الاثنين، 14 ديسمبر 2020

يوميات : عوالمي السرية..(24)..بعيدا عن حنان "هذه.."2 ..تابع /10-1


 لم اكن اعرف ان الامور ستصير معي على هذا الشكل وبهذا الترتيب لكنني كنت اعقل حساباتي ..كنت اتصور عددا من السيناريوهات القريبة من ما وقع لذلك لحدود بعيدة لم افاجأ ..ربما ارتفع توتري ووتيرة انفعالاتي وأصبحت اعيش حالة قصوى من الاستنفار مع الاحساس بالتهديد...لكنني في اعماقي كنت مستسلما وكنت مقتنعا بانني ساجد المخرج بل وساجد طريقا اخرا اعبر منه لتحقيق كامل اهدافي ...كان علي فقط ان لا اغفل اي معطى وان اتصرف ضد الساعة ..كان عامل الزمن واستبقاء الأحداث جد مهم في هذه الحرب التي اندلعت دفعة واحدة وما حطت رحاها ...كان "السي إدريس البصري "وزير الدولة في الداخلية والاعلام رجل الموقف القوي واللاعب الأساسي في الساحة السياسية والأمنية والاجتماعية بدون منازع ...واثار استحواده على عدد من السلط خصومات عدة وحساسيات سياسية تولى هو محاصرتها قبل أن تحاصره ..وللاسف كان يتصرف في احيان عدة بمزاج شخصي ولحساب مصلحته وليمد في نفوده .ولربما دون ان يراجع القصر في ذلك ...

عندما تقوم الحرب يختلط الحابل بالنابل ويصعب معرفة الى أي جانب تميل وتثق به  .. ففي وقت قصير عرفت الساحة الأمنية المحلية تغيرات في صفوف رجالاتها وفي عددهم الذي اخد يتضاعف وفي حجم الإمكانات اللوجستيكية المتوفرة لهم ..كما عرفت الإدارة الترابية حملة توظيفات غير مسبوقة لها وتم استعاب عدد كبير من حملة الشهادات كما تم الحاق عدد اخر معتبر من من كانوا في وضع المتطوعين بالخدمة والمؤقتين..  

ومع كل تغيير يكثر التحسب ويكثر الضغط النفسي المهني في صفوف كل العاملين في قطاعي الامن او السلطة المحلية ...الوجوه الجديدة بينهم تثير ذلك الحس بالريبة وبعدم الامن لانها كانت تكسر من جو الألفة السابق ومن العلاقات التي مرت من طور المهنية والوظيفية الى مستوى التوداد الاجتماعي ونشات  عنها مصالح خاصة ...

كان هناك حس داخلي في نفسية كل عنصر امني او رجل سلطة من انه مراقب من زميله الجديد ومن رئيسه الجديد ومن مصالح متعددة وان المرحلة دقيقة وتتطلب تغييرا بالتالي في قواعد اللعب ..كان هناك صوة متدمر وساخط يعلوا في نفسية كل واحد منهم واخص بالتحديد العناصر القديمة التي من جملة ما شملها من تغيير تغير في زيها الوظيفي وتغير اخر سلوكي مفروض عليها ...

وفي هذا الجو المشحون يصعب بناء علاقات ..يصعب تسهيل مهمات الغير ..يصعب الظهور بمظهر الرجل القوي ..كان الكل خائف من موجة التغييرات التي مست كل هرم رجال السلطة والامن والقوات المساعدة ..الكل حذر ومترقب والكل مستنفر مركزيا ...

انا لم انهزم داخليا وما كان لي لانهزم وانا في مثل هذا العمر بعد شاب في مقتبل العمر لم اتجاوز الثانية والعشرين سنة ..لم تخدلني ظروفي الأسرية والاجتماعية على ما كانت تخنقني به ..ولا كان تقديري للامور مجانبا للواقع  ..كنت ادرك لحدود بعيدة اي أرض صلبة اقف عليها وانظم تطلعاتي لم اكن ذلك الحالم او المغامر المجنون ..وكنت مسيطرا بدرجة بالغة على اتجاهي بالمعرفة وبالقدرة على البحث عن المعرفة وتوسل سبلها في مواجهة المجهول والغامض وما لم يسبق ان عرفته او تعلمته ...كما كانت عندي جراتي على مواجهة التحديات والمواقف ...

