الأربعاء، 9 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية.../ بعض من الحقيقة..


 كل صيف ينتهي افيق على خوف اكبر ويشتد توثري وتبدا الامراض الغير المعروفة الاسباب تصيبني... كل صيف ينصرم تحدث البلبلة بمشاعري واتوجس من كل شيء... الان لم نعد نقفل عائدين الى منزلنا بمدينة القنيطرة بتنا نقطن هاهنا ببيتنا الجديد بالعرائش.. لكننا مع ذلك نكون كمن نبدا رحلة عودة الى ديارنا... الى حياة اربعة جدران داخل بيتنا.. والى ترتيبات جديدة ومسلسل من اعادة التكيف والانتظام مع البرامج الجديدة للدراسة.. للتناول الطعام.. للاستيقاظ.. للنوم... لمشاهدة برامج التلفاز.. للخروج للزقاق وللقاء الاصدقاء... وللتقشف مادامنا كلنا في حاجة للادوات والكتب المدرسية وللباس يليق بالدخول المدرسي ولواجبات التسجيل المدرسي... 

كل فصل صيف ينصرم اكتشف كم كبرنا..كم كبر اخوتي وكم اضحوا مستقلين بانفسهم وبحياتهم وباصحابهم وبخرجاتهم من وجوه من يصاحبوهم ويزاملوهم دراستهم ومن ما باتوا يرتدونه من ثياب 

كل فصل صيف ينتهي يثير انتباهي شكل السيد الوالد الغادي في التبدل واقيس كم نحل خلاله وكم فسدت طباعه او على الاقل مزاجه..وكم ثخنت الوالدة التي كانت مجبورة على البقاء اغلب ايامه بالبيت 

بعد انتهاء كل موسم صيف ابدا في انزال الدموع التي حبستها في اغلب ايام الصيف على كل مطلب اعرف انه ان لم يرفض تماما تلبيته فسيقزم ويفصل على مقدار ما يراه الوالد وحده يناسبني...

وبعد انتهاء كل صيف انتهي على تنطع بشرة وجهي وعلى ظهور بهاق بعنقي وخلف ظهري وبصدري بالاضافة لسمرة حالكة تصبغ جلدي ولتلف يعم شعري...ويبدا من هنا ومن هناك ومن جديد مسلسل التنمر علي ومحاولات النيل مني..النظرات المحتقرة لما يكونه لباسي ولشكل محفظتي الرخيصة وللنحول الذي اكون عليه بالاضافة لما صار عليه طول قامتي... ومن جديد النظرات الفوقية والاحتقارية والضحكات الهازئة والتعليقات الساخرة والاجبار على الوقوف للنيل منك وجها لوجه من اولئك الذين كمن عاهدوا انفسهم ان لا يحلوا عن دربي ابد الابدين.... 

ومن جديد يعود السيد الوالد لنظام اللتر الواحد من الخمرة الذي يخففه بنصف لتر ليمونادة سوداء وليزيد عليه ايام السبت والاحاد ان كان لوحده خمس جعات...ولنظام اتركوني لوحدي ولاداعي لازعاحي بكثرة طلباتكم فانا اتعب من العمل والتحضير له ومن حقي ان ارتاح قليلا مع نفسي.... 

ومن جديد اكتشف كم ابتعد كل اخوتي عني ولم يعد لهم الكافي من الوقت لتزجيته بجانبي وتعليمي حيل والاعيب الكبار او الجديد من المهارات...

ومن جديد نبرمج عصبيا كلنا على خرجات الوالد ليشرب مع اعمامنا او اصهاره بالجنان او ببيت العائلة وما قد تعنيه عودته ثملا او مستثارا منرفزا من عربدة له لما بعد الثالثة صباحا بالبيت وقد يرفع صوت التلفاز لاخر مداه او صوة مشغل الكاسيط برغبة في ازعاج الجميع والتعبير بطريقته على انه حر وصاحب ملك له ان يتصرف بداخله كما يشاء.... 

في الصيف قد يعود متاخرا وقد ينام بمنزلهم  لكن في عودته المبكرة للبيت لا معنى لها الا ان معركة كاسرة ستنشب داخل بيتنا وبلا اي سبب يذكر وباحتمال ان يتصيد اي واحد من اخوتي بما فيها نحن الصغار ليبدا عربدته وسبابه ولعانه وقلبه للطاولة علينا...

وبعد انتهاء  سبتمبر ودخول اكتوبر اكون قد وضعت قائمة ذهنية طويلة بالمتنمرين بي وللذين لن يحيدوا عن طريقي ودائما بلا سبب او بنفس السبب هو انني لا اقنعهم لا بسلوكي ولا بهندامي ولا بهيأتي ولا بما ابديه من احترام تقريبا للجميع.. 

