السبت، 31 أكتوبر 2020

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (13) تابع :سلاما متجددا فاطمة "12-1"

*درس الوفاء :

 -"غذي نقولك شنو غذي نديروا بالفلوس لدبرتي ..ياك كتيق بي..غدي نشربوا حتى حنا ومن بعد غذي نقولك حاجة وحدا خرى.."..

تعلمت ان انظر الى اخي "فؤاد"جيدا ..اتفحصه مليا وان لا احاججه وان لا استغرب من أفكاره او اقتراحاته لا لانه يعاملني جيدا بل لانني اعي انه يرعاني ..يساهم في تربيتي ..كان يومها السوق "سوق كسا براطا"قد نام ..شبه توقفت حركة البيع والشراء وحتى عدد من بقي فيهم نفس للتجول بين ممراته وطاولات الباعة او بين ازقته الجديدة والحديثة البناء والتي لم يكتمل بعد تشطيبها او خارج سور السوق الاساسي قل عددهم ويبدون  منهوكين والزمن يدنوا من وقت ادان صلاة العصر ..والدنا كان ضجرا من جلسة السيارة الكبيرة العائلية "فوزفاكن.."التي تشبع هيكلها باشعة الشمس واضحى جوها خانقا خصوصا مع ما تنبعث منها من رائحة علف الماشية الذي تم توصيله لاحد الكسابين بفحص طنجة وكان يفضل ان يبقى واقفا خارج السيارة مراقبا عبث وضحك ابن خالتنا الكبير "محمد" الذي ينسى انهاء اعداد سيجارته الممزوجة بالحشيش ويضل ممسكا  بورق اللف الى أن يبتل بعرق كفه ليعاود البحث بلا كلل عن ورق اخر باحد جيوبه وهو لا يكف عن التمازح مع نساء من مختلف الأعمار الاغلب على سحنتهن انهن من بدويات ومداشر ذلك الاقليم الذي يبدوا انه غير منتهي والذي يجمعون على تسميته فحص طنجة ..والدي كان بين الفترة والاخرى يفتح باب السيارة ويصعد ليجلس ويدعوني لانادي على "محمد" ويوصيني ان لا ادعه الا وقد استجاب وجاءه السيارة ...بالداخل كانا يتناوبا تناول الجعة لان وقت الخمرة لم يصل بعد ..أنهما ينتظرا الى أن تخفت أشعة الشمس وتتحول رياح الشرقي الى نسمات الغربي مع بداية غروب الشمس .

"فؤاد"حر في تصرفه ..كان ياخد على والدنا تعهدا بأنه يدعه وشانه خصوصا بطنجة .كان اكبر من ان يضيع في طرقات المدينة الواسعة هو الذي خبرها وحده ونظم بها في كل عطلة كنا نقدم فيها للمدينة خطة تجوال  واستكشاف ..و"فؤاد" في عطلة نهاية السنة الدراسية ولم يتخلف عن النجاح والصعود للقسم الموالي وبنتيجة حسنة ..و"فؤاد" في مدينة غير التي الكل يعرفه فيها ويعرف على الاقل الجهة التي يسكن بها .."فؤاد"في زمن السفر والاستكشاف لذلك فهو حر ..كان يقول لخالتي "زهرة":-اخالتي انا بلا متعبي راسك معيا ..شتي اخالتي انا من يجبني الجوع ونبغي نكل اي حاجة انا غذي نجي لعندك ونقولها ليك وانتي دبري معيا " تضحك مقهقهة بنت خالتي "فاطنة "وتتكلم بصوت عالي لتسمع جميع الحاضرين :"ويما وقالك وانتي دبري معها " تناديه خالتي ان يقترب منها وتقول له بصوت خفيض :"وش باغي شي حاجة افؤاد..؟" وتبدا في فك خرقة النقود ويرد عليها وهو ينظر الى صرة  النقود الصغيرة :"علاش غذى تعطيني شي حاجة ؟"تضحك من مراوغاته وتكاتفه وتضمه الى صدرها وتقول له :"شحال بغتي يلاه قول لي اخالتي ديالي .."وبمكر وتصنع للاستنكار يعاجلها بالرد :"وماشي شحال كخصني دبا انتي الا بغيتي تعطيني خصك تعطي حتى لطارق وزيد زيد حيث طارق غذي يقولك وخصك تعطي حتى البشرى ....وهذ شي بزاف عرفتي اخالتي عطيني غير انا وصافي " تضحك ويضحك الجميع هذا حالهم مع "فؤاد"الكل يجمع على أن خفة دمه بحد ذاتها غريبة عليه هو نفسه بطابعه العصبي والحاد  وبقلة حديثه واختلاطه بالاخرين ..

