الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

يوميات: مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) .تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"

 قررت ان اخرج للعلن ..."فاطمة"بنت خالتي كانت مكايسة معي ..انصتت الي جيدا كنت احدس ان كلامي غريب عليها ..لم تتعود مني ان احدثتها بمثل هذا الشكل التقريري ولا خارج احاديثنا عن دائرة علاقاتي واحوالي النفسية ...كنت اعرف عنها قدرتها على تدبير الامور في راسها وبعد نظرها ورؤيتها .."فاطمة "لم تكن ابدا صبية حمقاء رعناء ..كانت دائما صاحبة العقل والحكمة والتدبير والمهتمة الملتفتة لكل من حولها ..تساءل حال هذا وتطمئن على ذاك ومستعدة لتخدم اي احد بكل كرم واريحية ...مع نفسها كانت تقنع بالقليل ..كان يكفيها ان تنال رضاهم عنها لتشعر بأنها في قمة السعادة وتتحرك لتهيء فراشها على الارض موعدة نفسها باحلى راحة ونوم ...كنت اعرف من مجرد النظر الى وجهها حتى ولو اشاحت عني بعينها انها لم تنم ليلة أمس وأنها حتما بكت بصمت وبلا أدنى تعبير ..فقط تركت الدموع تنسدل على خديها وتمضي ابعد من ذلك لدقنها ..لعنقها ... "فاطمة "استنكرت علي استفهامها عن سبب تارقها وبكاءها..حزنها ..قالت لي :"وش كيصحبلك انا حجرة مشي انسانة حتى انا ...(وتضحك وتبرق عينها من جديد بكل حب )وش انت كيصحبلك فاطمة هي هذيك لكتشوفها غير كتضحك وكتبان لك ضاربا الدنيا بباطا (اي برجل )....."

"فاطمة"كانت منتبهة لكل ما يدور من حولها وصاحبة ذاكرة جيدة تعقل جيدا الوجوه وكل ما دار منهم او حولهم من احاديث ..كانت لها قدرة عجيبة على  ان تدير الحوارات والاحاديث النسائية ودقيقة في ملاحظاتها مما كان يجعلها غير اعتيادية وصاحبة رؤيا خاصة ورؤية تنبئية بالاساس وعلى قدر من الحكمة في توجيهاتها ...

انا لما حرصت على المقدم لطنحة وبتوصية من اخي "فؤاد"الذي أشار اشار علي بان اسعى الان لاظهار بعض مما اكونه لم يخالجني التردد  لحظة واحدة كما لم اشعر بالتخوف..كنت في غاية الاستسلام كما على اهبة الاستعداد لما سياتي ..كانت ثقتي في نفسي عالية لكنني لم استطع ان امنع قليلا من القلق من ان يتملكني ويستعجلني على الرهان على اكثر من قلب بنت خالتي"فاطمة "..الرهان على أن تقتنع بي ...كانت تقول لي :"انا وخا مفهماش هذ شي لي انت  نوي تديروا  وانما عجبني اذا انت عجبك ..تعقل شنوا كنت كنقولك على المجلات لكنتي كتمشي انت وآسية تشرويهم ولا تكرويهم من عند مول الزريعة فالاول ما كنت فاهمة علاش كتحمق راسك في قرايتهم ومن بعد انا وليت كنجي عندك تقرا لي شونوا فيهم وتشرحلي انا من ثم عرفتك كبرتي وولتي كتعجبني بالصراحة ديال الله ..انا اي حاجة فيها القرايا وفيها النشاط والمسرح وديك شي كلوا انا معاك فيها ..ديرها .والله "..   

كنت اخجل من نفسي وعوض ان اتخلص من قلقي يزداد توتري وغيضي من نفسي ..لا اعرف لماذا لست بقادر على ان افرغ كل ما يدور في راسي دفعة واحدة وارتاح ..؟! لماذا حتى مع اخي "فؤاد"اعدم القدرة على الإفصاح بكل شيء وحتى عندما كان يستشعر في الحاجة للتخلص من مكونات دواخلي كان يداورني ويجعلني احرص على التكتم حتى وان كنت لاعاني الضغط والقلق ..

كل الذي كنت احدسه جيدا هو ان الدرب امامي طويل وشاق وانني في معظمه ساجتازه لوحدي ..المفروض في ان اتحمل عناء قطعه لوحدي وان ادفع ضرائبه لوحدي ومني ..كنت في حاجة لان اتزود بالكثير من الحب والصور الجميلة لان طريقي سيكون تاراة  موحشا ومقفرا ...كما كنت بعد الطفل الذي استهوته عوالم "سيرة حمزة البهلوان"وحكايات "الف ليلة وليلة " ولا يستطيع ان يغادر الى أي مكان قبل أن يستادن أحبته وناسه الطيبين ويستودعهم مخاوفه ليحملوه ثقتهم ودعاويهم له بالسلام ...

لم اكن مسافرا بآية حال الى أي مكان آخر ..كما لم اكن بمغادر أي مكان لاخر ...لكن ان احول اتجاهي وان اغير طريقتي في التعامل وان اقلب نظرة الناس لي نهائيا وان اعلن عن جزء من نفسي الذي ظللت اربيه وارعاه في خفاء واحمله متواريا داخلي واتحمل عناء الصراع به ومعه دون ان اجرا على الاقرار بذلك او البوح به وان اعود لادير الصراع من جديد مع اقراني ومع من حولي لم تكن مجرد خطوات لاقطعها بثبات كمن يعبر شارعا او ساحة ... 

مع "الشريف "و"الكراب"بالخصوص كانت علاقتنا متينة ومستقرة ومتحولة باستمرار اي غير قابلة للذبول والموت ...عرفنا جيدا كيف نتقبل بعضنا البعض ونستوعب نقط ضعف كل واحد منا بنحو ان نطورها معا لتصبح نقط قوة مركزية...ربما لم تعد من هموم التمسرح وتكوين فرقة تمثيل تجمعنا تثار  بيننا ..كما ابتعادنا عن فضاء دار الشباب مع حرصنا على أن نتابع كل الأنشطة الاشعاعية الثقافية من محاضرات وندوات وسينما ومسرح وموسيقى لكن باتفاق على أن نبتعد عن ان يتم اقحامنا في داخلها ..حتى النقاشات لم نكن نشارك فيها الا فيما بيننا ..كان اقتراح مني ان نترك بين ما كان يشكل بؤر اهتماماتنا ونشاطتنا ويستهلكنا النقاش والحديث والحلم حوله ودائما ما يكون سر انتقاد اهالينا لنا وبين حاضر نقيم فيه تجاربنا ومشاريع احلامنا كما ذواتنا ..حاضر نحاول فيه الاهتمام بجوانب نقصنا ..ونسد فيه ثغراتنا المعرفية والفكرية والثقافية ..حاضر نوجه فيه العناية لتوسيع نظرتنا لكل ما يؤثت فضاءاتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية عبر أن نقراء ان نطالع ان نتكون معرفيا وان نطور من مقدراتنا على التعاطي مع كل ذلك بالنقاش والحوار والتفكيك ...كنا نستشعر اننا نكبر بسرعة وتكبر معنا مقدراتنا على استعاب الامور ومعرفة كيفيات تحليلها ونقدها ولم يعد مقبول منا او علينا ان يتم استغلالنا او التصغير من شاننا او احتواءنا في القوالب الاجتماعية الجامدة ...ظللنا حريصين على أن نلتقي وان نتبادل الكتب والمجلات والدوريات وعلى ان تتناقش ونتجادل  وعلى أن نخصص اوقات اخرى لمجرد الحديث عن انفسنا ..عن افكارنا الخاصة ..عن تلك الاحلام البسيطة في اكتشاف الحب والعيش بسلام ..

تقبل مني صاحبي اقتراحي وعملنا كلنا على انجازه والتطوير فيه وهكذا استطعنا أن نحتوي من جديد كل افراد مجموعاتنا  الذين كان مقدر لهم ولهن ان يحولوا  اتجاههم بمجرد العبور من وضعية تلميذ بالمستوى الابتدائي الى تلميذ وافد جديد على المستوى الاعدادي ..هذا دون ان ننسى التحول الاهم والفارق فينا جميعنا وهو التحول من فترة الصبى الى فترة البلوغ والمراهقة ..انا عمدت بهم شديد وتركيز حريص على أن لا اقطع علاقاتي وصلاتي بكل من صاحبته واتخدت منه مكانة الصديق حتى من من كان يعتبر شبه مستحيل ان يستمر على علاقة بي ..اذكر كم من واحدة انقطعت عن الدراسة معنا في المستوى الرابع او الخامس ابتدائي للتتجوز ...ودون ان تعتبر صغيرة في العمر بل محضوضة لان من يكبرنها عمرا بعد بطاولات الدروس يمكثن غير مدركات بالمرة لما عساهن يفعلن بذهابهن وايابهن الى المدرسة .ولا لما لزوم التعلم مادمن سينقطعن عن اتمامه مع اول فرصة زواج متواضعة ...بل وحتى اي فرصة المهم ان يتجاوزن الإحراج الذي اخدن يعانين منه بعد وصول جيل جديد من التلميذات الى المؤسسات التعليمية جيل من الاناث الكاعبات النهود والرشيقات جدا عوض عن شكل النسوة الذي غدون هن به ...كان جيل  جديد يلتحق بالفضاءات العمومية ويؤثتها بألوان جديدة وملابس جديد واشكال جديدة من السلوك ...وكان جيل الاخريات مفضوح وقديم بجلاليبهن وغطاءات شعورهن بالياقة الوردية او البيضاء التي تقاربهن من العاملات على قريناتهن الجديدات من التلميذات ..

"فاطمة الحدادي "كانت من رفيقاتي المفضلات لم تكن تكبرني بغير ثلاثة سنوات لكنها تجوزت قبل أن تنال شهادتها الابتدائية .."نادية بلحجام "عبرت لي مرات عن كامل احراجها بجسدها الانثوي الممثلى والذي يشابه شكل امرأة متزوجة في احدى المرات قالت لي انها تعرضت لكم من  الاحراج صحبة والدها العامل المغترب بخارج ارض الوطن  عندما كانوا يحسبوها زوجة أبيها وليست عن حق ابنته ...  

كنت مدافعا عن وجهة نظري امام صاحبي "الشريف "و"الكراب"انا لم اكن لاصدق فقط في الهرمونات وأنها سبب تحول الاناث الى ناضجات ..ولا مع حقيقة أن البنات والذكور كانوا يقبلون في عمر السابعة في اول الصفوف الدراسية وان متوسط الرسوب مرتين في الحياة المدرسية الابتدائية وان الحاصلة على الابتدائية والمتوسطة الى الاعدادي اقل سن تحمله سيكون على ذلك في أدناه أربعة عشر ...كنت اقول لهم بعمر الأربعة عشر بعد نحن اطفال للتو بلغنا الحلم او لم نبلغه ...كنت استحضر بيني وبين عيني صورة وشكل ابنة خالتي الغالية "آسية "كانت تبدوا امرأة ناضجة مع انها بعد مراهقة صغيرة في عمرها الحقيقي ...واقول لاصحابي العلة ليست فيهن ولكن في المجتمع بالاساس وفي اسرهم بالخصوص وفي امهاتهن بالضبط اللواتي  لم يكلن من جهد في تسمينهن وتبليغهين وفي حشو رؤسهن بقواعد الطهي واعداد شؤون البيت وفي حشر كل طاقتهن في تربية اخواتهم الصغار  اما في العطل فيقمن بارسالهن لدور معلمات الخياطة والتطريز والفصالة ..اقول لصاحبي وانا استحضر "كليلة ودمنة "لابن المقفع وقصة الثور الذي يسمن من اجل الخروج للحرث ..ان امهاتهن لم يفعلن اكثر من التعجيل ببلوغهن وتنضيجههن ليرتحن منهن في بيوت ازواجهن ولينشغلن من جديد في تهيأت اخواتهن لنفس المصير وبنفس الأسلوب المطبخي ...كنت اقول لهما ان ينظرا لامهاتهما اللواتي لا يثرن الدهشة بان اولادهم بمثل عمرهن او يقاربهن وهناك من قد يخطا في تقدير من الام من الابنة ...وكانت الواحدة منهن لا تصدق ان تسمع من نسوة العائلة أو الجيران او معارفهن انها كبرت وأصبحت عروسا لتطير فرحا ولتصبح في اول صباح  العطلة الأسبوعية   كثلة من النشاط الذي لا تمل من توزيعه على كل اركان وجنبات بيتهم وهي تهيا نفسها للمزيد من المدح والاطناب من نسوة الحي اللواتي لا يفوتن مثل هذه الفرص لفتح عين الانثى على موضوع الزواج ...كانت الواحدة تدرس معنا بشكل عادي وفجأة لا تعاود الرجوع بعد العطلة الفصلية للمدرسة وفي اقل من عام تكون قد أصبحت اما وكذلك في العام الموالي وبعد اقل من ثلاثة سنوات يصبح شكلها شبيها بشكل امهاتنا نحن بكل كثلهم اللحمية وبكل روائح الطبيخ وحالة صباح او مساء يوم الحمام بتركيبة الحناء المخلوطةو الموضوعة على رؤسهن وبعودتهن الى الاهتمام بقدم ارجلهن وتكريطها من يبوستها ...كان الزواج الهم الوحيد للبنات وامهاتهن وكل واحدة تعتقد في نفسها أنها مؤهلة له بمجرد ما تدخل البلوغ وتحيض وتبدا في الاختلاء بنفسها لتغسل وتفرك بين اصابع و راحة كفيها اخرق دم الحيض ...كنا بالتاكيد نحب امهاتنا ونسوة كل العائلة والجيران لكننا بيننا وبين انفسنا غير راضين على احوالهن واميتهن وعوائدهن وكان صعب علينا تصور ان البنت التي نتصور اننا نحبها غذا ستصبح سمينة وستكف عن ارتداء تنورتها وكسوتها الجميلة لمجرد جلباب وغطاء  للشعر وقفاطين للاعراس والحفلات...

"فاطمة الحدادي"انتهزت اول فرصة للقاء بها وكانت وهي تحمل مولودتها الأولى وكان شبه مقبول ان اقف لها لابارك لها فكاكها من الحمل على خير لاوجه  العتاب اليها ولاذكرها بوعود الصداقة التي قطعناها لبعضينا واين نحن منها ..ومن يومها حرص كل واحد منا ان لا يفوت اي لحظة تلاقي بيننا دون ان نقف لبعضينا ونجري اكثر من حديث بيننا ..اما "سميرة بلحجام "فلم يكن هناك مانع في ان اظل حريصا على زيارتها ببيت اسرتها على اننا لم نعد زملاء في الدراسة ...كنت مثيرا للاستغراب من جميع من يعرفني او يتعرف علي خصوصا في موضوع حرصي الشديد على أن ابقي على سابق كل علاقاتي مفتوحة بل ولاطورها وكنت من جانبي غير مستعد لاناقش دوافعي في ذلك على الاقل الخاصة ..

