الأحد، 27 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(26). بعيدا عن حنان"هذه..." 4 تابع : "12-1"


 

يوميات:عوالمي السرية ..(26)..بعيدا عن حنان"هذه..."4 تابع :12-1


 كنت غاضبا في داخلي ولست راض على أن اشعر بانه يساء فهمي ولست على استعداد لان ابرر كل شيء عن نفسي امام الاخرين ...لذلك اصبحت اكثر تجنبا للرفاق والاصحاب خصوصا منهم الناشطين سياسيا وجمعويا ..كانت خطوة اردت منها تسجيل عتابي ..ولربما اردت ان احتفظ بها للان المناسب الذي سياتي وسيحل معه إمكان للبوح والمصالحة.. 

انا ان هجرت ساحات الهم الثقافي والفعل الجمعوي وارتايت البعاد عن حضورها بل والمساهمة فيها لا فعلت ذلك من زعزعة في الإيمان او الثقة بكل الادوار التي كنا نمارسها ونكمل بعضنا البعض فيها وانما لانني اوجدت لي بكل بساطة ساحات يمكن ان افعل فيها اكثر وعلى نحو أكمل وفي نفس الاتجاه الذي ننشده جميعا مهما تفرعت او تفرقت سبل وصولنا اليه ..لم اتراجع ولا فقدت البوصلة والاتجاه ولا استتركت المجال لان نفسي ضاق او انعدم ...

ربما انكسرت على مستوى الحلم الشخصي ..ربما شعرت بالكثير من الخذلان وبدون سبب موضوعي...ربما استشعرت انه بعد طريقي طويل وشاق لا كما كنت اتصور ان الهجرة إلى فرنسا ستقصره وستطويه في اقصر الامد ..وهي باتت في خبر مجهول خصوصا مع التحولات السياسية والدولية المتسارعة في دول الاستضافة والتي تعالت فيها اصوات اليمين واليمين المتطرف الرافضة لمسالة الهجرة واستقبال المزيد من المهاجرين ...كانت بعد دولة اسبانيا تعرف نزوح العديد من راغبي الهجرة والإقامة بها من دول الضفة الأخرى وتنظم اليها حركات تهجير غير شرعية عبر البحر وعبر الحدود البرية /البحرية وتتواطئ في ذلك شبكات مع إدارات مراقبة المعابر والحدود ..لكنني لم اكن احمل مثل تلك الرغبة الجامحة في الهجرة لاغامر في بلد لن يستقبلني فيه احد ولن يسعى الى تيسير ادماحي في بيئته لذلك لم احاول ان اركب الموجة واحمل تصميم عدد من من أعرفهم بكامل عزمهم على أن يصلوا الى تلك الضفة ويوجدوا لهم مكانا ونصيبا فيها ...انا من حيث عز على نفسي انني صدقت لما قام اخي المهاجر بالديار الفرنسية بترتيبات تهجيري بعد ان كنت بين الشك واليقين من حصول ذلك وعدت لاصدم بالفشل والخيبة قررت أن اجرب تجربة الهجرة لكن هذه المرة في طريق ثاني ..ان اقطع الحدود الشرقية البرية في اتجاه الجماهيرية الليبية عبر الجزائر وتونس لاتعرف على الأوضاع ولانسى قليلا البؤس النفسي الذي اوجدتني فيه ...

