الاثنين، 12 أكتوبر 2020

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (7) تابع :سلاما متجددا فاطمة "6-1"

 تغيرت رؤيتي لكل الموضوعات بما فيها النفسية ..بت متجاوبا اكثر مع نظرات الجميع ومن كنت اعرف انه يتقبلني اكثر   حتى وبدون ان اعود بذاكرتي بتفاصيل العلاقة بيني وبينه..كنت اسمح لنفسي ان تعيد اكتشافه ..لا اعرف كنه الذي يتحرك في ولا كيف قويت على نكرانهم وتحمل البقاء بعيدا عنه داخل عالم من الحيرة والشك والتساءلات ..وكل الذي بت اعرفه الان هو احتياجي في هذه المرحلة لاعيد بناء علاقتي بهم ليس الا اما حتى كيف فلا املك تصورا جاهزا عنها ..لم اكن اضعف حتى وانا المس رهافة من احساساتي وفيض من العواطف تحتاجني ..لعلي كنت اقول لنفسي حيث رمتك الامواج فلتسبح او لتنطلق ..تركت لنفسي عقالها فقط واضبت على حصص تداعي الحر وقصرت على نفسي أن اتركها لليل لانني بنهاراتي كنت محتاجا لانشغل بالاكثر من شلة الرفاق ..كان علي ان اقطع دروبا وازقة وأرى اماكن بعينها ...وكان علي ان انظم زيارات لفصول الدرس بالاعدادية ..لفصول بعينها حسبما كان الحنين ياخدني ..كنت قد رفعت راسي التي تحتوي عيني لاعاود النظر والتفحص في الوجوه ..لم اكن في حاجة اكثر لاوشي باي شيء أو لاعبر اي تعبير حسي حركي حتى بعيني ..كنت اطلق فقط لنفسي عنان التعليق على موضوع رؤيتي وابصاري نحو العيون التي تشدني واتعقب صاحبها في مجموعه وفي كل تفاصيله ..  فطن الي العديد من الاصحاب والصاحبات ومن اساتذتي خصوصا وانني غير مضطر على الدوام والانتظام في الدراسة هذه كانت مفهومة ومستوعبة اداريا .اما الاخرى فكنت احدس انهم سيفهمونها هم مع بعض قليل من الوقت ..اسعدني ان كانت اولى العائدات لتلتصق بي وتصحبني وترافقني داخل المرر والساحة وتنتظر خروجي او تسال عن زمنه لتستادن مرافقتي "خديجة "والتي سهلت علي استعادة كل سرب صغيراتي الجميلات من مجموعة "الزنابق "كما اطلقنا عليهم نحن الرفقة الثلاثة من زمن التلمذة والصبي ؛انا و"الشريف "و"الكراب"وكانت "الزنابق "مجموعة فتيات مثلن صحبتي مسرحية "الثور والزنابق "التي عمليا تكلف "الشريف "الاشراف على اخراحها و"الكراب"تلحين اغانيها لانني كنت اناها مشغولا بالتحضير  لكل الحفل ولانشطة اخرى تغطي تقريبا فترة الاسبوع بما فيها حتى المشاركة في الاعداد للاستعراض ولقد اخد مني التحضير فترة طويلة فاوتت الشهر وكنت شبه متفرغ من الدراسة لها ولما احتجت مقدم "الشريف "ليتفرغ معنا طلبت من السيد المدير التدخل عند إدارة اعداديهم ليسمحوا له بذلك وكانت الاستجابة الفورية من طرفهم خصوصا انه تقليد ان تنشغل كل المؤسسات التعليمية بتنظيم حفلات وتظاهرات رياضية والتهيئة للاستعراض الكبير الذي تتوج به احتفلات عيد العرش المجيد ..

"الزنابق "كبرن بسرعة عن السنة الفارطة  لكنهن لم يتركن لي فرصة التملص منهن ومن البقاء مجرد محدق بهن  بمجرد ان راين "خديجة "بصحبتي حتى تهافتن علي واعادني الى سابق عهدنا يغدقن علي حبهن البرىء في انتظار ان تختلي بي اي واحدة منهن لتشاركني اسرارها الصغيرة والعابها المحببة المتوارية خلف جسدهن الصغير الذي بات اكثر نضوجا وقامتهن التي غدت اكثر اتساقا وطولا ..