مع مجموعاتنا ومجموعتي الاقرب بمثل ما حافظت على تقاربنا وبقاء علاقتنا دائمة كنت اعمل على تطوير انواع تعاطينا مع بعضنا ربما في احيان كنت مستفزا في بعض مطالبي وكثرة الحاحاتي لنغير من اشكال تعاملنا ومن نظرتنا للاشياء وللامور وهكذا شيئا فشيئا اصبحنا مقبلين على بعضنا البعض بعقليات جديدة وكنت منبها اياهم الا اننا لن نكون في كل الاحوال مرحب بنا واننا سنقابل بالرفض والصد من العددين وان هناك من سيحاول محاصراتنا ...كنا نعرف انه بمجرد خروجنا عن دائرة تواجدنا وتحركنا المعروفة والمقدرة نسبيا سنقابل بالشك  والريبة والتدخل اللاحق الذي يمكن أن تترتب عنه إجراءات شديدة كحظر علاقتنا ومنع اجتماعنا ببعض لكن كان علينا أن نتحدى وان نكون في مستوى تحدينا .. كان الاهل لا يملون من توحيهنا نحو مجرد الدرس والحرص على النجاح لضمان مستقبلنا والمدرسة وادارتها لا تتنازل عن استعمال اي أسلوب من اجل الزامنا بالحضور والدوام والانضباط واباءنا عموما كلما لمحونا في مكان بالخارج لا يتبادر لهم من سؤال غير :"هل اديت الصلاة ..؟" انا على كل لم اكن لالجا لاحتيال اصحابي واداء صلاة دون صلاة سابقة او لاحقة او بدون مناسك الوضوء والطهارة فوالدي الحريص تماما على اداء صلواته وتلاوة القراءن على الأقل مرة اسبوعيا لا يفوتني كما لا يفوته انه سكير حد العربدة وانه مدام لقنني كتاب الصلاة والطهارة  فالامر قد خرج من بين يديه وأمر أن اتيها او اتخلف عن اداءها متروك لي ...ربما كنت احتال في الصيام وعادة على نحو كنت اريده مكشوفا لانني في داخلي لا احمل الحادا او جحودا وانما احمل الكثير من علامات الاستفهام حد انني لا اشعر بالوفاق مع هذا المجتمع الذي اعيش بينه من كثرة التناقضات التي كنت ارصدها واغبن فيها ...

 لم اكن الا في ساعات مخصوصة افضل البقاء فيها وحدي والتسكع وحدي لكنني في الغالب برفقة اخر وفي دائرة سكناه ووسط منطقته وبين ناسه وعادة لا اتحدث الا لما نقف عند جانب من الطريق او على ناصية بالحي تفاديا لإثارة حفيظة الكبار الفضوليون جدا والذين يتصورون انفسهم على دراية بكل شيء وعلى استعداد لتوجيه الدروس للجميع ... كما حريص على أن ااسس لعلاقة تزاور بالبيوت ليتعرف ذوي صاحبي او صاحبتي على من يكون صاحب ابنهم او بنتهم لكن دون ان أظهر لهم حقيقتي كما اعرفها عن نفسي ادعهم يكونون عني تلك الصورة الاجتماعية النمطية :"ديري مزيان مربي مادب باه معلم وختوا كيقرو .." 

صاحبي "الشريف "و"الكراب"تفطنا لاحقا لكم استفدت من علاقاتي تلك كان بمامن معي من اي تعرض او تحرش في اي جهة أو منطقة بالمدينة او بالشواطئ البحر او بالغابة لان دائما هناك اكثر من واحد اعرفه ويعرفني ويسهل عليه تذكر انه راني ويراني صحبة فلان من حيهم وبفضاء حيهم وهو ما اكسبني بعض الاحترام والحرية في التحرك دون مضايقات او تعرضات ..كنت شخصا معروفا ومقدرا لانه لم يكن من اليسير ان ترتاد حيا ابعد من جهتكم السكنية وتسرح فيه دون ان تتعرض للاشتباه وللتحرش والاستفزاز ..وان تستطيع اكثر التقرب من شخص والدخول معه لمسكن اسرته لتتكشف عليك امه وإخوته البنات لا يعني غير انك على مستوى عالي من الأخلاق و الثقة التي توضع في الحسبان وتقدر منك ..على أنني كنت اشجع اصحابي على أن يخلقوا لي روابط للتعرف على ابناء حيهم ومنطقتهم المقربين وكان شائع ان يتوصى بك رفيق لرفيقه لان الشارع لم يكن يرحم ولا احد فيه يستسيغ ان يلعب فيه مجرد دور الضحية بل كان الجميع ميالا لاظهار الكثير من العنف وعدم التسامح ..

بقيت علاقاتي داخل الاعدادية مهزوزة ودون مستوى المتوقع مني حتى من اقرب اصحابي ..كنت شبه وحيد ودون صاحب او رفيق ..وحدها علاقاتي مع صاحبتي ومع رفيقات طاولة الدرس من حافضت عليها وفي حدود متحفظة او مصطنعة كما كان شان بيني وبين البنت التي صممت على أن أعيش معها الارتباط وان تكون صاحبتي بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات في قاموسنا الشعبي المجتمعي .."سناء "جالستني في كل سنة دراسية من الثلاثة سنوات التي امضينها الى الان مرتين في كل حصص دراسية موزعة على حسب مواد تعلمنا وعلى اختلاف موادها لم نكن نختلف في اسلوبنا الظاهري المرتب بيننا لم نجعل اي واحد بعيد عن مجموعتى القريبة يعرف بشأن علاقتنا ببعضنا كنا اكثر تحفظا ومراعات للاعتبارات الاجتماعية والنوعية بيننا وكنت اقبل بالهزء مني بمحضر باقي زملاء فصلي وانا اكثر واحد بكل المؤسسة يجالس بناتا بطاولات الدرس ويزاملهن ولم يرتبط باي علاقة بأي واحدة منهن ولم اكن ارد عليهم لانه كان يهمني ان يروج عني مثل ذلك الكلام واللغط ..كما انني لم احرص على ان ابدي اي اهتمام بآية لعبة رياضية جماعية او فردية بما في ذلك حتى العدو مع انني كنت احرص على القيام به في الغابة القريبة من منطقتنا السكنية وحدي وصحبة اخوتي ليس غيرهم وعلى انني كنت اذخن ولايام متتالية لكن دون ان أصبح مدمنا على التدخين بعد لكنني لم اكن لاخالط او لاظهر سلوكي ذلك امام جماعات المذخنين من التلامذة ..وحال ذلك بشكل اوتوماتيكي دون ان يمكنني من انشاء علاقات مع تلامذة فصلي او المؤسسة خصوصا وان اغلب من درست معهم الفترة الابتدائية كانو يلتحقون باعدادية غير اعدادية "الامام مالك "التي ترجيت من عمي "محمد"ان يسعى لي عند والدي ويدبر معه شان التدخل لي لقبول انتسابي لها عوض اعدادية "الحسن الثاني"المفروض أن أتوجه اليها تبعا للمؤسسة الابتدائية التي احتزت منها امتحان الاشهاد الابتدائي ..كنت اعرف انني اعزل داخل فضاء الاعدادية من اي دعم او مساندة الا من بعض تعاطف بعض الكبار الذين كانوا يتدخلون من تلقاء أنفسهم لمنع التعرض الي بالهزء والسخرية ومحاولات التحرش البدني بي ..وضعي ذلك جعل حتى بعض استاذتي ياخدون موقفا غير متسامح معي كانوا يرون مني كثلة ينقصها الاشعاع والاعتزاز بذاتها ومنهم من راى في ذكرا ينقصه الكثير فانا لا احاجج ولا اشاكش ولا أدافع عن نفسي ضد تنمر اقراني وغيرهم بل وصل الحد حتى ببعض البنات ان يبدان بالتطاول علي والهزء مني ..كنت الحظ جيدا كيف يتدخل المزاج العاطفي للاستاذ او الأستاذة في توجيه حتى النشاط الشفاهي داخل حجرة الدرس كيف انه مادمت لا اروقه يهملني ويبثر حتى شقي في الرد على سؤال الدرس ليمكن اخر غيري من الرد والحواب والافاضة فيه ...وكنت اواجه تشدد الإدارة معي كلما ابديت انني منضبط لكنني غير متكيف مع الجميع وانا بيني وبين نفسي كنت منغمسا في الحفاظ على نفسي باردة وانا متقمس أسلوب اخي "فؤاد"الذي لم يكن في حاجة للأضواء مادام يعرف نفسه جيدا ويقدر مقدراته ومواهبه وطاقته ..ربما في أجزاء مني كنت غير قادر على التماهي اكثر مع اخي "فؤاد"وربما هذا ما جعلني غير حريص على أن اكسب تعاطف بعض اساتذتي خصوصا من كانوا قد بدؤا لا يستسيغونني ولا انا استسيغهم  ومنهم مع عدم بدلي مجهودات مضاعفا لتغير نظرتهم الي بدؤا يفقدون اعصابهم معي ويثور  في وجهي بسبب وبغير سبب واجدين في الكثير من السلبية والانطوائية حد التصرف كالبنات ..وكنت احب ان اسجل انتصاري عليهم بان ادعهم يغلطون في حقي دون سبب وجيه وموضوعي خصوصا لما اكسب تعاطف جماعة الكبار والبنات المعبر عنه بالكلام او الترتيب على الكتف او الظهر او بمجرد تقابل النظرات ...كنت متعودا أن لا أحمل معي هموم المدرسة للبيت او اثقل بها صدور اصحابي وصاحباتي من مجموعاتنا فانا دائما على موعد مع كتاب او رواية او حصة استماع او لزيارة صاحب قديم ...

بمجموعات كانوا يعترضون طريقي سواء ساعة انتظار الدخول للمؤسسة او بساحتها في فترة الاستراحة او بساعة تغيب أحد الأساتذة عن الحضور دون اعلام سابق او باعلام معروف للجميع لكن يتعذر معه ان نعود الى بيوتاتنا والاياب منها في محيط نفس الساعة لاستكمال باقي الحصص الدراسية ..وكان سبيلي الوحيد للدفاع عن نفسي هو الانسحاب وتغيير مكان وقوفي وعدم الرد واظهار اللامبالات والانطواء على نفسي ..كان من استاذتي من حاول الاشتغال ببعض الذكاء والحيل النفسية ليثيرتي وليختبر نفسيتي لكنني لم اترك له فرصة النوال مني ولا هز دواخلي ...كان يهمني اكثر ان استترك وحدي وان يركنني الجميع على جانب من كل انشطتهم وان لا يحسب لي حساب من لا يستهان به لكي لا يتحفظو في شاني ولكي يظهروا لي بالمقابل حقيقتهم و لكي يتمادوا في التعبير عن أنفسهم دون مراعاة انني انتبه اليهم واسجل عليهم نقط ضعفهم ونقصهم واخطاءهم الفادحة ..حدث في اكثر من مرة ان اتت واحدة لتنبهني من ان فلان ينوي اعتراض طريقي ساعة الانصراف المسائي او الصباحي وكنت اشكرها واطمئنها على أن الأمر تحث سيطرتي لذلك لا تبالي بما لن يحدث اكثر من المقدر له بأن يحدث ...ساراوغ الامساك بي وشدي من ثيابي وساكمل مسيري ولن استفز لاستفز من يريد استعراض عضلاته علي وعلى كل هو بعض الهزء والسخرية والتحقير مني ما سيكون نصيبي كما تعودته لا غير ...صاحبتي وبنت جيراننا وزميلتي منذ الدراسة الابتدائية اصبحت حانقة علي لم تتعود ان تراني على هذه السلبية والاستسلامية وفي اليوم الذي وجه الي مدير الاعدادية السيد"البقالي "سيلا من الاهانات وطلب من الحارس العام التكفل بالباقي لا لشيء فعلته فانا لم اشاكش ولم اتحرش باحد ولم اخل باحترام اي شخص كل ما هناك ان جماعة متنمرة كانت تتقادف بي وتتلاعب بي ونحن في زحمة الخروج وصادف ان تعمدوا لدفعي لاصطدم بتلميذة ثارت مستنكرة فنبهت المدير الذي امسك بي ..."نجية "لم تقبل مني  استحمالي كل اهانات المدير وتهديداته وسخرية المتنمرين ودون حتى ان اجرا على الدفاع عن نفسي وقالت لي :"وبزاف على خوف هذا ..بقيتي كتباني كبحال الا مشي ..."وصمتت دون ان تكمل عبارتها التي وصلني تمام فحواها ..."  مشي راجل .."

كنت اردد مع نفسي وداخلي :"ايه مشي راجل بصح انا عرف راسي مليح شكون انا وحتى انتي واصلك الخبار وشيفاني بعينك قداش انا راجل وارجل منهم  ..."اعتذرت مني "نجية "في اليوم الموالي وكبرت في عيني كنت اعرف انها لم تقصد بدورها الإساءة إلي لكنها من معزتها لي لم ترضى علي تبهدل حالي امام الجميع ...

لم تتحول الاعدادية الى جحيم كما كانوا يراهنون على تحويلها لي كنت احصل على نقط فوق المتوسط الى لاباس بها وفي جميع المواد دون استثناء وذلك كان يكفيني لاثبت للجميع بانني خارج التوقع بان اتعب وامل وابدا في التفكير والعمل على ترك الدراسة مثلما يحدث مع ذوي الظروف الصعبة والحالات غير المتكيفية ...

لم اكن قد تعبت في  كل حال لكنني اتعبت من حولي بما يكفي كما أردته ..اصبح العديد من المتنمرين علي غير مهتمين من التنمر علي.. تقبلوني على حالتي الهشة وهكذا تركونني من تلقاء أنفسهم بينما كنت اضع نصب عيني عددا من استاذتي الذين ما استسلموا ولا تركوني على شاني انا وعقدي وتخنثي وضعف شخصيتي ...بل حتى يعتقد الكل انهم اخفوا علي الا وحسب مزاجهم السيء يندلعون في وجهي على اتف الاسباب ودون سبب واضح بالمرة ...كانت علاقتي بهم مختلفة حسب ما انا اردت توجيهها اليه وكما كنت اتظاهر فعلاقتي بهم كانت غير طبيعية فكلهم وضعوني في خانة الاستثناء السلبية وانا تعمدت بان اجعلها لا تخرج عن تلك الخانة فاجوبتي دون المتوقع وحتى من يسايس معي اظل اداوره في الكلام الا ان اصمت كمن إصابته جبسة وفي المواد المفترض انني ابلى جيدا فيها اجيب كمن اتفق وعلى اسوء  من المتوقع وحتى عندما لا يكون هناك مجال لاغش افتعل الغش وعلى نحو مكشوف لاضبط ...كنت اريد ان ارسخ الاعتقاد بانني اخرق ومتهور وليس فقط معقد وغريب الاطوار او مريض نفسي او اعاني من مشكلة في هويتي الجنسية وكان وحده نجاحي في ذلك يهبني اثمن الفرص لادرس سلوكهم تجاه الحالة  التي اتقمسها وتجاه  الموقف الذي احشرني فيه ...

