الاثنين، 7 ديسمبر 2020

يوميات :عوالمي السرية..(22)..بعيدا عن حنان "هذه .."/تابع :8-1


 كانت فلسفتي في العيش بسيطة جدا ..لامجال لتضيع اي وقت في انتظار الذي ياتي ولا ياتي ..لاعيش حاظري ولاتفنن في عيشه لاهتم ببناء ما سيصبح حاضرا عما قريب او عما بعد ولاعيد باستمرار النظر في الذي كنت اعيش عليه ...

كنت اضجر سريعا من حالات الغبن التي اشعر بأنها تحاول السيطرة على تدوقي الحياة ..وتحد من امكانات تعاطي مع من حولي ومع ما حولي من موجودات واشياء ...وسرعان ما ابدا في أعمال عقلي وخبالي لتدبر وسيلة لتجاوز تلك الحالات ..حتى ولو كان ذلك ببعض الفوضى ...

كان يكفيني القليل من الوقت لاختلي بنفسي واعيد تجميع الصور واشكالات المواقف التي وجدتني فيها وتحصيل الانطباعات المؤثرة في لتفكيكها وإعادة انشاء تصور جديد للمرحلة القادمة وتبين الافاق الممكن ان الجها في المستقبل القريب ..ثم اعيد تغيير زاوية تفكيري لانغمس في الحاضر ولابدا التخطيط في كيفيات قضاء باقي اليوم بمثل ما لم يكن الامس ...

كان يكفيني رسم الخطوط العريضة للاتي والثبات على تحقيق اهدافي القصيرة الامد وازالة اي ضبابية من تصوراتي وانهاء انشغالي الذهني السطحي ..ثم الانطلاق في كسب يومي ..والتعويض علي مما ارقني في امسي القريب ...

غيرت المقهى الاثير الذي عشت فيه المراحل السابقة من عمري وتطوري بكل ما كانت تتطلبه من تكثيف وتعميق لتجارب التفاعل الاجتماعي والوجداني ..غيرته لسبب بسيط هو ان المرحلة الجديدة تتطلب اجراء العديد من التغيرات في كل انماط تفاعلاتي الاجتماعية بما لا مناص معه من ان اتعرض بدوري ..في دواخلي ..في نفسيتي لعدد من التقلبات المزاجية ومن الاختبارات للضغط النفسي والتوثر ...لم اكن حساسا لاحداث تغيرات تامة في ايقاع حياتي بالقدر ما كنت اظل متيقضا ..مراقبا لكل ما من شأنه أن يشكل فرقا معي واختلافا مثيرا لاحساسات جديدة أو يحدث نكوصا ما داخلي ...بالإضافة إلى اهتمامي الزائد بمواءمة حالتي النفسية مع المتغيرات المادية على أرض الواقع وفي اشكال تفاعلاتي الاجتماعية ...

كنت انخرط مع اول استقرار على راي في موضوع التغير لاباشر خطواته الأولى واترك امر التكيفي واحراء التعديلات عليه لما سياتي اول باول ...

انتقلت من مقهي "لاكوسط "الى مقهى قريب منه يقع بشارع جانبي قصير ..مقهى "التطواني "..ولم يكن اختيارا اغتباطيا وانما مدروس وبعناية...حرصت في الفترة الأولى على أن لا اعطي الانطباع انني ميال للجلوس  لوحدي كما قد يلاحظ علي حيث كنت أرتب مع صديقي "الشريف "امر ان يمر علي ولو ليجالسني بضع دقائق وينصرف .. 

حرصت على ابتياع جريدتي اليومية الوطنية "الاتحاد الاشتراكي " والمجلات الأسبوعية والشهرية العربية التي لا تكلفني مبالغ كبيرة ونظمت  تزودي  بالكتب من مكتبة وادي المخازن بحسب احتياجاتي الآنية لما كنت اجد انني بعد في حاجة للتزود بمعرفته او إعادة قراءته والنظر فيه من الموضوعات التي كانت تثيرها في القراءة المتمعنة للجريدة اليومية ..  

كنت ارسم خطا محددا ومقتصدا لسيري وتحركي خصوصا لما اكون لوحدي ...ولا اغامر بتغييره الا في الضرورة القصوى ..كنت محتاجا لارسخ نمط تحركي اجتماعيا وابني علاقات نظرية مع الجوار الذي اتحرك فيه ...

المقهي الذي اخدت ارتاده  مفتوح على أن انظار المارة وعلى مخبزة ملحقة به ..اتخدت لي زاوية تضيق إمكان ابصاري من الخارج بعكس الداخل للمخبزة  الذي اول ما يقع نظره عليه اكون انا لما يتطرق بنظره ليتفقد المقهى الواسع ..

