كل تتشكل نظرته للناس ..للاشياء ..للموضوعات بطرق مختلفة واعية ولاوعية وتبعا لتفاعلاته معها ...انا ظاهريا قد لا اعرف منذ متى تعلمت ان اضعني جانبا وان احمل غيري معي ليتعاطى عوضا عني مع الناس ..مع الاشياء..مع الموضوعات ...كنت حريصا على أن لا اتبدى كليا وان لا اكون في منتهى الوضوح او الصراحة الا بمقدار وفي الان الممكن ومع الناس الصحيحين ..كنت حريصا على أن اقومني في كل ما من مرة وغير متساهل في تعميق خبرتي بنفسي وبالاخرين ...لكنني كنت متسامحا مع نفسي كما مع الاخرين ولا أبالي بان اخطأ التصرف او السلوك مادمت أتعلم واحرص على أن أشحد مهاراتي واوسع مداركي ومعارفي ...
طاردني منذ وعي الاول الاحساس بانني مختلف عن الاخرين خصوصا اقراني فحملت العهد على نفسي على أن ارعى اختلافي وان اطوره مهما كلفني من معاناة
قوى في الاحساس بانني مختلف اعتزازا خاصا بذاتي لكنها ابدا لم تكن محض نرجسية او أنانية مبالغ فيها ..كان والدي يغذي في باستمرار طابع الهزيمة أمام الواقع الذي رفعه امامنا عاليا بمنطق رؤيته هو للواقع العام والشخصي ..وهو ما كنت رافضا قالبا وطابعا له ودائما التفكير والتفكيك فيه ومنذ أن توسع بيني وبين اختى الصغيرة مجال الكلام والحديث والرأي والتعاطي الحر مع الموضوعات والافكار اضحينا شركاء في البوح والتداعي والنقاش حول هذا الواقع وما يكونه وكل ما يكونه ... كنا نختلي ببعضنا كلما توفر الوقت وسنح المكان بذلك لنتحدث اطول وقت ممكن فتتلون سحنتنا وتتعكر امزجتنا وترتسم تعابير بعينها على وجوهنا انا كنت اقرب للحالم المتذمر وهي اقرب من الحكيم الساخر ..كانت ترتسم على وجهها تعابير اكتشاف المعنى والسخرية من الحقائق المزيفة لكنها لا انا ولا هي كنا نسمح بتعابير اللامبالات تمسخ وجوهنا وتتسلل من ثمة لدواخلنا ..تعلمنا ان نهتم بادق التفاصيل وان نراقب لاطول فترة كل ما يتحرك من حولنا وان نحتفظ بكل انطباعتنا وارتساماتنا لحين ان يكتمل لدى كل واحد منا شكل لها ..خطاطة ذهنية لموضوعها او لشخصها ثم نتشارك طرحه والنقاش حوله ..
علاقتي بالصغيرة "بشرى"اختى كانت صاخبة وضاجة بالحياة لكنها في الجزيئات الصغيرة والخفية والصامتة منها كنا على النقيض من كل ما نتبدى عليه ونظهره منا ...كنا ناسى ونعاني ونهتم ..كنا نكف على أن نكون متناغمين مع اعمارنا او فقط منسجمين مع محيطنا واقراننا ...وبيننا كنا دائمي تذكير كل واحد منا بان نحرص ولو مؤقتا على أن لا نكشف عن رؤيتنا الحقيقية للآخرين فقط لكي لا نصدمهم او تجعلهم يتصادمون معنا ...
