الثلاثاء، 26 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(34) بعيدا عن حنان"هذه..."13 تابع "21-1"


 الجيل الذي انتمي اليه أنهى دراسته او انقطع عنها ...الجيل الذي على احتكاك به تجاوز عمره الثلاثون بينما انا بالعشرين سنة ..ربما يبدوا سنا حديثا ولازال المستقبل كله بين يده وملا نظره ..هذا لو كان يعرف ماذا يريده وماذا فعلا يقدر عليه وما هي الإمكانات المتاحة على أرض الواقع ...؟!! ..

المدينة امكاناتها جد محدودة وكل الانظار متجهة لامكانات التوظيف بالقطاع الجماعي بالبلدية او بالعمالة او باحدى الادارات العمومية توظيفا مباشرا لانه كلما هم الامر مباراة توظيف وطنية بدت الحظوظ جد بعيدة ولا من نتيجة مضمونة حين أن الفرص الحقيقية للتوظيف غير متكافئة ..والتوظيف المباشر عبارة عن خوصصة للمناصب لصالح المقربين والمحسوبين على الإدارة أو المنتخبين الذين يسيرون المدينة او بلغة الواقع هو فرصة لمن يملك دفع العمولة وحصة سمسار الوظيفة ..

زمن المدينة في بداية التسعينيات كان زمن حزب الاستقلال الذي تحمل مسؤولية تسيير شؤونها الجماعية منذ سنة 1983 وتم تمديد في عمره .لذلك كان طبيعي ان تخصخص الوظائف المباشرة للاستقلاليين وللمقربين منهم ..طبيعي ان يستحصلوا على نصيب الأسد من الوظائف والبقع الأرضية والمنح والرخص وكل الامتيازات .. وطبيعي ان يطمئن اي استقلالي لخدمات أية إدارة او مصلحة مادام للحزب مسؤول ورجله في كل إدارة ...

أية معرفة نظرية او أية قراءة في  خطابات الحزب على الصعيد الوطني وبين ممارساته على أرض الواقع تكاد لا تستقيم ولا تصلح ولا ينبغي الركون على الاقل لواحد منهما ....

ممارسة الحزبين منه كانت دائما تصب لصالح الحزبين والمنظمين معهم وكلهم يعملون كجماعة مصالح واحدة وكشبكة نفود تقوت منذ استقلال البلاد الى زمننا الحاضر عبر تمكين اعضاء الحزب وكوادره من أهم المراكز والوظائف بالوزارات وبالمؤسسات العمومية في عهد كل توزير او تعيين في المناصب العليا  يكون من نصيب الحزب حتى ان الوطن اقترن عندهم بحزبهم وبانه لهم وليس لغيرهم ...

ناس الحزب طيبون وودودون لكن ليخدموك بحق يجب ان تكون معهم ليستفيدوا منك كما تود انت الاستفادة من خدماتهم ..خدمة ترهنك وتموقفك او على الاقل تبصم سجلك السياسي الحزبي ...هم اكثر من منطقين  مع انفسهم وتاريخيهم وتواجدهم الحزبي مترسخ في مشهد مغرب الاستقلال ويكاد يكون من بين جميع الأحزاب المغربية التي استطاعت ان تفتح لها مقرات في جل التراب الوطني وحتى بالعالم القروي والنائي .ويكسبوا نفوذا لهم..

ناس الحزب يرفعون صوتهم عاليا وهم يتحدثون عن مواقف فريقهم النيابي وامانتهم العامة وصحافتهم الرائدة لكنهم لا يجراون على أن يناقشوا اوضاع المدينة وتسيرها وان اوشوا بشيء فللتمويه ليس الا ...

مقر الحزب يعرف نظام مداومة مزدوجة واحدة خاصة بالاتحاد العام للشغاليين واخرى للمفتشية الإقليمية للحزب ولباقي هيئات الحزب الشبابية والنسوية والتلمذية والكشفية ودائما هناك من ينتظر على الباب او بذهليز المقر لانه دائما هناك راغب او طالب لخدماتهم وخدمة مقابل خدمة الا ان البطاقة الحزبية او بطاقة الاتحاد هي الأولى قبل اي نقاش معقول ...قد يقول قائل ان كل الاحزاب قد تشرع لمثل هذه الممارسة ونقول لو لم يكن حزب الاستقلال من اقدمها ومن اول من تسلم الحكم وراهن على أن يبقى بيده لوحده ...