كان "فؤاد"يدعوني فقط لاستمر في مرافقته ولما انظر اليه وابدي شعوري بانني تعبت من السير من الصعود والانحدار في طرقات طنجة الكبيرة كان ينظر الي بتشحيع وهو يقول لي :"وغير زيد ..زيد أصاحبي زيد قربنا ...انت غير زيد معيا وصافي كيما كتقولك بنت خالتك فاطمة (يقولها وهو يغالب الضحك الساخر مني )"

عدنا لنجلس  على تلة اسفل الساحة الكبيرة التي تقع خارج سور السوق الاساسي ل"كاسا براطا"كان قد اقتنى نصف كيلو من العنب الاسود الممتاز وغسله ووضعه بجانبنا كان يصب القليل من النبيذ الاحمر في الكاس التي نبهني بان احملها واخفيها تحت ملابسي ونحن في مؤخرة "الفركونيط "السماوية اللون التي هي في الاصل لعزيزي "سي محمد"زوج خالتي "زهرة "ويشتغل عليها بالتناوب مع ابنه الكبير "محمد" ..يسكب الخمرة بحرص شديد وتأني وهو يقايس الحد ليجترعه دفعة واحدة ثم يسكب لي مثله لابتلعه ودون حتى ان اتمرر من مداقه المر ..

"فؤاد"لا يتخلى عن عادته في التحدث والمزاح خصوصا في مثل جلساتنا هذه التي كانت سرا بيننا وسرا نشيعه ساعة شئنا ولمن يروقنا نحن حتى يخال من نخبره به بأننا فقط نتضاحك عليه ونتشيطن عليه لانه من غير المعقول أن يكون الاكبر فينا ابن الثالثة عشرة وانا اصغره باربع سنوات يحتسيا الخمرة ..كان يوصيني فقط بان لا افارقه ساعة نشرب سوية وان لا اقترب من والدتي او خالتي بالخصوص وان ابقى على تواصل مع نظراته واشاراته  كان يقول لي :"حنا مكنسكروشي حنا فايقين حنا بغين غير ندورا الراس شي شوية ونشوفوه فين كان سارح  بوا (والدنا)ومحمد ولد خالتي كيبقو غير كيهدروا في الخاوية وعينهم على هذيك وهذيك لدايزا ومحمد كيشعل وكيبقى غير على الجوانت ديال الحشيش حتى كيطير ..وشتي بوا ياك كبير وكيسكر من شحال هذي وكينوض هو الاولاني كيتقي ..محمد هكذاك وكيبقى شاد مع بوا الطرح حيث عارف راسوا هو لكيسوق .." ..

كان اليوم الذي ينادي على اخي "فؤاد"او يستوقفني في الشارع اكثر من يوم مميز لانه اليوم الذي املك فيه ان تخفض عن وجهي القناع الذي دوما البسه ..نمضي سويا قريبين من بعضنا لكن على مسافة محفوظة بيننا لا تتسع الا لاسمح لراجل مثلنا ان يسلك الرصيف الذي تحتم علينا أن ناخده او جانبا من شارع تقرر بان الكل يعبر فيه بجانب السيارة والعربات المجرورة بالدواب او التي يدفعها الحمالون ..كنا في أغلب الأوقات ونحن معا تتخاطب بالاحالات البصرية يعرف انني منتبه له كما هو كذلك وفي الان الذي يريد توجيه رؤيتي لموضوع يحيلني عليه بعينه ..كانت طريقتنا التي طورنا التحدث بها حتى ونحن بين باقي افراد اسرتنا او عائلتنا ...أشياء ما ...لعلها أشياء متعددة تجعل علاقتنا ببعضنا معقدة جدا ...عندما اقابل اخي "فؤاد"الذي كان على مسافة من اخوينا الكبرين كان لا يصعد ليجالسهما بغرفتهما المشتركة وحتى عندما يتناديان عليه كان يدخل لبرهة ليلقي التحية عليهما وينسحب بسرعة ليقف الي او الى اختي الصغيرة "بشرى" بمدخل الباب ..كان دائما ابعد على أن يشارك الأسرة تجمعاتها والعابها وفرجتها كان يناى بنفسه بعيدا في ركن او زاوية يتخفى فيها  وهو يتصنع اهتماما معينا كالمراجعة  او استخراج تمرين ..كانت حتى قراءته للكتب والمجلات متخفية كان حريصا على أن لا يتتبع اي احد ما هو مهتم به ..حتى أصحابه لم يكونوا يطرقون باب بيتنا كانوا ببساطة يقفون في اعلى الزقاق على غير عادة من ينظرهم اخي "سمير "مثلا باسفل الزقاق الاقرب لموقع البيت من اعلاه ..وهو على علم بوصولهم كما أنا لانه مبرمج معهم بدقة ساعة المرور للبيت ليصاحبهم  ....عندما اقابل اخي "فؤاد"يتولد داخلي احساس بالاغتراب ..كان الصمت اغلب لغة بيننا نتوادد بها ونحن بها على بعضينا ونتواصل بها كان حريصا على أن يوجهني فقط بعيونه دون ابراز تدخله في نشاطي الحركي الدعابي داخل البيت ..كان حريصا على أن لا اصاب بمكروه او اتعرض لحادثة او ادخل شجارا او معركة خاسرة ..