تعلمنا ان نحتال على الواقع كما خبره والدنا وكما يريد ان يفرضه علينا وتعلمنا ان نمارس احتيالنا حتى عليه لكي نكشف تناقضاته وتناقض المثال الذي يريد استزراعه فينا ..كنا قد طورنا لغتنا الخاصة وقدرتنا على لعب الادوار والتمثيل بحضور الكل والجميع .. كنا قادرين على أن نحتفظ بخقيقتنا لنا وحدنا بينما مع الجميع نحن مجرد ممثلين اذكياء ومراعين للظرف وللشخص او الأشخاص الذين تتعاطى معهم ...لزمنا وقت طويل من الاخد والرد والتجريب والاختبار حتى مع اصحابنا وصاحباتنا ابناء وبنات جيراننا لنجد بيننا وبينهم مساحة تفاهم وصدق حقيقين على انها لم تكن كلها على درجة او مستوى واحد بل كانت متفاوتة ما بين كل واحد واخر من نفس جماعتنا واصحابنا ..كان يلزمنا أن نكون حذرين في كل تعاملتنا دون ان يعني ذلك اننا غير صادقي النوايا او متامرين او خبثاء ..كان كل الذي نرصده من حولنا ..من المقربين منا من داخل حتى اسرتنا لا يسمح لنا بأن نامن الجانب وتطمئن بسرعة لاي احد ..كنا نعرف ونقدر ان نذية اعمامي ووالدي ستتاثر وتتصدع بمجرد دوام تطبيعهم مع بعض وانسجامهم المبالغ فيه ..وكنا نعرف أن صاحب الذكان الذي تتبضع منه والدتي اللوازم التموينية الشهرية للبيت وتشكر فيه عما قريب ستذم وتخس من قدره وذميته ..كما كنا نعرف أن الخصامات بين اخوتنا مهما بدت عميقة او عنيفة سرعان ما ستسوى وستتناسى ولو ظاهريا ...كما كنا نحدس ان التغيير حاصل لا مفر منه لكل ما حولنا والمهم أن لا نغفل عن تتبع وقراءة مؤشراته ..
لم تكن لا "شهرزاد "ولا "قمرية "ولا "بدرية "صديقتنا الاقرب الينا بل كانت اختهن الصغرى "لمياء "والتي كانت في الاول رهاني الخاص الذي ادخلت فيه اختى الصغرى "بشرى"التي بمثل عمر "لمياء ".
"لمياء "على ملاحتها وعذوبة ورقة طبعها كانت رشيقة القوام وتبدوا أصغر من سنها ..وظلت كذلك حتى بعد فترة مراهقتها ظلت الطفلة المحببة والذكية التي تعرف ممارسة لعبة التسلل للقلوب واحتلالها ..
"لمياء "كانت تصغرني بعامين لكنني وقد تعرفت عليها في سن الخامسة من عمري فلقد كانت بالفعل طفلة صغيرة بالنسبة لي ..اختى كانت صغيرتي وحبيبتي وشريكتي في كل شيء بينما كانت "لمياء "طفلتي المحببة التي اخاف عليها وارعاها واحن عليها واقربها باستمرار مني واريدها ان تتعرف اكثر على كل ما يشكله عالمي الخاص ...
منذ ان كنت اصاحب والدي وعمي "محمد"لمعاينة اشغال بناء الطابق الاول لمنزلنا ونحن في موسم الصيف وبعد نستقر بمدينة "القنيطرة "وانما نحن بعطلة نقضيها بمنزل جدتنا وعماتنا واعمامنا مع كامل افراد اسرتنا الصغيرة استهواني جو الترحيب من من كان ينعثه عمي "محمد"لي بجيرننا المستقبليين ..كانوا بشوشين وظرفاء وطبعيين غير متصنعين وكان نصيبي معهم ومنهم اطيب العناقات والقبلات فانا بعد طفل صغير لم يتم الأربعة سنوات من عمره لكن احلى الضمات والقبلات كانت تلك التي كانت تناولني اياها الصغيرة جدا بنت الثانية سنوات من العمر "لمياء "..التي انتظرت بفارغ الصبر والتطلع نهاية سهرة ليلة محيئنا برحيلنا النهائي للاقامة بمسكننا بالطابق الاول لمنزلنا الذي كان سفليه مكترى ..وانتظرت بزوغ الشمس وبداية انطلاق حركة الناس بالخارج لاخرج الزقاق على أمل ان ارى من وعدتني امها بأنها ستكون صاحبتي هي وكل اخواتها وللعمر كله ... لم اكن مجرد طفل صغير لاصدق في كل ما يقال لي لكنني كنت بيني وبين نفسي اتخير ما اصدق فيه حسب ما أريد انا نفسي أن اصدق فيه حتى ولو اخدع فيه ...وكنت جادا في أن اصدق ان تلك الصغيرة التي عانقتني من تلقاء نفسها وقبلتني من فمي ستكون صاحبتي وما علي الا ان احرص انا على ذلك وان اسال من يهتمون بامري ويحبون أن يسمعوا الي مثل "عمي محمد "وعمتى "مينة "وابنة عمتي الكبيرة "حورية "ناهيك عن اخي ومعلمي الاكبر مني "فؤاد" عن كيفية الوصول لذلك..
