كنت قد كبرت وكلما تمعنت في حالي انفرض علي نفس السؤال :"هل كبرت حقا على الطفل الذي كنته ...؟!..في تلك الزيارة لاحظت علي خالتي توتري وحملت اكثر من مرة عينها الي مطالبة بان افصح في امري وكنت امهلها ..كنت اترك للوقت ان ينوب عني في التوصيل اليها بانني جاد فيما ساخبرها به وانني هذه المرة اطالبها بالكثير من التفهم والرعاية ...
عندما كانت تودع أمي وهما على مدخل الدرج التصقت بخالتي لتكاتفني ولتقول لي "شنو باغي تقول لي اخالتي ديالي ..؟!"امسكت بذرعها وطلبت خلوة بها :اجي نقولك اخالتي.."وقلت لها باندفاع وعلى نفس واحد وبكل اختصار ما اريده منها ...كنت اريد واريد واريد وغير قادر على ان اداري ان كنت لا استطيع ان اداري على نفسي الحقيقة .. كنت اعرف انني تحايلت بما يكفي لارتب اوضاع اقامتي ب"طنجة"بمنزل اخي "خالد"وانني خططت باتقان لاهم الخطوات وانني حضيت بالموافقة الرسمية والباقي سيتكفل به اخي الاكبر كطلب الانتقال و تسجيلي بثانوية جديدة ..لكنني كنت بحاجة لاسمع من خالتي ولتسمع مني ..كنت في حاجة لان اكاشفها وتنظر هي بكامل اختيارها وحريتها في ما عساني اقول به ..كنت فعلا منزعجا وبكيت لأكثر من مرة وبحرقة خلال الأيام الثلاثة الماضية التي قضيناها انا وامي بمنزل خالتي "زهرة "وعزيزي "سي محمد "بلاجدوى ..بكيت وكانني بحاجة فقط لأن انفس عن انفعالاتي ..اما ما من حيرة او شك كان يخامرني في انه سيكون دوما مرحب بي في هذا البيت ..وربما بكيت مشاعرا اخرى كانت تكبر داخلي وتغربني عن نفسي ..الذي كنت اعيه وواثق به من كل خواطري وهواحسي هو احساسي العميق بانني بحاجة لاعيش هذه التجربة اكثر من حاجتي لاستعيد اي لحظة عشتها داخل هذا الفضاء وبين ناسه لانني كنت اعرف انني كبرت وربما ماكنت لاحسها بمثل ما رمقتني به بنت خالتي "آسية " وهي تستوقفني في طريق عودتها لمنزلها الخاص منزل زوجها وكنت قبلها غير قادر البثة على تصور كيف سيكون شكل هذا اللقاء كنت اعرف ان الخبر شاع بينهم وكل بطريقته سيوجه لي الكلام وسيقول وسيقول وانا ساسمع منهم لكنني ساظل في انتظار اللحظة التي سيقولون فيها كل شيء يعنني ويهمني واريده ..لذلك مع "آسية"كنت في حالة انحصار ذهني تام وكانني في قرارة نفسي كنت متاكدا انها ستفاجئني ..
قلت لخالتي ان كل طنجة لا تعني لي شيئا وليس لي فيها مكان ولن يكون مكاني وانني بكل ماتوسلته للمقدم للعيش بطنجة لانني اريد ان اكون بالقرب منهم وقلت لها انني ابدا مانسيت احضان ابن خالتي الاكبر "محمد"وقبلاته لي وهو يوعدني صادقا وناكثا في نفس الوقت بأنه سينقلني لعندهم وسيسجلني بمدرسة فقط بعد ان يقبل والدي بذلك وانا لا أتركه الا بعد ان يصدقني في هل فعلا هو جاد في وعده وما ينم عنه من رغبة حتى وإن يبدوا أشبه بالمستحيل من حيث ان الفكرة مستبعدة كليا من والدي ...وقلت لخالتي بسابق خوفي من ان اكبر وان امنع من زيارتهم الخاصة التي اريدها انا وليست تلك الزيارات العائلية الرسمية ..وقلت لخالتي بانني حتى ولو كبرت لن اكبر ابدا عنها وأنها تعرفني وتعرف عن ماذا ابحث والى ما انا في حاجة نفسية اليه بهذا المنزل ...كنت اطلب من خالتي اذنها الخاص في ان تفتح لي الجنة التي كنا نعلم جيدا اننا سنسحب منها تدريجيا لكي لا نطرد منها ..واوامت اليها عاطفا ليس الا على انه ما من وضع حساس سيكون معي ومع "عواطف "خصوصا في الحالة التي اعيشها في حاضري النفسي وهنا صدقي كله قراته في دموعي التي انهمرت مني وشعرت بحق بكم انا في حاجة لحضنهم لتاخدني اليه وللا تسلمني منه الا لحضن والدتي التي اخدتني اليه وهي تطمئنني بالنيابة عن خالتي التي اوصلت لها لابلغ حد كم انا منكسر ذاخليا وفي حاجة لإعادة الترميم ..
