الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

يوميات: مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) .تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"

 قررت ان اخرج للعلن ..."فاطمة"بنت خالتي كانت مكايسة معي ..انصتت الي جيدا كنت احدس ان كلامي غريب عليها ..لم تتعود مني ان احدثتها بمثل هذا الشكل التقريري ولا خارج احاديثنا عن دائرة علاقاتي واحوالي النفسية ...كنت اعرف عنها قدرتها على تدبير الامور في راسها وبعد نظرها ورؤيتها .."فاطمة "لم تكن ابدا صبية حمقاء رعناء ..كانت دائما صاحبة العقل والحكمة والتدبير والمهتمة الملتفتة لكل من حولها ..تساءل حال هذا وتطمئن على ذاك ومستعدة لتخدم اي احد بكل كرم واريحية ...مع نفسها كانت تقنع بالقليل ..كان يكفيها ان تنال رضاهم عنها لتشعر بأنها في قمة السعادة وتتحرك لتهيء فراشها على الارض موعدة نفسها باحلى راحة ونوم ...كنت اعرف من مجرد النظر الى وجهها حتى ولو اشاحت عني بعينها انها لم تنم ليلة أمس وأنها حتما بكت بصمت وبلا أدنى تعبير ..فقط تركت الدموع تنسدل على خديها وتمضي ابعد من ذلك لدقنها ..لعنقها ... "فاطمة "استنكرت علي استفهامها عن سبب تارقها وبكاءها..حزنها ..قالت لي :"وش كيصحبلك انا حجرة مشي انسانة حتى انا ...(وتضحك وتبرق عينها من جديد بكل حب )وش انت كيصحبلك فاطمة هي هذيك لكتشوفها غير كتضحك وكتبان لك ضاربا الدنيا بباطا (اي برجل )....."

"فاطمة"كانت منتبهة لكل ما يدور من حولها وصاحبة ذاكرة جيدة تعقل جيدا الوجوه وكل ما دار منهم او حولهم من احاديث ..كانت لها قدرة عجيبة على  ان تدير الحوارات والاحاديث النسائية ودقيقة في ملاحظاتها مما كان يجعلها غير اعتيادية وصاحبة رؤيا خاصة ورؤية تنبئية بالاساس وعلى قدر من الحكمة في توجيهاتها ...

انا لما حرصت على المقدم لطنحة وبتوصية من اخي "فؤاد"الذي أشار اشار علي بان اسعى الان لاظهار بعض مما اكونه لم يخالجني التردد  لحظة واحدة كما لم اشعر بالتخوف..كنت في غاية الاستسلام كما على اهبة الاستعداد لما سياتي ..كانت ثقتي في نفسي عالية لكنني لم استطع ان امنع قليلا من القلق من ان يتملكني ويستعجلني على الرهان على اكثر من قلب بنت خالتي"فاطمة "..الرهان على أن تقتنع بي ...كانت تقول لي :"انا وخا مفهماش هذ شي لي انت  نوي تديروا  وانما عجبني اذا انت عجبك ..تعقل شنوا كنت كنقولك على المجلات لكنتي كتمشي انت وآسية تشرويهم ولا تكرويهم من عند مول الزريعة فالاول ما كنت فاهمة علاش كتحمق راسك في قرايتهم ومن بعد انا وليت كنجي عندك تقرا لي شونوا فيهم وتشرحلي انا من ثم عرفتك كبرتي وولتي كتعجبني بالصراحة ديال الله ..انا اي حاجة فيها القرايا وفيها النشاط والمسرح وديك شي كلوا انا معاك فيها ..ديرها .والله "..   

كنت اخجل من نفسي وعوض ان اتخلص من قلقي يزداد توتري وغيضي من نفسي ..لا اعرف لماذا لست بقادر على ان افرغ كل ما يدور في راسي دفعة واحدة وارتاح ..؟! لماذا حتى مع اخي "فؤاد"اعدم القدرة على الإفصاح بكل شيء وحتى عندما كان يستشعر في الحاجة للتخلص من مكونات دواخلي كان يداورني ويجعلني احرص على التكتم حتى وان كنت لاعاني الضغط والقلق ..

كل الذي كنت احدسه جيدا هو ان الدرب امامي طويل وشاق وانني في معظمه ساجتازه لوحدي ..المفروض في ان اتحمل عناء قطعه لوحدي وان ادفع ضرائبه لوحدي ومني ..كنت في حاجة لان اتزود بالكثير من الحب والصور الجميلة لان طريقي سيكون تاراة  موحشا ومقفرا ...كما كنت بعد الطفل الذي استهوته عوالم "سيرة حمزة البهلوان"وحكايات "الف ليلة وليلة " ولا يستطيع ان يغادر الى أي مكان قبل أن يستادن أحبته وناسه الطيبين ويستودعهم مخاوفه ليحملوه ثقتهم ودعاويهم له بالسلام ...

لم اكن مسافرا بآية حال الى أي مكان آخر ..كما لم اكن بمغادر أي مكان لاخر ...لكن ان احول اتجاهي وان اغير طريقتي في التعامل وان اقلب نظرة الناس لي نهائيا وان اعلن عن جزء من نفسي الذي ظللت اربيه وارعاه في خفاء واحمله متواريا داخلي واتحمل عناء الصراع به ومعه دون ان اجرا على الاقرار بذلك او البوح به وان اعود لادير الصراع من جديد مع اقراني ومع من حولي لم تكن مجرد خطوات لاقطعها بثبات كمن يعبر شارعا او ساحة ... 