كان الجميع حتى اكثرهم تحفظا يتكلم ويتحدث عن ما يرقوه وما لا يرضى عنه من سلوك الأستاذ او الأستاذة الفلانية وكان كلا الجنسين يركب الغوغاء والتحامل ليعلي صوته ويجاهر برايه في الأستاذة وطاقم الإدارة التربوية وكنت لا اكلف نفسي العناء لاتعرف على اراء اي واحد منهم خصوصا بعد كل حادثة مستجدة لانها كانت تكون حديث كل الساحة الاتي والاول ...ولطلما اثارني السلوك المتكرر والطابع المترسخ في شخصية الاستاذ لم اكن لاتسرع في اطلاق الاحكام حتى بيني وبين نفسي كنت ببساطة انقل موضوع السلوك لافراد مجموعاتنا خصوصا الاقرب مني لنتناقش فيه ولاستجمع أكبر قدر من الرؤى حوله ولا يهنى لي بال الا بعد أن أتوجه للبحث النظري في شأنه كانت مكتبة والدي زاد قيم تزودت منها بمعرفة لاباس بها حول مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وخصوصا علم النفس التربوي والتعلمي لكنني كنت استشعر الحاجة الماسة للمزيد من الاطلاعات والتعرفات وهنا تعاملت بذكاء اجتماعي مع افراد مجموعاتنا الاوسع وركزت على من في بيتهم مكتبة شخصية لاطلب اعارتي كتبا ولوقت جد محدد مع مراعاه شديدة على التقيد بالامد الذي احدده انا ..كما لجئت لمدرسي بالمستوى الابتدائي حتى من كان حدسي يقول لي انه لا يقرا ولا يهتم كنت احاول معه لعله يتحوز على مراجع قديمة من زمن تكوينه الأكاديمي او تحصل عليها بالصدفة حيث كان عدد من الأسر المتوسطة تتباهى وتحرص على أن تكون لها مكتبة منزلية صغيرة ...

السيدة "ام ليلي "شغلت في ابان تعطل المدارس بالعطلة الصيفية وخروج عدد من الموظفين الاداريين بالدوائر  والمؤسسات الحكومية مهام أمينة مكتبة حديثة بالمدينة اسمها "مكتبة وادي المخازن"التابعة لدار الثقافة الحديثة التاسيس بالمدينة وتعرفت اليها في ذلك الصيف وكنت زائر المكتبة الاوحد لفترة امتدت للاكثر من ثلاثة أسابيع كانت كافية لانتقل بالعلاقة معها من مجرد تقبل عادي وفوقي من جانبها الى أن اخدت تراعيني وانتهت بان تتقبل رعايتي وتفتح لي المجال أوسع لتقرا وادرس بكامل حريتي وان اتنقل للبحث بين رفوف المكتبة المتواضعة والصغيرة عن كل ما كان يمت بصلة لحقل علم النفس وعلوم التربية والاجتماع  وما لم اكن استوعبه تماما استذكره جيدا على أمل ان اهضمه لاحقا ..

مع السيدة "ام ليلي"لم الجا كثيرا للحيل لانها راقتني   كامراة وشغف قلبي بها كام محبة واحترمت شموخها واناقتها وكياستها وذكاءها ...نفظت عن سحنتي الخجل المتصنع وتركت لجسدي حريته في التحرك ولنشاطي ان يتقد في عيني ولاحظت منها تنبها يزيد كل مرة على مرة لي فكنت ارفع عيني للنظر اليها دون ان اتخرج من فعل ذلك وكانت تتجاوب معي دون تشجيع كما دون صد ..تتجاوب معي وتتقبلني الى أن اخذت هي المبادرة بالاقتراب مني وبدأ إجراء محاورات معي بشأن اهتمامي الذي لا يتناسب مع سني الحديث ولا مع مستوى نفس اقراني المتمدرسين وهنا بدات في تعريفها قليلا عن  نفسي وعن خلفياتي التربوية وعن مراجعي الشخصية التي تعلمت منها عن اخوتي ..عن عمي ..عن معلمي الابتدائين ...واصبح وجودي مرحب به من لدنها ومن عون الخدمة الذي كان يهتم بالحراسة وباشغال البستنة كما بالسيدة المنظفة ...

"ام ليلى"اضحت في قناعاتي وذاكرتي هي سيدة الدار "دار الثقافة "التي قبلت بي كابن لها تراهن على انه سيكون ابر ابن للثقافة وحتما سيكون له دور ريادي ان لم اتراجع عن حماسي واقبالي ونهمي على القراءة والدراسة ...ووعدتها بيني وبين نفسي انني ساكون حريصا على أن اكسب الرهان ...حافظت على زيارتي للمكتبة حتى بعد ان حولت للطابق العلوي من مبني دار المخزن "الكومنداسيا "التي رفعت يافطة مندوبية وزارة الشؤون الثقافية واصبح منذوبها يسكن بجوار المكتبة الصغيرة  الأولى ...

"ام ليلى"انستني وجع الراس الذي كان يسببه لي زيارة مكتبة البلدية التي يشرف عليها من هم بمثابة حراس مخزنيون وليسوا اطرا  تربوية كما ان روادها عموما من تلامذة الاقسام الاعدادية والثانوية الذين يتوافدون جماعات  ولغايات بحثية مدرسية محضة على أنني سرعان ما اكتشفت خواء فهارسها من ما كان أولوية عندي قراءته والاضطلاع عليه ومع ذلك لطالما عدت لاجلس اليها الصباح والمساء كله لاطالع بعض الروايات والقصص والمسرحيات المغربية والعربية والمترجمة من لغات اخرى ...

كل ما اتدبره من نقود بت اصرفه على اقتناء الكتب والمجلات والروايات مع حرصي على أن يلفه لي المكتبي على شكل هدية لم اكن اتصيد العناوين والاغلفة الملونة او البراقة كنت اقصد المكتبي باحثا عن عنوان محدد او مؤلفات كاتب بعينه لاختار من مؤلفاته ما لم اقرءه وبسرعة كمن لا يهمه الا ابتياع الكتاب  لصالح شخص اخر كلفه امر اقتناؤه اليه وبحرصي على أن يلفه لي بورق الهدايا كنت اتجاوز فضول من يقابلني في الشارع كما الجواب كان جاهزا على نفس الاستفهام "أشنوا هذا لي في يدك " ،انه كتاب اوصاني والدي او اخي او جارنا لابتياعه له من المكتبة وانتهينا دون ان يجرأ على فتح الكتاب وتصفحه ...   

كنت اعود كثيرا لاخي "سمير "في الموضوعات التي تشغلني كموضوعات مجردة ونظرية كما اعود لعمي "محمد"في القضايا المجتمعية التي تثيرني وتتحوز على تفكيري واهتمامي وبعد ان انجز  مختصري حول الكتاب او الرواية او الموضوع او القضية التي ادرس فيها انطلق لصاحبي "الشريف "و"الكراب "لابدا جولات معهما من النقاش والحوار والنقد حولها ومن تمت اكون مختصرا بسيطا وسهلا انقله بين باقي مجموعاتنا القريبة والموسعة ..تعرض كتبي للضياع المتعمد الذي لا يكون في حقيقته الا استحواذ غير صريح له كان يؤديني نفسيا فانا لم اكن ميالا لاكتناز الكتب ولا مبال ببناء مكتبة اتباهى بمحتوياتها وعدد ما بها وكنت السباق دائما لاعارة الكتب ..الامر الذي جعلني اتخد قرارا بالتحفظ الشديد على اعارتها وحضر كل من سبق وان استولى لي على كتاب يخصني من قائمة من ابادلهم الكتب بالكتب او  نويت فقط ان ادخلهم معنا دائرة القراءة والمناقشة المفتوحة ..

صحيح انني كنت اتجاوز على ما قد لا ينتبه له المحيطون بي من اصحابي وصاحباتي والذي قد لا يعون تماما انه إساءة لي وفي حقي ..لا اريد ان اتحدث عن تكلفة الكتاب بالنسبة لي وكم ياخد مني ..من مشاعري ومن مساحات الحلم الخاصة بي..لم اهتم بالكتاب كشيء مادي ولا تصورت حتى ان صاحبه ،مؤلفه يعنيه من جسم أفكاره ومشاعره وخواطره شيء يذكر اللهم انه يتوسم فيه بعض الخلود للروح التي استودعها داخله ..كنت احقق كامل لذتي مع النص او النصوص التي بين يدي وانتهي احب صاحبه ومؤلفه واطلق العنان لمخيلتي لتستحظر بورتريها عنه كيف عساه يكون وكيف يحيا بين الناس ويتملكني الشوق لاتحصل على صورة شخصية أو تقريبية عنه ويتحول تفكيري فيه بإستعادة تصوره كانسان مجرد انسان قد لا يكون تاما ولا مثاليا كما قد نحسبه وقد يكون خارجا عن المألوف ومليئ بالعيوب ومع ذلك تمكن من نشر سحره وضمان خلود روحه بيننا ... كانت احلى اشتهاءاتي ان املك قدرا مهما من المال وأخرج بكامل حريتي لاتبضع الكتب والمجلات والدوريات والجرائد والورق والافلام ولما لا بعض الصباغة المائية او حتى اقلام الشمع الملونة والكثير من الصمغ واداة قطع الورق لامارس اقدم طقس في الوجود على طريقتي الخاصة امزق واقص والطخ واعيد الثمتيل بجثت كل ما بين يدي لاتحصل على معنى جديد يخصني وحدي ويوصلني الى تمام الرضى والاشباع عن نفسي ...كنت كلما امسكت مجلة سياسية مصورة من تلك التي كان يحرص بعض الاباء على تزويد أطفالهم، تلامذة والدي بالفصل ليهدوها له عربونا خاصا من والدهم لاستاذ ومعلم ولدهم او بنتهم ومثل هذه الهدايا ما كانت ترد او ترفض من معلم متفتح مثل والدي ..كانت محلات عربية فاخرة ودائعة الصيت ومكلف شراؤها نظرا القدرة الشرائية لموظف بسيط الحال مثل والدي ...ولم يكن والدي يبالي يجمعها انا من كنت احرص على ترتيب اعدادها كما خصصت لها مكانا جانبيا وللاعداد الصادرة حديثا حيزا على طاولة الصالون ولم اكن تلقائيا في حرصي على ذلك بل كنت استهدف وضعها في متناول يد اي واحد يجالسني بالصالون ابن عمتي "عبد السلام "عمي "محمد"اصحاب اخي "فؤاد"الذي اندهش كيف صغير أخوته يكسر له قانونا خاصا به ويتسلل من وراءه ويصاحب أصحابه ويفتح لهم مجالا داخل البيت هو الذي كان على الرغم من تحرجه الشديد من معاملة أهالي أصحابه له وفتحهم لابواب بيوتهم له كما لاحضانهم  لا يريد ان يثير حفيظة الوالد أو يتشاكل معه لكنني انا كنت تجاوزت مع الوالد الكثير من الحدود والقواعد الخاصة ببيتنا وماض في المزيد من تحويله من مجرد اب نمطي الى صديق وصاحب مقرب وحميمي ..

كنت اتخير المقالات التي سبق أن اثرت حول موضوعها بعض الافكار مع جليسي بالصالون واعراضها عليه وأتركه في انتظاري ريثما احضر بعضا من القهوة أو الشاي بحسب رغبة ضيفي او ضيف اخي او والدي او اختي ولما اعاود الجلوس اليه ابدا في إثارة الموضوع معه من جديد على ضوء ما اكون متاكدا أنه لم يتركه من يده دون ان بقراءه او يتصفح معظمها اذا لم يكن قد بدأ يتهيا ليطلب باستخياء ان امكنني اعارته المجلة ليطالعها في اقرب وقت ويعيدها الي ...

مع والدي وعمي بدا الجدال السياسي وبدأ الاهتمام بالقضايا السياسية للوطن العربي الكبير كان والدي في البداية شحيح الكلام كما على انه يطالع في المحلة اهم المواضيع و القضايا الرائجة الا انه وبتخفظه الشديد عن اثارتها مع الاخرين كان ينسى جل التفاصيل كما لايركز على الحزئيات الاهم مثلما لا يبالي بالقراءات المستقبلية والتنبئية السياسية يخال ان الأمر كله مجرد بيع كلام واوهام لمن يصدقها ومن هاهنا امسكت في والدي وكنت أعيده ليسمع مني وليحمل عدد المجلة القديم من جديد ليتاكد بان تخميناتي وتخمينات المحلل السياسي كاتب المقال كانت في محلها ..فاخد يثني على ذاكرتي بعد ان تجاوز الإستغراب من كوني استطيع فك رموز موضوعات سياسية والقراءة فيها واخدنا نوسع جلستنا لتمتد بعد فترة الظهيرة للمساء   ولما بعد نشرة الاخبار الرئيسية التي يعقبها أسخن نقاش ..ذلك الجو كان مرحب منه من كامل اخوتي وادخلوا لحانبهم اصدقاءهم المقربون واخد الكل يستعذب السهرة والخروج متابطا اعدادا من المجلة ومؤكدا بكل ثقة وعزم على انه سينتهي من قراءتها والاعداد بجولة قادمة من السهرة والنقاش السياسي والاجتماعي ..كنت اعرف كم كبرت واكبر في عيونهم ليعاودوا استكشافي من جديد وليعاودوا كذلك الانتباه لي فهم كانوا يعرفونني على نزقي وتوددي طفلا وشخصا اقل مستوى من الاجتماعية وعلى غير أداء اقراني في الزقاق والشارع والمدرسة كما انني منذ أن اخدت اكبر انقلب حالي تماما وأصبحت كمن يعاني مشكلات نفسية وصعوبات تعلمية ودراسية كما أصبحت ابعد كثيرا عن اخوتي اللهم ابقاءي على بعض حرارة استفهامهم حول بعض الموضوعات والامور التي تهمني ...