كان المقهى يقع اسفل عمارة سكنية متقادمة احدى شققها مكتراة لصالح المحكمة الابتدائية ومخصصة لسكن وكيل الملك ..وباب المقهى ونوافدها الزجاجية الكبيرة مفتوحة مباشرة على درج ينتهى اليها شارع القائد احمد الريفي الذي يقع فيه مبني مفوضية شرطة المدينة ..وحتى ان لم يحدث أن يدخل بعض العناصر الأمنية ليحتسوا قهوتهم او لياخدوا فطورهم فلقد كان يصدف ان يمروا من هناك لياخدوا الدرج لمقر المفوضية ..كنت اعبر نفس الطريق على الاقل مرتين في اليوم وكان يحدث كثيرا ان اصادف من عناصر الشرطة من لي علاقة به واقف اليه على الاقل لمبادلة السلام والتحية والكلام اليومي ..

الذي كان يهمني في هذه المرحلة ان اعرف عن سير خطي وان تحفظني ذاكرة المتواجدين الدائمين بالجوار من باعة الدكاكين ومهنيين وموظفي القباضة البلدية وحارس السيارة وعناصر الامن النظاميين المدواميين على حراسة مبنى المفوضية ..وسكان الأحياء التي يخترقها الشارع الى أن ميل قليلا محولا اياه الى شارع سور الإشارة الذي يوصلني الى حي سكناي ...

ان يتحول تخمينهم الى شبه معرفة مسبقة من اين اتيت والى اين امضي وهل كنت برفقة احد ..كان يهمني ان اضمن معلومات تستسقى عني وعن سيري من هولاء ان استدعى الأمر أن يحقق اي احد او اي جهة عني ...كما لزمني في هذه المرحلة عنوان اجتماعي اعرف اليه ويمكن لمن اراد الاتصال بي أو أو انتظاري به وكان المقهى المنتقاء خير عنوان الصقه بشخصي واحيل عليه معارفي فهو مقهى مفتوح لكن على رواد من الجوار وليس على اي عابر سبيل وبخلاف ساعة الدروة في المساء فهو شبه فارغ الا من الحركة الإعتيادية لزبون يدخل واخر يخرج ...وحتى ساعات ذروة البيع بالمخبزة الملحقة به فهي معروفة ضمنا اول الصباح وساعة الغداء واخر المساء...كنت مستعدا لمعركة اخد مكان بالمقهى واثبات وجودي وكسب صاحب المقهى والعاملين به لجانبي مع رواد المقهى الدائمين  لذلك لم تاخد معي وقتا طويلا خصوصا انني في هذه المرحلة استعدت علاقات التلاقي مع اصحابي من مجموعة لكسوس الغنائية واخدوا يمرون علي في الفترة الصباحية او فترة الظهيرة التي اقضيها بالمقهى ويدعونني الجلوس اليهم في الفترة المسائية التي لها ايقاع وجو خاص اجتماعي في المقام الأول ..بينما كان الفترة الصباحية لقراءة وتصفح الجرائد والكتابة والمناقشة ...

اخدت انتظم على الايقاع الجديد..واضبط تدريجيا كمية ما اتعاطاه من حبوب وادوية .. تعاملت مع الإرهاق الذي وجدتني عليه اول بدايات انسحابي بالاكثار من المشي والحرص على النوم بالمنومات حبوب نيوزنان 25 منغرام بجرعات تصل الى 100 منغرام كل  ليلة ..واخدت ادوار اخر مساءات يومي كي لا الجأ لاخد حقنة "دايزبام "مهدئة ما أمكن ..في هذه الفترة من شهور فصل الشتاء الباردة والقصيرة ايامها كانت لقاءاتي ناذرة مع "حنان ".....كنت افتقدها بيني وبين نفسي واطمع في مقابلتها ..اظل مترقبا رؤيتها كلما قصدت المكتبة او كنت مارا  صحبة "محمد بنكبور "الذي كان معتادا دخول السوق الصغير عند مغادرته المقهى ..ربما كانت متعمدة  ان لا تتصل بي من حيث أنها تعرف انني منخرط في عملية تكيف جديدة وليست سهلة ...كنت ااجل جلسات الشراب للمرحلة اللاحقة ..ربما لحين عودة "محمد الشكذالي"من جامعته بالرباط معه يتشجع جميع اصحابنا على احتساء "الكونياك "المهرب والخروج للسهر في الليل رغم برودة الطقس والجو الماطر عموما .. 