عندما اقابل اخي "فؤاد" اقاوم ان لا انظر اليه مباشرة في عيناه للحظات ثم اكسر الحاجز واجدني انظر مليا لعينيه ليشاع بيننا جو بئيس ..اعرف ان اجمل الاوقات هي تلك التي كان يلزم مصاحبتي لفترة أطول قد تمتد لعطلة فصلية باكملها..غير ان البؤس الذي يشيع بيننا كان وعيا منا مختلف تماما عن وعي اخوينا الكبرين كما باقي ابناء وبنات عائلتنا الكبيرة ..وعيا بالظروف التي تحيط بنا وعيا بالناس التي حولينا وعيا بحال مجتمعنا ...كان ياخدني لنتجول باسفل جنان العائلة ولما نكون ابعد على أن يسمعوننا او حتى ان يبصروننا يبدا في التحدث الي بشكل مباشر بعد ان كنا بحضورهم نتبادل حديث الصمت ...لم يكن بمثل سخط اخي "سمير "او بحيادية اخي "خالد"الباردة كان فقط يسمي الاشياء باسماءها ..اخي "سمير "كان من النوع الذي لا يكتم مشاعره بحضور اخي "خالد"لكنه يداور الجميع بما فيها أقرب أصحابه ولا يكاشفه بمشاعره ..بينما كان اخي "خالد"يتصنع التفهم ويلعب دورا اكبر منه دور المكايس والاجتماعي والمحترم المتانق بما كان يجعله متحفظا كليا عن ابداء رئيه الشخصي او مشاعره الشخصية ..."فؤاد"اختار الغياب ..اختار الصمت الا معي على ما اعقله لانه على كل كنت اعرف انه يتخير ما يخبرني عنه من أسراره وعلاقاته وسلوكاته الخاصة ولم اكن لاجراء على مكالبته بان يكشف لي اكثر مما يريد هو ان يكشفه لي ...

كان السخط يعتري جميع افراد اسرتنا وكل يعبر عنه بطريقته لم نكن لنرضى على حال ولدنا وعربداته ليلا ونقمته نهارا ...كان الجميع يتنحى أسلوب التظاهر بان لا شيء حدث امس او اول امس ...كنت اكره من اخي "خالد"عبارته :"وصافي حتى انت "كانت "صافي"تلك مغايرة كليا عن "صافي ..صافي "لإبنة خالتي "فاطمة " سافهم منها لاحقا بدقة ما كنت اعيب منه فيه (من اخي "خالد")اخي "خالد"كان يطالب بالاكثر من التجاوز كان يدعو بذلك للتطبيع  باعتبار أن كل ما يحصل امامنا عادي ..كان له منطق لا يختلف عن كبار مجايليه من الشباب مع انه هو نفسه كان بعدا مراهقا لم يعبر لمرحلة الشباب لكن تربيته على انه الكبير والمحترم والمقدر والمختار من بين كل ابناء عائلتنا الكبيرة جعلته يحاول الالتفاف على الكل ومحاولة اقناع الكل بأنه كذلك اصلا ...كان يحيل على شواهد من المجتمع ..من ناس الحي ..من ناس المدينة ليخلص الى الى تعميمات وبما لا نعرف كيف تحصل ذلك يريدنا أن نعتبر أن الأمر عادي جدا لنتقبله والمهم عنده اننا متوفر لهم الاساسيات وبعض الكماليات واننا احسن من الاخرين ..."سمير "كان يناقده ..ويجتهد في وضعه في الصورة الموضوعية مع علمه المسبق ان "خالد"لن يقتنع الا بما في راسه هو حتى ولو طارت معزة ...

مع "فؤاد"طورت حتى مقدرتي الشخصية في ان اسمي الاشياء باسماءها وان لا اتسامح مع الموضوعات من باب المراعات والاحساس بالاخر التي كان يتبنها اخي "سمير "والتي كانت تجعل منه غير مختلف عن اخي "خالد"في ردات فعله ..."سمير "كان ساخطا وناقما عن احول البيت والعائلة والمجتمع حتى انه اختار العزوف ما أمكنه ذلك واستحلى الانزواء بعيدا في ممارسته لهوياته الجميلة والمتعددة لكنه كان يتحاشى التعبير عن أفكاره ولكي لايتورط في ابداء ما لن يعجب مصاحبه ينقل الحديث بطرق تقنية طورها هو لموضوع اخر ...وعندما كان يحتدم الجو ويتكهرب بدار العائلة دار جدتي كان يختار الانسحاب وهو يغلي كالبركان وكنا انا و"فؤاد"نعرف ما عساه يفكر فيه ويقوله مع نفسه او مع ابن عمتنا "البشير "الذي اختار ان يصادقه من كل ابناء العائلة والذين كان على وفاق معهم كلهم وان بقي على نفس تحفظه من ابن عمتنا "فطوم "؛"مصطفى "الذي كان يحذر "خالد"من ميله اليه و"خالد"هو هو نفسه لا يسمع الا الى هوسه هو ...كنا نعرف أن "سمير "انفعالي وما ان سيندلع في نقاش او محادثة صريحة الا ولن يعرف كيف يصمت او يفرمل نفسه او يمنع نفسه من ان يقول الحقيقة ويسمي الاشياء باسماءها والاهم من كل هذا انه غير مراع لاي مصلحة قد يضر فيها باعلاءه للصراحة فيه ..كان لا يهتم بان يتكبد خسائر لذلك توجه بتوجيه والدتنا والتي كانت تسندها عمتي "مينة "  واخد يعمل بنصيحتها وهو أن ينسحب قبل أن تكبر الاشياء ويخرج منها الوحيد الخاسر ..."سمير"بينه وبين نفسه لم يكن يرضى بما يخلص اليه وفي هذه كنت اعرفه انا اكثر من اخي "فؤاد"الذي جنبني سلوك النمام الاخوي الشبه المستحدثة بين كل الاسر والعواىل كان يجعلني لا اقبل على التحدث له عن الاخرين الا كموضوعات تفرض نفسها على ما بيننا من احاديث ونقاشات كان يؤكد لي التالي :"انا مكيهمني حتى واحد ..كلشي حر في راسوا غير يبقى بعيد علي .."وكان يعود ليخبرني :"انا مكيهمنيش هذاك لي حتى الا جبدتو في الهضرة ديالي  بكثر ما كيهمي هذاك السلوك لي كيديروا ومشي غير هو بوحدوا ...انا كيهمي بالضبط نهضر معك على شنوا كيظهري في ذيك السلوك مشي الاشخاص لكيديروه "...