مع "الشريف "و"الكراب"بالخصوص كانت علاقتنا متينة ومستقرة ومتحولة باستمرار اي غير قابلة للذبول والموت ...عرفنا جيدا كيف نتقبل بعضنا البعض ونستوعب نقط ضعف كل واحد منا بنحو ان نطورها معا لتصبح نقط قوة مركزية...ربما لم تعد من هموم التمسرح وتكوين فرقة تمثيل تجمعنا تثار  بيننا ..كما ابتعادنا عن فضاء دار الشباب مع حرصنا على أن نتابع كل الأنشطة الاشعاعية الثقافية من محاضرات وندوات وسينما ومسرح وموسيقى لكن باتفاق على أن نبتعد عن ان يتم اقحامنا في داخلها ..حتى النقاشات لم نكن نشارك فيها الا فيما بيننا ..كان اقتراح مني ان نترك بين ما كان يشكل بؤر اهتماماتنا ونشاطتنا ويستهلكنا النقاش والحديث والحلم حوله ودائما ما يكون سر انتقاد اهالينا لنا وبين حاضر نقيم فيه تجاربنا ومشاريع احلامنا كما ذواتنا ..حاضر نحاول فيه الاهتمام بجوانب نقصنا ..ونسد فيه ثغراتنا المعرفية والفكرية والثقافية ..حاضر نوجه فيه العناية لتوسيع نظرتنا لكل ما يؤثت فضاءاتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية عبر أن نقراء ان نطالع ان نتكون معرفيا وان نطور من مقدراتنا على التعاطي مع كل ذلك بالنقاش والحوار والتفكيك ...كنا نستشعر اننا نكبر بسرعة وتكبر معنا مقدراتنا على استعاب الامور ومعرفة كيفيات تحليلها ونقدها ولم يعد مقبول منا او علينا ان يتم استغلالنا او التصغير من شاننا او احتواءنا في القوالب الاجتماعية الجامدة ...ظللنا حريصين على أن نلتقي وان نتبادل الكتب والمجلات والدوريات وعلى ان تتناقش ونتجادل  وعلى أن نخصص اوقات اخرى لمجرد الحديث عن انفسنا ..عن افكارنا الخاصة ..عن تلك الاحلام البسيطة في اكتشاف الحب والعيش بسلام ..

تقبل مني صاحبي اقتراحي وعملنا كلنا على انجازه والتطوير فيه وهكذا استطعنا أن نحتوي من جديد كل افراد مجموعاتنا  الذين كان مقدر لهم ولهن ان يحولوا  اتجاههم بمجرد العبور من وضعية تلميذ بالمستوى الابتدائي الى تلميذ وافد جديد على المستوى الاعدادي ..هذا دون ان ننسى التحول الاهم والفارق فينا جميعنا وهو التحول من فترة الصبى الى فترة البلوغ والمراهقة ..انا عمدت بهم شديد وتركيز حريص على أن لا اقطع علاقاتي وصلاتي بكل من صاحبته واتخدت منه مكانة الصديق حتى من من كان يعتبر شبه مستحيل ان يستمر على علاقة بي ..اذكر كم من واحدة انقطعت عن الدراسة معنا في المستوى الرابع او الخامس ابتدائي للتتجوز ...ودون ان تعتبر صغيرة في العمر بل محضوضة لان من يكبرنها عمرا بعد بطاولات الدروس يمكثن غير مدركات بالمرة لما عساهن يفعلن بذهابهن وايابهن الى المدرسة .ولا لما لزوم التعلم مادمن سينقطعن عن اتمامه مع اول فرصة زواج متواضعة ...بل وحتى اي فرصة المهم ان يتجاوزن الإحراج الذي اخدن يعانين منه بعد وصول جيل جديد من التلميذات الى المؤسسات التعليمية جيل من الاناث الكاعبات النهود والرشيقات جدا عوض عن شكل النسوة الذي غدون هن به ...كان جيل  جديد يلتحق بالفضاءات العمومية ويؤثتها بألوان جديدة وملابس جديد واشكال جديدة من السلوك ...وكان جيل الاخريات مفضوح وقديم بجلاليبهن وغطاءات شعورهن بالياقة الوردية او البيضاء التي تقاربهن من العاملات على قريناتهن الجديدات من التلميذات ..

"فاطمة الحدادي "كانت من رفيقاتي المفضلات لم تكن تكبرني بغير ثلاثة سنوات لكنها تجوزت قبل أن تنال شهادتها الابتدائية .."نادية بلحجام "عبرت لي مرات عن كامل احراجها بجسدها الانثوي الممثلى والذي يشابه شكل امرأة متزوجة في احدى المرات قالت لي انها تعرضت لكم من  الاحراج صحبة والدها العامل المغترب بخارج ارض الوطن  عندما كانوا يحسبوها زوجة أبيها وليست عن حق ابنته ...  

كنت مدافعا عن وجهة نظري امام صاحبي "الشريف "و"الكراب"انا لم اكن لاصدق فقط في الهرمونات وأنها سبب تحول الاناث الى ناضجات ..ولا مع حقيقة أن البنات والذكور كانوا يقبلون في عمر السابعة في اول الصفوف الدراسية وان متوسط الرسوب مرتين في الحياة المدرسية الابتدائية وان الحاصلة على الابتدائية والمتوسطة الى الاعدادي اقل سن تحمله سيكون على ذلك في أدناه أربعة عشر ...كنت اقول لهم بعمر الأربعة عشر بعد نحن اطفال للتو بلغنا الحلم او لم نبلغه ...كنت استحضر بيني وبين عيني صورة وشكل ابنة خالتي الغالية "آسية "كانت تبدوا امرأة ناضجة مع انها بعد مراهقة صغيرة في عمرها الحقيقي ...واقول لاصحابي العلة ليست فيهن ولكن في المجتمع بالاساس وفي اسرهم بالخصوص وفي امهاتهن بالضبط اللواتي  لم يكلن من جهد في تسمينهن وتبليغهين وفي حشو رؤسهن بقواعد الطهي واعداد شؤون البيت وفي حشر كل طاقتهن في تربية اخواتهم الصغار  اما في العطل فيقمن بارسالهن لدور معلمات الخياطة والتطريز والفصالة ..اقول لصاحبي وانا استحضر "كليلة ودمنة "لابن المقفع وقصة الثور الذي يسمن من اجل الخروج للحرث ..ان امهاتهن لم يفعلن اكثر من التعجيل ببلوغهن وتنضيجههن ليرتحن منهن في بيوت ازواجهن ولينشغلن من جديد في تهيأت اخواتهن لنفس المصير وبنفس الأسلوب المطبخي ...كنت اقول لهما ان ينظرا لامهاتهما اللواتي لا يثرن الدهشة بان اولادهم بمثل عمرهن او يقاربهن وهناك من قد يخطا في تقدير من الام من الابنة ...وكانت الواحدة منهن لا تصدق ان تسمع من نسوة العائلة أو الجيران او معارفهن انها كبرت وأصبحت عروسا لتطير فرحا ولتصبح في اول صباح  العطلة الأسبوعية   كثلة من النشاط الذي لا تمل من توزيعه على كل اركان وجنبات بيتهم وهي تهيا نفسها للمزيد من المدح والاطناب من نسوة الحي اللواتي لا يفوتن مثل هذه الفرص لفتح عين الانثى على موضوع الزواج ...كانت الواحدة تدرس معنا بشكل عادي وفجأة لا تعاود الرجوع بعد العطلة الفصلية للمدرسة وفي اقل من عام تكون قد أصبحت اما وكذلك في العام الموالي وبعد اقل من ثلاثة سنوات يصبح شكلها شبيها بشكل امهاتنا نحن بكل كثلهم اللحمية وبكل روائح الطبيخ وحالة صباح او مساء يوم الحمام بتركيبة الحناء المخلوطةو الموضوعة على رؤسهن وبعودتهن الى الاهتمام بقدم ارجلهن وتكريطها من يبوستها ...كان الزواج الهم الوحيد للبنات وامهاتهن وكل واحدة تعتقد في نفسها أنها مؤهلة له بمجرد ما تدخل البلوغ وتحيض وتبدا في الاختلاء بنفسها لتغسل وتفرك بين اصابع و راحة كفيها اخرق دم الحيض ...كنا بالتاكيد نحب امهاتنا ونسوة كل العائلة والجيران لكننا بيننا وبين انفسنا غير راضين على احوالهن واميتهن وعوائدهن وكان صعب علينا تصور ان البنت التي نتصور اننا نحبها غذا ستصبح سمينة وستكف عن ارتداء تنورتها وكسوتها الجميلة لمجرد جلباب وغطاء  للشعر وقفاطين للاعراس والحفلات...