العرائش ابتليت بناس يجيدون اللغة الاسبانية احسن من اللغة العربية واي تقصير او خلل يلاحظ في تسير مرفق عمومي او في الاشراف عليه شان نظافة المدينة او مراقبة الاسواق او حال الحدائق اول ما يخطر على بالهم ويتحدثون عنه هو حال المدينة ابان الاستعمار الاسباني وتراهم يتكلمون بحنين لزمن الإقامة الاسبانية وعن شان المعمر الاسباني ...ناس لا يخطر على بالهم ان ينتقدوا السياسات العمومية أو الحزبية ولا ان يرفعوا من الوعي والحس الوطني وانما هم وكانهم فقدوا القدرة على الاندماج مع كل ما هو وطني.. وطني ومع ذلك فاغلبيتهم كانوا يدينون لحزب الاستقلال ويصوتون لصالح مرشحيهم ربما فقط لكي لا يتهموا بالخيانة العظمى على انهم في دخيلة انفسهم وفيما بينهم ودائما بلسان اسباني وفي نوادي اسبانية او بمقاهي لاصحابها الاسبان او لمن ظل لجانبهم الى اخر لحظة منذ ان قرروا الرجوع طواعية لديارهم بعد سنوات على الاستقلال كانوا يلعنون كل ما هو مغربي او على الاقل كل ما يسير ويدار مغربيا ... 

كانت ساكنة المدينة التي تقارب 85.000  نسمة مع بدايات سنة 1990اغلبيتها نشيطة وفي اوج عطاءها وقد اقتنعت بان احسن استثمار وتوظيف للاموال هو في اقتناء قطعة أرضية وبناء مسكن فوقها او تملك منزل ببساطة ..كانت سومة الكراء التي تم مراجعتها من قبل الحكومة قد بدأت تعرف تصاعدا مثيرا ومقلقا وفي العشر سنوات الأخيرة تضاعف ثمن المتر المربع من الارض وان لم تستغل الفرصة الان فبالتاكيد ستعرف تصاعدا صاروخيا في ثمنها ..لذلك بدى كل من قضى ثلثي مدة توظيفه أو استخدامه اكثر اهتماما وارقا بان يتحصل على الاقل على بقعة أرضية وليعمل على بناءها لاحقا تدريجيا المهم أن لا يتباطئ وان لا يترك القطار يفوته ..من قبل هذه المرحلة العمرية كان يسال الواحد من الناس عن ان تاهل الزواج ام بعد متعثرة احواله لكنه الان كان السؤال الأكثر إثارة هو هل بنيت منزلك ام بعد في دار الكراء ...!!؟ 

كان مجتمعنا المحلي "الاصيل "يعرف بعضه البعض ويربطهم ببعضهم اكثر من رابط  عائلي او مصاهرة او جورة او نشاط مهني او انتماء قبلي وعشرة سنوات وذاكرة ..وكان طبيعي ان يكون ذلك الاهتمام المشترك بتتبع أحوال البعض للبعض والذي كان من خلاله يحصل التاثير والتأثر وما ان انطلقت الموجة الجديدة من اقتناء البقع الأرضية وبناء المساكن او شراء منازل قديمة واصلاحها حتى انخرط فيها جيل بأكمله من الأسر واصبح الكل متحسس من الموضوع ويستشعر حجم المسؤولية الملقات على عاتقه ان هو لم يحزم اموره وينطلق  مثلما انطلق الاخرون في بناء او حيازة مساكنهم الخاصة ..انتعشت حرف البناء وتجارة مواده وقروضه والاشهار عنه والسمسرة له واكتوت الأسر التي كانت مضطرة للتقشف في زمن عام سياسي وطني عنوانه التقشف وتجميد الرواتب والترقيات والزيادة في الاسعار والضرائب على تابعات السياسات الحكومية العامة التي قد لا يستوعبها الا من كان قريبا من لج نارها واعتمالها المباشر معه كما كان الشأن مع مسلسل الخوصصة والتفويت والذي جاء في إطار سياسية التقويم الهيكلي للاقتصاد كما املته المؤسستين الماليتين الدوليتين البنك الدولي وصندوق  النقد الدولي ...بل حتى من لم يفهم مدى تاثير ذلك على وضعيته الخاصة المهنية او الاجتماعية فلقد كان متوجسا من قادم الايام وغير مطمئن للاوضاع خصوصا بعد ما عرفته العشرية الأخيرة من هزات اجتماعية ثلاثة أساسية 1981 -1984-دجنبر 1990 راح ضحيتها العشرات بل المئات ويقال الآلاف برصاص حي على الآلاف المعتقلين ...

