السبت، 10 أكتوبر 2020

يوميات:مابعد عوالمي السرية .. عالم الصمت (6) تابع ؛سلاما متجددا فاطمة"5-1"

 كان يلزمني ان اسمح لنفسي بان تسامح نفسها ..وان تكف على محاصرتها..لم يسبق لي ان اعتزلت احبتي وناسي الطيبين مثلما قويت على فعله للاكثر من ستة شهور ..

بعد الحادثة مباشرة تعلمت الظهور على مستويين ..ظهور اجتماعي احاول الالتزام فيه بعدم الإفصاح او البوح بما يكون حالتي النفسية واسعى فيه لالحاق سابق معاملتي في الماضي بالحاضر ..اسلك وكان لاشيء وقع حتى انني اتعبت من حولي الذين لا يصدقون ان كل مااقدمت عليه لا يشكل فارقا معي ..بيني وبين نفسي كنت جد منتبه لكل من حولي وجد متلهف لارى وارصد ردة فعل كل واحد منهم واي واحد اخر يكاد فقط يكون قد وصله علم بالحادثة ..

الظهور الاخر كان خاصا كنت أتركه لنفسي حيث انهشني فيه خصوصا بعد ان فقت على منتهى التوهان والحيرة وانعدام اي توازن في ..

اكتشفت الان كم عصي علي ان استمر في تجاهلهم وتجاهل رغبتي فيهم ..في ان اكون قريبا منهم وان اسمع منهم وان اتحدث بدوري معهم ..

سمحت لنفسي بان تمارس تداعيها الحر دون ان اوجهه ..سمحت للصور الحبيبة بان تداعب عيوني ..وسمحت لاصواتهم المحفوظة داخلي بان تنبعث من جديد ..وكل ليلة بل لليال متتالية كنت اترك لنفسي بان تغوص في اعماقي وتتخير اي ذكرى ..اي شخص تريد ان تستعيده وتستعيد نفسها معه ..لم اكن لاتوهم او انسج الحكايات او لازيف الوقائع كنت اعرف انني طورت جيدا آليات ملاحظاتي وتخزين المواقف والصور في ذاكرتي وطورت  معها حتى آليات الانكار والادعاء بانني لااتذكر شيئا حينما احاصر بالاسئلة من اخر ..

الزمن الخاص الذي قضيته في غرفة اخوي "خالد.وسمير "بالسطح لم اضيعه هباء منثورا ..تعلمت فيه الكثير ولم اجبن من التجريب والمغامرة فيه  ..لم اترك لاي كتاب توفر لي من ان يهزمني ويستصعب علي قرائته والسفر معه ..وحده الزمن الذي غاب فيه كل اخوتي باستثناء الصغيرة "بشرى"كان الزمن الذي قهرني وبلبل كل كياني ..من وحشتي واغترابي فقدت القدرة على النوم المنتظم ..وارق الليالي كان يسلمني لنهارات تعيسة احمل فيها تعبي وانهداد حالي مرغما عني واسير الطرقات بالية من الى البيت للاعدادية، ولاي مكان يتطلبه الأمر الضروري ..

بعد بضع أسابيع قليلة من الحادثة طلبت تغيير الغرفة السطحية بغرفة "سمير بالمنزل التحتي وطلبت بالخصوص من والدتي ان تدعني على سجيتي وان لاتتعب نفسها معي مهما كانت حالتي النفسية سيئة ..

الان اجد في الحاجة من جديد لاعود للصومعة ولاواجه مخاوفي ووحشت المكان ..وبعد ان نظفت واعدت ترتيب المكان والحاق متعلقاتي الشخصية به أخبرت الوالدة بنيتي وجددت الطلب بان لاتكلف نفسها في كل وقت بالصعود للاطمئنان علي وان لا تخاف علي وانني متى كنت في حالة صعبة فساطلب المساعدة ...كنت اقرا في عيونها الخوف من ان اعدم نفسي في احدى نوبات اكتئابي الشديد ..كنت اعرف انها حتى في ساعات متقدمة من الليل لما تصحو اضطرارا تحمل نفسها لتطمئن علي ولما اخدت اقفل باب الغرفة من الداخل علي استنكرت الأمر علي ..