كانت تجمعني نقاشات جانبية مع اعضاء من جماعة إسلامية محظورة بجوار حينا ..لم اكن اتحنبهم ولا اراوغهم في المحادثة التي يريدونها ..كان يهمني ان اتعاطى معهم بحسب الاعتقاد الذي ينطلقون منه ويدمرونه .. اعرف انهم يلمحون اكثر مما يفصحون ويحاولون كشف تناقضتي .او على الاقل احراجي وهو ما لم أمكنه منهم ..كنت ادرك محدودية فعلهم فهم يلوحون اكثر من استعدادهم الفعلي على المواجهة ..وهم الان ينطلقون من محظ شك ورببة انا من عمل على تقويتها داخلهم  بسرعة التحولات الظاهرية التي كنت اتعمد سلوكها ..والتي اوجدت صيغة مقبولة لاستساغتها بمقولة انني امر من فترات اضطراب نفسي ..مرضي وعادي جدا ان اعيش مثل هذه التقلبات والتحولات ...

عملت طوال هذه الفترة على تاكيد ابتعادي من الساحة وفي نفس الوقت جعله يبدوا انه ليس ابتعادا  بالقدر ما هي فترة استعادة للذات ومراجعة لها ..لم يعد هناك ما يدعوني لاتواجد بفضاء البلدية او العمالة ..على أنني كنت اتوصل بعد بالاستدعاء الرسمي للحضور لمتابعة. نشاطات العمالة في المناسبات الرسمية  بصفتي كمراسل صحفي لجريدة "الحركة

 "كنت حريصا على أن لا افقد متابعاتي للحياة السياسية الوطنية والنقاشات العمومية ..وان لا اتجنب خوض النقاش فيها مع من تنسوا مني ذلك كلما جمعنا لقاء ولو عابر بالشارع .. لكن مع الحرص على التأكيد انني مجبر على الابتعاد عن الممارسة السياسية أو الفعل الجمعوي للاهتمام قليلا بمستقبلي الخاص ..حاولت ان اعطي الانطباع العام انني اعاني من مشكلات أسرية واجتماعية وانني مضطر لاجراء التحول اللازم كمن اخيرا استجاب للضغوط الممارسة عليه من محيطه ..وفي نفس الآن اظهر شخصية أخرى مني اخدت في التمييع والتطبيع مع الحياة العامة الاجتماعية ..اصبحت مداوما على جلسات المساء صحبة أفراد مجموعة "لكسوس "الغنائية بمقهى "التطواني "..والسلوك العام بمظهر اخر ..مع اخوان "بنكبور "محمد وحميدوا ومصطفى وعزيز وعلي كانت علاقتنا متواصلة على الدوام ولم تنقطع ..ومعهم كنت قد طورت اسلوبا راق في التعامل والتفاهم بيننا ...معهم باجمعهم ومع كل واحد على حدى ...كنا لحد بعيد متواصلون مع بعضنا البعض وصادقين في سلوكنا ونتحدث في كل شيء وعن كل شيء ...طورنا لغة الكلام بيننا وقدرتنا  على الانصات لبعضنا والتحاور البناء ..كنت بقادر على ان اتعاطى مع اختلاف طبع ومزاح كل واحد منهما دون ان اشعره بادنى تصنع مني ..واستطعت في فترة بسيطة على حلوسي المستمر مع "محمد بنكبور "ان استعيد علاقاتي مع جميع اخوة بنكبور واصدقاءهم ..وكانت مجموعة كبيرة ..كان هناك "عبد الرحيم العمراني "واخوه "عبد الحميد العمراني "و"مصطفى البوطي "و"عبد الحميد خضور "و"عبد المومن ..."واخرون ياتون وبذهبون ....جلستنا كانت تكبر وتتوسع حلقتنا بزاويتي بالمقهى الامر الذي فك علي الحصار النفسي الاجتماعي من كبار السن رواد المقهى الدائمين المرتابون دائما والمستهون لان يصنعوا فرقا بين الجيل الذي ينتمون اليه وجيل الشباب جيلنا ..اصبح يمر علي على مقربة من موعد مغادرتي المقهى في فترتي الصباحية صديقي وابن حينا "سعيد الكوش "على مرور "الشريف "ليجالسني ولو لربع ساعة قبل أن يحول اتجاه لمقهى "سنترال "حيث رفاقه الذين تجمعه معه عدد من البرامج والنشاطات مصرون على أن يكون لهم مكان تواجد وحضور بمقهى "سنترال "منتدى السياسية المحلية والسمسرة في كل شيء...وعندما يصل "محمد الشكذالي"من الرباط ياخد الكرسي المحاور لي الا اذا كان مشغولا بانحاز فروضه الجامعية فياخد الطاولة المحاورة لي ليشتغل بحريته وبكامل تركيزه ..وشيئا فشيئا اخد كل اصحابي المقربين لا يلبثون ان يمروا علي من الحين للاخر ... 