"فاطمة الحدادي"انتهزت اول فرصة للقاء بها وكانت وهي تحمل مولودتها الأولى وكان شبه مقبول ان اقف لها لابارك لها فكاكها من الحمل على خير لاوجه  العتاب اليها ولاذكرها بوعود الصداقة التي قطعناها لبعضينا واين نحن منها ..ومن يومها حرص كل واحد منا ان لا يفوت اي لحظة تلاقي بيننا دون ان نقف لبعضينا ونجري اكثر من حديث بيننا ..اما "سميرة بلحجام "فلم يكن هناك مانع في ان اظل حريصا على زيارتها ببيت اسرتها على اننا لم نعد زملاء في الدراسة ...كنت مثيرا للاستغراب من جميع من يعرفني او يتعرف علي خصوصا في موضوع حرصي الشديد على أن ابقي على سابق كل علاقاتي مفتوحة بل ولاطورها وكنت من جانبي غير مستعد لاناقش دوافعي في ذلك على الاقل الخاصة ..

مع مجموعاتنا ومجموعتي الاقرب بمثل ما حافظت على تقاربنا وبقاء علاقتنا دائمة كنت اعمل على تطوير انواع تعاطينا مع بعضنا ربما في احيان كنت مستفزا في بعض مطالبي وكثرة الحاحاتي لنغير من اشكال تعاملنا ومن نظرتنا للاشياء وللامور وهكذا شيئا فشيئا اصبحنا مقبلين على بعضنا البعض بعقليات جديدة وكنت منبها اياهم الا اننا لن نكون في كل الاحوال مرحب بنا واننا سنقابل بالرفض والصد من العددين وان هناك من سيحاول محاصراتنا ...كنا نعرف انه بمجرد خروجنا عن دائرة تواجدنا وتحركنا المعروفة والمقدرة نسبيا سنقابل بالشك  والريبة والتدخل اللاحق الذي يمكن أن تترتب عنه إجراءات شديدة كحظر علاقتنا ومنع اجتماعنا ببعض لكن كان علينا أن نتحدى وان نكون في مستوى تحدينا .. كان الاهل لا يملون من توحيهنا نحو مجرد الدرس والحرص على النجاح لضمان مستقبلنا والمدرسة وادارتها لا تتنازل عن استعمال اي أسلوب من اجل الزامنا بالحضور والدوام والانضباط واباءنا عموما كلما لمحونا في مكان بالخارج لا يتبادر لهم من سؤال غير :"هل اديت الصلاة ..؟" انا على كل لم اكن لالجا لاحتيال اصحابي واداء صلاة دون صلاة سابقة او لاحقة او بدون مناسك الوضوء والطهارة فوالدي الحريص تماما على اداء صلواته وتلاوة القراءن على الأقل مرة اسبوعيا لا يفوتني كما لا يفوته انه سكير حد العربدة وانه مدام لقنني كتاب الصلاة والطهارة  فالامر قد خرج من بين يديه وأمر أن اتيها او اتخلف عن اداءها متروك لي ...ربما كنت احتال في الصيام وعادة على نحو كنت اريده مكشوفا لانني في داخلي لا احمل الحادا او جحودا وانما احمل الكثير من علامات الاستفهام حد انني لا اشعر بالوفاق مع هذا المجتمع الذي اعيش بينه من كثرة التناقضات التي كنت ارصدها واغبن فيها ...

 لم اكن الا في ساعات مخصوصة افضل البقاء فيها وحدي والتسكع وحدي لكنني في الغالب برفقة اخر وفي دائرة سكناه ووسط منطقته وبين ناسه وعادة لا اتحدث الا لما نقف عند جانب من الطريق او على ناصية بالحي تفاديا لإثارة حفيظة الكبار الفضوليون جدا والذين يتصورون انفسهم على دراية بكل شيء وعلى استعداد لتوجيه الدروس للجميع ... كما حريص على أن ااسس لعلاقة تزاور بالبيوت ليتعرف ذوي صاحبي او صاحبتي على من يكون صاحب ابنهم او بنتهم لكن دون ان أظهر لهم حقيقتي كما اعرفها عن نفسي ادعهم يكونون عني تلك الصورة الاجتماعية النمطية :"ديري مزيان مربي مادب باه معلم وختوا كيقرو .." 

صاحبي "الشريف "و"الكراب"تفطنا لاحقا لكم استفدت من علاقاتي تلك كان بمامن معي من اي تعرض او تحرش في اي جهة أو منطقة بالمدينة او بالشواطئ البحر او بالغابة لان دائما هناك اكثر من واحد اعرفه ويعرفني ويسهل عليه تذكر انه راني ويراني صحبة فلان من حيهم وبفضاء حيهم وهو ما اكسبني بعض الاحترام والحرية في التحرك دون مضايقات او تعرضات ..كنت شخصا معروفا ومقدرا لانه لم يكن من اليسير ان ترتاد حيا ابعد من جهتكم السكنية وتسرح فيه دون ان تتعرض للاشتباه وللتحرش والاستفزاز ..وان تستطيع اكثر التقرب من شخص والدخول معه لمسكن اسرته لتتكشف عليك امه وإخوته البنات لا يعني غير انك على مستوى عالي من الأخلاق و الثقة التي توضع في الحسبان وتقدر منك ..على أنني كنت اشجع اصحابي على أن يخلقوا لي روابط للتعرف على ابناء حيهم ومنطقتهم المقربين وكان شائع ان يتوصى بك رفيق لرفيقه لان الشارع لم يكن يرحم ولا احد فيه يستسيغ ان يلعب فيه مجرد دور الضحية بل كان الجميع ميالا لاظهار الكثير من العنف وعدم التسامح ..