وحدها "سناء"من بدت غاضبة مني وكلما تحركت لجوار الاخريات وغالبا مجرد مستمع ومتقبل لمدعابتهن كنت الحظ انها تراقبني ..هي مثل الكل والجميع من من حاولوا الاقتراب مني وافهامي انهم يشاركونني هول ما حدث معي ..هي من الكبيرات التي اخدتني وعانقنني امام كل حشود التلامذة وعلى مرأى اساتذتي وطاقم الإدارة التربوية بمجرد عودتي بعد الحادثة وهي مثلهم اخبرتهم بعدم تجاوبي على ترك مسافة بيني وبينهم ..

"سناء"البنت الذكية والانيقة التي قبلت بان نقيم بيننا علاقة حب وتصاحب واعي ..بل وعلاقة نوعية ..علاقة صريحة بيننا بعلم والديها واسرتها وبمباركة خاصة من خالتها المقيمة معهم بالبيت ..علاقة تراعي سننا والمرحلة النفسية التي نعاني داخلها دون ان تؤدي اي واحد منا ..هي من البنات الناضجات والتي على عدم اجتماعيتها التي بدت اول مرة تدخل فيها باب الاعدادية مثلي انا قرات في عينها ..في هندامها..في طريقة جلوسها في مشيتها ..انها اكثر نضوجا من قرينات عمرها بما افادني انها لن تعمر في طاولات الدرس لزمن طويل وأنها ما ان تتقدم بضع خطوات في العمر حتى ستعمر بيتا وتلد اطفالا بل حتى الصغيرة اختها "فذية"تتبع خطوات اختها لكن فقط بتاني ..  

"سناء "كانت صورة أخرى لبنت جيراننا التي عششت في راس الطفل الذي كنته والتي ايقضت المراهق في بنضوجها  والتي كادت تقتلني الغيرة عليها في كل مرة وحين ارها تحدق فيمن يكبرنا ..كان كل شيء فيها يقول بأنها اعدت نفسها لتكون اما وزوجة وحاولت مرارا ان انزعها من خيالي لكنها كانت متمكنة مني وعندما خطبت اتيحت لنا الفرصة صحبة اخواتها ان نتصارح وان تخبرني انها لطالما حاولت هي الاخرى ان تجعلني اكف عن التعلق بها لكنها في نفس الآن كانت تريد محبتي لها وأنها وعلى غرار كل اخواتها كانت لا تتردد في ان تهبني اكثر ان لم يكن مثلهن ...

"سناء "من البداية اتفقنا على أن نحب بعضنا ونحن نستحضر اننا لن نتصاحب العمر كله ولن نترك لانفسنا ان نرتكب أخطاء المراهقين  ..اتفقنا على أن نترك للعلاقة بيننا ان تتطور  لكن بحدود نقر فيها نحن الاثنين ولا باس من ان نشاور مقربينا وكان الاتفاق على أن تتولى خالتها واخي "سمير "امر الإستشارة ..كانت علاقة نوعية بكل امتياز من البدايات الأولى قررنا في امر الغيرة بيننا ..في حدود الحيل بيننا ..لكن الاجمل كان ذلك الاتفاق الغريب بيننا على أن نلعب لعبة استغماية اجتماعية بيننا كأن لا نجعل احد يصدق اننا على علاقة بيننا وفي نفس الآن يشك الكل في انه بيننا اجمل علاقة ..كانت "سناء "بنت محسوبة على بنات حينا لكنها خارج أزقة فضاء الحي كان يقع منزلهم الذي يطل على الشارع لذلك كنا بعيدين عن دائرة تعرفنا واحتكاكنا الحميمي فقط نتقابل وهن يعبرون الزقاق ممشى للدكان او لطريق المدرسة لم يكن يشاركن الا ناذرا جدا بنات جيراننا اللعب والجري والتحاكي بالحي وسلوكهن هن البنات الإخوة الثلاثة وذكريين بالإضافة للخالة الشابة كان فيه احترام خاص اكثر من تعالي وكانت تسحرني منذ ان كانت طفلة تصحب والدها ممسكة بيده لكنني احتفظت بسرها لي لوحدي ولم اطلع عليه احدا قط حتى دخلت القسم الذي ادرس به اول سنة اعدادية لي صحبة اختها "فذية "بعد ان انتقلت من اعدادية اخرى لعندنا ..وقررت ان أحبها دون ان يحدث معي كل الصراع الذي كان يسببه لي تعلقي ببنت جيراننا التي اعرف ولا اريد ان اعرف في نفس الوقت انها ستتركني لرجل ناضج ولبيت تكون سيدته ..