كان علي ان اضبط المجموعة لكي لا نثير حفيظة من يشكلون المجتمع من رواد المقهى على مختلف مراجعهم  ومراتبهم ..ولكي لا نصطدم مع عقلية الباطورنة المستحكمة في راس كل صاحب ملك خاص مفتوح في وجه العموم ...ولكي يظل مرحب بنا في المكان وانا ان ناخد فيه كامل حريتنا ...فبحرصي  على أن اخصص الفترة الصباحية للكتابة والقراءة والمناقشة اخدت اشجع افراد المجموعة على الانضمام لي في هذه النشاطات واستحاب كل من "عبد الرحيم العمراني"الذي كان ياخد الطاولة اليمنى القريبة لي بينما ياخد "الشكذالي محمد"الطاولة اليسرى القريبة مني واخد الشريف يعرج في ساعة الظهيرة لياخد طاولة بجوارنا ليطالع في كتاب او ليحرب في الكتابة الأدبية ...ثم لا يلبث أن ننظم لبعضنا في نقاش موحد ...اصبح بامكاننا أن نجلب اشرطتنا الموسيقية لنستمع اليها بالمقهى بعد ان رحب صاحب المقهى بالامر وراقه دوقنا الموسيقى المختلف في انواعه واصنافه ...

نظمنا طريقة جلوسنا وتحاورنا كنا نرحب بان ننظم لبعضنا البعض لنترك المجال لرواد اخرين ونتنازل عن طاولات جلوسنا المعروف باعتياده  الجلوس لطاولة مخصوصة ..حتى طريقة دخولنا المقهى كنا نرتبها خصوصا في جلسات المساء العامة والتي نقصرها على المحادثات والدردشات والنقاشات لاصوات خافتة .. تحدث "لمحمد بنكبور"في الامر بصراحة كان هو الذي له حياة اجتماعية قائمة فهو مستخدم بشركة عامة ومتزوح واب لبنت وكلنا كنا عزاب وعاطليين أو شبه عاطليين لم اكن التحدث اليه بمنطق الذي ينبغي والذي لا ينبغي لانه لم يكن اسلوبنا قط ..كنا نتحدث من موقع فهمنا للعبة الاجتماعية كيف تدار وعلى أي اسس ياخد الصراع أشكاله فيها ...كنا نعي اختلافنا ونمارسه هو ونقدنا المستمر لاوضاع المجتمع ولحال الناس ..كنا نعرف ما يكونه الاخر  ..وقواعد الاخر ..وكيف نتمثل الاخر وقيمه ونحو ماذا ....النقاش الذي بداته معه انفتح على باقي افراد المجموعة وتطور للنقاش جاد ساهم كل واحد فيه وامتد ليتفرع على مستويات نفسية وسيكولوحية لتعميقه ..بوعي مني ساهمت في إعادة فتح النقاش حول الذات والذات الاجتماعية والتطوير والتغيير الاجتماعيين ...وخلقت امكانيات لتمارس المجموعة أشبه بنقد ذاتي لمسارها كمجموعة غنائية رائدة في الساحة الشبابية بالمدينة وكمحموعة شباب حداثيون يجمعهم حب الموسيقى والحلم بالغد الجميل لكل الناس ..اشركت تاليا اصحابي الشخصيين مع افراد المجموعة لتسري المعرفة بين الجميع ولتنفتح المجموعة على من يقع خارج اهتمامها الاول الموسيقي ..

"محمد بنكبور "الذي إعتاد المرور لمصاحبة زوجته العاملة بمركز الهلال الاحمر المقابل للمقهى "مقهى التطواني" كان يجلس لانتظارها بذلك المقهى وكان احيانا يجلس لخطيب زميلة لزوجته بعملها .."محمد بنكبور"بطبعه الهادئ والمسالم وبتحربته العميقة لم يكن يرتاح لمخالطة الاخرين من غير افراد مجموعتهم الذين يجمعهم اسلوب خاص في الكلام والاهتمام والرؤية ..لكنه على قدر كبير من ابداء الاحترام الاجتماعي والمكايسة ..انا كنت اعرف بارتياده في ساعات مخصصة المقهى لكنني لم يحدث أن قبلت بدعوته الجلوس معه بها ...وعندما تطلبت المرحلة ان ابحث عن مكان جديد لي اعرف اليه اجتماعيا كان تواجد "محمد بنكبور"بالمقهى ذلك عنصرا اساسيا اخدته في اعتباري وانا ادرس المكان كخيار ..كنت في حاجة لغطاء اجتماعي جديد امارس عبره ظهوري الاجتماعي لم يكن مقبولا ان اظل مسحوبا  للظل حتى يبتلعني..ولا كان مقبولا ان اظل اعاني تابعات التحويلة العنيفة التي قمت بها دون ان اجد مخرجا منها ..