كنت في هذه الاثناء احمل هم ان اجدني على شاكلة اخرى واحلم بان ألد مني  شخصا مختلفا وفاعلا وقادرا ..كنت قد بدأت اضيق من حالات الاحباط التي داهمتنا شبه اجمعين ..كان جو مقر الاتحاد المغربي للشغل بالمدينة قد اصبح خانقا رغم اصرارنا اجمعين على أن نداوم الحضور والاجتماع والنقاش ..كنا تقريبا كلنا نقف على مفترق الطرقات ومتعبون ونساءل بقلق كبير مستقبلنا الشخصي والاجتماعي ..كنا كلنا نواجه بشكل او باخر تحدي ان نكون مثلما يريدوننا اهالينا ان نكون ويلحون في طلب ذلك ...لم يكن بالنسبة لمن غدوا طلبة جامعيين  منا مقبول ان يظلوا سنة وراء سنة يرسبون الى أن تقطع عليه المنحة الدراسية على هزالتها ..ولا مقبول من من يواعد ان يرهن مستقبل صاحبته معه الى ما لا نهاية تظهر في الافق ...ربما في عز احباطنا وتضيق حرية ممارسة العمل الجمعوي والسياسي في الفضاءات العمومية وتمييع الاجواء العامة واكتساح اصحاب اللحي والمتاسلمين للفضاء العام كان بعد "بدر الدين الساخي" على نفس نفسه العالي والكريم يحاول استنهاض عزيمتنا واشاركنا في إنجاز فعل ثقافي وسياسي واشعاعي على انه كان بعيدا بصفته كبحار مستقل بنفسه ونشاطه عن جو التلمذة والطلبة الذي كنا نشكله بالإضافة إلى من غدوا معلمين او موظفين او مستخدمين وحكمتهم ظروف اشتغالهم بالعالم القروي او بمراكز غير فاعلة تسحقهم من الداخل بالإضافة إلى هزالة الراتب والمركز الوظيفي امام ما منتظر أمامهم من تحديات اجتماعية اخرى مرفوعة أمامهم من الاهالي ومن عوائلهم ..

كانت المدينة التي عاشت دائما متسامحة مع الجميع تضيق بنا  امام نفير مكبرات الصوت التي تصدح بالخطابات الدينية وتكفر وتمنع   وتحلل على هواها وامام موجة جديدة من الاناشيد والامداح والفرق الغنائية المتاسلمة بالدفوف والحناجر تجتاح حفلات الاعراس والازدياد..ومظاهر اسلام سياسي تكتسح الاسواق والطرقات وتدخلات في حرية الاخرين من جماعات تدعي الدعوة والتبليغ واخرى النصح والنصيحة واخرى العدل والاحسان واخرى القتال في سبيل الله واخرى إقامة دولة الخلافة ...لم يخلوا اي حي من المدينة من من يزعم الطهرانية والتقوى ويتحدث بامر الرسالة والتوجيه الى الطريق الحق وينصب لنفسه الحق في ان يخترق جمعك ليرشدك درب الصلاح والخير ولا من من اخدوا ينتظمون في جماعات على شكل عصابات يتوجهون لمحاربة الفساد الاخلاقي ومظاهر التبرح والزنى فيعترضون سبل اي زوجين شابين على علاقة بينهما وينتشرون في الغابة الفضاء الرحب دائما ليهجموا على اي اثنين مختليين ببعضيهما او ليوبخا اي معاقرين للشراب يجدونهم هنالك او ببعض الأزقة ...لا احد منا سلم من تعرضاتهم وان كنا نقابلها بما تستحق من السخرية والمجباهة الفكرية ..

كنا متعودين على أن نسمع احلى واعذب موسيقى ..ربما نحن كنا متطرفين في ان نسمع لموسيقى راقية او ملتزمة بقضايا سياسية وحتى اجتماعية لكننا بدانا نصحوا على زعيق الوعاظ والشيوخ والامراء وننزعج من الأصوات العالية المنبعثة من المحالات الحرفية والتجارية المختلفة لثلاوات غريبة للقران الكريم مختتمة بادعية ناقمة وحاقدة تكفر كيفما تشاء وتتوعد بجهنم لكل من يخالفهم وتقول بالنصر المبين لهم على كل الاقوام ...