كانت تترصدني بعيونها وهو ما لا يعني اكثر من انها مسرورة بإستعادة رؤيتي بالاعدادية لكنني كنت الحظ عليها قلقها وتوترها الذي لا يعني تماما انها غيرة منها علي ..كلانا كان يعرف اننا غير قادرين على ايجاد الصيغة التي يحق لنا فيها على أن نغار على بعضنا وان لا يمنع هدا من ان تعلم على الاقل من جانبي انني أحبها ولست في حاجة لان اجرب مع اخرى اما من  جانبها هي فكانت غير محتاجة لوجع الرأس والقلب  بالعلاقات كانت تقول لي انها مرتاحة معي في علاقتنا التي نضبط فيها وتيرة تطورها قدر الإمكان دون حاجة لاي اندفاعات عاطفية او حسية مبالغ فيها ..كانت ساعة تتارق بشاني وتحن الى حبيبها في، تاتي وتاخدني من امام الجميع حتى ولو كنت اقف بجانب مدير الاعدادية وساعة تريد ان تقبلني تداور جماعات اصحابها واصحابي وتبادر بتقبلي وكان الامر مجرد مزحة او مجرد تنفيد لحكم لعبة الاحكام بين الاقران وشللهم ...كنا متفقين على أن نحافظ على الشكل الاجتماعي ونعلي امام الجميع بأننا مجرد زملاء دراسة ولا حتى اصحاب وابناء حي كبير واحد ..لكن بيننا بامكاننا استغلال ذلك كتمويه فقط غير مسموح باي انفلاتات لكن لاباس منها وكأن هذه الأخيرة اتت بشكل عفوي ومن الاستثناء العادي ان يحصل بين أصحاب جد عاديين غير مرتبطين عاطفيا ببعضهم البعض ..

"سناء"بدت لي غاضبة مني حتى ان "الكراب "صديقي طلب مني الاخلال بسابق اتفاقنا الذي ينص على أن لا يتابع اي منا الاخر في ما اتفقنا على انه خصوصية الطرف الآخر وان لا يتدخل على الاقل بشكل مباشر ..ونبهني الى أن ب"سناء"امر غير اعتيادي بالمرة لانها تملك حق نقض اي اتفاق وقتي بيننا متى ارتات ذلك على أن تبرر تصرفها امامي ..ربما او الاكيد انني طلبت منها ان نبتعد قليلا تبعا لحالتي النفسية الصعبة التي كنت امر منها بعد الحادثة لكن ان لا تنسى الظهور ولو على فترات متباعدة لرؤيتي وكانت في كل مرة تفاجئني بزيارتها لحيث مسكننا ولم تكن تبالي بان تلمحنا عيون وهي تحرص على أن تمسك بكفي وتبقيها براحة كفها وتقبلني حين الوداع ..وانا كنت في منتهى الاحوال غير قادر على تجاهلها وان كان يصعب علي التجاوب معها لكنني كنت مستسلما لها واحاول جاهدا ان اوصل اليها كامل اعتذاري وطلب ان تصفح عني لانني لست على مايرام ليس الا ...

هل كانت "سناء "تنتظر مني إشارة اكثر من هذه ليعود الدفئ لعلاقتنا ..؟!انا هاهنا وهاهو سرب صغيراتي يرفرف حولي وحتى ان لم استعد كامل عافيتي فانا أبدى كامل استعدادي لاتعافى ..اين هي من التي ما نستني ومن التي اربكت الكثير من القواعد بيننا فقط لتذكرني باجمل عاطفة تربطنا طوال الفترة الماضية ..؟! 