بالغرفة /الصومعة كنت اعرف تماما من اين ابدا ..لم اكن بحاجة لاستعيد قراءة روايتي / الشاهد الثاني "رسالة من عالم اخر."ولا لان اتصفحها..كنت مسكونا بإستعادة نفس العبارة التي ارقت الصوة الاول في الرواية المفترض انه كاتب الرسالة ..العبارة التي ظلت تتردد لسنوات في راسه وتضجع نومه حتى اوصلته لحافة الانهيار ..العبارة التي كانت تحمل الي صوت اخيه /طفله الذي كان مسؤولا عن رعايته بعد وفاة والديه وتضعه مباشرة في نفس الموقف الذي صيغت فيه ككلمات يرددها طفله والدم ينزف من شرخ براسه أحدثه إصاص الزهور الذي سقط فوقه .."لماذا تركتني وحدي ....لماذا تركتني وحدي..."  

لم اكن بحاجة لافهم عنها انني اعاني من احساس الاستتراك وحدي والا ما هزتني هذه العبارة مثلما فعلت بكاتب الرسالة المفترض لكنني لم اكن متاكدا من تمكن هذا الاحساس فقط مني ليعرضني للانهيار ..

اول من استحضرت في ذهني كان اخي "فؤاد"لكنني ازحته بسرعة من دائرة استحضاري كان صوته من وجهني لافعل ذلك كان يقول لي "متستحضرشي هذك الامور العادية لقدر يتبعها اي واحد من لي يبغي يرجع ذاكرتو القديمة ..ركز في المواضيع لي انت حس بها كتهمك انت تستحضرها كيما بغات تكون غير متغرقش مع الاستحضارات الجنسية حيث حتى هذك غير غدى تحجب عليك الرؤية ديال العمق ديالك .."فكرت في اخي "سمير "من حيث اقصيت بالتتالي اختي غير الشقيقة "مليكة "واختى الصغرى "بشرى"لكن صوته المقابل صوة "فاطمة "بنت خالتي تصدى لي وهي تضحك حد الهزء مني وهي تقول لي "سمير خاك غير خطيه الا بغي تدوز لي به غير كتعي راسك انا قلت ليك بلا تطاور معي دوز لي مباشرة .." كنت اعقل لعبة "اجي نعود ليك .."التي ترد علي بها ب"اشنو غدي تقولي عوتني .."ونبقى نلوك في الكلمات والعبارات انا انعثها بالجبلية وهي تنعتني بالعروبي "ولد حلالة "ولما تستظرف مني اقبالي عليها تتنازل لي وتتصنع بعض الجد وتقبل التقرب مني "يالها شنو بغي تعود لي .."..في البدايات الأولى لم اكن انقل لها عنه سوى تمنياتي انا ..سوى محظ رغباتي انا في ان ارها سعيدة وفرحة بعمرها ..لا اعرف لكنني صادقا كنت دائم الاشباع وموضوع رغبة من كل من يقترب منا ..على اننا مع كل الذين كبرنا سوية معهم من جيراننا كنا نعيش ابهى واسعد عمر ولا نترك الهواجس بان تاخدنا متى احسسنا بحاجاتنا لنتبادل الاشباع ..وكان يعز علينا بعض كبارنا ..بعض من من اخدهم العمر في دروب التعاسة والحرمانات ..من بعض من كنا نراهم يخجلون حتى من ممارساتنا العلنية التي كنا نحن نعتبرها جد عادية ..كنت ارى السرور في عيني اخي "سمير "والغبطة كذلك والاستحلاء في نبرة تعليقه "وانتموا فشي شكل جالسين قدام الناس وعايشين وفي اخر كتعنقك وكتبوسك عاد كتمشي بحالها ..."وكنت ارد عليه بكل تلقائية :"عادي اصحابي ..حنيا صحاب .."وبنزق يبادرني بالسؤال -الاستفهام :"وبشرى..."وارد بدون تردد :"بشرى ختى الصغيرة وصحبتي وكتبغني وكنبغيها مافيهاش باقين صغار ولاكبار ..وش فهمتني اصحبي "ويقول لي وكانني نجحت في الاختبار :"وزيد اصحبي ندخلوا للدار دبا نتعشوا وعاد نقصروا .. زيد أصاحبي " ..

