة حزب التقدم والاشتراكية والشبيبة الإستقلالية ..ويزيد من دهشتنا ان كل عابر من طريق الدار على اختلاف حرفته او مهنته او منطقة سكناه كان يناديه باسمه المتداول "بدرو"  او "الساخي "كان شخصا معروفا ومقدرا ..ومعنا وجدناه ذا صدر رحب يتسع لكل نقاش وقدرنا فيه عقله المنفتح والعميق ذي المعرفة المترسخة ..كان يحب القراءة وفي معظم الاوقات كان يحمل كتابا او اكثر من كتاب ..واحد يقرا فيه والاخر من اجل اعارته لصاحب له طلبه منه او هو ببساطة من عرض  ان يزوده به لتوسيع النقاش بينهم ...

"عبد السلام الصروخ"و"بدر الدين الساخي"لم يتحولا معا لصديقين لنا وانما كل واحد منهما صادقنا على طريقته واسلوبه الخاص ومعهما معا لم نشعر بآية تبعية او احتواء من نوع ذاتي خاص ..بيننا تكون احترام متبادل وتفاهم مشترك يقدر خصوصية كل واحد منا ولم تكن فيه تلك النزعة الفوقية الاستاذية او الأبوية او الأخوية (الاخ الاكبر) ..كان بيننا قدرة على الانصات والتحاور والنقاشات التي اتت بيننا على حدة  نبرتها كانت تلين ويتخللها كم رائق من الضحك والتفكه والسخرية المريرة ...

عرفناهما في ادق خصوصيتها وعاشرناهما ..كانا اكبر من ان يسقطا في نقاشات الذوات وفي التعاطي بلغة الحزازيات وحتى لما توسعت حلقاتنا ظلا محافظين على مسافة خاصة في التعامل مع كل واحد او كل زوجين قريبين من محموعاتنا على حدى ومقبلين على التعاطي معها بأشكال منسجمة ومغايرة لما غيرها ..كانا قادرين على تفهم خصوصية كل علاقة في مجموع علاقاتنا ببعضنا وقادرين على أن ينظما خلافاتنا دون سياسية تأليبية او انحيازية ودونما خداع ...

نحن كنا نكون فيما بيننا مجموعة رفاق وكان يسكننا ذلك الهم في ان نكبر على مرحلتنا السيكولوجية والنفسية بكل ما يطبعها ويثبتها من تنميط اجتماعي وثقافة شعبية وان نتجاوز السقوط في العبث والعدم او في دوامة الاجترار للافكار وللمخدرات وللاوهام ..ولما حدث ان عرفنا بعضنا البعض بباقي اصدقائنا ورفاقنا وتوسعت شبكة علاقتنا اكتشفنا كم نحن نكبر في ذواتنا وفي رؤيتنا للامور والأشياء ...

مع "الصروخ ","وبدر الدين الساخي" لم يحدث أن تعاطينا بمنطق سياسي ضيق ولا تداولنا في الانتظام على شكل معين ومحدد ولا حتى على مستوى الافكار لم نشعر بأنهم اوصياء علينا ويسعون الى توجيهنا ايديولوجيا وخندقتنا في فكر معين ..كنا احرارا في قناعتنا وعلى ذلك الأساس كنا نتصارع ونتقارع في الافكار ومع الافكار ...

بمقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل حدث ان وجهنا بنقد لسلوكنا سواء تجاوزناه او لم نتجاوزه فلم نقف طويلا عنده وانما مررنا منه لنعقله على المستوى الفكري والسياسي وكانت فرصتنا لنقرا في  النقد والنقد الذاتي وفي مسألة العمل الجمعوي ولنتجاوز  كذلك حالات الفراغ والملل والاحباط التي كانت تواجه بعضنا او كلنا بدرجات متفاوتة في الوعي بها ..  

انحسرت مجموعتنا عن اشخاص منها مع انتقالهم من مرحلة التلمذة للجامعة او لاختيارهم الالتزام مع اسرهم والاشتغال الى جانب رب الأسرة ومع ذلك لم نفكر لحظة في انهاء  ما داومنا عليه لفترة طويلة من اللقاءات والاجتماعات  بمقر النقابة بل لعلنا تعودنا الاستمرار مع من يحضر في انتظار ان يغيب ليحضر الاخر او ليحصل ان نتحصل الاجتماع الكامل بكل افراد المجموعة ...لاتعرف كيف كنا مصرين على المضي قدما رغم فضاء النقابة المظلم والكئيب ورغم جو المدينة الرمادي طيلة فترة الشتاء واول الربيع ..لعلنا على ذلك النحو استطعنا أن نخلق إمكانية أن نثير الاهتمام ونجلب مبدئيا رغبة الاخرين في الانظمام الينا ومشاركتنا نقاشاتنا المفتوحة حتى انسوا المكان والفضاء وبرنامجنا .الذي لم يكن ينتهي بمجرد خروجنا اخر المساء وبعد مضي ساعات  من الليل وانما كان يستمر ونحن ناخد ممشى شارع محمد الخامس وساحة التحرير ونحن ناخد طريق ايصال كل من اراد مغادرتنا لمنزله حتى تنتهي ثلاثة أفراد ثم فردين ونستودع بعضنا ..

مع الاخرين كان صعب ايجاد رابط كل يوم للتحدث الجاد والتحاور ولم اكن من من يستسغ احاديث كل يوم وقول اي شيء وعندما يكون هناك حديث دائر بينهم يصعب كذلك التطفل عليه خصوصا لما يبدوا انه حديث ابتدأ قبل الان وحديث ممتد ..

ليس سهل اقتحام الاخر وفرض ذاتك عليه او استعراض قدرك ليعيد اعتبارك خصوصا مع وجود فارق السن والتجربة واختلافها ومع كل المترسب عندنا اجتماعيا  حول العلاقات والاجيال   ... 

انا نفسي لم اسعى لتكسير نمط كسب العلاقات لا لانني لم اكن لاقدر عليه ولكن لانني لم أجد داخلي الحافز للفعل ذلك ...كنت مشغولا بيني وبين نفسي بالتفكير في المستقبل ..وكنت مهموما بالحاضر المبعثر ..ولم استشف حاجة في ان أقصر تجربة تطوري على نفس المجموعات التي كانت تفد على النقابة والتي كنا نتفاعل معها لانه بدى لي تطور مخصوص لا يفي بما اتطلع اليه وبما ابحث عنه وبما قد يخدم مصلحتي الشخصية حتى انا كذلك ...وكان اهون عندي ان اخوض تجارب جديدة وابدا على مسارات مختلفة من ان افقد القدرة على توجيه نفسي او اعدم الاختيار ..

بعد كان بامكاني ان اناور لاتخلص من الضغوط التي تمارسها علي اسرتي ..والدي واخي الاكبر والبداية من مكان اخر او في مجال آخر ومع زمرة رفاق جدد وفي فضاءات مختلفة كان انجح مناورة يمكنني اتباعها وانجع سبيل يمكنني الحصول فيه على المزيد من الخبرات والمهارات والمعارف ...

 لم اهدم اي معبد فوق راسي ولا تحولت عن ما امنت به من افكار ومبادئ ولا هجرت الاصحاب والرفاق ..كنت لا زلت انا هو انا بكل وفائي لنفسي ولمن عاهدتهم على ذلك كل ما هناك انني كان يجب ان اكبر قليلا على نفسي وان انظر الى الأمام ..

كنت في وضع العاطل عن العمل وبلا مهارات حرفية او تدريب تقني مهني وضجر من ان اجدني جزءا من الوقت الثالث بالنسبة للآخرين اكانوا طلبة او تلامذة يدرسون او موظفون او عمالا ..ولم يكن وارد في خطتي ان احترف الاشتغال بالعمل الجمعوي او السياسي ولا ان اقدمني على شاكلة برجوازي صغير ..كنت مستعدا لان ابدا في اي مجال او عمل قار يحفظ لي كرامتي ويحترم انسانيتي ويوفر لي حدودا للعيش الكريم وكان هذا من جملة الاسباب التي جعلتني مستثارا عصبيا وغير قادر على الاستمرار مع الاستاذ بديع ولا مع جريدة الحزب "جريدة الحركة "وتركتهم دون ان انظر ورائي ....وعدت لارفض الاستمرار في العمل لصالح الإدارة حين بدا التسويف والتلاعب بي وتركت الساحة كلها وخرجت اسيح في الطرقات والخلاءات المجاورة  الغابة ولشاطئ البحر الصخري بكل انواع القلق الذي ابتليت به وبكل الخوف الذي كان يعتمل داخلي...

عشت اياما عصية وجد صعبة حسبت فيها انني فقدت السيطرة على مجريات حياتي وانني انقلبت على نفسي وضيعت الطريق وعبثا كنت احاول لملمة تبعثر ايامي وشجاعتي وثقتي بنفسي ...كنت ادرك ان دور اللامبالي واللامهتم لا يناسبني كما ان لباس المتحدي لن يصونني وقد يوقعني في بئر بلا قرار .. ومع ذلك لم ابرمح لاي عودة لاي محطة سابقة من حياتي ..ما من مجال للتراجع حين انني كنت املك كافة اسبابي الذاتية والموضوعية لكي لا اشك في سابق قراراتي التي اتخدتها تحث الضغط او بمعزل عنه الاساسي عندي انني اتخدتها بكامل حريتي وقناعتي ولا همتني كثيرا العواقب او ما يحسبه الاخرون عني ...                

      

الثلاثاء، 26 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(34) بعيدا عن حنان"هذه..."13 تابع :"21-1"


 

يوميات:عوالمي السرية..(34) بعيدا عن حنان"هذه..."13 تابع "21-1"


 الجيل الذي انتمي اليه أنهى دراسته او انقطع عنها ...الجيل الذي على احتكاك به تجاوز عمره الثلاثون بينما انا بالعشرين سنة ..ربما يبدوا سنا حديثا ولازال المستقبل كله بين يده وملا نظره ..هذا لو كان يعرف ماذا يريده وماذا فعلا يقدر عليه وما هي الإمكانات المتاحة على أرض الواقع ...؟!! ..

المدينة امكاناتها جد محدودة وكل الانظار متجهة لامكانات التوظيف بالقطاع الجماعي بالبلدية او بالعمالة او باحدى الادارات العمومية توظيفا مباشرا لانه كلما هم الامر مباراة توظيف وطنية بدت الحظوظ جد بعيدة ولا من نتيجة مضمونة حين أن الفرص الحقيقية للتوظيف غير متكافئة ..والتوظيف المباشر عبارة عن خوصصة للمناصب لصالح المقربين والمحسوبين على الإدارة أو المنتخبين الذين يسيرون المدينة او بلغة الواقع هو فرصة لمن يملك دفع العمولة وحصة سمسار الوظيفة ..

زمن المدينة في بداية التسعينيات كان زمن حزب الاستقلال الذي تحمل مسؤولية تسيير شؤونها الجماعية منذ سنة 1983 وتم تمديد في عمره .لذلك كان طبيعي ان تخصخص الوظائف المباشرة للاستقلاليين وللمقربين منهم ..طبيعي ان يستحصلوا على نصيب الأسد من الوظائف والبقع الأرضية والمنح والرخص وكل الامتيازات .. وطبيعي ان يطمئن اي استقلالي لخدمات أية إدارة او مصلحة مادام للحزب مسؤول ورجله في كل إدارة ...

أية معرفة نظرية او أية قراءة في  خطابات الحزب على الصعيد الوطني وبين ممارساته على أرض الواقع تكاد لا تستقيم ولا تصلح ولا ينبغي الركون على الاقل لواحد منهما ....

ممارسة الحزبين منه كانت دائما تصب لصالح الحزبين والمنظمين معهم وكلهم يعملون كجماعة مصالح واحدة وكشبكة نفود تقوت منذ استقلال البلاد الى زمننا الحاضر عبر تمكين اعضاء الحزب وكوادره من أهم المراكز والوظائف بالوزارات وبالمؤسسات العمومية في عهد كل توزير او تعيين في المناصب العليا  يكون من نصيب الحزب حتى ان الوطن اقترن عندهم بحزبهم وبانه لهم وليس لغيرهم ...

ناس الحزب طيبون وودودون لكن ليخدموك بحق يجب ان تكون معهم ليستفيدوا منك كما تود انت الاستفادة من خدماتهم ..خدمة ترهنك وتموقفك او على الاقل تبصم سجلك السياسي الحزبي ...هم اكثر من منطقين  مع انفسهم وتاريخيهم وتواجدهم الحزبي مترسخ في مشهد مغرب الاستقلال ويكاد يكون من بين جميع الأحزاب المغربية التي استطاعت ان تفتح لها مقرات في جل التراب الوطني وحتى بالعالم القروي والنائي .ويكسبوا نفوذا لهم..

ناس الحزب يرفعون صوتهم عاليا وهم يتحدثون عن مواقف فريقهم النيابي وامانتهم العامة وصحافتهم الرائدة لكنهم لا يجراون على أن يناقشوا اوضاع المدينة وتسيرها وان اوشوا بشيء فللتمويه ليس الا ...

مقر الحزب يعرف نظام مداومة مزدوجة واحدة خاصة بالاتحاد العام للشغاليين واخرى للمفتشية الإقليمية للحزب ولباقي هيئات الحزب الشبابية والنسوية والتلمذية والكشفية ودائما هناك من ينتظر على الباب او بذهليز المقر لانه دائما هناك راغب او طالب لخدماتهم وخدمة مقابل خدمة الا ان البطاقة الحزبية او بطاقة الاتحاد هي الأولى قبل اي نقاش معقول ...قد يقول قائل ان كل الاحزاب قد تشرع لمثل هذه الممارسة ونقول لو لم يكن حزب الاستقلال من اقدمها ومن اول من تسلم الحكم وراهن على أن يبقى بيده لوحده ...

العرائش ابتليت بناس يجيدون اللغة الاسبانية احسن من اللغة العربية واي تقصير او خلل يلاحظ في تسير مرفق عمومي او في الاشراف عليه شان نظافة المدينة او مراقبة الاسواق او حال الحدائق اول ما يخطر على بالهم ويتحدثون عنه هو حال المدينة ابان الاستعمار الاسباني وتراهم يتكلمون بحنين لزمن الإقامة الاسبانية وعن شان المعمر الاسباني ...ناس لا يخطر على بالهم ان ينتقدوا السياسات العمومية أو الحزبية ولا ان يرفعوا من الوعي والحس الوطني وانما هم وكانهم فقدوا القدرة على الاندماج مع كل ما هو وطني.. وطني ومع ذلك فاغلبيتهم كانوا يدينون لحزب الاستقلال ويصوتون لصالح مرشحيهم ربما فقط لكي لا يتهموا بالخيانة العظمى على انهم في دخيلة انفسهم وفيما بينهم ودائما بلسان اسباني وفي نوادي اسبانية او بمقاهي لاصحابها الاسبان او لمن ظل لجانبهم الى اخر لحظة منذ ان قرروا الرجوع طواعية لديارهم بعد سنوات على الاستقلال كانوا يلعنون كل ما هو مغربي او على الاقل كل ما يسير ويدار مغربيا ... 