***. ***. ***
بصراحة اقف لنفسي واحاصرها بالسؤال الاساسي مجاهدا رغبة في تعنيفها وهزها بقوة لأنها ببساطة أتعبتني وارهقت قواي :"قل لي ماذا تريد بالضبط ...؟! "...هل كنت اعرف ماذا اريده تمام المعرفة ؟! ابدا كان يخيل لي انني اعرف بعضه ..اعرفه على وجه التعميم ..اكاد انسج معه خيالات عدة لكنني انتهي مضيعا كل الصور الاستهلالية التي بدأت بها ..واضيع فهمي حتى لكنه اللغة التي كنت انسج بها المعاني وانتهي مجددا على حيرة من امري ...
استاذتي كانت تقف الي في الطرف الاقصى من قسم التدريس الواسع والعريض .انا شبه متكئ على الجدار وهي كفت على أن تقف لي جانبيا وتوزع نظرتها بين الفينة والاخرى على تلامذة الفصل ..كانت تقف اقرب مني وتنظر مباشرة إلى عيني وتتفحصني من اعلى ..كنت الحظ عينها ورؤيتهما اين تحط مني كانت تتطلع لشعري ..تقف عند كتفي ..تنزل بلحظات قصيرة جدا لذراعي ..لتنظر لكفي ...وكلما كانت تتعاطى معي بكل تلك الاريحية كنت اتجاوز عتبات الصدق لمنتهاها ..كنت حينها قد تجاوزت الاستدلال بالوقائع والشهادات او الإحالة ببساطة على تجربتي المعيشية كنت قد اندلعت في التعبير فقط عن انطباعاتي الخاصة وعرض تاملاتي والاحالة على احساساتي الشخصية ...استاذتي كانت ام لاربع فتيات ولصبي صغير وبعدها في ابهى عمر وجمال بعد في عز نضوحها..استاذتي طورت علاقتي بها خارج الفصول الدراسية ..قبل حتى ان الج فصلها كتلميذ تدرسه اللغة العربية وادابها في آخر مستوى اعدادي لي "السنة الرابعة توجيهي اعدادي "..استاذتي كنت حريصا على أن ادخلها كمستمعة لحوارتنا ودردشاتنا ونقاشاتنا التي تطورت بعزم وتصميم على أن تتطور وبقناعة شاركني فيها بكل ترحيب واعجاب استاذي منذ السنة الأولى اعدادي "السويحلي "أستاذ مادة التربية الإسلامية الذي افسح لي المجال بداية بمصادقته ثم بتقديمي لباقي الأساتذة لنفتح نقاشات معهم انا وشلة من رفاقي ورفيقاتي المقربين لي ...استاذتي وكما تصورتها الوحيدة التي ظلت مكتفية وبكل استمتاع بان تقف لجانبنا وان لا تدلي بارائها الخاصة كانت متحفظة جدا وحريصة على أن تضع مسافة بينها وبين كامل طاقم التدريس والإدارة التربوية للمؤسسة مثلما لا تكون داخل الاقسام وبين تلامذتها الذين كانت تحرص على توحيههم دونما صرامة او شدة بل وكانت جد متعاطفة مع الحالات الإنسانية التي كانت تعج بها مؤسستنا من موقعها الجغرافي الاسكاني الذي حدد لها حدود تلامذة المدينة الممكن استعابهم بها من جهات سكنية معينة ..اعداديتنا "الامام مالك "رغم موقعها الاستراتيجي وبناءها الذي يعود لفترة الإقامة الإسبانية بجهة شمال المغرب والذي جعلها جد متميزة كانت تطل على حزام شاطئ بحري يشكل حدودا للمدينة باكملها وباليابسة كانت تفتح تلك الحدود لاجمل شرفة اطلنطية باجمل حدائق وتنتهي لتتحوط جزئيا على المدينة القديمة بداية من احياء باب البحر التي تفتح بدورها المحال لمدخل ميناء الصيد التقليدي والعصري للعراىش ..لكن البحر ما كان ينتهي هناك كان يمضي في التفافه وبعدما يعانق فيض نهر اللوكوس يمتد او يتراجع للوراء ليفتح اطلالات على قرى ومداشر حتى يفسح المجال لميناء صغير تحتضنه مدينة "اصيلا "ولاخر بعد امتداد زهاء الاربعين كلم كسب صية دوليا، انه ميناء طنجة الذي يستقبل البحر الأبيض المتوسط ويودع المحيط الأطلسي ليسافر بعيدا في عمق الافق الغربي والشمالي ..