افراد التنظيم الاسلامي المحضور لم يهضموا خروجي عنهم دفعة واحدة بعد ما كل مساعي  انا للتسلل اليهم ..وكانوا فيما بينهم يجمعون علي ما يدينونني به  ويتقصون علي ...لم يستوعبوا انها كانت وسيلتي لنفض كفي من ملفهم وانهاء مهمتى ..كنت ادرك حجم التورط الذي اقحمت فيه وادركه في  الفخ الذي اوقعت نفسي فيه بكامل وعي على انه فخ منصوب الي  ...

بعد شهور من التحري والتقصي والرصد استطعت ان استجمع ما يشبه خريطة التنظيمات والحماعات الإسلامية المختلفة المرجعيات والولاءات الناشطة شبه سريا وسريا بالمدينة وبالمنطقة  (القصر الكبير..اصيلا..طنجة ..تطوان ..مارتيل ..)..المعلومات التي كان يطلب مني مراجعتها باستمرار وإعادة توثيقها  الى أن جاء طلب ان اجلس للسيد العميد بشكل مباشر ليستوضح مني نقطا بعينها وردت في مجموعة تقاريري المرفوعة اول باول للإدارة وليتحول اشرافه والتنسيق  المباشر على ومعي ..وتم تحديد المهمة الأساسية في متابعة تنظيم محضور من بينها والعمل على التسلل اليه ..

تغيرت تماما طريقة التعامل معي ومستواها ولاحظت ابانها ان المسؤول عني "سي احمد"لم يكن راضيا على أن يسحب من المهمة ويتخلى عن الاشراف على ..

اخدت الامور وتيرات سريعة ومتطورة  باستمرار التقدم الذي كنت احققه في المهمة ..وعلى انني كنت اعاني الضغط الشديد الا أنني عملت كل ما في وسعي التغلغل التنظيم وكشف حتى عناصره الخارجية في المنطقة واستعملت كل علاقاتي وكل امكانات العائلة لانجاح الامر ..

السيد العميد ذا شخصية مخالفة لشخصية "سي احمد"فبالإضافة لكونه متخصص في العلوم السياسية كان يتمتع بذكاء خاص وقدرة على المراوغة ..كان يعرف عني انني لا اثق في اي احد واشك في كل شيء باستمرار ..وانني لست ساذجا ولا غرا لتنطلي علي الحيل التي كان يمررها علي عبر "سي احمد"سابقا الذي كان يستنفرني مرات بمتابعة معلومات مضللة ومبركة الهدف من ورائها هو اثارتي البحث والبحث المستمر وتحث ضغط الوقت والزمن  لااوجد في مقابلها معلومات أكيدة ..

السيد العميد لم ينتقل معي من الأسلوب الرسمي للاسلوب الاجتماعي غير الرسمي بسهولة ووسم الانتقال بطلب استكمال ملفي والبحث التفصيلي عن كل تاريخي الأسري والعائلي وكل افرادهم الاحياء والاموات فيهم ..كان يتقدم مني باشبه مكافئة او عربون امتنان ويقدم تسوية وضعيتي مع الإدارة المهتمة جدا بما حققته من نتائج ..

السيد العميد وضعني في الموقف السيكولوجي السياسي ..لم يكن يختبرني فقط بل يطلب كامل ولائي ..يطلب ان يستغفلني وان لا اتردد لحظة في القبول ..ففي لقاء جمعنا ببيت "سي احمد"بطلب من العميد كان علي ان املا  مطبوعات عدة وبخط يدي اقر واعترف فيها على أنني عضو في الجماعة المحضورة واشهد ان المذكورة أسماءه التالية كلهم تربطني صلة بهم ...