كنت ناضجا لحد مقبول معرفيا لاستوعب بعضا من حالتي واسميها واضعها في قوالبها النسقية الثقافية وفي غيرها كنت اعتمد على حدسي الخاص ..اعي اموري في خطوطها العريضة على الاقل ..اضيق من توهاني واعمق من تفكيري الى أن انتهي لاعي على الاقل ما اريده حتى لا يضللني هوى ما أشبه ما اريده ليس الا...
كنت اريد ان اكون قريبا من موضوعات الحب الاول والاساسية في تكويني النفسي بمثل ما كنت بعد في حاجة وان على نحو مختلف لأكون قريبا من مستشفى الأمراض العقلية والعصبية التي كنت اتابع العلاج بها ..حاجتي الأخيرة كانت بعد تجريبية وان اخدت منحنيات اخرى لتغدوا اكثر استكشافية للعالم الاخر الذي يقبع في الصمت ويتلون بالوان عجائبية واستفهامية اما في جزئه الاجتماعي فلقد كنت حاسما معه وكان لعبتي الصاحية ما كنت لاهتم البثة باي وصم او نعث وان استغللت تحيز الناس العاطفي بخصوص مرتديه او الخارجين منه ...
كنت اريد ان انظر في عيونهم مجددا من موقع مختلف ..كنت مستعدا لاغامر بكل شيء لاحضى بفرصة اخرى ليرونني ولاراهم بشكل مختلف ..مع "فاطمة"كنت مستعدا تماما لجولات من النقاشات ولتتعانق اكفنا مرات ومرات ولننتهي في كل جولة بوعد خفي بأنه سيكون لنا كلام اخر في آخر مطاف حديثنا ..مع فاطمة اللغة طوعنها بيننا و "انظر الي مباشرة كما انظر اليك مباشرة "تجاوزنها بمسافات ولا حدودا نقيمها بيننا غير تلك التي نعي جيدا انها مركبة بيننا اكثر مما هي مصطنعة او فقط لانها واقعية لنتقبلها نحن كأنها القدر الذي لا مرد له .."بالعكس .."كانت تقول لي "شتي انا ..فاطمة لما قراتش ولي من أسرة محافظة ..عندي استعداد ندير شي حاجات لما نعرت كي ديرين خصني فقط نكون مقتنع بها وصادقة فيها مع نفسي ...ولبغى يهدر غير يهدر .." وكنت اقول لها:"وشتي أنا بهذ العقلية لعندك وبالصراحة ديالك بش بغيتك وبغيت خويا سمير ..."
كان اول لقاء لنا ..خالتي "زهرة"جائتني إبانها صحبة ابنها "عبد الحميد"الذي كان يناديني باسمي ومصر على طرق الباب بمثل اصراري على تجاهله وتعمد التظاهر بانني غير موجود ببيت اخي "خالد"لكنني استجبت تبعا لمنادة خالتي لي باسمي :"طارق افتح انا خالتك .."كنت متعبا لا اعرف طعما للنوم الا خفية مني وبعد غير قادر على استعاب كامل وجودي ..بعد لم اهضم الصدمة ..بعد ذاهل من هول ما مر علي ولست متيقنا بالمرة بانني بعد لم امت ..لم انتهي ...