بقيت علاقاتي داخل الاعدادية مهزوزة ودون مستوى المتوقع مني حتى من اقرب اصحابي ..كنت شبه وحيد ودون صاحب او رفيق ..وحدها علاقاتي مع صاحبتي ومع رفيقات طاولة الدرس من حافضت عليها وفي حدود متحفظة او مصطنعة كما كان شان بيني وبين البنت التي صممت على أن أعيش معها الارتباط وان تكون صاحبتي بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات في قاموسنا الشعبي المجتمعي .."سناء "جالستني في كل سنة دراسية من الثلاثة سنوات التي امضينها الى الان مرتين في كل حصص دراسية موزعة على حسب مواد تعلمنا وعلى اختلاف موادها لم نكن نختلف في اسلوبنا الظاهري المرتب بيننا لم نجعل اي واحد بعيد عن مجموعتى القريبة يعرف بشأن علاقتنا ببعضنا كنا اكثر تحفظا ومراعات للاعتبارات الاجتماعية والنوعية بيننا وكنت اقبل بالهزء مني بمحضر باقي زملاء فصلي وانا اكثر واحد بكل المؤسسة يجالس بناتا بطاولات الدرس ويزاملهن ولم يرتبط باي علاقة بأي واحدة منهن ولم اكن ارد عليهم لانه كان يهمني ان يروج عني مثل ذلك الكلام واللغط ..كما انني لم احرص على ان ابدي اي اهتمام بآية لعبة رياضية جماعية او فردية بما في ذلك حتى العدو مع انني كنت احرص على القيام به في الغابة القريبة من منطقتنا السكنية وحدي وصحبة اخوتي ليس غيرهم وعلى انني كنت اذخن ولايام متتالية لكن دون ان أصبح مدمنا على التدخين بعد لكنني لم اكن لاخالط او لاظهر سلوكي ذلك امام جماعات المذخنين من التلامذة ..وحال ذلك بشكل اوتوماتيكي دون ان يمكنني من انشاء علاقات مع تلامذة فصلي او المؤسسة خصوصا وان اغلب من درست معهم الفترة الابتدائية كانو يلتحقون باعدادية غير اعدادية "الامام مالك "التي ترجيت من عمي "محمد"ان يسعى لي عند والدي ويدبر معه شان التدخل لي لقبول انتسابي لها عوض اعدادية "الحسن الثاني"المفروض أن أتوجه اليها تبعا للمؤسسة الابتدائية التي احتزت منها امتحان الاشهاد الابتدائي ..كنت اعرف انني اعزل داخل فضاء الاعدادية من اي دعم او مساندة الا من بعض تعاطف بعض الكبار الذين كانوا يتدخلون من تلقاء أنفسهم لمنع التعرض الي بالهزء والسخرية ومحاولات التحرش البدني بي ..وضعي ذلك جعل حتى بعض استاذتي ياخدون موقفا غير متسامح معي كانوا يرون مني كثلة ينقصها الاشعاع والاعتزاز بذاتها ومنهم من راى في ذكرا ينقصه الكثير فانا لا احاجج ولا اشاكش ولا أدافع عن نفسي ضد تنمر اقراني وغيرهم بل وصل الحد حتى ببعض البنات ان يبدان بالتطاول علي والهزء مني ..كنت الحظ جيدا كيف يتدخل المزاج العاطفي للاستاذ او الأستاذة في توجيه حتى النشاط الشفاهي داخل حجرة الدرس كيف انه مادمت لا اروقه يهملني ويبثر حتى شقي في الرد على سؤال الدرس ليمكن اخر غيري من الرد والحواب والافاضة فيه ...وكنت اواجه تشدد الإدارة معي كلما ابديت انني منضبط لكنني غير متكيف مع الجميع وانا بيني وبين نفسي كنت منغمسا في الحفاظ على نفسي باردة وانا متقمس أسلوب اخي "فؤاد"الذي لم يكن في حاجة للأضواء مادام يعرف نفسه جيدا ويقدر مقدراته ومواهبه وطاقته ..ربما في أجزاء مني كنت غير قادر على التماهي اكثر مع اخي "فؤاد"وربما هذا ما جعلني غير حريص على أن اكسب تعاطف بعض اساتذتي خصوصا من كانوا قد بدؤا لا يستسيغونني ولا انا استسيغهم  ومنهم مع عدم بدلي مجهودات مضاعفا لتغير نظرتهم الي بدؤا يفقدون اعصابهم معي ويثور  في وجهي بسبب وبغير سبب واجدين في الكثير من السلبية والانطوائية حد التصرف كالبنات ..وكنت احب ان اسجل انتصاري عليهم بان ادعهم يغلطون في حقي دون سبب وجيه وموضوعي خصوصا لما اكسب تعاطف جماعة الكبار والبنات المعبر عنه بالكلام او الترتيب على الكتف او الظهر او بمجرد تقابل النظرات ...كنت متعودا أن لا أحمل معي هموم المدرسة للبيت او اثقل بها صدور اصحابي وصاحباتي من مجموعاتنا فانا دائما على موعد مع كتاب او رواية او حصة استماع او لزيارة صاحب قديم ...