حاول من اصحاب اخي "سمير "كما اصحاب اخي "خالد"معي بنية فتح حوارات معي ومعرفة ما نوع مشكلاتي و سبب تقهقر ادائي العام الاجتماعي والتعلمي ولم اكن مستعدا لاصارحهم بحقيقة امري بعد ولا عما قريب وحده اخي "فؤاد"من وهو يحاول إعادة اكتشافي رميت له تقريبا بكامل اوراقي وقلت له ها هو من احسنت تربيته ورعايته وهاهو مخططه المرحلي والمستقبلي ..

اصحابي كانوا يسيؤن لي من حيث لا يدركون كانوا قادرين على مسايرتي حتى فيما لا افصح لهم تماما عن كامل اهدافي الشخصية من وراءه وبالمقابل كانوا مترددين وحاجمين ومحتاحون للكثير من البينات والشواهد والدلائل ليصدقوا في امور امور بسيطة ادعوهم لممارستها او ايجاد حل وتسوية في شأنها ..صاحبي "الشريف "و"الكراب "كبرنا معا ربما لم نعش طفولتنا بجانب بعض لكننا عشناها استعادة وتذكرا وحكيا كما عرفتهم وعرفوني على اصحاب طفولتهم ومحيط تربيتهم لكنها بعد كانا غير قادرين ان يفتحوا نقاشات مع والديهما بالخصوص ..لم اكن مع التحريض على الاصطدام مع السلطة الأبوية لكن مع العمل على احتواءها في الموقف العاطفي والتربوي العلمي الصحيح ولست لانني لم اكن اعرف طبيعة ومزاح والديهما ومعظم اباء اقراننا بل لانني كنت اعتقد بانني اعرف عنه الشيء الكافي فلذلك لم اقل ان يبدا به بل ليتوحها لاقرب مفتاح له ..ان يتوجها للتخفيف من هيمنة امهما العاطفية والسلطوية في ذات الان ..وكانت افكاري العملية بسيطة جدا يكفي بان يصاحبا والدتيهما ان يتعودا التحدث اليها بكامل الصراحة والصدق وان يبدا بالكشف عن طرقهما الاحتيالية التي عبرها يستطيعا ان يفكا من حصار سطوتها عليهما ..الكشف والبوح كطريق لبناء جسر جديد للمخبة والتقدير والاحترام المتبادل سيؤدي لامحالة لخلق جو من الثقة والتفاهم القادرين على اكسابهما المزيد من الحرية المسؤولة في الاختيار والتجريب وطلب الدعم والمساندة ..لم اكن ابدا مع طريقة الكذب وقلب الحقائق والتصنع والاحتيال العاطفي وحياة الإزدواجية في القيم والمواقف ...انا كان سهل علي استشارب كل هذه المعاني والقيم والافكار والتجارب من عالم الروايات واليوميات.التي لم اكن اقف عند عتبة الذهول منها بل كنت لما احس بصدقها اؤمن بها واصدق عليها ....وكنت في حاجة لان يصدقونني بانني في الاول والاخير لا اريد الا ان اصادقهم عن حق لا كما نمثل اغلبنا على اغلبنا ..

مع "فاطمة "بنت خالتي شعرت ببعض نفس  الحزن والاسى اذ كانت اخدت في إعادة رسم الحدود بيننا ونقض سابق اتفاقتنا وكان مبررها وجيها من نظر عقلية المجتمع الذي تسكنها وتوارثتها حيث أنها كانت تلاحظ بانني بدات اكبر ..هي "فاطنة "التي اعرفها والتي فتحت عيني عليها لم تكن ابدا لتبالي او تتنبه لما هو خالص بيننا ..مهما حاولت نكر حبي وتعليق بها ومهما راوغت هي في ذلك الكل يعرف ويدرك هذه الحقيقة ..كنت اقول لها :"فاطمة وش سمعتي باباك شنو قاليك من كنت كتجبدي الغطا لي ..."تستفهمني هي بدورها +:"شنو قال .." واكمل حواري -:"اجي وش مقالش ليك هودوا نعسوا مع بعضيتكم ..وشفتي انتي فيه ومرديتيش عليه .."..

عبثا كانت تحاول تصنع التجاهل او الصد ..كنت اعرف انها كبيرة في عقلها وصادقة في مشاعرها ولن اتوانى على أن تعيدني الى حضنها لانها ابدا ليست في حاجة لتمارس الاعيب المداورة معي وكان يكفي ان أوجه انتباهها لحقيقة ما يجمعنا ولافضح امامها لعبة الكبار التي يمارسونها بكل اتقان واستمتاع ...هي لربما في زحمة انشغالها وتارقها بمستقبلها نسيت او اخدت تتناسى تلك اللعبة البسيطة جدا التي كان الجميع يحرض عليها ،لعبة التوليف بين القلوب ..لعبة تحويل ذلك الاعجاب العفوي والبرئ الى علاقة الفة وحب ..نسيت ان خالتي "زهرة ",امها من سلمتني لها وانا طفل رضيع ونسيت أن والدتي خالتها من علمتها طريقة حملي وانماتي بجانبها ونسيت لهفتها علي وانتظار ان يعيدني والدها اليها ..الى حضنها ..نسيت تهافتها على وغيرتها من اختها الكبيرة "فاطنة "التي كانت تداعبني بسخاء وتدللني بمحضرها ...نسيت انني لم اكن الا كما اردت مني هي ان اكون معها واحدا الان تتوجسس وتخال انني في يوم ساكبر عليها واتجاوزها ...خالتي "زهرة "لم تكن ساذجة او ينقصها الحكمة والتدبير بل كانت جد متفهمة ولا السيد عزيزي "سي محمد"كان صوفيا درويشا مجلوبا السماء غير منتبه لحال نفسه واهل بيته ...ولا اختها او اخاها الاكبر كانا غافلين او يتصنعا التجاهل لفتيات في انفسهما ..هي فقط "فاطمة "بدت وكأنها غارقة في الاضطراب ولا تعرف ماذا تريده ..كانت متعبة ومرهقة وحساسة زيادة على الحد المقبول مما جعلها تحاول العمل اكثر على مراعات جانب الآخرين وكل تلك الاعتبارات الشكلية والمحافظة جدا والتي لا لزوم لها لانها ببساطة لا تسعد اي احد ولا تساهم الا في تضيق الخناق والاغراق في الكبت وتانيب الضمير ....كنت مراهقا صغيرا وكانت في مقتبل الشباب عزباء من أسرة محافظة ووسط عائلي مغلوق على نفسه لكنها لم تكن من بيت متزمت ولا ربتها والدتها بالجهالة والعنف والمنع الا في حدود الحياء الاجتماعي والمراعات لاحترام الآداب العامة الاجتماعية اما باقي الاعيبنا فالكل كان يعرف ان لها حدود وان لها اعتبارات ومقايسات جد خاصة لكلينا ...ولم تكن موضوع مساءلة من طرف اي احد من اهل بيتها بل كانت مرحب بها وهم من كانوا يتيحون لنا فرص نيلها كما هم من رسموا لنا حدود التعاطي فيها رغبة منهم في اسعادنا في التخفيف من وطأة اغتراب كل واحد منا برغباته وبالاحلام التي تضغط على جسده وتكوبسه ...خالتي كانت جد صريحة معي وكلماتها لا تحتمل اكثر من تاويل واحد :"نعس مع فاطمة "وابن خالتي على ما قد يتداخل مع طريقته في التحدث البشوشة والمفعمة بالضحك والابتسام بدوره كان مباشرا معي :"اعندك تدوخك نعس معها ولعب معها  "...وكل الذي كان بيننا لم يخرج عن دائرة اننا كنا نلاعب بعضنا وانه كانت لكل فترة ومحطة من عمرنا العابنا الخاصة والمناسبة ..لم نكن في حاجة لنراوغ بعضنا البعض او نحتال على الاخرين او نحاصر انفسنا بانفسنا بالتكتم والتستر وكاننا نرتكب الجرم الاعظم .....(يتبع ...)     



السبت، 31 أكتوبر 2020

يوميات :مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (13).تابع : سلاما متجددا فاطمة" 12-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (13) تابع :سلاما متجددا فاطمة "12-1"

*درس الوفاء :

 -"غذي نقولك شنو غذي نديروا بالفلوس لدبرتي ..ياك كتيق بي..غدي نشربوا حتى حنا ومن بعد غذي نقولك حاجة وحدا خرى.."..

تعلمت ان انظر الى اخي "فؤاد"جيدا ..اتفحصه مليا وان لا احاججه وان لا استغرب من أفكاره او اقتراحاته لا لانه يعاملني جيدا بل لانني اعي انه يرعاني ..يساهم في تربيتي ..كان يومها السوق "سوق كسا براطا"قد نام ..شبه توقفت حركة البيع والشراء وحتى عدد من بقي فيهم نفس للتجول بين ممراته وطاولات الباعة او بين ازقته الجديدة والحديثة البناء والتي لم يكتمل بعد تشطيبها او خارج سور السوق الاساسي قل عددهم ويبدون  منهوكين والزمن يدنوا من وقت ادان صلاة العصر ..والدنا كان ضجرا من جلسة السيارة الكبيرة العائلية "فوزفاكن.."التي تشبع هيكلها باشعة الشمس واضحى جوها خانقا خصوصا مع ما تنبعث منها من رائحة علف الماشية الذي تم توصيله لاحد الكسابين بفحص طنجة وكان يفضل ان يبقى واقفا خارج السيارة مراقبا عبث وضحك ابن خالتنا الكبير "محمد" الذي ينسى انهاء اعداد سيجارته الممزوجة بالحشيش ويضل ممسكا  بورق اللف الى أن يبتل بعرق كفه ليعاود البحث بلا كلل عن ورق اخر باحد جيوبه وهو لا يكف عن التمازح مع نساء من مختلف الأعمار الاغلب على سحنتهن انهن من بدويات ومداشر ذلك الاقليم الذي يبدوا انه غير منتهي والذي يجمعون على تسميته فحص طنجة ..والدي كان بين الفترة والاخرى يفتح باب السيارة ويصعد ليجلس ويدعوني لانادي على "محمد" ويوصيني ان لا ادعه الا وقد استجاب وجاءه السيارة ...بالداخل كانا يتناوبا تناول الجعة لان وقت الخمرة لم يصل بعد ..أنهما ينتظرا الى أن تخفت أشعة الشمس وتتحول رياح الشرقي الى نسمات الغربي مع بداية غروب الشمس .

"فؤاد"حر في تصرفه ..كان ياخد على والدنا تعهدا بأنه يدعه وشانه خصوصا بطنجة .كان اكبر من ان يضيع في طرقات المدينة الواسعة هو الذي خبرها وحده ونظم بها في كل عطلة كنا نقدم فيها للمدينة خطة تجوال  واستكشاف ..و"فؤاد" في عطلة نهاية السنة الدراسية ولم يتخلف عن النجاح والصعود للقسم الموالي وبنتيجة حسنة ..و"فؤاد" في مدينة غير التي الكل يعرفه فيها ويعرف على الاقل الجهة التي يسكن بها .."فؤاد"في زمن السفر والاستكشاف لذلك فهو حر ..كان يقول لخالتي "زهرة":-اخالتي انا بلا متعبي راسك معيا ..شتي اخالتي انا من يجبني الجوع ونبغي نكل اي حاجة انا غذي نجي لعندك ونقولها ليك وانتي دبري معيا " تضحك مقهقهة بنت خالتي "فاطنة "وتتكلم بصوت عالي لتسمع جميع الحاضرين :"ويما وقالك وانتي دبري معها " تناديه خالتي ان يقترب منها وتقول له بصوت خفيض :"وش باغي شي حاجة افؤاد..؟" وتبدا في فك خرقة النقود ويرد عليها وهو ينظر الى صرة  النقود الصغيرة :"علاش غذى تعطيني شي حاجة ؟"تضحك من مراوغاته وتكاتفه وتضمه الى صدرها وتقول له :"شحال بغتي يلاه قول لي اخالتي ديالي .."وبمكر وتصنع للاستنكار يعاجلها بالرد :"وماشي شحال كخصني دبا انتي الا بغيتي تعطيني خصك تعطي حتى لطارق وزيد زيد حيث طارق غذي يقولك وخصك تعطي حتى البشرى ....وهذ شي بزاف عرفتي اخالتي عطيني غير انا وصافي " تضحك ويضحك الجميع هذا حالهم مع "فؤاد"الكل يجمع على أن خفة دمه بحد ذاتها غريبة عليه هو نفسه بطابعه العصبي والحاد  وبقلة حديثه واختلاطه بالاخرين ..

كان "فؤاد"يدعوني فقط لاستمر في مرافقته ولما انظر اليه وابدي شعوري بانني تعبت من السير من الصعود والانحدار في طرقات طنجة الكبيرة كان ينظر الي بتشحيع وهو يقول لي :"وغير زيد ..زيد أصاحبي زيد قربنا ...انت غير زيد معيا وصافي كيما كتقولك بنت خالتك فاطمة (يقولها وهو يغالب الضحك الساخر مني )"

عدنا لنجلس  على تلة اسفل الساحة الكبيرة التي تقع خارج سور السوق الاساسي ل"كاسا براطا"كان قد اقتنى نصف كيلو من العنب الاسود الممتاز وغسله ووضعه بجانبنا كان يصب القليل من النبيذ الاحمر في الكاس التي نبهني بان احملها واخفيها تحت ملابسي ونحن في مؤخرة "الفركونيط "السماوية اللون التي هي في الاصل لعزيزي "سي محمد"زوج خالتي "زهرة "ويشتغل عليها بالتناوب مع ابنه الكبير "محمد" ..يسكب الخمرة بحرص شديد وتأني وهو يقايس الحد ليجترعه دفعة واحدة ثم يسكب لي مثله لابتلعه ودون حتى ان اتمرر من مداقه المر ..

"فؤاد"لا يتخلى عن عادته في التحدث والمزاح خصوصا في مثل جلساتنا هذه التي كانت سرا بيننا وسرا نشيعه ساعة شئنا ولمن يروقنا نحن حتى يخال من نخبره به بأننا فقط نتضاحك عليه ونتشيطن عليه لانه من غير المعقول أن يكون الاكبر فينا ابن الثالثة عشرة وانا اصغره باربع سنوات يحتسيا الخمرة ..كان يوصيني فقط بان لا افارقه ساعة نشرب سوية وان لا اقترب من والدتي او خالتي بالخصوص وان ابقى على تواصل مع نظراته واشاراته  كان يقول لي :"حنا مكنسكروشي حنا فايقين حنا بغين غير ندورا الراس شي شوية ونشوفوه فين كان سارح  بوا (والدنا)ومحمد ولد خالتي كيبقو غير كيهدروا في الخاوية وعينهم على هذيك وهذيك لدايزا ومحمد كيشعل وكيبقى غير على الجوانت ديال الحشيش حتى كيطير ..وشتي بوا ياك كبير وكيسكر من شحال هذي وكينوض هو الاولاني كيتقي ..محمد هكذاك وكيبقى شاد مع بوا الطرح حيث عارف راسوا هو لكيسوق .." ..