كان اول لقاء لنا في كامل حياتنا ذلك اللقاء الجد كلاسيكي الذي لا يرتب له احد الطرفين ..ولا احد اخر ..لقاء ياتي هكذا..بعيدا عن اي سابق اتفاق او تخطيط ..لقاء نعي في عمقنا النفسي انه لن يمر دون ان يحدث ثورة داخلنا ودون ان يؤسس لجديد انفعالاتنا ولقاءتنا ...
كان اللقاء الذي أردته عن حق لقاءا غير مالوف ولا اعتيادي ..وكان اللقاء الذي اعرف فقط ما ينبغي ان اقول فيه دون ان اعي ولو مجرد عبارة واحدة مما يمكن ان اقوله ولا خمنت في كيف ستسلك هي معي لانني ببساطة لا اخالها ابدا كالاخريين..
كان موعدا مثاليا بكل المقاييس ..كان الوقت يبعد بالقليل ربما بزهاء الساعة الا قليلا عن غروب الشمس وكان المكان ابعد عن ضجيج المارة ونقط تبضعهم ولقاءتهم ببعضهم اليومية كما هو الحال بجوار بيت خالتي بمجرد عبور الزقاق الى الشارع ..وكانت لوحدها وكان ملمح بعضنا لبعض ما منه شك كما لا محل ليهرب احدنا من الاخر (على الاقل بالنسبة معي...!!؟).وقبل ان ابدا في التفكير وصياغة اولى الارتسمات كانت قد انهت كل داع لاي تفكير قبلي بابتسامتها وبما سمعته من شفتيها على أن المسافة التي كانت بيننا لا تسمح لي بان اسمع منها ما جاء وكأنه مجرد انفلات صوت للداخل للشفتين..كان اسمي يرقص بين شفتيها وفرحة تطل من عينها ..كنت اعرف انني انا من في حاجة ليتحدث ومن عليه أن يقدم أسبابه حتى غير المقنعة لكنني كنت ادرك انني ازاءها محتاج للاكثر من أدافع عن وجهة نظري ربما علي الاعتذار منها لأنني بالاكثر من شكل خدلتها في ..
قارب الوقت على اذان العشاء وهي تسمع مني وتقول وقلت أشياء كثيرة وتعاطت هي معها بكل حس وذكاء لكن كل منا كان يحس انه بعد لم نقل ما نريده ربما الوضع جديد علينا ..ربما شكل ومكان اللقاء صعب علينا كامل المكاشفة ..ربما لم االفها ولم تالفني بوقفتنا في الشارع ..ربما لأننا لم نمارس البوح الا وراسينا قريبين من بعض وبالهمس اكثر من جرس الكلمات الصاخب ..وربما من جانبي لانني كنت خائفا من ان اندفع في الحديث واقول اكثر مما ينبغي أن يقال او فقط لانني لم اكن استسغ ان استحضر بيني وبين نفسي انها مجرد ابنة خالتي متزوجة وأم لذلك كنت اداور واسايرها في التحدث وهي صابرة علي متحملة مني نزقي ..كانت متيقظة لحركة الناس وللزمن ونبهتها لذلك لكنها اصرت على الوقوف مواصلة التحدث الي كنت اجيبها بمنتهى الصدق عن كل تساءلاتها لكنني لم اقل لها الحقيقة الكامنة بذاخلي ..كنت اكابر برسم الابتسامة على وجهي الى أن سالتني وهي تنظر مباشرة إلى عيني :"طارق كتبغني كبنت خالتك ولا كي آسية صحبتك ..نسى انني متزوجة وديك الشي ..وجوابني بصراحة .."واندلعت بالدمع كنت اعرف انني مكشوف أمامها وعبثا احاول كنت اعرف من اول ان وصلت لهاهنا بعد ان سفرني اخي خالد ومكنني من مفتاح بيته المكترى ب"طنجة"وقدم لي وصفا بعنوان البيت لاخد فرصة لارتاح مع نفسي واغير الجو وابتعد عن نظرات الاستفهام التي بات الكل يرمقني بها انني لا اريد اكثر من ان اطمئن قليلا في حضن خالتي زهرة وان ارى"آسية "وان ابكي امامها الطفل الذي اردت ان اقتله ..طفلها الذي ربته ورعته بكل حب وتفاني ..مجرد ان ابكي امامها لانني انا نفسي لا اعرف لماذا حاولت فعلا الانتحار او لم اعد ادرك دوافعي لا الأولى ولا التالية التي جعلتني اصمم على ارتكابه ..