كنت اسمح لنفسي بان تعبر مساحات الحلم والخيال وان تستبصر الاتي انطلاقا من مواقف الحاضر ورغباته وكانت لي تصوراتي المتعددة عن ما انا فاعله بحاضري وبغدي القريب والبعيد ...

كنت متشوقا للغد الجميل الذي يكون لي لكنني لم اكن مستعجلا مادمت قادرا على أن أعيش يومي وايامي الحاضرة بامتاع..لكنه حينما يتسمم كل الجو من حولك بالشك والخوف وانعدام الثقة اول ما تفتقده الاحساس بالامتاع وينتهي بك الامر متعبا ومريضا   ولا لذة لك في القيام باي شيء ...وانا لم اكن مضطرا  او مرغما على أن انقسم على ذاتي وان اعيش الانفصال النفسي والاجتماعي وان اصبر ...

الإدارة لم تسلك معي سلوكا شفافا..

الإدارة ما همها كم اعاني وكم اضحي وكم يكلفني ماديا وما أبدله لصالحها ..ولا اعني بالإدارة الا الإقليمية والمحلية  منها هاهنا بإقليم العرائش..

الإدارة كانت تامر ..توجه ..تشرف  وانا آلة تنفيد تستجيب ..

الإدارة إدارة مراقبة تنفيذ للقانون واي ضجات عن اعتقالات واحتجازات قامت بها وعن عمليات ضبط خارج القانون عمدت القيام بها لم يكن من الممكن تبريرها ..ولا اطار قانوني ينظمها ..

الإدارة تملك سلطها وتملك ان تتقدم باقتراحات وطلبات خارج نظام التوظيف العام الرسمي للوظيفة العمومية..كما تملك ميزانيتها الخاصة التي لا تراجع برلمانيا..كما معروف بتعدد امكانياتها لايجاد طريق آخر عبر التدخل لمعالجة ملفات المتعاوينين المتميزين معها ..والحاقهم بوظائف في القطاع الخاص أو شبه العمومي  ....

الإدارة ببساطة لو كانت خارج هذه المرحلة السياسية من تاريخ البلاد لكان تعاملها مع ملفي الشخصي تعاملا مختلفا ..لكنه في جو الحيطة وفي جو التعليمات المتغيرة في اليوم مرات ومرات ..لم يتم اهمالي لكنه تم وضعي جانبا لحين تنجلي الغيوم  ويمكن التقرير 

لم تكن عندي مؤاخذات خاصة على السيد العميد بعد ان تعرفت عليه عن كثب ودرست اسلوبه كما كان يدرسني هو ..كل ما هناك انه نفسه لم يكن راضيا على سلوك كل الوزارة التي بدت على الرغم من كل التطورات التي عرفها نظامها وامتدادها وتوغلها في الحياة العامة الا انها تتراجع لمستويات خطيرة لكنه يبقى مجبورا من حيث موقعه الاداري والسلطوي ليمتثل لسلوك ونزعات ومتطلبات المرحلة وليقصر دوره وهو يتجنب الصدام الى الادوار التنفيذية والإدارية الروتينية وان يتجنب الاجتهاد او الابداع في الأساليب .او التصرف من تلقاء النفس مثلما كان الجميع يتصرف وهو يقدر المصلحة العامة ..السيد العميد مثل عدد من الشباب الذين دخلوا وظائف السلطة كان مقدر عليهم ان ياتمروا من الجيل القديم ومن حرس العهد القديم ...والحرس القديم كان متشبثا بالسلطة وعمل طوال عهده على بناء شبكات نفوذ ومصالح مترابطة ومتداخلة وقوية ولم يكن ليهادن في حالة ان يجدوا انفسهم تسحب منهم او ياتي شباب جدد ليسلبونها اياهم ...