حقيقة اربكتني هذه المرة وزاد تدخل صاحبي واخرين من تلبكي لقد اعادتني للصفر واتعبتني ..بت لا اعرف كيف افعل معها لاستعيدها واستعيد مبادئتها لي ..المرحلة التي وصلنا اليها بعد اربع سنوات من الترابط بيننا ..ان اترك لها حرية ان تبادئني هي في كل شيء حتى في امر الاقتراب منها او  التحدث اليها ..ووجدتني انتكس في علاقتي بها ..عدت بدوري لمجرد متابع ..مراقب لصيق لها وهي تتجاهلني معظم الوقت ..وهو ما كاد يفقدني صوابي لانها جعلتني مفضوحا امام الجميع ..كان ينفد صبري مني كنت انظر في عيوني استاذتي الشقراء الجميلة واسالها حلا تبتسم في وجهي بتخابث وتحليني عليها على "سناء "..انظر الي "سناء " تتحاشى النظر في عيني لكنها تستمر في مبادلة نفس الابتسامة مع استاذتنا الشقراء الجميلة ..سالت بنفس الطريقة استاذتي الطيبة الحنون هزت عينها واحالتني على نفسي ..ولما حاولت ان اسال استاذي وموجهي العزيز امهلني وفي نهاية الحصة طلب مني انتظاره قرب باب قسمنا حيث اوقفني مأكدا علي بان لا اتحرك من مكاني ..كان تلامذة فوجنا ينصرفون ويعبرون الباب من جواري ولما اقتربت هي من الوصول الباب حول انتباهها باستفسرها على ان نسيت شيئا بمقعدها  ثم تقدم نحوي ليهمس لي "من تكون خرجة شد ليها فيدها ومشي معها ..صافي .."اردت ان اقول له:" ولكن ...حنا ..."فلم تخرج الكلمات من شفتي ..كانت قادمة باتجاه الباب نحوي ..ولما اقتربت  استعدت توجيه استاذي لي ووجدتني انظر لكفها بمواربة ..وكانت وهي تمر بجانبي متعمدة ان لا تتقابل عيوننا ومتعمدة في نفس الآن أن تمر بمحادتي ..ولا اعرف كيف لمحت حركت كفها تدنو مني لامسك بكفها وامضي لجوارها وليلحقنا صوت استاذي "عبد الرحمان الحناش"مناديا عليها "سناء ..سناء .."أدارت راسها صوبه وكذلك فعلت فقال لها مبتسما:"صافي ابنتي .."فاستدارت صوبي وسلت كفها عن كفي لتفاجئني باحلى ضمة وعناق ..وليفاجئنني استاذتي معا "الشقراء الجميلة والطيبة الحنون " ونحن نعبر زحام حشود التلامذة في ساعة الانصراف باغلاق ابواب الاعدادية و"سناء" لجواري بمحادتي كتفا ملتصقة بكتف بان يعبرا مسرعتين ويلتفا علينا كل واحدة من جنب ويقتربا بدورهما منا وليلتصقا بنا هما كذلك ..كان المشهد نسبيا هو ذاته يتكرر ..مشهد يوم الحفل الكبير يوم ان اقتربت اكثر مني "سناء "ونحن ننسق بيننا كلمة تقديمية لفقرات الحفل ومن انها ونحن طيلة الحفل نكاد لا نترك مجالا ولا فرصة لنا دون أن نكون متقاربين ..متلاصقين ..متلامسين ونسينا ان عيون كل الحضور تراقبنا  وتتبعنا بما فيها حتى عيون والدها وخالتها التي كانت بصحبة زوجها الحديث العهد بها وفي ختام الحفل وخلال  كلمة تجديد الترحاب واعلان نهايته وانا بجانب استاذي موجهي العزيز الذي كان ينوه بمجهوداتي وسناء بجانبي لجواري لم اعرف كيف وجدتها تستدير لتعانقني وتضمني لصدرها امام كل الحضور وتحت تصفيقاتهم وتهامستهم ...

واخيرا فهمت انها كانت تتنازل لي عن حقها في ان تكون هي المبادئة وأنها كانت تعبر عن سعادتها بانني انا من عبر اليها لنعبر لاجمل علاقة واعية ونوعية بيننا لانني لو لم افعل لبقيت هي ذاتها نفس الطفلة التي كانت تبادلني نفس التطلعات وهي تعبر ازقتنا ولا تملك ان تقول لي اكثر ولا انا كنت املك الجرأة حتى لمبادلتها التحية الصامتة   