من جهة الجنوب كانت تتراص بيوتات على خط شريطي واحد تشكل بدورها سورا لمقبرة "سيدي علال بن احمد "التي تنفتح على حي صغير وفقير "حي برج سيدي ميمون "ثم تتجاوزه لتنفتح من جديد على المقبرة المسيحية المجاورة لمبني السجن المحلي الذي يشكل شبه بوابة رسمية لحي عريض اسباني الطراز والبناء حي القشلة الذي كان يفتح في حدوده الجنوبية لبيوتات هامشية صفيحية عشوائية تنهي المجال الاسكاني وتفتح المجال لبروز الغابة الجميلة غابة "اولمبيكا "..بالمقابل كانت تمتد المساحات الخالية بتربتها الحمراء وببعض نباتاتها الشوكية ويكسر امتدادها من جديد بيوتات هامشية صفيحية اقيمت كاحياء متكاملة عشوائية تشكل مع صف بيوتات اتت كشريط أحادي المساكن تطل على شارع "جاكارطا "الشارع الرئيسي لحي يضم كل تلك البراريك الهامشية يعرف بحي "الناظور "الذي يلتقي مع حي "جنان بوحسينة "الذي كان يحتوى اولى البيوتات التي بنيت خارج اسوار المدينة القديمة وكانت في معظمها بيوتات قديمة وصغيرة الا ما بني في فترة نهاية السبعينات ..كانت مدرسة "البلدية المختلطة "ومدرسة "ابن زيدون "نهاية توسع حي جنان بوحسينة والفاصل بينها وبين حي يجمع المساكن القديمة الموروثة من حقبة الإقامة الإسبانية بالمدينة واخرى غادية في النمو البطئ اعلى الحي المعروف باسم "الليخرو " ..مدرسة "البلدية المختلطة"كان يقابلها حي مخظرم هو الاخر لكن بنسبة اضعف عن حي الليخروا معروف بحي "النابص"ينتهي عند صف بيوتات من طراز اسباني جميل اسقفها مغطاة بالقرميد وشكلها كاشكال اكواخ عصرية تحد اعداديتنا "الامام مالك "من جهة جنوبها وتفتح المجال للمدخل الخلفي للسوق المركزي اليومي "البلاصا "وحي البلاصة ..الذي تبتدا معه شوارع المدينة الرئيسية واحياءها وتشكل جميعها معا وسط المدينة وتفرعاتها الشبه عصرية والعصرية ..