كنت لحد بعيد قادر على استعاب ان هذه الحرب لن تنتهي عما قريب وسينجر اليها جميع من يتحرك في الظل والخفاء وسيتم تصفية حسابات جمة فيها ...جهة ولائي كانت محددة وكامل استعداداتي عبرت عنها وان كان لابد من ان اهادن اللعبة وان انسحب للخلف قليلا فللا اخسر موقعي المتقدم..كان علي الاكتفاء بما حققته وما لفت الانتباه اليه نحوي ...كنت كمن يبني اسما له وموقعا من خلاله وهذا عمل لا يتدبر في بحر سنتين اوثلاثة...او اكثر وانما عمل متواصل ويحتاج الاكثر من استراتيجية وتكتيكات ...

كل الذي لزمني ان المم البعثرة التي خلفها قراري الذي فاجأ الكل وساهم في نشر الشكوك حولي .. لم يكن مقبولا علي ان اظل أدافع وان اسمح لهم على اقل تقدير ان يحاصرونني ..وكان لابد بان اتحول الى جهة ان اهاجم بدوري .وان اسند عظظي...

مع "سي احمد"رجل الإدارة ..قلت له كل ما يمكن ان يجول في خاطر والدتي ومن انظر الى أن تكون شريكتي في الحياة ..وافهمته ان قراري استجابة للضغوط الوالدية  الممارسة علي ..وافهمته بأنه صعب ان يظل المرء يجري ويجري دون ان يصل إلى نهاية معتبرة ..وصعب ان تمني المرء بامر دون ان تقدم له ولا أكثر من النوايا والوعود....

لم اقل له انني تعبت من استغفالهم باسم القصر وباسم نحن ..لم اقل له انكم تسعون لتقزيمي والباسي دورا لا يناسبني ..لم اقل له انكم تتلاعبون بي لحين ان يطيب مزاجكم وخاطركم ...لم اقل له انكم تتقوون بي وتخدمون مصالحكم الشخصية ....لانني كنت ادرك ان مثل هذه التعبيرات والتصريحات لا تنم إلا عن غباء وعدم فهم للعبة ...

تراجعت للخلف قليلا وابقيتني على انتظار ...وهذا هو المطلوب كان مني حتى من طرف الإدارة ..

كان علي ان اتدبر المآزق التي وجدتني فيها ..وان افك الحصار الذي اخد ينشأ حولي والذي انظم اليه حتى مجموعة من الرفاق الذين لم اكن على انسجام معهم ...كانوا يسعون إلى ادانتي بالعمالة للأجهزة الأمنية بناءا على مجرد الظن والقراءة في سلوكي الاجتماعي المتحول . والغريب في الامر انهم يريدون عبر تشكيل ضغط علي جعلي انهار عصبيا واقدم ما يشبه الاعتراف ...اصبح هناك من الجانبين من يعترض سبيلي ويريد اقحامي معه في نقاش مباشر حول ما يروج عني ويطلب مني تبرير الوضع ...كانوا يتصرفون باستفزازية واستعدائية ويطلبون ردود افعال تشنجية ..تركت لهم الوقت لاحاول دراسة استعدادات كل واحد منهم ..كنت مستعدا لتوريطهم في قضايا اعتداء شخصي لو تطور الامر منهم ..ولم يمكنونني من ذلك ...اصبحت احتاج لمرافقة طوال الوقت الذي اقضيه بالخارج لا لضمان سلامتي بالقدر ما كنت اهيا لشهود عيان في حالة استدعى الأمر ذلك ..   

لم اكن لاقبل مجرد المراوغة لانها لم تنفع في فك الحصار الاخد في التمدد حولي ..ولا جعل حالة النرفزة وتعكير المزاج المقصود ادخالي فيها تصبح مزمنة ..

كنت قد انهيت تقيمي للموقف بشكل عام وللمنطق الذي ينطلقون منه ويتصرفون عبره معي ...واستطعت ان استوعب انهم ينسقون مع بعضهم ويشنوها حربا نفسية علي بغرض اضعافي موقفي الاجتماعي وجعلي اقبل الانسحاب الى الصفوف الخلفية والهامشية للمجتمع مع الصاق وصم بشخصي ..