كانت ساكنة المدينة التي تقارب 85.000  نسمة مع بدايات سنة 1990اغلبيتها نشيطة وفي اوج عطاءها وقد اقتنعت بان احسن استثمار وتوظيف للاموال هو في اقتناء قطعة أرضية وبناء مسكن فوقها او تملك منزل ببساطة ..كانت سومة الكراء التي تم مراجعتها من قبل الحكومة قد بدأت تعرف تصاعدا مثيرا ومقلقا وفي العشر سنوات الأخيرة تضاعف ثمن المتر المربع من الارض وان لم تستغل الفرصة الان فبالتاكيد ستعرف تصاعدا صاروخيا في ثمنها ..لذلك بدى كل من قضى ثلثي مدة توظيفه أو استخدامه اكثر اهتماما وارقا بان يتحصل على الاقل على بقعة أرضية وليعمل على بناءها لاحقا تدريجيا المهم أن لا يتباطئ وان لا يترك القطار يفوته ..من قبل هذه المرحلة العمرية كان يسال الواحد من الناس عن ان تاهل الزواج ام بعد متعثرة احواله لكنه الان كان السؤال الأكثر إثارة هو هل بنيت منزلك ام بعد في دار الكراء ...!!؟ 

كان مجتمعنا المحلي "الاصيل "يعرف بعضه البعض ويربطهم ببعضهم اكثر من رابط  عائلي او مصاهرة او جورة او نشاط مهني او انتماء قبلي وعشرة سنوات وذاكرة ..وكان طبيعي ان يكون ذلك الاهتمام المشترك بتتبع أحوال البعض للبعض والذي كان من خلاله يحصل التاثير والتأثر وما ان انطلقت الموجة الجديدة من اقتناء البقع الأرضية وبناء المساكن او شراء منازل قديمة واصلاحها حتى انخرط فيها جيل بأكمله من الأسر واصبح الكل متحسس من الموضوع ويستشعر حجم المسؤولية الملقات على عاتقه ان هو لم يحزم اموره وينطلق  مثلما انطلق الاخرون في بناء او حيازة مساكنهم الخاصة ..انتعشت حرف البناء وتجارة مواده وقروضه والاشهار عنه والسمسرة له واكتوت الأسر التي كانت مضطرة للتقشف في زمن عام سياسي وطني عنوانه التقشف وتجميد الرواتب والترقيات والزيادة في الاسعار والضرائب على تابعات السياسات الحكومية العامة التي قد لا يستوعبها الا من كان قريبا من لج نارها واعتمالها المباشر معه كما كان الشأن مع مسلسل الخوصصة والتفويت والذي جاء في إطار سياسية التقويم الهيكلي للاقتصاد كما املته المؤسستين الماليتين الدوليتين البنك الدولي وصندوق  النقد الدولي ...بل حتى من لم يفهم مدى تاثير ذلك على وضعيته الخاصة المهنية او الاجتماعية فلقد كان متوجسا من قادم الايام وغير مطمئن للاوضاع خصوصا بعد ما عرفته العشرية الأخيرة من هزات اجتماعية ثلاثة أساسية 1981 -1984-دجنبر 1990 راح ضحيتها العشرات بل المئات ويقال الآلاف برصاص حي على الآلاف المعتقلين ...

كان زمن صعب واصعب ما فيه حجم الخوف الذي كان يستشعر الواحد منا من مستقبله ومن امنه على نفسه وأحواله وذويه ..كان الجميع يعيش القلق النفسي والاجتماعي والضغوط الاقتصادية والمعيشية المتحولة ..وكانت الاسر المستقرة بالمدن والتي افتقدت الارتباط بالارض وبالعائلة الممتدة الكبيرة وبالقبيلة تشتشعر الحاجة الماسة للتحرك في اتجاه تثبيت اوضاعها وضمان مستقبل ابناءها بعد ان لم تعد تضحياتهم في سبيل تعليم ابناءهم لا تاتي اكلها في كل الاحوال وبعد ان تقلصت الفرحة بحصول ابنهم او ابنتهم على شهادة الباكلوريا لدرجة التخوف من ان يكون ذلك بداية مشوار غير مضمون في وسط جامعي مضطرب ويعاني على كل المستويات بداية مع السكن الجامعي وهزالة المنحة وغياب الرقابة الأبوية لصالح رقابة الأجهزة البوليسية المختلفة التي ترصد اي نشاط سياسي او اجتماعي بالساحة الطلابية ..

الأسر مضغوطة وتمارس ضغطها على ابناءها كمن وعت على راهن البلاد المتحول والغير مطمئن ...وكانت فرصة من ضيع فرصته في التعليم البداية من جديد في اخد تكوين مهني في أية شعبة المهم أن لا يسمح له بتضيع المزيد من الوقت كما كان يستشعروا جسامة وفداحة الخطأ الذي ارتكبوه هم كاجيال سابقة تتحسر على بقع الارض التي بيعت بارخص الاثمنة وعن دور المستعمر التي شبه وهبت بحفنة دراهم معدودات وعن الوظائف التي لم يكن يرضى اي واحد على القبول بها   وعن فرص الهجرة إلى الخارج في زمن اليد العاملة المطلوبة والمرغوبة ....كل هذا كان يبدوا انه ذهب مع الرياح وزاده الاحساس بالذل امام اسياد الوقت الجدد ..كل من يملك المال او السلطة ...

الأسر المحلية "الأصيلة "بمجتمعاتنا كانت تعيش كفاف يومها وكان البحر يجود كل يوم بما يملا الموائد وكانت البطن لما تشبع تترك للرأس وللنفس فرصة أن تبتهج بالكؤوس وبادنان الجعة الاسبانية وكانوا يعيشون العطل الأسبوعية والرسمية والموسمية بكل طقوسها خصوصا النزهة بالغابة او بالبساتين والجنانات والاغراس او بالشواطئ  البحرية وكانت تعد وتطهى   اشهى الطواجن و"البايلات"  ويقام بشي الاسماك كما اللحوم وهات افخر شراب وارقه بعد ذلك ...المخزن لم يكن يساءل كل مقتدر على الشراب ان شرب وحتى ترنح قليلا او تحدث بصوت عال وغنى او رقص ..المخزن لعله كان مع هؤلاء يتدبر نصيبه ويحصل  على حصته التي تكفل له استقرار اوضاعه المادية في زمن الرواتب الهزيلة والشبه مجمدة..

الأسر المحلية "الأصيلة "كانت مضيافة ومحتفلة بنفسها دائما بالقليل او بالكثير ..وكانت تانس إقامة العشويات والعزومات العائلية حيث يكون موعدها مع اشكال من الطرب والغناء الشعبي العفوي والرقص وقد تخصص لذلك استدعاء فرق موسيقية وغنائية شعبية ككناوى او حمادشة او عيساوى او طرب  الآلة الأندلسية كل حسب استطاعته ولا تهم ان تكون هناك مناسبة مادامت الاحوال رائقة والامور المادية ميسرة ..وحتى تلك الأسر المحافظة لم تكن لتبخل في إقامة ليالي ذكر وتلاوة القراءن تكرم فيها الطلبة والفقهاء بآية حجة المهم أن تستمع هي الاخرى بطريقتها ...

الأسر المحلية  الأصلية كانت لا تهتم بغير ايامها ليس لها مع الهم وما يوجع الصدر وعلى ذلك الأساس كانت متسامحة مع الجميع ..تعلمت درس الحياة والفت انه مهما تبدل للاسوء يعود لسابق عهده ويجود  ويروق ... لذلك ظلت منتظرة وعلى امل ان تنزاح هذه الغمامة التي خيمت على واقع المدينة وابأستها ..ظلت منتظرة ان تهدأ الاجواء المشحونة سياسيا في أغلب جهات المملكة ..وظلت منتظرة ان يكف المخزن يده المسيطرة على اعناق الناس وارزاقهم ..مثلهم مثل باعة الخضر المتجولون والباعة المفترشون الأرضيات  ومن يدخل الميناء  او سوق الجملة للخضر ليتدبر احواله ...ومثلهم مثل المعتادين على الشغل كلما دعت اليه مصالح الإنعاش الوطني ..ومثلهم مثل نساء الأندية النسوية وتلامذة التكوين المهني الذين تاخرت عليه المعونة الغذائية التي تقدم لهم كمنحة او مساعدة او كتشجيع على الاستمرار ..مجرد الاستمرار ...!؟ومثلهم مثل البحارة ساعة تسوء الاحوال الجوية في عز اجواء المطر والرياح والبرد فيقفل الميناء ...

ظلوا منتظرين وهم يلاحظون غيرهم قد مل الانتظار ولم يعد يقدر عليه ..وهم يلاحظون  الاحوال تزداد سوءا والمدينة تضيق بنازحين جدد حملوا مما حملوا معهم لهجاتهم الجديدة والغير المفهومة من اغلبيتهم ..وانضافوا الى من كانوا ينتقلون اليها دون ان يثيروا الضجيج او يلفتوا الكثير من الانتباه اذ كان البربر الامازيغ من بلاد سوس والاطلس قد اختلطوا مع الساكنة او لم ينخرطوا وانما اوجدوا لهم مكانا خاصا بهم داخلها وتجارة مخصوصة عليهم كانوا شطراء فيها وكلما قصدوا ديارهم ايام العيد الكبير عيد الاضحى عادوا بصبي جديد او احد ابناء عمومتهم او عادوا متزوجين ....بينما النازحون الجدد من ابناء جبال الريف على الجماعات القروية المحيطة بالمدينة وعلى هوامش المدينة وداخل المدينة القديمة كانوا يحملون معهم على لهجاتهم المحلية ولسانهم البربري جروحا غائرة وهموما كبيرة وعزة نفس ممزوجة بانكسار واستعداد غريب على البداية في اي شيء والكثير من القدرة على التحمل ...المدينة كما ناسها استقبلوهم ببعض اللاهتمام المتصنع ليفتحوا لهم امكانيات الاندماج وتقبل الحياة التي ليست سهلة ولا صعبة كما بالمدن الكبيرة ..المدينة وناسها رسموا الحدود من البداية ولم ينسو ان يذكروهم بها كل يوم وهم يحرصون على منادتهم  مثلما تعودوا ان ينادوا السابقون منهم في التواجد بالمدينة "السوسي " ..."اريفي...اريفية .."..   "روافة"اندمجوا  بسرعة في نشاطات المدينة وغدوا مهنا بدت هي الانشط في الحاضر فاشتغلوا بالبناء وبالاشغال العمومية ومن كان سنه او وضعه لايسمح له بتشغيل قدراته الجسمية وقواها تدبر تجارة صغيرة أو قبل بالاستخدام في الاوراش الصغيرة ومخازن بيع المواد بالجملة ..اندمجوا دون ان يثيروا الكثير او القليل من المشاكل مع المجتمع المحلي لانهم بطبيعة عاداتهم ولسانهم كانوا متنحين  عن الاختلاط والانغماس في بناء علاقات وحتى من التحق بهم كمساعد في تجارة  " ريفي" مقيم من سنوات بالمدينة او بمحل خدمته ظل محافظا على تقديم نفس الصورة عن عرقهم "المعقول ولا للتخرشيش ".."النزاهة ولا للتلاعب او الاحتيال "..

نفس اللامبالات بهم مارسها شباب المدينة في حقهم مع الكثير من نظرات الاحترام لهم وهي ما لم ينلها مجتمع "العروبية "الذي كان يحتل نسبة الصدارة في ساكنة هوامش المدينة وعشوائياتها حتى من كان منهم قد لا يجب اعتباره نازحا او مهاجرا قرويا اليها لانه ينتمي الى دواوير وجماعات قروية من نفس دائرة الاقليم وقد لا تبعد غير بضع كليمترات محدودة عن المدينة ..ربما لانهم ساهموا بأشكال في ترييف المدينة واكسابها طابع البداوة باصرارهم على حمل عاداتهم واسلوبهم في العيش معهم ولانهم وعلى لسانهم العربي صعب التفاهم معهم وصعب اكثر حثهم على التغيير واستعاب وضع المدينة وحاجياتها ..ولانهم ظلوا متمسكين بان يمارسوا نفس نشاطهم البدوي بالمدينة فغدوا أساسا تجارة الخضر والفواكه على نحو عشوائي واستمروا في تربية مواشيهم ودواجنهم بمساكنهم الصفيحية التي  تتوسع يوما على يوم لتاكل المزيد من الارض المستولى عليها بالاتفاق او بالتواطئ مع عيون السلطة من مقدمين وشيوخ ومرشدين ..وربما كذلك لانهم اسريا كانوا مزاوجين وكثير انجاب الأبناء ويتصرفون على نحو عفوي ليس فيه اهتمام كبير بمظاهرهم او باوضاعهم الصحية بما فيها نظافتهم الشخصية ومطارح سكناهم وزرائب ماشيتهم ..على الكسل الذي كان يميزهم عموما وهو ما جعلهم يزاحمون بسرعة شباب المدينة في المقاهي والحانات   ويبداون في اثارة  عيون الشرطة   باصرارهم بدورهم على أن يدخنون "كيفهم" علانية بالمقاهي وبالاسواق وبجنبات الطرقات ..كما بدو اكثر ميلا للعنف وللعدوان ويتصرفون على نحو متكثل في المواجهة او التصدي لاي تحرش بهم وبالكثير من الحمية والعدائية والدموية ..

"العروبية "كانوا يعتبرون من ناس الداخل "داخلية "وعمليا كانت منطقة عرباوة التي منها كانت ترتسم الحدود الإستعمارية بين المنطقة الشمالية الواقعة تحت الحماية الاسبانية والاخرى الواقعة تحث النفود الفرنسي بما في ذلك حاضرة الاقليم الثانية مدينة القصر الكبير ..و"العروبية "قد يكونوا من بادية المدينة كساكنة دوار الغذيرة   او اولاد مصباح او ساكنة جماعة العوامرة والثلاثاء ريصانة ....وهؤلاء  كانوا حرصين على الاستمرار في الإقامة بمناطقهم وارضهم الا من تعب من رحلة الانتقال كل يوم ليعود لاهله واسرته حين انه قرر الاشتغال بالمدينة والاندماج ضمن نشاطها ودورتها   الاقتصادية والتخلي عن نمط عيشه البدوي والفلاحي ..فتدبر سبل عيشه والإقامة بالمدينة بمحل مكترى او بغرفة سطحية او بغرف فنادق رخيصة..