اعداديتنا "الامام مالك"ببناءها على دورين وبهندستها الفخمة كانت تحتوي اكبر عدد من تلامذة ما كنت احب ان اسميهم "تلامذة الظروف الصعبة " لانهم لم يكونوا تلامذة قروين في السواد الأعظم منهم وحتى تلامذة احياء الصفيح بها لم يكونوا يشبهون تلامذة احياء صفيح اخرى بالمدينة ك "كليطو"و"المحصحص"و"جنان الباشا "وغيرها ..كان تواجدهم ضمن إطار سكني عمراني متمدن يفرض عليهم بأشكال متعددة الاندماج معه .. ويخضعهم لرقابته ويحاصر لحد ما طابع البداوة من ان ينتشر في عموم المجال الحضري .."تلامذة الظروف الصعبة "هم من سكان أحياء المدينة القديمة واحياء القشلة والناظور وجنان بوحسينة وبعض من حي الليخروا وحي النابص وحينا نحن "حي جامع الجديدة" وحي البلاصا و احياء شوارع وسط المدينة والجامع الغالب بينهم توسط الحال والفقر المحتشم ..كان قلة بيننا من يمكن نعتهم بميسوري الحال او حتى أولئك المعتبرين لاباس باحوالهم المادية والاجتماعية ...وكما كان يسر الحال درجات كدلك كان توسط الحال بيننا وكذلك كان الفقر بيننا الشعبي والعام والسائد ...استاذتي كانت لا تخجل من تبدى كامل تعاطفها مع من كانت معاناتهم مفضوحة لان ظروفهم كانت أكثر من صعبة بل جد صعبة ...وكنت احب ان اعرف عنها اكثر فاكثر من طريقتها في التعامل واسلوبها في التدريس وفرض هيبتها داخل الصفوف من من كانوا يتتلمذون في صفوفها ..على أنني تتبعت كل سبيل لاتعرف على شخصيتها من سكان الحي الذي تقيم به ومن من كانت تقف لتبادلهم السلام وبعض الكلام وهي في خرجتها للتسوق او التبضع من وسط المدينة أو من دكاكين الحي ..
استاذتي لم اكن في حاجة لاغزف عليها لحن "ست الحبايب ياحبيبة.."ولا اناشيد "قم للمعلم ووفيه التبجيلا " كنت انظر إليها ببساطة كامراة ناضجة مثلما علمتني عمتي "مينة "والتي لم تعلمني فقط الارتماء في حضنها والاقبال على محبتها بل علمتني الاحترام كذلك ...واحترامي الشديد والخاص لاستاذتي تلك كان نابعا من معطيين اثنين اولهما جمالها وتانيهما امومتها .. كونها أستاذة كان امتيازا لها ولنا كلنا كان يحب ان يشرف على تدريسه أستاذة حتى من كان يعرف انه لن يتم دروسه الاعدادية و لا محالة سيخرج نهائيا من الحياة المدرسية لحياة اخرى كان يرتاح لان يحضر دروسا أستاذة له على حضور دروس استاذ مفضوح لنا خصوصا نحن الذكور ونحن نجده اكثر ميلا للتعامل مع الاناث على التعامل معنا نحن الذكور على تصنعه لمنطق الأبوة للجميع ..
استاذتي بعد ان تجاوزت صور عمتي "مينة "التي كانت تشوش علي وتحجب علي رؤيتي الخاصة للموضوعات التي قد اكون أحبها او ارغبها بدات انظر إليها مباشرة في عينها واتخاطب بصريا معها اسلم عليها من بعيد .. ابدي اعجابي بما تلبسه ..اقول لها اشتقت اليك بعد كل دخول واستئناف للدراسة من فترة عطلة ..استاذتي ما اكتفت بمجرد ملاحضتي وتتبعي بل اخدت تتجاوب معي وتقبلتني ببساطة وكنت اعرف انه سياتي اليوم الذي ستدير معي حوارات خاصة كان يكفي ان اتحول من مجرد مراهق يروقها أسلوبه التعبيري عن نفسه ورغباته الى اخر ينبهها الى أنه غير ذلك المراهق بالمرة الذي استحود على انتبهاها وادخلها لعبة الاستلطاف عن بعد ..وكنت واضحا لحدود بعيدة خصوصا لما توسعت حلقات النقاش بين استاذي "السويحلي "وبين جماعة رفاقي الى رفيقاتنا وباقبال عدد من الأستاذة الى الانضمام إليها بين الفترة والاخرى .. كنت واضحا معه وانا اسمي المختارة من الأساتذة التي يسعدني التعرف اليها والتعريف عن نفسي لها وقلت له انها تهمني على وجه الخصوص وانني احتاج اليها ..