كلما نظرت حولي لا أجد إلا نفسي والا  أفراد المجموعات التي عملت على تكوينها طوال حياتي السابقة ولم يكن وارد ان اقحمها معي في الصراع من الجانبين لكنني كنت متيقنا من امكانات جعلها تساهم الى جانبي في فض الحصار الاجتماعي المضروب حولي ولكنه كان علي بداية ان اغير من اسلوب مواجهتي وان انقله من مستوى الدفاع الى مستوى  المواجهة  ...

وابتدات تصميم الحرب عبر تقسيم الوجوه البارزة في مناوشتي حسب ظهورها والمجموعات التي تصاحبها..لانهم لم يكونوا يعترضون سبيلي بمفردهم ..وترتيب مجموع البيانات والمعطيات الشخصية والاسرية والعائلية التي سبق وان جمعتها عن كل واحد منهم ...وانطلقت  بنقل الخطة تكتيكيا الى مستوى إظهار التحدي واعلاءه ..لم اعد في حاجة لان انفي او لأكد شيئا ..كل ليفهمها كما يشاء ...اصبحت نبرتي ممتلئة بالسخرية والتهكم والتصريح الفج بما لي من مؤخدات ومواقف من خطهم ونهجهم وسلوكهم السياسي ومشاريع الوهم التي يحملونها ...اصبحت اعلن بتمام الوضوح استعدائي لاي مشروع تقهقري ورجعي  ولاي مشروع يريد القيام له بلغة الإكراه والعنف والاقصاء والحصار  ...وساعة يتحول النقاش من مجرد نقاش افكار و رؤى ومعتقدات الى المستوى الشخصي ..كنت امر بدورى لجعله يبدوا عن حق نزال شخصي واملك ان اهزم فيه خصمي الذي كشر عن أنيابه  في وجهي ...اصبحت اضرب تحث الحزام مستعملا ما كان في حوزتي من معلومات شخصية وخاصة ولا انتهي عند حد التجريح في الشرف والكرامة او التخوين وانما الفت الانتباه الى المآل والى كامل قدرة النظام لدحرهم  وشل كل تحركاتهم وحبس انفاسهم ..وأصبحت هكذا اتحدث بلغة ما اعرفه عن النظام وعن الحرب التي ياخدها وعن كامل استعداداته وعن ما تجمع لديه من معلومات عنهم وعن كامل تحركاتهم ..وعن نقط ضعف كل واحد واحد منهم وعن كامل سيناريوهات مواجهة كل واحد ، واحد منهم ...اتحدث بكامل الثقة ومن موقع العارف بكل شيء وبكل خبايا تحركاتهم لكن دون ان ياتي في تصريحاتي انتسابي الى أي جهة ولكنني اكاد أوحي واشي بانني قريب جدا منهم وتجمعني الاكثر من صلة مع الاكثر من جهة ...وانني بشكل او باخر مجرد ناقل للرسائل اليهم ...

نسقت مع اصحابي القربين كل وحسب مستوى معرفته الشخصية بالمستهدف لابدا انا بالترحيب  باي نقاش صريح نتداول  فيه خلافاتنا ونحسمها من خلاله ..وساعة يتقرر الموعد والمكان يتقرر معه خطة هجومي حسب طبيعة الشخص المستهدف ومستواه من التنظيم وشخصيته ..لامارس عليه تشريحا سياسيا نفسيا بمعنى الكلمة ...كان اصحابي يامنون لي مستويات الانفعال  وظروف ظبطه بمجرد حضورهم بجانبي ..واستغللت ذات تكتيكهم الاستفزازي الحاجم عن المرور للفعل ..وحلة السلام التي يتغنون بارتداءها  وادعاء التحلي بها ..لتمرير المشرط دون إثارة صيحات الفزع او الرغبة في الثار ...

تطلب مني مع بعضهم الاكثر من جلسات متتالية وكانت بخلاف الأولى التي كنت انا الداعي اليها ..كانت بطلب منهم.. كنت العب على كم المعلومات التي اتداول بها نحوهم والتي لا يمكنهم بحال نفيها ..كنت أراهن على الذاكرة القديمة وكل السلوكات القديمة التي اعتقدوا أنهم كبروا عليها ليضعوها خلف ظهورهم بينما أية قراءة لحاضرهم لايتم ولا يستقيم بدونها وبدون التعرض لاثرها ...اصبحت لعبة المواجهة واضحة  بيننا  ..