كنت اعرف ان لعبة المعانقة والضم جاء يومها سنفعل ذلك امام الجميع ولن نبالي..خرجنا للشارع وتناقل الخبر سريعا بين "الزنابق "ليتحلقوا حولنا ويغلقوا علينا الدائرة لا ليحجبوننا فقط عن الانظار لكن ليباركوا لنا عودتنا لدفئ علاقتنا ولينضموا الينا ويدفعوننا لنعانق بعضنا ..وبالحي اصرت على أن نمر بداية لحيث بيتنا  واحتالت علي لادخل البيث بحجة اعارتها كتابا ونادت على والدتي بلسانها الذي لم يعد يتصنع التلعثم فخرجت بدوري والوالدة لتسلم عليها وتقف مبتسمة في وجهها والوالدة تبادلها الابتسام كذلك وتمسك "سناء "بيدي وتنزلني من عتبة الباب لتضمني وتعانقني امام والدتي ثم تطلب مني ان اصاحبها الان لاستودعها بيتهم ولتعيد ضمي امام والدتها وخالتها وامام ابتسامتهم وترحيبهم وعندما قالت انها ستتركني الان سالتها عن اختها العزيزة على قلبي "فذية "التي وكأنها كانت تنتظر فقط ان الفظ اسمها لتخرج الي ولتضمني بدوري ضمة الابنة او الاخت الصغرى لانها كانت أقصر قامة مني ..اطالت احتواءها لي وكنت مستسلما تماما لها وانا في غاية الدهشة والانتشاء ..غمغمت ببعض الكلمات المودعة ومضيت في طريقي دون ان افكر ولو للحظة في ان انظر للخلف ..كنت اعرف انني على موعد مع الكثير من دموع الفرح وعدم التصديق تنتظرني بالبيت ...