كان زمن صعب واصعب ما فيه حجم الخوف الذي كان يستشعر الواحد منا من مستقبله ومن امنه على نفسه وأحواله وذويه ..كان الجميع يعيش القلق النفسي والاجتماعي والضغوط الاقتصادية والمعيشية المتحولة ..وكانت الاسر المستقرة بالمدن والتي افتقدت الارتباط بالارض وبالعائلة الممتدة الكبيرة وبالقبيلة تشتشعر الحاجة الماسة للتحرك في اتجاه تثبيت اوضاعها وضمان مستقبل ابناءها بعد ان لم تعد تضحياتهم في سبيل تعليم ابناءهم لا تاتي اكلها في كل الاحوال وبعد ان تقلصت الفرحة بحصول ابنهم او ابنتهم على شهادة الباكلوريا لدرجة التخوف من ان يكون ذلك بداية مشوار غير مضمون في وسط جامعي مضطرب ويعاني على كل المستويات بداية مع السكن الجامعي وهزالة المنحة وغياب الرقابة الأبوية لصالح رقابة الأجهزة البوليسية المختلفة التي ترصد اي نشاط سياسي او اجتماعي بالساحة الطلابية ..

الأسر مضغوطة وتمارس ضغطها على ابناءها كمن وعت على راهن البلاد المتحول والغير مطمئن ...وكانت فرصة من ضيع فرصته في التعليم البداية من جديد في اخد تكوين مهني في أية شعبة المهم أن لا يسمح له بتضيع المزيد من الوقت كما كان يستشعروا جسامة وفداحة الخطأ الذي ارتكبوه هم كاجيال سابقة تتحسر على بقع الارض التي بيعت بارخص الاثمنة وعن دور المستعمر التي شبه وهبت بحفنة دراهم معدودات وعن الوظائف التي لم يكن يرضى اي واحد على القبول بها   وعن فرص الهجرة إلى الخارج في زمن اليد العاملة المطلوبة والمرغوبة ....كل هذا كان يبدوا انه ذهب مع الرياح وزاده الاحساس بالذل امام اسياد الوقت الجدد ..كل من يملك المال او السلطة ...

الأسر المحلية "الأصيلة "بمجتمعاتنا كانت تعيش كفاف يومها وكان البحر يجود كل يوم بما يملا الموائد وكانت البطن لما تشبع تترك للرأس وللنفس فرصة أن تبتهج بالكؤوس وبادنان الجعة الاسبانية وكانوا يعيشون العطل الأسبوعية والرسمية والموسمية بكل طقوسها خصوصا النزهة بالغابة او بالبساتين والجنانات والاغراس او بالشواطئ  البحرية وكانت تعد وتطهى   اشهى الطواجن و"البايلات"  ويقام بشي الاسماك كما اللحوم وهات افخر شراب وارقه بعد ذلك ...المخزن لم يكن يساءل كل مقتدر على الشراب ان شرب وحتى ترنح قليلا او تحدث بصوت عال وغنى او رقص ..المخزن لعله كان مع هؤلاء يتدبر نصيبه ويحصل  على حصته التي تكفل له استقرار اوضاعه المادية في زمن الرواتب الهزيلة والشبه مجمدة..

الأسر المحلية "الأصيلة "كانت مضيافة ومحتفلة بنفسها دائما بالقليل او بالكثير ..وكانت تانس إقامة العشويات والعزومات العائلية حيث يكون موعدها مع اشكال من الطرب والغناء الشعبي العفوي والرقص وقد تخصص لذلك استدعاء فرق موسيقية وغنائية شعبية ككناوى او حمادشة او عيساوى او طرب  الآلة الأندلسية كل حسب استطاعته ولا تهم ان تكون هناك مناسبة مادامت الاحوال رائقة والامور المادية ميسرة ..وحتى تلك الأسر المحافظة لم تكن لتبخل في إقامة ليالي ذكر وتلاوة القراءن تكرم فيها الطلبة والفقهاء بآية حجة المهم أن تستمع هي الاخرى بطريقتها ...