تطلب مني الامر المرور مع مجموعتي الاقرب الى كامل التنسيق ..عملت على مشاركتهم تصوراتي وطلبت منهم دعمي الكامل لانني بالفعل كنت احتاجه ..كان حجم التهديد عال حيالي..ومتشعب ..بالقدر الاقصى مما امكنني ان اكاشفهم به فعلت ...وقلت بانني احتاج لمشورتهم ..احتاج لدعمهم في المواقف الاجتماعية ..احتاج لمن يسندني بحضورهم ويباشر معي محادثتهم   ..واحتاج لمن على استعداد للتدخل في حالة ان تطورت الأحداث ....وانتقلت بذلك للمستوى الارفع من الحرب النفسية حيث اشركت باقي اصحابي ومن كانت لي بهم صلات سابقة من الناشطين الجمعويين ومن الفاعلين السياسيين والرفاق في التعاطي مع موضوع هذا الكائن السياسي الاجتماعي الذي ينتشر في كل الاوساط والبيئات الاجتماعية ويفرض اختياراته بالاحتيال النفسي والاكراه ..هذه التنظيمات الإسلامية المنتشرة كالفطر في كل حي وسوق والتي لا تعمل الا على الاقصاء ونبذ الاختلاف والحصار ولا تمتد جماهيريا وانما شعبيا عبر استغلالها التناقضات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع والتي تتركز بالاساس بين الطبقات والفئات المحرومة والمهمشة اجتماعيا والمتخلفة فكرية والتي تعاني نفسيا  ...

اخرجت الموضوع للتداولات السياسية المحلية وسميت بعض اسماء التنظيم بشخوصهم واتيت على ذكر ما اصبح موقفهم مني ثم حزمت امري وقررت المرور لمستوى اخر من الحرب لمستوى ان احاصرهم مثلما ارادوا معي ...

في مكتبه كان يصغي الي بتمعن فقط وكنت لحد ما اعي انه لا يدرس المعطيات التي امده بها وانما خطابي .. طريقة سردي  ..انتقالاتي بين المحاور ..احالاتي على مواد القانون الدستوري والقانون الجنائى الخاص ...ايراداتي لمقتطفات من خطب وتصريحات ملكية ..اسماء الإدارات المعنية ..لم يكن في حاجة ليدرس اسلوبي الشخصي فهو يعرفني ويتابعني من قبل ...كان في حاجة ليحدد حجم تورطي في الموضوع لانه السند الوحيد ليتاكد من صدق ادعاءاتي وليحدد بالتالي امكاناته الخاصة واستعدادته ليتورط معي او يقف موقفا اخرا مني ...نهض من مكتبه ..فتح بابه بنفسه وطلب من ساعي مكتبه ان ياجل أية استقبالات لوقت اخر وان لا يدخل عليه اي موظف ..تقدم من طاولة الاجتماعات الطويلة والمحملة بالملفات وقبل ان يجلس اليها افسح لي كرسيا لجواره وطلب مني الانتقال اليه ...وتغير ايقاع المقابلة شكلا ومضمونا ..كنت وجها لوجه امامه في جلسة جانبية والمسافة بيننا قد ضاقت كان يريد ان يعرف لمن يتحدث ..قال انه متفاجئ كليا بالذي يجلس اليه الان وانني غيرت شخصيتي التي كان قد إعتاد ان يراها في حفلات الاستقبالات والتظاهرات  الرسمية ولا حتى طريقة تحدثي اليه كلما جئته طالبا تغطية أحداث رسمية لصالح الجريدة اليومية التي كنت اشتغل مراسلا لصالحها...ثم انتقل معي ليتحرى الهدف من مخاطبته بصفته كرئيس للشؤون العامة لعمالة العرائش..وطلب ان اكون صريحا معه في ما انتظره منه ...

