لقد كنت مندهشا انا نفسي مما كان ينكشف لي يوما بعد يوم من متابعة التنظيم والتسلل إلى حظيرة عناصره وربط علاقات معهم ...كان التنظيم يتقوى عدديا بشكل رهيب وكانت العناصر الطلابية والتلمذية في مستويات الباكلوريا والمرحلة الثانوية نشيطة للغاية في استقطاب كل اقرانها وفي كل دوائر تحركها ..داخل الاحياء السكنية التي تقطنها ..داخل فضاء المؤسسة التعليمية او الجامعية ..داخل المساجد وخارجها في الشارع والفضاء العام ...وهذه العناصر هي من اوجدت اللبنة الاساس الحرفية والمهنية لتكوين قيادات محلية منها قادرة على أن تعمل من تلقاء نفسها نفس الادوار في خلق متعاطفين معهم والاستقطاب لصالح التنظيم ...لم تكن لهم من امكانات مادية أو لجوستيكية يعتمدون عليها في تعبئتهم الجماهيرية الشعبية كما كانت تفعل وللاكثر من عقد او عقدين متتاليين الجماعات الإسلامية التي تكونت وانتعشت بفضل مال ودولارات السعودية ودول الخليج العربي وعبر منظمات عاملة بالخارج بالديار الأوربية والاسيوية نشطت في توزيع كتيباتها المجانية باعتماد نظام المراسلة والتوصيل ...لم يعتمدوا اساليب الاحتواء الاجتماعية /الاقتصادية في كسب منظمين جدد للتنظيم عبر ضخ موارد مالية ورؤس اموال صغيرة أو متوسطة لصالح الفئات الفقيرة والمعدمة والتي تعاني من معضلات التهميش والعطالة ..لم يستعملوا مؤسسات اجتماعية بديلة في الوصول للناس ولكسب تعاطفهم مستغلين حاجاتهم للدعم والتاهيل النفسي والاجتماعي ..لم يفكروا حتى في خلق مقرات لهم ولو على سبيل التعريف بجماعاتهم والدعوة للنشاط بجانبهم ..لم ينتظموا في جمعيات اسسوا لها ...لم يمارسوا العمل السياسي الجماعي او الترافع ليكسبوا مؤيدين ....كانوا على النقيض من كل الجماعات الاسلاميه المتواجدة بالساحة وكانوا غير متماهين مع أية تجارب سابقة للاسلاميين في الوطن العربي ..كانوا يشبهون انفسهم فقط وكانت تجربتهم أصيلة لحدود بعيدة ومتفردة في اساليب استقطابها وعملها التعبوي الغير المعتمد على الدعوة ونشر الوعي الاسلامي وانما يستغل هذا الجانب كما يستغل كل الجوانب الأخرى من ما يحسب على الجماعات الإسلامية النشطة بالساحة لصالح كسب اعضاء جدد عاملين ونشطيين لمصلحة تقوية التنظيم وليس فقط لمده عدديا بأشكال من القوة الصورية ...
عبرت بصريح العبارة لرئيس قسم الشؤون العامة بالعمالة عن فزعي الشخصي من قدرة التنظيم المحلي على الانتشار وكسب اعضاء جدد وتكوين خلايا سكنية ومناطقية وقطاعية..وعلى رفعهم العالي لمستويات تحديهم للنظام العام ..فهم لم يحتاجوا لبناء مؤسسات اجتماعية وانما تسللوا اليها ..تسللوا للنقابات..للاحزاب..للجمعيات والمنظمات والنوادي ..استولوا عمليا على اجزاء من المساجد أو كلها ..سيطروا على شواطئ وفرضوا التقسيم والعزل على باقي الشواطئ في مختلف التراب الساحلي المغربي ..نظموا تلقائيا العزل في وسائل النقل الحضري والطرقي ...قووا حضوريا العناصر التي تعاني من التهميش والحاجة وركزوا على دعمها وسندها معنويا وتحفيزها على المثابرة والعمل ..انشؤوا ببساطة نظام اخوية بامتياز غير مبالين بصنع الفرق والتميز بلباس معين أو لحلاقة الوجه على شكل بل استغلوا كل تلك المعطيات لتصيد من من المتميزين بها قابل للاحتواء وللانظمام اليهم ...لم يعتمدوا على المصاهرات بالقدر الذي اسسوا اليه عبر فتح وتيسير الزواج بين عناصر التنظيم الذكوري والنسوي منهم خصوصا بين الطلبة والطالبات الجامعين واسفل المجتمع بين كل من لمس في نفسه القدرة على بناء وفتح بيت ...