في البداية كان همي على أن اكون بالقرب منها وتسمع مني واتحدث اليها. ان اتعرف اكثر عليها ..نحن لم نكن مثل الارانب على تشبيه عمتي الكبرى "الزهرة"لسلوكنا الجنسي الطفولي حتى لما كنا نختلي لنمارس طقوسنا الخاصة لا ننسى ما بيننا من عهود وصداقة واشياء مشتركة كما لاتنسى من الاطمئنان على بعضنا البعض كنا نخاف على أن نؤدي بعضنا البعض او نتسبب بدون ان نقصد في خلق كره بيننا ..لم نكن ارانب صغيرة كنا احبة دائما حتى في عز خصماتنا كنا نغافل بعضنا البعض لنرسل نظرات تفهم وحب بيننا  وفي أول فرصة يقصد احدنا الاخر ليبادئه بالكلام ولنستعيد الود بيننا ونستعيده في التو والان ..

نحن كنا نقضي الكثير من الوقت في تبادل الكلام ووجهات نظرنا التي كنا نعقل على اننا ابناء وبنات العشرة والحادية عشرة ومنا من في سن الخامسة عشرة واكثر من ذلك ان الكبار عموما بما فيهم حتى اخوتنا العزاب بعد لن يصدقوا فيما نحن نخوض من احاديث واهتمامات ولا فيما يجعلنا متلهفين على التلاقي بيننا ..كنا نبخس نظرتهم الاتهامية لنا كذكور مع اناث ومع بعض اخوتنا كنا نعتبرها غيرة زائدة عن حدها ولا من مبرر لها ..على اننا نعي الجوانب الأخرى ونستنكر على من لم يعشها مثلنا ان يمنعنا منها وحتى ان حاول فلن نمكنه من ذلك لأننا نعي اهميتها عندنا ..كانت الامور محسومة عندنا بمنطق خاص ونلمس في داخلنا قدرة مدهشة على إمكان أن نقنعهم بمنطقنا ..ربما هذا هو دافعي مع ابنت خالتي "فاطمة"لقد ذهبت بعيدا في التفكير بيني وبين نفسي فيها ..في حالها ..في حال البنت فيها التي نضجت وعما قريب ستتجوز لكنني اجدها شبه معدومة التجارب ..كنت اعرف ان حياتها تكون قافرة قبل أن تأتي اختي "مليكة " للمكوث عندهم قدر ما تريد هي  لتلهب مشاعرهن وخيالهم وتحرك فيهن الرغبات المكبوتة ..حتى بعد ان ترحل لا يكف البيت ان يبدوا متوردا..وتبدا بعض صاحبتهن بالمقدم لزيارتهن وهو غير المألوف في باقي المواسم والذي تراقبه خالتي "زهرة "بعين متيقظة وتجابهه بسلاطة لسان بمجرد ان يبدأ في التكرر..

كنت اسال بمباشرة اختي "بشرى"و"صغيرة حينا "..هل تعتقدا انها من الممكن ان تكون لها حياتها السرية الخاصة ..تجارب صغيرة على الاقل ...كانا يسبعدا ذلك ..كنت قد وضعتها تحت الملاحظة في خرجتها معي التي تصحبني فيها لتتبضع من الدكان او لتمر على صاحبة لها تعرف انها ممنوع بثاثا عليها ان تدخل معها لبيتهم بل وحتى ان تعبر باب البيت لبهوه ولم الحظ عليها اي سلوك من ما نحن نمارسه بكل اريحية واتقان ..حتى نظراتها لمن يعبر الشارع من "الجنس الاخر "متوارية وعصبية ليس فيها حتى فضح الانثى الواعية برغباتها .."فاطمة"البشوشة الدائمة الضحك والهزء والسخرية تنفلت اعصابها بشدة وتبدا في الزعيق والتهديد بتركي لوحدي والعودة للبيت دوني فقط لانني طلبت منها ان تنظر للرجال والذكور مثلما تنظر للنساء والاناث ..