الأسر المحلية  الأصلية كانت لا تهتم بغير ايامها ليس لها مع الهم وما يوجع الصدر وعلى ذلك الأساس كانت متسامحة مع الجميع ..تعلمت درس الحياة والفت انه مهما تبدل للاسوء يعود لسابق عهده ويجود  ويروق ... لذلك ظلت منتظرة وعلى امل ان تنزاح هذه الغمامة التي خيمت على واقع المدينة وابأستها ..ظلت منتظرة ان تهدأ الاجواء المشحونة سياسيا في أغلب جهات المملكة ..وظلت منتظرة ان يكف المخزن يده المسيطرة على اعناق الناس وارزاقهم ..مثلهم مثل باعة الخضر المتجولون والباعة المفترشون الأرضيات  ومن يدخل الميناء  او سوق الجملة للخضر ليتدبر احواله ...ومثلهم مثل المعتادين على الشغل كلما دعت اليه مصالح الإنعاش الوطني ..ومثلهم مثل نساء الأندية النسوية وتلامذة التكوين المهني الذين تاخرت عليه المعونة الغذائية التي تقدم لهم كمنحة او مساعدة او كتشجيع على الاستمرار ..مجرد الاستمرار ...!؟ومثلهم مثل البحارة ساعة تسوء الاحوال الجوية في عز اجواء المطر والرياح والبرد فيقفل الميناء ...

ظلوا منتظرين وهم يلاحظون غيرهم قد مل الانتظار ولم يعد يقدر عليه ..وهم يلاحظون  الاحوال تزداد سوءا والمدينة تضيق بنازحين جدد حملوا مما حملوا معهم لهجاتهم الجديدة والغير المفهومة من اغلبيتهم ..وانضافوا الى من كانوا ينتقلون اليها دون ان يثيروا الضجيج او يلفتوا الكثير من الانتباه اذ كان البربر الامازيغ من بلاد سوس والاطلس قد اختلطوا مع الساكنة او لم ينخرطوا وانما اوجدوا لهم مكانا خاصا بهم داخلها وتجارة مخصوصة عليهم كانوا شطراء فيها وكلما قصدوا ديارهم ايام العيد الكبير عيد الاضحى عادوا بصبي جديد او احد ابناء عمومتهم او عادوا متزوجين ....بينما النازحون الجدد من ابناء جبال الريف على الجماعات القروية المحيطة بالمدينة وعلى هوامش المدينة وداخل المدينة القديمة كانوا يحملون معهم على لهجاتهم المحلية ولسانهم البربري جروحا غائرة وهموما كبيرة وعزة نفس ممزوجة بانكسار واستعداد غريب على البداية في اي شيء والكثير من القدرة على التحمل ...المدينة كما ناسها استقبلوهم ببعض اللاهتمام المتصنع ليفتحوا لهم امكانيات الاندماج وتقبل الحياة التي ليست سهلة ولا صعبة كما بالمدن الكبيرة ..المدينة وناسها رسموا الحدود من البداية ولم ينسو ان يذكروهم بها كل يوم وهم يحرصون على منادتهم  مثلما تعودوا ان ينادوا السابقون منهم في التواجد بالمدينة "السوسي " ..."اريفي...اريفية .."..   "روافة"اندمجوا  بسرعة في نشاطات المدينة وغدوا مهنا بدت هي الانشط في الحاضر فاشتغلوا بالبناء وبالاشغال العمومية ومن كان سنه او وضعه لايسمح له بتشغيل قدراته الجسمية وقواها تدبر تجارة صغيرة أو قبل بالاستخدام في الاوراش الصغيرة ومخازن بيع المواد بالجملة ..اندمجوا دون ان يثيروا الكثير او القليل من المشاكل مع المجتمع المحلي لانهم بطبيعة عاداتهم ولسانهم كانوا متنحين  عن الاختلاط والانغماس في بناء علاقات وحتى من التحق بهم كمساعد في تجارة  " ريفي" مقيم من سنوات بالمدينة او بمحل خدمته ظل محافظا على تقديم نفس الصورة عن عرقهم "المعقول ولا للتخرشيش ".."النزاهة ولا للتلاعب او الاحتيال "..

نفس اللامبالات بهم مارسها شباب المدينة في حقهم مع الكثير من نظرات الاحترام لهم وهي ما لم ينلها مجتمع "العروبية "الذي كان يحتل نسبة الصدارة في ساكنة هوامش المدينة وعشوائياتها حتى من كان منهم قد لا يجب اعتباره نازحا او مهاجرا قرويا اليها لانه ينتمي الى دواوير وجماعات قروية من نفس دائرة الاقليم وقد لا تبعد غير بضع كليمترات محدودة عن المدينة ..ربما لانهم ساهموا بأشكال في ترييف المدينة واكسابها طابع البداوة باصرارهم على حمل عاداتهم واسلوبهم في العيش معهم ولانهم وعلى لسانهم العربي صعب التفاهم معهم وصعب اكثر حثهم على التغيير واستعاب وضع المدينة وحاجياتها ..ولانهم ظلوا متمسكين بان يمارسوا نفس نشاطهم البدوي بالمدينة فغدوا أساسا تجارة الخضر والفواكه على نحو عشوائي واستمروا في تربية مواشيهم ودواجنهم بمساكنهم الصفيحية التي  تتوسع يوما على يوم لتاكل المزيد من الارض المستولى عليها بالاتفاق او بالتواطئ مع عيون السلطة من مقدمين وشيوخ ومرشدين ..وربما كذلك لانهم اسريا كانوا مزاوجين وكثير انجاب الأبناء ويتصرفون على نحو عفوي ليس فيه اهتمام كبير بمظاهرهم او باوضاعهم الصحية بما فيها نظافتهم الشخصية ومطارح سكناهم وزرائب ماشيتهم ..على الكسل الذي كان يميزهم عموما وهو ما جعلهم يزاحمون بسرعة شباب المدينة في المقاهي والحانات   ويبداون في اثارة  عيون الشرطة   باصرارهم بدورهم على أن يدخنون "كيفهم" علانية بالمقاهي وبالاسواق وبجنبات الطرقات ..كما بدو اكثر ميلا للعنف وللعدوان ويتصرفون على نحو متكثل في المواجهة او التصدي لاي تحرش بهم وبالكثير من الحمية والعدائية والدموية ..

"العروبية "كانوا يعتبرون من ناس الداخل "داخلية "وعمليا كانت منطقة عرباوة التي منها كانت ترتسم الحدود الإستعمارية بين المنطقة الشمالية الواقعة تحت الحماية الاسبانية والاخرى الواقعة تحث النفود الفرنسي بما في ذلك حاضرة الاقليم الثانية مدينة القصر الكبير ..و"العروبية "قد يكونوا من بادية المدينة كساكنة دوار الغذيرة   او اولاد مصباح او ساكنة جماعة العوامرة والثلاثاء ريصانة ....وهؤلاء  كانوا حرصين على الاستمرار في الإقامة بمناطقهم وارضهم الا من تعب من رحلة الانتقال كل يوم ليعود لاهله واسرته حين انه قرر الاشتغال بالمدينة والاندماج ضمن نشاطها ودورتها   الاقتصادية والتخلي عن نمط عيشه البدوي والفلاحي ..فتدبر سبل عيشه والإقامة بالمدينة بمحل مكترى او بغرفة سطحية او بغرف فنادق رخيصة..

"العروبية "  الذين قصدوا هوامش المدينة ليستوطنوها كانوا عموما من بوادي مدن واقاليم مختلفة اختاروا الهجرة القروية بعد ان انسدت الافق امام اعينهم وضاق بهم مجالهم  وعموما كان الفقر خيطا يجمعهم ويوحدهم وكل أسرة منهم او كل واحد منهم كان يحمل قصته معه ويطمح في فرصة جديدة ليبدا ليس اقل او اكثر ...وهم على انهم كانوا يتحدثون كثيرا الا انهم لا يخبرونك شيئا حقيقيا عنهم وعندما تسالهم يقفلون آدانهم ويدعون انهم لم يصغوا اليك جيدا ..كانوا حريصين على أن يتغدوا جيدا باي شيء متوفر وان يتصرفوا على سجيتهم وكما يحلوا لهم غير معنيين بالاخرين ...نساء "العروبية "بدون اكثر حماسة واهتماما بتدبر احوال معيشتهن والسعي وراء أية فرصة عمل او شغل ...والكثرات منهن انخرطن بشكل مباشر في القطاع الفلاحي كعاملات  موقف اي مياومات يقبلن اي شغل لجني او بذر او العناية باي خضر او فواكه ..على عكس "الجبليات" اللواتي غدين معامل تصبير السمك وشركات تلفيف الحوامض والبواكر والمتعلمات منهن كما الصنعيات انخرطن في شركة الخياطة والفصالة للملابس الجاهزة  ...