لم يكونوا ميالين قبل أن يبدوا في الخروج للعلن وينظموا نشاطتهم الثقافية وحلقاتهم بالفضاء الجامعي والتلمذي للظهور الجماعي كفصيل او كجماعة اخوية وحتى عندما اخدوا يبرزون وجودهم وقوتهم بالمساجد وبمحيطها كانوا قلما يترافقون في الشارع العام الا زوجين ولا يقفوا لبعضهم البعض اكثر من ثلاثة أفراد ..وكل فرد كانت على العموم تمة رابطة قديمة او سابقة تجمعه بالذي يصاحبه ..كانوا متواجدون في العلن ويصعب فرز انتماءهم خصوصا مع تجردهم من التمسك بالشكل المظهري ..هم عموما يقدمون انفسهم ملتزمين بالدين وباداء العبادات بالمساجد دون مغالات او تشديد مبدئي او شكلي...ويتصرفون في غير ذلك من المواقف الاجتماعية كايها الناس ما بين المهتمين وغير المهتمين ...لا يعطون الانطباع بأنهم متسرعون في امرهم او جد مبالين بالاحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية ..حريصون على أن يفعلوا ذلك فيما بينهم وفي كثير من التخفي ودون ان يشيع الامر لغيرهم ..كانوا يبرزون ذواتهم كمختلفين بالمثابرة والاجتهاد والاقبال على الدروس التعلمية وبالانكباب على أعمالهم ومهنهم ..محافظين على علاقات جوار طيبة وبحس خلقي عالي غير مقتحمين المجامع بالدعوة ونشر الوعي وإعمال النصيحة ..وحده الهدف او المستهدف من يتم التركيز عليه ومن من بإمكانه تلقفه من بين الجميع ومصاحبته والعمل على إعداده وشحنه ايديولوجيا وتاطيره نظريا وتنظيميا ..ثم حيثما اكتمل الاعداد والتهيئة يدخلا الاثنين في التباعد وينحصر تلاقيهما الا في المناسبات العرضية وبالصدفة او اذا دعت الحاجات التنظيمية لذلك وبذلك كان كل عناصر التنظيم تحرص على ان تبقي التنظيم في امان من الكشف عن عناصره وخلاياه ...
اخويتهم لم يكن مبالغ فيها عاطفيا كانت اقرب الى الصحبة والمصاحبة او الى جو الرفقة والزمالة ..يمارسون الرياضة سويا والتمشي في الفضاءات العامة ..يقصدون المكتبات العمومية وقاعات المطالعة ..قد يهتموا بحضور نشاط ثقافي او سياسي عمومي وينحشرون في الجموع دون الإفصاح عن هوياتهم او ميولاتهم السياسية حتى ولو تناولوا الكلمات او التدخل في النقاش ..كانوا محافظين في اللغة التي يستخدمونها بحيث انها توشي اكثر مما تفصح ..الا بعض الوجوه القيادية التي الصق بها اليافطة والانتماء والتي كانت تلعب على فرص الظهور والتسلل إلى المواقع القيادية المجتمعية او تكتفي بان تعبر عن وجودها في قلب المعادلة السياسية كتنظيم اسلامي سياسي قوي ...
في زحمة التنظيمات الإسلامية وتعدد اسماءها ومراجعها واختلاف توجهاتها واهدافها وفي جو الاكتساح المجتمعي لظاهرة التاسلم والاسلام السياسي المدعوم من الخارج وبشقيه السني و الشيعي والى جانب الاسلام الصوفي المعتدل الرسمي كانوا قادرين على التنظيم والتكاثر العددي وصدم النظام الاستعلاماتي والامني بقوة تعبئتهم وبمشاركتهم في التظاهرات السياسية والنقابية بجانب باقي التيارات السياسية المجتمعية او بمفردهم في بعض الخطوات المناصرة لمعتقليهم الذين كانوا يمثلون امام القضاء او في الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية والمعاهد العليا ...