كان اليوم الذي ينادي على اخي "فؤاد"او يستوقفني في الشارع اكثر من يوم مميز لانه اليوم الذي املك فيه ان تخفض عن وجهي القناع الذي دوما البسه ..نمضي سويا قريبين من بعضنا لكن على مسافة محفوظة بيننا لا تتسع الا لاسمح لراجل مثلنا ان يسلك الرصيف الذي تحتم علينا أن ناخده او جانبا من شارع تقرر بان الكل يعبر فيه بجانب السيارة والعربات المجرورة بالدواب او التي يدفعها الحمالون ..كنا في أغلب الأوقات ونحن معا تتخاطب بالاحالات البصرية يعرف انني منتبه له كما هو كذلك وفي الان الذي يريد توجيه رؤيتي لموضوع يحيلني عليه بعينه ..كانت طريقتنا التي طورنا التحدث بها حتى ونحن بين باقي افراد اسرتنا او عائلتنا ...أشياء ما ...لعلها أشياء متعددة تجعل علاقتنا ببعضنا معقدة جدا ...عندما اقابل اخي "فؤاد"الذي كان على مسافة من اخوينا الكبرين كان لا يصعد ليجالسهما بغرفتهما المشتركة وحتى عندما يتناديان عليه كان يدخل لبرهة ليلقي التحية عليهما وينسحب بسرعة ليقف الي او الى اختي الصغيرة "بشرى" بمدخل الباب ..كان دائما ابعد على أن يشارك الأسرة تجمعاتها والعابها وفرجتها كان يناى بنفسه بعيدا في ركن او زاوية يتخفى فيها  وهو يتصنع اهتماما معينا كالمراجعة  او استخراج تمرين ..كانت حتى قراءته للكتب والمجلات متخفية كان حريصا على أن لا يتتبع اي احد ما هو مهتم به ..حتى أصحابه لم يكونوا يطرقون باب بيتنا كانوا ببساطة يقفون في اعلى الزقاق على غير عادة من ينظرهم اخي "سمير "مثلا باسفل الزقاق الاقرب لموقع البيت من اعلاه ..وهو على علم بوصولهم كما أنا لانه مبرمج معهم بدقة ساعة المرور للبيت ليصاحبهم  ....عندما اقابل اخي "فؤاد"يتولد داخلي احساس بالاغتراب ..كان الصمت اغلب لغة بيننا نتوادد بها ونحن بها على بعضينا ونتواصل بها كان حريصا على أن يوجهني فقط بعيونه دون ابراز تدخله في نشاطي الحركي الدعابي داخل البيت ..كان حريصا على أن لا اصاب بمكروه او اتعرض لحادثة او ادخل شجارا او معركة خاسرة ..

عندما اقابل اخي "فؤاد" اقاوم ان لا انظر اليه مباشرة في عيناه للحظات ثم اكسر الحاجز واجدني انظر مليا لعينيه ليشاع بيننا جو بئيس ..اعرف ان اجمل الاوقات هي تلك التي كان يلزم مصاحبتي لفترة أطول قد تمتد لعطلة فصلية باكملها..غير ان البؤس الذي يشيع بيننا كان وعيا منا مختلف تماما عن وعي اخوينا الكبرين كما باقي ابناء وبنات عائلتنا الكبيرة ..وعيا بالظروف التي تحيط بنا وعيا بالناس التي حولينا وعيا بحال مجتمعنا ...كان ياخدني لنتجول باسفل جنان العائلة ولما نكون ابعد على أن يسمعوننا او حتى ان يبصروننا يبدا في التحدث الي بشكل مباشر بعد ان كنا بحضورهم نتبادل حديث الصمت ...لم يكن بمثل سخط اخي "سمير "او بحيادية اخي "خالد"الباردة كان فقط يسمي الاشياء باسماءها ..اخي "سمير "كان من النوع الذي لا يكتم مشاعره بحضور اخي "خالد"لكنه يداور الجميع بما فيها أقرب أصحابه ولا يكاشفه بمشاعره ..بينما كان اخي "خالد"يتصنع التفهم ويلعب دورا اكبر منه دور المكايس والاجتماعي والمحترم المتانق بما كان يجعله متحفظا كليا عن ابداء رئيه الشخصي او مشاعره الشخصية ..."فؤاد"اختار الغياب ..اختار الصمت الا معي على ما اعقله لانه على كل كنت اعرف انه يتخير ما يخبرني عنه من أسراره وعلاقاته وسلوكاته الخاصة ولم اكن لاجراء على مكالبته بان يكشف لي اكثر مما يريد هو ان يكشفه لي ...

كان السخط يعتري جميع افراد اسرتنا وكل يعبر عنه بطريقته لم نكن لنرضى على حال ولدنا وعربداته ليلا ونقمته نهارا ...كان الجميع يتنحى أسلوب التظاهر بان لا شيء حدث امس او اول امس ...كنت اكره من اخي "خالد"عبارته :"وصافي حتى انت "كانت "صافي"تلك مغايرة كليا عن "صافي ..صافي "لإبنة خالتي "فاطمة " سافهم منها لاحقا بدقة ما كنت اعيب منه فيه (من اخي "خالد")اخي "خالد"كان يطالب بالاكثر من التجاوز كان يدعو بذلك للتطبيع  باعتبار أن كل ما يحصل امامنا عادي ..كان له منطق لا يختلف عن كبار مجايليه من الشباب مع انه هو نفسه كان بعدا مراهقا لم يعبر لمرحلة الشباب لكن تربيته على انه الكبير والمحترم والمقدر والمختار من بين كل ابناء عائلتنا الكبيرة جعلته يحاول الالتفاف على الكل ومحاولة اقناع الكل بأنه كذلك اصلا ...كان يحيل على شواهد من المجتمع ..من ناس الحي ..من ناس المدينة ليخلص الى الى تعميمات وبما لا نعرف كيف تحصل ذلك يريدنا أن نعتبر أن الأمر عادي جدا لنتقبله والمهم عنده اننا متوفر لهم الاساسيات وبعض الكماليات واننا احسن من الاخرين ..."سمير "كان يناقده ..ويجتهد في وضعه في الصورة الموضوعية مع علمه المسبق ان "خالد"لن يقتنع الا بما في راسه هو حتى ولو طارت معزة ...

مع "فؤاد"طورت حتى مقدرتي الشخصية في ان اسمي الاشياء باسماءها وان لا اتسامح مع الموضوعات من باب المراعات والاحساس بالاخر التي كان يتبنها اخي "سمير "والتي كانت تجعل منه غير مختلف عن اخي "خالد"في ردات فعله ..."سمير "كان ساخطا وناقما عن احول البيت والعائلة والمجتمع حتى انه اختار العزوف ما أمكنه ذلك واستحلى الانزواء بعيدا في ممارسته لهوياته الجميلة والمتعددة لكنه كان يتحاشى التعبير عن أفكاره ولكي لايتورط في ابداء ما لن يعجب مصاحبه ينقل الحديث بطرق تقنية طورها هو لموضوع اخر ...وعندما كان يحتدم الجو ويتكهرب بدار العائلة دار جدتي كان يختار الانسحاب وهو يغلي كالبركان وكنا انا و"فؤاد"نعرف ما عساه يفكر فيه ويقوله مع نفسه او مع ابن عمتنا "البشير "الذي اختار ان يصادقه من كل ابناء العائلة والذين كان على وفاق معهم كلهم وان بقي على نفس تحفظه من ابن عمتنا "فطوم "؛"مصطفى "الذي كان يحذر "خالد"من ميله اليه و"خالد"هو هو نفسه لا يسمع الا الى هوسه هو ...كنا نعرف أن "سمير "انفعالي وما ان سيندلع في نقاش او محادثة صريحة الا ولن يعرف كيف يصمت او يفرمل نفسه او يمنع نفسه من ان يقول الحقيقة ويسمي الاشياء باسماءها والاهم من كل هذا انه غير مراع لاي مصلحة قد يضر فيها باعلاءه للصراحة فيه ..كان لا يهتم بان يتكبد خسائر لذلك توجه بتوجيه والدتنا والتي كانت تسندها عمتي "مينة "  واخد يعمل بنصيحتها وهو أن ينسحب قبل أن تكبر الاشياء ويخرج منها الوحيد الخاسر ..."سمير"بينه وبين نفسه لم يكن يرضى بما يخلص اليه وفي هذه كنت اعرفه انا اكثر من اخي "فؤاد"الذي جنبني سلوك النمام الاخوي الشبه المستحدثة بين كل الاسر والعواىل كان يجعلني لا اقبل على التحدث له عن الاخرين الا كموضوعات تفرض نفسها على ما بيننا من احاديث ونقاشات كان يؤكد لي التالي :"انا مكيهمني حتى واحد ..كلشي حر في راسوا غير يبقى بعيد علي .."وكان يعود ليخبرني :"انا مكيهمنيش هذاك لي حتى الا جبدتو في الهضرة ديالي  بكثر ما كيهمي هذاك السلوك لي كيديروا ومشي غير هو بوحدوا ...انا كيهمي بالضبط نهضر معك على شنوا كيظهري في ذيك السلوك مشي الاشخاص لكيديروه "...

كان اليوم الذي يستادنني في مرافقتي يوما استثناءيا يوما يحمل الكثير من المفاجاءات البسيطة وغير المكلفة وفي غاية الامتاع ...كنت ابقي على توقعي بأننا سنشرب نبيدا  معا لكن لا يمكنني ان اتنبا بمتى سيحدث ذلك ولا اين ولا ان كانت معه نقود اصلا لاقتناءها ...وأكون متيقنا بانني لن اسكر او اثمل هي فقط مرات معدودات من فقدت فيها سيطرتي على نفسي ربما لانني كنت قبل أن نجلس  لنشرب قد اجهدت نفسي في نشاط بدني او لانني افرطت في تناول طعام غير مناسب قبل ان ابدا معه في احتساء الخمرة ..

اصبحت اولى المرات التي سكرنا فيها اطيب النكات التي نتداولها نحن معا على انفسنا في ما بيننا كنا نحتال فيها على والدنا وعمينا وازاواج عماتنا وبغاية المكر والحيلة ننسق في مابيننا أسلوب اختلاس بعض من شرابهم كان اول مرة يقترح فيها علي ذلك وانا اصحبه لدار سينما تعرض افلام كارطيه يومها نبهني لاراقب أسلوب القرد وان اخفظه وعندما خرجنا لنتمشى بشوارع المدينة كنت انتظر منه ان يشرح لي الغاية من توجيهها لي لكنه لم يفعل ذلك الى أن طلب مني وانا على اهبة  الاستعداد لمصاحبة عمي ووالدي  لجنانا ان انتظر معم الى أن نلحق بهم مع باقي نسوة العائلة وجدتي "رحمة " واثناء دخولنا للمعبر الموحش المستوحش باشجار  ونباتات شوكية ملتصقة مع بعضها كاحواش اقيمت كحدود لكل جنان عن جنان اخر تمنع حتى دخول الضوء اليها الا لماما لكنه على العموم مظلم وبارد ومخيف بكثرة اصوات الحشرات والزواخف فيه اوما الي اخي "فؤاد"ان اتمادى في الامساك بعمتي "مينة "والاقتراب منها بطلب ان تداعبني كما تفعل في العادة معي بكل تحبب وعن طيب خاطر .ولحظة بدات هي تتحج بانني اعرف مسيرها وتطلب مني الانتظار الى أن نعبر الممر ونصل الى الجنان تقدم هو واخد من بين يدها مباشرة "بدون الزيت المعروفة العلامة والشكل وحجم سعتها ذات الخمسة لترات والتي كانت تغسل بعد استهلاك زيتها لتحول لانية تملأ بالماء والحليب او اللبن "اخدها من بين يدها ولما امسك بها نطق اخيرا بطلب ان يساعدها في تخفيف من حملها وبعد ان قطعنا بضع امتار عاد ليوما الي ان اتاخر معه عن كوكبت النسوة والأطفال وفي لحظة وصولهم لباب الجنان القزديري المربوط بسلسلة عليها قفل حولني بسرعة لنعرج الطريق الاسفل المؤدي لجنانات غير جنانا ثم حولني لنعبر ثرعة محدثة ومتخفية بزرب جناننا ونحن نعبرها بحث هناك وأخرج قارورتين بلاستيكية أحدهما مملوءة بصودا الكوكا كولا والثانية فارغة كنت انظر إليه باستغراب وهو قد كف عن ان يتحدث الي منذ خروجنا من دار جدتي ..حمل "البيدون"الذي كنا نعرف انه معبا بالخمرة التي كان يحرص والدي نفسه على ملاها بافراغ القنينات الزجاجية للنبيد فيها ويطلب من عمي "محمد"نفسه ان يتكفل باسناد حملها لاحد اخواتهن النساء من باب حرصه الشديد على أن لا يثير الانتباه اليه من الناس أو الشرطة من ان بحوزتهم خمرة وعلى الاصح كذلك أنه كان يفعل ذلك من باب اعتداده بنفسه هو على الخصوص كان يحب ان يكون ويتصرف على انه السيد الذي يخدم ويحمل متاعه بينما هو يضع رجلا فوق رجل او يضع يده في جيبه ويبقي الاخرى ممسكة بسجارته   ...افرغ اخي "فؤاد"منسوبا من الخمرة يوازي اللتر في القنينة البلاستيكية الفارغة ثم اعاد موازنة ما افرغ من "البيدون "بمشروب الصودا ..واخفي من جديد القنينة التي افرغها وطلب مني ان اعقل المكان ،المخبا جيدا ثم تسلل لموضوع اخر واخفى القنينة المملوءة بالنبيد وسحبني من جديد للخارج وطلب مني أن اعحل في الخطو لتدخل الجنان من بابه الرئيسية ...يومها طلب مني ان استحضر أسلوب القرد الذي كان يحتال على جماعة صاحبه السكير وبسرق منهم شرابهم ومن يومها غذت تلك لعبتنا الممتعة وسر من بين اسرارنا ..كنت حينها في سن السادسة من العمر وسيذكرني بكم لعبنا سوية ونحن بعد نقطن مدينة "القنيطرة"لعبة القردين لنبدل الكؤس المملوءة بالنبيد بالصودا وافراغ بعض من القنينات المتبقية بالمطبخ وملاءها ببساطة ببعض من الماء دون ان يكتشف اي احد منهم أن سدادة القنينة سبق وان فتح ..