كنت اقلب الذاكرة وانا اتتبعها كنا نحن ابناء خالتها الوحيدين الذين تربوا معهم ببيتهم وكانوا ياتون عندنا هم كذلك وكنا نرتاب بمنطقنا نحن من ان تكون لهم بدورهم العابهم وكنا نصل الى يقين بأنه حتميا كانت لهم العاب لكنها للاسف توقفت في زمن مبكر جدا والا للاحظنا استمرار بعض اشكالها ..كان المتطاول فينا والمتباهي بتعدد علاقاته الغرامية اخي "خالد"يبدوا في نظرنا نحن و"بشرى"قزما امامهن  وحتى في اليوم الذي تصيدناهما هو و"فاطمة "بنت خالتي واحرجناهما ليسلاما على بعضيهما من الوجه ارتباكا كليهما وبديا لنا مثل ادميين من عالم اخر ومن يومها ونحن لم نكف عنهما حتى اولعن الخيال بينهما واستسلما الينا وبات كل واحد منها يتصيد الاختلاء باي واحد منا ليدفع بعجلة الحديث السؤال عن الطرف الآخر ..نجحنا جزئيا في ان نجعلهما يطيلا مجرد الكلام اليومي الرتيب عن "كي داير ..لاباس ..مزيان ..خليتك .."الى "وكي دير مع القريا دابا اخالد.."وهو "...مسولتكشي اش غاد تديري بعد الخياطة لي كتتعلمي دابا .."لكننا كنا انا واختى بشرى مستحكمين في اللعبة وادخلنا معنا حتى "عواطف "كنا نعرف كيف نخلق التوتر بينهم ونولع خدودهما بالدماء ونهز شخصية" خالد" الذكورية ونجعل من "فاطمة"تتحول من البنت التي تعتز بنضوجها لمجرد طفلة تداري ارتجافها ..

كنت اكثر تنبها لما يعانياه من ضجر في النهارات خصوصا في الظهاري والاماسي وهما لا ينبغي لهما ان ينزاح من تحت نظر خالتي "زهرة"حتى وهي غافية  كانت خالتي لا تكف يوميا من التأكيد عليهما ان "ولد خالتها ولو عزرى .."كانت تتبرى منهما امامي وتهبني صلاحيات في نفس الآن وهي تتخاطب معي بلغتنا الخاصة "لغة العيون المدربة"..خالتي "زهرة "سانعتها بعدها  وانا بعد بسن الخامسة عشرة بأنها "خالة ثورية " لكنها من الجيل القديم من طينة الوطنيين الذين عبؤا كل فئات الشعب الغارقة في الجهل والفقر والواقع ضحية مسلسلات من الاغتصابات والاغتصابات المتكررة ضد الاحتلال وضد البرجوازية المستفيدة من الاوضاع .."خالة ثورية "اختارت ان تقف لجانب الحرس القديم للاخلاق والقيم  لكن دون ان تكف عن التطلع الى الامام ..الى المستقبل المشرق والمتحرر ...كانت تحس ببناتها لكنها غير مستعدة لتنسى كيف الانثى منهم كانت تنهش وتغتصب ويستاسد عليها لتعيش خادمة تحت طاعة اي رجل  ..كانت تعرف ان بناتها كبرتا لكن غصة كانت بعد تالم حنجرتها كلما نادت على بنتها الكبرى "فاطنة "وكانت تلحظ مني انني الاحظها ..في يوم نادت علي وطلبت مني لانها لا تقول لي ولا تامرني وربتني على أن لا اسايرها لكن ان اقبل اطاعتها :"فاطنة انت معرفشي شنو بيني وبينها انت هذك بنت خالتك مشي معها ..هدر معها ..الا بغتك تتسخر ليها تسخر ليها متقطعهاش الا شفتني مقطعها .." و"فاطنة"لم يكن لي ابدا معها مشكل كانت تتحدث لي كما لو كنت كبيرا مند ان كنت طفلا صغيرا ولم تكن تواري عني شيئا كانت تتبع نهج اختي "مليكة " وكانت كثيرا ما تستعمل معي تعبير :"انت عرف كلشي ..عارف من بدات الحكاية .."ولم اكن اريد ان اعرف ببساطة لذلك اتظاهر بانني ربما اعرف وبيني وبين نفسي اتبع نفس الاسلوب لكي لا اعرف غير انها تعاملني جيدا وعلى نحو تفضيلي بامتياز لجانب اخيها الكبير "محمد"اما حتى "عبد الحميد"فاحوالها متقلبة معه تبعا لانقلابات أحوالها مع والدتها "خالتي زهرة".