جئت مرات بعدها وكنت في كل مرة احن لبيت خالتي "زهرة "ويحلو لي ان اعتصم بغرفتي بالمسكن المخصص لابن خالتي "عبد الحميد"..اغفوا ..انام ..اصحو ..أدخن ..اسمع الموسيقى ..اقرا ..اشرد ..احلق وحدي ..وكانت خالتي تدعوني للبقاء بالمنزل لاتعشى معهم او لالتحق بالغداء صحبة كامل العائلة التي تجتمع ظهيرة يوم الجمعة وكنت دائم التحجج والاعتذار وعندما كان يضيق علي الخناق كنت افقد القدرة على التواصل السليم معهم ربما كنت اعيد ذلك لتعاطي لمادة "الحشيش "لكنني كنت اعي انني فقط اتهرب منهم وفي نفس الوقت انتظر منهم هم ان يقربونني منهم ..كنت متعبا بالأدوية التي اتعاطها وبالجو الاستثنائي الذي وجدتني محشورا فيه بارادتي وبدونها حتى لما يدخلن علي بنات خالتي لخلوتي اتعمد ان اترك كامل المسافة بيني وبينهم وحتى وهن يحاولن العبور الي لا اسايرهن كنت اعرف اكثر من انهن باوضاع اجتماعية ونفسية مركبة كنت اعرف بيني وبين نفسي انني مرهق عاطفيا ومن السهل ان اتعلق في أية قشة..وكنت خائفا مرعوبا اكثر من ان فعلت ان اخسرهن وهو ما لا طاقة لي به أو عليه ..النافدة الوحيدة التي كانت لي ان احلم بهن ان احادثهن بيني وبين نفسي أن ابني معهن عالما وان استعيد اللحضات التي كنا فيها سوية اكثر من عائلة واكثر من احبة ...
كانت جرأة مني يوم ان بدات في التفكير في استعادة نفسي ربما لانني اناها بدات في التكيف مع اثار الأدوية العصبية والنفسية وانزاحت عن عيني تلك الغمامة التي كانت تدبلهما ولانني بت المس الحاجة بضرورة أن استعيد ترتيق ذاكرتي التي بدأت مليئة بالثقوب ولانني كنت في حاجة لابادل شهادات بشهادات اخرى كنت في حاجة لان اتحدث عن نفسي لمن يعرفها لمن عاش بجانبها لمن رباها وعلمها واسس لوجودها الانفعالي والعاطفي والعقلي .. كان يلزمني ان استعيد لغة الكلام كما تعلمتها من "فاطمة"..اخي خالد وزوجته "فاطمة"حاولا معي بطرقهما الخاصة ربما لو كان اخي "سمير "بالقرب مني لعبر معي بسرعة على الاقل ليضعني في اول السلم ..خالد يعرف انه لم يطور معي هذا الأسلوب في التعاطي الوجداني الخالص لكنه كان يدفعني لاعبر عن نفسي وعن وجودي الاجتماعي ..اختي "بشرى "كانت تعرف انني مدبوح في نفسي وما لم اطلب منها الاقتراب اكثر مني فلا فائدة من أن تمثل او تلعب معي ايا من الادوار .."فاطنة "بنت خالتي الكبرى مستعدة لتعطيني وتهبني فوق حاجتي لكنها تموقعت مثل موقع اختي "بشرى"وكانت تحس بي وتحتوني بكامل الحب والعطف بين دراعيها لكنها هذه المرة بكل كياسة واعتبار لوضعي النفسي وحدها "آسية "من كانت تفتحصني وتهزني عميقا اكثر مما كانت تفعله معي عيون الطبيب المعالج الذي كان قلما يتحدث هو الي ..وكانت مصرة في كل مرة على أن تفهمني انها بعد تحب طفلها ..خالتي مثل والدتي طلبت منهما فقط ان لا يقلقا من شاني وان يدعاني على سجيتي..وحده "عزيزي "من اكتشفت كم انا في امس الحاجة لحنوه وعطفه وكم استعيد من سلام وامن داخلي لما اخد يانس مني ان اندفع لحضنه ساعة يجمعنا سلام وتقبيل من الوجه ..خالتي مثل والدتي وجدتني اكثر ميلا للابتعاد عنهما حماية لنفسي من الضعف والانهيار .."عبد الحميد "و"محمد"اخدا مني مسافة لكنهما ابديا المزيد من الدعم لي وكانا كريمين ماديا معي ..تحولا لصدقين لي يبادلني ولا يطلبا ان ابادلهما الا بما اقدر حقا عليه ..