كنا مختلفين عن باقي اطياف المجتمع وربما لم نكن نؤمن في توجهات احزابنا السياسية حتى من كانت تلعب دور المعارضة العنيدة لكننا كنا متقبلين لبعضنا البعض ودائمي حضور اي نشاط تؤطره أية شبيبة حزبية أو أي فرع حزبي ومستعدين لخوض اي نقاش والدفع به الى الامام حتى اخدنا نفاجا بأنشطة ممنوع فيها الاختلاط بين الجنسين وانشطة غير مفتوحة إلى للاعضاء على انها عمومية ولحشود مراقبة وغاضبة تترصد المظاهرات وتعسكر امام قاعات الأنشطة الأخرى التي تمارسها فعاليات المجتمع المدني وهيئاته السياسية والنقابية  ...

كنا جميعا نهتم لمظاهر الجنوح والتكيف العام وكل بوسيلته يحاول التوجيه فيها والتعاطي معها نحو ايجاد مخرج منها لكن ليس بالعنف الذي اخد ينطلق وتشهده المؤسسات التعليمية باسم الدفاع عن الدين والاخلاق والفضيلة ..ومحاربة مسالك الشيطان والذي اندفع الى الشارع واخد يحاول حتى محاصرة قاعات السينما وعروض الموسيقى  وحتى حفلات الزفاف الخاصة ...

كنا معروفين بتوجهاتنا لأننا ممارسين للفعل الجمعوي والسياسي لكننا كنا اكثر من متسامحين لأننا كنا مع خيار حريتنا في الاعتقاد والتمثل للقيم لذلك لم نقبل ما كان يحاول النظام او بعض من النظام  بمسك العصا من الوسط وضرب ذات اليمين وذات الشمال ثارة رضوخا عند الدعوات المهيجة للراي العام ضد ما كانت تراه مخالفا للاداب العامة ومحرضا على الفساد والرديلة  وثارة الضرب كيفما أتى لمحاصرة اي نشاط سياسي او جمعوي نهايك عن ان كان يشتغل في إطار من الشرعية والقانون  من عدمه ...

كانت الاحياء  التي تقع بها مساجد هي التي تعرف غليانا اجتماعيا وسياسيا اكبر .لكن الطامة الكبرى هي تلك المساجد الصغيرة التي اخدت تفتتح  في الكرجات وفي كل الادارات والمرافق العمومية وحتى المقاهي و المطاعم ...ويأمها امام اقل ما يمكن وصفه به بأنه شخص كريه وعدواني وغير اجتماعي بالمرة ...

كنا عموما نحتاط من متابعة الامن بجنحة السكر والعربدة في الشارع العام حتى بدى وكأنه أصبح لزاما علينا ان نحترس على الاقل من تطفل الاسلامويين ان لم يكن من تحرشهم العنيف ..اصبحنا حتى في معاملتنا التجارية العادية نفاجا بسلوك جديد من من فجأة غير زيه وطريقة اطلاق شعره وحلاقة وجهه واخد يكحل عيونه ويسوك فمه ويتعطر بالعود والبخور والمسك ..معاملات تستغفلنا وبصراحة تريد مقاطعتنا ....

لم نشعر يوما اننا أقلية في اختيارتنا الديمقراطية وفي حريتنا..كنا كلنا واعون او غير واعون نشكل المجتمع ونعيش اختلافاتنا ونتدبرها بالمعروف بيننا ونؤجل دوما الحلول القطعية باللجوء الى القضاء وساحات المحاكم لتصفية نزاعاتنا حتى فوجئنا بميل غير صحي لشرائح مجتمعية مسالمة مع هذه التيارات الاسلاميه السياسية النابدة لاي اختلاف معها ..

كان بيننا دائما محافظون  ومتدينون لهم وقارهم وهيبتهم الاجتماعية ومكانتهم السياسية لكن ليس بمثل هذا الهجين الجديد المكتسح للشارع والفضاء العام والذي لا يريد ان يسمع سوى صوته ..