لا مجال للفهم هاهنا او للظن  او الاحتمال والترجيح..ففي الوقت الذي كان يؤكد لي انهم لا يتخلون على اي عنصر منهم وان الإدارة بما لها من سلطة ونفود قادرة على أن تحميني وتضمن سلامتي الشخصية ويؤكد ويؤكد ...يعود فيزور الحقيقة بمحضري وبمبرارات واهية كفقط لاثباث ان المعلومات المقدمة الإدارة جاءت من داخل الجماعة اياها ومن عضو موثوق منها ..كان يعرف انني لا يمكنني ان اصدق في ادعاءته وكان ينتظر مني ان اتحفظ على شقها القانوني اذ كيف اقدم سندا يثبت تورطي في أنشطة سياسية وتنظيمية محضورة  ومخالفة للقانون الجنائي الخاص وبخط يدي وببصمة ابهامي ومع صور حديثة لي وملف متكامل البيانات عن كل شخصي واسرتي وعائلتي  ...كان يضعني بين السندان والنار وهو يصور لي نفسيا انه تغليب المصلحة الشخصية والطمع في تسوية وضعيتي بالإدارة كفيل بأن يجعلني لا اتحفظ وهو في ذات الان يتلاعب بنفسيتي ويلعب معي لعبة الترغيب والترهيب الخسيسة  ويعرضني للابتزاز ويمارس علي الضغط ...وفي نفس الآن كمن يقول ان لم تكن تثق فينا فكيف نثق فيك ...تلك اساليبنا وانت واحد منا ..او كمن سيقول لاحقا والا كيف ستامن نفسك هل ستطلب  مراجعة صيغة الافادات وتوثيق طبيعة المهمة ودورك فيها وهل ستضمن أن لا تسلل الوثيقة المعدلة على هذه الصيغة لتفضحك وتحرق اخر اوراقك ...

انا كل الموضوع عالجته بمجرد ان انهيت تصفح المطبوعات وكنت قد اخدت قراري وبدات في ملئها والابصام عليها وثيقة وثيقة  وانا اقول في نفسي له :"تلعبها جيدا وتعحبني طريقة لعبكم"

بعدها بحوالي الاسبوع قدم لي مبلغ "400درهم  "نقدا عبر "سي احمد"ليسهل انتقالي في إطار نفس المهمة لمدينة مارتيل وهذه المرة على أن اوقع على مطبوع بتسلم المبلغ  فارغ من اي بيانات رقمية تهم قيمة المبلغ كما باقي الخانات غير مدون فيها اي شيء وتحث حجة انه سيتم رقن البيانات بالآلة الكاتبة بعد ان ابصم عليها فيما بعد ...

لدواعي أمنية وللتكثم المحاط بالمهمة حضر علي حتى الإفصاح عن هويتي اثناء الاتصال بالإدارة واعطي   لي اسم اتواصل من خلاله ...هو من اختاره لي ...وحضر علي الاتصال بشكل رسمي مع "سي احمد"وعدم مراجعته في اي امر من هذه المهمة بالخصوص ...

انسحب "السي احمد"للظل ..وغير سيارته المعروفة كما أنهى دور المنسق مع مفوضية الشرطة لحساب عنصر اخر من الإدارة كان في الآونة الأخيرة كثيف الحضور في المناسبات السياسية واللقاءات الثقافية والجمعوية كما في مواقع الاعتصامات والمظاهرات التي كانت ساحة البلدية فضاءا لها او امام قصر المحكمة الابتدائية ومقري حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل....علمت وعلى نحو لا يمكنني على أية حال التيقن التام منه لغياب السند الرسمي ان "سي احمد "حصل على ترقية وانه اصبح برتبة ضابط ..

كان يتم تعريضي للاخطار البليغة ويطلبون المزيد من المعلومات دون ان يتم اطلاعي على كيفية تعاملهم مع كل البيانات التي زودتهم بها ودون ان يشركونني في خطواتهم الاستراتيجية تجاه التنظيم ...اذ أن حدث اعتقال عضوين من التنظيم المحلي على هامش مشاركته في تظاهرة وطنية نادى اليها مجلس الارشاد الخاص بالجماعة المحضورة بالدار البيضاء وتعرضهما للاستنطاق باساليب قاسية  قبل أن  يفرج عليها ...جعل التنظيم المحلي يستنفر خلاياه ويعلي مستويات الامان عنده ..ويكاد يعرضني للخطر البليغ لو أسفر بحثهم عن أية علاقة لي بالكشف عن افراد خلايا تنظيمهم للأجهزة الأمنية ...

تفاجأت بسرعة تدخلهم لضبط افراد خلايا كانت تنشط بالحي الجديد بطنجة والتحقيق معهم الامر ذاته الذي كان من الممكن ان يعرض مصادري هناك للخطر المباشر ..