لم يعرف عنهم تنسيق مع حركات إسلامية موازية او تيارات حزبية قريبة او ممكن ان تقترب من مراجعهم كانوا حرصين حتى على مستوى قيادتهم الوطنية او ما يعرف بمجلس الارشاد على استقلاليتهم والظهور كتنظيم موحد مع إعلان قابلية واستعداد لفتح اي نقاش والدفع في اي مستوى منه يخدم رسالتهم واهدافهم المجتمعية العامة ويحقق لهم نصرة قضيتهم في مواجهة الطاغوث وسلطان الكفر ...
كانوا لفترات طويلة يمرون بجوارنا ومن حولنا دون ان يلفتوا الانتباه اليهم ..كانوا في اقصى ما قد يتعقبهم من ملاحظة انهم شباب ويافعون ملتزمون خلقيا ودينيا وفي حالهم ..وخط سيرهم عادي ليس فيه من مميز غير فسحة الصلاة بالمسجد واينما ادركتهم الصلاة يلتحقون باول مسجد بالجوار ..
المساجد عندنا غير موقوفة على اوفياء بعينهم ..ربما يامها كبار السن والمتقاعدون وجماعة ألفنا ان تغلق محلاتها التجارية ساعة النداء للصلاة لتلتحق بالمسجد ..وبعض الشباب القريب من جوارها والذي دأب على اللحاق بالمسجد عند كل صلاة بما فيها الفجر وهم كانوا قلة ..وقلة فيمن يداوم على ذلك دون انقطاع ودون ان يرتد للا يفعل ذلك لما قد ياتي من ايام حياته ..لكنها تبدوا خليطا من كل الاطياف والاعمار ايام ايام الجمعة وطيلة شهر رمضان ...
ألفنا المساجد والولوج اليها في فترات من اعمارنا وكان عادي جدا ان نداب على ذلك بجد في فترات قصيرة ثم نعاود سحب انفسنا من دائرته تدريجيا حتى لعلنا ننقطع عن اداء الصلوات.. وألف بعضنا أن يفعل ذلك كتكفير عن ذنب اقترفه او انب عليه بشدة من الاهل او على اثر تعثر حاله في الدراسة أو ميل حاله في شغله او تجارته ...وألفنا ان نلحظ ارتياد حديثي الزواج المساجد ربما استشعارا منهم انهم عبروا بنجاح عتبة الرجولة ويتهيؤا ليصبحوا اباءا صالحين ..لكننا بيننا وبين انفسنا كنا جميعنا متهيبون من الصلاة ومن دخول المساجد لانها ليست للعب كما كنا نقول اول ما نستفسر عنها وعن علاقتنا بها ..ومتهيبين من الالتزام الحقيقي بدروب التقوى كنا مضطربين بما يكفي برغباتنا وهمومنا الصغيرة ومتعبين ضجرين باعمارنا وبكل الذي بعد ينتظرنا ..ولا نقوى على الالتزام ويشعرنا حال التزامنا الصوري بالغباء والتقزم امام سلطة اباءنا واولياء امورنا وكبار ناس الحي والعائلة ...وبيننا وبين انفسنا كنا نعتقد بأن الصلاة الحقيقية والالتزام ياتي مع السن ..بعد ان نكبر وليس في مرحلتنا المبكرة او المتأخرة من المراهقة وبداية الشباب ...
كنا نحب ان نبقى على سجيتنا بعيدا عن مشاعر التقريع والذنب ..نحب ان نمارس الاعيبنا ونمرح ونكتشف ونزوغ قليلا عن الطريق..
كنا نعترف بينا وبين انفسنا بان عنف الرغبة الجنسية يحول دون ان نضبط ذواتنا ونوفق في الالتزام باقامة شعائر الصلاة والتحلي بالطهارة قالبا ومعنى ...كنا مشغولين لاقصى درجة بتخفيف حدة مزاجنا وعدواننا وانفعالاتنا نحو ان نشعر ببعض السلام داخلنا ومن حولنا ...ولم تكن تغرنا مظاهر التاسلم الفاضحة ولا حرص بعض اقراننا على اظهار التزامهم ..كنا بشكل او باخر نراهن على من فيهم الاول الذي سيلتحق بنا بعد ان يودع ركنه بالمسجد ..