كنا نعي ان المد الاسلامي السياسي قد وصلنا  وكنا نشهد ما وصلت إليه النتائج السياسية بالجزائر بصعود الإسلاميين من جبهة الإنقاذ الى الحكم وصعود حزب العدالة والتنمية التركي بدوره ليقود الحكم في دولة دستورها علماني  لكننا كنا نؤمن في ترسخ قيم مجتمعنا المتسامح والمتسالم مع نفسه ولم نكن نزعم ان نرى الشقاق بيننا على أشده كما بات ..بمدينة القصر الكبير القريبة منا انقسم المجتمع تماما الى قسمين كلاهما متطرف ومغالي اما في تدينه ودعواته السياسية واما في جنوحه وكلاهما يعتمد على اقتصاد اسود ..الاول على تهريب السلع واغراق الاسواق بها والاتجار وتهريب العملة والثاني على اموال تهريب وبيع المخدرات والكحول المهرب والاقراص المخدرة وبينهما ذابت شرائح اجتماعية اختارت فقط ان تعيش بسلام وان على مضض واختارت أشبه ما يكون بالتقية ..

السلطة كانت غير واضحة في توجهاتها مع الاوضاع العامة المجتمعية وكانت مكتفية بمواجهة مظاهر الخروج عن الامن العام كما كان يحصل بالجامعات والمعاهد العليا وطنيا واقليميا وتطويق بعض اشكال التجمهر والتظاهر بعد صلاة الجمعة بالمساجد التي كانت تسيطر عليها بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية لكنها بدت غير متفهمة وغير واعية بما يحدث في صميم المجتمع من تحولات خطيرة او أنها في وضع مراقب يدرس التحولات ويقيم التطورات ..

السلطة بالاقليم عرفت تطورات كمية ازدادات عدد المقاطعات الإدارية و عدد رجال السلطة من قواد وخلفاءهم واعوانهم من الشيوخ والمقدمين ..كما عرفت الساحة الأمنية مقدم عدد جديد من العناصر والضباط وتطور لجوستيكي بالإضافة إلى افتتاح مكتب لإدارة مراقبة التراب الوطني دون يافطة ودون مظاهر حراسة رسمية ودخول بعض عناصرها للمشهد السياسي والنقابي والجمعوي كمراقبين  وراصدين ..اما تفعيل دور الشؤون العامة للبلدية وللعمالة فلقد جاء في سياق المذكرة الوزارية الصادرة بشأن تتبع كل الأنشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية وضرورة حضور ممثلها او من ينوب عنها كما كان الحال مع مؤسسات وزارة الشباب والرياضة والشؤون الثقافية والشؤون الاجتماعية ..ثم اخد يبرز نوع جديد من مفتشي الشرطة وعناصر أمنية بوليسية تحث المسمى القديم بالقسم السياسي يظهر هو الاخر في التظاهرات والانشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية العامة ..

كان مجرد تطور كمي أربك المشهد الاجتماعي العام لكنه على أرض الواقع كان بلا اثر اللهم انه حاول محاصرة العمل الجمعوي والسياسي لكنه لم ينجح فاخد يتارجح ويحاول ممارسة اشكال تحكمية في حق ناشطين سياسيين وفاعليين جمعوين كمحاولة جديدة منه لافراغ الساحات السياسية والثقافية من الجميع ومن من لا يدور في فلك النظام ويشتغل بوقا له ..

كان الاقليم الوليد بعد في عهدة عرابه السيد العامل مولودي بوسيف الذي خيب ظن عموم الساكنة بعد انطلاق مسلسل اغلاق الشركات والوحدات الإنتاجية وتحويلها الى جهات اخرى خارج كل اقاليم الجهة وبداية ترحيل ساكنة دور الصفيح الى تجزئات سكنية جديدة وما شاب ذلك من خروقات وتلاعبات عديدة  ابرزت للوجود ظاهرة مفايا العقارات والاراضي وطبقة جديدة من المستفدين خصوصا مع خروج مشروع المنطقة الصناعية للوجود ..وزاد الطين بلة تردي احوال الميناء والعاملين به ..كان وكأن كل ما تحقق منذ مقدم العمالة هو افتتاح مقهى بجانب مقهى وخلق بعض الحدائق كيفما اتفق ..بالمقابل في الجانب الاخر كان الحديث يروج عن تزواج لمال المخدرات مع السلطة والسياسية وعن فساد ممنهج وعن تداخل مصالح خاصة مع مصالح عامة ...