ما معنى ان نشرب ..ان نسكر حتى ..؟! هل تم. وجه كنا نحاول فيه ان نقلد الكبار ..كبار عائلتنا وكبار ناس حينا وكل كبار ساكنة مدينتنا وبلدنا ...؟! هل يعني ذلك اننا سنضيع وسننتهي من الخاسرين كما حذرت خالتي "زهرة" اخي "فؤاد"بحضوري ولم تكن هي من امسكتنا نشرب بسطح منزلهم بل "فؤاد "من قرر دخول ذلك التحدي ليس معي بالتاكيد بل مع نفسه ومع خالتي قال لي مساءها :"اليوم بغي نعرف قداش انا خالتي كتبغيني وقداش متقدرشي تخسر لي خاطري ..." ولما انهينا شرابنا "ليترنا "اخفى القارورة بين مهملات بالسطح وطلب مني أن افضحه امام خالتي وكذلك كان لا بد ان افعل ..

خالتي لم تمنع عن "فؤاد "العطايا التي كانت تخصه بها وحده دون جميعنا .كانت تفضله بشكل استثنائي كما تحبني بشكل استثنائي وتصر مع ذلك ان تصرح بحضور جميع افراد اسرتها موجهة خطابها لوالدتي ،اختها "رحيمو""انا اختي معمري كندير القروبات بين والدك بش تقولي لي انا في الفرزيات ...انا اختى كنديرهم مع ولادي بصح مشي مع ولادك اختي .."...خالتي تصرح وتقسم على صدقها وجميع اولادها حاضرين يسمعون ..ربما قد يقولوا أشياء في نفسهم لكنهم غير منتبهين لما تقوله وحتى ان انتبهوا سيسلمون باي شيء غير انها تعني ما تقوله بل حتى مع انفسهم لن يتركوا المجال لانفسهم ليتساءلوا حول هل يعانون اصلا من سلوك كهذا الذي تقر به ..!!؟ 

خالتي رمت بجملة من التوصيات لاخي "فؤاد"وشددت على انها موجهة حتى الي انا كذلك لكنها لم تفشي الامر لاي احد اخر بل اخدت تصر على أن نحمل ما معنا ونخباه كل مرة في مكان احيان بين اكياس القمح والشعير والفول والاعلاف واحيانا في  جنبات المطبخ السفلي ..او بالمرحاض ...تصر على أن نحمل ما معنا ونصعد لمجلس بالسطح ...

"فؤاد"كان قد انتصر عليها بمنطقين ؛منطق القلب والحب ومنطقه الواقعي والغريب في الاقناع واستطاع بصدقه وصراحته ان يكسب كامل تعاطفها ..من جملة ما قاله لها :"وتصوري معيا اخالتي انا كنكون غذي ندبز مع دراري ديال حومتنا ودراري ديال الحومة ديال "موي/جدتنا"حيث كيبدوا يبسلوا علينا وكيعيطولينا :اولاد السكايري وزيد هذرات وحدة خرين على موي انا (على امي انا ) ...."

....."انا اخالتي من وانا صغير باقي في قنيطرة وانا كنشوف التصرف ديال بوا وعمامي وهذوك لكيحي معهم يشربوا الشراب ومعمرهم كانوا كيعجبوني ..كنت كنبقى نشوف فيهم وهما كيولو كبحال الدراري الصغار الباسلين  والحماضين ..نقيم على حوايجهم وخارحين بايلين في حوايجهم وقلت مع راسي انا غذي نتبعكم وغذي نشرب حتى انا وانا وخا باقي صغير انا بعقلي ..."

..."شتي اخالتي عزيزي كانوا كيعياو يتقارو عليه بش يسكروه ويطبلوا لي في جيبوا وهو ديما ثابت ومطاوعهم بخاطروا حتى دورت فيه وقلتوا يحضي راسوا منهم راه ما بغين غير يسيزه وقال لي اولدي فؤاد انا كبير ......ما كنديريش حساب الفلوس مع لكنعرفهم ......"

خالتي "زهرة "لا امرأة تشبهها في كل محيط العائلة والاقارب ومعارفنا جميعهم ...بنت خالي "يمنة " قد تسابهها في جوانب متعددة لكنها ليست في قسوة بعض طباعها ولا في حدة ذكائها العفوي وان كانت "يمنة "امرأة شاطرة وتاجرة يضرب بها المثل في كل سوق "كسا برطا "وبين كل من سبق من تجار الاعلاف والمواشي الذين تعاملوا معها او مجرد حضروا احدى معاملاتها ..كانت امرأة نشطة وجد متواضعة او كما كانت تحب ان تسمي نفسها "امرأة على قد الحال "لكن عزيزي "سي محمد"سلمها كل إدارة تحارته بل وحتى توجيه ابنه الاكبر "محمد"الذي كان يتولى نقل وتسليم الطلبات وتحصيل العائدات المالية أو مبادلتها العينية كان يقول لها وبحضورنا  معا انا و"فؤاد":"ديري شغلك ..ديري شوارك انت الخير والبركة والرباح علي وعلى ولادي .."...

خالتي "زهرة"امرأة متفردة وبميزات عديدة اعظمها قدرتها على الاصغاء وتحكيم عقلها ..صوابها وكان ذلك كافيا ليقلب نظرتها وسلوكها  لثلاتة مئة وستين درجة وعلى الرغم من  شكوى كل ابناءها من قسوتها العاطفية كانت احن امرأة معروفة في كل أنحاء الجهة التي تسكنها ومحيط كل السوق الذي ترتاده  على كل ذي عاهة عقلية او جسدية وعلى كل امرأة مسنة او رجل مسن وعلى كل من علمت انه افتقد والديه وتيتم وهو صغير او في مقتبل العمر كانت لا تمانع في عناقهم وضمهم لصدرها وتقبيلهم على ما كانت تجود لهم به من طعام ونقود او تعد بأنه ستحلبه خصيصا لهم في يوم السوق الاسبوعي المقبل كانوا ينادونها "امي الشريفة "وكانت تضحك وتقهقه على النداء وطابعه بحد ذاته كانت تجد بأنه مركب لا يليق بها فلا هي مسنة وطاعنة  في العمر كما لا تحسب نفسها سليلة احد الشرفاء المعروفين على تحجاج والدتي لها التي كل مرة تنسبها لولي من أولياء المنطقة ....ولم تكن تبالي بغير حقيقة انها تربت يتيمة ليس الا ...

خالتي "زهرة"  لم تكن عنيدة كما يخبرها المقربون منها بل فقط كانت مشكاكة في كل ما يتعلق بالصواب كانت من النوع الذي لا ينام الليل الا للحظات قصيرة جدا ومتقطعة وحدها ساعة ونصف الساعة الى ساعتين تنامها في القيلولة وتنهظ بعدها لتتحضر لصلاة العصر ..خالتي "زهرة "كانت دائما مشغولة البال مستغرقة في التفكير ومشاورة راسها  على غير عزيزي "سي محمد"الساهم الغارق في الاسترجعات او في تلواة القراءن وعلى غيرشرود ابنة خالي "يمنة "التي تسرح بنظرتها كل شخص متعوب او منهوك او مريض او عطشان او يبدوا عليه الجوع لتتصيد اي قرب له منها اتعرض عليه أن يستريح لجوارها او لتنهض لتقدم له الماء او لتدعوه ليتناول معها بعض الطعام البسيط ربما بعض الخبز واللبن او بعض حبات التمر او لتقترح عليه أن تعطيه ما يشار به بعض "السفنج "او الرغيف ...لكننا انا واخي "فؤاد"لم نكن نشرد او نسرح او تنشغل بمشاورة راسينا الا ساعة كنا نجلس لنحتسي مقدرنا من الشراب وغير ذلك كنا حرصين على أن نبقي منتبهين لكل شيء من حولنا او مر من حولنا ... 

والدتنا لم نكن تزايد على انها امنا الطيبة التي نحبها ونحفظ لها الجميل لكن فيما بيننا كنا نجدها امرأة رعناء وطائشة ولا تقدر نفسها حق تقديرها على اننا كنا نعيب عليها اعتدادها بنفسها وغرورها ولطالما لعبنا على غرورها ذلك لنستدخل او نعدل سلوكا من سلوكها كما كنا نلعب على غيرتها من النسوة الاخريات لنخلق داخلها الطموح للتغيير الايجابي وللافضل ...كان البؤس ما يرافقنا بعد انتهاء مشروبنا الذي نادرا ما كنا نضاعفه الا بتوالي اخر الصبح واخر المساء خصوصا بطنجة اما  بمدينتنا فكنا نضع كفاية لنا من قناعة انه يمكن ان نفقد توازننا يمكن ان نفقد السيطرة على معدتنا ونبدا في التقيء والتبول على ثيابنا وداخلها لكننا لن نفقد قدرتنا على التنبه والتمييز الذي كنا نجد والدنا هو اول شيء يفقده على رغم من سلوكه القناعي المبرمج اليا لا فيما يخص لحظات سكره وثمالته الحادة وقدرته على قطع الطريق دون ميلان اوظهور علامات الترنح عليه او في حرصه  الشديد على أن يثبت من انه يحمل وبحوزته كل متعلقاته الشخصية مهما كان قبلها شبه فاقد الوعي من السكر او اضطر ليخلد لبعض الوقت للنوم املا في ان يستعيد بعض صحوه ورباطة جاشه  ومعدته المتقلبة من اثر الكحول ..ولا في يخص قدرته على الانكار صبيحة اليوم الموالي بل وكامل استعداده ليقلب الحقيقة كلها رأسا على عقب ويتصنع اكبر خناقة وخصام برفضه على الاعتراف والاعتذار ..

بؤس طعمه غريب ..بؤس يحول دون إمكان أن نتعاطف مع الاخرين بمثل تعاطف خالتي وبنت خالي "يمنة "ولا بإمكان ان نتسامح ونجود  مثلما هو طبع عزيزي "سي محمد"ولا بإمكان ان تفلسف الامور مثلما يفعل اخونا "سمير "وبالتاكيد غير قادرين على تصنع حيادية اخونا الاكبر "خالد"...بؤس من حال الناس مع الناس وعلى الناس ..بؤس من حال سلوك الناس مع الحيونات ومع الطبيعة ومع الجامد من المباني والمرافق والطرقات والشوارع والحارات ..وبؤس من عدم تنبه او اهتمام الانسان نفسه لحاله ...وبؤس من وضعنا نحن.. من سبب تحول رؤيتنا ونظرتنا الشخصية لكل هذه الموضوعات التي لا يفكر فيه عموم الناس أو ينتبهوا اليها ...ساعي لاحقا معنى الرؤية الحساسة لكل الظواهر الاجتماعية والنفسية وساحمل وضع اخي "فؤاد"الذي لعلي لا اريد استذكار كنهه على الاقل الان السبب في جعله يقارب الموضوعات بحساسية جدا لكنها غير مغرقة في  المثالية او الحلم بل كانت جد واقعية ومبنية على شدة الملاحظة والتركيز التام ...

لا اعرف تماما الامر ربما لانني لم اتلاقاه كاعتراف صريح لكنني ضللت لفترة طويلة نسبيا وانا شبه متيقين في ان خالتي "زهرة"واخي "فؤاد"يخفيان سرا بينهما وله وحده يعود تفضيلها له ويعود اليه قدرة اخي "فؤاد"على الإفصاح البليغ والخطير لكائن وحيد لا غير يحمل صفة "خالتي "...

تفضيل خالتي "زهرة "لاخي"فؤاد"وتوصيتها به جعل الكل يراعي جانبه ويعامله بالمخصوص حتى والدتي بمحضر خالتي وابناءها كانت تتحفظ في تعاملاتها مع اخي "فؤاد"وتطرق معه نفس سلوكهم في تقديمه وتقديره ومراعاته ...

اخي "فؤاد"منعني من احبه على اي طريقة أخرى احب بها ناسي واحبتي المقربين مني ..منعني من ان احبه بكل اختصار لانه موه علي  اية صفة يمكن ان اقايس بها حبه فهو لا يعاملني معاملة الاخ للاخ الاصغر ولا الاكبر ولا معاملة الأب أو العم او الخال او القريب ولا اية معاملة من معاملة اقاربي وعائلتي وناس اسرتي النسوة ولا معاملة الاصحاب والأصدقاء ولا كل ذلك معا لانه شبه مستحيل والمستحيل ما كان يعاملني به لذلك لم اجد في قاموسي العاطفي ما اضمه ليسمي ما يربطني به ....في سنوات لاحقة ساتعرف على حكايات وقصص انسانية استثنائية من عالم غامض حيث تتم عمليات تبني عاطفي ودعم مادي كلي وتوجيه عالي المستوى بين أشخاص غير متقاربين لا في السن ولا في الوضعيات الاجتماعية وانما في حدسهم لبعضهم في قدرتهم على التواصل بينهم في قدرتهم على الوفاء لبعضهم ... 

كان حريصا ان يسالني وهو لا يطلب مني اي جواب وانما فقط لكي يطمئن قلبي ويقول لي بأنه لم ينساني مطلقا في كل مناسبة نلتقي فيها ويجمعنا الحديث والذكريات عن "فاطمة "بنت خالتي وكان ينتهي بان يهزء معي قليلا وهو مبتسم في وجهي بتعذب ابتسامة :"اما كنهدرش على فاطمة بنت خالتي انا كنهدر على فاطمة ديالك ...."واشاركه روقان مزاجه واقلدها في طريقة تعبيرها :"ايو صافي حتى انت لي كنقولوا عليك كبير ومرزن وواعي وليتي تشوفني هكذا ..."ويرد علي متصنعا التجهم :"انا ديما كنشوف فيك هكذا .."واصبح بوجهه متقمسا دور الانثى :",اولي عليك افراد باقي انت هو انت معمرك بغي تنسى .." ويغالبه  المرح واستمتاع الاستحضار لذكرياته مع ابنة خالتنا "فاطمة "وبساير الجو الذي ادخلني وادخلته فيه :" وشنو بغياني ننسى  وش بغيني ننسى صحة ..." وارد بتعنج مثلما كانت تفعل معه "فاطمة " :"مشي تنسى غير  دير عين ميكة .."ويرد هو بتناول :"وانا غذي ندير على شي عين ديال الميكة "ونضحك حد القهقهة وكل واحد منا منتسب باحلى الذكريات بايام لا تنسى من عمرنا مع كامل احبتنا والناس الطيبين ....