لم نكن لنطمئن لفتى ورع لانه ببساطة لا يوجد فتى وورع جنبا لجنب ..بل يوجد نظام اسري ..ابوي او امومي محافظ ..صارم ويوجد بالمقابل امتثال ورضوخ او تظاهر بذلك ...لم نكن نعمم من موقف العارفين وانما من واقع تجاربنا الشخصية وتجارب اقراننا والمحيط ...لذلك لم نكن نصدم عندما ينكشف لنا أن واحدا من اقراننا ترك الطريق المعتاد الى المسجد لطريق جانبي حيث يذخن سجارة او يترافق مع عازف قيتارة او يتصيد بنت الجيران ..كان ظننا أن فترة الحرص على الصلاة تشبه غيرها من الأنشطة التي ننكب على ممارستها دفعة واحدة ونتركها دفعة واحدة لغيرها من النشاطات والتجارب...ضرورية في مجتمعنا للتعرف ولبناء معرفة روحية سنعود اليها في مرحلة الرشاد والثبات النفسي ولكنه ليس الان ...
حتى في المرحلة اللاحقة على خروجنا من فترة المراهقة العنيفة كنا متضايقين بشدة ومتحسسين من أية سلطة تراقبنا وتتدخل فينا وتمارس الحد من حريتنا والقهر على رغباتنا ..كنا ميالين لتجنب لقاء كبار افراد عائلتنا واخواننا الكبار وكبار ناس الحي ومعلمينا واساتذتنا وكل من له سلطة معنوية علينا ..كنا حتى وبعد ان اضحينا نقدر على أن نعقلن الأمور والأشياء في حاجة لنتمرد على القوالب الاجتماعية والاعراف ونخرج على القواعد المتعارف عليها بمثل ما كنا ونحن تلامذة دائمي التذمر من النظام المدرسي ونفكر باستمرار بالخروج عليه وتكسيره ...
وكنا شبه اجمعين نشكوا بصريح العبارة او بغيرها من عتو السلطة الأبوية ومن سأمنا من لائحة ما يصح ولا يصح المرفوعة دائما في وجوهنا ..
لم تكن علاقتنا بناس المساجد كلها جيدة وحسنة لان مساجدنا كانت تمارس سلطة بدورها علينا لم نكن نعرف بأي وجه حق يكفل لواحد يرتاد المسجد باستمرار ان يصبح واصيا علينا ويلفت انتباهنا باستمرار بمواعيد الصلاة أو للا نترك صلاة تفوتنا ولنتحلى بزي معين أو بسلوك مخصص ...وكنا نحاول جاهدين الا نصطدم معهم لكننا بالمقابل كنا نجتنبهم ما امكننا وكنا ننسب لبعضهم من من كانوا لايملون مطاردتنا بوصايتهم السبب في الكف عن ارتياد المسجد وتغييره باخر واحيانا بأنهم كانوا سببا من جملة الاسباب التي جعلتنا نقاطع الصلاة ...
في اوساطنا الشعبية كان الفقر عام والحرمان يسم ولا يسلم منه جميعنا على تفاوت احوال معيشتنا وكانت عندنا قناعة لا نعرف من اين اتتنا وترسخت فينا تحدسنا بان فساد احوال السلطة والمسؤولين عنا وشيوع الفساد والرشوى والمحسوبية سبب تردي اوضاعنا وحرماننا ...لذلك كنا ميالين ولو في سلوكنا الشفاهي الى لعن الاوضاع وكره اي سلوك تحكمي فينا وكل من يمارس السلطة وخصوصا بتغنج ...لم نكن نعادي بعضنا البعض على تعدد امزجتنا وطبائعنا وميولتنا ..كنا لحدود بعيدة نعي بان الحال من حالنا وكلنا متساوون امام قهر الاوضاع الاقتصادية والسياسية وامام استمرار تخلف مجتمعنا الفكري والثقافي وسواد الأمية في اوساطه..لذلك كنا ميالين للتسامح مع كل الظواهر الاجتماعية السلوكية الا العنف والتحرش والذي بدوره كان سائدا...