كان اليوم الذي يستادنني في مرافقتي يوما استثناءيا يوما يحمل الكثير من المفاجاءات البسيطة وغير المكلفة وفي غاية الامتاع ...كنت ابقي على توقعي بأننا سنشرب نبيدا  معا لكن لا يمكنني ان اتنبا بمتى سيحدث ذلك ولا اين ولا ان كانت معه نقود اصلا لاقتناءها ...وأكون متيقنا بانني لن اسكر او اثمل هي فقط مرات معدودات من فقدت فيها سيطرتي على نفسي ربما لانني كنت قبل أن نجلس  لنشرب قد اجهدت نفسي في نشاط بدني او لانني افرطت في تناول طعام غير مناسب قبل ان ابدا معه في احتساء الخمرة ..

اصبحت اولى المرات التي سكرنا فيها اطيب النكات التي نتداولها نحن معا على انفسنا في ما بيننا كنا نحتال فيها على والدنا وعمينا وازاواج عماتنا وبغاية المكر والحيلة ننسق في مابيننا أسلوب اختلاس بعض من شرابهم كان اول مرة يقترح فيها علي ذلك وانا اصحبه لدار سينما تعرض افلام كارطيه يومها نبهني لاراقب أسلوب القرد وان اخفظه وعندما خرجنا لنتمشى بشوارع المدينة كنت انتظر منه ان يشرح لي الغاية من توجيهها لي لكنه لم يفعل ذلك الى أن طلب مني وانا على اهبة  الاستعداد لمصاحبة عمي ووالدي  لجنانا ان انتظر معم الى أن نلحق بهم مع باقي نسوة العائلة وجدتي "رحمة " واثناء دخولنا للمعبر الموحش المستوحش باشجار  ونباتات شوكية ملتصقة مع بعضها كاحواش اقيمت كحدود لكل جنان عن جنان اخر تمنع حتى دخول الضوء اليها الا لماما لكنه على العموم مظلم وبارد ومخيف بكثرة اصوات الحشرات والزواخف فيه اوما الي اخي "فؤاد"ان اتمادى في الامساك بعمتي "مينة "والاقتراب منها بطلب ان تداعبني كما تفعل في العادة معي بكل تحبب وعن طيب خاطر .ولحظة بدات هي تتحج بانني اعرف مسيرها وتطلب مني الانتظار الى أن نعبر الممر ونصل الى الجنان تقدم هو واخد من بين يدها مباشرة "بدون الزيت المعروفة العلامة والشكل وحجم سعتها ذات الخمسة لترات والتي كانت تغسل بعد استهلاك زيتها لتحول لانية تملأ بالماء والحليب او اللبن "اخدها من بين يدها ولما امسك بها نطق اخيرا بطلب ان يساعدها في تخفيف من حملها وبعد ان قطعنا بضع امتار عاد ليوما الي ان اتاخر معه عن كوكبت النسوة والأطفال وفي لحظة وصولهم لباب الجنان القزديري المربوط بسلسلة عليها قفل حولني بسرعة لنعرج الطريق الاسفل المؤدي لجنانات غير جنانا ثم حولني لنعبر ثرعة محدثة ومتخفية بزرب جناننا ونحن نعبرها بحث هناك وأخرج قارورتين بلاستيكية أحدهما مملوءة بصودا الكوكا كولا والثانية فارغة كنت انظر إليه باستغراب وهو قد كف عن ان يتحدث الي منذ خروجنا من دار جدتي ..حمل "البيدون"الذي كنا نعرف انه معبا بالخمرة التي كان يحرص والدي نفسه على ملاها بافراغ القنينات الزجاجية للنبيد فيها ويطلب من عمي "محمد"نفسه ان يتكفل باسناد حملها لاحد اخواتهن النساء من باب حرصه الشديد على أن لا يثير الانتباه اليه من الناس أو الشرطة من ان بحوزتهم خمرة وعلى الاصح كذلك أنه كان يفعل ذلك من باب اعتداده بنفسه هو على الخصوص كان يحب ان يكون ويتصرف على انه السيد الذي يخدم ويحمل متاعه بينما هو يضع رجلا فوق رجل او يضع يده في جيبه ويبقي الاخرى ممسكة بسجارته   ...افرغ اخي "فؤاد"منسوبا من الخمرة يوازي اللتر في القنينة البلاستيكية الفارغة ثم اعاد موازنة ما افرغ من "البيدون "بمشروب الصودا ..واخفي من جديد القنينة التي افرغها وطلب مني ان اعقل المكان ،المخبا جيدا ثم تسلل لموضوع اخر واخفى القنينة المملوءة بالنبيد وسحبني من جديد للخارج وطلب مني أن اعحل في الخطو لتدخل الجنان من بابه الرئيسية ...يومها طلب مني ان استحضر أسلوب القرد الذي كان يحتال على جماعة صاحبه السكير وبسرق منهم شرابهم ومن يومها غذت تلك لعبتنا الممتعة وسر من بين اسرارنا ..كنت حينها في سن السادسة من العمر وسيذكرني بكم لعبنا سوية ونحن بعد نقطن مدينة "القنيطرة"لعبة القردين لنبدل الكؤس المملوءة بالنبيد بالصودا وافراغ بعض من القنينات المتبقية بالمطبخ وملاءها ببساطة ببعض من الماء دون ان يكتشف اي احد منهم أن سدادة القنينة سبق وان فتح ..