"العروبية "  الذين قصدوا هوامش المدينة ليستوطنوها كانوا عموما من بوادي مدن واقاليم مختلفة اختاروا الهجرة القروية بعد ان انسدت الافق امام اعينهم وضاق بهم مجالهم  وعموما كان الفقر خيطا يجمعهم ويوحدهم وكل أسرة منهم او كل واحد منهم كان يحمل قصته معه ويطمح في فرصة جديدة ليبدا ليس اقل او اكثر ...وهم على انهم كانوا يتحدثون كثيرا الا انهم لا يخبرونك شيئا حقيقيا عنهم وعندما تسالهم يقفلون آدانهم ويدعون انهم لم يصغوا اليك جيدا ..كانوا حريصين على أن يتغدوا جيدا باي شيء متوفر وان يتصرفوا على سجيتهم وكما يحلوا لهم غير معنيين بالاخرين ...نساء "العروبية "بدون اكثر حماسة واهتماما بتدبر احوال معيشتهن والسعي وراء أية فرصة عمل او شغل ...والكثرات منهن انخرطن بشكل مباشر في القطاع الفلاحي كعاملات  موقف اي مياومات يقبلن اي شغل لجني او بذر او العناية باي خضر او فواكه ..على عكس "الجبليات" اللواتي غدين معامل تصبير السمك وشركات تلفيف الحوامض والبواكر والمتعلمات منهن كما الصنعيات انخرطن في شركة الخياطة والفصالة للملابس الجاهزة  ...

لا احسب ان نزعات قبائلية تعصبية حكمت ناس المدينة وان ظل بعض من ناس المدينة ينظر بتعالي ويتصرف بتحسس تجاه أي وافد جديد على المدينة ..لكنه لم يسلم الامر كلما احس البعض بنوع من المزاحمة في تدبر لقمة العيش بان يعلي صوته ويبدأ في لعن كل قبائل الدنيا ..كان كذلك يحدث في المحطة الطرقية وببوابة الميناء وبالاسواق وبالارضيات التي يفترشها  الباعة ..

لا احسب ان المدينة كانت ترغب في أن تبقى صغيرة منكفئة على نفسها لكنها بدت وكأنها تعاني مع كل امتداد واكتضاض لم يكن مخططا له ولم تكن المدينة مهيأة لها نفسها ولا مستعدة لاحتضانه او احتواءه .. وبدات مشاكل الازبال والمطارح العشوائية والكلاب الضالة ومظاهر البداوة والفقر تصطدم الناس بالإضافة إلى كم المتشردين والمتسولين والمرضى العقليين والنفسانين الذين يجلون الشوارع والطرقات والازقة والاسواق كل يوم وينامون جماعات بالمحطة الطرقية او باقواس باب المدينة والسوق الصغير وبموقف حمالة مفترق طرق أربعة طرق "كواتروا كامينوا "..

لم تكن مشكلة امن وجهاز شرطة بقدر ما كانت مشكلة قطاعات حكومية وسلطات عمومية ومنتخبين بدو عاجزين عن تدبر الحلول الا بسياسية التجاهل ورش الرماد على العيون كبرمجة مشكلة اجتماعية للتدارس في جدول اعمال دورات المجلس البلدي دون الخروج بآية قرارات او توصيات في شأنها ...لعل الكل اكتشف ان المشاكل اكبر منه وأنها نتاج سياسيات وارادة سياسية والكل انتظر الحلول التي تأتي من اعلى.. من المركز ..وفي انتظار ذلك تعامل كل من جانبه بما يجعله مستفيدا من هذه الأوضاع لا خاسرا خصوصا على المستوى الشخصي ...

جيلي ..جيلنا كان يعي انه سيستسلم عما قريب مشعل تسيير المدينة وهو من سيستانف العمل بكل المجالات الحيوية بالمدينة والاقليم من تعليم وصحة وبريد وإدارة واشغال ...بعد ان بدا رعيل الاستقلال  رحلة تقاعده الوظيفي والمهني .. لكن اغلبيته كان غير مرتاح وقلق من حال الوظيفة العمومية ومن حال التعينات بها المرتبطة اما بالعالم القروي او بالمدن والاقاليم النائية التي لم تكن قد إستفادت بشيء يذكر من فرص التنمية ..  على هزالة الراتب الوظيفي الابتدائي ووجوب  انتظار حوالي السنة الى أن يبدأ صرفه هذا ان لم يكن الوظيف مرتبط بمدة تكوين وتدريب بمدارس او بمعاهد وبمنح وبوحود سكن او بانعدامه ...

جيلي ..مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات كان مضغوطا من كافة المستويات ويائسا من السياسية كما تمارس في حياتنا اليومية بمنطق االمنفعية والمحسوبية والزبونية والفساد وغير مقتنع بالعمليات الانتخابية المزورة ولا بعمل المجالس المنبثقة عنها وغير راض عن التدخل العميق والمستبد  لوزارة الداخلية ولكل مصالحها في كل شؤون حياة المواطن ورزقه وحريته..ورافضا للمزيد من التطبيع مع الفساد ..وجزء من جيلي ذاك كان جد متحسس من طغيان مظاهر التاسلم والاسلام السياسي التي وحدها من كانت منتعشة من كل تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى من المتغيرات الدولية التي شهدها العالم مع بداية تصدع المعسكر الشرقي وانحدار وتفكك الاتحاد السوفياتي  ونهاية نظام القطبين الحاكمين للعالم ...


الجمعة، 22 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(33) بعيدا عن حنان"هذه..."12 تابع:"20-1"


 

الخميس، 21 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(33) بعيدا عن حنان"هذه..." 12 تابع :"20-1"


 كان مجتمعنا المحلي يتحول وبسرعة وبخطوات مهرولة ..جزء كبير من شباب المدينة كان عازما على الهجرة إلى اسبانيا أساسا والى باقي الدول الأوربية حسب من سبقه من ذويه او عائلته الى هنالك الى انجلترا او المانيا او بلجيكا وهولندا ..او ايطاليا .. كان شبح البطالة يخيم بضلاله على الشباب الجامعي والمتعلم والازمة الاجتماعية متفاقمة وبدى انه انسب الاوقات لمن يستطيع ان ينفد بجلده ويسلك الحدود سواء بتدبر تأشيرة عمل او بعقد زواج ابيض او توسط شبكات التهجير السري النشطة بمنطقة الشمال والتي كانت تزواج مابين تهريب البشر وتهريب المخدرات ..

وجزء مهم من شباب المدينة كان غارقا في مكانه وقد استوعبته مقاهي تذخين الحشيش والكيف التي اخدت تعرف طريقها الى المناطق السكنية المكتظة والشعبية هي وقاعات الالعاب والبليار ..والتي تتحول في آخر المساء والليل الى قاعات مغلقة لمشاهدة الأفلام البورنغرافية الاباحية والتي كانت تلقى إقبالا كبيرا من اليافعين والمراهقيين هي وكراجات استعملت للغاية ذاتها خصيصا وحتما كان الامر في علم السلطة والجهات الأمنية لكنها بدت غير مهتمة بتطويق  الظاهرة لعلها كانت تشتشعر حاجة الشباب واليافعين للتنفيس عن انفسهم وعن مكبوتاتهم  ..وربما لانها كانت تعتمد على خلق توازنات بسيكوسيسيولوحية تضمن معها عدم اهتمام هذه الفئات الا بيومها وبتحقيق بعض رغباتها الخاصة على الاهتمام بالواقع السياسي والاقتصادي المتازم ..وربما بصمتها حيال ذلك الواقع الجديد كانت تمارس وتكرس  سياسية التغييب لجانب سياسية الرضى بالأمر بالواقع ...

كانت الاحياء الهامشية والعشوائية في تزايد مستمر هي ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وبدى ان جماعات مصلحية هي المستفيدة في كل الحالات من وراء خلقها والتستر عن حقيقة ساكنيها الوافدين من مناطق ريفية مغربية مختلفة ..وكثر الحديث عن فساد الاداريين ورجال السلطة واعوانهم ..وعن مافيات سياسية تنتعش من الاوضاع تلك ...

جمعت تلك الأحياء الكثير من البؤس الاجتماعي والنفسي وعرفت بين ارجائها اكبر سوق مفتوحة لتجارة الممنوعات من الحشيش الى الكحول المهرب الى الأقراص المخدرة الى السيلسيون الى الدعارة الى تجارة أشرطة الفيديو الاباحية ..كما غذت المدينة ساكنتها بافواج جديدة من الباعة الجائلين للخضر والفواكه والمواد المعيشية الرخيصة و أفواج جديدة من حمالي العربات المجرورة باليد وبالبهائم وبجيل جديد من الباعة المفترشي الطرقات والذين يبيعون المتلاشيات والأشياء القديمة ولقى المطارح والمزابل العمومية فانعشت بذلك مهنا جديدة كما خلقت كائنين جدد يحملون اسم "الميخاليين "وهم الذين يبحثون في القمامة وينتعشون منها ..

هذه الاحياء مدت في سطوة عناصر الشرطة القضائية التي كان طبيعي ان تضعها نصب أعينها لما تعج به من اشخاص مطلوبين للعدالة من محاكم مختلفة بالمملكة ولما تعرفه من نشاطات ممنوعة قانونا ..وأصبحت ملعبهم الرئيسي ..ولانها كانت صعبة الاختراق ومنفلتة فلقد مهدت عناصر الشرطة القضائية لتدخلها بها عبر تصيد الناشطين في توزيع المخدرات وبيعها وهم خارج مناطقهم السكنية وبمحيط وسط المدينة وبمقاهيها ..تصطادهم للتفاوض معهم حول تعاونهم لجانبها ...وفي هذا الاتجاه دأب كل مفتش شرطة او ثنائي مفتشي شرطة الى كسب سبق قدم بالمناطق الهامشية والعشوائية ..لم يكن عموما يلقى القبض الا على رافضي التعاون والذين كانوا يزاولون نشاطاتهم الممنوعة باستعمال العنف واللجوء اليه في تصفية نزاعاتهم خصوصا في جلسات قمارهم الذي كان رائج تعاطيه من اول الصباح الى ساعات متأخرة من الليل وفي خلاءات ومناطق بعيدة عن تدخل الامنيين والشرطة ..

لم ياتي مفتشوا الشرطة القضائية بجديد في الموضوع فلقد كان معروف في الاحياء والمناطق السكنية الشعبية بالمدينة وجود عناصر نشيطة في بيع وتوزيع المخدرات والخمور من لدن عامة الناس وجميعهم لكنهم لم يكن يلقى القبض عليهم وكان يروج على نطاق واسع ان حماية مبسوطة عليهم من من يواليهم من أفراد الشرطة وان بينهم اتفاقات سرية تضمن لهم الحرية على  ابلاغهم بكمائن او حملات التفتيش الممكن ان تقوم به دوريات ومهمات أمنية محايدة ...

لا يمكن الجزم في شيء بكل يقين لكنه تمة حدود واضحة بين الحقيقة وبين مجرد الاشاعات ..لقد كان عدد من "البزنازة "معروفون بتبعيتهم لفلان من الشرطة القضائية او من فرقة مكافحة المخدرات ..حتى كان يقال ان ما يبيعه من حشيش تم تمويله به من طرفه ومن ما تحصل عليه من مداهمة منزل "بزناز  "اخر تم تجريده من الممنوعات ومن حصيلة بيعه في يومه مقابل تقديمه كمستهلك او اطلاق سراحه قبل انجاز أية مسطرة في حقه ...

كان يرى مفتشوا شرطة صحبة "بزنانزة "معروفون بنشاطهم ..وكان منهم من تعودوا ان يمروا على بيوت المفتشين محملين بمقتضيات السوق والدكان ليودعوها لحسابهم كجزء من الأتاوة ...

وكان بالحانات من يتكفل بدفع ثمن كل مشروب يحتسوه وكان هؤلاء معروفون بنشاطهم في تجارة الممنوعات ...

ربما كان الكل يعرف ما يحصل لكنه كان أشبه بطابو اجتماعي الكل يرى ويعرف ويتابع لكن لا احد يجرا على استنكار الامر علنا وحيث يجب ..والكل يتجنب على الاقل الوقوع في مشاكل مع الامنيين ومع من بحوزتهم كامل سلطة الاعتقال وحتى تلفيق التهم ....

كان كف  أن ينظر لرجال الشرطة على أن مرتابتهم دون المستوى  وان وضعهم وظروف عملهم الوظيفية متعبة ودون الحد المعتبر من الحاصل ..لانهم على أرض الواقع كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش ويصرفون اضعاف حجم مرتباتهم ويغيرون السيارات في السنة مرات وكل منهم تحصل على بقعة أرضية ويجهز في بناءها وابناءهم وزوجاتهم متمتعون بافضل سبل العيش ومظاهرها ..وكان من يشرب منهم ويراعي البيئة المحلية ينتقل الى افخم فنادق ونوادي مدينة طنجة واصيلا ليشرب ويسهر بها ..ومن كان يفضل السهر ببيته  كان الشراب يصله حتى باب بيته هو والطعام المعد بمطعم   شهير بالمدينة ..ومن كان يرتاد منهم حانات المدينة كان في الغالب لا يدفع اي شيء تقريبا من جيبه الا اذا اراد هو التباهي على طريقته في ضيافة احد على حسابه الخاص ...

لا يمكننا ان نعرف على وجه اليقين كيف كان لهم ان يعيشوا مثل الامراء ويتصرفون مثلهم وبعيدا عن اي خوف او شعور بالتهديد ..لكن بالتاكيد لم يكن صعب اعمال حسبتها بالعقل والتفكر فيها ...

كانت منطقة الشمال فرصة يطمح كل ملتحق  بسلك الشرطة او السلطة ان يوفد  للعمل بها حيث بإمكانه أن يحقق الثروة ويختصر الطريق اليها في بحر سنوات معدودات على رؤس الاصابع ..كانت المنطقة تعج بنشاطات التهريب والاتجار بالممنوعات وبكل الأنشطة السوداء وتعرف دوائر المسؤولية والسلطة بها تراخيا وتواطئا بينا مع كل المفسدين والطامحين للوصول بسرعة وباي ثمن ...كما كانت المنطقة الشمالية هي منطقة زراعة نبتة القنب الهندي الأصلية ومصدرها الاساسي الذي منه تنقل وتوزع وتباع في كل التراب الوطني وتهرب لخارج البلاد ..كما  بالمنطقة الشمالية يوجد معبر حدودي "معبر باب سبتة "الذي يؤمن كل تجارة البضائع المهربة من المنطقة الحرة بالمدينة المحتلة الى جانب تلك القادمة من معبر حدودي اخر مجاور للمنطقة "معبر مدينة مليلية"..كما لوجود المنطقة جغرافيا على الضفة الأخرى لشبه الجزيرة الابيرية جعلها منطقة عبور مثالية للهجرة غير الشرعية للناس وللبضائع وللممنوعات ...ومنطقة تعج بجنسيات متنوعة وباطياف مختلفة من المجتمع اختارت الإقامة بعواصم المنطقة كطنجة وتطوان لما توفره لهم المنطقة من نشاط سياحي وترفيهي خارج عن نظام المراقبة والضبط القانوني او القضائي ...  