بمجموعات كانوا يعترضون طريقي سواء ساعة انتظار الدخول للمؤسسة او بساحتها في فترة الاستراحة او بساعة تغيب أحد الأساتذة عن الحضور دون اعلام سابق او باعلام معروف للجميع لكن يتعذر معه ان نعود الى بيوتاتنا والاياب منها في محيط نفس الساعة لاستكمال باقي الحصص الدراسية ..وكان سبيلي الوحيد للدفاع عن نفسي هو الانسحاب وتغيير مكان وقوفي وعدم الرد واظهار اللامبالات والانطواء على نفسي ..كان من استاذتي من حاول الاشتغال ببعض الذكاء والحيل النفسية ليثيرتي وليختبر نفسيتي لكنني لم اترك له فرصة النوال مني ولا هز دواخلي ...كان يهمني اكثر ان استترك وحدي وان يركنني الجميع على جانب من كل انشطتهم وان لا يحسب لي حساب من لا يستهان به لكي لا يتحفظو في شاني ولكي يظهروا لي بالمقابل حقيقتهم و لكي يتمادوا في التعبير عن أنفسهم دون مراعاة انني انتبه اليهم واسجل عليهم نقط ضعفهم ونقصهم واخطاءهم الفادحة ..حدث في اكثر من مرة ان اتت واحدة لتنبهني من ان فلان ينوي اعتراض طريقي ساعة الانصراف المسائي او الصباحي وكنت اشكرها واطمئنها على أن الأمر تحث سيطرتي لذلك لا تبالي بما لن يحدث اكثر من المقدر له بأن يحدث ...ساراوغ الامساك بي وشدي من ثيابي وساكمل مسيري ولن استفز لاستفز من يريد استعراض عضلاته علي وعلى كل هو بعض الهزء والسخرية والتحقير مني ما سيكون نصيبي كما تعودته لا غير ...صاحبتي وبنت جيراننا وزميلتي منذ الدراسة الابتدائية اصبحت حانقة علي لم تتعود ان تراني على هذه السلبية والاستسلامية وفي اليوم الذي وجه الي مدير الاعدادية السيد"البقالي "سيلا من الاهانات وطلب من الحارس العام التكفل بالباقي لا لشيء فعلته فانا لم اشاكش ولم اتحرش باحد ولم اخل باحترام اي شخص كل ما هناك ان جماعة متنمرة كانت تتقادف بي وتتلاعب بي ونحن في زحمة الخروج وصادف ان تعمدوا لدفعي لاصطدم بتلميذة ثارت مستنكرة فنبهت المدير الذي امسك بي ..."نجية "لم تقبل مني  استحمالي كل اهانات المدير وتهديداته وسخرية المتنمرين ودون حتى ان اجرا على الدفاع عن نفسي وقالت لي :"وبزاف على خوف هذا ..بقيتي كتباني كبحال الا مشي ..."وصمتت دون ان تكمل عبارتها التي وصلني تمام فحواها ..."  مشي راجل .."

كنت اردد مع نفسي وداخلي :"ايه مشي راجل بصح انا عرف راسي مليح شكون انا وحتى انتي واصلك الخبار وشيفاني بعينك قداش انا راجل وارجل منهم  ..."اعتذرت مني "نجية "في اليوم الموالي وكبرت في عيني كنت اعرف انها لم تقصد بدورها الإساءة إلي لكنها من معزتها لي لم ترضى علي تبهدل حالي امام الجميع ...

لم تتحول الاعدادية الى جحيم كما كانوا يراهنون على تحويلها لي كنت احصل على نقط فوق المتوسط الى لاباس بها وفي جميع المواد دون استثناء وذلك كان يكفيني لاثبت للجميع بانني خارج التوقع بان اتعب وامل وابدا في التفكير والعمل على ترك الدراسة مثلما يحدث مع ذوي الظروف الصعبة والحالات غير المتكيفية ...

لم اكن قد تعبت في  كل حال لكنني اتعبت من حولي بما يكفي كما أردته ..اصبح العديد من المتنمرين علي غير مهتمين من التنمر علي.. تقبلوني على حالتي الهشة وهكذا تركونني من تلقاء أنفسهم بينما كنت اضع نصب عيني عددا من استاذتي الذين ما استسلموا ولا تركوني على شاني انا وعقدي وتخنثي وضعف شخصيتي ...بل حتى يعتقد الكل انهم اخفوا علي الا وحسب مزاجهم السيء يندلعون في وجهي على اتف الاسباب ودون سبب واضح بالمرة ...كانت علاقتي بهم مختلفة حسب ما انا اردت توجيهها اليه وكما كنت اتظاهر فعلاقتي بهم كانت غير طبيعية فكلهم وضعوني في خانة الاستثناء السلبية وانا تعمدت بان اجعلها لا تخرج عن تلك الخانة فاجوبتي دون المتوقع وحتى من يسايس معي اظل اداوره في الكلام الا ان اصمت كمن إصابته جبسة وفي المواد المفترض انني ابلى جيدا فيها اجيب كمن اتفق وعلى اسوء  من المتوقع وحتى عندما لا يكون هناك مجال لاغش افتعل الغش وعلى نحو مكشوف لاضبط ...كنت اريد ان ارسخ الاعتقاد بانني اخرق ومتهور وليس فقط معقد وغريب الاطوار او مريض نفسي او اعاني من مشكلة في هويتي الجنسية وكان وحده نجاحي في ذلك يهبني اثمن الفرص لادرس سلوكهم تجاه الحالة  التي اتقمسها وتجاه  الموقف الذي احشرني فيه ...

كان الجميع حتى اكثرهم تحفظا يتكلم ويتحدث عن ما يرقوه وما لا يرضى عنه من سلوك الأستاذ او الأستاذة الفلانية وكان كلا الجنسين يركب الغوغاء والتحامل ليعلي صوته ويجاهر برايه في الأستاذة وطاقم الإدارة التربوية وكنت لا اكلف نفسي العناء لاتعرف على اراء اي واحد منهم خصوصا بعد كل حادثة مستجدة لانها كانت تكون حديث كل الساحة الاتي والاول ...ولطلما اثارني السلوك المتكرر والطابع المترسخ في شخصية الاستاذ لم اكن لاتسرع في اطلاق الاحكام حتى بيني وبين نفسي كنت ببساطة انقل موضوع السلوك لافراد مجموعاتنا خصوصا الاقرب مني لنتناقش فيه ولاستجمع أكبر قدر من الرؤى حوله ولا يهنى لي بال الا بعد أن أتوجه للبحث النظري في شأنه كانت مكتبة والدي زاد قيم تزودت منها بمعرفة لاباس بها حول مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وخصوصا علم النفس التربوي والتعلمي لكنني كنت استشعر الحاجة الماسة للمزيد من الاطلاعات والتعرفات وهنا تعاملت بذكاء اجتماعي مع افراد مجموعاتنا الاوسع وركزت على من في بيتهم مكتبة شخصية لاطلب اعارتي كتبا ولوقت جد محدد مع مراعاه شديدة على التقيد بالامد الذي احدده انا ..كما لجئت لمدرسي بالمستوى الابتدائي حتى من كان حدسي يقول لي انه لا يقرا ولا يهتم كنت احاول معه لعله يتحوز على مراجع قديمة من زمن تكوينه الأكاديمي او تحصل عليها بالصدفة حيث كان عدد من الأسر المتوسطة تتباهى وتحرص على أن تكون لها مكتبة منزلية صغيرة ...