ما معنى ان نشرب ..ان نسكر حتى ..؟! هل تم. وجه كنا نحاول فيه ان نقلد الكبار ..كبار عائلتنا وكبار ناس حينا وكل كبار ساكنة مدينتنا وبلدنا ...؟! هل يعني ذلك اننا سنضيع وسننتهي من الخاسرين كما حذرت خالتي "زهرة" اخي "فؤاد"بحضوري ولم تكن هي من امسكتنا نشرب بسطح منزلهم بل "فؤاد "من قرر دخول ذلك التحدي ليس معي بالتاكيد بل مع نفسه ومع خالتي قال لي مساءها :"اليوم بغي نعرف قداش انا خالتي كتبغيني وقداش متقدرشي تخسر لي خاطري ..." ولما انهينا شرابنا "ليترنا "اخفى القارورة بين مهملات بالسطح وطلب مني أن افضحه امام خالتي وكذلك كان لا بد ان افعل ..

خالتي لم تمنع عن "فؤاد "العطايا التي كانت تخصه بها وحده دون جميعنا .كانت تفضله بشكل استثنائي كما تحبني بشكل استثنائي وتصر مع ذلك ان تصرح بحضور جميع افراد اسرتها موجهة خطابها لوالدتي ،اختها "رحيمو""انا اختي معمري كندير القروبات بين والدك بش تقولي لي انا في الفرزيات ...انا اختى كنديرهم مع ولادي بصح مشي مع ولادك اختي .."...خالتي تصرح وتقسم على صدقها وجميع اولادها حاضرين يسمعون ..ربما قد يقولوا أشياء في نفسهم لكنهم غير منتبهين لما تقوله وحتى ان انتبهوا سيسلمون باي شيء غير انها تعني ما تقوله بل حتى مع انفسهم لن يتركوا المجال لانفسهم ليتساءلوا حول هل يعانون اصلا من سلوك كهذا الذي تقر به ..!!؟ 

خالتي رمت بجملة من التوصيات لاخي "فؤاد"وشددت على انها موجهة حتى الي انا كذلك لكنها لم تفشي الامر لاي احد اخر بل اخدت تصر على أن نحمل ما معنا ونخباه كل مرة في مكان احيان بين اكياس القمح والشعير والفول والاعلاف واحيانا في  جنبات المطبخ السفلي ..او بالمرحاض ...تصر على أن نحمل ما معنا ونصعد لمجلس بالسطح ...

"فؤاد"كان قد انتصر عليها بمنطقين ؛منطق القلب والحب ومنطقه الواقعي والغريب في الاقناع واستطاع بصدقه وصراحته ان يكسب كامل تعاطفها ..من جملة ما قاله لها :"وتصوري معيا اخالتي انا كنكون غذي ندبز مع دراري ديال حومتنا ودراري ديال الحومة ديال "موي/جدتنا"حيث كيبدوا يبسلوا علينا وكيعيطولينا :اولاد السكايري وزيد هذرات وحدة خرين على موي انا (على امي انا ) ...."

....."انا اخالتي من وانا صغير باقي في قنيطرة وانا كنشوف التصرف ديال بوا وعمامي وهذوك لكيحي معهم يشربوا الشراب ومعمرهم كانوا كيعجبوني ..كنت كنبقى نشوف فيهم وهما كيولو كبحال الدراري الصغار الباسلين  والحماضين ..نقيم على حوايجهم وخارحين بايلين في حوايجهم وقلت مع راسي انا غذي نتبعكم وغذي نشرب حتى انا وانا وخا باقي صغير انا بعقلي ..."