تتبع مدينة العرائش قضائيا دائرة طنجة ويتم ترحيل المسجونين والذين على ذمة قضايا جنائية الى سجن طنجة "سات فيلاج"والى محكمة الاستئناف والغرفة الجنائية بها وكان السجن هنالك يعج بجنسيات أوروبية مختلفة وفرصة ليتعرف المودوع به الى بشر ما كان له بان يتعرف عليهم عن قرب كما عن حكايات عجيبة وغريبة عن مدى توغل الجريمة في المجتمع وفي المنطقة على الخصوص وعلى مدى تورط الامنيين وعناصر من السلطة والجمارك والدرك ومختلف التشكيلات الأمنية في الفساد وفي نشاط التغطية على تجارات الممنوعات والتهريب النشط بالمنطقة   وعن كم الثروات التي كونوها في مدد قصيرة  ...

بالمدينة اختار جديدو التعرف على النعم احياء جديدة لبناء مساكنهم في تجزئات حديثة وكان جزء كبير منهم هؤلاء الامنيين بينما عموم المدينة تغرق في البداوة والبشاعة والفوضى والتسيب على الملك العام وتنحرف سلوكيات شبابها وناسها ...ربما كانت ردة فعل المجتمع في تبنيه ايديولوجية الإسلاميين طبيعية من منطلق انه اختار الوقوف جانبا من طغيان الفساد والمفسدين وربما كان اختيار جزء منه الوقوف بجانب معه كرد فعل اجتماعي  طبيعي  لمسايرة الاوضاع وعدم معاندة التيار ...خصوصا في زمن وصلت فيه ظاهرة الرشوة والمحسوبية الى سؤددها وتمكنت من التفشي في كل الدوائر الرسمية والحكومية ونخرت حتى جسم القضاء والعاملين في دوائره ومحيطه   ...

التحول الجارف يعصف بمجتمعاتنا المحلية ويتلاعب بمنظوماتنا القيمية والاخلاقية ويقدم الشيء ونقيضه في ذات الان لانه وعلى كل حال كان ولايزال الاختلاف قائم في درجات واستعدادات الناس على التكيف مع التحولات والتعاطي معها .. 

الصراع كان على أشده بين الحكومة والنقابات والمعارضة السياسية بالداخل وبالخارج ..وكان عموم ناس الشعب يتطاحنون لضمان لقمة عيش وفرصة في المدارس لابناءهم  بينما صغار الموظفين والمحسوبين على  الطبقة المتوسطة يعيشون التقشف على أمل ان يكفوا مدخراتهم ليحولوها الى مساكن يبنوها ويامنوها لاسرهم وتدخلهم بذلك لصنف من يملكون شيئا ..من يملكون ارضا او دارا يحمل اسمهم ونسبهم ويورثوه لمن سيخلفهم بعد مماتهم ورحيلهم من دار الزوال الى دار البقاء...

التساكن بين مختلف الفئات المجتمعية كان أصيلا فينا لكنه بدى في هذه العشرية الأخيرة يميل الى التزعزع وينقلب عليه ..بدت روح جديدة تهب على المجتمع ..روح مادية متطلعة ونازعة الى الأنانية والتنافس حد التطاحن والاصطدام ...تغيرت لغة الكلام والتعبير اليومية وكثرة الخصومات وضاقت الانفس وأصبحت اكثر تصيدا لاخطاء الاخرين ..ربما ذكى ذلك الخوف من ان يتحول الفقر الى قدر حتمي ..وربما اثاره رؤية قادمين ونازحين جدد يصبحون في ظروف قياسية ملاكين وأصحاب خير ودخول مالية معتبرة بينما ما كانوا للامس القريب يتباهون بأنهم سكان المدينة الاصليون وناسها يفقدون ماء وجوههم ويتحولون الى فقراء يوما على يوم امام تعقد الحياة العامة وغلاء المعيشة وتكاثر الساكنة ومشاكلها التي الهبت الاسعار وزادت من اثمنة الاكرية  والبقع الأرضية ومواد البناء وضيقت من فرص ايجاد وظائف او شغل كريم وباجور تكفي وتسد الحاجة ..  

بدى يأس متزايد من ما يتيحه التعليم من فرص توظيف وايجاد شغل بعدما اخدت تعلن قطاعات عن اشباع حاجاتها من الوظائف والخدمات لجانب تفشي منطق المحسوبية والرشوة السائد والجاري به العمل في كل مباريات التوظيف والترشيح لشغل مناصب ..هذا بالنسبة لمن تمكنوا من الحصول على الاقل على شهادة التوجيه الاعدادي فما فوق اما دونهم فلقد خلت إمكانية ايجاد وظيف او شغل لهم حتى كاعوان خدمة ومساعدين دون تدخلات ووساطات ..ناهيك عن حال الأجرة الهزيلة والمرتبات الضعيفة التي لا تحل المشاكل وانما تزيد في تعقيدها ...

كان سن زواج الشباب عموما متاخر لانه يحتاج لسنين حتى يكون نفسه ويستقر في عمل ويبدأ مشوار الادخار لتجهيزات العرس وبيت الزوجية ..بينما كان سن الانثى المرشحة للزواح منخفض جدا واغلب الزيجات للقاصرات ولذوات الحضوة الاجتماعية والنصيب العالي من الجمال والانوثة ...وكانت الاسر التي وجدت نفسها فيما سبق قد ابتلت بانجاب عدد كبير من الابناء في ورطات حقيقية.امام تبدل الاحوال وتعقدها وامام ما اخد يعج من سخط عام وعارم بين مختلف شرائح المجتمع طوال هذه العشرية الأخيرة "الثمانينيات " وحتى اسس ومبادئ الزواج اخدت بدورها تعرف طريق التحول ..اصبح الزواج المقبول اجتماعيا يتطلب تكافئا من نوع مادي ووظيفي  تحث مقولة ان اليد الواحدة لا تصفق وانه لانجاح الزواج لابد من ان يكون هناك تعاون بين الزوج وزوجته او بين الزوج واصهاره  واصبح تزويج البنت للمغترب باوربا او باحد دول الخليج  اكثر تفضيلا وترحيبا منه من زواج الفقر والبؤس المعروض داخليا بالبلد حتى وان لم يكن هناك تناسب عمري او ثقافي او لغوي ...واصبح مقبول تزويج البنت من رجل اصلا متزوج من واحدة أو اثنتين ما دام قادرا وقواما على التعدد ..كما أصبحت الاسر تقبل بتزويج بناتهم بابناء من خارج المنطقة ومن خارج قبائلهم ولغاتهم ولهجاتهم المهم عندها ان ترتاح من حمل يتقل كاهلها او من بعضه لتتفرغ لبقيته ...وامام هذا التحول الاجتماعي الأسري الذي املته الظروف الاقتصادية والسياسية العامة للبلاد والخاصة للمناطق الغير النامية او الفقيرة او المهمشة وفي مجتمع  يصل معدل الترييف والبداوة فيه الى ازيد  من 82٪  بينما يصل تعداده السكني الى ازيد من اربعة وعشرين مليون نسمة وجدت الأسرة المغربية نفسها في أزمة حقيقة وبدى انها في حاجة لان تعيد النظر في إطار الزواج وحقله التنظيمي وتراجع النظر في قانون الأحوال الشخصية المغربي لانه افلس الأسر المغربية وساهم في خلق جيل من المطلقات ومن النساء العازبات ومن الأبناء المشردين من دون أية حقوق او امكانات للعيش الكريم ..

ربما تعاطت عدد من الأسر المغربية والمحلية مع الزواج وتزويج بناتها للاسلامويين بمنطق انهم الاقرب الى المعقول وانهم الاقرب الى النزاهة والذمية من حيث أنهم يراعون الله ويتبعون طريقه لذلك تغاضوا حتى على إشكالية التعدد او عدم التناسب العمري او الثقافي لان المجتمع بدى وكانهم انقسم على نفسه الى قسمين كبيرين ..قسم يدعي الصلاح والصواب والتقوى ولايزهد في تدبر لقمة عيشه والعمل على ذلك وقسم ضيع الطريق او اضاعته يعاني العطالة او عسر الحال او وضعه داخل اسرته المتعددة الأفراد والمشاكل المادية والاجتماعية ولم يستطع ايجاد فرصته لا في الهجرة حيث يكون نفسه ثم يعود ليوظف ماله في مشروع مدر للدخل يضمن له تاهلا  مريحا للزواج ..ولا في الحصول على وظيف مطابق لشهادته  وقريب من مدينته الام واسرته وضمن مجموع الوظائف المجزية رواتبها والتي تعرف فرص ترقي سريعة ...ولا حتى فرصة تدبر راس مال يبدا به تجارة حرة او يشارك به في مشروع مضمون الربح ...وجزء كبير من هذا القسم وجد نفسه وامام تحديات المرحلة العمرية والجنسية التي هو فيها يعاني من مشكلات الادمان اما على الكحول او المخدرات وبالتالي يعاني صراعا مع وسطه ومشاكل مع الجيران والمحيط والشرطة ...

بالمدن تبدوا المشاكل وكأنها مصطنعة على عكس ما تبدوا عليه في القرى والارياف التي تظنها وكأنها قدرية ...بالمدن تتجسم المشاكل وتاخد اشكالا مؤسساتية   وقانونية ..بالمدن تفقد حريتك امام كل ماهو مادي او ذي طابع مادي وتفقد حتى قدرتك على أن تتنفس هواءا صحيا او تشرب ماء نقيا صافيا دون ان تفكر كيف ستدفع  ثمنه ومن اين ستتدبر امكانيات الحصول عليه بشكل مستمر ودائم...القرب من وسط المدينة مشكلة مثلما هو البعد عن وسطها لاطرافها مشكلة كذلك ...بمدينتنا كان كل ساكنة وسطها يلعنون اطراف المدينة وينسبون لها كل المشاكل التي باتت تعرفها المدينة ككل ..كان تصاعد أعمال العنف والجنوح والجريمة ياول اوتوماتيكيا لتمدد هوامش المدينة وعشوائيتها ولمن يعتبرون دخلين على اوساط المدينة ونازحين عليها ..بينما كانت هناك عملية اضطرادية وتعالقية بين الهامش والوسط بين ما يتطلبه شباب وسط المدينة وبين ما يوفره شباب هامشها ..خصوصا في الوقت الذي بدت فيه المدينة والبلد باكملها تتخلى عن استعاب طاقاتها الشابة واليافعة وتقامر بمستقبلهم في مشاريع التقويم الهيكلي للاقتصاد  والخوصصة ..وتسهم بذلك في المزيد من تشريد العائلات واللعب بمصيرها ..

بالمدينة وبالاقليم التي غابت عنه أية مشاريع تنموية حقيقة منذ مقدم العمالة وتسمية السيد المولودي بوسيف عاملا على إقليم العرائش المستحدث جديدا والسمة الغالبة على أحوالها هو التردي و التهميش والتضيق ..اغلقت معامل ورحلت مشاريع لمناطق نفود تابعة لوزير الداخلية .. سرحت شغيلة وفوتت ضياعات وشركات الدولة الفلاحية بالمنطقة في إطار عمليات الخوصصة وبقي الميناء ومشاريع تطويره عالقة ..بينما كانت الاراضي الجماعية والاملاك المخزنية والغابوية تنهب نهبا وتقسم بين المحظوظين ومفايات الإدارة والمتخبين ورجال السلطة والسماسرة...على بقاء جماعات قروية معروفة تزرع القنب الهندي بمحادات  الطرق الرئيسية ولا من ناهي او رقيب ..بينما كانت عمليات تخريب يومية للاقتصاد المحلي الأصغر يمارسها المشتغلون بحقل التهريب وتحث تغطية ونفوذ دوائر الجمارك والدرك والشرطة الإدارية والعجيب ان الجزء الاكبر من ممتهيني هذا النشاط التهريبي كانوا من الاسلامويين ..او كان لحاسبهم الشخصي ...اما كل مكونات السلطة والنظام فلقد بدى انها غير مهتمة الا بتحسين أحوالها وضمان سرعة اثراءها وتحوزها على المزيد من اشكال التسلط والنفوذ ولا يهمهما مع من تلعب اكانوا اسلامويين او تجار مخدرات وممنوعات او مفايات عقار او جماعات ضغط مصلحية مفسدة ....  


 

السبت، 16 يناير 2021

يوميات : عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."11 تابع:"19-1"


 

يوميات: عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."11 تابع :"19-1".


 عندما كنت بعد تلميذا منتظما على الدراسة كان سهل عليهم تحديد هويتي الاجتماعية وحصري في خانة التلمذة واليفاعة وبداية الشباب ..حتى وان كانوا قلقين جدا من فروة نشاطي وعلاقاتي ويحاولون تحديد ميولاتي الفكرية والسياسية من من اخالطهم أساسا ومن ما معروف عنهم من تشبع فكري أو انحيازات سياسية ..انا لم اهتم بالاقتراب منهم لانهم ببساطة لا يرقونني ولا ينسجمون مع ميولاتي الاجتماعية ولانني لا استسيغ انماط تفكيرهم والقوالب التي حشروا  رؤسهم فيها ولانني ما كنت اقبل منهم اشكال الوصاية التي كانوا يحاولون ممارستها على الجميع ...وحتى داخل فضاء الدراسة ومؤسساته لم اسعى لإقامة علاقة مع من كانوا يمثلون نمطهم وتوجههم السياسي الاجتماعي لانني حتى لما انفتحت على الاخرين كنت اتخير من بإمكان ان اطور معه النقاش والعلاقة لمستويات أكثر فاعلية ودينامية ...وهم كانوا يمثلون لي اولئك العازفين عن ممارسة اي فعل ثقافي او جمعوي منفتح على العموم ..ومعزولون عن التفاعل السليم مع باقي مكونات وافراد المجتمع ..وحقودين ببساطة لانهم لا يتكلمون عن أنفسهم وغير جادين في إقامة علاقات متفاعلة كما الجميع ...على انهم يدورن في نسق رتيب ومحافظين على شكل لباس ومظهر يميزهم ومنظمون ايقاع يومهم على اوقات الادان والذهاب المساجد ويعطون ذلك الانطباع بأنهم احرس الناس على الطهارة ونقاء الداخل ان لم يتعدوه ليعلوا من شأن ذميتهم وضمائرهم وسرائرهم النقية على حساب كل من لا ينتمي اليهم ويسير على خطوهم ...كانوا وكانهم كلهم نسخة واحدة ليس فيها اي تميز ..ناس نمطيون جدا وكسالى وحذرين ويعانون .... 