وبدخول اكتوبر اكون قد عرفت في اي خانة وضعني معلم اللغة العربية كما معلم اللغة الفرنسية والرياضيات وفي العادة لا اكون في الطاولات الامامية وانما في الوسط او الوسط المتاخر بما يقول ويحد من مرتبتي ومن نسب مشاركتي في الاجابات الشفاهية والمرور الى السبورة لانجاز الاجابة على التمارين 

وبدخول شهر اكتوبر اعرف الى اي حد سأمايز داخل الفصل بين من هم عن حق مجتهدين ومتفوقين نسبيا وبين من هم ابناء ذوات وموصى عليهم ومن هم في صالح المعلم ان يستفيد من وضع ومقام اولياء امورهم لذلك سيقربهم ويعتني بهم دوننا ودوني... ومن جديد يكبر ذلك الاصرار داخلي بان لا احاول فعل الشيء الكثير لانال اي رضى من اي من معلمي بل ولاجعله يعتقد في بانني الغبي والقاصر عن الفهم والاستعاب والحفظ وانني انما ابن ذالك المعلم الزميل له في المؤسسة والذي يعتمد نفس اسلوب باقي المعلمين في دفع ابناءهم للنجاح وحسب مهما كان مستواهم ضعيف او جد متوسط.... 

جلساتي بالقرب من غرفة مكتب والدي التي يجتمع بها مع اعمامي ومع ابن عمتنا الاكبر العربي واحيانا مع زوج عمتي فطوم عبدالسلام السبتاوي... ليتسامروا مع كوس الخمرة والدخان كانت تجعلني قادرا على متابعة احاديثهم وكنت اعرف الى اي حد ان عالم التعليم ورجاله الاجلاء ليسوا كلهم كذلك بفاضلين ولا بالاجلاء ولا بمن يستحقون ان يقفوا اليهم ويدعوا لهم بالوفاء والثناء... كانوا بدورهم جزء من نظام موظفي الدولة المغبونون في اجرتهم والخاضعون لنظام التسخير ولتسلط كبار الموظفين عليهم.. وكانوا في اسفل هرم من بايدهم السلطة التي تمكنهم من تدبر الاتوات والحصول على الامتيازات والهدايا والريع او لنقلها صريحة من الحصول على الرشاوي والامتيازات... لكنهم كانوا واعون بانهم في قلب المعادلة مادام ابناء هؤلاء تحث رحمتهم لذلك كان اغلبيتهم لا يتعاتقون معهم ويفرضون عليهم نظام معاملات خاص ونظام تحصيل امتيازات خاصة... كما كانت لهم اساليبهم في الضغط على ابناء من بايدي اباءهم  واولياء امورهم  بعض من مكاسب الثروة لياخدوا منها ولو بعض قليل منها لكن لا تسامح ولا تساهل في ذلك ايمانا منهم بان الكل فاسد والكل مرتشي فلماذا عليهم هم وحدهم ان يظلوا خاوي الوفاض خاضعين لنظام رواتب هزيلة لا تسد من رمق ولا تكسي من برد او تقيم حائطا ببيت.... 

لا اعرف كل ما يتحدثون في شانه على تمام المعرفة لكنني املك ان استوعبه في معانيه الكبرى وخطوطه العريضة واسخر من نفسي واسخر من كل تلك الاخلاق التي يحاولون حشر معانيها في رؤسنا الصغيرة.. وعبثا تتحول الكلمات التي تتحدث عن الاخلاق والضمير والشرف والواجب وروح المواطنة التي كنت اطالعها واتمعن في معانيها في المجالات التي كنت اقتنيها او تلك التي يسمح لي اخي خالد بان اطالعها... 

كنت استطيع التهام كل ما يقع تحث يدي من قصص ومجلات وكتب مبسطة دونما ان اجد اية صعوبة تذكر خصوصا مع اعتمادي على تجاوز ما قد لا افهمه من كلمات واعتماد السياق العام لتحصيل الفهم وهذا جعلني استسهل الدروس المدرسية وانجاز التمارين المنزلية لكن شيئا كان كالعناد يركبني ويجعلني خصوصا داخل الفصل الدراسي غير قادر على ان اركز مع المعلم ولا احاول جادا انجاز المطلوب مني... انا نفسي لطالما حاولت ايجاد تفسير لسلوكي هذا لكنه استعصى علي ايجاد الاجابة البليغة والشافية... ربما الان قد افهم عني الشيء الكثير لكنني في تلك المرحلة لم اجده غير ظرب من العناد ونشوفية الراس ورغبات مجنونة في ان اكسر خط توقع الاخرين مني... ففي الوقت الذي يثنون فيه على ذكائي وعلى مقدراتي على الحفظ السريع... شيء في يتلف او يصاب بالعطب فيحول دون ان اسعى جادا لتحصيل الفهم المناسب لايجاد الاجابة او الحل للمسالة الدراسية المطروحة امامي... خصوصا بعدما فشلت كل محاولات جعلي اصلح واعدل من شكل خطي ورسمي للكلمات... لعلي في كل تلك المرحلة كنت احاول توجيه الانتباه لما اعانيه من تشوش وبلبلة نفسية ومن مشاكل تكيفية حقيقية مع اقراني ومع كل الوسط الذي اعيش فيه... كنت لعلي انتظر الاهتمام بي والنظر الي وتخليصي من الوضع الذي اوجدني اهلي فيه والذي هو ما اهلني لان اكون المتنمر عليه وليس المتنمر.... 