لا احسب ان نزعات قبائلية تعصبية حكمت ناس المدينة وان ظل بعض من ناس المدينة ينظر بتعالي ويتصرف بتحسس تجاه أي وافد جديد على المدينة ..لكنه لم يسلم الامر كلما احس البعض بنوع من المزاحمة في تدبر لقمة العيش بان يعلي صوته ويبدأ في لعن كل قبائل الدنيا ..كان كذلك يحدث في المحطة الطرقية وببوابة الميناء وبالاسواق وبالارضيات التي يفترشها  الباعة ..

لا احسب ان المدينة كانت ترغب في أن تبقى صغيرة منكفئة على نفسها لكنها بدت وكأنها تعاني مع كل امتداد واكتضاض لم يكن مخططا له ولم تكن المدينة مهيأة لها نفسها ولا مستعدة لاحتضانه او احتواءه .. وبدات مشاكل الازبال والمطارح العشوائية والكلاب الضالة ومظاهر البداوة والفقر تصطدم الناس بالإضافة إلى كم المتشردين والمتسولين والمرضى العقليين والنفسانين الذين يجلون الشوارع والطرقات والازقة والاسواق كل يوم وينامون جماعات بالمحطة الطرقية او باقواس باب المدينة والسوق الصغير وبموقف حمالة مفترق طرق أربعة طرق "كواتروا كامينوا "..

لم تكن مشكلة امن وجهاز شرطة بقدر ما كانت مشكلة قطاعات حكومية وسلطات عمومية ومنتخبين بدو عاجزين عن تدبر الحلول الا بسياسية التجاهل ورش الرماد على العيون كبرمجة مشكلة اجتماعية للتدارس في جدول اعمال دورات المجلس البلدي دون الخروج بآية قرارات او توصيات في شأنها ...لعل الكل اكتشف ان المشاكل اكبر منه وأنها نتاج سياسيات وارادة سياسية والكل انتظر الحلول التي تأتي من اعلى.. من المركز ..وفي انتظار ذلك تعامل كل من جانبه بما يجعله مستفيدا من هذه الأوضاع لا خاسرا خصوصا على المستوى الشخصي ...

جيلي ..جيلنا كان يعي انه سيستسلم عما قريب مشعل تسيير المدينة وهو من سيستانف العمل بكل المجالات الحيوية بالمدينة والاقليم من تعليم وصحة وبريد وإدارة واشغال ...بعد ان بدا رعيل الاستقلال  رحلة تقاعده الوظيفي والمهني .. لكن اغلبيته كان غير مرتاح وقلق من حال الوظيفة العمومية ومن حال التعينات بها المرتبطة اما بالعالم القروي او بالمدن والاقاليم النائية التي لم تكن قد إستفادت بشيء يذكر من فرص التنمية ..  على هزالة الراتب الوظيفي الابتدائي ووجوب  انتظار حوالي السنة الى أن يبدأ صرفه هذا ان لم يكن الوظيف مرتبط بمدة تكوين وتدريب بمدارس او بمعاهد وبمنح وبوحود سكن او بانعدامه ...

جيلي ..مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات كان مضغوطا من كافة المستويات ويائسا من السياسية كما تمارس في حياتنا اليومية بمنطق االمنفعية والمحسوبية والزبونية والفساد وغير مقتنع بالعمليات الانتخابية المزورة ولا بعمل المجالس المنبثقة عنها وغير راض عن التدخل العميق والمستبد  لوزارة الداخلية ولكل مصالحها في كل شؤون حياة المواطن ورزقه وحريته..ورافضا للمزيد من التطبيع مع الفساد ..وجزء من جيلي ذاك كان جد متحسس من طغيان مظاهر التاسلم والاسلام السياسي التي وحدها من كانت منتعشة من كل تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى من المتغيرات الدولية التي شهدها العالم مع بداية تصدع المعسكر الشرقي وانحدار وتفكك الاتحاد السوفياتي  ونهاية نظام القطبين الحاكمين للعالم ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...