عندما انقطعت عن الدراسة وخرجت لرحلات الإستكشاف الإجتماعية ولاخالط اصنافا متعددة من الناس ولانفتح على مجالات نسبيا جديدة على من في عمري ووضعي ..بدوا اكثر اهتماما بمحاصرة هويتي وتحديد انتمائي ..كانوا يسعون بجد لتعليق يافطة علي وتصنيفي ..كان منهم من يجرا على تعقبي وتتبعي في الشوارع العامة ويقترب من مجمعي ليستسرق السمع لحديثنا ..وكخطوات يائسة حاولوا الاصطدام معي عنوة كجس نبظ من جانبهم لي ..لم اهضم لهم وارتابوا كثيرا في مجموع تحركاتي وسعة واختلاف علاقاتي ..لم يستوعبوا حتى اشتغالي بالصحافة ربما لانها كانت تتبع حزبا يمينيا ومشارك امينه العام في الحكومة ..ولأن حتى مفتشه الإقليمي الاستاذ محمد بديع كان شخصا اشكاليا فهو مناضل اتحادي حتى النخاع ارتاى ان يخرج من صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وان ينظم لحزب الحركة الشعبية وان يؤسس بمجهوده الخاص الفرع المحلي والاقليمي للحزب بكل من العرائش ومدينة القصر الكبير ..حاضرتا الاقليم ..ارتابوا في إمكان ان يتحول واحد بتفكيره وبقناعاته وبما دائم التعبير عنه جهرا وصراحة الى مثل هذه الدرجة من التحول والميلان...كما لم تهضم لهم علاقاتي برجال الأمن والشرطة والسلطة ..وكانت العلامة التي حاولوا وضعها علي هي انني مقرب من السلطة وعين لها وربما متورط اكثر معها ...كانوا يشيعون الخبر عني في كل دوائر المجتمع الذين أعرفهم ويعرفونني واتعامل معهم ...وكانوا يتجنبونني باستعداء في نفس الآن ..يرفضون التعامل معي حتى عندما يتعلق الامر بخدمة عامة يقدمونها للجميع او بشأن البيع والشراء  ومعاملاته  ..ولم يكفوا عن التحري في شاني ..لحسن حظي انني كنت على علاقات جد طيبة مع من شاءت طرقهم ان تتقاطع وتلتقي معهم وكانوا يخبرونني ويعلمونني بشأن مسعاهم ذلك ومنهم من كان يسالني سبب اهتمامهم بي ببعض الإستغراب ..وهؤلاء لم يحدث أن قاطعتهم او اتخذت منهم موقفا عنيفا ..ظلوا كما كانوا اصدقائي ومعارفي واجتمع اليهم كلما سنح الوقت بذلك واتحدث اليهم ويجمعنا النقاش وحرارته ...

سعوا بجد الى نشر ستار من ذخان حولي وادخال شخصي الى دوائر الإشتباه ..وتمكنوا لحد ما من جعل من كنت لزمن قريب اعتبرهم يعرفونني ومقربين من بعضنا البعض يرتابون مني ويصبحون حذرين مني وشبه عازفين عن خوض الحديث معي ..  ومنهم من قاطعني دون مقدمات ..

حتى من داخل الحي حاول بعضهم تلويث سمعتي ونعثي بالانحلال الخلقي داعي بعض الأهالي للزم الحذر تجاه سلوكي وعلاقاتي مع ابناءهم وبناتهم ..حاولوا استغلال اي معطى سلوكي عني لمحاربتي به ..ولم اكن في ذلك افضل حالا من بعض منا من لم يراعوا حتى مركزهم الوظيفي وحالتهم  الاجتماعية وعمرهم و كانوا يكيلون لهم الاستعداء لدرجة أن حولوا نزق الصغار والاطفال لسلاح بايديهم يضربون به ويحاصرون عبره حتى مرورهم في الشارع وحتى خلوتهم المفروض انها امنت ببيوتهم الخاصة ..فتجد جماعات من الصغار ومن المراهقين تصرخ في وجوههم  وتنعثهم بالسكارى وبافحش الاوصاف وترجم بيوتهم بالحجارة او تضايقهم بطرق أبوابه والهروب لاقصى مكان لحين خروجهم الاستقصائي ليبدؤا في كيل السباب واللعنات لهم ...

كان الامر مقلقا للغاية خصوصا في مدينة صغيرة نسبيا كمدينتنا العرائش حيث الاخبار تشيع بسرعة ويكاد يعرف الجميع الكل ...هذه الحرب النفسية والاجتماعية لم تكن مفهومة على الاقل في خلفياتها ومنطلقاتها  فهؤلاء الاسلامويون خليط غير متجانس على انه يبدوا لا تمايز بينهم شكلا وظهورا اجتماعيا .فهل يمكن فهمها على انها حرب ايديولوجيات وعقائد ؟! ام هي مجرد تعبير اخر عن مفهوم الصراع الاجتماعي والصراع بين الأجيال ..؟! ام هي بالفعل حرب مواقع سياسية وسلط اجتماعية وقوى ونفوذ ...؟! ..

هؤلاء الاسلامويون يبدون ان ان لاروابط تجمعهم كلهم بل لعلهم طوائف وجماعات وملل ..وحتى تواجدهم بالساحات المدينة وفضاءاتها متفرق فلا توحد فئوي مهني او حرفي يجمعهم ولا تصنيف نخبوي يشملهم ..ربما لحد ما التقارب العمري قد يؤلفهم بغض النظر عن الادوار التي يلعبونها مجتمعيا وبمارسونها مهنيا ...

كانت الفئة العمرية المتراوحة بين الثلاثين والخمسة والاربعون هي الناشطة سياسيا واجتماعيا وكانت مهنهم تتوحد افقيا في ميدان التجارة لكنها مختلفة في اشكالها كان بينهم اصحاب محلات الجزارة وأصحاب المقشدات والملبنات وتجار اكسسورات إلكترونية وقطع ملابس وعطورات وكتيبات وأشرطة دينية يعملون كباعة جائلين او مفترشي ارضيات الاسواق والشوارع العامة ...هذه الفئة كانت شبه متواجدة يوميا بكل مركز المدينة وشوارعها ويلتقي اصحابها بعضهم ببعض ويقفون لبعضهم ويتجولون مع بعضهم ..

كانت فئة اخرى يشكلها تجار قيسرية سوق البرارك وهي منقسمة على ثلاثة فئات عمرية فئة اليافعين والشباب من ابناء التجار اصحاب المحلات والعاملين كمساعدين لهم وفئة الشباب والرجال مابين عمر الثلاثين والخمسة والاربعين وفئة الرجال والشيوخ وكان بينها كلها نوع من التفاهم السري وعدم الاختلاط واحترام مبالغ فيه لعامل السن والحالة الاجتماعية والدور الممارس ...

وكانت فئة اخرى من العاملين بمجال الصيد البحري ومنها من احتكرت تسير مراكب بعينها لوحدها وهذه كانت متشكلة من فئات عمرية مختلفة ..اما فئة تجار السمك بفضاء الميناء ونقله للاسواق الخارجية فهي كانت في نفس الفئة العمرية الممتدة من الثلاثين الى الخمسة والأربعون ..

وكانت فئات لا يجمعها غير المسجد الذي يأموه وهم موزعون على محلات تجارية مختلفة ونشاط تحاري مختلف فكانت فئة مسجد سوق سبتة وفئة مسجد قيسرية ابنيدا وفئة مسجد الباركي ...

وكانت فئات متناثرة لا يجمعها غير مسجد المنطقة القريب وهم ليسوا على علاقات مترابطة ببعضهم البعض كفئات مسجد القدس وفئات مسجد تشاد الهم المجموعة المنتمية منهم لحقل التعليم والتدريس  ...

وكانت فئات شابة تجتمع بمسجد حي ديور حواتة وهؤلاء شبه اقران وأصحاب وابناء حي واحد ...ومثلها كان بكل الاحياء السكنية المتوزعة على المدينة وكانت بالحي الجديد وبحي المحصحص و بحي المنزه تجمع أكبر عدد من المهنيين والحرفيين  المشتغلين بمجال اصلاح السياراة وكهربائها وطلاء هيكلها ..والنجارة  وباقي المهن الفنية والتقنية ..

وكانت فئة اخرى من مستخدمي قطاع الجماعات المحلية من عاملين في قطاع النظافة والحدائق والاعوان وهم من فئة الرجال مافوق الخمسة والأربعون سنة ...

لم يكن هناك توزيع مهني قطاعي يجمعهم ولا سكني مناطقي يوحدهم ولا وظيفي ولا مؤسساتي خاص يضمهم البعض للبعض ..وهذا كان يجعلهم يبدون متعددون على أن العامة لا يميزونهم بعضهم عن بعض فكلهم "اخوانيون "او "سنيون "او خوانجية  " او "ملتزمون "...

كان عدد من رجال التعليم والصحة الاسلامويون قد اختاروا الانضمام الى نضلات نقابتهم التابعة للاتحاد العام للشغاليين التابعة لحزب الاستقلال ربما للمرجعية الدينية المتميزة للحزب ...

كانوا منتشرين ويغطون كامل خريطة المهن والحرف والوظائف وقطاعات التجارة والخدمات كلون سياسي ديني لكنهم كانوا بالتاكيد يحملون الاختلاف بينهم او لا يحملونه الا كتكتيك سياسي بينهم ...

ربما كان يسجل اختلاف شديد في شكل اللحي وتقاسيم وتعابير الوجه والوان قناديرهم وجلالبهم وكان يظهر التمايز ذلك بوجود رفقتهم من النساء فالمتشددون منهم حسب تجهم وجوههم وسلوكهم يصحبون  المنقبات والكاملات الغطاء بينما الاخرون يصحبون المحجبات السافرات الوجوه والكفيين ...

لم تحصل  أية وقائع سياسية كبيرة او هامة ولا اية احداث او هزات اجتماعية لحدود زمننا هذا بداية التسعينات والمشاركة في الاضراب العام لسنة 1984 كان بلا لون سياسي او حزبي وبلا غطاء ديني كان شعبي وتلمذي على مستوى المدينة والاقليم و كما احداث الاضراب العام لسنة 1990 على أنه في تظاهرات فاتح ماي العمالية السنوية لم يكن لهم اي بروز  كتيار سياسي ديني ولا اية مشاركات متميزة لهم ..لم يحدث طوال حقبة الثمانينات اي اصطفاف لهم على الاقل إقليميا ومحليا لنلحظ مدى احتشادهم وقوة تنظيمهم ....هم فقط كانوا منتشرين ومكتسحين  كظاهرة  في كل مواقع  وخطوط المجتمع ..ولم يظهر عليهم الا ذلك المستوى من التجمع كجماعات او "مليشيات "في الاحياء الشعبية والهامشية منتظمة في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وفي الدعوة والتبليغ وفي استقطاب اليافعين والشباب في بعض النشاطات التجارية والكسبية البسيطة والهامشية ...

الامر الثاني الواضح والجلي والمثير للكثير من الدهشة هو اكتساح الشابات والنسوة المساجد بزيهن المميز وبصحبة الطفلات الصغيرات حتى انه كان يحصل تمام امتلاء الأجنحة الخاصة بالمصليات بالمساجد المناطقية القريبة حيث ان المساجد الصغيرة التي تزامن ظهورها مع اكتساح الاسلاموين للفضاء العام المحلي لم تكن تخصص جناحا للنسوة من المصلين لصغر فضاء المسجد ...واكتساحهن للفضاء  المؤسسات الثانوية ك "ثانوية محمد بن عبد الله "وثانوية ماء العينين للتعليم الاصيل ",ولفضاء اعدادية عبد الكريم الخطابي على الخصوص ولمدارس تعليم الرقانة والكتابة ولمدرسة خصوصية للتعليم الاعدادي و الثانوي كان يتوجه اليها الذين وجدوا صعوبات في التمدرس بالقطاع العمومي او ببساطة الراسبون والفاشلون درسيا ..

اليافعات والشابات منهن كن يؤتثن الفضاء العام وحريصات على الظهور الاجتماعي ويتميزين بما يحملنه معهن من كرسات وكتب واوراق ومحافظ أوراق ودفاتر ...وكن التلميذات منهن يحتلن قاعة الاناث بالمكتبة العامة للبلدية دون القاعة المختلطة للمطالعة بمكتبة وادي المخازن التابعة لمنذوبية الشؤون الثقافية ...

اليافعات والشابات كن ميالات لممارسة رياضة الجري والهرولة صباحا بفضاء غابة اولمبيكا بلباسهن المميز ..وكنا حريصات على تنظيم لقاءات بالمنازل قيل عنها انها مخصصة لحفظ القران وللتفقه في الدين و لحفظ الاناشيد والامداح ...

ظهورهن في الفضاءات العامة عني به بشدة اذ لم يلحظ على انه ظهور متسكع او فقط للتجول في الأسواق ومع ذلك بدى طاغيا وكل واحدة منهن او رفقيتين منهن تشكل ظاهرة بشكلهن المتميز وبمشيتهن الخاصة التي حتى هي اقمن لها ادابا وطريقة ...وظهورهن كان السمة الغالبة عليه الظهور الفئوي الجنسي النوعي "النساء مع النساء" والاناث مع الاناث "والخروج صحبة زوج او محرم كان الاستثناء وفي مناسبات السفر والاعياد وزيارات الاهل يوم الجمعة من كل اسبوع وعادة يشاهدون صحبة ازواجهن او اباءهن اما حتى الإخوة فهو أمر ناذر ... 

ظهورهم الاجتماعي لم يكن عفويا او شعبيا مرتجلا بالقدر الذي كان استفزازيا وانما كان سياسيا وكان تعبيرا عن مواقفهم المجتمعية وعن رؤيتهم التجديدية او الإصلاحية لبنى المجتمع ..كانوا يطرحون انفسهم كبديل وكخيار في مواجهة كل قوى اليسار التقدمية وضد كل انحلال وفساد اخلاقي وعقائدي ..وظهورهم الاجتماعي كان استعراضيا بامتياز ..استعراض لاعدادهم ولمدى انتشارهم واكتساحهم وسيطرتهم على الفضاءات العامة ..وكان يستهدف المزيد من الاستقطابات...وظهورهم كان تكتيكيا   كان يحاول الاستفادة من الاجواء السياسية والأمنية المشحونة بين النظام والمعارضة الحزبية وبين النظام واليسار النشيط بالجامعات والثانويات وبين النظام والنقابات المحتجة على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتدهورة وعلى غلاء الاسعار وارتفاع معدلات البطالة كنتيحة لبرامج التقويم الهيكلي التي نهجها المغرب منذ بداية الثمانينات ..

وظهورهم كان خلطا للاوراق لانه كان لا يكفي بان تكون ملتزما بالعبادات وبالمساجد ولا حتى بزي محافظ او حجاب او ببعض العادات المعروفة اتباعها من أهل السنة النبوية لكي تكون اسلاموايا اي تزاوج بين الدين والسياسية وتحمل مشروعا سياسيا في إطار الدولة الإسلامية او دولة الخلافة على المنهج النبوي او تنتصر للثورة الإيرانية وللتشيع....