"فاطمة "بنت خالتي بعدما هدأت من روعتها يومها وتمالكت نفسها امام نظرات "آسية "التي بدت لي متصلبة ان لم احسبها متحجرة ..ان لم انعثها ببساطة بالمصدومة وهي متى دخلت صالة الجلوس ببيتهم ووجدت كل من "فاطمة "و"فاطنة"لجانبي بينما كانت خالتي واقفة بعد ان طردت ابنها "عبد الحميد"الذي كان يريد التدخل لتهدئة الجو المشحون بالدموع وصراخ "فاطمة "في وجهي وهي تردد "مابقيتشي فيك ياك اطارق ..مابقتشتي فيك خالتي ويما واسية ..مابقيتشي فيك انا نسيتني ..بغيتي تموت .."وعلى وقع الكلمات الأخيرة دخلت "آسية "لم تحتاج لتنظر الى عيون اي احد اخر اقتربت مني وادارت وجهي اليها لتتفحصني وكأنها لأول مرة تعرفني او تراني ..اطالت النظر الي وبشكل جد غريب..في عينها أشبه بشرود كبير .."فاطمة"احست باختها ونهضت  من مكانها ممسكة بدراع اختها تطلب منها الجلوس لكن "آسية "كانت في عالم اخر اخدتني من يدي وسحبتني اليها غير منتبهة حتى للمكان الذي كانت تعزم الجلوس اليه ..جلست بالية وكانت تروم ان تاخدني لاجلس حجرها تصلبت قريبا منها ..سمعتها تطلب مني الجلوس اليها بدى الوضع معقدا فانا عمليا اكبر على جلسة الحجر المحببة عندي ولطلما كنت اتحايل عليها بالاكثر من سبب كأن تمشط شعري لتجدني على حجرها لكن هذه المرة نحن ابعد عن الهزل والنكتة ..الموقف كله على بعضه مربك للاعصاب حتى انا اصبت بالصدمة وعرقت في حالة من عدم القدرة على التفكير في اي شيء ..حالة من الانحسار التام ..كان الموقف يتكرر على نحو اكثر انفعالية من الذي قابلتني به زوجة اخي "خالد"التي اصرت على تصحبه لحيث اتلقى العلاجات الإسعافية بالمستشفى وكان ويا للعحب ان والد "سناء"من يقدمها لي..وكانت كل دموع والدتي وعناقاتها لي لما اوصلوني للبيت صحبة والدي وصهرنا والد "فاطمة "زوجة اخي "خالد" والضمة التي ما ارادت لها اختي ان تنتهي وهي تعاتبني وتلومني على فعلتي غير الذي يفعلنه بنات خالتي حتى "فاطنة "نست كل حسها الدعابي  الذي كان يحول اعنف المواقف التي كانت تقابلها هي بذاتها الى هزل في آن حدوثه معها كأن تترامى خالتي عليها لتنهال عليها بالضرب عوض ان تستمر في بكائها كانت تعلي صوت ضحاكتها وكأن الموقف كله غير جاد ومجرد لعب ومزاح ..   هذه المرة كانت تتخاطفني من يد "فاطمة "هذه تدير وجهي لها والاخرى تسحبه لجهتها.."فاطمة "تجاهد انغلاق عينها كي لا تدرف اولى الدمعات الغزيرة و"فاطنة "دون ان تغمضهما كانت قد اينعتا شلال من الدموع .."فاطمة "تستجمع صوتها وتتنحنح محاولة استعادة قدرتها على صياغة الكلام و"فاطنة "لا تقول اي شيء لي فقط تتحين الفرصة لتاخدني لصدرها بينما الاخرى تسحبني اليها وخالتي بدت شاحبة الوجه لا تقوى على احتمال الوقوف لكنها تكابر وانا مسلوب تماما "آسية "لعلها من كانت أكثر واحدة مدبوحة في ..لعلها لم تكن لتفكر في البكاء وانما في الاستسلام للاغماء .."فاطمة "وحدها التي استطاعت أن تحسم في الموقف لانها كانت جد متنبهة للحاصل مع "آسية"تدخلت لتنهي الموقف المركب امهلتها واخدت تلامس ذراعها بتحبب وتلطف الا ان ارخت كفها عني لتجلسني بجانب منها وطلبت من "فاطنة "ان تناولها كوب ماء بسرعة ..كانت "عواطف "قد وصلت لتوها وتبعتها ابنة خالي "يامنا "صرخت خالتي في وجه "عواطف"وهمت بضربها وهي تسالها لماذا تاخرت ..بدخول"يامنا " فهمت ان خالتي "زهرة"من ارسلت وراء "آسية "وانا ابنت خالي التي تسكن قابلة منزل الأخيرة وصلها طلب الحضور المستعجل ل"آسية "عند "يمها /خالتي زهرة "فتحسبت  ان في الامر مكروه قد حصل فلحقت هي الاخرى ب"عواطف "لهاهنا ..المسكينة "عواطف"لم يكف بعد صراخ خالتي عليها حتى عاجلتها والدتها "فاطنة"بالصراخ ايضا طالبة منها الصعود للمطبخ لاحضار كوب ماء ..بعد "آسية "تبحلق في بغياب تجاهد مقاومته وانا غارق في تتبعها باستسلام عجيب وسكون غير مالوف ..ارى كيف يشيح ويهرب بياض عينها عن سواده ارصد حركة تنفسها التي تباطئت تماما وكأنها توقفت ...تحلقوا حولنا والكل يناديها "آسية ..آسية ..."اخدت راسها لصدرها اختها "فاطنة "بينما "فاطمة "ترشف لها الماء ..احسست من النظرات التي كانوا يرمقونني بها بالرغبة العارمة في الانفجار بالبكاء والنحيب..واحسست بالاختناق والتبلبل  في جلستي كنت كمن يريد الوقوف ليجري هاربا وفي نفس الوقت اريد البقاء بل مصر على أن ابقيني لجوار "آسية "التي كانت عمليا في حالة اغماء .."يامنا "بنت خالي لحقت بحال "آسية "دون ان الحظ عليها انها استوعبت بعد اي خلفيات للموقف ..خالتي اهتمت بها وطلبت مساعدة "فاطنة "التي بدت لي انها تتصرف بالية الطفلة ..اخدت آسية تستعيد وعيها ومعها قدرتها على درف الدموع دون صوت ودون تعبير وتراميت في حضنها لابكي بكل حرقة ووجع وهي تربث على ظهري وتقول لي "صافي ..صافي اطارق ..صافي الحبيب ديالي .."وكلما طلبت مني الكف احبس الهواء داخلي واطلق تنهيدات عالية واجشع في البكاء ا..راسي لصدرها وغطت علي  براسها وذراعيها تمسد شعري.. تقبل راسي ...لم تقل لي اي شيء وحدها "فاطمة "من كانت تدمل جراحي العميقة :"وشتي اطارق وشتي شنو كنت غدي تدير فينا وشتي شنو كنت غدي تدير. في آسية .."راجعت الموقف مرات متتالية وكنت انتهي في كل مرة لنفس النتيجة كل الذي حصل لم اكن اتوقع حصوله بالمرة اعتقدت بيني وبين نفسي انه متى حدست  خالتي انا في الامر مكروه لما طلبت من "عبد الحميد"ان يصحبها لمنزل اخي "خالد"الذي قصدته ومكث به خفية حتى عن عيون ابناء ابن خالي "محمد"الصغار وجائتني ليكشف" عبد الحميد"من تجنبي وحرصي على أن لا يلامس جهتي اليسرى حتى لا يحادي الجرح الذي كان يولع في احساسات بالالم الشديد والصاعق احيانا ان نسيت ومجرد حركت ذراعي او لامس كفي شيئا ..ان بهنالك شيء ما ليسالني مباشرة واتعمد النكران وكان يصر على معرفة ما اخفيه ليؤكد الشك الذي اعتراه فقط ونطق بها "حشوما عليك اولد خالتي تدير في راسك هكذا "وكان يتعمد أن لا يذكر الحادثة بمسميتها وبفطنة منه كان يمهد الامر لتستوعبه خالتي التي انهالت باللطم على فخديها "اولي اطارق بغي تقتل راسك ...اولي اخالتي ديالي صافي مبقتيش كتبغينا ......."  