كنت قد صممت عددا من السيناريوهات المحتملة لكيف سيتم اللقاء والسيد القائد اختار السيناريوا الابسط والمباشر ...لذلك تعاملت معه على نحو تقني وعملي ..كنت اعرض المعلومات عني على نحو تقريري وبما يفيد القضية التي اعرضها عليه..ها انا ..ها ما كونتني عليه ..ها مقدار الزمن الحقيقي لبداية تحري  عن الاشخاص اعضاء التنظيم المحضور والذي يمتد في ابسط مدده لخمس سنوات للوراء  ومع بعضهم يعود لزمن بعيد ...لكن ليس على اعتبارهم متورطين في أنشطة يحضرها القانون وانما لاسباب متعددة ...ها منذ متى وانا اتابع ملفهم على نحو رسمي بإشراف الإدارة ...وها تذكير بخلاصات النتائج التي توصلت اليها ورفعتها للإدارة ...وها هي استراتيجيتي في التعامل مع وضعهم المحلي ...وبدات في عرض افكار مركزة وفي غاية الوضوح ومرقمة ....

لا اعرف ....لكن من حيث القدرة على التبليغ والسرد السياسي للوقائع وتحليلها الأولي وفق مخططات مدروسة مسبقة للخروج بتقييم سياسي اولي والعودة لربط العناصر ببعضها للانتقال للمستوى الثاني وهكذا دوليك ثم العرض الختامي المتسلسل للعناصر للخروج بخلاصات ومقترحات توجيهية ..كان تمريني المفضل الذي كنت اشتغل عليه بجد الطالب والتلميذ الشغوف ليتعلم وينجح وانا حريص على اقتناء كل ما يصل من اعداد صحيفة الزمان العربية وصحيفة الأهرام المصرية على الخصوص ...وكنت اتدرب في محادثاتي ونقاشتي مع مجموعتي الاقرب على الجانب الشفاهي منه ...والذي اعرفه انه متى اتيحت لي الفرصة لاستعرض مهاراتي الفكرية لاعرف بنفسي وبمستواي ما كنت لاعبر دون ان احقق انتصاري ..كان يستهدف ان يعرف معدني ويستهدف ان يعرف رؤيتي العميقة للاوضاع السياسية والأمنية للبلاد ...ليحدد طبيعة التعامل معي وشكله ....

كنت اصمت لما انهي انزال المعلومات والمعطيات المطلوبة مني وفق التصميم الأولي المعد ذهنيا عندي واتركه له تقييم المحاورة بيننا  وزمنها  وهو من يقرر ان افصل اكثر او ان انتقل الى محاور اخرى اشرت اليها أو يسال في غيرها ...مرت زهاء الساعتين وخمس وأربعين دقيقة على بداية الحديث بيننا ليطلب مني ان ارافقه الى الطابق الاول ..فتح الباب وخرج وهو يسحبني بحركة من راحة يده على ظهري  ..تبعته ...لحيث مكتب السيد العامل ..انظرني ليدخل ويعرض الموضوع على السيد العامل ...وقفت بهدوء غريب متمنيا أن لا ينتهي الوقت سريعا حتى وانا متنبه لكم مر من الزمن على اخر سيجارة ذخنتها واخر قرص مهدئ "لكزوميل"ابتلعته وكان الثاني خلال هذا اليوم الذي تتجه ساعته لتعلن عن فترة ما بعد الظهيرة ..كانت المكاتب شبه خالية من الموظفين ولم يعد هناك غير المداومين من  أفراد القوات المساعدة وبعض اعوان الخدمة والسائقين الخصوصيين ...كنت اتنفس على نحو بطئ ومنتظم واعيش حالة من الانتشاء الغريب ..لا افكر في اي شيء مزعج او يدعوا للقلق ..في غاية الاطمئنان وثقتي بنفسي عالية واعرف ماذا اريد بالضبط .. 