وظهورهم الاجتماعي كان محاولة منهم لكسب مواقع متقدمة مجتمعيا وسياسيا كحركات وتيارات تجمع مابين الدعوي والتربوي والثقافي وكذا السياسي والاقتصادي الى جانب باقي الحركات والتيارات المجتمعية والسياسية والاقتصادية...     


    



الأربعاء، 13 يناير 2021

يوميات : عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."10 تابع :"18-1"


 

يوميات: عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."10 تابع :"18-1"


 كان نمط حياتنا يضرب في الصميم ونجر للمجهول مكرهين حين أن استجابة المجتمع كانت الرهان الذي اخد يبدوا اننا نخسره ... كننا ننظر للوجوه المتحولة من حولنا كما لو اننا لانعرفها ..لا عشنا بجانبها وشاركناها متعنا والعابنا وشغبنا ..وجوه لا نعرف ماذا ركبها ولا لماذا ركبت الموجة !؟؟..كنا نضبط اعصاب بعضنا في حالات لكي لا نبدوا مستفزين او مستفزين ..كنا نضبط لساننا كي لا يتحدث بالسؤء عن تاريخنا المشترك ونحن نلمحهم يرتدون قناعات لا تناسبهم ولا تساير الذي نعرفه منهم ...

كان التحول على أشده يجرف اعدادا من الناس كل يوم ..تحول مساير ..مطاوع ..خاضع لميلان موازين القوى المجتمعية ...فجأة اتفقوا على أن ينضبطوا لايقاع الصحوة او الموجة ...كنا نعرف أن أغلبية الناس مغلوبة على امرها وكل الذي تريده ان تعيش بسلام وان تترك لحالها بسلام ...ومتى اتفقوا على أن يزيفوا حقيقة المجتمع والوانه وقرروا ان يغيروا من مظاهرهم وازياءهم فلا ضير من ان يسايروهم ليتقوا جانب النقد اللادع والحصار بالنظرات في كل مشوار وتحرك في الجوار او الفضاءات العامة ..

سكوت النظام على مايسري بات تواطئا ومؤامرة نحن من سندفع ثمنها والاجيال القادمة ...فجأة بات كل يتهرب من تحمل مسؤولياته ..فجأة بات كل واحد منهم يتدرع بالوظيف المحدود الأثر على جسم السلطة وبانه عبد للمأمور ..وفجأة بات كل يسحب نفسه من مجرد كسب الاعداء المجانين مادامت الجهات المركزية والعليا لم تصدر تعليمات او لوائح في الموضوع ...

الذي كنا نعيه جيدا انه كان بالإمكان محاصرتهم وحجم حركتهم وللنظام اكثر من طريقة واسلوب لجعلهم يتراجعون للظل وللخطوط  الخلفية والهامشية  لو فقط أعطى لباقي مكونات المجتمع ثقتهم بنفسهم ورعى حوارا مجتمعيا وسمح باثراء النقاش العمومي ..ولكف عنا يد إدريس البصري الطويلة ..

كان صعب القبول بمنطق اننا نعيش الجاهلية وان كل تصرفاتنا وسلوكاتنا خاطئة وانه ليس امامنا غير ان نتبع هديهم ونتوب ونركع لنهجهم ..

كنا نسجل الاكثر من ملاحظة على نمط حياتنا وعلى كل الفئات منا ..كنا نعي اننا متاخرون ونعاني من اكثر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية كدولة وكمجتمع ثالثي ،نامي ..كنا نشعر بالغبن من أوضاع هوامش المدن وبوادي  البلد ونسخط على فقرنا وعلى حالنا واميتنا ..وذلك وحده كان شفعينا في التسامح مع عدد من الأمراض والظواهر الاجتماعية لأننا بجانب ذلك كنا واثقين في ان مسار التغيير الاجتماعي شاق وطويل ويحتاج للكثير من المجهودات والتضحيات..

كنا في حاجة لمنظومات قانونية متطورة نابعة من فلسفة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية لا تلك المتهالكة والمتوارثة من حقبة الاستعمار او المنسوخة على أصله ...وكنا في حاجة لان نرفع اصواتنا ونعبر عن ما يخلجنا في هذه اللحظات الراهنة بكامل الصدق والامانة وبدون خوف او اشتراطات مسبقة ..وكنا في حاجة لوقفة صريحة مع الذات نسعى عبرها لوقف النزيف الذي قادتنا  اليه سنوات من مسلسل الفساد والنهب  وسرقة المال العام وتهريبه للخارج ولكي نعمل قطيعة مع سياسة الريع والامتيازات ...

كنا في حاجة لان لا نصمت ...ولا نكف ..ولا لان نرفع ايدينا ونستسلم للتيار ..

كنا لحد بعيد قادرين على أن نتدبر محاولات الاصطدام بنا من جانب الاسلامويين ومن جانب نظام السي إدريس البصري الذي كان على استعداد ليدوس اي واحد يعلن عن رفضه العالي الصوت للنظام ...والذي كان يحاصر اي حركات مجتمعية تقدمية حداثية بالترويج لها على انها قوى ملحدة وعميلة وهدامة وفي وضع مخالف للقانون وللمجتمع  ....

كنا لا نكف عن النقاش واثارته بين كل الاوساط ومع مختلف الفئات وكل من موقعه يحاول الرفع بالوعي بمشكلاتنا المجتمعية والسياسية والاقتصادية ويحاول رفع حالة التضبيب والتضليل عن اعين بعضنا البعض ...

حصر من حوصر منا ومنع بعضنا من ارتياد دار الشباب ولحقت بعضنا مساءلات ومتابعات بما لا علاقة له بحقيقة نشاطه ولا لما يتم من تضيق عليه ...نفس الأساليب التي نعرفها ونقدرها جيدا مورست في حق بعضنا واكتفى البقية بوضعهم في لوائح انذار وانتظار ...

مجتمعيا كان حجم الاستفزاز عالي وكان المقصود منه ادخالنا في ردود افعال تشنجية تجهز علينا وتقدمنا لقمة سائغة للنظام ...

كانت حرب نفسية واجتماعية قادتها عناصر من الاسلامويين واولئك الذين لا نعرف كيف كانوا يعادوننا بدون موجب سبب مباشر او غير مباشر مقصود ..واستغلتها الأجهزة الأمنية والاستعلاماتية للتضييق علينا واستعملوا فيها نفودهم في الفضاءات العامة لمحاصرتنا ووضع علاماتنا علينا ..أشبه بالوصم الاجتماعي كمسعى ليتم نبدنا اجتماعيا واقصاؤنا الواحد تلو الآخر ...

كان معروف في الاوساط الخدمية اولئك الذين يقدمون الخدمات وبالمحان لذوي السلطة وكان يكفي بان يهمس في اذنه او يومأ اليه بعينه ليتصرف معك بقواعدهم غير المكايسة ويضايقك ويعبر لك بصريح العبارة بانك غير مرحب بك او يرفض أن يقدم لك الخدمة او حتى ان يبيع او يشترى معك ...

وكان يتصيد خروجك من الحانة بعد ان احتسيت بعض الشراب ليوقفك وللايسوقك للمركز وانما ليستفزك وليمارس عليك التحقير والتعنيف والتهديد ثم يتركك لحالك...

كانت فجأة تقام دورية تفتيش وتحقيق من الهويات والبطاقات الوطنية امام مدخل سينما منتظرة خروج رواد القاعة للا يفلت اي واحد يريدونه بمركزهم  او يريدون التاكد من هويته وبياناته او ليوجهوا اليه رسائلهم وهم يحورون امر مهمتهم الرسمية ليقودوا ما يشبه التحقيق أو التحري في امور لا يتم التحري فيها على باب سينما وبدون تعليل معقول ...

كان فجأة يبدا في التوافد على بيتك مقدم الحي والشيخ ومامور الضرائب ومبلغ قضائي بغرامة قديمة استحق اجل سدادها ...وكل المصائب الإدارية واحدة تلو الأخرى ..وفجأة يبدا التدقيق في الأخطاء التي يحتمل وقوعها في كناش الحالة المدنية وبطاقة التعريف الوطني وبطاقة صحة الأمضاء وطلبك المرفوع ..في موضوع بسيط كاستخراح نسخة من رسم الولادة او عقد تاريخ الازدياد او او شهادة سكنى إدارية ...وفجأة تصبح في وضع مخالف لعقدك مع شركة توزيع الكهرباء والماء ومع مصالح البلدية ومع المقاطعة ومع الحيران ...

وفجأة يصبح ممنوع عليك دخول الميناء لانك لا تحمل تصريحا وفجأة تصبح حتى خدمات الاستشفاء غير متوفرة لك ولا احد في الادارة المخاطبة او الموجهة اليها يستطيع مقابلتك او النظر في شكواك ...وحتى المحكمة لا احد يستطيع ان يسمع لك فقط اكتب شكايتك واطبعها عند كاتب عمومي واوادعها  في مكتب الشكايات ...

وفجأة تصبح ممنوعا من الاشتغال حتى على مركب تجديف يقل المصطافين وناس منطقة رقادة لشاطئ  راس الرمل بأي سبب ...

وفجأة تصبح غير مرحب بك للاشتغال في المحلات العامة ببساطة لانك غير منضبط بشهادة الجميع ....!!؟ 

وفجأة تطرق الشرطة القضائية باب بيتك لتفد اليه وتتحرى معك في موضوع بعيد كل البعد عنك وتطلب منك المرور على المركز او الدائرة للثتبت من افادتك وتتركك بالساعات تنتظر ...

وفجأة تقف اليك عناصر شرطية بمكان عام وتفتشك كمن تبحث عن مخدرات او سلاح ابيض بحوزتك دون ان تعرف عن نفسها وعن غرضها وتطلب هويتك الوطنية ...

وفجأة الدكان الذي تستدين منه عند الحاجة يوقف خدمات الإستدانة ...

وفجأة تصبح الغرفة السطحية خرقا لقانون السكنى وبناء عشوائيا بدون ترخيص والقائد الحضري يتابعك أمام المحكمة بالخرق ذاك ..

وفجأة توقف من العمل لحين مراجعة كامل ملفك التوظيفي لاحتمال أخطاء واردة فيه او تصريحات متضاربة به ....

كان يتساوى الناشط الجمعوي والسياسي مع اي شخص بسيط اكتسب بعض الوعي بموقعه وبدوره والقدرة على التعبير عن أفكاره وأراءه لتوضع عليه علامة وليحاصر في كل تحركاته ولتنهال عليه المشاكل المصطنعة دفعة واحدة ...

لقد اكتشفنا فجأة كم هي قدرتهم على تسخير الغير والحفر تحث الارض التي تقف عليها ...لقد انتهينا لنكتشف ان جهاز الامن والشرطة كله قابل للتحول والعمل كفريق واحد مع قسم الشؤون العامة للشرطة او ما كان يعرف بالقسم السياسي ..فجأة لم يعد هناك ثلاثة عناصر تكون القسم بمفوضية شرطة العرائش  وانما كل عناصر المفوضية تتعاون معهم وتأتمر بامرهم خصوصا تلك التي في مهام حفظ النظام بمصالح وادارات الدولة كالمحكمة والمستشفى ..كان يكفي ان يوجهها رئيس القسم او احد مفتشي القسم لتضعك نصب اعينها ولتبدا هي  الاخرى إشاعة الامر بين باقي العناصر ...كنا نعتقد أن عناصر الشرطة القضائية على حياد مع القضايا السياسية ومع الناشطين الجمعويين ليتاكد لنا كم كنا موهومين وهم جزء لا يتحزا من النظام ..

من الصعب التحدث عن شرعية او قانونية ما كان يمارسونه لانهم كانوا لا يتماهون مع القانون بل كانوا يتصرفون على انهم هم القانون وهم الدولة وهم السلطة وهم النظام ...والى جانبهم كل موظفي الدولة يكفي فقط ان يلتقطوا الاشارة منهم ليتصرفوا بعدها من تلقاء أنفسهم ويساهمون في التضييق عليك ومحاصرتك واستفزازك نحو ان تمل او تتعب وتنهار او تضغط فتنفجر ...

لم نكن نحمل أية مشاريع انقلابية او تخريبية او نتوسل العنف ..لم نكن نمت بصلة الى أي تنظيم سياسي سري او علني كل ما كنا نحمله بضعة افكار وقيم ومبادئ وقدرة على التحليل والتفكيك والنظر ...و رؤية مفتوحة على المستقبل الذي نريده ..كنا مجموعة رفاق وكل واحد منا تربطه علاقات مع محيطه وجماعاته الخاصة ..وكل واحد منا يطور ذاته ولغته وامكاناته الفكرية والادبية  مع وسطه القريب منه ..لم ننضبط لاي تيار او جناح أو تنظيم خلوي ولا حتى لاطار جمعوي ..كان كل ينشط في نادي او جمعية مختلفة .. كانت هناك تجربة جمعية الاشعاع الثقافي وتجربة نادي الافاق  وتجارب من داخل شبيبات حزبية كتجربة شبيبة حزب التقدم والاشتراكية وشبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتجربة الشبيبة العمالية التابعة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل...ومجموعات لم تنتظم مهنيا كالبحارة وبحارة قوارب نقل المصطافين وعاملي الصباغة والتبيض ..وطلبة جامعيين ناشيطون في مواقعهم..وفنانون ..موسيقيون ومغنيون ..كنا نتلاقى وننتناقش ودون هم ان يوحدنا اطار أو تنظيم واحد حين اننا ننتظم لنفس الافكار ولنفس الرؤى والحلم ...كنا نملك القدرة على السخرية من جميع من سعو لمحاصرتنا ...انا طبيعي حوصرت لجانبهم لكن ليس من العناصر او الأجهزة الرسمية والعلامة التي وضعت علي لم تكن من قبلهم بل من جانب الاسلامويين ومن بعض الحزبيين الذين رغم محاولاتهم لاستقطابي ضمنهم لم اسايرهم ...رجال الامن والشرطة و"القسم السياسي"كنت أعرفهم ويعرفونني وكانت تجمعني علاقات بهم تطورت لمستويات الرفقة والصحبة بالحانات وباماكن الشرب وكلما حاولوا البحث في ما ورائي وجدوا أنفسهم يعرفونني ويعرفون ارائي ومواقفي واهتماماتي كما يعرفون الوسط الأسري والعائلي الذي انتمي اليه ...اما بعض الموظفين كما بعض استاذتي فلقد نبهونني لرفاقي ولموقف السلطة والنظام منهم وطلبوا  مني كما فعلوا مع صاحبي الشريف والگراب بالانصراف عنهم وتركهم ..لكننا ببساطة لم نستجب لطلبهم لأننا كنا نقاسمهم همومنا واحلامنا وتطلعاتنا وكنا في حاجة لنتطور بجانبهم.... 