فجأة بدى الناس وكان كل امالهم احترقت ..وفجأة بدأت المدينة والاقليم تغترب عن نفسها مع نزوح عدد من ساكنة الأقاليم الغربية والداخلية وساكنة مناطق الريف يحملون معهم حلمهم في تملك قطع أرضية او رخص ومادونيات سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة ورخص اكشاك كانت تنبث كالفطر في كل مكان وكان اغلبيتهم يفضلون زرع براكة لهم ليلا لتنبث صباحه نحو ان يثبثوا حقهم  في الاستفادة من بقع في إطار مشروع مكافحة دور الصفيح وإعادة هيكلة الاحياء الهامشية ..

مقدم تمثيليات ومنذوبيات الوزارات والمصالح المركزية أربك عمل الادارات المحلية لانه ببساطة قوى أشكال ومظاهر البيروقراطية اكثر مما جاء بمشاريع تنموية او إصلاحية كان كل الامر تغيير في يافطات  المؤسسات والإدارات ..ربما استفاد منه من تم الحاقهم  باسفل السلم الاداري كاعوان خدمة ومساعدين تقنيين وحتى هؤلاء حامت حولهم العديد من الشكوك وعن كيف تم تدبير غايات الحاقهم  وتوظيفهم ...

كنا كجيل واحد اكتشف انه يكبر وان امامه تحديات الحصول على عمل او وظيف او الاعداد للرحيل والهجرة او الاستفادة من مظاهر الريع او ببساطة الترامي بين ايدي شبكات تهريب التهريب الدولي للمخدرات ..

كنا كجيل واحد نلاحظ استشراء الفساد والرشوى والسمسرة وظهور أولياء نعم جدد وشبكات مصالح وعلاقات خاصة ويبدوا من الصعب ايجاد مكان لنا وسط كل هذه المهزلة ..كان حال الوظيفة العمومية يرثى له خصوصا مع صغار الموظفين والمبتدئين وكان طبيعي جدا ان تستغل الوضع المركزيات النقابية وتعلي صوتها وتخوض سلسلة من الاحتجاجات والمعارك القطاعية خصوصا من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغاليين بالمغرب وتجر معها قطاعا واسعا من رجال ونساء التعليم والصحة ليخوضوا عددا من الاضرابات والاعتصامات مطالبين بتحسين وضعياتهم ومعبرين عن قهرهم من ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن ..

عرفت المدينة موجة من التريف ومظاهر البداوة مع النزوح السكاني الذي عرفته المنطقة والامتداد  السكني والعمراني الذي اخدت تعرفه بتطور  والى جانبه ظهرت اشكال جديدة ومتنامية من الجنوح والعنف والبؤس واللاتسامح الذي كانت تغذيه خصوصا الجماعات الإسلامية الراديكالية وتعزف عليه أحزاب المعارضة التي بدت صدامية هذه المرة في وجه النظام ...

ايامنا كانت تمضي بطيئة .. وكل واحد منا كان يحاول تكسير ايقاعها بمزاجه الشخصي  ..وحده الليل كان يجمعنا حيث يحلوا النقاش والتأمل ونحن اتخدنا عادة التجوال في شوارع المدينة الفاضية نسبيا من الناس الا من عشاق الليل مثلنا ..لم يكن متاح ماديا لنا دائما أن نتخد طاولة مقهى ونسهر حتى الصبح ولا من من عاقر الشراب منا تدبر زجاجة مهربة يقهر بها برد الليل وحرقة الأسئلة ..كنا نداور بعضنا البعض حتى لا نسقط في الهموم الشخصية نلتف على الأحاديث حتى لا تتحول الى مجرد تشكي وتذمر..كنا نحاول تناسي همومنا النفسية والاجتماعية بالتحليق بعيدا في دنيا الفن والشعر وعوالم الابداع نحرص  على القراءة ومبادلة كل مايقع بين ايدينا من كتب ورويات ودواوين شعرية وأشرطة موسيقية ...أشياء فينا كانت تجعلنا على كل حال متفاءلين بالغد وقادرين بعد على الحلم والتنبأ والرؤيا...