كنت قد طورت علاقتي باستاذي "السويحلي"لدرجة المكاشفة وكان معنا غير متحفظ على اي نقاش ومستعد للتدخل حتى في معالجات مشكلاتنا النفسية والمرحلية او كما كان يقول وهو يعبر عن ابداء كامل استعداده :"علاش منحاولش اولدي طارق". ..لم يطلب مني الكثير من التوضيح لانه كان يعرفني لحدود بعيدة وكان يعرف مفاتحي النفسية ويعرف معني ان اكاشفه باحتياح مثل هذا وفي الان نفسه وعند اول ظهور لها قاصدة قاعة الأستاذة لوضع دفتر النصوص الخاص بها نادها استاذي الجليل أستاذة مادة التربية الإسلامية الأنيق بجلاليبه وطاقيته والمهيب بلحيته المستديرة المشدبة والمقصوصة باتقان والتي يخالطها الشيب والسواد وكانت لعبة إدارة الحوار سمجة ومكشوفة هو اخبرها بحاجاتنا لرايها في موضوع اثير بيننا وترك لي مبدئيا الفرصة لاعرض الموضوع لناخد رايها المفترض وهو ما لم تبديه ولا سمح به وقت الاستراحة لانني لم اتوقف عن الكلام وما كنت استعرض وانما كنت أتحدث اليها وكأن بيننا زمن من الاحاديث وعشرة طال امدها ومن مجرد حديث عن دور الاهالي في التربية والتنسيق مع طاقم التدريس والإدارة لتقويم الاعوجاحات في السلوك وفي رفع المردودية داخل القسم والحد من الاصطدامات المباشرة بين التلامذة واساتذتهم وجدتني ابادلها معرفتي بجيرانها وبحيراننا بعلاقاتها الاجتماعية مع اهالي من درسوا في صفوفها وخصوصا اولئك التلامذة ذوي الظروف الجد صعبة ..الى أن اعبر لها صراحةعن بعض رؤيتي الخاصة لها ...يومها فرقنا ازير صوة الجرس الكهربائي القوي الذي كان يصم اذاننا وبسبب الازعاج لنا وبعد ان انطلقت قاصدة الفصل الذي ستدرس به ما تبقى من ساعتين على نهاية الدوام المسائي لا حظت عني انني اهم بمغادرة الممر لباب الخروج من المؤسسة فتوقفت لتنادي علي ولتسالني هل انهيت حصص المساء ولاجيبها بان لا حصصا مسائية كانت لي وانني جئت فقط كما هي عادتي لمواصلة التحدث والنقاش مع استاذي ولاطلب منه ان يعرفني اليها..وابتسمت كما كنت اتوقع منها تماما لانها لم تكن لتتفاجى اكثر مني بعد كل الذي قطعته علاقتنا المعرفية البصرية والتي امتدت للاكثر من ثلاثة سنوات ..ابتسمت وقالت لي :انتظرني بباب القسم سادخل وأخرج اليك ..".
يومها كنت تلميذا بصفوفها ولا تزحزحت عن التخاطب البصري معها داخل القسم الذي تديره كما لم اتوانى عن ابداء حرصي الشديد على تهيئة دروسي قبليا بالمنزل وحرصي على أن أشارك وان اكون موفقا في مشاركتي داخل القسم وهذا كان جزء عملي من ابداء كامل احترامي لها انا ما كنت ابدا السباق حتى في التمتم بالسلام او التحية لما نتقابل صدفة خارج مبنى الاعدادية بل هي من طورت معي هذا الأسلوب واحتوتني فيه وفي اطره لكن غير ذلك ما كنت لاتخلى عن استعدابي كأن انظر إليها ونحن خارجين بعد انتهاء الدرس لاقول لها بعيني فقط مع السلامة والى اللقاء ونهاية اسبوع موفقة وسعيدة ورقت لي اليوم اكثر ...ولتبادلني التجاوب الخاص بيننا...
كنت انظر إليها في عينها واتابع انزياحات بصرها علي لما سالتني ولم تنتظر جوابا مني قالت لي :"ما غديش نقولك شنوا خصك دابا حيث انا عارفه وانما نقدر نعاود نسول راسي انا من جديد ونسولني انا الى اي حد انا مقتانع بكل ماانت وضحتيه لي ولي انا سعيدة به .." وابتسمت في وجهها ودون المزيد من الكلمات اقتربت اكثر مني وضمتني الى حضنها وانامت راسي على كتفها للحظات ثم نظرت إلي وقد استعادة المسافة الأولى التي كانت بيننا وقالت لي : "بغيني ..متخافش مني " وعادت الى مكتبها براس القسم دون أن تلفت لمن كان يراقب ما حدث بيننا ...