السيدة "ام ليلي "شغلت في ابان تعطل المدارس بالعطلة الصيفية وخروج عدد من الموظفين الاداريين بالدوائر  والمؤسسات الحكومية مهام أمينة مكتبة حديثة بالمدينة اسمها "مكتبة وادي المخازن"التابعة لدار الثقافة الحديثة التاسيس بالمدينة وتعرفت اليها في ذلك الصيف وكنت زائر المكتبة الاوحد لفترة امتدت للاكثر من ثلاثة أسابيع كانت كافية لانتقل بالعلاقة معها من مجرد تقبل عادي وفوقي من جانبها الى أن اخدت تراعيني وانتهت بان تتقبل رعايتي وتفتح لي المجال أوسع لتقرا وادرس بكامل حريتي وان اتنقل للبحث بين رفوف المكتبة المتواضعة والصغيرة عن كل ما كان يمت بصلة لحقل علم النفس وعلوم التربية والاجتماع  وما لم اكن استوعبه تماما استذكره جيدا على أمل ان اهضمه لاحقا ..

مع السيدة "ام ليلي"لم الجا كثيرا للحيل لانها راقتني   كامراة وشغف قلبي بها كام محبة واحترمت شموخها واناقتها وكياستها وذكاءها ...نفظت عن سحنتي الخجل المتصنع وتركت لجسدي حريته في التحرك ولنشاطي ان يتقد في عيني ولاحظت منها تنبها يزيد كل مرة على مرة لي فكنت ارفع عيني للنظر اليها دون ان اتخرج من فعل ذلك وكانت تتجاوب معي دون تشجيع كما دون صد ..تتجاوب معي وتتقبلني الى أن اخذت هي المبادرة بالاقتراب مني وبدأ إجراء محاورات معي بشأن اهتمامي الذي لا يتناسب مع سني الحديث ولا مع مستوى نفس اقراني المتمدرسين وهنا بدات في تعريفها قليلا عن  نفسي وعن خلفياتي التربوية وعن مراجعي الشخصية التي تعلمت منها عن اخوتي ..عن عمي ..عن معلمي الابتدائين ...واصبح وجودي مرحب به من لدنها ومن عون الخدمة الذي كان يهتم بالحراسة وباشغال البستنة كما بالسيدة المنظفة ...

"ام ليلى"اضحت في قناعاتي وذاكرتي هي سيدة الدار "دار الثقافة "التي قبلت بي كابن لها تراهن على انه سيكون ابر ابن للثقافة وحتما سيكون له دور ريادي ان لم اتراجع عن حماسي واقبالي ونهمي على القراءة والدراسة ...ووعدتها بيني وبين نفسي انني ساكون حريصا على أن اكسب الرهان ...حافظت على زيارتي للمكتبة حتى بعد ان حولت للطابق العلوي من مبني دار المخزن "الكومنداسيا "التي رفعت يافطة مندوبية وزارة الشؤون الثقافية واصبح منذوبها يسكن بجوار المكتبة الصغيرة  الأولى ...

"ام ليلى"انستني وجع الراس الذي كان يسببه لي زيارة مكتبة البلدية التي يشرف عليها من هم بمثابة حراس مخزنيون وليسوا اطرا  تربوية كما ان روادها عموما من تلامذة الاقسام الاعدادية والثانوية الذين يتوافدون جماعات  ولغايات بحثية مدرسية محضة على أنني سرعان ما اكتشفت خواء فهارسها من ما كان أولوية عندي قراءته والاضطلاع عليه ومع ذلك لطالما عدت لاجلس اليها الصباح والمساء كله لاطالع بعض الروايات والقصص والمسرحيات المغربية والعربية والمترجمة من لغات اخرى ...

كل ما اتدبره من نقود بت اصرفه على اقتناء الكتب والمجلات والروايات مع حرصي على أن يلفه لي المكتبي على شكل هدية لم اكن اتصيد العناوين والاغلفة الملونة او البراقة كنت اقصد المكتبي باحثا عن عنوان محدد او مؤلفات كاتب بعينه لاختار من مؤلفاته ما لم اقرءه وبسرعة كمن لا يهمه الا ابتياع الكتاب  لصالح شخص اخر كلفه امر اقتناؤه اليه وبحرصي على أن يلفه لي بورق الهدايا كنت اتجاوز فضول من يقابلني في الشارع كما الجواب كان جاهزا على نفس الاستفهام "أشنوا هذا لي في يدك " ،انه كتاب اوصاني والدي او اخي او جارنا لابتياعه له من المكتبة وانتهينا دون ان يجرأ على فتح الكتاب وتصفحه ...   

كنت اعود كثيرا لاخي "سمير "في الموضوعات التي تشغلني كموضوعات مجردة ونظرية كما اعود لعمي "محمد"في القضايا المجتمعية التي تثيرني وتتحوز على تفكيري واهتمامي وبعد ان انجز  مختصري حول الكتاب او الرواية او الموضوع او القضية التي ادرس فيها انطلق لصاحبي "الشريف "و"الكراب "لابدا جولات معهما من النقاش والحوار والنقد حولها ومن تمت اكون مختصرا بسيطا وسهلا انقله بين باقي مجموعاتنا القريبة والموسعة ..تعرض كتبي للضياع المتعمد الذي لا يكون في حقيقته الا استحواذ غير صريح له كان يؤديني نفسيا فانا لم اكن ميالا لاكتناز الكتب ولا مبال ببناء مكتبة اتباهى بمحتوياتها وعدد ما بها وكنت السباق دائما لاعارة الكتب ..الامر الذي جعلني اتخد قرارا بالتحفظ الشديد على اعارتها وحضر كل من سبق وان استولى لي على كتاب يخصني من قائمة من ابادلهم الكتب بالكتب او  نويت فقط ان ادخلهم معنا دائرة القراءة والمناقشة المفتوحة ..