..."شتي اخالتي عزيزي كانوا كيعياو يتقارو عليه بش يسكروه ويطبلوا لي في جيبوا وهو ديما ثابت ومطاوعهم بخاطروا حتى دورت فيه وقلتوا يحضي راسوا منهم راه ما بغين غير يسيزه وقال لي اولدي فؤاد انا كبير ......ما كنديريش حساب الفلوس مع لكنعرفهم ......"

خالتي "زهرة "لا امرأة تشبهها في كل محيط العائلة والاقارب ومعارفنا جميعهم ...بنت خالي "يمنة " قد تسابهها في جوانب متعددة لكنها ليست في قسوة بعض طباعها ولا في حدة ذكائها العفوي وان كانت "يمنة "امرأة شاطرة وتاجرة يضرب بها المثل في كل سوق "كسا برطا "وبين كل من سبق من تجار الاعلاف والمواشي الذين تعاملوا معها او مجرد حضروا احدى معاملاتها ..كانت امرأة نشطة وجد متواضعة او كما كانت تحب ان تسمي نفسها "امرأة على قد الحال "لكن عزيزي "سي محمد"سلمها كل إدارة تحارته بل وحتى توجيه ابنه الاكبر "محمد"الذي كان يتولى نقل وتسليم الطلبات وتحصيل العائدات المالية أو مبادلتها العينية كان يقول لها وبحضورنا  معا انا و"فؤاد":"ديري شغلك ..ديري شوارك انت الخير والبركة والرباح علي وعلى ولادي .."...

خالتي "زهرة"امرأة متفردة وبميزات عديدة اعظمها قدرتها على الاصغاء وتحكيم عقلها ..صوابها وكان ذلك كافيا ليقلب نظرتها وسلوكها  لثلاتة مئة وستين درجة وعلى الرغم من  شكوى كل ابناءها من قسوتها العاطفية كانت احن امرأة معروفة في كل أنحاء الجهة التي تسكنها ومحيط كل السوق الذي ترتاده  على كل ذي عاهة عقلية او جسدية وعلى كل امرأة مسنة او رجل مسن وعلى كل من علمت انه افتقد والديه وتيتم وهو صغير او في مقتبل العمر كانت لا تمانع في عناقهم وضمهم لصدرها وتقبيلهم على ما كانت تجود لهم به من طعام ونقود او تعد بأنه ستحلبه خصيصا لهم في يوم السوق الاسبوعي المقبل كانوا ينادونها "امي الشريفة "وكانت تضحك وتقهقه على النداء وطابعه بحد ذاته كانت تجد بأنه مركب لا يليق بها فلا هي مسنة وطاعنة  في العمر كما لا تحسب نفسها سليلة احد الشرفاء المعروفين على تحجاج والدتي لها التي كل مرة تنسبها لولي من أولياء المنطقة ....ولم تكن تبالي بغير حقيقة انها تربت يتيمة ليس الا ...

خالتي "زهرة"  لم تكن عنيدة كما يخبرها المقربون منها بل فقط كانت مشكاكة في كل ما يتعلق بالصواب كانت من النوع الذي لا ينام الليل الا للحظات قصيرة جدا ومتقطعة وحدها ساعة ونصف الساعة الى ساعتين تنامها في القيلولة وتنهظ بعدها لتتحضر لصلاة العصر ..خالتي "زهرة "كانت دائما مشغولة البال مستغرقة في التفكير ومشاورة راسها  على غير عزيزي "سي محمد"الساهم الغارق في الاسترجعات او في تلواة القراءن وعلى غيرشرود ابنة خالي "يمنة "التي تسرح بنظرتها كل شخص متعوب او منهوك او مريض او عطشان او يبدوا عليه الجوع لتتصيد اي قرب له منها اتعرض عليه أن يستريح لجوارها او لتنهض لتقدم له الماء او لتدعوه ليتناول معها بعض الطعام البسيط ربما بعض الخبز واللبن او بعض حبات التمر او لتقترح عليه أن تعطيه ما يشار به بعض "السفنج "او الرغيف ...لكننا انا واخي "فؤاد"لم نكن نشرد او نسرح او تنشغل بمشاورة راسينا الا ساعة كنا نجلس لنحتسي مقدرنا من الشراب وغير ذلك كنا حرصين على أن نبقي منتبهين لكل شيء من حولنا او مر من حولنا ... 