"فاطمة "ضلت بكامل عمرها لا تتحرج من السؤال عن اخي "فؤاد"والاطمئنان على احواله والتصريح امام الجميع بان افراد معزة خاصة ....وكانت تنظر إلي كلما جاء تعبيرها موافقا لما تقله "معزة خاصة "معزتو فشي شكل "  الا وتنظر الي جانبا وتبتسم واذا حدث وكانت "فاطنة "او "آسية "لجوارها الا وتفجر الجو بينهن بالضحك لتبدا "فاطمة "نوبة احتجاجها  :"والله حتى انتما فشي شكل انا والله مبقى نهدر قدامكم ..عيقتوا فيها والله حتى زيدتوا فيها ..."وكلما زادت في احتجاجها اندلع الجو اكثر بالضحك منها ..."فاطمة "تغيرت كثيرا لكنها لم تتغير ابدا للاسوء وصلت دوما وفية لنفسها ولاحبتها "فاطمة "جرات على تسلل مرات من بيتهم والمقدم لحيث مدينتنا لعندنا والرجوع في نفس الصباح او المساء وكل همها الاطمئنان علينا وربما علي اكثر ...مع "فاطمة "ترسخ لي معنى الوفاء  الذي حرص اخي على أن يلقني مبادئه العلمية والعملية لكن "فاطمة" استذخلته عميقا في كياني ونبضي 

"فاطمة "كانت الوجه العاطفي المقابل لاخي "فؤاد" وعلى انني ظللت لفترات من عمري ابحث في فهم تعلقي بها وعاطفتها تجاهي لكنني لم ارسوا على تصويغ ارتاح اليه ..بقيت علاقتي بها يكتنفها الكثير من الغموض وحبها اكثر  من ان  يفوق المستحيل ...اذكر جيدا يوم ان كنا صغارا في العمر واختى بشرى للتو اكملت عمرها الثالث وكلما كان يقربها اكثر منه اخي "فؤاد"ويرعاها بحب كانت تحرص على أن تظل تناديه بلقب "بابا ..بابا فؤاد"وكان يستنكر عليها بنلطف وتمازح نعتها له وعندما تبدأ في الاحتجاج كان يصمتها :"وصافي ..صافي صدعتي لي راسي ..دبا الى بغيتي نكون باباك خصكي تطلبي الاذن من عند طارق حيث انا هو باباه ديال طارق .." انا لا اعرف لماذا استصغرت حتى التوصيف الشعبي المتداول بيننا والذي يضفي صفات عاطفية جليلة على تلك العلاقات الخاصة التي تجمع بين أفراد قد لا يكونوا حتى من العائلة والاقارب وانما قد يتعدونهم الى الحيران والى الحيران البعيدون والقدامى الغير قاطنين بنفس المدينة أو القرية ويختصرونها في نعثها ب"هذي رها مربيني "او "هذا راه انا لربتوا "..لم استسغ منها اقرانها بعاطفة الام الطبيعية لانها لا تمت اليها بصلة رغم كل التشابه المستذخل بينهما قسريا ...ابدا لم المس في عاطفتي تجاه "فاطمة "لذة الأمومة ولا استطعت ان اجد فيها نذية ما يتملكني من احاسيس فياضة تجاه عماتي وبناتهن كما بنات بنات خالتي باستثناء بنت خالتي "آسية "التي كنت متيم بسحر عينيها ولا احن اكثر من النظر اليها ولا اشتهي اكثر من الموت وانا اغوص عميقا في النظر اليهما ....

"فاطمة "استوعبت تعليقي على محاولة فهمي لموضوع "بابا فؤاد"وقالت لي :"حتى انا معمري حسيت بك ديك الاحساس ديال الأمومة ..آسية يه ..آسية بغاتك كبحال لتقول ولدها من كرشها ...انا نفسي معرفاش كيفاش نوصف شعوري ..." ...

ربما حكاية التبني العاطفي والعقلاني قد ترضيني اكثر وتقنعني ...

ل

   

   

  

الخميس، 29 أكتوبر 2020

احبتي ..والاوفياء ..(2-1)














 

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

احبتي من العائلة والاوفياء


























 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (11).تابع : سلاما متجددا فاطمة "10-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية..عالم الصمت (11) .تابع : سلاما متجددا فاطمة "10-1"

 - لغة الكلام:

"فؤاد"علمني الكلام و"فاطمة"علمتني لغة الكلام ..."فؤاد"ظل ذلك الشخص الغامض الغير مفهوم باستمرار ..الشخص الذي اختار الغياب والذي كان يقبع بين الجميع حتى ينسي الجميع في حضوره بينهم ..لم يكن يتربع في الصمت الا بعد ان ياخد كامل نصيبه من لفت الانتباه الى حضوره ..كان حريصا على أن يعلن كامل حضوره :"ايه ..انا هنا "....وكان يستزيد عليها بعد حين :"تذكروا ..انا مستعد لخدمتكم .."ثم كان يميل على الجميع ليهمس لهم انه سيكون هناك ...لم يكن يعلن انسحابه بل فقط كان يعقد اتفاقات سرية تضمن له بعض خصوصيته..كان يكفي ان يشد انتباه اكثر من واحد لموضوع يبث على التلفاز للحظات لينشغل هو بنفسه وليتراجع لمكان يختاره هو ولموضوع يروقه هو ويبدأ معه علاقة تعارف واكتشاف كنت اعرف انها طريقه ليستعيد بها مشكلاته ..تعاطيه مع جماعة رفاقه ..استغراقاته الفكرية ...لم يكن يتظاهر باي شيء .كان فقط على سجيته يتصرف ..قد يعدل من جلسته قد يترك المجلة او الصورة التذكارية البريدية ..قد يطرح جانبا المذياع المفكوك الوصال ..وياخد الوضع الذي يرتاح فيه غالبا ،وضع جلسة الأريكة حيث ظهره مسنود بالوسادة وراسه مائلة للأعلى وعينيه لا تبحلق في الفضاء ولا تبحلق في اي شيء وانما فقط متموضعة بين اعلى ..اقصى الاعلى ولا تنزل الى أدنى اسفل ...حتى بعد ان اصبح مذخنا معروفا كان يقوى على لجم رغبة التذخين كان ان استهواه جو الغرفة الشبه المعتم قد يبقى بها للاكثر من ثلاثة ايام وقد يتحرج فعلا من الخروج منها حتى لغرفة جلوسنا جميعا حيث نتناول الطعام والحديث والفرجة ..وسيكون ممتنا جدا لي لو تكفلت يتدبر تزويده بحاجياته من الطعام بغرفة اعتكافه وبعيدا عن انظارهم ...كان يقول لي :"انا مكنرتاحش ..انا ديما مشغول حتى الى معندي ماندير او عيت كنكون كنفكر ولا كنكون كنهضم هذيك شي لداز علي وكنت كنتفاعل معه ..."...

"فؤاد"ظل غير مفهوم ويساء فهمه باستمرار من اقرب الناس اليه حتى من الوالدة التي قدرت في زمن مبكر من طفولته بأنه مختلف ويتطلب رعاية مختلفة .نسيت وعمل هو بالاكثر من طريقة واعية ولاوعية على جعلها تنسى ان تعامله بمثل ذلك المنطق ..سيقول لي لاحقا في جلسة خاصة :"انا لبغيت نلفت ليها الانتباه بانني مختلف عن خوتي وعن الجميع من كنت صغير وانا عاود ثاني فضلت نخليها تطمئن علي وتشوفني كيما لخرين ..."...كان دائما لا يتحدث بجديد وانما اول ما ينطلق متحدثا كان يستعمل صيغا وتعابير توحي لك بأنه يستانف معك احاديث سابقة مع انك قد تصدم من حقيقة أنه لم تكن لك معه سابق حديث ولربما حتى معرفة قريبة ..كان يتخير جيدا الان واللحظة المناسبة ليرمي باول كلمات الربط والمفتاح وكان مع الغرباء يستخدم صيغا تحيل على ذاته ..على رؤيته ..على ارتسماته الجد خاصة ودون حاجة ليحاصرك في حقل ابصارك..دون ان ينظر حتى الى جانبك او نحوك ..ومباشرة يقتحمك ..يحرك فيك نوازعك الاجتماعية ..رغبتك في الدفاع عن نفسك ..ربما رغبتك في توضيح الالتباس الذي وضعك فيه ..ربما رغبتك في التعبير عن حالتك الشعورية التي مسها وعرى عنها برفق ..ربما رغبتك في التنفيس عن سخطك ..لم يكن في حاجة ليمارس على مخاطبه طرق الرصد وتتبع انفعالاته كان يكتفي بان يتركك انت على اريحتك تتحدث اليه بينما هو في حالة استغراق وهدوء وتحاشي تام ليحاصرك بنظرته ...ربما احتاج للاكثر من ابتسامة التشجيع التي يمارسها جزئيا عنك ..ربما احتاج ليخرج صوت ضحكاته المتوسطة لا الصغيرة المتقطعة ولا الطويلة المقهقهة ليجعلك على وئام معه فهو اكيد لا يسخر منك ولا تثير استغرابه كذلك وانما يسمع اليك ويتابعك ويتدوق معاني كلامك ...

"فؤاد"كان حريصا على أن يبادر باعلان انسحابه الفعلي وبان يكون انسحابا غير مفاجئ ..كان يمهد له بشتى الطرق والحيل ثم يعلنه وهو متيقن بأنه ترك داخلك ..فيك.. الاثر العميق والانطباع الجيد والحسن ..كان يقول لي :"معندناش علاش نغلطوا في حق الناس ..."

"فؤاد"الوحيد الذي كان يفاجئ كل مدع بأنه يعرفه بأنه لا يعرفه وانما يتبادر إلى ذهنه ذلك الاعتقاد عنه .."فؤاد"كان قادرا ان يستنهظ والدي ذاته من جلسته ليطلب هذا الأخير منه ان يعانقه لانه لم يكن يعرفه هكذا ...حتى اخوتي كلما خال احد منهم انه يعرفه يريه كم انه كان مجرد معتقد وظان في ذلك ...

اخي "فؤاد"علمني الكلام وطرق اخراج الاصوات وتركيب الجمل والتعابير الأولية ورسخ داخلي قواعدها الحسية ..كان التصويت واخراج الاصوات عنده كما علمني اكثر من رفع او خفظ لجهيرتنا في الكلام كانت عنده موقفا تعبيريا يجب اتخاده وبحزم  وفي الوقت المناسب ..كان لا يعيب علي رغبتي في الثرثرة والتحدث لكنه كان يوجهني للاقتصاد في قول اي شيء من اجل لا شيء لمجرد التحدث وفقط.."فؤاد"من علمني ان الصمت في احيان ومواقف اجتماعية هو اخير كلام ورد وجواب ...

"فاطمة "علمتني لغة الكلام ..لم تكن تحاصرني بعينها وب"انظر الي كما انظر اليك "فقط بل انظر كذلك لكل استعداداتي تجاهك ..وانظر الى "فاطمة "التي تحبك والتي لا تخلف وعودها نحوك ..وتصدقك.."ولعندها كلمة وحدة صافي ..صافي "

"فاطمة"كانت مستعدة لتتلون معي.. لتسايرني..لتتحول كما ارغب وكما اشتهي ..مستعدة في لحظة لتنزل على ركبتيها لتلاعبني كطفلة ولتتحدث الي بمنطق الاطفال  ..ومستعدة في لحظة اخرى لتتجاوز أية رقابة مجتمعية او أسرية لتاخدني بجانبها وتكاتفني وتقربني من نهدها ومن كل دفئها ولتهمس قريبا من وجهي :"حتى نوصلوا للدار ونهدروا .." هل كانت "فاطمة "تعني بأنها ستتكلم لي بحديث يخصها ؟!هل كانت "فاطمة "ستستدرجني لاتحدث لها ببعض اسراري الصغيرة ؟!هل كانت "فاطمة "تتحايل علي لكي لا نتحدث اطلاقا وانما فقط لنمارس الاعيب الحب ؟!لا لم تكن "فاطمة"من تلك الطينة كانت "فاطنة "تعني ما تقوله ان "نهدروا "هي ان "نهدروا "ان نتكلم نحن الاثنين ان نتسامر ان نتحاكى ان نعبر عن كل ما يخالجنا ويخاطرنا مهما بدى لنا تافها ان نتناوله بحضور اخر ..والمهم أن "نهدروا "ونحن في صفاء مع انفسنا كانت تقول لي :"انت كتعرفني وانا كنعرفك انا منخسرشي معك وانت متخسرشي معيا  ..."كانت تقول لي ببساطة كل شيء مباح بيننا ما دام لن يؤدي اي واحد منا ...كنت اعشق منها تلك اللحظة الأخيرة التي تعود فيها الي وتاخد اي شيء مني ..وجهي ..شعري ..كفي ..او تضمني ببساطة لحضنها حتى فيما صرت اطول قامة منها ..وتقول لي "سمحلي أخاي ديالي .."كان يهمها ان تطمئن علي لم تكن من من يستهويه دموعي او يلعب عليها كما كانت تفعل اختي الكبيرة "مليكة "حتى لما   تجرات على أن تختبر اعترافي ،بانني لما اشتاق اليها ابكيها وانام .فعمدت على أن تقسوا علي لترى دموعي عادت لتظل المساء كله تطلب ان اصفح لها وتقدم لي اعترافاتها اجمل اعترفات بأنها تحبني ..

"فاطمة "علمتني لغة الكلام ..لغة ان اقول كل شيء واي شيء دون ان اشعر بالعار او الخجل او الذنب ..وان اتجاوز أية اعتبارات ..والمهم أن أكون صادقا في كل ما اقوله ..كانت تقول لي وباحلى تودد :"شتي اخي طارق مكينشي حسن من الصدق ..الصدق كيدخل للقلب ..كلين الحجر .."

مع "فاطمة "لم يعد الكلام مجرد اخراج للاصوات وتراكيب وجمل وعبارات تصاغ وتلقى بل غذى لغة تفترض الصدق وتفترض الشجاعة وتفترض الاحساس بما تنوى قوله ولمن تنوي قوله ... 

مع "فاطمة "تجاوزت الريبة والقلق التي كانت تحملها نظرات اخي "فؤاد" كانت لا تتنازل لي لحظة في ان لا انظر إليها بشكل مباشر وان  اتبع نظراتها لاحقا لتسرح بي اينما شاءت هي ..كانت تطلب مني ان اثبت بنظرتي على متحدثي   أن لا اجعله يتلاعب باعصابي ويثير قلقي وتوجسي بما يحيل عليه :"شتي هذيك عقلها في راسك ..عرفوا فين كيبغي يطيحك وشوف فيه مباشرة متخليهشي يذوخك او ياثر فيك .." 

كنت اعقل جيدا انني صادفت مثل هذا التوجيه في اكثر من موضع ..قراته في روياتي الحبيبة وقراته ومثلته لما كنت اتقمس شخصية من شخصيات سيرة "حمزة البهلوان"وانني سمعته على لسان ممثلة إذاعية أو ممثل اذاعي في حصة التمثيل الاذاعي التي تبث على موجات القناة الإذاعية الوطنية الرباط ..وربما نبهني اليه اكثر من واحد ..لكنني ابدا ما كنت ساثبت عليه واستدخله في منظومتي الشخصية لو لم اتلقاه من عند "فاطمة "..