صحيح انني كنت اتجاوز على ما قد لا ينتبه له المحيطون بي من اصحابي وصاحباتي والذي قد لا يعون تماما انه إساءة لي وفي حقي ..لا اريد ان اتحدث عن تكلفة الكتاب بالنسبة لي وكم ياخد مني ..من مشاعري ومن مساحات الحلم الخاصة بي..لم اهتم بالكتاب كشيء مادي ولا تصورت حتى ان صاحبه ،مؤلفه يعنيه من جسم أفكاره ومشاعره وخواطره شيء يذكر اللهم انه يتوسم فيه بعض الخلود للروح التي استودعها داخله ..كنت احقق كامل لذتي مع النص او النصوص التي بين يدي وانتهي احب صاحبه ومؤلفه واطلق العنان لمخيلتي لتستحظر بورتريها عنه كيف عساه يكون وكيف يحيا بين الناس ويتملكني الشوق لاتحصل على صورة شخصية أو تقريبية عنه ويتحول تفكيري فيه بإستعادة تصوره كانسان مجرد انسان قد لا يكون تاما ولا مثاليا كما قد نحسبه وقد يكون خارجا عن المألوف ومليئ بالعيوب ومع ذلك تمكن من نشر سحره وضمان خلود روحه بيننا ... كانت احلى اشتهاءاتي ان املك قدرا مهما من المال وأخرج بكامل حريتي لاتبضع الكتب والمجلات والدوريات والجرائد والورق والافلام ولما لا بعض الصباغة المائية او حتى اقلام الشمع الملونة والكثير من الصمغ واداة قطع الورق لامارس اقدم طقس في الوجود على طريقتي الخاصة امزق واقص والطخ واعيد الثمتيل بجثت كل ما بين يدي لاتحصل على معنى جديد يخصني وحدي ويوصلني الى تمام الرضى والاشباع عن نفسي ...كنت كلما امسكت مجلة سياسية مصورة من تلك التي كان يحرص بعض الاباء على تزويد أطفالهم، تلامذة والدي بالفصل ليهدوها له عربونا خاصا من والدهم لاستاذ ومعلم ولدهم او بنتهم ومثل هذه الهدايا ما كانت ترد او ترفض من معلم متفتح مثل والدي ..كانت محلات عربية فاخرة ودائعة الصيت ومكلف شراؤها نظرا القدرة الشرائية لموظف بسيط الحال مثل والدي ...ولم يكن والدي يبالي يجمعها انا من كنت احرص على ترتيب اعدادها كما خصصت لها مكانا جانبيا وللاعداد الصادرة حديثا حيزا على طاولة الصالون ولم اكن تلقائيا في حرصي على ذلك بل كنت استهدف وضعها في متناول يد اي واحد يجالسني بالصالون ابن عمتي "عبد السلام "عمي "محمد"اصحاب اخي "فؤاد"الذي اندهش كيف صغير أخوته يكسر له قانونا خاصا به ويتسلل من وراءه ويصاحب أصحابه ويفتح لهم مجالا داخل البيت هو الذي كان على الرغم من تحرجه الشديد من معاملة أهالي أصحابه له وفتحهم لابواب بيوتهم له كما لاحضانهم  لا يريد ان يثير حفيظة الوالد أو يتشاكل معه لكنني انا كنت تجاوزت مع الوالد الكثير من الحدود والقواعد الخاصة ببيتنا وماض في المزيد من تحويله من مجرد اب نمطي الى صديق وصاحب مقرب وحميمي ..

كنت اتخير المقالات التي سبق أن اثرت حول موضوعها بعض الافكار مع جليسي بالصالون واعراضها عليه وأتركه في انتظاري ريثما احضر بعضا من القهوة أو الشاي بحسب رغبة ضيفي او ضيف اخي او والدي او اختي ولما اعاود الجلوس اليه ابدا في إثارة الموضوع معه من جديد على ضوء ما اكون متاكدا أنه لم يتركه من يده دون ان بقراءه او يتصفح معظمها اذا لم يكن قد بدأ يتهيا ليطلب باستخياء ان امكنني اعارته المجلة ليطالعها في اقرب وقت ويعيدها الي ...

مع والدي وعمي بدا الجدال السياسي وبدأ الاهتمام بالقضايا السياسية للوطن العربي الكبير كان والدي في البداية شحيح الكلام كما على انه يطالع في المحلة اهم المواضيع و القضايا الرائجة الا انه وبتخفظه الشديد عن اثارتها مع الاخرين كان ينسى جل التفاصيل كما لايركز على الحزئيات الاهم مثلما لا يبالي بالقراءات المستقبلية والتنبئية السياسية يخال ان الأمر كله مجرد بيع كلام واوهام لمن يصدقها ومن هاهنا امسكت في والدي وكنت أعيده ليسمع مني وليحمل عدد المجلة القديم من جديد ليتاكد بان تخميناتي وتخمينات المحلل السياسي كاتب المقال كانت في محلها ..فاخد يثني على ذاكرتي بعد ان تجاوز الإستغراب من كوني استطيع فك رموز موضوعات سياسية والقراءة فيها واخدنا نوسع جلستنا لتمتد بعد فترة الظهيرة للمساء   ولما بعد نشرة الاخبار الرئيسية التي يعقبها أسخن نقاش ..ذلك الجو كان مرحب منه من كامل اخوتي وادخلوا لحانبهم اصدقاءهم المقربون واخد الكل يستعذب السهرة والخروج متابطا اعدادا من المجلة ومؤكدا بكل ثقة وعزم على انه سينتهي من قراءتها والاعداد بجولة قادمة من السهرة والنقاش السياسي والاجتماعي ..كنت اعرف كم كبرت واكبر في عيونهم ليعاودوا استكشافي من جديد وليعاودوا كذلك الانتباه لي فهم كانوا يعرفونني على نزقي وتوددي طفلا وشخصا اقل مستوى من الاجتماعية وعلى غير أداء اقراني في الزقاق والشارع والمدرسة كما انني منذ أن اخدت اكبر انقلب حالي تماما وأصبحت كمن يعاني مشكلات نفسية وصعوبات تعلمية ودراسية كما أصبحت ابعد كثيرا عن اخوتي اللهم ابقاءي على بعض حرارة استفهامهم حول بعض الموضوعات والامور التي تهمني ...

حاول من اصحاب اخي "سمير "كما اصحاب اخي "خالد"معي بنية فتح حوارات معي ومعرفة ما نوع مشكلاتي و سبب تقهقر ادائي العام الاجتماعي والتعلمي ولم اكن مستعدا لاصارحهم بحقيقة امري بعد ولا عما قريب وحده اخي "فؤاد"من وهو يحاول إعادة اكتشافي رميت له تقريبا بكامل اوراقي وقلت له ها هو من احسنت تربيته ورعايته وهاهو مخططه المرحلي والمستقبلي ..

اصحابي كانوا يسيؤن لي من حيث لا يدركون كانوا قادرين على مسايرتي حتى فيما لا افصح لهم تماما عن كامل اهدافي الشخصية من وراءه وبالمقابل كانوا مترددين وحاجمين ومحتاحون للكثير من البينات والشواهد والدلائل ليصدقوا في امور امور بسيطة ادعوهم لممارستها او ايجاد حل وتسوية في شأنها ..صاحبي "الشريف "و"الكراب "كبرنا معا ربما لم نعش طفولتنا بجانب بعض لكننا عشناها استعادة وتذكرا وحكيا كما عرفتهم وعرفوني على اصحاب طفولتهم ومحيط تربيتهم لكنها بعد كانا غير قادرين ان يفتحوا نقاشات مع والديهما بالخصوص ..لم اكن مع التحريض على الاصطدام مع السلطة الأبوية لكن مع العمل على احتواءها في الموقف العاطفي والتربوي العلمي الصحيح ولست لانني لم اكن اعرف طبيعة ومزاح والديهما ومعظم اباء اقراننا بل لانني كنت اعتقد بانني اعرف عنه الشيء الكافي فلذلك لم اقل ان يبدا به بل ليتوحها لاقرب مفتاح له ..ان يتوجها للتخفيف من هيمنة امهما العاطفية والسلطوية في ذات الان ..وكانت افكاري العملية بسيطة جدا يكفي بان يصاحبا والدتيهما ان يتعودا التحدث اليها بكامل الصراحة والصدق وان يبدا بالكشف عن طرقهما الاحتيالية التي عبرها يستطيعا ان يفكا من حصار سطوتها عليهما ..الكشف والبوح كطريق لبناء جسر جديد للمخبة والتقدير والاحترام المتبادل سيؤدي لامحالة لخلق جو من الثقة والتفاهم القادرين على اكسابهما المزيد من الحرية المسؤولة في الاختيار والتجريب وطلب الدعم والمساندة ..لم اكن ابدا مع طريقة الكذب وقلب الحقائق والتصنع والاحتيال العاطفي وحياة الإزدواجية في القيم والمواقف ...انا كان سهل علي استشارب كل هذه المعاني والقيم والافكار والتجارب من عالم الروايات واليوميات.التي لم اكن اقف عند عتبة الذهول منها بل كنت لما احس بصدقها اؤمن بها واصدق عليها ....وكنت في حاجة لان يصدقونني بانني في الاول والاخير لا اريد الا ان اصادقهم عن حق لا كما نمثل اغلبنا على اغلبنا ..

مع "فاطمة "بنت خالتي شعرت ببعض نفس  الحزن والاسى اذ كانت اخدت في إعادة رسم الحدود بيننا ونقض سابق اتفاقتنا وكان مبررها وجيها من نظر عقلية المجتمع الذي تسكنها وتوارثتها حيث أنها كانت تلاحظ بانني بدات اكبر ..هي "فاطنة "التي اعرفها والتي فتحت عيني عليها لم تكن ابدا لتبالي او تتنبه لما هو خالص بيننا ..مهما حاولت نكر حبي وتعليق بها ومهما راوغت هي في ذلك الكل يعرف ويدرك هذه الحقيقة ..كنت اقول لها :"فاطمة وش سمعتي باباك شنو قاليك من كنت كتجبدي الغطا لي ..."تستفهمني هي بدورها +:"شنو قال .." واكمل حواري -:"اجي وش مقالش ليك هودوا نعسوا مع بعضيتكم ..وشفتي انتي فيه ومرديتيش عليه .."..

عبثا كانت تحاول تصنع التجاهل او الصد ..كنت اعرف انها كبيرة في عقلها وصادقة في مشاعرها ولن اتوانى على أن تعيدني الى حضنها لانها ابدا ليست في حاجة لتمارس الاعيب المداورة معي وكان يكفي ان أوجه انتباهها لحقيقة ما يجمعنا ولافضح امامها لعبة الكبار التي يمارسونها بكل اتقان واستمتاع ...هي لربما في زحمة انشغالها وتارقها بمستقبلها نسيت او اخدت تتناسى تلك اللعبة البسيطة جدا التي كان الجميع يحرض عليها ،لعبة التوليف بين القلوب ..لعبة تحويل ذلك الاعجاب العفوي والبرئ الى علاقة الفة وحب ..نسيت ان خالتي "زهرة ",امها من سلمتني لها وانا طفل رضيع ونسيت أن والدتي خالتها من علمتها طريقة حملي وانماتي بجانبها ونسيت لهفتها علي وانتظار ان يعيدني والدها اليها ..الى حضنها ..نسيت تهافتها على وغيرتها من اختها الكبيرة "فاطنة "التي كانت تداعبني بسخاء وتدللني بمحضرها ...نسيت انني لم اكن الا كما اردت مني هي ان اكون معها واحدا الان تتوجسس وتخال انني في يوم ساكبر عليها واتجاوزها ...خالتي "زهرة "لم تكن ساذجة او ينقصها الحكمة والتدبير بل كانت جد متفهمة ولا السيد عزيزي "سي محمد"كان صوفيا درويشا مجلوبا السماء غير منتبه لحال نفسه واهل بيته ...ولا اختها او اخاها الاكبر كانا غافلين او يتصنعا التجاهل لفتيات في انفسهما ..هي فقط "فاطمة "بدت وكأنها غارقة في الاضطراب ولا تعرف ماذا تريده ..كانت متعبة ومرهقة وحساسة زيادة على الحد المقبول مما جعلها تحاول العمل اكثر على مراعات جانب الآخرين وكل تلك الاعتبارات الشكلية والمحافظة جدا والتي لا لزوم لها لانها ببساطة لا تسعد اي احد ولا تساهم الا في تضيق الخناق والاغراق في الكبت وتانيب الضمير ....كنت مراهقا صغيرا وكانت في مقتبل الشباب عزباء من أسرة محافظة ووسط عائلي مغلوق على نفسه لكنها لم تكن من بيت متزمت ولا ربتها والدتها بالجهالة والعنف والمنع الا في حدود الحياء الاجتماعي والمراعات لاحترام الآداب العامة الاجتماعية اما باقي الاعيبنا فالكل كان يعرف ان لها حدود وان لها اعتبارات ومقايسات جد خاصة لكلينا ...ولم تكن موضوع مساءلة من طرف اي احد من اهل بيتها بل كانت مرحب بها وهم من كانوا يتيحون لنا فرص نيلها كما هم من رسموا لنا حدود التعاطي فيها رغبة منهم في اسعادنا في التخفيف من وطأة اغتراب كل واحد منا برغباته وبالاحلام التي تضغط على جسده وتكوبسه ...خالتي كانت جد صريحة معي وكلماتها لا تحتمل اكثر من تاويل واحد :"نعس مع فاطمة "وابن خالتي على ما قد يتداخل مع طريقته في التحدث البشوشة والمفعمة بالضحك والابتسام بدوره كان مباشرا معي :"اعندك تدوخك نعس معها ولعب معها  "...وكل الذي كان بيننا لم يخرج عن دائرة اننا كنا نلاعب بعضنا وانه كانت لكل فترة ومحطة من عمرنا العابنا الخاصة والمناسبة ..لم نكن في حاجة لنراوغ بعضنا البعض او نحتال على الاخرين او نحاصر انفسنا بانفسنا بالتكتم والتستر وكاننا نرتكب الجرم الاعظم .....(يتبع ...)     



Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...