لم تكن خالتي "زهرة"تترصد لي بعيونها حتى وهي لا تكف عن متابعتي كما لم تكن تصدني وتطلب مني الكف عن مجاسرة "آسية "او "فاطمة"كما كانت تفعل مع اخي "فؤاد"الذي يكبرني باربع سنوات والذي كان يستجيب في الحال دون ان يردد اي كلمة ..خالتي كانت تتعمد ان تريني انها راتني وتنسحب من مجال رؤيتي واحيانا كان اخبارها لي انا بالضبط انها ستنزل من السطح دون توجيه كلام لاحد بنتيها بمثابة تشجيع لي ..موافقة ضمنية ورضى منها عن سلوكي وهو ما كان يجعلني طوال الفترة التي اقضيها بعيدا عنهم وعن "طنجة "افكر فيها وابحث في شأنها وأشارك كل مجموعات اصحابي وصاحباتي المقربين مني في التباحث حولها بل وألحق حتى الكبار مثل عمي "محمد"وعمتي "مينة"واخرون ودائما احاول طرح موضوع بحثي او طلب الراي والمشورة باسلوب غير مباشر لا اذكر فيه المعنيون بأمره ..

مع اختي والبنات اقراني ؛صاحباتي كنا نتدوال بمنتهى الصراحة في كل المواضيع ونهتم لها ونخطط للمزيد من كيفيات التعرف على أوجه النظر المختلفة في موضوعها عبر استعمال وسائل وحيل نوقع الكبار من حينا  في حبل التكلم عنها لنا حتى امام المسجد كنا نتجرا عليه بل وحتى المرأة المتسولة المتعبة نفسيا "خت حميدو"كنا نتحايل عليها لنعرف رايها ...كنا جميعنا نغتبط ونحن نلمس فينا اننا مختلفين واننا نكبر ونعي اكثر واننا متحررون ..اننا ابعد بكثير من تخبطات مجتمع الكبار ليس المادية فقط وإنما الفكرية والنفسية ...كنا نشجع بعضنا على القراءة وحتى من لا يقرا نشركه في السماع لقرائتنا وتحليلاتنا..ولطالما فجاءنا حتى كبار اخوتنا بسعة مداركنا ودقة ملاحظتنا وصوابية رأينا ...كنا نتلهف على الحديث والنقاشات بيننا من حيث اننا اكتشفنا ان كل ما ينقصنا هو مجرد امكانات التعبير عن افكارنا باساليب واعية ومنطقية وموضوعية اكثر ..

"فاطمة"اقنعتها بحيلة بسيطة جدا يومها لم اطلب منها حكايتها ولا رأيها ..كل ما هناك انني ادخلتها بحق الى عالمنا نحن واخدت احكي لها بالتفاصيل عن ما يجمعنا ..عن ما يقع بيننا عن مخداعتنا للكبار الاوصياء علينا ..عن مجموعاتنا التي تكبر يوما عن يوم ..عن احلامنا المشروعة في التغيير ..عن اوجاعنا والبؤس  الذي نحس ان اباءنا يجترعونه كل يوم بمرارة ..واستهواها جو حكايتنا كانت تتخاطف علي من بين يدي "آسية "التي وانا "بطنجة "او وهي "بمدينتنا"عمليا هي امي الراعية وانا ابنها كانت خالتي وحينا امي تطلب منها قائلة لها "خدي ولدك نعيسه معك ..."وتنظر الي بكل حب وتقول لي "زد اولدي ..يلاه معيا "ثم تنظر الى اختي "بشرى"وتقول لها "يلاه ابشرى"ولما اتعنث ولو للحظة تنظر لاختها "فاطمة " ليوجها الانظار سوية لوالدتهما خالتي "زهرة"ولوالدتي خالتهما وتنطق "آسية":"ايما عواطف غدي تبات معنا هذ الليلة ..؟"ويبقى الجواب معلقا هل ستعطف خالتي "زهرة "لحال "عواطف "التي تكابر الدموع ..؟!هل ستتدخل خالتهما 'والدتي..ولا احدا يملك ان يتوقع الرد ولا احدا يملك ان يؤثر على خالتي في موضوع عواطف غير "اختي بشرى"وكأن خالتي لا تتذكر ان "عواطف" صغيرة بعمر اختي " بشرى"وان من حقها ان تسعد مثل ما تسعد "بشرى بصحبتنا ..لا تتذكر الطفلة التي كانت هي نفسها الا لما تدلل امي اختي بمحضرها

وتطلب منها ان تذهب لحضن خالتها ..وكما نسقنا الأمر سوية في اللحظة المناسبة تذهب اختي "بشرى "لتعانق خالتي وتتوسلها في السماح ل"عواطف "بالمبيث صحبتنا وتسمح لها لتنطلق الاثنتين معا في عناق صاخب كما تفعل اختي "مليكة "مع كل بنات خالتها وخصوصا "فاطنة "وهما يتناديان على بعضهما البعض ب"اصحبة.."اي ياصاحبتي ." 