كانت الساحة الجامعية بكل من تطوان ومارتيل وفاس بالخصوص تغلي وكان الصراع على أشده بين التيارات القاعدية الماركسية والجماعات الإسلامية وكان التنظيم الاسلامي المحضور ميالا للمواجهة واستعراض قوته وعنفه ضد القاعديين  ....المسؤول المحلي عن الخلايا التلمذية و اليافعين من اعضاء التنظيم اشعر بانه تحث المراقبة وكان معروفا بأنه يمثل الجماعة على مستوى جامعة مارتيل فجعلته حالة الحصار المفروض عليه أشبه بالثور الهائج ولم يخفي علي شكوكه الفعلية في شخصي وتحذيري لكنني كنت اعرف عنه طبعه واعرف عنه عدوانيته واعرف انه كان يخرج مع افراد من حماعتهم ليقموا بهجمات على مرتادي  الغابة طلبا لممارسة الحب واعرف انه لو صحت دعاوي شكوكه في صلتي بالأجهزة الأمنية لما عدم وسيلة لينكل بي وليس لياتي ليجاسني ...ثم انني لم اقل بانني لا اعرف اكثر من مسؤول امني ولكنني لا علاقة لي بما يمثله هو او اي تنظيم اخر نشط في الساحة ولا معرفة خاصة لي بآية موضوعات او معلومات ليست معروفة ومتداولة لامررها لاي جهة على أن لا مصلحة لي في ذلك ...انا لم اقدم لهم نفسي الا كمحاول القيام بمراجعة نفسية وسيكولوحية وسلوكية روحانية لذاته لم اكن اظهر التزامي الديني ولا ميل لي لاختبأ تحث ظله .. كنت اناقش معهم رغبتي في التغيير للاحسن ونيتي في القطيعة مع سلوكاتي في تعاطي الخمرة والمخدرات ...كنت ببساطة اقدمني كاي كبش صغير او طينة لينة قابلة للشحن وللاحتواء والاستقطاب..ولم أركز الا على من كانت تسبقني  به سابق معرفة كأن تتلمذ معي او كنا رفاقا في مرحلة سابقة ..كما لم اقطع صلاتي بباقي من اعرفه حتى من من كانوا معرفون برفاقيتهم ..كل ما هناك انني بدات اظهر في المسجد في صلاة متفرقة وتحوطت كليا على امر تعاطي للشرب او التذخين خارج البيت وجلسات  البيوت ..كما حافظت على مسافة من من كنت اخالطهم ومعرفون عنهم سلوكهم التحرري المتحدي للمجتمع ..لم اقترب كليا اتم الاقتراب من التنظيم ولا قلت يوما برغبتي في الانظمام الى أي تنظيم موازي له ..كانت عندي طريقتي في جمع المعلومات واستسقاءها وكنت اعتمد في ذلك على اصحابي في عدد من المجموعات التي طورتها في كل اطوار حياتي ..كل ساهم معي وامدني بقدر مهم من المعلومات التي يسرت علي ربط وإعادة ربط الاتصال بهم وخلقت لي الفرص للقاء بهم والتواجد بصحبتهم   ..وهناك من يسر لي حتى استخلاص المعلومات التي كنت اريد معرفتها عن طريق إجراء عملية التحري غير المباشرة نيابة عني او التمهيد لما يخصني من مواضيع ...وهناك من نفد عمليات نفاذ وتسلل لخلايا منهم بحجة التعرف عليهم والتعاطي الأولي معهم ليتسنى له التقرير في الانظمام من عدمه اليهم ...لضبط صلته التنظيمية خصوصا انهم كانوا يتوارون ويتخفون تحت امكانات ان يكونوا فقط متعاطفين   مع طريقة مرشد الجماعة بينما هم ينظوون إلى جماعة تلك او تلك او تلك ...كنت اعرف من بداية المهمة انني ساكون الشخص الخطا لو فكرت بحق ان اسعى للانظمام اليهم او الى أي جماعة إسلامية اخرى لانه من المحال علي ان التزم معهم او حتى اجتماعيا بغير المقبول في شريعتي ..ولا فكرت من بداية المهمة في مناقشة طريقتي او اسلوبي في تحصيل وتجميع المعلومات وتحديد الاشخاص وعناصر التنظيم ..كنت انجز المطلوب مني واصيغ التقارير العملية الموجزة والموثقة دون ان اكون مطالبا بسرد خلفيات البحث والتحري وعمليات الرصد ..وحتى في اللقاءات المباشرة مع رجل الإدارة "سي احمد" كنت اراوغه ولا اكشف تماما له عن مصادري او عن ما يربطني بها ولا كيف استحصل بالسرعة القصوى على المطلوب تاكيده أو نفيه من معلومات كانت تفد على الإدارة الإقليمية من جهات اعلى منها ..