فتح الباب وناداني للتقدم اليه ..دخلت ردهة المكتب الفسيح التي كانت عبارة عن قاعة استقبال ومكتب لكتابة السيد العامل  الخاصة  ..كنت اعرف الموظفين على نحو شخصي ..بادلاني السلام والتحية من بعيد ..دخل القائد العلمي  للمكتب الشخصي للسيد العامل وهو يسحبني من ساعدي وقدمني للسيد المولودي بوسيف عامل صاحب الجلالة على إقليم العرائش..دون ان يتلفظ باسمي ..نظر السيد العامل الى جهتي كما لا ينظر الي ..نهض من مكتبه ..عدل من حال ثيابه تناول حقيبة صغيرة للنظرات الطبية ..نظر من خلف الزجاج الى الخارج وانطلق خارجا للردهة المكتب حيث كان الموظفين واقفين تحدث اليهما ببعض النرفزة كنت احاول ان لا اسمع شيئا ثم نادى على القائد العلمي محفزا اياه على المضي ..طلب مني السي العلمي ان ارافقه ..كنت في غياب شبه تام عن الاحساس بالموقف الذي انا فيه ..اتصرف على نحو منفصل عن ذاتي ..اسجل واخزن كل شيء تقع عليه عيني لا مجال للتاويل او الاستشكال ..ارى كل من حولي  دون ان اتفاحأ فانا أعرفهم ولربما اعرف اشياءا عنهم لا يعقلها الاخرون عنهم  بينما هم يرمقونني وكانهم لأول مرة يلمحونني فيها ..موظفي الكتابة الخاصة ..عناصر القوات المساعدة ..السائقين ..ساعي مكتب القائد الذي بقي مداوما بجانبه...

تقدم السائق بالسيارة بحرفية ومهارة من الرصيف بمحادة موقف السيد العامل الذي فتح الباب الخلفي ودلف وسطها ..تحركت سيارة من بعيد لتاخد مكانها في مدخل الباب الكبير المتفرعة عن السور الذي يحيط بكل قصر العمالة ..تحرك القائد العلمي بقامته القصيرة والممشوقة باتجاه سيارته اكتفى بان نظر الي لالحق به .التف ودخل السيارة وفتح لي الباب من الداخل وطلب مني الركوب وانطلقت السيارة لم يحتاج ليقول لي اي شيء ليكسر الصمت الذي كان يسود كلغة بليغة في مثل هذه المواقف ...في ساحة أربعة طرق اخترقت سيارة السيد العامل الممر بسرعة ودفعة واحدة وشرطة المرور  كان قد اشرفت على ضمان مرور موكبه الخاص المكون من سيارتين وسيارة القائد العلمي هي الثالثة والأخيرة ..ابطا السي العلمي سيارته وهو يلف المدار كان شرطيا المرور يقدما التحية العسكرية اليه ..ساعرف لاحقا ان السيد العلمي القائد رئيس الشؤون العامة للعمالة تعمد ان يبطئ سيارته ليترك المجال للشرطيين  ان يتعرفا على وجهي ...وساعرف كذلك انه كان يتعمد ان يترك مسافة من سيارة المرافقة في  المقدمة  وسيارة السيد العامل التي تسير خلفها ..وساعرف أشياء عدة عن سلوك القائد المهني في  الأيام التالية  ..