بالمدينة كانت هناك اكثر من ثماني أمكنة لتعاطي الخمور والشراب ما بين خمارات وفندق ونادي ومطعم و ثلاثة محلات لتوزيع وبيع الخمر والشراب ..واكثر من خمس دور الدعارة بالمدينة القديمة لوحدها تنشط باستمرار وفي كل حي أو منطقة سكنية هناك نقطة الى ثلاثة نقط لبيع الحشيش والكيف وبمنتصف الثمانينات انضافت نقط لبيع الأقراص المخدرة ك"ريبلوم "و" ريفوتريل "و "الارتان"....كما لم تخلوا منطقة سكنية من دور تمارس الدعارة بالخفاء خصوصا بالمناطق الشعبية جدا والهامشية العشوائية ...كما كانت القوادات معروفات ولهن شعبيتهن وخروجهن للتسوق او التجول في الشوارع والساحات العامة فرصة لاصطياد زبائن لمن بحوزتهن من مومسات او بنات جدد على الميدان ...رسميا كنا قد ودعنا زمن الدعارة المقونن والذي عمر معنا لما بعد فترة الاستقلال وللاكثر من عقد ونصف ورسميا ايضا لم تكن تمارس الدعارة في البيوت دون ان تكون تحت أعين ومعرفة السلطات المحلية والأمنية بذلك ومثلما كانت الخمارات مفتوحة في وجه العموم على المنع التقليدي الرسمي لان تكون مفتوحة في وجه المسلمين ومحالات بيع الخمور سوق مفتوحة في وجه الجميع كذلك فلقد كانت الدعارة كذلك هذا دون الحديث عن الدور المخصصة للانس والفرفشة والتي يكتيرها المقتدرون ماديا العزاب والمتزوجون منهم والتي مثلها مثل الدور الشبه الرسمية لا اعتراض عليها ما دامت امورها مسيطرة عليها ولم تحدث الكثير من الضجة والبلبلة وما يثير الريبة او يقلق راحة السكان وامنهم ..
كانت ايام السبت والاحاد كما ايام الاعياد والاحتفالات الرسمية لا تخلوا اماسيها ولياليها من ضجات السكرى والمعربدين والمعربدات في الشوارع والازقة والحارات ..على غرار كل ايام فصل الصيف والذي يكثر فيه السهر وحفلات الزواج ويقترن بالعطل الرسمية وبعودة المغتربين داخل وخارج الوطن لمدنهم الأصلية ...
باقي ايام الاسبوع تنشط الحانات ومحيطها بزبناءها المعتادين والمعروفين وتتصيد الخارجين منها القوادات والقوادون والعاهرات والمثليين ...وكل يوم يتسوق معاقروا الشراب حاجاتهم منه ليشربوها في بيوتاتهم او بسياراتهم وبجوار البحر والغابة وبارصفة الأزقة والحارات الداخلية ....
كان زمنا خاصا.. حر في ان تلج خمارة او دار دعارة او مسجد صلاة ..مثلما انت حر في ان تدخن سجائر او حشيشا او كيفا او تستنشق غراء كيميائيا "سلسيون "او ماء تخفيف الصباغة او بنزين سيارات ...
كان زمنا خاصا جدا لا يعيب الرجل غير جيبه وما يحتسب فيه على مال ولا يعيب الواحدة من اولئك غير قدرتها على كفاية نفسها وتدبر أحوالها ..كان مقبول من الجميع ان يفسحوا لك مكانا بينهم بالمسجد متى عدت اليه وكان باب التوبة مفتوح في وجه الجميع وكذلك كنا نعيه ونعي بان الرجل منا ما ان يكبر في السن وتضعف بعض قواه سيعود الى رشده ويتوب وسيحج البيت الحرام ليكرم توبته ...
لذلك لعلنا لم نستسغ كل ذلك الاسلام المظهري الذي مارسه بين ظهراني المجتمع كل مستقطبي الجماعات الإسلامية المدعومين من دول الخليج ولا ذلك المتمثل لاخوان مسلمي مصر ولا ذلك الذي يقف على صراع معه والقادم من الدولة الصفوية الشيعية والذين احتكروا لانفسهم تجارات ونشاطات كسبية وتزيوا بالبستهم الخاصة واطلقوا لحاهم وشعورهم على طريقتهم ووضعوا بينهم وبين بقية اطياف وافراد المجتمع فوارق وحواجز وفيهم من اقام بين الناس محاكم تفتش في دواخلهم ونواياهم واخدوا يصادرون حريات الناس ويحرضون بقيتهم على محاربة الفساد الخلقي والمناكر ...