كنت قد قطعت بعض الاشواط في استعادة قدرتي على التركيز ومتابعة القراءة لكنني ب"بطنجة"اعوض عليها بقدرتي على مخاطرة ذاتي والغوص بعيدا في اعماقها و"بطنجة "كنت استعيد حتى شغفي الاول بموضوعات حبي الاول والاساسية كانت صور عمتي "مينة "وعمي "محمد "لا تفارقني أساسا وكنت اعيد اكتشافي واكتشاف كم احبهما اكثر من البقية ..
لأكثر من ستة أشهر على الحادثة وكل الحنين الذي يتولد في لم يقوى على تدويب الجليد الذي امتد ليصنع مسافات بيني وبين احبتي الذين اتحرق شوقا اليهم وهم قريبون مني لكنني انا بما يعتمل ذاخلي اجدهم ابعد من يمسك بهم حتى خيالي ..كنت خائفا من ان اعيد الكرة فاعدمني ..مع ساعات الفجر يعسكر علي شبح الموت فاغرق في رؤيات ضبابية يتخللها الدمع الكثيف واجدني مودعا ..مودعا لا محالة كل ناسي واحبتي عما قريب ..ولما اصحو من غفوة النوم تتلبد علي مشاعر الاغتراب وافقد طعم الاشياء ...
لما قدم اخي "سمير "الى المغرب في الصيف استغلت اول خرحة لنا وكانت لشاطى البحر الصخري لاخبره بما يعتمل بداخلي من مخاوف وبالسرعة المطلوبة احالني على نفسي وقال لي "قل لي انت دبا كيفاش كتشوف المخرج ولو المؤقت لهذا الحالة ديالك ...حيت انت لكتعرف راسك اكثر من اي واحد فينا حنا ولا شي طبيب وخا يكون كيف ما كان مجهد .."وقلت له بحاجتي لان اعود ل"طنجة "لمنزل "خالتي زهرة"وهذه المرة لاستعيد علاقاتي معهم وعلاقتي بنفسي
..
كانت اولى الرؤى المتفحصة لذاتي ولحالي جائتني وانا مع رفاقي المستجدين والذين على تقبلي المبدئي بمصاحبتهم لم اكن بعد قد سمحت لنفسي بان اطور معهم أية علاقة صداقة حميمية ..كنت اسايرهم بدايات تعاطيهم للحشيش لكنني لا اسايرهم تعاطيهم للنقاش ولا مجاسراتهم ..كنت غير مقيد بالحضور للدرس بالاعدادية ..طلب مني اخي خالد الذي قدم لإدارة المؤسسة شهادة طبية مرضية بتقدير ثلاثة شهور ان ارتاح وساعة شئت أن أذهب للاعدادية فلقد سمحت لي الإدارة بذلك دون اي شرط بالالتزام بكامل الدوام او باستمرار القدوم في الايام الموالية لكنه طلب مني بالمقابل ان اذاكر بيني وبين نفسي دروس العام السابق الذي رسبت فيه وانا على ابواب التوجيهية (السنة الرابعة اعدادي ) وان اضع نصب عيني انني ساجتاز الاختبار النهائي وسانجح مثل ما نجحت في الدورة الأولى حتى وانا كنت متعبا ومريضا ولا افصح بذلك ..