كنا نقضي ساعات بمقهى النخيل ومرات بمقهى الوفاء ويعاودنا الحنين لمقهى ليكسوس فنجلس بطريساها رغم عدم يقيننا بأنهم سيقدمون لنا خدمات المحل وان قدموها فلن تكن كاملة او على مايرام ...وكنا مع  مجموعة  أخرى نرتاد مقهى المنارة ومقهى غرناطة ..وكان الليل بمقهى المحطة الطرقية ..لكننا كنا نقضي اغلب الوقت نتمشى بالطرقات وندور بساحة التحرير في آخر المساء والليل او نجتمع لساحة دار المخزن وبفضاء الطري لنشرب ونحتسي الكونياك المهرب ...وكنا نفد على بيوتات بعضنا البعض ان كانت بها فسحة وامكان لنجلس بها ....

كنا نضحك ونسخر منهم لانهم وضعوا لنا هالة اكبر منا وعبثا يحاولون اقحامنا في الوقوع معهم ....كنا مسالمين لابعد حد وغير مستعدين للدخول في المعارك الخاسرة ولانشبه تلك الصورة التي وضعوها ورسموها لنا ...ربما عيبنا الاوحد اننا كنا نمارس حريتنا وقناعاتنا وغير مستعدين لمقايضتها او المتاجرة  بها ...

هناك من استسلم لبعض الانهاك والياس وغلبته حالة الاحتراق   النفسي التي وجد نفسه عليها فقرر الابتعاد وقرر الانغماس في عمله دون شيء اخر ..لكننا معا واصلنا الاهتمام والنقاش والقراءة والتحليل والحلم ...واللقاء وتحدي الظلام والظلامين ومن استعدونا بلا مقابل او طائل ...


     


   

الأحد، 10 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(31) بعيدا عن حنان"هذه..."9 تابع :"17-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..31) بعيدا عن حنان "هذه ..." 9 تابع :"17-1".


 لا يمكنني الجزم في شيء لكن البادي من الامر يقول ان المصالح والجهات الأمنية كانت بعيدة عن تقدير التحول الذي هم حياتنا الاجتماعية بعد اكتساح الإسلاميين وتنظيماتهم المشهد الاجتماعي العام ..لم تكن هناك أية بوادر تنم على انها تتعاطى بجدية مع ما اضحى أشبه بانقسام للمجتمع لانها لو فعلا كانت مهتمة بما يكفي لحاصرت الظاهرة قبل أن تعم وتتسع وتتشعب ..

وطنيا كان النظام الامني يعيش فترة التربع على كل سلطة بفضل العناية الفائقة التي أولها السيد وزير الداخلية انداك إدريس البصري لأجهزة الأمن والشرطة ولكل مكونات السلطة بل لعله كان هناك احساس مبالغ به بالامن وقدراته على مواجهة تحديات المرحلة ورهانتها ولحدود منتصف الثمانينات لم نجده في مواجهة مع الإسلاميين ..ربما بعدها وعلى  اثر تحرك  الساحات الجامعية وبروز الفصائل والتنظيمات الإسلامية السياسية اخد يوجه النظام الامني ضربات انتقائية تمركزت خصوصا في الشرق والوسط بمنطقة فاس وبالشمال بطنجة وتطوان ..وكان يستعمل قوات التدخل السريع لمحاصرة الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية ويشن حملات اعتقال ما ان يسيطر على التوثر وتخف حدة المواجهات بين الفصائل التقدمية والقاعدية واليسارية وبين فصائل الإسلاميين والسلفيين ..كما اخد يوجه في نهاية الثمانينات وبدايات التسعينيات ضربات تستهدف الاجتماعات التحضيرية والتنظيمية للاسلاميين بما فيها ما قيل عنها مجرد جموع اجتماعية بغرض الدراسة والتفقه والنصح كان ينظمها الاسلاميون ..

النظام الامني بدى متاثرا بالاحداث والوقائع ومنفعل بها ومعها وغير مسيطر على الأوضاع كما يدعي وهو يبرز عضلاته ويضرب في كل اتجاه ..

النظام الامني كان يعيش صراعا تقليديا مع مكونات المعارضة الحزبية وباقي الأجنحة والتيارات التي نبثت منها او تسللت اليها وكان يعيش على ايقاع المناوشات التصعيدية  التي قادتها الحركات النقابية العمالية والعامة التابعة لاحزاب المعارضة وكان ينتج نفس ردود أفعاله تجاهها ويكرس طاقة اجهزته في متابعتها ومحاولات الالتفاف حولها ..

النظام الامني والسلطوي في عهد وزارة داخلية إدريس البصري الذي زاوج الاعلام اليها كان استعراضيا بامتياز وكان متذخلا في كل مناحي الحياة اليومية للسكان وفي كل سياسات الحكومة  وعمل إدارتها ودوائرها ..كان نظام العمال والبشوات والقياد وخلفاؤهم مستحكم في كل جزئيات النظام العام ومسخرة له كل الإمكانات المادية واللوجستيكية والبشرية ..وهذا النظام كان نافذا ويتمتع باقصى الامتيازات بل كان يشكل أشبه بنظام حكومات إقليمية ومحلية واسعة الصلاحيات فهي التي تامر وتنهى وترخص وتفوت وتقتطع وتوظف وترقي وتراقب وتتذخل وتمارس حتى السياسية وتطبخ حتى نتائج الانتخابات ...

كان صعب الاقرار بان نظاما امنيا وسلطويا كهذا لم يكن منتبها لكل التغيرات التي مست بنيان المجتمع وحولت ابديولوجيته واخدت تمسخ هويته ...!؟

وكان من الصعب الاعتقاد في ان النظام لم يكن مباليا بميل موازين القوى المجتمعية لصالح الإسلاميين او الاعتقاد في انه سمح لهم بذلك ...

وزارة الداخلية والاعلام كانت اقوى وزارة في كل الحكومة ومقربة من القصر وتضلع بمهام جسام وتقع عليها مسؤوليات متعددة بما تحث يدها من أجهزة مكلفة بالرصد والمراقبة والتتبع والاستعلام والتحري ..وليس خفي كم هي مهتمة برصد اي نبض الحياة العامة  وكل تحول في الرأي العام ..وأنها على سنوات طوال اوجدت لها في كل التراب الوطني عين ترصد وادن تتبع و عناصر تبلغ وتتحرى ...فهل فاتها شيء ما مما كان يعتمل بداية في الخفاء ثم لاحقا في العلن ؟! ام انها لم تقيم حجم هؤلاء الإسلاميين واهدافهم التحويلية للمجتمع..واستهانت بمقدراتهم ؟! ام انها كانت متورطة في خلقهم واستعمالهم لمصالح وحدها التي تعلم بها ...؟!! 

محليا لم نلحظ شيئا يوشي بان هناك شكل من الاستنفار حيال هؤلاء المكتسحين المشهد الاجتماعي والسياسي ولا اشكال من الاعتراض على تظاهرهم الاجتماعي المقلق للعموم ..كنا نفهم الحق في التعدد والاختلاف ولسنا مع التعرض للحريات وللحقوق الأساسية في التعبير وابداء الاراء واعتناق المبادئ والقيم السياسية وممارسة الديمقراطية ولم يكن من نظرنا ان يقمع اي مكون سياسي او ايديولوجي في مجتمعنا هذا اذا ممارسا ملتزما بقواعد العمل السياسي أو النقابي او الجمعوي او الاجتماعي ولمبادئها ويعمل في نوع من الوضوح ..

محليا كان الامن يباشر مهامه بشكل اعتيادي وروتيني يتدخل ليقف على اضراب قطاعي ويجري تحرياته واستعلامه عن الجهات النقابية او التنظيمية التي تقف وراءه او يتابع مظاهرة صغيرة غير مرخص لها تحاول الخروج من مقر حزبي او حزبي نقابي لتجوب الشوارع في اتجاه الوقوف الاحتجاجي قبالة قصر العمالة او البلدية او المحكمة او يمارس رقابته بالحضور الرصدي لنشاط سياسي جماهيري او جمعوي ثقافي يقام بقاعة سينما او بدار الشباب او يحتضنه مقر حزبي او نقابي..ودائما كانت نفس الوجوه هي التي تظهر وتتابع برفقة عناصر نظامية وعلى جانب منها كان هناك السادة المقدمين والشيوخ ياطر حضورهم خليفة قائد او قائد ملحق من العمالة ..وعنصر الى عنصرين من إدارة مراقبة التراب الوطني  ...

بالمدينة كان يبدوا كل شيء عادي وغير مقلق للسلطات التي لم تتحرك في اي اتجاه لتقييم الظاهرة والعمل على احتواءها ..كانت تتصرف بذات ايقاعها في ممارسة أعمالها ومهامها ..ايقاع متاخر وغير استباقي في محاربة الظواهر الجنوحية وفي إجراء المتعين وهي تستمع لمنازعات الناس من من يقصدون دوائرها وان يبقى سؤال يطرح نفسه بالحاج :ما الذي كان بامكانها ان تعمله بالفعل ؟! وباي وسائل ...؟!  

تعتمد مصالح الشؤون العامة للعمالة والبلدية والمقاطعات على فعاليات قسم الولاة والمقدمين وعلى مجهود رؤساء المصلحة والاقسام التابعة لها وعلى مدى قدرتهم في خلق شبكات استعلامية واحتواء عناصر تيسر لها مهامها ..ليس هناك من عمل اساسي تعتمد عليها في صياغة تقاريرها اليومية غير ما يجود به السادة المقدمون والشيوخ..والباقي ما لم تكن هناك احداث او نشاطات سياسية أو اجتماعية فهو يقيد في خانة العمل الروتيني ويؤشر عليه بذات العبارة التقليدية : ليس هناك من اعلام جديد ...كان ينبغي على الحدث ان ينوجد اولا ليليه نشاط استعلامي  ويحاط بالتحري الواجب ..او كان الامر مرهونا بتعليمات وتوجيهات الادارة المركزية وبمدى عنايتها بملفات وقضايا معينة أو بتركيزها  على اشخاص وتنظيمات معينة ..

كان الكل يبدوا منخرطا في العمل الرسمي الروتيني وينتظر التعليمات والتوجيهات  وحيث ان لاشيءا رسميا يقتضي بفتح ملف او تتبع ظاهرة محددة فلا احد يهتم ...وحيث الكل يغني ويطبل مع شعار الامن المستتب والوزارة القوية فلا خوف هناك ولا هم يحزنون ...

بالتاكيد لم نكن نحن وحدنا من نلاحظ حال المجتمع الغادي في الانقسام على نفسه لكنهم كعناصر أمنية واستعلاماتية ورجال سلطة محلية واقليمية ما كان يجدر بهم ان يقفوا عند الملاحظة فقط ولسان حالهم يعبر عن عجزهم  او عدم قدرتهم على استعاب ما يحصل ولا كيف حصل ...!!؟ ..

كان الشارع يغلي على مهل واحيانا على شكل متشنج ..اخدت تسجل حالات من انفلات الاعصاب في الاحياء السكنية وفي الفضاءات العامة ..ترصد متعمد من جماعات الإسلاميين لحالات درجنا على أن تتعاطى معها بحيادية او ببعض اللامبالاة وببعض التسامح على اعتبارها غير غريبة على مجتمعنا مهما قيل عنها انها تخدش بعض الحياء العام أو قد تعتبر جانحة او مخالفة للنظام العام المجتمعي ..وبدات اعترضاتهم تتطور لمحاولتهم إعادة ضبط الامور والتدخل بما قيل عنه منهم امر بالمعروف ونهي عن المنكر وعلى اعتبار أن الساكت عن الحق شيطان اخرس ...وفي المقابل لم تكن تمر تدخلاتهم دون تطورات ردود الافعال وتكهربها ووصول بعض قضاياها لدوائر الأمن والشرطة لكنها لم تكن تقرا الا على اعتبار أنها قضايا سب وقدف او تبادل الضرب والجرح او محاولات اعتداء واعتراض سبيل او اعتداء على ممتلكات الغير ..لا احد كان يملك سلطة تكييف القضايا تكييفها السياسي الصحيح حتى ولو كان في قرارة نفسه يعرف خباياها وخلفياتها...وحتى مع الادارات المخول لها تسليم التصاريح والتراخيص المختلفة لم تجرا على فعل شيء غير الامتثال للقانون ومساطره وتمكين طالبي التصاريح والتراخيص منها على انها بدات تتحسس من نوعيات مرتفقي مصالحها وقوتهم الصاعدة ...

حتى الدوائر الشرطية التي كانت على الاقل تعرف اصحاب السوابق العدلية وأصحاب حالات العود ومثيري المشاكل والخلافات والنعائر ما كان لها ان تفعل شيئا امام التحول المثير للريبة والشك لبعض هؤلاء لجهة الإسلاميين والملتزمين بسلوك ومظهر جديد ..

واي ملاحظ او متتبع عادي ما كان ليفوت انقلاب احوال عديدين داخل مجتمعنا المحلي ..انقلابه لمسايرة الموجة الاسلاموية ان لم يكن قلبا فقالبا ..ان لم تكن عن قناعة فكتكتيك سياسي لمسايرة السوق ولكسب زبناءه ...ومن لم يحتوى معهم هادنهم وسايرهم وبذلك كانوا يمدونهم بالقوة ليخرجوا للفضاءات العامة مستعرضين  عضالاتهم ..متبخثرين في مشياتهم ولباسهم المتميز  ..بابتساماتهم الصفراء المبالغ فيها او بنظرات بعضهم السلطوية .الرادعة او المهددة ..وبقدرة بعضهم على التطفل  على حياة الآخرين وخصوصياتهم ..

كانت نفوس العدد الاخر من الناس الذين وقفوا على خلاف مع الاسلامويين وتوجهاتهم تغلي وتشتعل بالغيض وهي ترى نمودج عيشها الاجتماعي يختطف منها ويلبس لبوسا اخرا لا يكاد يتبين نوعيته ولا حقيقة اهدافه ..وحتى من فيهم لم يكن يدري ما كان على السلطات ان تفعله لتجابه هذا التحول وهذا الانقسام فهو لم يكن مع ان تقف مربوعة اليدين هي القادرة على فعل واتيان العجاب من الامور ...

كان المجتمع المحلي العرائشي يعرف أشبه بنظام فتوات ..رحال وشباب ببنية جسمانية ضخمة وعضلات يتصرفون عموما ببعض الخشونة وحين اندلاع المعارك يصوتون ويجولون ..لكن دون ان يدعوا الامور تخرج تماما عن سيطرتهم ..قد يدخلون عراكات كلامية وبعض النثر والشد في ثياب الخصم وحتى ايقاعه ارضا لكنهم يضبطون اعصابهم ..دائما هناك ذلك الحس والوعي بان "المخزن "لن يتساهل معهم ...