****. ****. ****
كنت عاقدا العزم على أن لا افشل في كل مساعي ومنضبط الى حد بعيد مع نفسي ومع ما سطرته لي من برنامج ..حتى اصحابي ورفيقاتي عودتهم على زياراتي لهم في أوقات محددة سلفا من جانبي وقابلة للتعديل ان قوبلت ببعض التحفظ من لدن بعضهم ...لم انسى حتى زيارة من كنت حريصا على استمرار صداقتي بهم من رفاق المرحلة الابتدائية من الدراسة كان هناك من عودته على زيارتين في الشهر ومنهم من انس مني زيارة له مرة واحدة في الشهر ..كنت المبادر بتلك الزيارات التي ما كانت تقتصر على ايام الاحاد او ايام العطل الرسمية وانما تتوزع على ايام الاسبوع ولا تتوزع اغتباطيا وانما تراعي موقع سكناهم وطبيعة حيهم ومنطقتهم السكنية واحوالهم المعيشية كما نوعهم البيولوجي وشخصية معيلهم الاساسي ..كان من يصح ان اقابله صباحا وهناك من لا مشكلة في ان ابقى معه ما بعد غروب الشمس وادان العشاء ..وهناك من لم اكن اسال لما الطرق باب بيتهم عن ان كان موجودا هو اولا او لا وانما كنت ادخل مباشرة لصحن دارهم ولا من مشكلة تطرح من كلا الجانبين ...اصحابي وصاحباتي بحينا عدلنا من برامج تلاقينا حسب رغبة كل واحد او واحدة منا وبالضبط فيما إذا كان مرغوبا ان نبقى لوحدينا من ان لم نكن نمانع من ان ينظم الينا الاخرون ....
كانت لي بالتاكيد دوافعي الشخصية الأصلية التي اتدبر بها كل ذلك الحرص وكل ذلك التنظيم ..كنت بيني وبين نفسي محتاج لان اعبر عن وجودي ..عن ذاتي كما اعيها واستوعبها انا لا كما يخطط لي الاخرون تحركاتها وحدودها ولغة التعبير عنها ..لم اكن في حاجة لان ابهر احدا وان قد تبدوا لعبة مفرحة وتشبع بعض احتياجاتي النفسية ..بالقدر الذي كان يهمني ان اضمن لي المزيد من التزود بالحب وبالثقة في ...ولكي يسهل علي سلوك مثل هذا السبيل كان علي ان اطور اكثر فاكثر من لغتي على التواصل والتفاعل الاجتماعي السليم وان اعبر من ثمة لتطوير لغتي النفسية كي اكون مفهوما للآخرين وخصوصا لمن يهمني امرهم ولمن لست مستعدا ابدا لان اخسر او اضحي بحبهم لي وحبي لهم ...
لم اكن الفتى الحالم طوال اوقات يومي ..هي فقط خلوات اعقدها مع نفسي وارتاح فيها من القراءة والتفكر فيما اقرأه لاسرح قليلا مع خيالاتي وافتكر فيها احلامي ...واترك لذاكرة الاشخاص العاطفين الماثرين في ان تفتح ابوابها وتستدعي لي صورهم .. وجوههم ..أشكاله ..اصواتهم ..روائحهم ..والازمنة الخاصة التي كنا فيها سوية بالقرب من بعضنا البعض..