ما كان عندي مشكل في تعلم اساسيات اللغة الفرنسية اول ما اصبحت تدرس الينا في مستوى الثالثة ابتدائي لكن ميلي للقراءة باللغة العربية ما جعل مستواي فوق المتوسط الى لا باس به ولكنه لم يرقى ليكون جيدا لكن صرامة معلمي ومعلمتي والتميز الذي كنت اشهده والمسه عن كثب بين تلامذة الفصل قوى في الرغبة في التمرد ودفعني لاكف عن القيام باي مجهود حقيقي واعليت كتفي بتلك اللامبالات وقلت مع نفسي فليكن ما يكن لن اهتم ولن ابالي ولا نظر ما عساه السيد الوالد الذي لا يفكر الا في نفسه فاعلا بي.... ولعل هذه هي الحقيقة الوحيدة وكل تفسير لما حصل معي طوال فترة تمدرسي الابتدائي ولما جعل احوالي التمدرسية دون المامول من واحد مثلي.... 

لم يكن في غالب الامر يتعلق الامر بمقدراتي وفعالياتي العقلية والادراكية وانما بنظرتي لنفسي وبنظرة غير راضية على سلوك الوالد تجاهنا جميعا... كنت صغيرا ربما في السن لكنني ما كنت كذلك لكي لا اعي وافهم واحلل ما يحصل معنا ولا لادرك لماذا علينا نحن بالضبط ان لا نكون مثل غيرنا.. مثل جيراننا ومثل عوائلنا... لماذا علينا ان نتجرع المهانة والاحساس بالشماتة او بالشفقة بعد كل عربدة يطلقها السيد الوالد وبعد كل معركة في وسط الليل وصمته يفيق بها الجيران ويجعلهم يخرجون الى الدرب ليتابعوا تطوراتها او ليحاول منهم من يتدخل ويفضها بادخال الوالدة الى منزلهم او لمحاولات استعطاف الوالد من ان يلعن الشيطان....؟!!  لماذا بسبب او بلا سبب ظاهر يعلوا في بيتنا السباب واللعان ومعزوفة " طلقني ان كنت رجلا ودعني امضي لحال سبيلي ها انا واياك بالله وبالشرع...   "

ابدا لم يكن سهل على اي واحد منا ان يبتلع فطور صباح مثل تلك الليالي ليتوجه الى مدرسته ويعبر الحي ويقابل ناسه وناس الاحياء المجاورة التي جاءت بدورها لتتفرج على حالنا وان يملك ان يتصرف وكان لا شيء حدث وان الحياة طبيعية وقابلة للاستمرار على انها طبيعية....وان ادخل انا الفصل وان استجيب للسيد المعلم عندما يطلب منا فتح كتاب المطالعة او نقل كتابة نص القاعدة التي رسمها على السبورة وكانني انا هو نفس تلميذ البارحة او قبل البارحة او وكانني كاي تلميذ نام في بيته هادئا واخد فطوره وقطع الطريق الى المدرسة ويجلس الان طاولته وما عليه الا ان يفتح قليلا عقله وسيتمكن من انحاز المطلوب منه...لا محال ان ينتظر مني ان اكون انا مثل اولئك ولا ما كنت عليه قبلها على طول ايام الاسبوع الفارط بعد ان بدات احاول استعادة صفائي الداخلي من اخر معركة نشبت بالبيت وعشنا بمرارة وحرقة تفاصيلها وتطورتها.... 

لم يفعل السيد الوالد اي محاولة جادة ليحد او يردع المتنمرين بي والذين كان يحدث ان يراهم محاصرين اياي بمدخل المدرسة او بمخرجها... كنت ادرك انه غير مبال الى بالصورة التي كونها ويسعى بكل حهد للمحافظة عليها انه المعلم المقتدر والغير العنيف مع تلامذته وانه المعلم النموذجي المحبوب والمراعى من الجميع.... نعم انا نفسي اشهد له بذلك واشهد ان هذه كانت صورته المعروف بها لكن الى جانب صورة اخرى لا تقال في وجهه وانما تتناول من الالسنة للادان وتطوى جانبا كي لا تثير حفيظة من له مصلحة في الوالد... كان الكل يعرف عنه ان سكير.. عربيد.. وجبان.. وقليل التربية و"مشي راجل بش يضيع فلوسوا على الشراب وخلي والدوا ناقصين... "

لا اعرف لماذا كنت اعاقبه في واعاقب فيه اساسا رحل التربية والتعليم مع انني ساكون الخاسر في منتهى الاحوال... لكنني كنت هكذا....  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...