كنت قد ضجرت من جو المكوث مع رفاقي بحديقة الثانوية التي كانوا يدرسون بها وبحق ضجرت من نظرات البنات التي كانت ترمقني وتتساءل عن وضعي وبضع ما يكون سري ..خصوصا انني بوضع الدخيل لعالم الثانوية ورفاقيته انا لم اتحصل على بطاقة العبور ..رسبت العام السابق واكرر نفس المستوى بالاعدادي..ولما تعرفت على رفيق جديد لهم يسكن بديور حواتة تعرفنا على جو المقبرة "مقبرة للامنانة "الذي لم يكن غريبا علي بل لعلي كونت معه علاقة حميمية وخاصة جدا منذ ان توفت جدتي "رحمة "واخد يعني لي اكثر من مجرد مكان نصاحب فيه صديقا لنا يهوى صيد الطيور او مكان أقصده لاجمع العقارب والحشرات ولاتظهار بانني طورت هواية وولعا علميا خاصا بينما انا في حقيقة امري اعيد اكتشاف روايتي التي سلبتني لبي وفؤادي وسيطرت على كامل تفكيري واحاول عيش تجربة الطفل الذي يطور عوالمه الخاصة بعد إصابته بحادث عرضي سقطت فيه على راسه اصاص زهور فادته في سلامة قواه العقلية والنفسية "رواية رسالة من عالم اخر "...اخر شيء اذكره وتذكرته وتاكدت بأنه لازال بحوزتي بعد ان اوقفوني على قدمي لاخطو الخطوات خارجا من قسم المستعجلات بالمستشفى يومها ..كانت صورة في ظرف رسائل أصفر اللون لمن قررت بكامل وعي ان اصاحبها وان أحبها ..أن أعيش تجربة الحب مع سابق التخطيط والاصرار معها ..ان اجعلها تقبل عن وعي بان تلعب معي دور الصاحبين والحبيبين وان نتورط في كل الاعيب الحب دون ان نتورط في الحب والتي راقها مني اسلوبي في اقناعها بمجارتي بداية ثم كامل تقبلها لنوع العلاقة بيننا .."سناء "كانت بنت واعية ونوعية كما الرواية التي اول ما عادوا بي للبيت قررت أن اصعد وحدي لغرفة السطح للتأكد من وجودها ولاعيد تفحصها باحثا عن اي علامة قد اكون وضعتها بين دفتيها او بين اوراقها او كتبتها بين سطورها او حتى طبعتها بطريقة الضغط على ورقها ..بيني وبين نفسي كنت متيقنا ان بين هذه الرواية او من خلالها او من كل ما يشكلها يكمن اكثر من سر وحقيقة وسبب يخصني لكنني كمن عدم ان يذكره او ضاع منه ..
بالمقبرة كنا نتحلق حول بعضنا هم كانوا أكثر انسجاما بينهم انا لم يسبق لي ان كنت على معرفة باي واحد منهم قبل شهرين من الان وحتى صديقي المقرب "الشريف"الرابط بينهم وبيني لم يكن ليصاحبنا ولا كان لينسجم مع تمردهم على الدراسة وعلى القواعد الاجتماعية ..وكنت دائم تفحصهم والتدقيق في سلوكهم واسلوبهم والمقارنة بيني وبينهم وبين الشخصيات الروائية التي سبق وان قراتها مرات ومرات حتى حفضتها ..كان مفهوم عندهم انني امر من متاعب صحية نفسية وعصبية وعلى ذلك النحو سلكت معهم وتحفظت عن مسايرتهم والتذاكي مثلهم او التجاسر والتعبير الحر عن رغابتهم الجنسية وعن ما يغدي الكبت فيهم ويمارس الحرمان عليهم ...كنت بيني وبين نفسي احسهم ذوي افواه عريضة يلكون الكلمات الكبيرة وغير صادقين في ادعاءاتهم ولم يكن من داع لاقول لهم حقيقتي فيهم انا قدرت بداية خطوة صديقي الاقرب "الشريف "الذي حاول صادقا اخراحي من ما رآه في عزوفا وانطواءا غير سليم لواحد مثلي عاش معظم حياته مع الاصحاب والناس وداخل المجتمع فاخد يصمم على أن اصحبه للثانوية حيث يدرس وعرفني بعدد من أصحابه وكانوا هؤلاء منهم ثم عاد ونبهني لمسالة التعاطي للحشيش وطلب مني أن أكون حذرا من الامر ...