تركتهم لما كبرت داخلي الرغبة في ان اكبر على نفسي كنت اريد مثل اي واحد فيهم ان اكون وان اوجد لي فرصتي لم يكن مقبولا ان اظل مستمرا في خنقة التغييب والتخدير التي لازمتنا على الاقل نحن في مجموعتنا (الصروخ توفيق ..محسن الشنتوف ..رضوان الحديقي ..بدر الدين بومزوغ ..عبدالسلام المزاحمي ...واخرون ) الشريف والكراب كانا قد اخدا يبتعدا منذ ان التحقت بالجامعة بكلية مارتيل ...والصروخ عبد السلام كان قد عاد الى شيء من التزامه لاكمال مشواره الجامعي والحصول على اجازته بعد ان طوح به التسكع والشرب والليل ..بدر الدين الساخي كان يشعر بالاحتراق النفسي وعندما يبدا في السكر لا يفيق منه بالايام ..الشاوي سعيد كان قد التحق بوظيف ببلدية العرائش وعابد محمد اختار سلك التعليم الابتدائي مكرها بواقع ظروفه الأسرية وحكم السن على انه مجاز في شعبة التاريخ ...الاخرون من من لا يدرسون  اختاروا البحر والاشتغال بمهن الصيد ..كان الحنين يجمعنا للمسرح.. للشعر ..للموسيقى.. لجو المحاضرات والندوات والحلقات الدراسية والواقع يجابهنا باغلاله المادية والاجتماعية...كلنا كان قلقا من حاضره وكلنا كان يفكر على الاقل في الهروب الى الامام ....

إبتعدت مع انقطاعي عن الدراسة بشكل نهائي مستغلا غياب الرفاق والأصدقاء المتقطع بالجامعة محاولا حتى أنا ان ابني لي استقلاليتي وعالمي الخاص الذي املك ان اعبر فيه عن ذاتي وطموحاتي ...  

إبتعدت لكنني لم اهجر الساحة ولا قاطعت مجموعات الرفاق والأصدقاء فقط اتخدت مسافة بيني وبين كامل التعويل على نفس الوجوه ونفس الرفقة ونفس المواضيع ونفس المزاج ..إبتعدت لاعود قليلا لنفسي ..لاقرا على هوايا ولاكتب ما احس به انا بعيدا عن اي التزام سياسي اخد يبدوا وكأنه مفروض ..لاسمع الموسيقى المختلفة ولاعيش اجواءي الروحية وحتى فوضاي الشخصية ...

دائما كان عندي الحنين لدار الشباب ولدار الثقافة ولايام الاعدادية ولصاحباتي  واصحابي ولباقي المجموعات ودائما بقي عندي ما يحركني نحو الأهداف التي رسمتها لي  وكان لزاما علي ان أشحد همتي لانطلق في دروب جديدة ومسارات مختلفة ...

انسحبت بنفسي من فضاء نقابة الاتحاد المغربي للشغل لانني ببساطة لم اكن املك صفة تبقيني عاملا بها فانا رسميا عاطل ومنقطع عن الدراسة ولا نية عندي لألج سوق الشغل كعامل ولا أفقا للتوظيف ممكن وقريب يلوح لي ...وحتى جو الفرع النقابي نحن من كنا نصنعه   ونحن من جعلنا المكان ينبض بالحياه ..لم تكن هناك أية حسابات سياسية أو موقفية بيننا ..ربما لم نكن كلنا راضين على سلوك تسير المكتب المحلي لكننا مرحليا اخترنا ان ننوء بانفسنا عن الصراعات الا أن اخدت تتشكل مع توافد عناصر جديدة من الرفاق التي اختارت الانظمام المبدئي للشبيبة العاملة التابعة للاتحاد ..كنت بيني وبين نفسي اعرف ان انقلابا قريبا سيحدث في الفرع المحلي والذي الت اليه الكتابة الإقليمية ..وتحدث بصراحة في الموضوع للكاتب الإقليمي من موقع الصداقة التي تربطني به واعتذرت له شخصيا لانني لا استطيع ان ابدل المزيد ولا نية لي في الانحياز الى أي طرف وقلت بانني ساسحب قدمي تدريجيا من المقر وليفكر حتى هو في نفس الخطوات ....