"فاطمة "هل كنت احبها ؟!! 

"فاطمة "هل كانت تحبني ؟!!..

كلما تذكرت هذا السؤال وهذا الاستفهام اشعر بالغصب ..كلما اراد من يعرفني جوابا عنه يتملكني الشعور بالحنق والملل...حتى والدي الذي لفت انتباه في الاكثر من موقف تلك العلاقة "العجيبة "التي توحدنا ببعض وادهشه اقبالنا على بعضنا لم يتمالك نفسه من ان يدخل علي خلوتي بغرفة السطح ويتقرب مني ويطلب ان يسالني سؤالا واجيب عنه بصراحة :"اجي ..قول لي شنو  بينك وبين فاطمة بنت خالتك "قلت له :"لا شيء كنبغيها وكتبغيني ..صافي " رد بتعحب:"كيفاش صافي وانتما كتبقو حتى كيطلع الصبح وانتما كتهدروا مع بعضيتكم وشادين راحتكم وكندوز انا من قدامكم وانتما زعماكين دايرين فيها ما كاين والو ..وتقولي صافي "وارد اليه وانا احرك راسي يمينا ويسارا :"والله ابوا ما كاين ديك شي لكيدور في راسك انا كنبغيها وهي كتبغيني من لي كتجي لعندنا كتكون موحشى في وانا كتلقاني كثر منها ومكنتهنوا حتى كنجلسوا نهدروا مع بعضيتنا ..الباقي ابوا هو كيجي هكذاك هي كبيرة مني وهي كتعرف حسن مني .."

لم اعرف لماذا يدعونني لابرر ما لا يبرر ..لانه فعلا لا يحتاج لتبرير ..

في الشاطئ الصخري "الماء الجديد"القريب من جهتنا السكنية وفي المرات القليلة التي كانت تزورنا فيها صحبة اختها "فاطنة "او صحبة اختي"مليكة " اكاد لا اذكر انها كانت تتركني للحظة دون ان تكون قربي او ممسكة بي ...من اول استيقاظنا  من النوم لخروحنا من باب بيتنا لا اسمع منها الا "طارق اجي حدايا ..""طارق فاينك  ..اجي قدامي " كانت تهتم بي ..تمسح بالفوطة شعري ..كامل وجهي ..تبقيني متلامسا بها لتدفئني ..تسالني ان بي الجوع ..وهي تحمل لي شيئا لاكله ..تعاود ان تطلب مني ان نذهب لنسبح معا وحتى في موضوع اختلاءها بنفسها لتتبول لم تكن تطلب مصاحبة اي احد غيري كما لم تكن تسال اي احد عن جديد احواله او عن سبب تعكر مزاجه قبل ان تسالني انا عن السر في ذلك ..

كانا اخوايا "سمير "و"خالد"يظلا يراقبان سلوكنا وكل واحد منهما يعلق بطريقته وكنا ندرك ونلتفت لما بينهما ويخصنا لكننا لم نكن نعره اي اهتمام زائد فقط لانه لا يستحق ذلك .."خالد "كان يتجاسر عليها ويقول لها بشكل مباشر:"وانتما لجات معكم ..اعايشين .."تنظر إلي بشكل جانبي وتبتسم ثم تنظر لخالد مباشرة في عيونه وهو ما كان اخي "خالد"يتحرج منه بشدة وتقول له :"شوف أخاي خالد ..عايشين ..عايشين بصح راك غالط الا تعتقد فشي حاجة فشي شكل بناتنا ..هذا انا لمربياه هذا ربتوا هنا (وتشير الى صدرها )هذا ربتوا ونزيدك كنبوسوا وكيبسوني من فمي وحدا بابا حدا عزيزي حدى يما حدى كلشي " وبتنمر هازئ ينقض عليها اخي "سمير ":"وعلاش حنا زعماكين مربتيناش  ..غير شوف وكان ..شوفي (ويقدم لها وجهه وشفتيه مشيراً لرغبته في تقبيلها )"وترد هي بصيحة منها :"اولي اسمير عليك انا فين نجيك وانت فين تجيني بش نكون ربيتك  ..والله حتى انتما زيدتوا فيه ..انا غذي نهز العايل ديالي ونسبقكم للدار لعند خالتي والله "وتظهر انزعاجها الذي ليس انزعاجا وانما احساس بالاحراج المتعمد وتكون بذلك وكأنها تطالب بتقديم اعتذار لها ...

"فاطمة"تجاوزنا واياها اي احساس مصطنع ..نكون على سجيتنا معا ..لا نحتاج لنمثل وقد نفعل ذلك بوعي اننا نمثل ..نتمسرح ..نلهو ..لكن غير ذلك لم نكن في حاجة لنتظاهر او لنخشى عيونا تراقبنا او تتطلع الينا ..كيفما طالت غيبتنا عن بعض نعود الى بعض عند اول وهلة التلاقي ..انا لا اعرف كيف عساها تقربني منها ولعلها هي كذلك ..قد نكتفي بتبادل النظرات لساعات ..نظرات افتقاد وحنين وفرح باللقاء وقد تنسى كليا انها لم تبادلني إلا بعض العبارات في زحمة السلام والتقبيل لخالتها ، والدتي ولاختي ولربما لزوجة اخي" خالد التي "تصحبنا ..قد تنشغل باعداد واجب الضيافة الاول ..قد تنادي علي وتسالني اين ذهبت "آسية "او "عواطف "..قد تفسح لي مجالا اثيرا على طاولة القهوة والحلوى والخبز والعسل والزبدة الطرية...وقد نظل في تسامرنا الى ساعة متأخرة بعد العشاء  لحين استشعار الجميع بالحاجة للنوم فتتطلع لوالدتي مخبرة اياها وكمن يطلب منها الاذن بان "طارق سينام معنا بالغرفة الكبرى بالطابق الاول وتطلب من "آسية"أن تحمل البطانيات وفي لحظة لعلي وانا امد لها كفي استجابة لطلبها ونحن ننزل الدرج تنتبه الي وتصيح في وجهي :"اولي اطارق مسلمتشي عليك والله اخي ديالي متنبهت شوفتك وانا ننسى كلشي سمحلي اخي ديالي سماحلي بزاف ..اجي عندي درعني ..د...ر..عني ..توحشتني ..انا توحشتك بلا قياس .."

"فاطمة "بسرعة اصبحت اطول منها لكنها لم تكن تبالي بان يكبر طفلها "العايل ديالها "الذي سلمته لاختها "آسية "ليكبر معها .."فاطنة "اختها الكبيرة كانت تتغامز معي لتوقع "فاطمة "وهي تتلحف ملاية خفيفة وتنوي ان تقيل بعد الغذاء مثل الجميع من غير "آسية "التي كانت تفضل ان تهتم بغسل الاواني وتنظيف المطبخ .افهم على "فاطنة "خطتها واباشر العمل عليها ..اخاطب "فاطمة "قائلا :"فاطمة نجي ننعس حداك اختي !؟"تدير راسها الي لتنظر لعيني مباشرة وبدون تردد تبدا في افساح المجال لي :"اجي قدامي أخاي ديالي .."وامضي لجانبها تناولني وسادتي بل وتحرص على أن تضعها بجانب وسادتها تفسح لي جانبا من الملاية التي تتغطى بها ..انحشر بجانبها تاركا بعض المسافة القليلة بيني وبين ظهرها الذي ولته لجانبي ..تنظر إلي جانبيا وتهمس لي :"قرب لعندي ..درعني ونعس معيا .."واسايرها لتنقض عليها اختها "فاطنة "ضاحكة ومقهقهة تسخر منها :"فاطمة كيفاش درعني ونعس معيا وش هد شي حدانا .."وكانها اكتشفت المقلب تبتسم وتقوس زاوية عينها وترد "ياه ..شحال انتما كتزيدوا فيه انا والله ما نويت شي حاجة  وانت (تنظر إلي بعتاب هازئ)حتى انت كتتقرى معها علي ..ياك اطارق وعقل فيها .." اقبلها على خدها قبلة كبيرة ترضية لها تتجاوب معي على نحو خفي اهمس لها قريبا من اذنها :"والله حتى كنحمق عليك وبغيت غير نشوفك قداش كتحمقي عليا "من بعيد ياتي صوت والدتي :"و نعسوا وسكتونا ..طارق "يتبعها صوت خالتي "زهرة":"فاطمة نعسوا ولا هودوا للتحث..يالاه "وتنزل "آسية "بخفة على صوت والدتها لتراقب الوضع وهي تبتسم وتتمسح بي بعيونها تحنوا علي بنظرتها .."فاطمة "تتابع الموقف تنظر إلي انظر ل"آسية "وتعاود النظر ل"آسية "تنظر إلي تعدل من استلقاءها وتخاطب اختها "آسية ":"آسية "الى كملتي يلاه نهودوا للتحث اختي هادوا راهم بانت ليهم في "تضحك "آسية "وتخاطبني انا :"يلاه اولد خالتي ..زيدي افاطمة "وتنهظ فرحة "فاطمة "ربما في راسها عشرات المخططات والافكار لتنفذها ..ربما تشتشعر انها ليست غبية لكي لا تفهم المقلب ولما يحيل عليه ..ربما شعرت لهنيهات بأنها مستثارة حسيا ...وربما تفخر بنفسها وبجراتها على تدبر الموقف ...وربما هي كذلك أحيانا تتصرف بكامل العفوية ودونما حاجة لترسم الاف الحسابات وتضع امامها عشرات العوائق بدون موجب ..

عندما كنت احكي لاستاذتي علاقتي بابنة خالتي "فاطمة "كانت لا تكف عن الابتسام في وجهي بل واحيانا كانت تصول بضحكتها وتتفطن لتعاود النظر في الممر لتتاكد من انها لم تلفت الانتباه اليها ..منذ ان قلت ل"فاطمة "بعلاقتي النوعية باستاذتي واستاذنتها في إمكان أن أتحدث عنها وعنا امام استاذتي لتوافق بالتاكيد ودون تردد تعبيرا منها بأنها تفهمني وتقدر احتياجاتي وتنتظر مني ان اوضح لها اهدافي البعيدة التي لا ينطلي عليها انني اخفيها بعد عنها أما استاذتي فكان يكفي ان اخبرها بانني لا اخفي على ابنة خالتي "فاطمة "اي شيء يهمني ويعنيني لتقول لي :"عاود ليها كلشي حتى انا كيهمني نسمع منها شنوا غذي تقول عليا "...

  -"فاطمة  وش كتظنني كنغلط مع استاذتي وش كتظنيها غير مرة هكذا ..رها قارية وعندها الباك وام وغزالة ومحافظة جدا هذيك هي لمعمرها تغلط في حق شي واحد ولا مع شي وحد بش تظنيها كتغلط مع تلميذ صغير عندها .."

+"اطارق مقلتشي ليك كتغلط معاك ولا كتغلط معها وانما انا مقدراش نصدق كيفاش طوعاتك وكيفاش كتقولي كتبغيها "

_"افاطمة ..اختي ..ابنت خالتي العزيزة عندي راه كيما كنبغيك ..كنبغي آسية كنبغي خالتي ..فاطنة ..ماما اختي عمتي خاك عبدالحميد ..محمد كنبغيها ..وباغي نكون قريب منها نهدر معها نتكلم معها نشوفها كتبتسم ليا ..نحس بها كتتحرك حديا كتلمسني ..انا هكذا والله مكنتصنع ولا كنراوغك .."

+"عارفك اطارق بصح اجي لهنا ودبا اذا تعرفتوا او شنو غذي تديروا ؟!"

_"ما حنا معروفين واتفقنا نلعبوها مفضوحين بش يتقبلنا كل واحد بحسب نيتوا ..حنا معدنا ما نخبيوا ..واحد صغير كيبغي وحدة كبيرة في العمر ومزوجة وعندها البنات وولد وموظفة .. أستاذة وعايش لاباس عليها اش غذي نطلب منها ولا غذي تطلب مني  انا هكذا قلتها ليها انا مشي ديك المراهق الإعتيادي لكيدور في ديك الساقية ديال الرغبة والجنس انا محتاج فقط مع من نهدر ويسمعني ويفتح لي قلبوا يتقبلني يعطني فرصة نطور معه ومع نفسي احاسيس انا معمري كننسى راسي ولا كنتجاوز الحدود ديالي  وانا كل النسا وكل البنات ديال عائلتي ربوني وربوني مزيان .."

+"وشنوا ردت عليك ...على هذ الهدرة اللخرة لقلتي ؟!"

_"ضحكت في وجهي وقالت لي 'لا باينة مربينك مزيان  'ثم شافت في مزيان وعاودت قالت لي 'لا والله عجبتني التربية ديالك "

كنت اعرف عن ماذا ابحث فيهن وعن ماذا يجدبني  اليهن ..كنت اريد الاكثر من الحب ..كنت اريد تعميق تجاربي وخلق اكثر من امتداد لمواضيع الحب الأساسية عندي بما يعني انني لا ابحث عن بديل مؤقت او مرحلي او عابر في حياتي بالقدر ما ابحث عن تثبيت اولى انطباعاتي واولى احساساتي بمعاني الحب ..وانا احب هذه وتلك وتلك  واترك نفسي وخيالي يقودني الى حيث يشاء  لم اكن في قرارة نفسي الا استكشف من جديد ومن جديد مرة أخرى تلك اللذات الأولى المحفورة عميقا في ذاكرتي وعلى  جسدي ...

ربما هذا ما اقنع استاذتي بالتعاطي الحر معي لقد كنت صادقا تماما معها لم اقل لها انني احب فيها "فاطمة "بنت خالتي لكنني قلت لها انها تشكل امتدادا لنفس الحب الذي لا يمكنه ان يتطور الا كحب خالص ونقي ومحايد  ولما سالتني :"وعلاش انا بالضبط "قلت لها بتمام الصراحة :"حيث انتي كبيرة مني وحيث انت ام ولفتي تعطي وتمدي في الحب ..انت لتقدري تسمحلي نتطور  معك وتحميني من نفسي حتى هي حيث انت فاهمة ..عندك تحاربك وعندك مرجعياتك لتحتكمي ليها وحيث انتي قارية وحيث انت كيف ما بغى يكون ماضيك عيشته دوزتي من هذ المراحل لدوزت منها ولو غير على مستوى الحلم وكنظن غذي تلقاي راحتك في انك تعاودي تتاملي فيه من موقعك الحالي انا مكنطلبشي منك تنزلي لعندي ولا انا نطلع عندك كل مكنطلب منك انك تحسي بي وتقرايني وتقراي راسك معايا ..."

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...