عندما عدت لمدينتنا لم يمنعني برودة الجو من الخروج للوقوف في اعلى زقاق دار "بنعيسى"..كانت عين تنظر جهة منزل "سناء"التي اكيد انها وصلها الخبر وعين تنظر صوب باب المنزل الذي تقطنه تلك الممرضة الشابة "فاطمة "ولا اعرف لماذا انا متحمس بمثل هذا الشكل في رؤيتها ..؟! هل كان فقط هو الفضول لاعرف منها تفاصيل ما حدث معي بالمستوصف الحضري الذي تعمل به يوم الحادثة اياها ..؟! لا اقتنع داخليا بذلك ..كان الشك يخامرني من جديد في شأنها ..في شان هل ساعقل عليها ..على ملامح وجهها ..على شكلها ..؟! كنت اذكرها بدون وجه ..بدون ملامح . بدون هيئة الا تقربية ..احاول تذكر الذي لفت انتباهي اول بداية عملها بالمستوصف لكن كل الذي كنت اتحصل عليه هو صورة تقريرية شفاهية عن الموقف لا حدود لاستحضار ابتسامتها او بريق عينها ولا لرنين صوتها الذي اقر انه جدبني للتطلع اليها ومتابعتها وهي تتعامل بمنتهى الرقة واللطف  والظرافة مع كل المعايدين ..الباقي لست متاكدا منه وغير قادر على الاقل الان الاستغراق في استحضاره ..بعد راسي تؤلمني ..اسفل جمحمتي ينبعث منه أشبه بالازير ويسيطر على كامل راسي ..يدي اليسرى زرقاء اللون ..يابسة ..مجمدة من البرد ..الرغبة لي في التذخين وحالي مبعثر احاول على الاقل ان لا افكر في كيف تركت "طنجة "وعائلتي في هذه اللحظات ..فاض بي الكيل ما عدت اريد انجاز اي تصور عن كيف سيقابلني الذين يعرفونني ويهتمون لأمري ..حنق سيطر علي وبت اهيا نفسي لفكرة أن لا اهتم وان لا اعير اي أحد اهتمامي ..كانت رعشة تسلل الى كامل بدني ربما لانني لم اتناول أي طعام من وجبة الفطور بالمقهى التي دعاني اليها ابن خالتي "عبد الحميد"الذي اصر على أن يرافقني الى المستوصف هناك لتغيير الضماظة وتشبت بان يبقى معي لحين ركوب الحافلة في طريق عودتي لمدينتنا..الح وترجاني  في البقاء معهم بطنجة والنزول كما هو مالوف ببيت خالتي لكنني كنت اتحجج باي شيء لانني داخليا كنت قد حسمت في ضرورة أن أغادر كل فضاءات طنجة حتى وانا غير مستعد لاجدني من جديد بمدينتنا ..اخترت ببساطة الهروب كما سمته "فاطمة "بنت خالتي حين قلت بانني ساتركهم للعودة لديارنا ..لم تقتنع لكنها في نفس الامر سهلت علي الامر لم تلح او تصر في طلب بقائي قالت لي "سير دبا ..رجع شوف يماك ورجع بعدى نشبعوا منك حتى حنا العزيز ديالي ..صافي ..وعد .."  كنت اصدق اي كلمة أو عبارة تنطق بها "فاطمة "لانها مكايسة ولا ترمي بالكلمات على عواهنها ..تعقل اي تعبير قبل أن تستخدمه وهي لا تدعي انها صادقة وصريحة بل تقسم باعظم الايمان على انها صادقة في كل ما تقوله ومع الجميع ..وكان يكفيني ويزيد على كفايتي ان اقرت لي بانني عزيز عليها .."آسية "لم احاول اكثر ان افكر بها كما كنت افعل كان يكفي بان ترد على بالي لاختنق بالبكاء عليها وعلى نفسي التي حسستها  بكم هي قاسية وانانية وناكرة الجميل دون ان تنبش باي عتاب او لوم ..