من البداية فضلت ان لا اتورط مع الإدارة بالاساس ومع اسلوبها في زرع مرشدين لها في كل المجالات وداخل كل الاوساط والهيئات والخدمات لانني لو حصل وتورطت فسينتهي بي المطاف لابسا قبعة المرشد الرخيص الذي يتقاضى تعويضا على شكل بطاقات الإنعاش الوطني والمساعدات الاجتماعية نظير خدماته التي يظل مفروضا عليه تقديمها اينما ارتحل وكيفما غير مكان عمله او سكناه ولكل من حل محل من جنده واستقطبه  لصالح الإدارة ..انا كنت واضحا في تقديم الصفة التي بمحظ اراداتي تقربت منها من الإدارة ..صفة متعاون في مجال المعلومة على اعتبار انني اخترت درب الصحافة والعمل الصحفي الميداني ...ويجمعنا كلنا حقل التعاطي والتعامل مع المعلومة وانني مهتم بتوسيع دائرة علاقاتي الاجتماعية بما يمكنه ان يساعدني لاشق طريقي في مجال الصحافة والعلاقات العامة ..وانا من تركت لهم الباب مفتوحا لياتوني في كل مرة طالبين ان اتعاون معهم الى أن أصبح الامر يتعلق بمهمة وبمتابعة رسمية كنت انا متاكدا من انها تهم المركز وان تفانيت في القيام بكل ما طلب مني او اسند الي من مهمات جانبية فلانني كنت على معرفة بان هناك من يتابعني ويولي عناية خاصة للمجهودات التي ابذلها واولئك كان يهمني على الاقل ان يكون لاسمي او لصفتي جرس يتذكرونني به 

من قبل أن تكبر وتتسع حلاقتنا بمقهى "التطواني"كنت قد بلورة قراري النهائي وخرجت بنتيجة عملية مفادها أن لا مجال لاستمرار على نفس المستوى في العمل لصالح الإدارة ..كنت قد انتظرت ما يكفي للبث في امر تسوية وضعيتي ولا خبر يقين جاءني منهم كانوا يطلبون فقط ان لا اتوقف وان استمر على نفس نهحي ويعيدون بأنه لن ينقصني خير بجانبهم وانهم  لن يدخروا جهدا لحمايتي والدفاع عن مصالحي الخاصة ..ولم يكن لي لاتجاهل  أهمية وقيمة عامل الوقت والتسويف ومال الانتظارية ...لذلك قررت أن اجمد جزئيا نشاطي وانهي مهمتي تلك أساسا وان انتظر ما سيفعلونه بخصوصي ومعي وانا شبه اقلب الطاولة عليهم ..وذلك ما ادخلني على تمام وعي بالامر في سلسلة ضغوط نفسية وتوترات وجو من الإرهاب النفسي ..وتعاطي سلبي مع ما كنت الجا اليه للاسترخاء مع نفسي او للانتشاء به بين الفينة والاخرى  ...

كل الذي مر بي وعرضني لمتاعب نفسية كان باشبه باعراض الكابة بعد الصدمة ..كنت مصدوما في قوتي على اعلاء التحدي والقول بكفى غير مسموح التلاعب بي أو معي ..وكنت في نفس الوقت خائفا وهذه هي الحقيقة بان يتم تصفيتي على نحو او باخر وبات كل حاضري مبعثر والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها السيء منها ..لكن في عز ازمتي لم انهار وبدأت اشكل الحل وارسم طريقا لخروجي  الأمن من كل هذه المرحلة العملية من حياتي لاعبر لأخرى لن تكون اقل خطورة منها ...

كنت محتاج لمن اتحرك لجانبهم لمن املك ان انفد بينهم للفضاءات اجتماعية مختلفة ومتنوعة ولمن يمكنوا ان يشكلوا لي حماية من التعرض للاعتداء المباشر او غيرالمباشر ولمن يمكنني ان اهيا عبرهم فرص واشكال جديدة للظهور الاجتماعي وللتسلل لمقامات وبيئات اجتماعية تهمني ..ووجدت ضالتي في ان اعيد صلاتي بمجموعة ليكسوس واصحابهم لانها كانت بعيدة عن ان تمارس السياسية بأشكالها التنظيمية المعروفة ولانهم وجوه معروفة بالمدينة ستسهل لي الانتشار بحلة جديدة وستقدمني للشارع العام بمنظور مختلف وبالتاكيد لم اكن اؤمن بان كل ذلك سياتي بلا مقابل ودون ان اعطي من جانبي للاخد بدوري ...   ودون ان أقدم بعض التنازلات كما في مجال أية مسايسة...  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...