كنا ننتظر الموجة ان تعدي سريعا من بين مجتمعنا وان تختفي ارتدادتها.. لم نتوقع أن تحتكر الطرقات وناصيات الشوارع والاسواق والقيسريات و محلات الاكل والطعام ..لم نتوقع منها ان تسيطر على تجارات الاثواب والذهب والحلي والعسل وزيت الزيتون والكتب والمكتبات ومحلات تصوير المستندات والوثائق وتوجد لها استوديوهات تسجيل أشرطة وشركات توزيع ومحلات بيع وعربات متجولة ..لم نتوقع أن يتحول المجتمع بمثل تلك الدرجة ويصبح غطاء الشعر بالنسبة للفتاة والمرأة شرف والزام بل ونرى لجانب الحجاب البرقع والنقاب حتى للطفلات الصغيرات ..لم نستسغ ان يبني جزء من المجتمع جدارات بينك وبينه ..جدارات من النظرة الازدرادية والفوقية والتانيبية والاستعدائية ..وينعزل بنفسه عن بقية اطياف المجتمع فيقيم لنفسه مواسمه الثقافية والفنية ومراسيم زواجه وحفلاته واماكن اصطيافه وتنزهه ورحالاته الخاصة ..ولم نقبل منهم محاولات تدخلهم في توجيه حياة الناس بمشيئتهم ...
كان الجميع يقبل التجريح في النظام وقد يمارسه كتنفيس عن كبته السياسي لكن لكنتهم كانت توشي بخلل مركب يغشى المشهد السياسي الاجتماعي للبلد لانها ركبت على قاموس ديني وفقهي واخلاقي سلوكي عتيق لم يكن مقبولا العودة إليه لا في مدارسنا التي كانت تتحول لمدارس مختلطة لبنين والبنات ولا في فضاءنا الاجتماعي ولا لكي تقصي نصف المجتمع منا وتعيده للبيت وتمنع عنه حتى حق الكد والسعاية ..فبتنا نسمع عبارات التكفير ونعث الكفر والكافرين والقوم الظالمين والرهط المفسدين ... وكأن العجلة تعود للوراء بنا نحن الجيل الذي يطمح للتقدم والسير نحو الامام ...
عاد النقاش مجددا للنظام التعليمي والبرامج الدراسية وعلت أصوات منهم كانت تمارس التربية والتعليم لتطعن في مناهج تدريس مواد كالفلسفة والتاريخ الاسلامي والاداب ...ولما لم تجد ادانا صاغية لها حاولت فرض اسلوبها على المتمدرسين عندها والتمييز بينهم وبدى ان نظاما جديدا يستبدل بنظام يسود ..نظام يميز في الادارة بين اخ يؤدي الصلاة بالمسجد وملتزم واخر سفيه وسكير ونظام يميز بين المرأة المحجبة والمرأة سفيفة في المواصلات العامة وفي محلات الخدمات العامة وفي الطرقات والشوارع والمنتزهات ...وبدى ان المجتمع ببساطة ينقسم على نفسه ....
والعجيب ان التنظيم المحضور ذاك استغل كل ذلك للعمل على تقوية نفسه وكسب منظمين اليه دون الدخول في صرعات او صدمات في بداياته ...واستغل وجود اسماء جماعات عدة والوان من الزي والمظاهر ومساجد مخصصة محسوبة على جماعات بعينها او زوايا صوفية محددة والميل الطبيعي للعناصر المحايدة من الناس مع ضغط كل جانب قوي او يتقوى على حساب الآخر ..واستغلوا كل تناقض موجود في المجتمع ليسيطروا خصوصا على الفئات اليافعة والشابة من المجتمع ...كانت ادواتهم تفعل فعلها بصمت ونشاط منقطع النظير ودون ان يوجهوا كامل الانتباه للتحويل الذي يمارسونه على بنى المجتمع وهياكله ...
من جملة ما عبرت بصريح العبارة عنه وانا اقدم لاعتباراتي الشخصية في الموضوع في المقابلة تلك هو انني ضد اي تطبيع مع قوى تعادي المجتمع وتقدم نفسها النمودج الامثل والوحيد لنمط العيش وللجميع وتصادر الحريات وتمارس القمع تحث أي مسمى كان ....