"آسية"هي الام السحرية لي التي لا تشبع من طلاتها علي من عيونها السحرية بكل حنو ومحبة واشتياق لان تعيدني لصدرها ..كنت قد كبرت على أن اصاحب للمرحاض ومع ذلك اتحايل على والدتي لتكلف "آسية "امر الاعتناء بي وكانت تساندني اختي "بشرى" وتقول لوالدتنا "ماما بلا متفرشي القضية ..قليها لها بالصح "..وتنادي امي على "آسية ":"آسية ..ابنتي اجي دي طارق لبيت لماء ..."وبدون ان تشعر تمسك بي من يدي وتخاطبني "اجي اولدي نديك تقضي حاجة "...بقينا نلعب معها بنفس اللعبة حتى بعد تجاوزي مرحلة الطفولة ودائما كان يوقعها لسانها وتخاطبني باحلى تحبب في الوجود :"ولدي "..."فاطمة"كانت خارج جيلي تكبرني باحد عشرة سنة ..""آسية "تبقى على انها تكبرني من جيلي وقد اقول صادقا انني بمراهقتي المبكرة لحقت مراهقتها المتأخرة ..

"آسية"لما تحرر لسانها والفت السهر معي حتى طلوع الفجر وظهور ضوء الصباح قالت لي:"غذي نقولك وحد المسألة ..شتي راه مشي ماكندي ماكنجيب في الهدرة  ..غير قول انا صادقة مع نفسي ولي في قلبي كنقولوا ..انتوما  كيسحبليكم كتدوخوني بالهدرة بش انا نعيطلك بولدي  وانا والله العظيم هذك هو الشعور ديالي معك ..ربيتك في حجري كنهزك في صدري ..حملتك في ظهري.. كنعسك ..كنغسلك ..كنوكلك بيدي ..كنلعب معك ...شتي مشي غير انت لمبغيش تكبر لو خيروك حتى انا مكرهتكش تبقى صغير وتبقى ولدي ..."

"آسية "كانت تنام على السرير وانا و"فاطمة "التي لا تحبد النوم الا على أفرشة بالارض نستلقي متسامرين ..تتعب "فاطمة "من المنادات عليها لتجلس  على الارض بمستوانا عوض وضعها الجانبي المتعب لكن "آسية "كانت مستمتعة اكثر من ان تتابعنا من فوق ..أن تبسط مجال رؤيتها على كل موضوعنا  ..واحيانا كنت اتعمد اعيائها واتعمد إطالة السهرة بجانب "فاطمة "وبالاتفاق معها ولما كانت تشعر بالتعب عن حق وتبدا في عدم القدرة على حبس تفوهات الرغبة في النوم تنادي علي "طارق اجي تنعس حديا ..."تكررها وتكررها وتنبهني "فاطمة المتقارية معي على الخطة لكنني وحتى وانا انظر إليها اتصنع عدم الاستجابة ولما اشعر ببعض نرفزتها الكز "فاطمة "لتعطيها المفتاح السحري لمغارتي فترد عليها :"على من كتعيطي .."والاخرى بصبر اخد ينفد تجيبها "على طارق .."فتستفسرها مرة أخرى "على من ..".."على من ..."ثم تنتبه "آسية "للعبتنا ...وتبتسم وتمد بيدها لتنادني "غير سمحلي اولدي ..اجي نعسوا ..."واقول لها "نعسوا وشنو .."وترد :"ونهدروا شوية حتى يطلع الصبح "

لم اكن اساير اختي" بشرى "في دموع وحالة وداعهم كنت ااجلها لحين تتحرك بنا الحافلة في طريق العودة لبيتنا لكنني متى صاحبت "فاطمة "بدات اعقد حالة الوداع بثلاثة أيام قبل حصوله وكانت تنخرط معي "آسية "فيه ...