كان كبار السن والمواظبين على الصلاة بالمسجد يعبرون الطريق من امامي متوجهين لتأدية صلاة العشاء ..تعمدت ان اشيح بنظري البعيد كي اتفادي  مقابلة عيون اي احد يمكن ان اعرفه من من يعبرون لافاجا بصورة انثوي ينادي باسمي ..حدثت جيدا في صاحبته التي كانت شابة في مقتبل العمر ترتدي حلبابا برسوم أوراق شجر وورود خضراء زيتية  غير غامقة وخرقة راس صفراء تميل الى البني ..كان بصخبتها كفل صغير تمسك بكفه ..اعدت من جديد التحديق فيها ونظراتي تحمل التساءل :"من تكون هذه؟!"كان الطفل يباظل النظر الي تارة والى من معه ..والدته على ما يعتقد ..لا اعرف كم طالت اللحظة بيننا الى أن افلتت كف الطفل وصعدت عتبة الطوار الذي اقف فوقفه ومدت ذراعيها  المفتوحة لتعانقني وهي تهمس قرب وجهي بالحمد لله على سلامتك...كنت مدهوشا من الموقف وعبثا احاول البحث في شان هذه السيدة الشابة وفي من تكون ..؟! قربت راحة يديها واحتوت  خدي بينهما ونظرت باحلى ابتسامة من عيون تزخر باروع حنان وقالت لي "فاطمة ..انا فاطمة الممرضة .."وتراحعت براسي للخلف واخدت اديره   يمينا ويسارا متدمرا واتمتم بعبارات ساخطة على نفسي ..تفجاءت من رد فعلي الغير المقصودة وسالتني ببعض الاسى "مالك طارق .."ولانها كانت هي وكانت هي من وجدتني خارجا لانتظر مجرد رؤيتها لم املك ان اختبأ خلف الصمت او اي كلام واندلعت في الكلام اليها وقلت كل شيء وكل ما لم اخالف حتى نفسي بقادر على ان اقوله حتى بيني وبين نفسي ..قلت لها انني وصلت بعد الظهيرة قادما من طنجة وانني وجدتني محدوبا لاقف هاهنا وانني كنت افكر في مجرد رؤيتها وانتي اكتشفت بيني وبين نفسي انني لست متاكدا ان كنت ساعقلها من عدمه لتاتي وتقترب مني وتاخدني قريبا من حضنها فكيف لا اعتبرني معتوها ثم كيف اتحصل على كل هذا الحظ بل كيف احضى بفوق.. فوق ما تمنيته ويتمناه اي واحد في عمري ولو لمرة في كل امد حياته ..كانت تتبعني بعيون بدت سعيدة بسماعي اتحدث وهي تلامس ذراعي بتحبب ورقة ..واقتربت مني لتطبع على خدي قبلة وتقول لي :"متتحركش ..تسنني انا غدي ندي يوسف للدار ونجي لعندك نهدروا انا وياك ..عندك تهرب ..متفاقين .."لم انبس بكلمة واحدة بل حركت راسي من جديد يمينا ويسارا متيمنا على حديثها وانا اقول لها بعيني ابدا لن اهرب...

(يتبع....) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...