جو المقبرة ..رؤيتي لمن حولي من رفاق وإعادة مقاربتها مع رؤيتي لنفسي ولبعض موضوعاتي النفسية اخد يحرك في الرغبة الجادة لاستعيد بعض نشاطتي ورياضاتي الخاصة التاملية خصوصا مع استهوائي التام لعالم الليل والسهر حتى شروق الشمس ..كان السؤال يكبر داخلي ويحمل لي نفس الاتهام :"لماذا اقدمت على الانتحار ..؟!"كنت غير شاك بالمرة انني تعمدت وضع الظرف والصورة في جيب سترتي السوداء قبل أن أقدم على المحاولة الأولى والثانية والثالثة التي نسبة الفشل فيها كانت عمليا وتقنيا اضعف وقد تؤدي الى الموت الحتمي فقط ان لم اسعف في اناها وبالسرعة المطلوبة ..كنت اعرف انني اداري الحقيقة واتعمد مدارتها حتى بعد رحيلي واريد ان اعطي انطباعا زائفا وكلاسيكيا انني مجرد فتى مراهق مصدوم في علاقة عاطفية وانتحر لكنني لم اكن بقادر مرة أخرى على اجلاء الاسباب الحقيقة التي جعلتني ارتب لكل ذلك ...وكان علي ان ابدا البحث وان اطرح جانبا وليس خلفي موضوع الرواية /الشاهد الثاني ان ابدا في التفكير خارجا منها وليس في داخلها ..
كذلك مع رفاقي الجدد اكتشفت ان على أن اعيد ترتيب رؤيتي لهم ولنفسي وعوض ان اقبل بهم عن مضاضة او اضطر لمجرد مسايرتهم لما لا ابني معهم علاقة واعية لاحاول بداية التقرب منهم ..لامثل التقرب منهم وفهمهم كما يحاولون هم التمثيل علي بأنهم يقدرون خصوصيتي ويتالمون لما انعطفت عليه حالتي النفسية ...وكانت البداية ليست معهم هم بالخصوص ولكنها كانت مع الاثر /الشاهد الثاني ..الرواية التي كانت عبارة عن استرجاعات بعد الفصل الأول الذي جاء كتقرير موجز عن الحادثة وكيف حصلت مع بعض الاستطردات من طفولة البطل المحكي عنه المفترض انه كان بعد مشروع طفل /ابن بعد لم يرى النور ..وبدات بداية بإعادة ترتيبها بطريقة تطورية خطية لاضع المقدمة في زمنها الصحيح ثم في زمن كتابة نص الرواية الذي جاء عبارة عن رسالة من شخص عازم على الانتحار والاعتراف قبله ..وكذلك بدات انتبه لما علي القيام به ..لا بد لي ان اعيد ترتيب ذاكرتي ..لا بد لي من ان اعود الى الماضي البعيد لما اكونه وان اكف عن محاولة معرفة فقط ما كان يعتمل داخلي في الفترة التي تعبت فيها وبدأت في التخطيط للمحاولات الإنتحارية ...
مجيء سمير وبموسم الصيف كان لا محالة لن يترك مبررا دون مقدم خالتي "زهرة"لعندنا وستصحبها كالعادة "آسية "وعواطف"ومن الممكن ان تاتي معها ابنة خالتي الكبيرة "فاطنة " وبناتها كمامن الممكن ان لا تاتي تبعا لحال علاقتها الدائمة التشنج ...لكن الاكيد ان "فاطمة "لن تفوت الفرصة لتاتي لزيارتنا والسلام على اخي "سمير "الذي تكن له منزلة تقدير واحترام خاصين جدا وكذلك هو خصوصا بعد ان اصبح مغتربا لوحده بالديار الفرنسية بعد عودة اخي وزوجته "فاطمة "وابنهما الصغير "بهاء الدين" بشكل نهائي للمغرب ..وكما كنت مترقبا عودة اخي "سمير "بالكثير من الصبر ليتحدث الي واتحدث اليه كنت مترقبا مقدم ابنة خالتي "فاطمة"كنت محتاج اليها بشدة اريد منها ان تحاول معي وتخرجني من الصمت لانني عن حق كنت اوشك على الانهيار من وقعه علي وهذه المرة كنت مستعدا في قرارة نفسي أن اسهل عليها المحاولة وان نعيد علاقتنا ببعضنا بل وان اطلب منها هذه المرة بان تساعدني على استعادة لغة الكلام التي هي من غرستها في ..كنت اعرف ان اخي "فؤاد"من كان اول اخوتي وافراد عائلتي الذي علمني اخراج الاصوات والنطق وكل أنواع النزق والطيش والضحك على الدقون لكنه كان مقلا ودائما في التحدث عن نفسه وعن همومه وحتى ان فعل فعلى نحو ساخر وغير مباشر وغامض ..مما كان يدفعني لالتزام الصمت بحضوره اكثر من المحاججة او محاولة التكلم والتحدث واول ما كنت احاوله كان يدفعني ببعض الحدة وبعصبية وهو يزجزني قائلا لي :"انا خوك فؤاد من نهدر سمعني مشي فاطمة بنت خالتك تبقى تتعاطى معيا "....