والدتنا لم نكن تزايد على انها امنا الطيبة التي نحبها ونحفظ لها الجميل لكن فيما بيننا كنا نجدها امرأة رعناء وطائشة ولا تقدر نفسها حق تقديرها على اننا كنا نعيب عليها اعتدادها بنفسها وغرورها ولطالما لعبنا على غرورها ذلك لنستدخل او نعدل سلوكا من سلوكها كما كنا نلعب على غيرتها من النسوة الاخريات لنخلق داخلها الطموح للتغيير الايجابي وللافضل ...كان البؤس ما يرافقنا بعد انتهاء مشروبنا الذي نادرا ما كنا نضاعفه الا بتوالي اخر الصبح واخر المساء خصوصا بطنجة اما  بمدينتنا فكنا نضع كفاية لنا من قناعة انه يمكن ان نفقد توازننا يمكن ان نفقد السيطرة على معدتنا ونبدا في التقيء والتبول على ثيابنا وداخلها لكننا لن نفقد قدرتنا على التنبه والتمييز الذي كنا نجد والدنا هو اول شيء يفقده على رغم من سلوكه القناعي المبرمج اليا لا فيما يخص لحظات سكره وثمالته الحادة وقدرته على قطع الطريق دون ميلان اوظهور علامات الترنح عليه او في حرصه  الشديد على أن يثبت من انه يحمل وبحوزته كل متعلقاته الشخصية مهما كان قبلها شبه فاقد الوعي من السكر او اضطر ليخلد لبعض الوقت للنوم املا في ان يستعيد بعض صحوه ورباطة جاشه  ومعدته المتقلبة من اثر الكحول ..ولا في يخص قدرته على الانكار صبيحة اليوم الموالي بل وكامل استعداده ليقلب الحقيقة كلها رأسا على عقب ويتصنع اكبر خناقة وخصام برفضه على الاعتراف والاعتذار ..

بؤس طعمه غريب ..بؤس يحول دون إمكان أن نتعاطف مع الاخرين بمثل تعاطف خالتي وبنت خالي "يمنة "ولا بإمكان ان نتسامح ونجود  مثلما هو طبع عزيزي "سي محمد"ولا بإمكان ان تفلسف الامور مثلما يفعل اخونا "سمير "وبالتاكيد غير قادرين على تصنع حيادية اخونا الاكبر "خالد"...بؤس من حال الناس مع الناس وعلى الناس ..بؤس من حال سلوك الناس مع الحيونات ومع الطبيعة ومع الجامد من المباني والمرافق والطرقات والشوارع والحارات ..وبؤس من عدم تنبه او اهتمام الانسان نفسه لحاله ...وبؤس من وضعنا نحن.. من سبب تحول رؤيتنا ونظرتنا الشخصية لكل هذه الموضوعات التي لا يفكر فيه عموم الناس أو ينتبهوا اليها ...ساعي لاحقا معنى الرؤية الحساسة لكل الظواهر الاجتماعية والنفسية وساحمل وضع اخي "فؤاد"الذي لعلي لا اريد استذكار كنهه على الاقل الان السبب في جعله يقارب الموضوعات بحساسية جدا لكنها غير مغرقة في  المثالية او الحلم بل كانت جد واقعية ومبنية على شدة الملاحظة والتركيز التام ...

لا اعرف تماما الامر ربما لانني لم اتلاقاه كاعتراف صريح لكنني ضللت لفترة طويلة نسبيا وانا شبه متيقين في ان خالتي "زهرة"واخي "فؤاد"يخفيان سرا بينهما وله وحده يعود تفضيلها له ويعود اليه قدرة اخي "فؤاد"على الإفصاح البليغ والخطير لكائن وحيد لا غير يحمل صفة "خالتي "...

تفضيل خالتي "زهرة "لاخي"فؤاد"وتوصيتها به جعل الكل يراعي جانبه ويعامله بالمخصوص حتى والدتي بمحضر خالتي وابناءها كانت تتحفظ في تعاملاتها مع اخي "فؤاد"وتطرق معه نفس سلوكهم في تقديمه وتقديره ومراعاته ...

اخي "فؤاد"منعني من احبه على اي طريقة أخرى احب بها ناسي واحبتي المقربين مني ..منعني من ان احبه بكل اختصار لانه موه علي  اية صفة يمكن ان اقايس بها حبه فهو لا يعاملني معاملة الاخ للاخ الاصغر ولا الاكبر ولا معاملة الأب أو العم او الخال او القريب ولا اية معاملة من معاملة اقاربي وعائلتي وناس اسرتي النسوة ولا معاملة الاصحاب والأصدقاء ولا كل ذلك معا لانه شبه مستحيل والمستحيل ما كان يعاملني به لذلك لم اجد في قاموسي العاطفي ما اضمه ليسمي ما يربطني به ....في سنوات لاحقة ساتعرف على حكايات وقصص انسانية استثنائية من عالم غامض حيث تتم عمليات تبني عاطفي ودعم مادي كلي وتوجيه عالي المستوى بين أشخاص غير متقاربين لا في السن ولا في الوضعيات الاجتماعية وانما في حدسهم لبعضهم في قدرتهم على التواصل بينهم في قدرتهم على الوفاء لبعضهم ... 