جاءت بعدها مرحلة الاستاذ محمد بديع وحزب الحركة الشعبية ونقابة الاتحادات الشعبية وعلى كل الذي قيل في حقي من من لم يعاشرني ويعرفني جيدا فلقد مرت بسلام لحالها ولا انقطع الود بيني وبين مجموعات الرفاق والأصدقاء وحتى في المرحلة الأولى لربط الاتصال بالإدارة كنت مدركا تماما لحجم الموضوع وانه لن ياخد اكثر من حجمه الطبيعي بخصوص الرفاق اساسا ولا حتى بباقي عناصر  التيارات الاخرى ..كنت املك نظرة عن التفاعلات السياسية الوطنية واقدر من زاوية تحليلية ماهي اولوليات النظام في هذه المرحلة ..وماهي حقيقة المخاطر المتربصة به ...لم اكن في موقع يسمح لي باملاء رؤيتي وتقيمي الخاص للاوضاع السياسية والاجتماعية للبلاد ولا في إثارة موضوعات تندرج ضمن خانة الحساسية ..كنت اعرف ما يعتمل وكيف يعتمل جهرا وفي الخفاء لكن المفقود الاساسي كان هو جو الثقة ..لم يكن لا لي ولا لغيري من فاعلين سياسيين وناشطين ان يثقوا في النظام المتحول والضاغط بقوة والساعي ليبسط هيمنته في شخص وزير داخليته إدريس البصري واعوانه ..

كنت غاضبا وحانقا بشكل لا يحتمل واحول بيني وبين نفسي من ان تتوجس او ترتعب وتنهد وتنبطح ...

كنت بعد عودتي من الجماهيرية الليبية مفتوح على كل الاحتمالات ومستعد لخوض اكثر من مغامرة كانت الحياة تبدوا لي ممكنة واكثر من ممكنة هاهنا ببلدي المغرب لذلك رحبت بترحيب الاستاذ بديع ومحمد العزيزي الكاتب المحلي لفرع حزب الحركة الشعبية واستعدت عملي كمراسل صحفي لجريدة الحركة الشعبية لكنني في المقابل وسعت نشاطي مع الإدارة وبالتالي في استقطاب أفراد مجموعات جديدة مع توطيد علاقاتي السابقة بباقي افراد المجموعات الاخرى ...لم اكن امانع في تبادل معلومات مع باقي الأجهزة الاستعلامية والأمنية الاخرى ..سعيت بكل قوة الى كسب المزيد من علاقات النفود والقوة لانني ببساطة وعلى نحو شخصي وذاتي  كنت في حاجة لاكسب المزيد من هامش الحرية والحركة ...

في وسط فضاء مدينة صغيرة اي تحرك محسوب على صاحبه ..في جو متعكرة مياه ينتعش كل ما يعض ويمتص وينهش ..في حقل العلاقات بين أفراد جيل واحد يكثر التنافس ويحتد الصراع وفي مثل بيئتنا الفكرية والثقافية المتخلفة يكثر الضرب تحث الحزام وانا اخترت ان ابقى وفيا لنفسي وحرا في اختياراتي ..ولم اشأ الاصطفاف خلف اي طابور لكنني تدبرت ان اجد لي موقعا واكثر من ظهر يسندني ..  



Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...