دخلنا قصر سكنى السيد العامل الذي كان قد سبقنا في الدخول ..اوقفني غير بعيد من مكمن الحرس وكانوا من أفراد القوات المساعدة..وطلب مني الصبر قليلا والمزيد من الانتظار ...كان يطمئنني اكثر مما هو في حاجة لان يستنظرني  ...كان المكان مضللا وباردا ..تحركت في مساحة صغيرة لاتتعدى المتر والنصف متفحصا المكان من زواياه الأربعة ..وخرجت لاقف تحث الشمس ..تجنبت ان انظر جهة أفراد القوات المساعدة ..تحسست جيبي اخرجت سجارة تبغي الرخيصة "كازا سبور "..قلبتها بين اصابعي لاتاكد من حشوتها ..ثم اشعلت سجارتي وغدوت ادخنها واستطعم مرارتها ولاول مرة منذ بداية هذا اليوم يتسرب لداخلي الاحساس  بالقلق ..لم اكن اتوقع ان تسير المقابلة على هذا النحو وان اجدني هاهنا محاصرا من كل هذه العيون التي تتفحصني و بدون شك تتساءل عن هويتي وعن قصتي ...حاولت ان اعالج قلقي بالتفكير ..بتصور ما يحدث معي او ما سيحدث لكن عقلي كان منجبسا ..يابى ان يستجيب ..تملكني التوثر وبعض الغضب والرغبة في قهر الانتظارية التي اقحموني فيها بالتدخين  دون توقف لكنني لم اشا ان اعطي انطباعا للعيون التي تراقبني بتملك الانفعال مني ...تسللت يدي لاسفل القميص الصوفي الازرق الذي البسه لجيب صدر قميص بياقة واخرجت قرص "لكزوميل "وبحركة خفية لقمته فمي وقربت سجارة ثانية وانا اجمع لعابي لاسهل ابتلاع الحبة المهدئة واشعلتها ..في حدود الربع الساعة كانت باب القصر تفتح من جديد وتدلفها  سيارة حمراء اللون قديمة الطلاء وشعبية الطراز...بالطبع كنت اعرف صاحبها ..انه السيد العميد ..تقدمت السيارة لتقف في مقدمة الممر المعد كموقف مؤقت للسيارات ..لم يتوجه بالنظر الي وكنت اعرف انه فعل ذلك من مرآة السيارة الداخلية ...

مضت قرابة الساعة والربع على تواجدي بالمكان حينما خرج القائد العلمي صحبة السيد العميد وتوجها نحوي ..كنت اعرف ان السيد العميد سيتصرف بلباقة معي حتى وان كان موقفي لا يرضيه او ضدي..وكذلك كان سلم علي بتودد وطلب مني الركوب بجانبه بالسيارة ..القائد العلمي اوقفي قبل أن أهم بامتطاء السيارة وقال لي بأنه سيتصل بي في اقرب وقت لانه يحتاج الجلوس معي وبسرعة بديهة اشرت عليه أن يفعل ذلك في فترة الصباح ..في اي صباح يناسبه لاتفرغ بعد الصباح لمشاغلي الخاصة ..لم يسالني عنواني ولم يحدد طريقة التواصل او الاتصال كما لم يخبرني اي شيء عن ما قاله او قيل بمحضر  السيد العامل ..

حددت الاتجاه الذي يمكننا سلوكه دون ان اتعرض للكشف من الماريين المحتملين ان يكونوا يعرفونني ويعرفونه في نفس الآن ..اخترنا سلوك الطريق اللاف بجوار مقبرة سيدي العربي وحي كاليطوا ..اكثر الاحياء الممكن ان اجد واقابل بها من يعرفني وقد طلبت منه الاسراع في قيادة السيارة ..وقفنا على مقربة من مدرسة ابن زيدون الابتدائية ...استدار جانبيا نحوي ونظر الي بنفس ابتسامته وببريق اضافي يلمع من عينه ..وقال لي "عوتني ها انت كتفجئنا ..ولكن مزيان لتصرفتي هكذا...كبرها تصغار..شوف اطارق ..عارفك ذكي ومكنشكشي فيك وحتى هذ شي لدرتيه اليوم خدمتينا فيه ..هكذا سهلتي لي الطريق ديال الخدمة..وانت راك معنا بلا متحاول تدير من غيرنا ..."قالها وهو يضحك ويمد كفه ليربث على كتفي ...قال أشياءا كثيرة في عبارات  مقتضبة و كان يعرف انه يسلمني بعد للمزيد من الاستفهامات والانتظارية ...خيرني اين يمكنه ان ينزلني فاشرت اليه ان ياخد طريقه العادي ويقفني في مدخل شارع المقاومة ثم كبرت الفكرة في راسي وسالته طلبا خاصا :"اسي عبد الحق ممكن ناخد منك مئة درهم ..بغيتها اليوم..."ورد علي وهو يتضاحك مني "غير مئة درهم ...هاهي وبصحتك اسدي ..."كان يعرف انني في حاجة لمداورة كل القلق الذي اقحموني فيه باساليبهم الخبرية بان اسكر لاحقق الاسترخاء واستعيد صفاء ذهني ...

(يتبع...)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...