تطور بيننا الكلام ولغة الكلام والمشاعر كما تطورت عدد زيارتهم لنا ببيتنا خارج نسق زيارت العطل الفصلية ..بدت "خالتي "ممسكة بزمام الأمور ولاكثر من مرة بمجرد ان يقترح ابن خالتي الكبير "محمد"ان يقلها بسيارة والده "عزيزي "التي يشتغل عليها في نقل الحبوب وتوريده للتجار ولمربي الماشية بالإضافة إلى النقل السري للأفراد والبضائع لتزور خالته -والدتي كانت تحدد له اليوم الذي يناسبها وتقدم الينا صحبة"آسية "و"وعواطف "ان كانت ستبات  ليلتها عندنا وبمعية "فاطمة "ان كان العكس لانه كان لزاما على من يبقى بالبيت ليتكفل برجاله ...

على كامل فرحتي بمقدمهم كنت افتقد دوما "فاطمة "ان لم تصحبهم وكان هذا يكلف "آسية "الكثير لتسلوا علي ..."فاطمة "غير "فاطنة "وغير "آسية "وغير "عواطف "لكل واحدة مكانتها الخاصة في قلبي بمثل ما كان لكل واحدة تفردها في طباعها وشخصيتها واسلوبها في التعامل معي  "فاطمة "تركتني منذ البداية ل"آسية "كانت تحبني وتتشارك رعايتي وتاخدني  حتى بالغصب عني لتمطرني وتشبعني بالقبلات منذ ان كنت طفلا صغيرا ولكنها سرعان ما تعيدني "لاسية "الام السحرية التي لم يكن لها رحما يتسع ويتشكل ليلدني يوم ولدت ..

كان "عزيزي سي محمد"لما يدخل صالة البيت ويجدنا بجانب بعض على وسادة واحدة يجلس اي مكان وكأنه لم يرانا ويتصنع المفاجئة عندما تتقدم اليه "آسية "منادية ومسلمة عليه "كي بقتي ابابا "..لم يتدخل ابدا ليوجه لاي واحد منا سلوكه ربما كان يفعلها ببعض الجد مع أبنائه الذكور واحيانا بعصبية ونرفزة وحتى مع "فاطمة "لكنه ابدا لم يفعلها مع "آسية "او حفيداته ومعي انا بالقطع لم يوجه لي حتى تلك الملاحظات التقنية التي كانت تتوجهها لي امي على شاكلة "وباركة من البسالة ..."

"عزيزي سي محمد"كان يدبحني دوما دون ان يحس لانني لا اعقل ان سمعت والدي يناديني بتحبب كما كان دائما يفعل هو وفي اي مخاطبة له معي كانت دائما كلمة "اولدي "طارق  تسبق ..والدي كانت على لسانه دائما "طارق "فقط و"طارق "تتصوت بحسب انفعالته وعصبيته ...

صوة "فاطمة "حاصرني وهو يهزء مني في اول ليلة لي بغرفة السطح التي قررت العودة إليها ..صوتها سلمني اليها وتداعت كل مقاوماتي لانشغل باستحضارها ونفس السؤال يلف بخيط حول عنقي ..يخنقني :"لماذا تركتني لوحدي ..؟!"السؤال الذي تسلل الي من الرواية اياها وسيطر على هواحسي ..واعدت السؤال علي مرة أخرى بصيغة اخرى :"فاطمة لم تتركني وحدي .."وكان ياتي السؤال الإجابة عن لسانها هي وصوتها:"اي فاطمة فينا تقصد "فاطمة "التي كان يمثلها اخوك "سمير "امامك لتنساب في الحديث معه ام فاطمة .. فاطمة التي علمتها كيف تتحايل عليك مثلما يفعل سمير لتتحدث اليها ..ام فاطمة انا ..مشي سمير فاطمة ومشي فاطمة سمير .."كنت اعرف الى اين يؤدي الجواب لكنني لا املك بعد الان القدرة على الهروب او الفرار من الجواب الذي كنت اعيد صياغة سؤاله   "هل املك ان اعترف لها بانني كنت اقارن في مدى حبي لكل واحدة منهن وانني كنت اسبح بخيالي بعيدا لاتمثل اي واحدة قد اختار حبها خالصا لي ولها .."وكانت تعاود ضحكاتها المتقطعة وتقطع علي حبل تفكيري وانا استحضرها

وتهمس لي:"غير قولي انا عارفة لي في قلبك وعودت لي كلشي لكان كيوقع بيناتكم غير انت وخا كتقول لي صريح معيا مشي صريح مع نفسك ..وخصك تعرف انا العكس ديالك تماما صريحة معك وصريحة مع نفسي وصريحة مع كلشي .." ..كانت تحاصرني من كل جانب لا لانهار امامها انها طريقة "فاطمة "لتقول لي بأنها تحبني على طريقتها الخاصة ..وضحكت منها لتعاود رسم الجد وتسالني :"هل حقا افتقدتني ..؟! "قلت دون تردد :"لا ..لكنني مرعوب من ان افقد الامل في ان اراك ثانية .."وفجأة بدت لي انها هذه هي اهم نقطة في حقيقة ما حدث معي ...الخوف من الافتقاد لكل مواضيع الحب الأولى والاساسية في حياتي وزاد في تعقيدها رؤية احبتي يبتعدون الواحد تلو الآخر عن عالمي الواقعي ...كان من الممكن ان اقنع بالانتظار لكنني كلما نظرت حولي اجد الزمن يتسابق وياخد احبتي وناسي الطيبين في العمر وكلما كبروا ابتعدوا او اختفوا عن دربي او انتهوا ببساطة ..ماتوا ...كان سؤال الموت يحيرني ليس في حد ذاته ..ليس في حد من يترك عالمنا لكن في من يترك خلفه من ناس يحبونه لم يتعلموا للحظة على أن يكفوا عن حبه وانتظار رعايته ..مجرد نظرته ...هكذا كانت جدتي بكل القمل الذي تنزله من شعرها وهي تسرحه وتعاود لفه ..بكل الطيات التي على وجهها بكل قوامها العظمي النحيل وجلدها الاصفر الناشف أحبها وكم احن لاغفوا في حضنها ..هكذا كانت "غيثة "المعيدة بالاعداديه ذات الخمسين سنة وازيد والتي كانت تسكن بجوار بيتنا صحبة زوجها المعلم الابتدائي دون اطفال والتي صعب على اصحابي وصاحباتي المقربين اقراني ان يصدقوا لهفتنا على بعضنا كنت اقول لهم كيف لا اقبل حب وصداقة امرأة اتت حتى للبيت تطلب وتترجى والدتي ان تسمح لها بأن تحبني وتصاحبني لانها كانت ترى في غير الأمومة التي لم تعشها وانما نفسها التي احبتها وهي طفلة وتخيلاتها بما ستصبح عليه ومما قالته لامي واسعدها بانني محبوب من الكل فكيف لا تتورط في حبي ..كانت ذات بشرة بيضاء جافة وكل اوردتها الدموية زرقاء اللون بارزة ولا تهتم بشعرها ومع ذلك لا تتوانى على أن تجلس كرسيا تخرجه بجانب طوار بيتها لتتشمس ولما ادونوا منها وابتسم كما عودني كل احبتي على السلوك مع الناس الكبار وخصوصا النساء منهم كانت تبتسم لي برحابة وفرح وتغمض قليلا عينها بمحبة صادقة لا اغفل عن  صاحبتها انها اختي غير الشقيقة "مليكة "فكنت ادنوا منها مقربا وجهي لاسلم عليها  وكانت تضمني الى حضنها الدافئ على غير المتوقع ولا تتركني الا ان تلمس على شعري وتعاود تلثيمي وتطبع اعدب قبلة .."غيثة "لم تتح لي الفرصة حتى لاحبها ببعض الكفاية كانت ترافقني من الاعدادية لحيث باب منزلنا وتهب للمنادة علي في طريق عودتنا الزوالية للاعدادية لكنها قبل اختتام نفس الموسم الدراسي بشكل رسمي كانت قد انتهت ميتة ...بكيتها بحرقة كما احبتني هي بحرقة ولهفة كانت مفضوحة وكل نساء وبنات الحي واساتذة الاعدادية يتغامزون علي وعليها ..

لا اعرف بعد الحقيقة لكن صوة "فاطمة "وضعني على اول الطريق مثلما كان يفعل بي دائما اخي "سمير ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...