كان حريصا ان يسالني وهو لا يطلب مني اي جواب وانما فقط لكي يطمئن قلبي ويقول لي بأنه لم ينساني مطلقا في كل مناسبة نلتقي فيها ويجمعنا الحديث والذكريات عن "فاطمة "بنت خالتي وكان ينتهي بان يهزء معي قليلا وهو مبتسم في وجهي بتعذب ابتسامة :"اما كنهدرش على فاطمة بنت خالتي انا كنهدر على فاطمة ديالك ...."واشاركه روقان مزاجه واقلدها في طريقة تعبيرها :"ايو صافي حتى انت لي كنقولوا عليك كبير ومرزن وواعي وليتي تشوفني هكذا ..."ويرد علي متصنعا التجهم :"انا ديما كنشوف فيك هكذا .."واصبح بوجهه متقمسا دور الانثى :",اولي عليك افراد باقي انت هو انت معمرك بغي تنسى .." ويغالبه  المرح واستمتاع الاستحضار لذكرياته مع ابنة خالتنا "فاطمة "وبساير الجو الذي ادخلني وادخلته فيه :" وشنو بغياني ننسى  وش بغيني ننسى صحة ..." وارد بتعنج مثلما كانت تفعل معه "فاطمة " :"مشي تنسى غير  دير عين ميكة .."ويرد هو بتناول :"وانا غذي ندير على شي عين ديال الميكة "ونضحك حد القهقهة وكل واحد منا منتسب باحلى الذكريات بايام لا تنسى من عمرنا مع كامل احبتنا والناس الطيبين ....

"فاطمة "ضلت بكامل عمرها لا تتحرج من السؤال عن اخي "فؤاد"والاطمئنان على احواله والتصريح امام الجميع بان افراد معزة خاصة ....وكانت تنظر إلي كلما جاء تعبيرها موافقا لما تقله "معزة خاصة "معزتو فشي شكل "  الا وتنظر الي جانبا وتبتسم واذا حدث وكانت "فاطنة "او "آسية "لجوارها الا وتفجر الجو بينهن بالضحك لتبدا "فاطمة "نوبة احتجاجها  :"والله حتى انتما فشي شكل انا والله مبقى نهدر قدامكم ..عيقتوا فيها والله حتى زيدتوا فيها ..."وكلما زادت في احتجاجها اندلع الجو اكثر بالضحك منها ..."فاطمة "تغيرت كثيرا لكنها لم تتغير ابدا للاسوء وصلت دوما وفية لنفسها ولاحبتها "فاطمة "جرات على تسلل مرات من بيتهم والمقدم لحيث مدينتنا لعندنا والرجوع في نفس الصباح او المساء وكل همها الاطمئنان علينا وربما علي اكثر ...مع "فاطمة "ترسخ لي معنى الوفاء  الذي حرص اخي على أن يلقني مبادئه العلمية والعملية لكن "فاطمة" استذخلته عميقا في كياني ونبضي 

"فاطمة "كانت الوجه العاطفي المقابل لاخي "فؤاد" وعلى انني ظللت لفترات من عمري ابحث في فهم تعلقي بها وعاطفتها تجاهي لكنني لم ارسوا على تصويغ ارتاح اليه ..بقيت علاقتي بها يكتنفها الكثير من الغموض وحبها اكثر  من ان  يفوق المستحيل ...اذكر جيدا يوم ان كنا صغارا في العمر واختى بشرى للتو اكملت عمرها الثالث وكلما كان يقربها اكثر منه اخي "فؤاد"ويرعاها بحب كانت تحرص على أن تظل تناديه بلقب "بابا ..بابا فؤاد"وكان يستنكر عليها بنلطف وتمازح نعتها له وعندما تبدأ في الاحتجاج كان يصمتها :"وصافي ..صافي صدعتي لي راسي ..دبا الى بغيتي نكون باباك خصكي تطلبي الاذن من عند طارق حيث انا هو باباه ديال طارق .." انا لا اعرف لماذا استصغرت حتى التوصيف الشعبي المتداول بيننا والذي يضفي صفات عاطفية جليلة على تلك العلاقات الخاصة التي تجمع بين أفراد قد لا يكونوا حتى من العائلة والاقارب وانما قد يتعدونهم الى الحيران والى الحيران البعيدون والقدامى الغير قاطنين بنفس المدينة أو القرية ويختصرونها في نعثها ب"هذي رها مربيني "او "هذا راه انا لربتوا "..لم استسغ منها اقرانها بعاطفة الام الطبيعية لانها لا تمت اليها بصلة رغم كل التشابه المستذخل بينهما قسريا ...ابدا لم المس في عاطفتي تجاه "فاطمة "لذة الأمومة ولا استطعت ان اجد فيها نذية ما يتملكني من احاسيس فياضة تجاه عماتي وبناتهن كما بنات بنات خالتي باستثناء بنت خالتي "آسية "التي كنت متيم بسحر عينيها ولا احن اكثر من النظر اليها ولا اشتهي اكثر من الموت وانا اغوص عميقا في النظر اليهما ....

"فاطمة "استوعبت تعليقي على محاولة فهمي لموضوع "بابا فؤاد"وقالت لي :"حتى انا معمري حسيت بك ديك الاحساس ديال الأمومة ..آسية يه ..آسية بغاتك كبحال لتقول ولدها من كرشها ...انا نفسي معرفاش كيفاش نوصف شعوري ..." ...

ربما حكاية التبني العاطفي والعقلاني قد ترضيني اكثر وتقنعني ...

ل

   

   

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...