كنت متمهلا في تمثيل دور التصادق مع رفاقي مستحضرا في كل خطواتي تجاههم صوت اخي "فؤاد"واعيد تقريبا نسج حكاياته مع رفاقه هو مع رفاقي انا ..لم أبالي بتنبيهات صديقي الاقرب "الشريف"كان صوت "فؤاد"عاليا على اي صوت اخر كان يقول لي :"بغين يدخلوك للحشيش سير معهم ..دير راسك حتى انت كانبو ..غذي يبقو يديروا رأسهم مصمكين بش يصمكوك ويتلاهو بك تصمك ليلهم وتبع شنوا غذي يبقو يقلو غير بينتهم ..انت متبين ليهومش انك متنبه ليهم ولا عايق بهم ..متبينش ليهم حتى انت راك قارئ وواعي عليهم خليهم هما ليبانوا قافزين وواعيين انت غير فرزهم واحد واحد ..شتي حتى ديك لعيبات ديال يبقوا يطبلوك في فليستك متديرهاش في بالك غير وكان من يبقو يبنوا ليك على حقيقتهم عطي لكل واحد الصرف ديالو ..."
كنت اقضي النهارات معهم بالغابة غالبا وباحياءهم السكنية لكنني كنت اتجنب انتظارهم او مصاحبتهم للثانوية من حيث انني استحضرت صوت معلمي الاول اخي "فؤاد""متخليهمش يخسرو ليك نظرة الناس ليليك وهذاك ليحاول يشوهك بك وليبقى يديك حتى لعند البزناس بش تتسوقوا الطريف ديال الحشيش عرفوا هذك هو أول وحد غدي يعاديك وغذي يجبد لك الصداع مع موالين الدار ومع الناس وعاد زيد المخزن ..هذاك ديروا في البال متزهقوش لكن غير بالفن لكي يقول خالد "
في الليل اعود لحضيرتي ..لسهرتي امام المذياع وللقراءة ..حال تدخيني للحشيش كان يجعلني منتشيا وبدات استعيد نشاطي الجنسي الذاتي وموضاعاتي النفسية وشوقي لصاحباتي اللواتي بت احن اكثر ولو لمجرد رؤيتهن بعد ان شبه قاطعتهن بصمتي وانزوائي على نفسي اختي "بشرى"حافظت على نفس زيارتها لي بغرفتي وتقبلي قبل أن تذهب لتنام وسؤالي عن احوالي حتى وهي تعرف انني كففت على التجاوب معها كذلك فعلن بنات جيراننا المقربين منا اصررن على مناداتي باسمي وتحيتي سواء رددت عليهن السلام او اقتضبت فيه او تجاهلته ...كنت ااجل العودة لاقتناء الكتب والمجلات وخوض نقاشاتي مع باعتها الذين اكن لهم الاكثر من الاحترام كما كنت ااجل استعادة علاقاتي باصحابي .. باصدقاء المدرسة كما باستاذتي وباطر دار الشباب لم اكن اعرف تماما لما اعاند رغبتي في استعادة كامل نشاطي الاجتماعي لكنني في جزء مني كنت مسلوبا من صوت معلمي الاول اخي فؤاد"وكنت افتقد لصوت معلمنا الاول لكلينا انا واخي ..لعمي الاصغر "محمد"وكنت اعرف انني متى لم اجلس لبنت خالتي "فاطمة "فمحال ان استعيد جرئتي لاتوجه لمرشدي في الحياة الاجتماعية العامة عمي "محمد "...(يتبع ..)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق