الخميس، 21 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(33) بعيدا عن حنان"هذه..." 12 تابع :"20-1"


 كان مجتمعنا المحلي يتحول وبسرعة وبخطوات مهرولة ..جزء كبير من شباب المدينة كان عازما على الهجرة إلى اسبانيا أساسا والى باقي الدول الأوربية حسب من سبقه من ذويه او عائلته الى هنالك الى انجلترا او المانيا او بلجيكا وهولندا ..او ايطاليا .. كان شبح البطالة يخيم بضلاله على الشباب الجامعي والمتعلم والازمة الاجتماعية متفاقمة وبدى انه انسب الاوقات لمن يستطيع ان ينفد بجلده ويسلك الحدود سواء بتدبر تأشيرة عمل او بعقد زواج ابيض او توسط شبكات التهجير السري النشطة بمنطقة الشمال والتي كانت تزواج مابين تهريب البشر وتهريب المخدرات ..

وجزء مهم من شباب المدينة كان غارقا في مكانه وقد استوعبته مقاهي تذخين الحشيش والكيف التي اخدت تعرف طريقها الى المناطق السكنية المكتظة والشعبية هي وقاعات الالعاب والبليار ..والتي تتحول في آخر المساء والليل الى قاعات مغلقة لمشاهدة الأفلام البورنغرافية الاباحية والتي كانت تلقى إقبالا كبيرا من اليافعين والمراهقيين هي وكراجات استعملت للغاية ذاتها خصيصا وحتما كان الامر في علم السلطة والجهات الأمنية لكنها بدت غير مهتمة بتطويق  الظاهرة لعلها كانت تشتشعر حاجة الشباب واليافعين للتنفيس عن انفسهم وعن مكبوتاتهم  ..وربما لانها كانت تعتمد على خلق توازنات بسيكوسيسيولوحية تضمن معها عدم اهتمام هذه الفئات الا بيومها وبتحقيق بعض رغباتها الخاصة على الاهتمام بالواقع السياسي والاقتصادي المتازم ..وربما بصمتها حيال ذلك الواقع الجديد كانت تمارس وتكرس  سياسية التغييب لجانب سياسية الرضى بالأمر بالواقع ...

كانت الاحياء الهامشية والعشوائية في تزايد مستمر هي ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وبدى ان جماعات مصلحية هي المستفيدة في كل الحالات من وراء خلقها والتستر عن حقيقة ساكنيها الوافدين من مناطق ريفية مغربية مختلفة ..وكثر الحديث عن فساد الاداريين ورجال السلطة واعوانهم ..وعن مافيات سياسية تنتعش من الاوضاع تلك ...

جمعت تلك الأحياء الكثير من البؤس الاجتماعي والنفسي وعرفت بين ارجائها اكبر سوق مفتوحة لتجارة الممنوعات من الحشيش الى الكحول المهرب الى الأقراص المخدرة الى السيلسيون الى الدعارة الى تجارة أشرطة الفيديو الاباحية ..كما غذت المدينة ساكنتها بافواج جديدة من الباعة الجائلين للخضر والفواكه والمواد المعيشية الرخيصة و أفواج جديدة من حمالي العربات المجرورة باليد وبالبهائم وبجيل جديد من الباعة المفترشي الطرقات والذين يبيعون المتلاشيات والأشياء القديمة ولقى المطارح والمزابل العمومية فانعشت بذلك مهنا جديدة كما خلقت كائنين جدد يحملون اسم "الميخاليين "وهم الذين يبحثون في القمامة وينتعشون منها ..

هذه الاحياء مدت في سطوة عناصر الشرطة القضائية التي كان طبيعي ان تضعها نصب أعينها لما تعج به من اشخاص مطلوبين للعدالة من محاكم مختلفة بالمملكة ولما تعرفه من نشاطات ممنوعة قانونا ..وأصبحت ملعبهم الرئيسي ..ولانها كانت صعبة الاختراق ومنفلتة فلقد مهدت عناصر الشرطة القضائية لتدخلها بها عبر تصيد الناشطين في توزيع المخدرات وبيعها وهم خارج مناطقهم السكنية وبمحيط وسط المدينة وبمقاهيها ..تصطادهم للتفاوض معهم حول تعاونهم لجانبها ...وفي هذا الاتجاه دأب كل مفتش شرطة او ثنائي مفتشي شرطة الى كسب سبق قدم بالمناطق الهامشية والعشوائية ..لم يكن عموما يلقى القبض الا على رافضي التعاون والذين كانوا يزاولون نشاطاتهم الممنوعة باستعمال العنف واللجوء اليه في تصفية نزاعاتهم خصوصا في جلسات قمارهم الذي كان رائج تعاطيه من اول الصباح الى ساعات متأخرة من الليل وفي خلاءات ومناطق بعيدة عن تدخل الامنيين والشرطة ..

لم ياتي مفتشوا الشرطة القضائية بجديد في الموضوع فلقد كان معروف في الاحياء والمناطق السكنية الشعبية بالمدينة وجود عناصر نشيطة في بيع وتوزيع المخدرات والخمور من لدن عامة الناس وجميعهم لكنهم لم يكن يلقى القبض عليهم وكان يروج على نطاق واسع ان حماية مبسوطة عليهم من من يواليهم من أفراد الشرطة وان بينهم اتفاقات سرية تضمن لهم الحرية على  ابلاغهم بكمائن او حملات التفتيش الممكن ان تقوم به دوريات ومهمات أمنية محايدة ...

لا يمكن الجزم في شيء بكل يقين لكنه تمة حدود واضحة بين الحقيقة وبين مجرد الاشاعات ..لقد كان عدد من "البزنازة "معروفون بتبعيتهم لفلان من الشرطة القضائية او من فرقة مكافحة المخدرات ..حتى كان يقال ان ما يبيعه من حشيش تم تمويله به من طرفه ومن ما تحصل عليه من مداهمة منزل "بزناز  "اخر تم تجريده من الممنوعات ومن حصيلة بيعه في يومه مقابل تقديمه كمستهلك او اطلاق سراحه قبل انجاز أية مسطرة في حقه ...

كان يرى مفتشوا شرطة صحبة "بزنانزة "معروفون بنشاطهم ..وكان منهم من تعودوا ان يمروا على بيوت المفتشين محملين بمقتضيات السوق والدكان ليودعوها لحسابهم كجزء من الأتاوة ...

وكان بالحانات من يتكفل بدفع ثمن كل مشروب يحتسوه وكان هؤلاء معروفون بنشاطهم في تجارة الممنوعات ...

ربما كان الكل يعرف ما يحصل لكنه كان أشبه بطابو اجتماعي الكل يرى ويعرف ويتابع لكن لا احد يجرا على استنكار الامر علنا وحيث يجب ..والكل يتجنب على الاقل الوقوع في مشاكل مع الامنيين ومع من بحوزتهم كامل سلطة الاعتقال وحتى تلفيق التهم ....

كان كف  أن ينظر لرجال الشرطة على أن مرتابتهم دون المستوى  وان وضعهم وظروف عملهم الوظيفية متعبة ودون الحد المعتبر من الحاصل ..لانهم على أرض الواقع كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش ويصرفون اضعاف حجم مرتباتهم ويغيرون السيارات في السنة مرات وكل منهم تحصل على بقعة أرضية ويجهز في بناءها وابناءهم وزوجاتهم متمتعون بافضل سبل العيش ومظاهرها ..وكان من يشرب منهم ويراعي البيئة المحلية ينتقل الى افخم فنادق ونوادي مدينة طنجة واصيلا ليشرب ويسهر بها ..ومن كان يفضل السهر ببيته  كان الشراب يصله حتى باب بيته هو والطعام المعد بمطعم   شهير بالمدينة ..ومن كان يرتاد منهم حانات المدينة كان في الغالب لا يدفع اي شيء تقريبا من جيبه الا اذا اراد هو التباهي على طريقته في ضيافة احد على حسابه الخاص ...

لا يمكننا ان نعرف على وجه اليقين كيف كان لهم ان يعيشوا مثل الامراء ويتصرفون مثلهم وبعيدا عن اي خوف او شعور بالتهديد ..لكن بالتاكيد لم يكن صعب اعمال حسبتها بالعقل والتفكر فيها ...

كانت منطقة الشمال فرصة يطمح كل ملتحق  بسلك الشرطة او السلطة ان يوفد  للعمل بها حيث بإمكانه أن يحقق الثروة ويختصر الطريق اليها في بحر سنوات معدودات على رؤس الاصابع ..كانت المنطقة تعج بنشاطات التهريب والاتجار بالممنوعات وبكل الأنشطة السوداء وتعرف دوائر المسؤولية والسلطة بها تراخيا وتواطئا بينا مع كل المفسدين والطامحين للوصول بسرعة وباي ثمن ...كما كانت المنطقة الشمالية هي منطقة زراعة نبتة القنب الهندي الأصلية ومصدرها الاساسي الذي منه تنقل وتوزع وتباع في كل التراب الوطني وتهرب لخارج البلاد ..كما  بالمنطقة الشمالية يوجد معبر حدودي "معبر باب سبتة "الذي يؤمن كل تجارة البضائع المهربة من المنطقة الحرة بالمدينة المحتلة الى جانب تلك القادمة من معبر حدودي اخر مجاور للمنطقة "معبر مدينة مليلية"..كما لوجود المنطقة جغرافيا على الضفة الأخرى لشبه الجزيرة الابيرية جعلها منطقة عبور مثالية للهجرة غير الشرعية للناس وللبضائع وللممنوعات ...ومنطقة تعج بجنسيات متنوعة وباطياف مختلفة من المجتمع اختارت الإقامة بعواصم المنطقة كطنجة وتطوان لما توفره لهم المنطقة من نشاط سياحي وترفيهي خارج عن نظام المراقبة والضبط القانوني او القضائي ...  

تتبع مدينة العرائش قضائيا دائرة طنجة ويتم ترحيل المسجونين والذين على ذمة قضايا جنائية الى سجن طنجة "سات فيلاج"والى محكمة الاستئناف والغرفة الجنائية بها وكان السجن هنالك يعج بجنسيات أوروبية مختلفة وفرصة ليتعرف المودوع به الى بشر ما كان له بان يتعرف عليهم عن قرب كما عن حكايات عجيبة وغريبة عن مدى توغل الجريمة في المجتمع وفي المنطقة على الخصوص وعلى مدى تورط الامنيين وعناصر من السلطة والجمارك والدرك ومختلف التشكيلات الأمنية في الفساد وفي نشاط التغطية على تجارات الممنوعات والتهريب النشط بالمنطقة   وعن كم الثروات التي كونوها في مدد قصيرة  ...

بالمدينة اختار جديدو التعرف على النعم احياء جديدة لبناء مساكنهم في تجزئات حديثة وكان جزء كبير منهم هؤلاء الامنيين بينما عموم المدينة تغرق في البداوة والبشاعة والفوضى والتسيب على الملك العام وتنحرف سلوكيات شبابها وناسها ...ربما كانت ردة فعل المجتمع في تبنيه ايديولوجية الإسلاميين طبيعية من منطلق انه اختار الوقوف جانبا من طغيان الفساد والمفسدين وربما كان اختيار جزء منه الوقوف بجانب معه كرد فعل اجتماعي  طبيعي  لمسايرة الاوضاع وعدم معاندة التيار ...خصوصا في زمن وصلت فيه ظاهرة الرشوة والمحسوبية الى سؤددها وتمكنت من التفشي في كل الدوائر الرسمية والحكومية ونخرت حتى جسم القضاء والعاملين في دوائره ومحيطه   ...

التحول الجارف يعصف بمجتمعاتنا المحلية ويتلاعب بمنظوماتنا القيمية والاخلاقية ويقدم الشيء ونقيضه في ذات الان لانه وعلى كل حال كان ولايزال الاختلاف قائم في درجات واستعدادات الناس على التكيف مع التحولات والتعاطي معها .. 

الصراع كان على أشده بين الحكومة والنقابات والمعارضة السياسية بالداخل وبالخارج ..وكان عموم ناس الشعب يتطاحنون لضمان لقمة عيش وفرصة في المدارس لابناءهم  بينما صغار الموظفين والمحسوبين على  الطبقة المتوسطة يعيشون التقشف على أمل ان يكفوا مدخراتهم ليحولوها الى مساكن يبنوها ويامنوها لاسرهم وتدخلهم بذلك لصنف من يملكون شيئا ..من يملكون ارضا او دارا يحمل اسمهم ونسبهم ويورثوه لمن سيخلفهم بعد مماتهم ورحيلهم من دار الزوال الى دار البقاء...

التساكن بين مختلف الفئات المجتمعية كان أصيلا فينا لكنه بدى في هذه العشرية الأخيرة يميل الى التزعزع وينقلب عليه ..بدت روح جديدة تهب على المجتمع ..روح مادية متطلعة ونازعة الى الأنانية والتنافس حد التطاحن والاصطدام ...تغيرت لغة الكلام والتعبير اليومية وكثرة الخصومات وضاقت الانفس وأصبحت اكثر تصيدا لاخطاء الاخرين ..ربما ذكى ذلك الخوف من ان يتحول الفقر الى قدر حتمي ..وربما اثاره رؤية قادمين ونازحين جدد يصبحون في ظروف قياسية ملاكين وأصحاب خير ودخول مالية معتبرة بينما ما كانوا للامس القريب يتباهون بأنهم سكان المدينة الاصليون وناسها يفقدون ماء وجوههم ويتحولون الى فقراء يوما على يوم امام تعقد الحياة العامة وغلاء المعيشة وتكاثر الساكنة ومشاكلها التي الهبت الاسعار وزادت من اثمنة الاكرية  والبقع الأرضية ومواد البناء وضيقت من فرص ايجاد وظائف او شغل كريم وباجور تكفي وتسد الحاجة ..  

بدى يأس متزايد من ما يتيحه التعليم من فرص توظيف وايجاد شغل بعدما اخدت تعلن قطاعات عن اشباع حاجاتها من الوظائف والخدمات لجانب تفشي منطق المحسوبية والرشوة السائد والجاري به العمل في كل مباريات التوظيف والترشيح لشغل مناصب ..هذا بالنسبة لمن تمكنوا من الحصول على الاقل على شهادة التوجيه الاعدادي فما فوق اما دونهم فلقد خلت إمكانية ايجاد وظيف او شغل لهم حتى كاعوان خدمة ومساعدين دون تدخلات ووساطات ..ناهيك عن حال الأجرة الهزيلة والمرتبات الضعيفة التي لا تحل المشاكل وانما تزيد في تعقيدها ...

كان سن زواج الشباب عموما متاخر لانه يحتاج لسنين حتى يكون نفسه ويستقر في عمل ويبدأ مشوار الادخار لتجهيزات العرس وبيت الزوجية ..بينما كان سن الانثى المرشحة للزواح منخفض جدا واغلب الزيجات للقاصرات ولذوات الحضوة الاجتماعية والنصيب العالي من الجمال والانوثة ...وكانت الاسر التي وجدت نفسها فيما سبق قد ابتلت بانجاب عدد كبير من الابناء في ورطات حقيقية.امام تبدل الاحوال وتعقدها وامام ما اخد يعج من سخط عام وعارم بين مختلف شرائح المجتمع طوال هذه العشرية الأخيرة "الثمانينيات " وحتى اسس ومبادئ الزواج اخدت بدورها تعرف طريق التحول ..اصبح الزواج المقبول اجتماعيا يتطلب تكافئا من نوع مادي ووظيفي  تحث مقولة ان اليد الواحدة لا تصفق وانه لانجاح الزواج لابد من ان يكون هناك تعاون بين الزوج وزوجته او بين الزوج واصهاره  واصبح تزويج البنت للمغترب باوربا او باحد دول الخليج  اكثر تفضيلا وترحيبا منه من زواج الفقر والبؤس المعروض داخليا بالبلد حتى وان لم يكن هناك تناسب عمري او ثقافي او لغوي ...واصبح مقبول تزويج البنت من رجل اصلا متزوج من واحدة أو اثنتين ما دام قادرا وقواما على التعدد ..كما أصبحت الاسر تقبل بتزويج بناتهم بابناء من خارج المنطقة ومن خارج قبائلهم ولغاتهم ولهجاتهم المهم عندها ان ترتاح من حمل يتقل كاهلها او من بعضه لتتفرغ لبقيته ...وامام هذا التحول الاجتماعي الأسري الذي املته الظروف الاقتصادية والسياسية العامة للبلاد والخاصة للمناطق الغير النامية او الفقيرة او المهمشة وفي مجتمع  يصل معدل الترييف والبداوة فيه الى ازيد  من 82٪  بينما يصل تعداده السكني الى ازيد من اربعة وعشرين مليون نسمة وجدت الأسرة المغربية نفسها في أزمة حقيقة وبدى انها في حاجة لان تعيد النظر في إطار الزواج وحقله التنظيمي وتراجع النظر في قانون الأحوال الشخصية المغربي لانه افلس الأسر المغربية وساهم في خلق جيل من المطلقات ومن النساء العازبات ومن الأبناء المشردين من دون أية حقوق او امكانات للعيش الكريم ..

ربما تعاطت عدد من الأسر المغربية والمحلية مع الزواج وتزويج بناتها للاسلامويين بمنطق انهم الاقرب الى المعقول وانهم الاقرب الى النزاهة والذمية من حيث أنهم يراعون الله ويتبعون طريقه لذلك تغاضوا حتى على إشكالية التعدد او عدم التناسب العمري او الثقافي لان المجتمع بدى وكانهم انقسم على نفسه الى قسمين كبيرين ..قسم يدعي الصلاح والصواب والتقوى ولايزهد في تدبر لقمة عيشه والعمل على ذلك وقسم ضيع الطريق او اضاعته يعاني العطالة او عسر الحال او وضعه داخل اسرته المتعددة الأفراد والمشاكل المادية والاجتماعية ولم يستطع ايجاد فرصته لا في الهجرة حيث يكون نفسه ثم يعود ليوظف ماله في مشروع مدر للدخل يضمن له تاهلا  مريحا للزواج ..ولا في الحصول على وظيف مطابق لشهادته  وقريب من مدينته الام واسرته وضمن مجموع الوظائف المجزية رواتبها والتي تعرف فرص ترقي سريعة ...ولا حتى فرصة تدبر راس مال يبدا به تجارة حرة او يشارك به في مشروع مضمون الربح ...وجزء كبير من هذا القسم وجد نفسه وامام تحديات المرحلة العمرية والجنسية التي هو فيها يعاني من مشكلات الادمان اما على الكحول او المخدرات وبالتالي يعاني صراعا مع وسطه ومشاكل مع الجيران والمحيط والشرطة ...

بالمدن تبدوا المشاكل وكأنها مصطنعة على عكس ما تبدوا عليه في القرى والارياف التي تظنها وكأنها قدرية ...بالمدن تتجسم المشاكل وتاخد اشكالا مؤسساتية   وقانونية ..بالمدن تفقد حريتك امام كل ماهو مادي او ذي طابع مادي وتفقد حتى قدرتك على أن تتنفس هواءا صحيا او تشرب ماء نقيا صافيا دون ان تفكر كيف ستدفع  ثمنه ومن اين ستتدبر امكانيات الحصول عليه بشكل مستمر ودائم...القرب من وسط المدينة مشكلة مثلما هو البعد عن وسطها لاطرافها مشكلة كذلك ...بمدينتنا كان كل ساكنة وسطها يلعنون اطراف المدينة وينسبون لها كل المشاكل التي باتت تعرفها المدينة ككل ..كان تصاعد أعمال العنف والجنوح والجريمة ياول اوتوماتيكيا لتمدد هوامش المدينة وعشوائيتها ولمن يعتبرون دخلين على اوساط المدينة ونازحين عليها ..بينما كانت هناك عملية اضطرادية وتعالقية بين الهامش والوسط بين ما يتطلبه شباب وسط المدينة وبين ما يوفره شباب هامشها ..خصوصا في الوقت الذي بدت فيه المدينة والبلد باكملها تتخلى عن استعاب طاقاتها الشابة واليافعة وتقامر بمستقبلهم في مشاريع التقويم الهيكلي للاقتصاد  والخوصصة ..وتسهم بذلك في المزيد من تشريد العائلات واللعب بمصيرها ..

بالمدينة وبالاقليم التي غابت عنه أية مشاريع تنموية حقيقة منذ مقدم العمالة وتسمية السيد المولودي بوسيف عاملا على إقليم العرائش المستحدث جديدا والسمة الغالبة على أحوالها هو التردي و التهميش والتضيق ..اغلقت معامل ورحلت مشاريع لمناطق نفود تابعة لوزير الداخلية .. سرحت شغيلة وفوتت ضياعات وشركات الدولة الفلاحية بالمنطقة في إطار عمليات الخوصصة وبقي الميناء ومشاريع تطويره عالقة ..بينما كانت الاراضي الجماعية والاملاك المخزنية والغابوية تنهب نهبا وتقسم بين المحظوظين ومفايات الإدارة والمتخبين ورجال السلطة والسماسرة...على بقاء جماعات قروية معروفة تزرع القنب الهندي بمحادات  الطرق الرئيسية ولا من ناهي او رقيب ..بينما كانت عمليات تخريب يومية للاقتصاد المحلي الأصغر يمارسها المشتغلون بحقل التهريب وتحث تغطية ونفوذ دوائر الجمارك والدرك والشرطة الإدارية والعجيب ان الجزء الاكبر من ممتهيني هذا النشاط التهريبي كانوا من الاسلامويين ..او كان لحاسبهم الشخصي ...اما كل مكونات السلطة والنظام فلقد بدى انها غير مهتمة الا بتحسين أحوالها وضمان سرعة اثراءها وتحوزها على المزيد من اشكال التسلط والنفوذ ولا يهمهما مع من تلعب اكانوا اسلامويين او تجار مخدرات وممنوعات او مفايات عقار او جماعات ضغط مصلحية مفسدة ....  


 

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...