كان نظام فتوات اجتماعي خلقته ظروف العمل والخروج لساحاته ..وفرضه الأمر الواقع وقيم الرجولة المعلات والكرامة ولا للحقرة وللدوس على الحقوق ..كانت له ساحاته المعروفة كالميناء وسوق الجملة للخضر والفواكه والمحطة الطرقية ومرسى ركوب القوارب بشاطئ راس الرمل ..وكانت له وجوهه واسماءه المعروفة والموقرة الجانب ...التي صنعت سيطها واسطورتها المحلية والمعجبين بهم ..ولم يكونوا عموما من المدمنين للمخدرات او المعاقرين للشراب وان كانت سيرة بعضهم السابقة سيئة وفيها الاكثر من سابقة قضائية ..كانوا رجالا وشبابا  وبعض اليافعين الذين بعد يحاولون تقليد الكبار منهم والسير على نهجهم وسلوكهم ..

كانت مجتمعات العمل غارقة في الفوضى والتسيب ومستحكمة من شبكات مصالح وضغط لها مزاجهها الخاص في ترتيب وتصنيف الناس الذين يشتغلون تحث امرتهم او بحانبهم وكان كل وافد جديد يبحث عن فرصته يجب عليه ان  يتدافع ويتكاتف ويمتطى هامة الاخرين ليحقق مكسبه ..وفي مجتمعات العمل الذكورية بامتياز كانت لغة العضلات والجسد وقوته هي الغالبة بالإضافة إلى لغة الرأس المال المعتبر  ..والى جانب ظهور وسيطرة نظام الفتوات هذا كانت الكلمة لا تنزل للارض ..كلمة كبار المجتمع ذلك ..رياس بحارة او صاحب مركب او مجهز كبير او تاجر جملة كبير او قيدوم ماسكي تذاكر السفر ومرشدي وحمالة المحطة ..وهؤلاء لم يبنوا سمعتهم من فراغ ودائما هناك من على استعداد ليتطوع بالدفاع عنهم ومؤازرتهم  بمثل ما هناك من لا يكف عن الحكي عن حكاياتهم ومغامراتهم ومعاركهم الرابحة ..

كان اي شخص جديد يبحث عن فرصة شغل في اوساطهم عليه أن يدير الاكثر من حساب ..حساب الاخرين ..لم تكن اوساطا مفتوحة تلقائيا ولم يكن كل شخص بقادر على ان يحتمل اشكال التجريب والتعريض المستمرة ليلين او ليكشف عن معدنه وقوته ..كان على الاقل عليه أن يختار من ينظم لجانبه ليبسط عليه بعضا من حمايته وهذا كان يتطلب منه ايجاد من يتوصى به ويفهمه لغة الوسط والاسلوب الأنسب لاتباعه ...

نظام الفتوات هذه امتد حتى للاحياء السكنية والمناطق كامتداد طبيعي للموقع المحقق في الوسط المهني والتجاري والخدمي وكانعكاس لتداخل العلاقات والمصالح والنفود اجتماعيا ..ونظام الفتوات هذا كان على النقيض من نظام الرعونة والسيطرة العنيفة الذي كان يمارسه بعض اصحاب السوابق العدلية وتجار الحشيش والخمور المهربة بمناطقهم السكنية وبنقط توزيعهم التي يستحكمون عليها بمن يسندهم من أفراد ارتأت ان مصلحتها مع من يزودها باحتياجتها من الحشيش والكحول والاقراص المخدرة ..وكانوا معا يشكلون أشبه بنظام عصابات وجماعات خارجة على القانون والمجتمع ..

كانت مواقع  القوى في مجتمعنا المحلي متقاسمة وتحكمها اعراف وتقاليد اجتماعية وتراتبية ومجالية وكان الصراع على أشده بين كل الاطراف للتغيير فيها واقتحامها وقلبها لصالحه ..وكان على رأس هذه القوى شكليا رجال الامن وكبار رجال الدرك لانه فعليا كان كل من يملك الثروة يملك القوة اوتوماتيكيا ..ولكي تكسب المال وتحقق الثروة لابد لك من ان تتحد مع من بيده السلطة والقوة الاخضاعية ..ولكي يسمح لك بجنيها عليك ان تخلق خلقا ظروف كسبها الأنسب ..عليك ان تميل الى جانب وتسمح بان يقتطع جزء من ربحك لصالحهم ..عليك ببساطة أن تدفع وتخصص وترشي وتهادي لكي يتم الرضى عنك وتسهيل اعمالك والدفاع عن مصالحك ...

كان للميناء نظامه  واعرافه الخاصة وجماعته القوية بلا منازع وفتوته ..بمثل ما كان لسوق الجملة والمحطة الطرقية جماعته وناسه المستحكمين فيهما ..وكل المنازعات والشجارات تعتبر شانا محليا وخاصا باصحابه ما لم يرفعوا عنه أيديهم ليتركوا للامن والشرطة والدرك بالتدخل وحتى ذلك كان يعتبر تصفية حساب..وانما على سيناريوا جديد ومغاير ..

في الاحياء والمناطق السكنية احتفظ كل صاحب قوة وشان بمقامه واعتباره مع التنحي عن الانغماس في التفاصيل اليومية للساكنة وللجيران ..اخد تلك المسافة منهم ضروري لتكريس الامتياز وعلو الشأن الاجتماعي وحتى عندما كان يطلب منهم التدخل فهم كانوا ينيبون عنهم من يفعل ذلك وعلى نحو حاسم وهنا كان تاتي قوة علاقاتهم وتشباك مصالحهم مع عناصر الأمن والشرطة وقد تمتد لغيرهم من كبار مسؤولي السلطة المحلية والاقليمية  وكبار موظفي العدل ومصلحة السجون ..

كانوا تقليديا في المجتمع المحلي العرائش اصحاب نعم وخير على الجميع وأصحاب حضوة وامتيازات وفي مجالاتهم هم السادة والباطرونا والكلمة كلمتهم ..ما من تهجم في الامر وانما هذه هي الحقيقة التي كان يلحظها الجميع ويهمس بها ..كان رجال الامن مجرد تابعين لهم وامتداد لقوتهم ونفودهم الرأس المالي ...

كانوا يكدسون  المال والثروات ويتحوزون على اجمل البقع الأرضية والمنازل والسيارات والخدم والتابعين ويعيشون كامراء واستغلوا نظام الفتوة لصالحهم وللمد في نفودهم على الأرض كما استغلوا نظام الرعناء وجماعاتهم ليصفوا حساباتهم الخاصة مع خصومهم او مع من يناصبهم العداء كما استغلوا عناصر من رجال الامن والدرك لتيسير مصالحهم ولمعاقبة المتطاوليين  عليهم ...كانوا يصرفون ببذخ وساعة يدخل أحدهم حانة فالكل يشرب على حسابه الخاص ..كانوا يتحركون بمرافقة خاصة او بحماية مباشرة من عناصر الأمن ...وبمثل ماراكموا المال والسلطة ركموا الأحقاد والغل ..كانت العيون تترصدهم بنوايا خبيثة وتتمنى زوال النعمة عنهم وتتامر عليهم ولو وجدت فرصة لتنتقم منهم وتوشي بهم لفعلت ذلك لكن لمن ...؟! 

كان المجتمع تراتبي ..هناك من يعيش الأبهة وهناك المعدمون ومن لا يملكون غير أجرة يومهم وقوته ..هناك من يملك ان يبطش ويصفي خصمه وهناك من حتى لو دوس فوق قدمه فلا يملك ان يحرك ساكنا ..  

كان المجتمع المحلي طبقات والوان وتشكيلات هناك من ولد دليلا وعاش دليلا وقد يموت كذلك وهناك من عاش يملك كل ما يريده ويموت في غنى عن كل ذلك ويبقو ورثته وحاملي اسمه وراعي رزقه ..

كان الجميع يتساوى في إمكان ان يحلم بأن يكون ذات يوم يملك ويقدر ويستطيع لكن ليس كل واحد يحلم بقادر على ان يغامر ويركب الصعب ليصل لتحقيق أحلامه وايجاد مكان له في المجتمع ..

اولئك الاسلامويون  لم ينوجدوا من فراغ ولا فجأة ظهروا وان كان يحدث التحول الشخصي بشكل يفاجئ الجميع ..كانوا بيننا كأيها الناس فيهم البحار والتاجر والعامل والمستخدم والموظف ورجل التعليم ورجل الصحة والطالب والتلميذ والذي على باب الله والعاطل....وكانوا مثل غيرهم يعيشون الصراع الاجتماعي ويعاني البعض منهم الاندحار الاجتماعي ..ومنهم من يعاني الصراع النفسي ومشاكل التكيف ..وكل واحد منهم لعله كان مثل جمعينا..يعاني وجوده ويحلم ويسعى ويتطاحن وينهم  ويتعب يعاود الوقوف والمكابرة من جديد والمضي مجددا ..

هؤلاء الاسلامويون  لم يكونوا ابناء شرفاء الزوايا الصوفية ولا حفدة علامين وفقهاء دين وشريعة ..كانوا عموما بلا حضوة اجتماعية وبلا مرتبة متوارثة او مكتسبة الا اذا استثنينا بعض وجوههم البارزة التي كانت تشتغل كاساتذة جامعيين وكعدول وكطلبة باحثين ..وكانوا عموما عرائشيين بما للعرائش من امكاناتها ومن حجم ثروثها ومن قدرتها على استعاب الباحثين عن الفرص وعن الاستقرار المادي والاجتماعي ...

وجوههم كانت معروفة في اوساطهم السكنية ومنهم من بحكم مهنته او تحارته معروف من باقي ساكنة المدينة ..وسيرهم بدورها كانت معروفة في خطوطها العريضة ..وكانوا موزعين حسب قدرتهم واحوالهم المادية والاجتماعية على المناطق السكنية وبالتالي على مجالات وميادين العمل واقسام الدراسة  ويغطون تقريبا مختلف الفئات العمرية وكلا الجنسين ..

كانوا معروفين بلا يافطة سياسية وان قد تكون لبعضهم سابق انتماءات سياسية أو نقابية لكنهم لم يتبوؤا مسؤوليات في مكاتب أحزاب او شبببات سياسية ..ربما كانت لبعضهم بحكم قرابته العائلية تعاطف او ميل سياسي حزبي ..

كانوا من غير النشطيين  الجمعويين المعروفين بالمدينة وعلى الساحة ..كما لم يكونوا من العاملين او المتطوعين في الحقل الاجتماعي والتربوي ...

كانوا عموما غائبين عن الظهور الاجتماعي البارز محليا وان كانوا وجوها محلية معروفة من قبل ناس المدينة بحكم مهنهم او حرفهم او تجاراتهم او ببساطة بحسب موقع سكناهم والعائلة التي ينتمون إليها أو معروفون بحكم المدارس التي ارتادوها والاحياء التي كبروا فيها ...

وعندما اخدوا يظهرون وبتميزون بلباسهم وسلوك ظهورهم الاجتماعي كان طبيعي ان يثيروا الانتباه والتساءل حول تحولهم او انتقالهم لهذا المستوى من لفت الانتباه اليهم وحولهم ...وعندما اخدوا يحرصون على الالتقاء في محلات تجارة بعضهم او في أماكن معينة من وسط المدينة او بسوق الكبيبات او سوق الاحد ..ولما اخدوا يحرصون على أن لا يفدوا مصلحة إدارية الا اذا كانوا على الاقل ثلاثة أشخاص ..وكذلك لما اخدوا يكثرون من زياراتهم الشخصية لبعضهم البعض واطالة  امد وقوفهم قريبا من باب البيت او على ناصية الزقاق او الدرب او الشارع ..كما لما اخدوا يحرصون على التجول كاصحاب في الفضاءات العامة ...كانوا قد انتقلوا إلى إلى مستوى ثاني من ظهورهم الاجتماعي الى الظهور الاجتماعي السياسي وكان واضح انهم يسعون ليتقوا ببعضهم ..وانهم اوجدوا او يوحدوا لهم نوعا من التنظيم والتنسيق وانهم مهتمون بالاكثر من شان ويسعون من خلال احتماعاتهم عمدا للفت الانتباه الى أنهم يعدون العدة لتحولات قادمة ...

من الغباء الاعتقاد ان كل هذا لم يلفت انتباه السلطات المعنية واجهزتها او احدى الجهات التي تقرا في المؤشرات والاحوال المجتمعية المختلفة أو الاعلام على اقله المكتوب ....؟!! 

من قبيل السداجة الاعتقاد بأن يد وسمع وبصر السلطة ورجالاتها قصيرة لتسمح بان يشق المجتمع هذا التيار الاسلامي السياسي في زمن الصحوة الإسلامية التي يبشر بها في كل الديار العربية والإسلامية والقريبة منا او ليكون دون انتباه منا ...!!؟ 

كانت بعض الانباء من الاوساط الجامعية والطلابية تتبني نظرية ان النظام من خلق هذه الحركة الإسلامية ليضرب بها التنظيمات الماركسية والشيوعية واليسارية الريديكالية كما فعل الرئيس جمال عبدالناصر بالاخوان المسلمين ويتحدثون عن سماح النظام والترخيص   للشبيبة الإسلامية بعد ان وجدت في الساحة الطلابية   منذ سنة 1969  في سنة 1972 لتضرب بها الحركات الطلابية ومنظمتها العتيدة  ..ويستدلون على ذلك بسماح مصالح واقسام وزارة الداخلية بقبول ملفات تأسيس جمعيات ومنظمات كلها كانت تحمل مرادفات الاسلام والإسلامية ...

غير أن قوة ظهورهم وتزايده العددي واشكاله والفئات التي ضمها وانتقالهم في المستوى الثالث من ظهورهم الى التصادم الاجتماعي والى التعبئة والتحريض على النظام والى تبني استراتجيات العمل السري بعزل الخلايا عن اي تنظيم واضح ومسمى ..كان يوشي بأنه حتى ولو كان النظام سمح لهم في مرحلة سياسية سابقة بالظهور فهو يعاني من جهتهم الان وسيعاني مستقبلا ...لان الامور كانت تخرج عن السيطرة ولانهم بشكل او باخر يهددون السلم المجتمعي وكيان الدولة ...ويضربون مصالحها واقتصادها ..

هل استوعبت وزارة إدريس البصري الرجل القوي في الدولة والحكومة حقيقة الوضع وحقيقة ما حصل بالجارة  الشقيقة الجزائر والتي لم نكن دائما على وفاق معها !!؟..

وهل استوعبت مصالح الخارجية والاستخبارات المغربية دور المملكة السعودية وفكرها الوهابي ومال بترولها المتدفق في ما يحصل داخل مجتمعنا ويتلاعب باقتصادنا ويحاول افراز قوة جديدة وصنع تغيير جديد في كل بنياتنا وهياكل الدولة ...؟! 

هل فعلا كان النظام ضابطا للعبة السياسية والاجتماعية وقوي بما يكفي للا يترك الحبل ينفلت من بين أصابعه ...؟! ...... 

 

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...