ومن كل اولئك الناس العاطفين الماثرين في والذين اترقب بصبر ومكابرة ان يحين موعد الاجتماع بهم كانت أسرة خالتي "زهرة" وكل فرد فرد فيها بشكل مخصوص إلا أنني ما كنت لاداور نفسي عن حقيقة نفسي ونزوعها العاطفي بشكل قد يبدوا منقسما على نفسه لكنه في حقيقته غير كذلك ...قد يبدوا انني موزع بشكل مكثف على كل من "فاطمة "و"آسية"بنتا خالتي "زهرة".."فاطمة"اكبر من "آسية "لكن ما عاد يهم كم يحملا من العمر فكلتهما قد تجوزا و"فاطمة "اضحت اما لثلاثة بنات و"آسية "قريبا ستضع مولودها الأول ..وانا ابدا ما كنت غرا او بليها لاسمح بخيالي ان يشطح بي ويضحك بسخرية مني ..انا ما خترت حبهما ولا تعلقت بهما من فراغ انا منذ ان فتحت عيني على الدنيا وبعد لا استوعب الأشياء الا حسيا ادركت حبهما لي وكلما بدات في الوعي اكثر لا اكتشف الا كم يكبر خبهما لي وكم انا بدوري احبهما ...كنت اقولها لهما معا وفي نفس الوقت :انتما من تهافت علي واحباني واشبعاني حبا واردف :"اوا دبا دبروا راسكم معيا انتما المسؤولين ..."تضحك "فاطمة "مني وتقهقه بينما ترعاني عيون "آسية "بكامل الحب والتودد والابتسامة لا تفارق محياها ..:"ودبا شونوا كتعني ..زعمكين جاي متحرش .. مقري ..وسير اولدي لعب مع قرانك ..سير لعب قدام باب داركم ..."وتعطف علي "آسية ":"اجي عندي اخي ديالي ..اجي عندي اطارق "كانت نبرة جديدة اضافتها لكلمات التحبب والتقرب مني منذ ان تجوزت ورحلت لبيت زوجها نبرة فيها كامل الحنية وارقى عاطفة "اخي ديالي .."لم تكن تقلد بها ان كانت تقلد احدا اختي الكبيرة "مليكة "ولا اختي الصغرى "بشرى" وانما كانت حريصة على تقلد فيها صغيرة حينا "لمياء" التي لم تكن تقولها فقط "اخي ديالي .."وانما كانت تتحرك صوبي بكل عاطفة وتبدى كامل استعدادها لتشبع لي اي من رغباتي ..في الحديث لها او في مرافقتي او في جلوس فقط الي والبقاء صامتة بجانبي ..."آسية "سبقت استاذتي في ان تعرض علي ان أحبها وان لا أخشى شيئا منها :" والله العظيم بغيني ..ومتخافشي مني .."انا كنت اعرف بالتاكيد ما يلزمني وما انا في أشد الحاجة إليه لاتحرر من كل خوف ولانفتح على كل الافاق ولاحقق كل ما اصبوا اليه ..كنت في حاجة الحب ولأن يثقوا في احبتي ..لم اكن اطالب باي شيء اخر غير الحب انا اعرف حدود الاعيب العشق والغرام كما استوعب كل تعقيدات حياتنا الاجتماعية كما اعي الفارق بيني وبين الاخرين...وكيفما اعتقد في البعض بانني نزق ومشاكش فانا لم اكن كذلك في كل الاحوال اللهم عابثا مازحا بتودد ليس الا ...
هذه المرة كنت على موعد يفرقه فقط يومين لاسافر مع والدتي واختي "بشرى"ل"طنجة"..موعد يهمني فيه بالاساس ان اتحدث فيه ل"فاطمة" وان اسمع منها الرد صريحا ...كان طبيعي ان اخبرها بكل ما سار معي طوال فترة ابتعادنا عن بعضنا وان احمي لها بالتفصيل كل ما هي ترى أنه ينبغي علي ان افصل فيه وكنت اعرف انها سيستهويها فصل البوح والاعتراف لاستاذتي ..لكنني لم اكن أراهن على انبهارها واعجابها بحراتي وشجاعاتي واختلافي وانما كنت مراهنا وغير مستعد لان اخسر رهاني معها هي بالضبط كنت اريد ان اسمع منها هي بدورها :"بغيني ..متخافشي مني "لكن فاطمة فحائتني بان زادت في حجم وقوة العبارة بان قالت لي :"بغيني ..متخافشي مني ..انا غذي نعرف كي نبغيك ونبقى نبغيك العمر كلوا ..صافي طارق .."..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق