الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(27) بعيدا عن حنان"هذه..."5 تابع :"13-1"


 كنت اعي جيدا انه لا مجال للعب بينهم وحتى ان حاولت ذلك فخطر السقوط محطما جد وارد ..لكنني في نفس الآن ادرك مليا انه  حتى للكبار العابهم الخاصة التي تاخد اسماء مختلفة ومنطقا اخرا ..

منذ ان قررت قطع الطريق والوصول لساحاتهم كنت اعرف انني اخترت اصعب مسلك لأكون بينهم ...ربما لو عبرت القنوات الرسمية العادية وبحث بدوري عن من يسند ملف ترشيحي لاجتياز مباراة القبول في صفوف الامن ثم التحويل للانظمام للإدارة اثناء فترة التكوين لما استطعت مع كل ذلك ان اجد لي مكانا لاعبر بحق اليهم ولاحترقت قبل البداية ..

اخترت الظل ...اخترت ان انضم الى عالم الصمت ..اخترت ان اغامر بكل شيء الى أبعد الحدود..لم اختر مهنة ولا وظيفا ..اخترت نمط عيش ..اخترت عالما بقواعد مختلفة وبمبادئ مغايرة ..عالما كل شيء فيه محسوب بدقة متناهية ..عالما يهتم بكل شيء واي شيء ..عالما يعتمد أساسا على المعرفة ..والمعرفة فيه هي التي تصنع القوة التي لا تتماهى مع السلطة وانما تستحود عليها ...

كنت قد خلصت الى تمام جاهزيتي للانطلاق والعبور وحسمت في امر كل الاخرين من حولي ..كانت المساءلة واضحة بالنسبة لي :لا يوجد اتباع او مومنون لراعي ضعيف ومتردد ومشكاك ..لا توجد هامة من فراغ ...قد يلعنني الجميع الى ان اتبث وجودي  ..قد لا ينتهوا من تجريبي وادخالي في التجارب الى أن أعلن وجودي ...

لم يكن ممكنا ان ابقيني على الهامش واطلب في نفس الآن فسح المجال لي لاغنم منهم او كما بعضهم ..لم تكن الإدارة أو غيرها من الأجهزة لتقبل على الدوام التعاطي مع من يعتبرون أنفسهم صائدي جوائز وكانت هي بارادتها الواعية او عبر ادواتها تنهي بعد حين اسطورتهم ..لانها لا تقبل الانقسام على نفسها وترفض المساومة ..كان جاري به العمل ذلك النوع من التسخير بمقابل تعويضات متفاوتة ..ربما كانت مصالح بعينها تعتمد على منح تعويضات وكالة الإنعاش الوطني لمن تسخرهم لحسابها ..وكانت كذلك امكانات تحويل الموظف المداوم لموظف شبح مع تسريع وتيرة ترقيته ومنحه تعويضات وبدل مختلفة وبسخاء ..وكانت هناك إمكانية الحاق موظفين بذاتهم

 لاداراة معينة على سبيل الإعارة لتفريغهم لما سيتم تسخيرهم اليه ...ربما كانت هناك اعتمادات مالية تصرف تحث بند مصاريف مختلفة وتناول في اظرفة ..ربما هناك حسابات جارية غير خاضعة للتدقيق والافتحاص ..كما ربما تكون هناك صناديق سوداء غير مطالب بالكشف عن عملياتها ....لكن الاكيد ان كل ذلك المال لا يمكنه ان يكون سائبا مع ورود أن يتعرض جزء كبير منه للتبدير  والضياع...

لم يكن هناك من يملك ان يخبرك الحقيقة لانه في اجزاء منها هو نفسه لا يعرفها ..وعندما يتعلق الأمر بالموظفين الرسمين فهولاء اكثر حذراً في صرف اي مبالغ لا خوفا من ان يطمع من اضحو تحث امرتهم  ورهن تسخيرهم بل لانهم غير قادرين على ضمان فعالية ما يبدرون ويزرعون وما عساه سيحصلونه ..لانهم غير مستعدين ببساطة لان يلحظوا اكثر مما بين أيديهم ..لانهم ليسوا اصحاب رؤيا ولا اي احد منهم يملك الادعاء بأنه من يملك تقييم كل المواضيع ...

الموظفون الرسميون منهم محكومون بنظام الإدارة وبالتسلل الاداري وبالتقيد بالنظام ..محكومون بالتبليغ للمستوى الاعلى وانتظار الاتي ..برقية جوابية او اشعار بالتوصل او ببساطة ذلك الرد الالي الإعتيادي :"انتظر التعليمات ..."..عندما يتعلق الامر بأعمال مكتبية وبتتبع عادي للاحوال او رصد روتيني للاوضاع وللراي العام المحلي أو الإقليمي وبتكوين ملفات معدة مسبقا نماذجها فالعمل ياخد نفس وتيرة اي عمل اداري في اي مصلحة من مصالح الادارات والدوائر الحكومية العادية الامر لا يحتاج الى ذكاء كبير او الى ابداع في الحلول ...

الموظفون الرسميون سواء المداومون منهم في مكاتب او بسيارات تبقى هويتهم لحدود بعيدة معروفة وليس كل واحد منهم على تمرسه وخبرته يمكن اعتباره رجل ميدان او رجلا قابلا لاختراق الميدان ...انهم في الغالب مفضوحون في نواياهم قبل هوية الوظيف الذي يزاولونه وقد لا يكون واضحا بما يكفي العموم ليعرفوا ماهيته وخصوصيته ...

على الارض تختلف كافة الحسابات وكل الموظفين الرسميين يبدون ككراكيز يمثلون ادوار السلطة ويتابهون باداءهم الردئ..

كنت ارصدهم جيدا كيف يتحركون ..وكيف يوهمون بعضهم البعض بأنهم موهوبون وكيف يتصنعون الاهتمام والعجرفة وكيف يتذاكون على البسطاء من الناس ...

كنت اقترب اكثر من دوائر شبكاتهم الاستعلاماتية لاتعرف عن كثب على طريقة اشتغالهم ..واساليب استقطابهم ..  ونوعية المهام المطلوبة منهم ...وكانت لا تختلف كثيرا عن نهج البوليس العادي في كسب واشي لجانبه أو اللجوء الى المراوغة والارهاب النفسي للحصول على تعاون في تحري او تحقيق روتيني ...

كانت سمعتهم سيئة في عموم الاوساط الشعبية واسوا من سمعة "الحناش" الكنية التي التصقت بمفتشي الشرطة القضائية العاملة بالميدان لأن هؤلاء على كل مدققون جيدا في المعلومة التي يريدون الوصول اليها واساليب وصولهم اليها نمطية ويكفي أن يقرر الواحد من الناس على أن لا يتعاون للا يجدوا معه وسيلة أخرى ...

من غير تفرد عمل الإدارة في مراقبة كل التراب الوطني وكل ما يعتمل فوقه وحاجتها لصياغة تقارير يومية عن كل تحرك ونشاط سواء سياسي او نقابي او جمعوي او ديني او امني او جماعي منتظم او غير منتظم ..عام او خاص ..علني او سري ..بالاضافة الى متابعة ما تطلبه منها الدوائر القضائية من ابحاث خاصة او جهات حكومية أخرى من إجراء تقييمات لحالات وقضايا او حوادث محددة ..الامر الذي كان يتطلب منها التشتث في كل الاتجاهات  ويتطلب منها جاهزية قصوى للتبع في الزمان والمكان لانه في احيان يكون عامل الوقت عنصرا هاما  للتقيم  المناسب ...

الإدارة نظريا متواجدة في كل مكان ليس بمجهودها الخاص وانما كتحصيل لمجموع عمليات التنسيق مع مختلف الأجهزة الاستعلامية والأمنية والجنائية الاخرى لكن الاعتماد على هذه القنوات الرسمية يوشي اكثر مما يقول او يخبر عن الحقيقة لان كل ما يتجمع بين ايدي مكتب الإدارة الإقليمية او المحلية هو مجرد بيانات رسمية ونسخ محاضر ووثائق أنجزتها باقي المصالح الإدارية وبشكل تلقائي تسلم نسخ منها للإدارة ..وتبقى كل تلك الحقيقة التي تمسكها حقيقة رسمية اي انها قد لا تكون هي الحقيقة ...ربما في مستويات الافادة الرسمية لمقدم الحي او شيخه ليست هي الافادة الشفاهية التي قدمها للقائد  او لرئيس قسم الشؤون العامة بالمقاطعة او الملحقة الادارية  ...السيد المقدم تقليديا شخص خدوم ونسج علاقاته النوعية مع محيطه وخصوصا مع كبار السن ..السيد المقدم لا يتحرك الا بناءا على اخبار تنقل اليه وهو يمارس مهامه الروتينية في تقبل وتسليم افادات تبنى عليها معطيات شواهد إدارية ومن خلال ذلك يتسنى له تكوين سجله الاجتماعي عن ساكنة القسم المعني به من تراب مقاطعته ..والسيد المقدم بلا تكوين قانوني او اداري او استعلاماتي  وانما يصنع شخصيته هو والمحيط الاجتماعي يسندها او يرفضها ..السيد المقدم لا يكون اول من يصل إلى  بؤرة الحدث لكن يساهم بشكل فاعل في إعطاء البيانات الأولية عن هويات والحالات الشخصية لاشخاص الحدث لكل من يهمه الامر وبدوره كان حاضرا لجانب باقي الاطراف والأجهزة الأخرى المعنية ...السيد المقدم حتى عندما تفد عليه معلومة قد يعتقد بأنها ذات أهمية فهو مجبر على أن يوصلها على طبيعتها الخامة لمن يشتغل كعون له لأن هذا الأخير من يملك توجيه بحثه من عدمه ...واذا كان السيد المقدم على هذه الحالة بالإضافة إلى مستواه التعليمي وانتماءه القبلي وعمره وحساسية موقفه مع شريحة كبيرة من الشباب والاهم انتماءه الاداري الى فئة الاعوان المسخرين الغير مسوات وضعيته الإدارية ولا أجرتهم (قبل سنة 1994) فهو غير قادر على ان يكون رجل الميدان على انه يوجد في الارض ويمارس مهام الراصد البشري لانه متشوش بجهله وانعدام إمكانياته غير قادر على ان يتحرك في كل الاتجاهات وباتساق ودون ان يقع في الأخطاء او المحضورات  ...

وجود عدد من الاقسام الذات طبيعة استعلاماتية  بما تتحصله ويتحمع لديها من بيانات ومعلومات تقنية مع وجود اطار قانوني تنظيمي يحدد ويوكل لها عدد من المهام والتدخلات التي تشترك فيها مع إدارات اخرى ربما اكثر تخصصية منها في مستويات محددة قد ياثر على جدية القيام بالمهام وتفضيل تركها للجهة المختصة أساسا اكانت أمنية شرطية بحثة او إدارية او قضائية والاكتفاء في افضل الأحوال بالتبليغ برؤس الاقلام  وبالعناوين العريضة عن الاحداث المستقات منها المعلومات ...

السيد المقدم المهتم بعمله انسان يجري في كل مكان ويتعب بلا مقابل ليتحرى في شان كل معلومة تصله لانه بالاساس لا يستحود على مصادر معلوماته ..ولا يمتلك ارشيفا ورقيا او الكترونيا ..ربما على مستوى العاصمة وفي بعض المناطق الحضرية اوجد للمقدمين نظام سجلات مقسمة على جداويل ثابتة ومتحركة تغطي كل ساكنة القسم الترابي المعني والقيم عليه يدون عليها كل المتغيرات والمستجدات اول باول ..وفي بعض المناطق حاول مع مقدمين تطوير اداءهم التشخيصي الهوياتي الأولي بتجميع صور شخصية ونسخ مصورة من  بطائق وطنية او ما يقوم بالتعريف الرسمي عن الشخص ...لكن كل هذا كان من قبيل ابداع الحلول والتجريب ولم يعرف لها ثبات او تأطير رسمي ...

السيد المقدم لجانب ساعي البريد واعوان التبليغ القضائي ومحصلي فواتير الماء والكهرباء والمبلغ بالضريبة او الجابي كلهم يشتغلون على الارض ويتعرفون عن قرب على الناس وعن بعض احوالهم وعن بعض استعداداتهم من خلال التعرف على طباعهم وميولاتهم الاجتماعية العامة ..لكنهم لا يرقون ليكونوا راصدين بشرين لانهم بلا تأطير رسمي وبلا توجيه وبلا سند او دعم ومع ذلك يتم اللجوء اليهم والاستعانة بهم لكن في العادة ليس قبل اعتمال الحدث ولكنه بعد وقوعه .....

الاعتماد على تقارير مستقات من اعوان السلطة المعروفين من لدن العموم والموجهون اداريا وسلطويا لغايات بحث او تقصي محددة سلفا على كل ما وارد ان يعدل في مضمونها او يجتزء منها لغايات مصلحية خاصة يبقى غير ذي مردودية اذا ما استثنينا الشق التثبتي من الهويات والعناوين والخطوط العريضة للاحداث ...

الإدارة تجري ابحاثها الخاصة في كل القضايا الرائجة امام المحاكم وتلك التي تنجز في حقها المساطر الضبطية بمراكز ودوائر الشرطة و الدرك وان قد يتكفل هذا الأخير بلعب دورها في المناطق الريفية البعيدة والتي لا توجد تمثيلية للإدارة فيها ...لكنها في الغالب تجريها انطلاقا من ما يصلها من نسخ محاضر واوراق ملفات القضايا..اي بناءا على ما عموما تمت غربلته في مستويات دنيا واولية ودبج بعد ذلك على اعتباره الحقيقة او الافادات الصحيحة بجانب البيانات والمعطيات والارقام الرسمية ...ولكي لا نشكك في كل شيء على الاقل يبقى وارد جدا ان تختفي بعض الحقائق وتزيف بعض الوقائع ويدلس في بعضها قبل أن تضمن المحاضر الرسمية ...

الادارات الجماعية والدوائر الرسمية المختلفة و مكاتب واقسام المحاكم ومفوضيات ودوائر الشرطة ...غارقة في الروتين وفي البيروقراطية ومواردها البشرية اما محدودة او عديمة  الكفاءة كما مواردها المالية واللوجستيكية  لذلك فالاعتماد على أن توفي كل ملف حقه وكل معلومة حقها أمر غير وارد بطبيعة الحال ...

الإدارة ربما لانها موجهة لتراقب كل الميدان تتمتع بحس نظري عالي لكنه دون المطلوب ميدانيا ..والغير المناسب في الصراع ضد الوقت والزمن المحسوب...

والاعتماد على العناصر البشرية الإدارية المطحونة بالروتين والدوام ومشاكل اليومي والاجرة والمعيشة كمصادر أساسية لتغطية الخصاص في المعلومات والاستشهاد الأولي عن الأحداث والوقائع الخاصة يدخل الإدارة نفسها في دوامة العمل الإداري الرسمي البحث الذي غير ما هو مطلوب أو مسنود اليها ....

بالتاكيد لم اكن وحدي من يعي هذه الحقائق لكنني كنت املك الجرأة لاقول بها ولمن يعنيهم الامر ..بل وكنت اقدم جوابا عن سؤال يبقى واردا في اذهانهم ويتعلق عن ما شاني انا بكل هذا ..؟! او على الارجح وما هدفي من وراء كل ذلك ...؟! ..ولم اكن ابتسم او افرك كفي يدي ببعضهما البعض بل كنت ابسط مرامي القريبة والبعيدة واتحدث باقصى ما يمكن من الصراحة ...لانني كغيري لا املك ان اكون تماما صريحا ...

خلف كل مظاهر السلطة والمركز الوظيفي والوضع المادي الاجتماعي لم يكن هناك غير انسان تتعبه وتوثره لاقصى حد تلك المهام الطارئة المطلوب منهم انجازها وفي ظروف قياسية ..وبعيدا عن ذلك هو نفسه يتساءل عن ماجدواه في كل ما يداوم عليه وبامكان اي كان ان ينجزه وربما احسن منه ...

من وراء مظهري البسيط وحداثة سني وتقاسيم وجهي المألوفة..وهدوئي او بعض خجلي وتحسسي في المواقف الاجتماعية لم يكن يعيرونني الاهتمام الزائد وسرعان ما يتجاهلون وجودي وفي ذلك كان يترك لي المجال الواسع لاتابعهم في ادق تفاصيلهم ولاسبر لغتهم وطرق تعبيرهم وحركاتهم وسلوكاتهم الانفعالية ولما لا اكون شاهدا وراصدا لنقط ضعفهم ولخروقاتهم وانفلاتتهم ...

تعودت ان لا استبق الأحداث ولا ان اضجر سريعا من ملاحقة ومتابعة اهدافي المتحركة والنشطة وحتى الخاملة مؤقتا ..كما وحيث لم تدعوا الحاجة بعد لادون واستعرض كل المعلومات والاستقراءات التي بين يدي فانا لست مقيدا الا بتخزين كل ذلك في ذاكرتي ودون الحاجة لاثرثر فيها دونما جدوى ..

كانت عندي مشاريع محادثات اهيا لها باستمرار ..محادثات مع مسؤولين امنين ورجال سلطة وأصحاب قرار لكنني لا افرض زمني الخاص لانجازها فعليا بل اترصد الزمن العام المناسب والمناسب جدا لاتمامها على احسن وجه ولاخرج منها رابحا كما خططت لذلك ...

منذ ان طلقت اناي الاجتماعي وما عدت اهتم لتقييم الآخرين لي ملكت كامل حريتي لاسلك كما اختار ..ومنذ أن وسعت شبكة علاقاتي الاجتماعية مع من يتحوزون على السلطة محليا واقليميا ضمنت لي مجالات أوسع لممارسة حريتي ...كنت خارج دائرة الملاحقة التلقائية من مختلف الأجهزة لا على اعتبار انني مقرب من السلطة وهو النعث الذي تفاديت الوقوع فيه وحاولت ان لا اجعله يلتصق بشخصيتي ..كنت افضل ان اعتبر ناشطا في محيطها ..في مداراتها ..على أن يشكك في شرعية وجودي قريبا من رجالات السلطة ...كنت موقرا ومن معي او بصحبتي من أية مضايقات او معاكسات تعود ان يتعمدها كل منتسب للامن او القوات المساعدة في دورياتهم الراجلة او المتنقلة في حق عموم الناس ان ابدوا القليل من الشبهة او الخرق للاداب العامة والقواعد الاجتماعية ..وكنت اعرف بداءا كيف تحصلت على ذلك لاضع جيدا في الاعتبار انه لا يجب ان اقنع بذلك فقط او اطمئن له فيضيع مني وقاري وامتيازي ..مثلما كانوا هم في انتظار ترقياتهم كان علي بالمثل ان احصل ترقي بكامل امتيازاته ... 

لم اتعب من السير بخطى حثيثة نحو ايجاد مكان لي في ذلك العالم وكان همي الوحيد والاوحد ان اعرف ..ان اعرف اكثر وان ابادل هذه المعرفة ..وحيث انا افعل ذلك اتحصل على السلطة ..يتنازل لي على حيز منها ..واكسب لشخصي الثقة وتفتح لي الابواب وتقضى لي مآربي في أسرع وقت ودونما تعقيدات ...

ربما على الجانب الاخر كنت اضنى واشعر  بالارتباك من وضعي المادي ومن تطلعات الاهل الشخصية لابنهم وان معي في قرارة نفسي لم يكن يشكل الامر فارقا معي  فانا متساوي مع حجم الاستثمار الذي ضخ في ..انا لا يمكنني ان اكون خارج معادلة هذا وضعي من وضع واعتبار اسرتي وامكاناتها ..انا لا يمكنني ان اتجاهل بآية حال الواقع وحبروته المادي ولا حتى على مستوى الحلم ...كان علي ان اظل ممسكا بنظرتي التقيمية لاوضاعنا المجتمعية ولاحولنا الاقتصادية وللظرفية السياسية التي نمر كلنا منها ..لاتمكن بالفعل بان احيا وان استمتع بما يتحصل لدي ودون تذمر او اسى او نذب حظ..          

يوميات: عوالمي السرية..(27) بعيدا عن حنان"هذه..." 5 تابع :"13-1"


 

الأحد، 27 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(26). بعيدا عن حنان"هذه..." 4 تابع : "12-1"


 

يوميات:عوالمي السرية ..(26)..بعيدا عن حنان"هذه..."4 تابع :12-1


 كنت غاضبا في داخلي ولست راض على أن اشعر بانه يساء فهمي ولست على استعداد لان ابرر كل شيء عن نفسي امام الاخرين ...لذلك اصبحت اكثر تجنبا للرفاق والاصحاب خصوصا منهم الناشطين سياسيا وجمعويا ..كانت خطوة اردت منها تسجيل عتابي ..ولربما اردت ان احتفظ بها للان المناسب الذي سياتي وسيحل معه إمكان للبوح والمصالحة.. 

انا ان هجرت ساحات الهم الثقافي والفعل الجمعوي وارتايت البعاد عن حضورها بل والمساهمة فيها لا فعلت ذلك من زعزعة في الإيمان او الثقة بكل الادوار التي كنا نمارسها ونكمل بعضنا البعض فيها وانما لانني اوجدت لي بكل بساطة ساحات يمكن ان افعل فيها اكثر وعلى نحو أكمل وفي نفس الاتجاه الذي ننشده جميعا مهما تفرعت او تفرقت سبل وصولنا اليه ..لم اتراجع ولا فقدت البوصلة والاتجاه ولا استتركت المجال لان نفسي ضاق او انعدم ...

ربما انكسرت على مستوى الحلم الشخصي ..ربما شعرت بالكثير من الخذلان وبدون سبب موضوعي...ربما استشعرت انه بعد طريقي طويل وشاق لا كما كنت اتصور ان الهجرة إلى فرنسا ستقصره وستطويه في اقصر الامد ..وهي باتت في خبر مجهول خصوصا مع التحولات السياسية والدولية المتسارعة في دول الاستضافة والتي تعالت فيها اصوات اليمين واليمين المتطرف الرافضة لمسالة الهجرة واستقبال المزيد من المهاجرين ...كانت بعد دولة اسبانيا تعرف نزوح العديد من راغبي الهجرة والإقامة بها من دول الضفة الأخرى وتنظم اليها حركات تهجير غير شرعية عبر البحر وعبر الحدود البرية /البحرية وتتواطئ في ذلك شبكات مع إدارات مراقبة المعابر والحدود ..لكنني لم اكن احمل مثل تلك الرغبة الجامحة في الهجرة لاغامر في بلد لن يستقبلني فيه احد ولن يسعى الى تيسير ادماحي في بيئته لذلك لم احاول ان اركب الموجة واحمل تصميم عدد من من أعرفهم بكامل عزمهم على أن يصلوا الى تلك الضفة ويوجدوا لهم مكانا ونصيبا فيها ...انا من حيث عز على نفسي انني صدقت لما قام اخي المهاجر بالديار الفرنسية بترتيبات تهجيري بعد ان كنت بين الشك واليقين من حصول ذلك وعدت لاصدم بالفشل والخيبة قررت أن اجرب تجربة الهجرة لكن هذه المرة في طريق ثاني ..ان اقطع الحدود الشرقية البرية في اتجاه الجماهيرية الليبية عبر الجزائر وتونس لاتعرف على الأوضاع ولانسى قليلا البؤس النفسي الذي اوجدتني فيه ...

كنت في هذه الاثناء احمل هم ان اجدني على شاكلة اخرى واحلم بان ألد مني  شخصا مختلفا وفاعلا وقادرا ..كنت قد بدأت اضيق من حالات الاحباط التي داهمتنا شبه اجمعين ..كان جو مقر الاتحاد المغربي للشغل بالمدينة قد اصبح خانقا رغم اصرارنا اجمعين على أن نداوم الحضور والاجتماع والنقاش ..كنا تقريبا كلنا نقف على مفترق الطرقات ومتعبون ونساءل بقلق كبير مستقبلنا الشخصي والاجتماعي ..كنا كلنا نواجه بشكل او باخر تحدي ان نكون مثلما يريدوننا اهالينا ان نكون ويلحون في طلب ذلك ...لم يكن بالنسبة لمن غدوا طلبة جامعيين  منا مقبول ان يظلوا سنة وراء سنة يرسبون الى أن تقطع عليه المنحة الدراسية على هزالتها ..ولا مقبول من من يواعد ان يرهن مستقبل صاحبته معه الى ما لا نهاية تظهر في الافق ...ربما في عز احباطنا وتضيق حرية ممارسة العمل الجمعوي والسياسي في الفضاءات العمومية وتمييع الاجواء العامة واكتساح اصحاب اللحي والمتاسلمين للفضاء العام كان بعد "بدر الدين الساخي" على نفس نفسه العالي والكريم يحاول استنهاض عزيمتنا واشاركنا في إنجاز فعل ثقافي وسياسي واشعاعي على انه كان بعيدا بصفته كبحار مستقل بنفسه ونشاطه عن جو التلمذة والطلبة الذي كنا نشكله بالإضافة إلى من غدوا معلمين او موظفين او مستخدمين وحكمتهم ظروف اشتغالهم بالعالم القروي او بمراكز غير فاعلة تسحقهم من الداخل بالإضافة إلى هزالة الراتب والمركز الوظيفي امام ما منتظر أمامهم من تحديات اجتماعية اخرى مرفوعة أمامهم من الاهالي ومن عوائلهم ..

كانت المدينة التي عاشت دائما متسامحة مع الجميع تضيق بنا  امام نفير مكبرات الصوت التي تصدح بالخطابات الدينية وتكفر وتمنع   وتحلل على هواها وامام موجة جديدة من الاناشيد والامداح والفرق الغنائية المتاسلمة بالدفوف والحناجر تجتاح حفلات الاعراس والازدياد..ومظاهر اسلام سياسي تكتسح الاسواق والطرقات وتدخلات في حرية الاخرين من جماعات تدعي الدعوة والتبليغ واخرى النصح والنصيحة واخرى العدل والاحسان واخرى القتال في سبيل الله واخرى إقامة دولة الخلافة ...لم يخلوا اي حي من المدينة من من يزعم الطهرانية والتقوى ويتحدث بامر الرسالة والتوجيه الى الطريق الحق وينصب لنفسه الحق في ان يخترق جمعك ليرشدك درب الصلاح والخير ولا من من اخدوا ينتظمون في جماعات على شكل عصابات يتوجهون لمحاربة الفساد الاخلاقي ومظاهر التبرح والزنى فيعترضون سبل اي زوجين شابين على علاقة بينهما وينتشرون في الغابة الفضاء الرحب دائما ليهجموا على اي اثنين مختليين ببعضيهما او ليوبخا اي معاقرين للشراب يجدونهم هنالك او ببعض الأزقة ...لا احد منا سلم من تعرضاتهم وان كنا نقابلها بما تستحق من السخرية والمجباهة الفكرية ..

كنا متعودين على أن نسمع احلى واعذب موسيقى ..ربما نحن كنا متطرفين في ان نسمع لموسيقى راقية او ملتزمة بقضايا سياسية وحتى اجتماعية لكننا بدانا نصحوا على زعيق الوعاظ والشيوخ والامراء وننزعج من الأصوات العالية المنبعثة من المحالات الحرفية والتجارية المختلفة لثلاوات غريبة للقران الكريم مختتمة بادعية ناقمة وحاقدة تكفر كيفما تشاء وتتوعد بجهنم لكل من يخالفهم وتقول بالنصر المبين لهم على كل الاقوام ...

كنا مختلفين عن باقي اطياف المجتمع وربما لم نكن نؤمن في توجهات احزابنا السياسية حتى من كانت تلعب دور المعارضة العنيدة لكننا كنا متقبلين لبعضنا البعض ودائمي حضور اي نشاط تؤطره أية شبيبة حزبية أو أي فرع حزبي ومستعدين لخوض اي نقاش والدفع به الى الامام حتى اخدنا نفاجا بأنشطة ممنوع فيها الاختلاط بين الجنسين وانشطة غير مفتوحة إلى للاعضاء على انها عمومية ولحشود مراقبة وغاضبة تترصد المظاهرات وتعسكر امام قاعات الأنشطة الأخرى التي تمارسها فعاليات المجتمع المدني وهيئاته السياسية والنقابية  ...

كنا جميعا نهتم لمظاهر الجنوح والتكيف العام وكل بوسيلته يحاول التوجيه فيها والتعاطي معها نحو ايجاد مخرج منها لكن ليس بالعنف الذي اخد ينطلق وتشهده المؤسسات التعليمية باسم الدفاع عن الدين والاخلاق والفضيلة ..ومحاربة مسالك الشيطان والذي اندفع الى الشارع واخد يحاول حتى محاصرة قاعات السينما وعروض الموسيقى  وحتى حفلات الزفاف الخاصة ...

كنا معروفين بتوجهاتنا لأننا ممارسين للفعل الجمعوي والسياسي لكننا كنا اكثر من متسامحين لأننا كنا مع خيار حريتنا في الاعتقاد والتمثل للقيم لذلك لم نقبل ما كان يحاول النظام او بعض من النظام  بمسك العصا من الوسط وضرب ذات اليمين وذات الشمال ثارة رضوخا عند الدعوات المهيجة للراي العام ضد ما كانت تراه مخالفا للاداب العامة ومحرضا على الفساد والرديلة  وثارة الضرب كيفما أتى لمحاصرة اي نشاط سياسي او جمعوي نهايك عن ان كان يشتغل في إطار من الشرعية والقانون  من عدمه ...

كانت الاحياء  التي تقع بها مساجد هي التي تعرف غليانا اجتماعيا وسياسيا اكبر .لكن الطامة الكبرى هي تلك المساجد الصغيرة التي اخدت تفتتح  في الكرجات وفي كل الادارات والمرافق العمومية وحتى المقاهي و المطاعم ...ويأمها امام اقل ما يمكن وصفه به بأنه شخص كريه وعدواني وغير اجتماعي بالمرة ...

كنا عموما نحتاط من متابعة الامن بجنحة السكر والعربدة في الشارع العام حتى بدى وكأنه أصبح لزاما علينا ان نحترس على الاقل من تطفل الاسلامويين ان لم يكن من تحرشهم العنيف ..اصبحنا حتى في معاملتنا التجارية العادية نفاجا بسلوك جديد من من فجأة غير زيه وطريقة اطلاق شعره وحلاقة وجهه واخد يكحل عيونه ويسوك فمه ويتعطر بالعود والبخور والمسك ..معاملات تستغفلنا وبصراحة تريد مقاطعتنا ....

لم نشعر يوما اننا أقلية في اختيارتنا الديمقراطية وفي حريتنا..كنا كلنا واعون او غير واعون نشكل المجتمع ونعيش اختلافاتنا ونتدبرها بالمعروف بيننا ونؤجل دوما الحلول القطعية باللجوء الى القضاء وساحات المحاكم لتصفية نزاعاتنا حتى فوجئنا بميل غير صحي لشرائح مجتمعية مسالمة مع هذه التيارات الاسلاميه السياسية النابدة لاي اختلاف معها ..

كان بيننا دائما محافظون  ومتدينون لهم وقارهم وهيبتهم الاجتماعية ومكانتهم السياسية لكن ليس بمثل هذا الهجين الجديد المكتسح للشارع والفضاء العام والذي لا يريد ان يسمع سوى صوته ..

كنا نعي ان المد الاسلامي السياسي قد وصلنا  وكنا نشهد ما وصلت إليه النتائج السياسية بالجزائر بصعود الإسلاميين من جبهة الإنقاذ الى الحكم وصعود حزب العدالة والتنمية التركي بدوره ليقود الحكم في دولة دستورها علماني  لكننا كنا نؤمن في ترسخ قيم مجتمعنا المتسامح والمتسالم مع نفسه ولم نكن نزعم ان نرى الشقاق بيننا على أشده كما بات ..بمدينة القصر الكبير القريبة منا انقسم المجتمع تماما الى قسمين كلاهما متطرف ومغالي اما في تدينه ودعواته السياسية واما في جنوحه وكلاهما يعتمد على اقتصاد اسود ..الاول على تهريب السلع واغراق الاسواق بها والاتجار وتهريب العملة والثاني على اموال تهريب وبيع المخدرات والكحول المهرب والاقراص المخدرة وبينهما ذابت شرائح اجتماعية اختارت فقط ان تعيش بسلام وان على مضض واختارت أشبه ما يكون بالتقية ..

السلطة كانت غير واضحة في توجهاتها مع الاوضاع العامة المجتمعية وكانت مكتفية بمواجهة مظاهر الخروج عن الامن العام كما كان يحصل بالجامعات والمعاهد العليا وطنيا واقليميا وتطويق بعض اشكال التجمهر والتظاهر بعد صلاة الجمعة بالمساجد التي كانت تسيطر عليها بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية لكنها بدت غير متفهمة وغير واعية بما يحدث في صميم المجتمع من تحولات خطيرة او أنها في وضع مراقب يدرس التحولات ويقيم التطورات ..

السلطة بالاقليم عرفت تطورات كمية ازدادات عدد المقاطعات الإدارية و عدد رجال السلطة من قواد وخلفاءهم واعوانهم من الشيوخ والمقدمين ..كما عرفت الساحة الأمنية مقدم عدد جديد من العناصر والضباط وتطور لجوستيكي بالإضافة إلى افتتاح مكتب لإدارة مراقبة التراب الوطني دون يافطة ودون مظاهر حراسة رسمية ودخول بعض عناصرها للمشهد السياسي والنقابي والجمعوي كمراقبين  وراصدين ..اما تفعيل دور الشؤون العامة للبلدية وللعمالة فلقد جاء في سياق المذكرة الوزارية الصادرة بشأن تتبع كل الأنشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية وضرورة حضور ممثلها او من ينوب عنها كما كان الحال مع مؤسسات وزارة الشباب والرياضة والشؤون الثقافية والشؤون الاجتماعية ..ثم اخد يبرز نوع جديد من مفتشي الشرطة وعناصر أمنية بوليسية تحث المسمى القديم بالقسم السياسي يظهر هو الاخر في التظاهرات والانشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية العامة ..

كان مجرد تطور كمي أربك المشهد الاجتماعي العام لكنه على أرض الواقع كان بلا اثر اللهم انه حاول محاصرة العمل الجمعوي والسياسي لكنه لم ينجح فاخد يتارجح ويحاول ممارسة اشكال تحكمية في حق ناشطين سياسيين وفاعليين جمعوين كمحاولة جديدة منه لافراغ الساحات السياسية والثقافية من الجميع ومن من لا يدور في فلك النظام ويشتغل بوقا له ..

كان الاقليم الوليد بعد في عهدة عرابه السيد العامل مولودي بوسيف الذي خيب ظن عموم الساكنة بعد انطلاق مسلسل اغلاق الشركات والوحدات الإنتاجية وتحويلها الى جهات اخرى خارج كل اقاليم الجهة وبداية ترحيل ساكنة دور الصفيح الى تجزئات سكنية جديدة وما شاب ذلك من خروقات وتلاعبات عديدة  ابرزت للوجود ظاهرة مفايا العقارات والاراضي وطبقة جديدة من المستفدين خصوصا مع خروج مشروع المنطقة الصناعية للوجود ..وزاد الطين بلة تردي احوال الميناء والعاملين به ..كان وكأن كل ما تحقق منذ مقدم العمالة هو افتتاح مقهى بجانب مقهى وخلق بعض الحدائق كيفما اتفق ..بالمقابل في الجانب الاخر كان الحديث يروج عن تزواج لمال المخدرات مع السلطة والسياسية وعن فساد ممنهج وعن تداخل مصالح خاصة مع مصالح عامة ...

فجأة بدى الناس وكان كل امالهم احترقت ..وفجأة بدأت المدينة والاقليم تغترب عن نفسها مع نزوح عدد من ساكنة الأقاليم الغربية والداخلية وساكنة مناطق الريف يحملون معهم حلمهم في تملك قطع أرضية او رخص ومادونيات سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة ورخص اكشاك كانت تنبث كالفطر في كل مكان وكان اغلبيتهم يفضلون زرع براكة لهم ليلا لتنبث صباحه نحو ان يثبثوا حقهم  في الاستفادة من بقع في إطار مشروع مكافحة دور الصفيح وإعادة هيكلة الاحياء الهامشية ..

مقدم تمثيليات ومنذوبيات الوزارات والمصالح المركزية أربك عمل الادارات المحلية لانه ببساطة قوى أشكال ومظاهر البيروقراطية اكثر مما جاء بمشاريع تنموية او إصلاحية كان كل الامر تغيير في يافطات  المؤسسات والإدارات ..ربما استفاد منه من تم الحاقهم  باسفل السلم الاداري كاعوان خدمة ومساعدين تقنيين وحتى هؤلاء حامت حولهم العديد من الشكوك وعن كيف تم تدبير غايات الحاقهم  وتوظيفهم ...

كنا كجيل واحد اكتشف انه يكبر وان امامه تحديات الحصول على عمل او وظيف او الاعداد للرحيل والهجرة او الاستفادة من مظاهر الريع او ببساطة الترامي بين ايدي شبكات تهريب التهريب الدولي للمخدرات ..

كنا كجيل واحد نلاحظ استشراء الفساد والرشوى والسمسرة وظهور أولياء نعم جدد وشبكات مصالح وعلاقات خاصة ويبدوا من الصعب ايجاد مكان لنا وسط كل هذه المهزلة ..كان حال الوظيفة العمومية يرثى له خصوصا مع صغار الموظفين والمبتدئين وكان طبيعي جدا ان تستغل الوضع المركزيات النقابية وتعلي صوتها وتخوض سلسلة من الاحتجاجات والمعارك القطاعية خصوصا من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغاليين بالمغرب وتجر معها قطاعا واسعا من رجال ونساء التعليم والصحة ليخوضوا عددا من الاضرابات والاعتصامات مطالبين بتحسين وضعياتهم ومعبرين عن قهرهم من ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن ..

عرفت المدينة موجة من التريف ومظاهر البداوة مع النزوح السكاني الذي عرفته المنطقة والامتداد  السكني والعمراني الذي اخدت تعرفه بتطور  والى جانبه ظهرت اشكال جديدة ومتنامية من الجنوح والعنف والبؤس واللاتسامح الذي كانت تغذيه خصوصا الجماعات الإسلامية الراديكالية وتعزف عليه أحزاب المعارضة التي بدت صدامية هذه المرة في وجه النظام ...

ايامنا كانت تمضي بطيئة .. وكل واحد منا كان يحاول تكسير ايقاعها بمزاجه الشخصي  ..وحده الليل كان يجمعنا حيث يحلوا النقاش والتأمل ونحن اتخدنا عادة التجوال في شوارع المدينة الفاضية نسبيا من الناس الا من عشاق الليل مثلنا ..لم يكن متاح ماديا لنا دائما أن نتخد طاولة مقهى ونسهر حتى الصبح ولا من من عاقر الشراب منا تدبر زجاجة مهربة يقهر بها برد الليل وحرقة الأسئلة ..كنا نداور بعضنا البعض حتى لا نسقط في الهموم الشخصية نلتف على الأحاديث حتى لا تتحول الى مجرد تشكي وتذمر..كنا نحاول تناسي همومنا النفسية والاجتماعية بالتحليق بعيدا في دنيا الفن والشعر وعوالم الابداع نحرص  على القراءة ومبادلة كل مايقع بين ايدينا من كتب ورويات ودواوين شعرية وأشرطة موسيقية ...أشياء فينا كانت تجعلنا على كل حال متفاءلين بالغد وقادرين بعد على الحلم والتنبأ والرؤيا...

تركتهم لما كبرت داخلي الرغبة في ان اكبر على نفسي كنت اريد مثل اي واحد فيهم ان اكون وان اوجد لي فرصتي لم يكن مقبولا ان اظل مستمرا في خنقة التغييب والتخدير التي لازمتنا على الاقل نحن في مجموعتنا (الصروخ توفيق ..محسن الشنتوف ..رضوان الحديقي ..بدر الدين بومزوغ ..عبدالسلام المزاحمي ...واخرون ) الشريف والكراب كانا قد اخدا يبتعدا منذ ان التحقت بالجامعة بكلية مارتيل ...والصروخ عبد السلام كان قد عاد الى شيء من التزامه لاكمال مشواره الجامعي والحصول على اجازته بعد ان طوح به التسكع والشرب والليل ..بدر الدين الساخي كان يشعر بالاحتراق النفسي وعندما يبدا في السكر لا يفيق منه بالايام ..الشاوي سعيد كان قد التحق بوظيف ببلدية العرائش وعابد محمد اختار سلك التعليم الابتدائي مكرها بواقع ظروفه الأسرية وحكم السن على انه مجاز في شعبة التاريخ ...الاخرون من من لا يدرسون  اختاروا البحر والاشتغال بمهن الصيد ..كان الحنين يجمعنا للمسرح.. للشعر ..للموسيقى.. لجو المحاضرات والندوات والحلقات الدراسية والواقع يجابهنا باغلاله المادية والاجتماعية...كلنا كان قلقا من حاضره وكلنا كان يفكر على الاقل في الهروب الى الامام ....

إبتعدت مع انقطاعي عن الدراسة بشكل نهائي مستغلا غياب الرفاق والأصدقاء المتقطع بالجامعة محاولا حتى أنا ان ابني لي استقلاليتي وعالمي الخاص الذي املك ان اعبر فيه عن ذاتي وطموحاتي ...  

إبتعدت لكنني لم اهجر الساحة ولا قاطعت مجموعات الرفاق والأصدقاء فقط اتخدت مسافة بيني وبين كامل التعويل على نفس الوجوه ونفس الرفقة ونفس المواضيع ونفس المزاج ..إبتعدت لاعود قليلا لنفسي ..لاقرا على هوايا ولاكتب ما احس به انا بعيدا عن اي التزام سياسي اخد يبدوا وكأنه مفروض ..لاسمع الموسيقى المختلفة ولاعيش اجواءي الروحية وحتى فوضاي الشخصية ...

دائما كان عندي الحنين لدار الشباب ولدار الثقافة ولايام الاعدادية ولصاحباتي  واصحابي ولباقي المجموعات ودائما بقي عندي ما يحركني نحو الأهداف التي رسمتها لي  وكان لزاما علي ان أشحد همتي لانطلق في دروب جديدة ومسارات مختلفة ...

انسحبت بنفسي من فضاء نقابة الاتحاد المغربي للشغل لانني ببساطة لم اكن املك صفة تبقيني عاملا بها فانا رسميا عاطل ومنقطع عن الدراسة ولا نية عندي لألج سوق الشغل كعامل ولا أفقا للتوظيف ممكن وقريب يلوح لي ...وحتى جو الفرع النقابي نحن من كنا نصنعه   ونحن من جعلنا المكان ينبض بالحياه ..لم تكن هناك أية حسابات سياسية أو موقفية بيننا ..ربما لم نكن كلنا راضين على سلوك تسير المكتب المحلي لكننا مرحليا اخترنا ان ننوء بانفسنا عن الصراعات الا أن اخدت تتشكل مع توافد عناصر جديدة من الرفاق التي اختارت الانظمام المبدئي للشبيبة العاملة التابعة للاتحاد ..كنت بيني وبين نفسي اعرف ان انقلابا قريبا سيحدث في الفرع المحلي والذي الت اليه الكتابة الإقليمية ..وتحدث بصراحة في الموضوع للكاتب الإقليمي من موقع الصداقة التي تربطني به واعتذرت له شخصيا لانني لا استطيع ان ابدل المزيد ولا نية لي في الانحياز الى أي طرف وقلت بانني ساسحب قدمي تدريجيا من المقر وليفكر حتى هو في نفس الخطوات ....

جاءت بعدها مرحلة الاستاذ محمد بديع وحزب الحركة الشعبية ونقابة الاتحادات الشعبية وعلى كل الذي قيل في حقي من من لم يعاشرني ويعرفني جيدا فلقد مرت بسلام لحالها ولا انقطع الود بيني وبين مجموعات الرفاق والأصدقاء وحتى في المرحلة الأولى لربط الاتصال بالإدارة كنت مدركا تماما لحجم الموضوع وانه لن ياخد اكثر من حجمه الطبيعي بخصوص الرفاق اساسا ولا حتى بباقي عناصر  التيارات الاخرى ..كنت املك نظرة عن التفاعلات السياسية الوطنية واقدر من زاوية تحليلية ماهي اولوليات النظام في هذه المرحلة ..وماهي حقيقة المخاطر المتربصة به ...لم اكن في موقع يسمح لي باملاء رؤيتي وتقيمي الخاص للاوضاع السياسية والاجتماعية للبلاد ولا في إثارة موضوعات تندرج ضمن خانة الحساسية ..كنت اعرف ما يعتمل وكيف يعتمل جهرا وفي الخفاء لكن المفقود الاساسي كان هو جو الثقة ..لم يكن لا لي ولا لغيري من فاعلين سياسيين وناشطين ان يثقوا في النظام المتحول والضاغط بقوة والساعي ليبسط هيمنته في شخص وزير داخليته إدريس البصري واعوانه ..

كنت غاضبا وحانقا بشكل لا يحتمل واحول بيني وبين نفسي من ان تتوجس او ترتعب وتنهد وتنبطح ...

كنت بعد عودتي من الجماهيرية الليبية مفتوح على كل الاحتمالات ومستعد لخوض اكثر من مغامرة كانت الحياة تبدوا لي ممكنة واكثر من ممكنة هاهنا ببلدي المغرب لذلك رحبت بترحيب الاستاذ بديع ومحمد العزيزي الكاتب المحلي لفرع حزب الحركة الشعبية واستعدت عملي كمراسل صحفي لجريدة الحركة الشعبية لكنني في المقابل وسعت نشاطي مع الإدارة وبالتالي في استقطاب أفراد مجموعات جديدة مع توطيد علاقاتي السابقة بباقي افراد المجموعات الاخرى ...لم اكن امانع في تبادل معلومات مع باقي الأجهزة الاستعلامية والأمنية الاخرى ..سعيت بكل قوة الى كسب المزيد من علاقات النفود والقوة لانني ببساطة وعلى نحو شخصي وذاتي  كنت في حاجة لاكسب المزيد من هامش الحرية والحركة ...

في وسط فضاء مدينة صغيرة اي تحرك محسوب على صاحبه ..في جو متعكرة مياه ينتعش كل ما يعض ويمتص وينهش ..في حقل العلاقات بين أفراد جيل واحد يكثر التنافس ويحتد الصراع وفي مثل بيئتنا الفكرية والثقافية المتخلفة يكثر الضرب تحث الحزام وانا اخترت ان ابقى وفيا لنفسي وحرا في اختياراتي ..ولم اشأ الاصطفاف خلف اي طابور لكنني تدبرت ان اجد لي موقعا واكثر من ظهر يسندني ..  



الجمعة، 25 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(25) بعيدا عن حنان"هذه..."3 تابع:11-1


 

يوميات :عوالمي السرية..(25) بعيدا عن حنان "هذه.."3 تابع :"11-1"


 بدى لي ان الحكاية لن تعرف نهاية ..وانني متى قلت بالانسحاب الا وعدت للمزيد من التوغل في هذه الطريق ...من جديد تنفتح الستارة على فصل كان بعيدا عن تصور إمكان اللجوء اليه ....

الأحداث تتسارع من حولي وكل الوقت ما عاد ملكي لوحدي والخارج ياخدني اليه ولا املك ان اشتاق لخلواتي ولسحر العراء والتأمل ..حتى عندما ادخل غرفتي في آخر ساعات الليل والنهار قد بدأ يتضح وليس امامي في الغالب الا خمس او ستة ساعات لانامها ..لا اجدني قادرا على مؤانسة نفسي ..ينتابني الاغتراب ولكي لا اغرق في الشجن ابتلع حبتي الى ثلاثة حبات من دواء نيوزنان 25 منغرام وانتظر أن تمر الخمس والعشرين دقيقة ليبدا مفعول الدواء المنوم ...اعرف كم انا في حاجة لانام عميقا دون اخيلة ودون تلك الحالة القاتلة من نوم الصحوة ..واعرف كم انا في حاجة للاعتناء بقواي العصبية ...

كلما تجاوزت مرحلة عصية ما كنت اسلم الا للاعصى منها ...وكلما فكرت في ان اعود لوحدتي..للقراءة والكتابة ولسماع الموسيقى ولاعيش القليل من الحب الا وورطتني في الاكثر من مغامرة حقيقية ان لم تكن مجموعة معارك مفتوحة ..

طلبت من مجموعة الاقتراحات التي صغتها في نهاية عرضي أمام القائد رئيس الشؤون العامة لعمالة العرائش تمكيني من بعض ما لديهم من سلطة ...كنت جادا في ما اطالب به وان على سبيل الاقتراح ..واعرف في نفس الوقت انه مطلب قد ينظر اليه على انه حماقة مني لكنني كنت اعرف جيدا ما اقوله واعنيه بالضبط ولدي مجموعة ترتيبات لانجاحه  وتحقيقه ..وكنت قد وعدت مجموعاتي الاقرب بانني ساخرج ببعض حقيقتي للعلن...لم اشك لحظة واحدة في مقدرتي على كل الخوف الذي كان يلازمني  ..كل الذي كنت احتاجه كم عال من الانفعال ..لاصيغ خطابي ولانجز العرض ..لاتمكن من انجازه فعليا وفي ظروف زمنية مناسبة ..

لم يصدمني التجاهل البصري الذي قابلني به السيد العامل مولودي بوسيف وكان بالإمكان للتقديم الذي قدمني به السيد القائد امامه ان يخلخل نسق تفكيري او يوقعني في بلبلة بصرية ..لم يقدمني اليه باسمي ونسبي وانما باللقب المكنى به اداريا وكان على مسمع من موظفي كتابته الخاصة .. لم يذهب تخميني للبعيد .فانا على كل حال اكاشف اللعبة واقف امام السيد العامل لا كمدعو  رسمي لحفالات الاستقبال ..لا كاصغر مدعو اكون بين الحضور  واعرف ان ذلك لوحده مع تكراره كفيل بأن يثير انتباهه واهتمامه ليبحث في خلفيتي ..ولا مجال لنتبادل السلام الرسمي كما جرى بذلك البرتوكول بعد نهاية كل حفل استقبال رسمي ..الان والان على الاقل اعرف انه تواصل جيدا معي انا الذي كنت احاصره بنظراتي في اي تحرك رسمي يكون على شرفه ..لم اكن انظر الا لعينيه خلف زجاج نظراته السميكة ..لا ازيح عيني عن عينه ولا الى مرافقه او هندامه ..كنت اعني جسارتي واقول له بصريا اننا سنلتقي وسيكون بيننا الاكثر من حوار ...

من جملة ما طلبته دعمي حضوريا في الشارع العام والإدارات العمومية  من طرف رجال السلطة والامن  لانها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بتوفير الحماية لي ..جعل عناصر التنظيم تصدق هذه المرة انني لست فردا هينا ولا مجرد مرشد للأجهزة الأمنية ...كما طالبت بتوسيع التنسيق بين جميع الاجهزة الامنية والمسؤولي الدوائر الحكومية الممثلة على مستوى الاقليم لمحاصرة عناصر التنظيم التي استطاعت أن تستقطب لها في كل دائرة اكثر من عناصر ..على أنني اقترحت بالمقابل ان يسمحوا لي باتمام مهمتي بمعرفتي التي صغتها على الشكل التالي :مباشرة الحوار مع رؤساء الخلايا واستدراجهم لتقديم اعترافات ومراجعات..ولانجاح ذلك لابد من ان تمارس السلطة ودوائر الأمنية والحكومية ضغطها وذلك عبر تكثيف المراقبة والتتبع الملحوضين لعناصر التنظيم واستعمال آلية الاستفسار الإدارية مع العناصر العاملة او الموظفة وآلية التحري الاداري في حق الباقين عبر الشيوخ والمقدمين وتعطيل مصالحهم الإدارية ...كانت خطتي بسيطة وتتلخص  في كشف الغطاء عن التنظيم وادخال عناصره في شرك التوجس والبلبلة الفكرية والنفسية ...ومن ناحيتي جعلهم يعيدون تقييم حسابهم معي وكذلك خطابهم نحوي ..لم اطلب أمرا او تفويضا كتابيا رسميا ..كل الذي أردته موافقة على خطة التوهيم تلك لكسب الوقت للتيقن اكثر من طينة عناصر التنظيم وايهم قابل للتحويل من الصعب المراس والاكثر خطورة فيهم ...

كانت خطتي تتقاطع مع تجربة النظام الناصري مع جماعة الإخوان المسلمين بمصر في شقها الرصدي وفي توجهها لخلق فرص المصالحة مع التنظيم وذلك عبر اخضاع عناصره للمراجعة الفكرية والسياسية والسلوكية ..لم اقل ولم اشر باي دعوة صدامية او عنيفة في حق اشخاص التنظيم ولا بانجاز المساطر وتقديمهم للعدالة لتقول حقها فيهم ..

كنت اعرف بانني ساثير الاكثر من استفهام  ومن حقي كان علي ان افعل ذلك  ..كان أمامهم خيارين اولهما ان يتقبلوا مني كامل معلومات الملف والقضية كاي مبلغ يسلك مسطرة  التبليغ ومهما طلبوا من افادات فلا يمكنني ان اعطي كل ما بحوزتي وثانيهما ان يقبلوا اللعب معي وان يمدوا لي في هامشهم ... وهنا كنت في حاجة لابرام هذا الاتفاق لاحمي نفسي من المساءلة القانونية لانني كنت قد بدأت فعلا في ايهام عناصر التنظيم بانني احمل صفة وانني لست وحدي وانما انا جزء من جسم السلطة ..وكان على من يمثل السلطة ويصدر عنها ان يمد لي شيئا منها ..ان يرعاني ..وان يفتح لي الابواب والمهم أن يثق في لانني جدير بالثقة واعرف جيدا حدودي كما ادرك مليا مرامي القصيرة والبعيدة المدى ...

دراستي المتمعنة للقانون الجنائي الخاص رسمت لي ساحات المعارك وضمنت لي ان اتحرز الوقوع في اشتشكالات مع القانون وسلطات تطبيقه ..كنت حريصا جدا على أن اتعامل وفق مقتضيات القانون وكنت اول من يبلغ عن نفسه ان خامره شك بأن تحركاته يمكن ان تثير شك عناصر أمنية مراقبة اخرى ..لم اغامر بان اتجاوز الخطوط الحمراء او المناطق الرمادية ..لم الجأ للتدليس او الاحتيال والنصب وحتى فيما يخص تعاملي مع اصحابي من المجموعات التي كونتها والتي كانت كنز معلومات لي متجدد لم احاول ابعادها عن الصورة وضعت كامل استعدادي للكشف عن مصادري الخاصة والمتعاوينين معي لكن وفق تعهد بمراعات كل المجهودات التي بدلوها واستعداداتهم للتعاون ..

كانت مدينة العرائش تتراءى لي كامراة مضجعة تنتظر وصالي بعد ان قدمت لي اخطر اعترافاتها واسرارها ..كان يكفي ان اتخير ان اضع يدي لتتجاوب معي بمثل السحر والموسيقى ..لم اضيع كل مجهوداتي عبثا كان يكفي ان اتحرك الى أي مكان او نقطة فيها لاجد هنالك من على اتم الاستعداد ليمكني من المعلومة التي اريدها او ليسعى لي في البحث عنها...لكنني لم اكن في حاجة لازرع عيونا تراقب وتترصد ولا في حاجة لتتدفق علي سيول من المعلومات التي قد لا اعرف على الاقل حاضرا ماذا عساني افعل بها ..بل كنت محادرا من ان اعرف اكثر مما انا في حاجة فعلا لمعرفته ..كنت خائفا من ان اتورط في أعمال قذرة ..لم احسبني يوما واشيا باحد ولا همني من يخالف او يتجاوز القانون لانني من صميم انتباهي كنت ادرك ان كل واحد منا هو في ذلك الوضع يكفي فقط وجود النية والتدبير في حسر  الغطاء عنه ...وذلك لم يكن ليكن وفق هوايا الخاص ولا قناعاتي وانما تحدده إرادة سياسية عليا لها منطقها  الخاص وحساباتها الخاصة ..كنت انحو بنفسي بعيدا عن صغار المهربين وتجار الحشيش بالتقسيط وصغار الجانحين والمرتشين والفاسدين والقوادة والعاهرات وسارقي المعونات والقطع الأرضية وسماسرة الانتخابات ..لكنني لا  اسقطهم من  كامل تنبهي واهتمامي  .لطلما اشتغلت على ملفاتهم وراكمت بيانات عديدة عنهم لكنني انتهي بان اشعل النار في كامل اوراقي وملفاتي حرصا على أن لا تورطني في معارك لا احد يريد ان يذخلها على الاقل في هذه المرحلة السياسية من حاضر البلاد ...كان علي في اجزاء مني ان اطرح مني ذلك المثالي المتغني بالنزاهة والشرف وان لا انساق تاليا في التطبيع مع كل عيوبنا ومساوئنا ومركبات نقصنا ..كنت اعرف نظريا ومن كل التقارير الإخبارية الرزينة عمل الأجهزة الإستخبارية وساحاتها  وكنت اعرف مجال عمل الإدارة لكن من حيث هي ابخست حقي فلماذا اتشنج انا وافصح عن ما ليس مطلوب مني ...هي حاولت استعمالي كأداة طيعة ووضعي في حجم محدد وانا كان علي تكتيكيا أن لا ابدي تذمري الى أن حان الوقت لاطالب ببعض رد الاعتبار ...

شربت وحدي في جلسة على كرسي طاولة مكتبي زجاجة "كونياك 501"مهربة بلا صودا وذخنت بلا توقف سجائري السوداء الرخيصة "كازا سبور " لم اهتم بتغيير أشرطة الموسيقى الغنائية هو وحده شريط غنائي للمغني الراي "حسني " تركه لي اخي "فؤاد" كنت اقلبه كل ما من مرة ...في البداية كنت احاول استعادة الموقف لكنني ضعت في استرجاع شكل الوجوه والنظرات وكل ما لم يقال شفاهيا ..مع تصاعد الكحول في راسي استرخيت وبدات اضحك من حالي على حالي ..وجدتني مثل الدونكيشوط اصارع طواحين الهواء وكل عتادي مزيف ..ووجدتني اسوا من الدونكيشوط اقايض مسيرة عمر بوهم ..ربما لو لم اكن اعرف دوافع من من حاصرني او سعى لذلك من الرفاق لنصبتهم العداء ولسعيت لتدميرهم بكل جهدي ومن هنا كنت اسخر منهم ومن حالي لانني مدرك تماما لما عساه الحقد ان يولده ويفعله بنفسية المرئ منا ...خلف كل تلك الخطابات السياسية والاحالات الفكرية لم يكن يقبع غير حاسد و غيور رفضته من عرضت علي ان اصاحبها ...وخلف كل ذلك المظهر المترفع والمتعجرف لم يكن يختبا غير من مستويات حرمانه جعلته ينتبه ويترصد لمستوى وشكل انفاقي وذلك وحده من يقف خلف مناصبته العداء لي ...هي دائما نفس الحكاية هراء وضحيج كبير  ليخفي حقائق بسيطة جدا ...لم اكن لاومن في هراء العين والحسد كما كان ببساطة شديدة وعفوية يقول بها صديقي "منير الهنا "على أنني قد ابتسم بتخابث وصديقي "بدر الدين الساخي "يعيد تسمية الأشياء فيسميها "الصراع الطبقي "او الفوارق الاجتماعية "او "التطاحن الاجتماعي "...وحتى يبدا في عرض وتوضيح نظرته يفرمل ويصمت ويبدأ في الضحك وهو مقتنع داخليا بانني فقط احاول ان أخرجه من صمته وحدته ليسهب في الحديث والنقاش ..

كان يغيضني اولئك المتشدقين الكبار بالكلمات وباسماء الكبار وكان عادي جدا ان اتقبلهم مثل غيرهم من أصناف الناس والمجتمع لو أنهم لم يقحمونني في صراع شخصي معهم لكن بدعاوي  عامة قيمية او عقائدية او موقفية سياسية  ..من جديد كانوا يلعبون دور المتنمرين علي ..من جديد كانوا يسعون لتقزيمي ليبنوا هامة لهم على حسابي ...وكان لا يناسبني ان ادخل معهم في معارك تصفية كان موقفي واضح منهم ومعهم :هيا راقبوني وتابعونني جيدا في حاضري الذي أحياه واعيشه وراكموا حقدكم في نفوسكم واحلموا بيوم الانتصار علي الذي لن تنتصروا ان انتصرتم فيه الا على حرماناتكم وكبتكم..اما انا فلا شان لي بحياتكم وبكل امراضكم ...

كنت اعي انه لا بد من الصراع ..خوض الصراع على اكثر من جبهة خصوصا وانني متواجد وسط المجتمع  واتفاعل معه لكنني لست مجبورا على دخول المعارك الصغيرة والهزيلة والخاسرة مسبقا ...مع ذلك الذي كان يتغنى بالنضال والدفاع عن الحقوق وهو يراقب بعينه اي مذخن يمر بجانبه لعله يعرفه ليشحد منه سجارة او بضع انفاس سجارة كان يكفيني ان امر بجانب "خديجة "صاحبتي من مجموعة الزنابق لأجعله يتبرم ويداور في مشيته ويبصق ويخرج بضع اصوات من جوفه ويحترق من الغيض والسخط ..وكان يكفيني ان امر من جواره والفت انتبه لي قبل أن ادخل حانة "الكعبوري "  لاحتسي الجعة في الوقت الذي يحلم هو برشفات قهوة ساخنة أو باردة وبضع انفاس سجارة ...وهكذا انهي كل الصراع بيننا الذي لم يكن بحال صراعا سياسيا او نهجويا ولا رفاقيا وحتى مقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل التي يعتقد انها مقر قيادته ليعشعش فيها وعطالته فهو ان نسى لن ينسى انني انا اول من فتحها في وجه كل قوى اليسار والحركات  التقدمية بالمدينة ...وذلك الذي   بكل جسارة وحقارة سعى لمحاصرتي بفضيحة جنسية في الوقت الذي كان عن حقيقة يثير كامل تعاطفي الانساني واعامله بكل ود ونذية والذي لم ينساق معه وينطلقون في   ترويج الامر عني الا من على طينته لم اقصد اقصاءه من الحياة الاجتماعية العامة ولا تدميره اجتماعيا وان تحقق ذلك لا كنتيحة وانما كنهاية من مجموعة نهايات كنت اتوقع ايصالها اليها بعد ان جعلت كل صاحب له يضاجعه وبعد ان ضاجعته واخرجته عاريا من بيتنا امام مرى كل بنات ونسوة الحي ..انا ما همتني ميولاته الجنسية ولا نكوصاته انا عز علي الحب الذي كنت اكنه له لا غير ...

كنت اشرب بمرارة ولا رغبة لي في الحزن او الشجن ولا في العشق او الجنس ولا في نذب حظي الذي تعثر منذ ان عادت محاولة تهجيري  لفرنسا ( لغاية الدراسة من طرف اخي "سمير"بعد ان تم تسجيلي بمدرسة للفن الحرفي بمدينة فلينسيان وارسال استدعاء للحضور على اثرها تقدمت لمصالح القنصلية العامة لفرنسا بطنجة بطلب تأشيرة رفض لعدم توفري على شهادة الباكلوريا المقوم المعتمد لمنح تأشيرة اتمام  الدراسة بالتراب الفرنسي  ) خاوية الوفاض ...لم تكن محاولة لترد او تناقش لانها كانت حقيقية وكان علي ان اصدق انها كذلك بعيدا عن ان كانت تستجيب لطموحاتي الشخصية انا ولما اريده انا عن حق وما اقدر عليه انا بالفعل ..كانت فرصة ثمينة لاي واحد يبحث عن فرص حقيقية لاثباث الوجود الاجتماعي وانا لعلي كنت ارى فيها فرصة للبداية في بيئة جديدة ونظيفة ..

كنت اشرب من "كونياك "تبضعته  من موزع وكان يصحبني "سي احمد"رجل الإدارة الذي وجدته يترصد خروجي من البيت ..كنت اشرب بحق الورقة المالية التي سلبت السيد العميد اياها وبدون تخابث وانما كاشارة مني الى كل امكانات انفتاح علاقتنا ببعضنا الى أبعد المستويات بعيدا عن اي ضغينة .."سي احمد" ببساطة كان يحاول ان يستقرا حقيقة ما دار بمكتب القائد رئيس الشؤون العامة للعمالة بل ويحاول استجماع انطباعاتي المخلفة عن ما دار من ما قبل ظهيرة هذا اليوم الى حين قرب غروب شمسه ...و"سي احمد" على انه كان مبعوثا ورائي من طرف السيد العميد كما سيخبرني هو بنفسه الا انه لم يكن بذاته يعرف الهدف من وراء استخدامه لذلك فانا لم اكن في حاجة لان اتابع او اترصد ومن قبل  الان ولا من اساليب للضغط او التهديد المبطن وانما كانت التفاتة ذكية من السيد العميد ليعيد لي الاحساس بالاطمئنان وليؤكد لي وقوفهم بجانبي على اعتبار العلاقة الطيبة التي تربطني ب"سي احمد "كانسان...

اشرب على نفس واحدة ولا رغبة لي في اكل اي شيء ...وحتى ابسط شيء قد احلم به واطمع فيه اعرف انه محال...لم اكن احلم الى بمتى ينتهى كل هذا الذي اصبح مثل الكابوس يطاردني في صحوي ونومي ..اريد ان استعيد سلامي مع نفسي او غبائي ..اريد ان اعيش مثل كل الناس بسيطا عاديا وهو ما لا اعرفه وهو ما يجعلني دائما اتبني فكرة أنني مريض وغير متكيف مع المجتمع ...

عندما سمعت خطوات والدي تنزل الدرج اطفات زر الكهرباء لانني لست على استعداد لسماع مواله عن غلاء الكهرباء والمعيشة وغيره ...وبتنقلي للاستلاقاء على فرشي لحين ان ينتهي والدي من قضاء غرضه بالمطبخ احسست بالرغبة في اغماض عيني والغفو...كانت اصلا زجاجة الشراب قد أوشكت على الفراغ ونمت لاستيقظ على دقات باب غرفتي ونداءات والدتي لي فاستجبت لها ساءلا اياها عن كم تكون الساعة التي لم تكن تتجاوز العاشرة والنصف   كما أخبرتني وهي تطلب مني ان انهظ لان مقدم الحي يطلبني وينتظرني  امام البيت..

كنت بكامل لباسي ارتديت فقط الحذاء الذي كنت نزعته بهدوء من قدمي ومضيت للحمام ثم خرجت لالقي التحية على السيد مقدم الحي "عون السلطة "واطلب امهالي دقيقة من الوقت حملت فيها مصروف يومي الموضوع فوق ثلاجة المطبخ و ما تبقى لي من سجائر وعدت لاستوضح المقدم عن امر الزيارة ليخبرني ان السيد القائد "الرياحي "يطلبني لامر خاص بمكتبه تصنعت الإستغراب طالبا المزيد من التوضيح فتصنع مظهر الجدية دون التودد الذي بدأ به وبصوت خافت اخبرني ان السيد القائد رئيس الشؤون العامة للعمالة هو من وراء التدبير وانه حسب علمه فهو للتنسيق فيما بيننا من مواضيع .....        

الاثنين، 14 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(24)..بعيدا عن حنان"هذه.."2 تابع/10-1.


 

يوميات : عوالمي السرية..(24)..بعيدا عن حنان "هذه.."2 ..تابع /10-1


 لم اكن اعرف ان الامور ستصير معي على هذا الشكل وبهذا الترتيب لكنني كنت اعقل حساباتي ..كنت اتصور عددا من السيناريوهات القريبة من ما وقع لذلك لحدود بعيدة لم افاجأ ..ربما ارتفع توتري ووتيرة انفعالاتي وأصبحت اعيش حالة قصوى من الاستنفار مع الاحساس بالتهديد...لكنني في اعماقي كنت مستسلما وكنت مقتنعا بانني ساجد المخرج بل وساجد طريقا اخرا اعبر منه لتحقيق كامل اهدافي ...كان علي فقط ان لا اغفل اي معطى وان اتصرف ضد الساعة ..كان عامل الزمن واستبقاء الأحداث جد مهم في هذه الحرب التي اندلعت دفعة واحدة وما حطت رحاها ...كان "السي إدريس البصري "وزير الدولة في الداخلية والاعلام رجل الموقف القوي واللاعب الأساسي في الساحة السياسية والأمنية والاجتماعية بدون منازع ...واثار استحواده على عدد من السلط خصومات عدة وحساسيات سياسية تولى هو محاصرتها قبل أن تحاصره ..وللاسف كان يتصرف في احيان عدة بمزاج شخصي ولحساب مصلحته وليمد في نفوده .ولربما دون ان يراجع القصر في ذلك ...

عندما تقوم الحرب يختلط الحابل بالنابل ويصعب معرفة الى أي جانب تميل وتثق به  .. ففي وقت قصير عرفت الساحة الأمنية المحلية تغيرات في صفوف رجالاتها وفي عددهم الذي اخد يتضاعف وفي حجم الإمكانات اللوجستيكية المتوفرة لهم ..كما عرفت الإدارة الترابية حملة توظيفات غير مسبوقة لها وتم استعاب عدد كبير من حملة الشهادات كما تم الحاق عدد اخر معتبر من من كانوا في وضع المتطوعين بالخدمة والمؤقتين..  

ومع كل تغيير يكثر التحسب ويكثر الضغط النفسي المهني في صفوف كل العاملين في قطاعي الامن او السلطة المحلية ...الوجوه الجديدة بينهم تثير ذلك الحس بالريبة وبعدم الامن لانها كانت تكسر من جو الألفة السابق ومن العلاقات التي مرت من طور المهنية والوظيفية الى مستوى التوداد الاجتماعي ونشات  عنها مصالح خاصة ...

كان هناك حس داخلي في نفسية كل عنصر امني او رجل سلطة من انه مراقب من زميله الجديد ومن رئيسه الجديد ومن مصالح متعددة وان المرحلة دقيقة وتتطلب تغييرا بالتالي في قواعد اللعب ..كان هناك صوة متدمر وساخط يعلوا في نفسية كل واحد منهم واخص بالتحديد العناصر القديمة التي من جملة ما شملها من تغيير تغير في زيها الوظيفي وتغير اخر سلوكي مفروض عليها ...

وفي هذا الجو المشحون يصعب بناء علاقات ..يصعب تسهيل مهمات الغير ..يصعب الظهور بمظهر الرجل القوي ..كان الكل خائف من موجة التغييرات التي مست كل هرم رجال السلطة والامن والقوات المساعدة ..الكل حذر ومترقب والكل مستنفر مركزيا ...

انا لم انهزم داخليا وما كان لي لانهزم وانا في مثل هذا العمر بعد شاب في مقتبل العمر لم اتجاوز الثانية والعشرين سنة ..لم تخدلني ظروفي الأسرية والاجتماعية على ما كانت تخنقني به ..ولا كان تقديري للامور مجانبا للواقع  ..كنت ادرك لحدود بعيدة اي أرض صلبة اقف عليها وانظم تطلعاتي لم اكن ذلك الحالم او المغامر المجنون ..وكنت مسيطرا بدرجة بالغة على اتجاهي بالمعرفة وبالقدرة على البحث عن المعرفة وتوسل سبلها في مواجهة المجهول والغامض وما لم يسبق ان عرفته او تعلمته ...كما كانت عندي جراتي على مواجهة التحديات والمواقف ...

كنت اسمح لنفسي بان تعبر مساحات الحلم والخيال وان تستبصر الاتي انطلاقا من مواقف الحاضر ورغباته وكانت لي تصوراتي المتعددة عن ما انا فاعله بحاضري وبغدي القريب والبعيد ...

كنت متشوقا للغد الجميل الذي يكون لي لكنني لم اكن مستعجلا مادمت قادرا على أن أعيش يومي وايامي الحاضرة بامتاع..لكنه حينما يتسمم كل الجو من حولك بالشك والخوف وانعدام الثقة اول ما تفتقده الاحساس بالامتاع وينتهي بك الامر متعبا ومريضا   ولا لذة لك في القيام باي شيء ...وانا لم اكن مضطرا  او مرغما على أن انقسم على ذاتي وان اعيش الانفصال النفسي والاجتماعي وان اصبر ...

الإدارة لم تسلك معي سلوكا شفافا..

الإدارة ما همها كم اعاني وكم اضحي وكم يكلفني ماديا وما أبدله لصالحها ..ولا اعني بالإدارة الا الإقليمية والمحلية  منها هاهنا بإقليم العرائش..

الإدارة كانت تامر ..توجه ..تشرف  وانا آلة تنفيد تستجيب ..

الإدارة إدارة مراقبة تنفيذ للقانون واي ضجات عن اعتقالات واحتجازات قامت بها وعن عمليات ضبط خارج القانون عمدت القيام بها لم يكن من الممكن تبريرها ..ولا اطار قانوني ينظمها ..

الإدارة تملك سلطها وتملك ان تتقدم باقتراحات وطلبات خارج نظام التوظيف العام الرسمي للوظيفة العمومية..كما تملك ميزانيتها الخاصة التي لا تراجع برلمانيا..كما معروف بتعدد امكانياتها لايجاد طريق آخر عبر التدخل لمعالجة ملفات المتعاوينين المتميزين معها ..والحاقهم بوظائف في القطاع الخاص أو شبه العمومي  ....

الإدارة ببساطة لو كانت خارج هذه المرحلة السياسية من تاريخ البلاد لكان تعاملها مع ملفي الشخصي تعاملا مختلفا ..لكنه في جو الحيطة وفي جو التعليمات المتغيرة في اليوم مرات ومرات ..لم يتم اهمالي لكنه تم وضعي جانبا لحين تنجلي الغيوم  ويمكن التقرير 

لم تكن عندي مؤاخذات خاصة على السيد العميد بعد ان تعرفت عليه عن كثب ودرست اسلوبه كما كان يدرسني هو ..كل ما هناك انه نفسه لم يكن راضيا على سلوك كل الوزارة التي بدت على الرغم من كل التطورات التي عرفها نظامها وامتدادها وتوغلها في الحياة العامة الا انها تتراجع لمستويات خطيرة لكنه يبقى مجبورا من حيث موقعه الاداري والسلطوي ليمتثل لسلوك ونزعات ومتطلبات المرحلة وليقصر دوره وهو يتجنب الصدام الى الادوار التنفيذية والإدارية الروتينية وان يتجنب الاجتهاد او الابداع في الأساليب .او التصرف من تلقاء النفس مثلما كان الجميع يتصرف وهو يقدر المصلحة العامة ..السيد العميد مثل عدد من الشباب الذين دخلوا وظائف السلطة كان مقدر عليهم ان ياتمروا من الجيل القديم ومن حرس العهد القديم ...والحرس القديم كان متشبثا بالسلطة وعمل طوال عهده على بناء شبكات نفوذ ومصالح مترابطة ومتداخلة وقوية ولم يكن ليهادن في حالة ان يجدوا انفسهم تسحب منهم او ياتي شباب جدد ليسلبونها اياهم ...

كنت لحد بعيد قادر على استعاب ان هذه الحرب لن تنتهي عما قريب وسينجر اليها جميع من يتحرك في الظل والخفاء وسيتم تصفية حسابات جمة فيها ...جهة ولائي كانت محددة وكامل استعداداتي عبرت عنها وان كان لابد من ان اهادن اللعبة وان انسحب للخلف قليلا فللا اخسر موقعي المتقدم..كان علي الاكتفاء بما حققته وما لفت الانتباه اليه نحوي ...كنت كمن يبني اسما له وموقعا من خلاله وهذا عمل لا يتدبر في بحر سنتين اوثلاثة...او اكثر وانما عمل متواصل ويحتاج الاكثر من استراتيجية وتكتيكات ...

كل الذي لزمني ان المم البعثرة التي خلفها قراري الذي فاجأ الكل وساهم في نشر الشكوك حولي .. لم يكن مقبولا علي ان اظل أدافع وان اسمح لهم على اقل تقدير ان يحاصرونني ..وكان لابد بان اتحول الى جهة ان اهاجم بدوري .وان اسند عظظي...

مع "سي احمد"رجل الإدارة ..قلت له كل ما يمكن ان يجول في خاطر والدتي ومن انظر الى أن تكون شريكتي في الحياة ..وافهمته ان قراري استجابة للضغوط الوالدية  الممارسة علي ..وافهمته بأنه صعب ان يظل المرء يجري ويجري دون ان يصل إلى نهاية معتبرة ..وصعب ان تمني المرء بامر دون ان تقدم له ولا أكثر من النوايا والوعود....

لم اقل له انني تعبت من استغفالهم باسم القصر وباسم نحن ..لم اقل له انكم تسعون لتقزيمي والباسي دورا لا يناسبني ..لم اقل له انكم تتلاعبون بي لحين ان يطيب مزاجكم وخاطركم ...لم اقل له انكم تتقوون بي وتخدمون مصالحكم الشخصية ....لانني كنت ادرك ان مثل هذه التعبيرات والتصريحات لا تنم إلا عن غباء وعدم فهم للعبة ...

تراجعت للخلف قليلا وابقيتني على انتظار ...وهذا هو المطلوب كان مني حتى من طرف الإدارة ..

كان علي ان اتدبر المآزق التي وجدتني فيها ..وان افك الحصار الذي اخد ينشأ حولي والذي انظم اليه حتى مجموعة من الرفاق الذين لم اكن على انسجام معهم ...كانوا يسعون إلى ادانتي بالعمالة للأجهزة الأمنية بناءا على مجرد الظن والقراءة في سلوكي الاجتماعي المتحول . والغريب في الامر انهم يريدون عبر تشكيل ضغط علي جعلي انهار عصبيا واقدم ما يشبه الاعتراف ...اصبح هناك من الجانبين من يعترض سبيلي ويريد اقحامي معه في نقاش مباشر حول ما يروج عني ويطلب مني تبرير الوضع ...كانوا يتصرفون باستفزازية واستعدائية ويطلبون ردود افعال تشنجية ..تركت لهم الوقت لاحاول دراسة استعدادات كل واحد منهم ..كنت مستعدا لتوريطهم في قضايا اعتداء شخصي لو تطور الامر منهم ..ولم يمكنونني من ذلك ...اصبحت احتاج لمرافقة طوال الوقت الذي اقضيه بالخارج لا لضمان سلامتي بالقدر ما كنت اهيا لشهود عيان في حالة استدعى الأمر ذلك ..   

لم اكن لاقبل مجرد المراوغة لانها لم تنفع في فك الحصار الاخد في التمدد حولي ..ولا جعل حالة النرفزة وتعكير المزاج المقصود ادخالي فيها تصبح مزمنة ..

كنت قد انهيت تقيمي للموقف بشكل عام وللمنطق الذي ينطلقون منه ويتصرفون عبره معي ...واستطعت ان استوعب انهم ينسقون مع بعضهم ويشنوها حربا نفسية علي بغرض اضعافي موقفي الاجتماعي وجعلي اقبل الانسحاب الى الصفوف الخلفية والهامشية للمجتمع مع الصاق وصم بشخصي ..

كلما نظرت حولي لا أجد إلا نفسي والا  أفراد المجموعات التي عملت على تكوينها طوال حياتي السابقة ولم يكن وارد ان اقحمها معي في الصراع من الجانبين لكنني كنت متيقنا من امكانات جعلها تساهم الى جانبي في فض الحصار الاجتماعي المضروب حولي ولكنه كان علي بداية ان اغير من اسلوب مواجهتي وان انقله من مستوى الدفاع الى مستوى  المواجهة  ...

وابتدات تصميم الحرب عبر تقسيم الوجوه البارزة في مناوشتي حسب ظهورها والمجموعات التي تصاحبها..لانهم لم يكونوا يعترضون سبيلي بمفردهم ..وترتيب مجموع البيانات والمعطيات الشخصية والاسرية والعائلية التي سبق وان جمعتها عن كل واحد منهم ...وانطلقت  بنقل الخطة تكتيكيا الى مستوى إظهار التحدي واعلاءه ..لم اعد في حاجة لان انفي او لأكد شيئا ..كل ليفهمها كما يشاء ...اصبحت نبرتي ممتلئة بالسخرية والتهكم والتصريح الفج بما لي من مؤخدات ومواقف من خطهم ونهجهم وسلوكهم السياسي ومشاريع الوهم التي يحملونها ...اصبحت اعلن بتمام الوضوح استعدائي لاي مشروع تقهقري ورجعي  ولاي مشروع يريد القيام له بلغة الإكراه والعنف والاقصاء والحصار  ...وساعة يتحول النقاش من مجرد نقاش افكار و رؤى ومعتقدات الى المستوى الشخصي ..كنت امر بدورى لجعله يبدوا عن حق نزال شخصي واملك ان اهزم فيه خصمي الذي كشر عن أنيابه  في وجهي ...اصبحت اضرب تحث الحزام مستعملا ما كان في حوزتي من معلومات شخصية وخاصة ولا انتهي عند حد التجريح في الشرف والكرامة او التخوين وانما الفت الانتباه الى المآل والى كامل قدرة النظام لدحرهم  وشل كل تحركاتهم وحبس انفاسهم ..وأصبحت هكذا اتحدث بلغة ما اعرفه عن النظام وعن الحرب التي ياخدها وعن كامل استعداداته وعن ما تجمع لديه من معلومات عنهم وعن كامل تحركاتهم ..وعن نقط ضعف كل واحد واحد منهم وعن كامل سيناريوهات مواجهة كل واحد ، واحد منهم ...اتحدث بكامل الثقة ومن موقع العارف بكل شيء وبكل خبايا تحركاتهم لكن دون ان ياتي في تصريحاتي انتسابي الى أي جهة ولكنني اكاد أوحي واشي بانني قريب جدا منهم وتجمعني الاكثر من صلة مع الاكثر من جهة ...وانني بشكل او باخر مجرد ناقل للرسائل اليهم ...

نسقت مع اصحابي القربين كل وحسب مستوى معرفته الشخصية بالمستهدف لابدا انا بالترحيب  باي نقاش صريح نتداول  فيه خلافاتنا ونحسمها من خلاله ..وساعة يتقرر الموعد والمكان يتقرر معه خطة هجومي حسب طبيعة الشخص المستهدف ومستواه من التنظيم وشخصيته ..لامارس عليه تشريحا سياسيا نفسيا بمعنى الكلمة ...كان اصحابي يامنون لي مستويات الانفعال  وظروف ظبطه بمجرد حضورهم بجانبي ..واستغللت ذات تكتيكهم الاستفزازي الحاجم عن المرور للفعل ..وحلة السلام التي يتغنون بارتداءها  وادعاء التحلي بها ..لتمرير المشرط دون إثارة صيحات الفزع او الرغبة في الثار ...

تطلب مني مع بعضهم الاكثر من جلسات متتالية وكانت بخلاف الأولى التي كنت انا الداعي اليها ..كانت بطلب منهم.. كنت العب على كم المعلومات التي اتداول بها نحوهم والتي لا يمكنهم بحال نفيها ..كنت أراهن على الذاكرة القديمة وكل السلوكات القديمة التي اعتقدوا أنهم كبروا عليها ليضعوها خلف ظهورهم بينما أية قراءة لحاضرهم لايتم ولا يستقيم بدونها وبدون التعرض لاثرها ...اصبحت لعبة المواجهة واضحة  بيننا  ..

تطلب مني الامر المرور مع مجموعتي الاقرب الى كامل التنسيق ..عملت على مشاركتهم تصوراتي وطلبت منهم دعمي الكامل لانني بالفعل كنت احتاجه ..كان حجم التهديد عال حيالي..ومتشعب ..بالقدر الاقصى مما امكنني ان اكاشفهم به فعلت ...وقلت بانني احتاج لمشورتهم ..احتاج لدعمهم في المواقف الاجتماعية ..احتاج لمن يسندني بحضورهم ويباشر معي محادثتهم   ..واحتاج لمن على استعداد للتدخل في حالة ان تطورت الأحداث ....وانتقلت بذلك للمستوى الارفع من الحرب النفسية حيث اشركت باقي اصحابي ومن كانت لي بهم صلات سابقة من الناشطين الجمعويين ومن الفاعلين السياسيين والرفاق في التعاطي مع موضوع هذا الكائن السياسي الاجتماعي الذي ينتشر في كل الاوساط والبيئات الاجتماعية ويفرض اختياراته بالاحتيال النفسي والاكراه ..هذه التنظيمات الإسلامية المنتشرة كالفطر في كل حي وسوق والتي لا تعمل الا على الاقصاء ونبذ الاختلاف والحصار ولا تمتد جماهيريا وانما شعبيا عبر استغلالها التناقضات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع والتي تتركز بالاساس بين الطبقات والفئات المحرومة والمهمشة اجتماعيا والمتخلفة فكرية والتي تعاني نفسيا  ...

اخرجت الموضوع للتداولات السياسية المحلية وسميت بعض اسماء التنظيم بشخوصهم واتيت على ذكر ما اصبح موقفهم مني ثم حزمت امري وقررت المرور لمستوى اخر من الحرب لمستوى ان احاصرهم مثلما ارادوا معي ...

في مكتبه كان يصغي الي بتمعن فقط وكنت لحد ما اعي انه لا يدرس المعطيات التي امده بها وانما خطابي .. طريقة سردي  ..انتقالاتي بين المحاور ..احالاتي على مواد القانون الدستوري والقانون الجنائى الخاص ...ايراداتي لمقتطفات من خطب وتصريحات ملكية ..اسماء الإدارات المعنية ..لم يكن في حاجة ليدرس اسلوبي الشخصي فهو يعرفني ويتابعني من قبل ...كان في حاجة ليحدد حجم تورطي في الموضوع لانه السند الوحيد ليتاكد من صدق ادعاءاتي وليحدد بالتالي امكاناته الخاصة واستعدادته ليتورط معي او يقف موقفا اخرا مني ...نهض من مكتبه ..فتح بابه بنفسه وطلب من ساعي مكتبه ان ياجل أية استقبالات لوقت اخر وان لا يدخل عليه اي موظف ..تقدم من طاولة الاجتماعات الطويلة والمحملة بالملفات وقبل ان يجلس اليها افسح لي كرسيا لجواره وطلب مني الانتقال اليه ...وتغير ايقاع المقابلة شكلا ومضمونا ..كنت وجها لوجه امامه في جلسة جانبية والمسافة بيننا قد ضاقت كان يريد ان يعرف لمن يتحدث ..قال انه متفاجئ كليا بالذي يجلس اليه الان وانني غيرت شخصيتي التي كان قد إعتاد ان يراها في حفلات الاستقبالات والتظاهرات  الرسمية ولا حتى طريقة تحدثي اليه كلما جئته طالبا تغطية أحداث رسمية لصالح الجريدة اليومية التي كنت اشتغل مراسلا لصالحها...ثم انتقل معي ليتحرى الهدف من مخاطبته بصفته كرئيس للشؤون العامة لعمالة العرائش..وطلب ان اكون صريحا معه في ما انتظره منه ...

كنت قد صممت عددا من السيناريوهات المحتملة لكيف سيتم اللقاء والسيد القائد اختار السيناريوا الابسط والمباشر ...لذلك تعاملت معه على نحو تقني وعملي ..كنت اعرض المعلومات عني على نحو تقريري وبما يفيد القضية التي اعرضها عليه..ها انا ..ها ما كونتني عليه ..ها مقدار الزمن الحقيقي لبداية تحري  عن الاشخاص اعضاء التنظيم المحضور والذي يمتد في ابسط مدده لخمس سنوات للوراء  ومع بعضهم يعود لزمن بعيد ...لكن ليس على اعتبارهم متورطين في أنشطة يحضرها القانون وانما لاسباب متعددة ...ها منذ متى وانا اتابع ملفهم على نحو رسمي بإشراف الإدارة ...وها تذكير بخلاصات النتائج التي توصلت اليها ورفعتها للإدارة ...وها هي استراتيجيتي في التعامل مع وضعهم المحلي ...وبدات في عرض افكار مركزة وفي غاية الوضوح ومرقمة ....

لا اعرف ....لكن من حيث القدرة على التبليغ والسرد السياسي للوقائع وتحليلها الأولي وفق مخططات مدروسة مسبقة للخروج بتقييم سياسي اولي والعودة لربط العناصر ببعضها للانتقال للمستوى الثاني وهكذا دوليك ثم العرض الختامي المتسلسل للعناصر للخروج بخلاصات ومقترحات توجيهية ..كان تمريني المفضل الذي كنت اشتغل عليه بجد الطالب والتلميذ الشغوف ليتعلم وينجح وانا حريص على اقتناء كل ما يصل من اعداد صحيفة الزمان العربية وصحيفة الأهرام المصرية على الخصوص ...وكنت اتدرب في محادثاتي ونقاشتي مع مجموعتي الاقرب على الجانب الشفاهي منه ...والذي اعرفه انه متى اتيحت لي الفرصة لاستعرض مهاراتي الفكرية لاعرف بنفسي وبمستواي ما كنت لاعبر دون ان احقق انتصاري ..كان يستهدف ان يعرف معدني ويستهدف ان يعرف رؤيتي العميقة للاوضاع السياسية والأمنية للبلاد ...ليحدد طبيعة التعامل معي وشكله ....

كنت اصمت لما انهي انزال المعلومات والمعطيات المطلوبة مني وفق التصميم الأولي المعد ذهنيا عندي واتركه له تقييم المحاورة بيننا  وزمنها  وهو من يقرر ان افصل اكثر او ان انتقل الى محاور اخرى اشرت اليها أو يسال في غيرها ...مرت زهاء الساعتين وخمس وأربعين دقيقة على بداية الحديث بيننا ليطلب مني ان ارافقه الى الطابق الاول ..فتح الباب وخرج وهو يسحبني بحركة من راحة يده على ظهري  ..تبعته ...لحيث مكتب السيد العامل ..انظرني ليدخل ويعرض الموضوع على السيد العامل ...وقفت بهدوء غريب متمنيا أن لا ينتهي الوقت سريعا حتى وانا متنبه لكم مر من الزمن على اخر سيجارة ذخنتها واخر قرص مهدئ "لكزوميل"ابتلعته وكان الثاني خلال هذا اليوم الذي تتجه ساعته لتعلن عن فترة ما بعد الظهيرة ..كانت المكاتب شبه خالية من الموظفين ولم يعد هناك غير المداومين من  أفراد القوات المساعدة وبعض اعوان الخدمة والسائقين الخصوصيين ...كنت اتنفس على نحو بطئ ومنتظم واعيش حالة من الانتشاء الغريب ..لا افكر في اي شيء مزعج او يدعوا للقلق ..في غاية الاطمئنان وثقتي بنفسي عالية واعرف ماذا اريد بالضبط .. 

فتح الباب وناداني للتقدم اليه ..دخلت ردهة المكتب الفسيح التي كانت عبارة عن قاعة استقبال ومكتب لكتابة السيد العامل  الخاصة  ..كنت اعرف الموظفين على نحو شخصي ..بادلاني السلام والتحية من بعيد ..دخل القائد العلمي  للمكتب الشخصي للسيد العامل وهو يسحبني من ساعدي وقدمني للسيد المولودي بوسيف عامل صاحب الجلالة على إقليم العرائش..دون ان يتلفظ باسمي ..نظر السيد العامل الى جهتي كما لا ينظر الي ..نهض من مكتبه ..عدل من حال ثيابه تناول حقيبة صغيرة للنظرات الطبية ..نظر من خلف الزجاج الى الخارج وانطلق خارجا للردهة المكتب حيث كان الموظفين واقفين تحدث اليهما ببعض النرفزة كنت احاول ان لا اسمع شيئا ثم نادى على القائد العلمي محفزا اياه على المضي ..طلب مني السي العلمي ان ارافقه ..كنت في غياب شبه تام عن الاحساس بالموقف الذي انا فيه ..اتصرف على نحو منفصل عن ذاتي ..اسجل واخزن كل شيء تقع عليه عيني لا مجال للتاويل او الاستشكال ..ارى كل من حولي  دون ان اتفاحأ فانا أعرفهم ولربما اعرف اشياءا عنهم لا يعقلها الاخرون عنهم  بينما هم يرمقونني وكانهم لأول مرة يلمحونني فيها ..موظفي الكتابة الخاصة ..عناصر القوات المساعدة ..السائقين ..ساعي مكتب القائد الذي بقي مداوما بجانبه...

تقدم السائق بالسيارة بحرفية ومهارة من الرصيف بمحادة موقف السيد العامل الذي فتح الباب الخلفي ودلف وسطها ..تحركت سيارة من بعيد لتاخد مكانها في مدخل الباب الكبير المتفرعة عن السور الذي يحيط بكل قصر العمالة ..تحرك القائد العلمي بقامته القصيرة والممشوقة باتجاه سيارته اكتفى بان نظر الي لالحق به .التف ودخل السيارة وفتح لي الباب من الداخل وطلب مني الركوب وانطلقت السيارة لم يحتاج ليقول لي اي شيء ليكسر الصمت الذي كان يسود كلغة بليغة في مثل هذه المواقف ...في ساحة أربعة طرق اخترقت سيارة السيد العامل الممر بسرعة ودفعة واحدة وشرطة المرور  كان قد اشرفت على ضمان مرور موكبه الخاص المكون من سيارتين وسيارة القائد العلمي هي الثالثة والأخيرة ..ابطا السي العلمي سيارته وهو يلف المدار كان شرطيا المرور يقدما التحية العسكرية اليه ..ساعرف لاحقا ان السيد العلمي القائد رئيس الشؤون العامة للعمالة تعمد ان يبطئ سيارته ليترك المجال للشرطيين  ان يتعرفا على وجهي ...وساعرف كذلك انه كان يتعمد ان يترك مسافة من سيارة المرافقة في  المقدمة  وسيارة السيد العامل التي تسير خلفها ..وساعرف أشياء عدة عن سلوك القائد المهني في  الأيام التالية  ..

دخلنا قصر سكنى السيد العامل الذي كان قد سبقنا في الدخول ..اوقفني غير بعيد من مكمن الحرس وكانوا من أفراد القوات المساعدة..وطلب مني الصبر قليلا والمزيد من الانتظار ...كان يطمئنني اكثر مما هو في حاجة لان يستنظرني  ...كان المكان مضللا وباردا ..تحركت في مساحة صغيرة لاتتعدى المتر والنصف متفحصا المكان من زواياه الأربعة ..وخرجت لاقف تحث الشمس ..تجنبت ان انظر جهة أفراد القوات المساعدة ..تحسست جيبي اخرجت سجارة تبغي الرخيصة "كازا سبور "..قلبتها بين اصابعي لاتاكد من حشوتها ..ثم اشعلت سجارتي وغدوت ادخنها واستطعم مرارتها ولاول مرة منذ بداية هذا اليوم يتسرب لداخلي الاحساس  بالقلق ..لم اكن اتوقع ان تسير المقابلة على هذا النحو وان اجدني هاهنا محاصرا من كل هذه العيون التي تتفحصني و بدون شك تتساءل عن هويتي وعن قصتي ...حاولت ان اعالج قلقي بالتفكير ..بتصور ما يحدث معي او ما سيحدث لكن عقلي كان منجبسا ..يابى ان يستجيب ..تملكني التوثر وبعض الغضب والرغبة في قهر الانتظارية التي اقحموني فيها بالتدخين  دون توقف لكنني لم اشا ان اعطي انطباعا للعيون التي تراقبني بتملك الانفعال مني ...تسللت يدي لاسفل القميص الصوفي الازرق الذي البسه لجيب صدر قميص بياقة واخرجت قرص "لكزوميل "وبحركة خفية لقمته فمي وقربت سجارة ثانية وانا اجمع لعابي لاسهل ابتلاع الحبة المهدئة واشعلتها ..في حدود الربع الساعة كانت باب القصر تفتح من جديد وتدلفها  سيارة حمراء اللون قديمة الطلاء وشعبية الطراز...بالطبع كنت اعرف صاحبها ..انه السيد العميد ..تقدمت السيارة لتقف في مقدمة الممر المعد كموقف مؤقت للسيارات ..لم يتوجه بالنظر الي وكنت اعرف انه فعل ذلك من مرآة السيارة الداخلية ...

مضت قرابة الساعة والربع على تواجدي بالمكان حينما خرج القائد العلمي صحبة السيد العميد وتوجها نحوي ..كنت اعرف ان السيد العميد سيتصرف بلباقة معي حتى وان كان موقفي لا يرضيه او ضدي..وكذلك كان سلم علي بتودد وطلب مني الركوب بجانبه بالسيارة ..القائد العلمي اوقفي قبل أن أهم بامتطاء السيارة وقال لي بأنه سيتصل بي في اقرب وقت لانه يحتاج الجلوس معي وبسرعة بديهة اشرت عليه أن يفعل ذلك في فترة الصباح ..في اي صباح يناسبه لاتفرغ بعد الصباح لمشاغلي الخاصة ..لم يسالني عنواني ولم يحدد طريقة التواصل او الاتصال كما لم يخبرني اي شيء عن ما قاله او قيل بمحضر  السيد العامل ..

حددت الاتجاه الذي يمكننا سلوكه دون ان اتعرض للكشف من الماريين المحتملين ان يكونوا يعرفونني ويعرفونه في نفس الآن ..اخترنا سلوك الطريق اللاف بجوار مقبرة سيدي العربي وحي كاليطوا ..اكثر الاحياء الممكن ان اجد واقابل بها من يعرفني وقد طلبت منه الاسراع في قيادة السيارة ..وقفنا على مقربة من مدرسة ابن زيدون الابتدائية ...استدار جانبيا نحوي ونظر الي بنفس ابتسامته وببريق اضافي يلمع من عينه ..وقال لي "عوتني ها انت كتفجئنا ..ولكن مزيان لتصرفتي هكذا...كبرها تصغار..شوف اطارق ..عارفك ذكي ومكنشكشي فيك وحتى هذ شي لدرتيه اليوم خدمتينا فيه ..هكذا سهلتي لي الطريق ديال الخدمة..وانت راك معنا بلا متحاول تدير من غيرنا ..."قالها وهو يضحك ويمد كفه ليربث على كتفي ...قال أشياءا كثيرة في عبارات  مقتضبة و كان يعرف انه يسلمني بعد للمزيد من الاستفهامات والانتظارية ...خيرني اين يمكنه ان ينزلني فاشرت اليه ان ياخد طريقه العادي ويقفني في مدخل شارع المقاومة ثم كبرت الفكرة في راسي وسالته طلبا خاصا :"اسي عبد الحق ممكن ناخد منك مئة درهم ..بغيتها اليوم..."ورد علي وهو يتضاحك مني "غير مئة درهم ...هاهي وبصحتك اسدي ..."كان يعرف انني في حاجة لمداورة كل القلق الذي اقحموني فيه باساليبهم الخبرية بان اسكر لاحقق الاسترخاء واستعيد صفاء ذهني ...

(يتبع...)

 

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(23)..قرار الابتعاد عن حنان"هذه.."/تابع :9-1


 

يوميات: عوالمي السرية..(23)..قرار الابتعاد عن حنان "هذه .."/تابع: 9-1


 عدت لانتظامي العام الاجتماعي ..احرص على الظهور في اول الصباح مثل جميع الخارجين الى وظائفهم والى مدارسهم ...ابادل تحية الصباح من اعتدت السلام عليه ... اتحصل على نسختي من الصحيفة اليومية التي كان يهمني الاحتفاظ على اعدادها للاشتغال عليها لاحقا ...ثم ادلف المقهى ... التي أصبحت واحدا من وجوهها..وطلبي معروف مسبقا ..."محمد بنكبور " سهل لي تكوين خطاطة ذهنية معرفية أولوية عن مرتادي المقهى الدائمين بحكم انه سبقني للجلوس اليها على مدار شهور وباعتباره يكبرني سنا وابن المدينة الذي عاشر وتعرف للكثيرين ... كنت قد قررت بيني وبين نفسي على أن أصل اليهم باجمعهم وان اتعرف عليهم وان اكسب ودهم ..لذلك كنت متنبها لاجمع عنهم اكبر قدر من المعلومات وكانت وسيلتي في ذلك الاعتماد على الملاحظة لسلوكهم الخاص ولسلوكهم الاجتماعي وتسجيل عادات كل واحد منهم وتتبع مزاجهم النفسي وما يستهويهم من مواضيع في الصحف التي كانت توفرها المقهى ويتم تبادل قراءتها والتعرف الى مخالطيهم ونوعية علاقتهم الخاصة ..كان يلزمني فقط الوقت والتصرف على اريحيتي دون استنفار ..لم اقم بالخطوة الأولى الاجتماعية للتطبيع معهم وانما اعتمدت أساسا على كسب ود واحترام صاحب المقهى والعاملين بها وهولاء من غدوا يمدونني بالمعلومات التي لم يكن ممكنا ان اعرفها وهي مستقات من حوادث حصلت في اونات سابقة وغالبها يعود لبداية اشتغال الناذل بالمحل او لبداية مداومة الزبون على المقهى ..وهكذا بدا يتجمع عندي تقريبيا عناصر تكوين بطاقات شخصية لكل واحد منهم ...بطاقات تصنيفية  نوعية  تهم الانتماء او الاختيار السياسي ..العضوية النقابية ..طبيعة العمل أو الوظيف المزاول..مشاكل العمل ..الالتزام الديني الشكلي ..الوضعية المادية ..الحالة العائلية والمدينة .. الحالة العاطفية ..مستويات التفاعل الاجتماعي ونوعياته .. الحالة البسيكو سيكولوجية : الادمانات ونوعية التعاطي وظروفه ...العلاقات العابرة ...السلوك الانفاقي ...سلوك الظهور الاجتماعي ومستواه ..التعاطي مع افراد دائرته الخاصة : الزوجة ..الأبناء ..الإخوة ..العائلة ..

عندما كان يهمني فرد من الرواد باعتباره وجها من المدينة انقل بحثي حوله ل"محمد ولحميدوا بنكبور "..ومع حرصي لعدم الاخد بكامل الرواية الاجتماعية الشفاهية الا انها كانت تكون فرصة للبحث في تاريخ المدينة الاجتماعي..واستكمال ملفات قديمة بحوزتي وربط الوقائع ببعضها وتمحيص القريب من الصحة من المستبعد ...

استعاد معي "محمد بنكبور "العديد من اهتماماته التي طالها النسيان وشيء من التقادم مع كامل انغماسه في حياته المهنية والزوجية ومع دخول علاقاته مع مجموعته لمرحلة التعاطي الروتيني ..اصبح حريصا على أن يشاركني الجلسة الصباحية والمسائية ..ونقاشتها المختلفة الطبيعة كما نخرج سوية لقضاء الشرفة الاطلنتكية وللمرور بعدها على فضاء المدينة القديمة وساحة دار المخزن وننتهي اما بالقرب من حي سكناه او حينا ..

ظهوره معي اعاد لي اجتماعيتي وساهم في استعادة علاقات قديمة وامكان تطوير علاقات اخرى كانت فقط تعرفية ومناسباتية ...ادخلني في مجال علاقاته الاجتماعية العامة على مستوى الحي الذي تربى به والذي يوجد به مسكن والديه وإخوانه ..وعلى مستوى المدينة ككل.. أصحابه القدامى ..زملاء دراسته ..زملاءه في الشركة والمنظوون منهم في نقابة الاتحاد المغربي للشغل.. صاحباته السابقات ومن لازال محتفظا بعلاقة ودية بهن ...السوق التي يتبضع منها وأصحاب المحلات والدكاكين  الدين يفضل التعامل تجاريا معهم ...

كان بيننا نقط نتفق عليها تخص حقل تعاطينا الاجتماعي واسلوبنا في تقديم بعضنا اجتماعيا للاخريين ..والتعريف المقتصد والنوعي عن شخصية من تقدم منا او حتى عبر من جانبنا وعليه علامة او معروف بخصيصة ..."محمد بنكبور "كنت قد طورت معه علاقة متميزة من اول تعرفي عليه وهو يرتاد دار الشباب الراشدي ويعرج على مقرات الندوات والمحاضرات ولو ليتابع لبضع دقائق وينصرف ..لكن مرحلة انخراطي  مع الاستاذ بديع محمد في حزب الحركة الشعبية قربني اكثر من "محمد بنكبور"وكل أفراد مجموعة ليكسوس الغنائية التي مهدت لتأسيس جمعية ليكسوس للثقافة والفن بالعرائش..حيث افسحت لهم المجال لعقد تداريب موسيقية لهم بمقر الحزب كما ساهمت في تنظيم سهرة لهم في إطار ايام ثقافية إشعاعية نظمتها الشبيبة الشعبية التابعة لحزب الحركة الشعبية..   كان يعرف انني مهتم بان اعرف كل من يتحرك في مجال رؤيتي العامة الاجتماعية انطلاقا من فهم بسيط مفاده أن كل واحد تمرق من مجال رؤيته يكون نحوك انطباعا سرعان ما يتحول لموقف عاطفي او سياسي..وكل واحد تدخل دائرة تعاطيه الاجتماعي المهني الا ويبدي اهتماما بمعرفتك ان لم يبدي انه يعرف عنك بعض الاشياء..كما ان ذاكرة الناس خطيرة لانها تعمم وتصنف وتحاكم  وتحاصر وتستبعد انطلاقا من موقف كل واحد الشخصي التفاعلي مع المجتمع ومن ما يشكل قناعة او اعتقادات خاصة لدى الفرد ذاته ....وبمثل ماهم يعقلون يبقى ضروري حتى نحن ان نعقل وان نتدبر تفاعلاتنا المجتمعية ...كنت صريحا معه للحد الأقصى الذي يمكنني ان أذهب اليه ..كما كنت اسس محادثاتي معه على تناولات معرفية وعلمية نفسية واجتماعية وتخصصية تنهل من علم الاجتماع السياسي ومن الدراسات الاستراتيجية السياسية والأمنية والجنائية ...لا اولي اهتمامي بالمعلومة الشخصية وانما احولها إلى مدخل للمناقشة في الحقل  المعرفي الذي تحيل عليه او الذي يؤطرها او الذي يقرا فيها كظاهرة اجتماعية ...وكانت هذه النقاشات الجادة هي ما تهمني لانها كانت تجعلني بداية دائم المراجعة لافكاري ولما وسبق أن درسته ولانها كانت مستهدفة بذاتها فانا لم اكن استعرض قدراتي المعرفية وانما كنت اعرف انني متوجه لتأطير مخاطبي وتكوينه بشكل او باخر ونهاية كنت اعرف انني استهدف استقطابه لجهتي .....

في هذه الفترة استطعت ان اضبط تعاطي للأدوية والعقاقير النفسية وقلصت الجرعات للحد الادنى ..لم اكن اخد الا ربع حبة "ارتان 5منغرام "كل صباح وربعا اخرا اخر المساء واكتفي بحبتي "لكزوميل 3منغرام"اول المساء ..اما للنوم فقلصت جرعة دواء "نيوزنان 25 منغرام"من جرعة 100منغرام الى النصف ..كما لم اعد امر على قسم المستعجلات لاخد الحقنة المهدئة ااجلها في كل مرة للمرة التي اكون في اشد الحاجة إليها وقد يحدث أن تمر اكثر من عشرة أيام دون أن اخد حقنة "ديازيبام "..

كنت اعرف ان التعاطي الاجتماعي النشط يستهلك مذخرات الفرد المعرفية ويغرقه في الإستذكار والاسترجاع  والاجترار لخطاباته وافكاره لذلك كنت حريصا على أن استعيد تكويني واعيده وعملت على محمولات الجريدة اليومية بتحليلها وبتكوين ملفات لقصاصاتها والاستزادة على ذلك بالقراءة في الاطر النظرية المعرفية المحيطة بها ...واخدت اداوم على استعارة الكتب من مكتبة وادي المخازن والبحث عن كل شيء يقرا عند اصحابي واصحابهم لاقراءه ...كما كنت أستعين بمكتبة اخي "خالد"للتزود بالمراجع القانونية ...

لم تنتهي حساباتي مع بعض افراد التنظيم الاسلامي المحضور الذين كانوا مصريين على مواقفهم المعادية للنظام العام للبلد..والذين مع الاسف كانوا غارقين في احلامهم المثالية و لا يمتلكون اي تصور عملي جاهز وقابل للتطبيق..حتى فيما يعتقدون أنهم يكابدون  ويجاهدون في سبيل تحقيقه ..ونصرته ..كما كانوا عبثا يناصبونني العداء لانهم كانوا يعرفون انهم موضوعون تحت قوائم المراقبة وكل تحركاتهم محسوبة عليهم وسهل جدا تقديمهم للعدالة بتهم تمس سلامة امن الدوله..هؤلاء تبلبلت حسابتهم لانهم كانوا من جملة احلامهم السياسية المراهقة يحلمون بالاعتقال السياسي التعسفي ومؤازرة المجتمع المدني والاعلام لقضيتهم لم يكن في حسابهم انهم بعد ان يكشفوا سيتم اندارهم للقيام بمراجعة فكرية وسياسية واجتماعية وسلوكية ان بعد في عزمهم ان ينخرطوا في المجتمع وفي دورة اقتصاده ووظائفها ويتمكنوا من ممارسة كامل حقوقهم السياسية والنقابية والمطلبية الحقوقية ...كانوا طهراننين بشكل لا يحيل الا على كم العقد النفسية التي يعانون منها وكم الكبت الجنسي القابعين تحث ضغطه ..كانوا يعتقدون في انفسهم انهم نزيهون وصادقون وعلى كامل الصواب بخلاف أغلبية المجتمع الخانع بارادة الحكام ...كنت أعرفهم في اشد خصوصياتهم وحتى فيما احكموا عليه من اسرارهم وقدفوا خارجيا بمفتاحه ...لانه هكذا كانت علاقتي بهم منذ الأمس البعيد منذ ان كانوا اطفالا ..هم كانوا اطفالا وانا كنت اراقبهم ..انا كنت خارج المشهد كالمقصي من نشاطتهم..هم كانوا يربون عضالاتهم ومهارتهم في العراكات وانا على هامش الساحة الترابية للمدرسة الابتدائية  ..هم كانوا يشحدون افواههم بالسباب والكلمات النابية والالفاظ التنمرية وانا صامت لا ارد حتى وان وصلني منها عيارات ثقيلة ...هم كانت لهم قصبات صيدهم وخيوط سنارتهم واسلوبهم في المشي ونزول البحر والترفع عن مخالطة الغير ...وانا بجانب اختى وبنات الحي واصحابي من اقران الحي ..هم كانوا يعتقدون في انفسهم كبارا وانا لم اكن في نظرهم كما من يدورون في فلكي غير صغار براهيش ..هم قبل أن يرتدوا لدرب الحق كانت لهم كل ليلة وقفاتهم براس الدرب لتذخين لفافات الحشيش والكيف ..ومنهم من كان يقف لسور المقبرة المسيحية ليشرب النبيد..هم لم يكونوا افضل من الاخرين الذين يرتادون الحمامات الشعبية بحجة الغسل والطهارة وتغيير الزيت والدلك وهي الكناية الشعبية الدارجة على الممارسات الجنسية  الشاذة بالحمامات ...هم هكذا فجات اهتدوا الصراط المستقيم ووعوا بان النظام كافر والمجتمع كثر اشراكه  ولابد من إقامة دولة العدل والاحسان .. 

كانوا ملئ بالتناقضات وببساطة مشحونون ايديولوجيا لم يكونوا متابعين للوقائع والاحداث السياسية والاجتماعية   ..لم يكونوا دارسين للتاريخ السياسي والاجتماعي للبلد ..وحتى من كان فيهم يطالع كان انتقائيا وموجها في قراءته ..كانوا يحكمون على الامور بمنطق واحد مجتر محفوظ عن ظهر قلب تشربوه من الأشرطة الدينية والدروس والمنظارات المحملة على اشرطة الفيديو ومن مجموعة محدودة من الكتب والكتيبات الممررة بينهم على اعتبار أنها سرية ومحظور تداولها ..كان حتى ادلاء الراي في قضية سياسية أو نقاش عمومي وطني او دولي كفيل بانتظار ما سيصدر من مجلس ارشادهم ويبلغوا به شفاهيا عبر مجالس الجماعة والخلايا اثناء الدروس الجماعية التي ينتظمون اليها حسب سن كل عضو ووظيفه او مهنته او عبر منشورات منسوخة خطيا .....لم يكن اغلبيتهم منفتحين على محيطهم او اقربائهم او مجايلهم واصدقاءهم لوقت قريب او بعيد ..كانوا اشخاصا انسحابيين وانطوائيين على غير اصلهم التنشوي ويعانون في صمت ..وفي حلقاتهم كانوا متحفظين من كل الاخرين لحد الوسواس وحتى داخل المساجد التي لم تكن كلها تحضى بشرعية الصلاة خلف امامها ..كانوا يتاخرون لخلف الصفوف لياموا صلاتهم بانفسهم ...كانوا متعجرفين ومتصلبين وغير متسامحين حتى في نظراتهم ...

حتى اكثرهم توددا اجتماعيا وابداءا للانسجام العام كان عازفا على مشاركة المجتمع في كل نشاطه من حيث أنهم يملكون البديل لكل شيء ووفق نظرتهم للصواب ...وعلى الجميع ان يتنازل عن اختيارته ويتبع طريقهم ومنهجهم السديد ..

ظل بعضهم يترصدني ويقصدون التهجم اللفظي علي واعتراض سبيلي ومحاولة استفزازي دون ان يتطور الأمر ويخرج عن السيطرة ويمر للفعل...كانوا يعتمدون ارهابي نفسيا وهم يترصدون دخولي للحي  او وهم يحمون  حول الأماكن التي ارتادها ...

كان وضع مرشد الجماعة تحت الإقامة الجبرية وتشديد الخناق على مجلس ارشاد الجماعة بالإضافة إلى الاعتقالات التي طالت قادة التنظيم الطلابين بمختلف جامعات المملكة والهجوم الشرس التي تعرض له التنظيم في جهة الشرق والذي طال حتى الفرع النسوي من الجماعة وسلسلة الاعتقالات والتحقيقات التي عرفتها على الخصوص مدينة طنجة في حقهم ادخل الجماعة في حالة فوضى وقطع الاتصال بين قيادتها المختلفة و الخلايا المنتظمة محليا في كل انحاء البلاد حرصا على سلامة عناصر التنظيم ...ومحليا بالعرائش عادوا بدورهم لسباتهم وكل ينتظر او يتوقع أن تأتيه الضربة الموجعة ...بدو حادرين وناقمين ومستعديين لكل ما يشكل او يمثل السلطة أو أجهزة الأمن التي خرجت للواجهة متتبعة ومراقبة بشكل علني لكل نشاط ديني سياسي واحكمت مراقبتها وسيطرتها على كل مساجد المدينة ومحيطها .. ومانعة الترخيص لاي نشاط يشتم منه رائحة الاسلام السياسي ...حتى وان قدم بأسماء وصفات الغير المعروف عنهم بالانتماء للجماعات الإسلامية ...

وكان اكبر مقلب تعرضوا له إقليميا ان فيهم من قبل للتوظيف على مستوى بلديتي الاقليم كموظفين جماعيين تابعين لوزارة الدولة في الداخلية والتحقوا بوظائفهم التي كانت بلا عمل حقيقي يادوه ..كان المطلوب منهم المداومة على الحضور للمقاطعات ولمقر البلدية دون ان يوفض لهم اي عمل اداري او اتصالي بعموم طالبي الخدمة ... على انه كان مفروض عليهم الانتظار لمدة احدى عشرة شهر على اقل تقدير لتسوية اوضاعهم المالية وبداية تسلمهم لمرتباتهم ...لم يكنوا من من قبلوا في مباريات الدخول لمدارس تكوين أساتذة التعليم الاعدادي او الثانوي ولا الابتدائي ..كما لم يقبلوا في مباريات التوظيف المحلية كاعوان للصحة او في باقي الادارات العمومية التابعة للمصالح الخارجية للوزارات ...هي فقط وزارة الداخلية من رحبت بهم واركنتهم جانبا تحث الدرس والبحث وعمليا تحت وضع المراقبة وتتبع المآل...

اما على مستوى جامعة تطوان فكان قوات الأمن جاهزة على الدوام للتدخل العنيف في حق اي تحرك جماعي يخرج عن حرم الجامعة ...في جامعة مارتيل كانوا محاصرين بجغرافية البلدة الصغيرة ومحصية  عليهم تحركاتهم والعديد من الناشطين المعروفين منهم فضلوا ترك البلدة والجامعة لحين تتغير وتلين الاوضاع ...

كان النظام الامني بالبلد قد أعلن الحرب على التنظيم وعلى كل الجماعات المدعمة من الخارج ..ومحليا واقليميا تم منعهم بصفة عامة وغير محددة من مزاولة اي نشاط سياسي او جمعوي داخل اي مقر عمومي او نقابي او حزبي اللهم من كان قد تسلل من زمن بعيد لمكتب من المكاتب الحزبية المحلية أو الإقليمية او لمكتب نقابي فرعي ..وحتى هؤلاء تم محاصرتهم من قوى اليسار الديمقراطي والتيارات التقدمية والقاعدية التي كانت قد بدأت سيطرتها على مختلف المكاتب والواجهات السياسية وتمثيليات المنظمات والجمعيات الوطنية ..

الذي اعقله جيدا واقف عنده عن كثب هو التوقيت الذي قررت فيه ان انسحب من المهمة وان اخرج على  ارادة الإدارة ..كان الظرف جد حساس وكانت معركة للنظام لم يعرف فيها هوادة او تسامح مع الجميع ..لا أحزاب معارضة ولا تيارات.سياسية يسارية ونقابات كما الجماعات الإسلامية....كان من الممكن الاعتقاد ان اللحظة الراهنة لحظة تصيد فرص بالتنسيق مع كل الجهات التي تخوض الحرب واللحظة فرصة لاثبات ولائي وتقديم نفسي كورقة رابحة..لكن بالرجوع لكيف يضرب النظام وليكيف ترتب المحاكمات ولكيف تراجعت الصحافة عن خطها التحريضي ...كنت افهم ان دوري انتهى لانه كان ناجحا وبامتياز ...النظام لا يضرب بقوة وتركيز من فراغ ..النظام لا يستعرض قوته في شوارع الرباط ويطوق الجامعات والمركزيات النقابية وانما وكما كان يؤكد عليه باستمرار يؤكد كامل جهوزية لصد اي اعتداء على النظام العام ...هذه الحرب التي كان ياخدها النظام كانت في مرحلتها المكشوفة وليقول فيها كلمة الحسم .."اننا لا نلعب او نتراهق سياسيا" ..لان هذه الحرب كانت تقف خلفها جهود استخباراتية واستعلامية وامنية وامتدت على سنوات قبل أن تصل الى هذا الفاصل ...وبالنسبة لي كانت اللحظة المناسبة لارفع يدي وان انسحب بصمت حتى ولو كان خروجا قد يقرا على انه ليس في محله فانا نظريا اضحي بالفرصة الذهبية لتسوية وضعيتي الرسمية مع الإدارة حين أن المسألة مسألة وقت ليس الا كما كانوا يخبرونني ...على أنه خروج معدوم دون جني اية مكاسب او مكافاءات ...بل وخروج قد يعرضني للخطر المزدوج من طرف الإدارة ومن التنظيم الاسلامي المحضور على الاقل ان لم يكن من جهات اخرى ...

كانت اللحظة المناسبة لاعبر عن كامل ولائي بطريقتي الخاصة ولاقول عنه انه ولاء خالص ...وواحب وشرف لي ان اكون ساهمت في الاعداد لهذه الحرب التي لازلت على قناعة بأنها حرب مشروعة ضد حاملي مشاريع تريد ان تدفننا  بالحياة وتقتل فينا اي روح للاختلاف والعيش بامن وامان وبنعمة الحرية ...

كانت اللحظة المناسبة لاقول ببساطة للسيد العميد اذكر انني ساعدتكم ومن تلقاء نفسي قدمت وضحيت وبدون مقابل ...وان لي الاوان لالتفت لحياتي ومستقبلي ...

لم احاول الدخول في سجلات مع الإدارة لا مجال لتبادل العتابات والمؤاخدات ..لا مجال للغة انا اعرف اللعبة مادمت دخلت اللعبة وانا اعرف انها لعبة ذكاء ومكر ودهاء ...ابقيت على كامل احترامي للسيد العميد ابادله  من بعيد التحية والاحترام ..كما ابقيت على علاقتي الشخصية برجل الإدارة "سي احمد"ازوره ببيته في مناسبات الاعياد للمعايدة والسلام كان يحاول من بعيد لبعيد ترطيب خاطري بعد ان تيقن من عدم امكانيه ثني عن قراراتي ...

كنت اهتم لحد الغم بما عساني ساخبر به "حنان "... كيف ساقنعها بانني اتصرف بصواب ...وبانني هكذا لا اعرف كيف يستهويني الطريق الصعب ولا اقنع بالفتات ولا بالصداقات والاكراميات ...ولا كيف اطلب منها ان تنتظر علي الى أن يخف الحصار علي وهي كانت تراني في عيني ..في حقيقة دواخلي وتدرك كم انا اعاني من الضغوط ومرعوب ومستفز ...  

بصدق كنت خائفا عليها من ان يمسسها سوء بسببي وان ينتقم مني فيها ...كنت اعرفها حادة الطباع وغير متسامحة مع من لا يحترمها وسهل استفزازها والنيل منها بالاذى..وفضلت ان اخبرها بقرار ان نبتعد عن بعضنا البعض لحين تهدا الأجواء ..

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(22)..بعيدا عن حنان "هذه.."../تابع :8-1.


 

يوميات :عوالمي السرية..(22)..بعيدا عن حنان "هذه .."/تابع :8-1


 كانت فلسفتي في العيش بسيطة جدا ..لامجال لتضيع اي وقت في انتظار الذي ياتي ولا ياتي ..لاعيش حاظري ولاتفنن في عيشه لاهتم ببناء ما سيصبح حاضرا عما قريب او عما بعد ولاعيد باستمرار النظر في الذي كنت اعيش عليه ...

كنت اضجر سريعا من حالات الغبن التي اشعر بأنها تحاول السيطرة على تدوقي الحياة ..وتحد من امكانات تعاطي مع من حولي ومع ما حولي من موجودات واشياء ...وسرعان ما ابدا في أعمال عقلي وخبالي لتدبر وسيلة لتجاوز تلك الحالات ..حتى ولو كان ذلك ببعض الفوضى ...

كان يكفيني القليل من الوقت لاختلي بنفسي واعيد تجميع الصور واشكالات المواقف التي وجدتني فيها وتحصيل الانطباعات المؤثرة في لتفكيكها وإعادة انشاء تصور جديد للمرحلة القادمة وتبين الافاق الممكن ان الجها في المستقبل القريب ..ثم اعيد تغيير زاوية تفكيري لانغمس في الحاضر ولابدا التخطيط في كيفيات قضاء باقي اليوم بمثل ما لم يكن الامس ...

كان يكفيني رسم الخطوط العريضة للاتي والثبات على تحقيق اهدافي القصيرة الامد وازالة اي ضبابية من تصوراتي وانهاء انشغالي الذهني السطحي ..ثم الانطلاق في كسب يومي ..والتعويض علي مما ارقني في امسي القريب ...

غيرت المقهى الاثير الذي عشت فيه المراحل السابقة من عمري وتطوري بكل ما كانت تتطلبه من تكثيف وتعميق لتجارب التفاعل الاجتماعي والوجداني ..غيرته لسبب بسيط هو ان المرحلة الجديدة تتطلب اجراء العديد من التغيرات في كل انماط تفاعلاتي الاجتماعية بما لا مناص معه من ان اتعرض بدوري ..في دواخلي ..في نفسيتي لعدد من التقلبات المزاجية ومن الاختبارات للضغط النفسي والتوثر ...لم اكن حساسا لاحداث تغيرات تامة في ايقاع حياتي بالقدر ما كنت اظل متيقضا ..مراقبا لكل ما من شأنه أن يشكل فرقا معي واختلافا مثيرا لاحساسات جديدة أو يحدث نكوصا ما داخلي ...بالإضافة إلى اهتمامي الزائد بمواءمة حالتي النفسية مع المتغيرات المادية على أرض الواقع وفي اشكال تفاعلاتي الاجتماعية ...

كنت انخرط مع اول استقرار على راي في موضوع التغير لاباشر خطواته الأولى واترك امر التكيفي واحراء التعديلات عليه لما سياتي اول باول ...

انتقلت من مقهي "لاكوسط "الى مقهى قريب منه يقع بشارع جانبي قصير ..مقهى "التطواني "..ولم يكن اختيارا اغتباطيا وانما مدروس وبعناية...حرصت في الفترة الأولى على أن لا اعطي الانطباع انني ميال للجلوس  لوحدي كما قد يلاحظ علي حيث كنت أرتب مع صديقي "الشريف "امر ان يمر علي ولو ليجالسني بضع دقائق وينصرف .. 

حرصت على ابتياع جريدتي اليومية الوطنية "الاتحاد الاشتراكي " والمجلات الأسبوعية والشهرية العربية التي لا تكلفني مبالغ كبيرة ونظمت  تزودي  بالكتب من مكتبة وادي المخازن بحسب احتياجاتي الآنية لما كنت اجد انني بعد في حاجة للتزود بمعرفته او إعادة قراءته والنظر فيه من الموضوعات التي كانت تثيرها في القراءة المتمعنة للجريدة اليومية ..  

كنت ارسم خطا محددا ومقتصدا لسيري وتحركي خصوصا لما اكون لوحدي ...ولا اغامر بتغييره الا في الضرورة القصوى ..كنت محتاجا لارسخ نمط تحركي اجتماعيا وابني علاقات نظرية مع الجوار الذي اتحرك فيه ...

المقهي الذي اخدت ارتاده  مفتوح على أن انظار المارة وعلى مخبزة ملحقة به ..اتخدت لي زاوية تضيق إمكان ابصاري من الخارج بعكس الداخل للمخبزة  الذي اول ما يقع نظره عليه اكون انا لما يتطرق بنظره ليتفقد المقهى الواسع ..

كان المقهى يقع اسفل عمارة سكنية متقادمة احدى شققها مكتراة لصالح المحكمة الابتدائية ومخصصة لسكن وكيل الملك ..وباب المقهى ونوافدها الزجاجية الكبيرة مفتوحة مباشرة على درج ينتهى اليها شارع القائد احمد الريفي الذي يقع فيه مبني مفوضية شرطة المدينة ..وحتى ان لم يحدث أن يدخل بعض العناصر الأمنية ليحتسوا قهوتهم او لياخدوا فطورهم فلقد كان يصدف ان يمروا من هناك لياخدوا الدرج لمقر المفوضية ..كنت اعبر نفس الطريق على الاقل مرتين في اليوم وكان يحدث كثيرا ان اصادف من عناصر الشرطة من لي علاقة به واقف اليه على الاقل لمبادلة السلام والتحية والكلام اليومي ..

الذي كان يهمني في هذه المرحلة ان اعرف عن سير خطي وان تحفظني ذاكرة المتواجدين الدائمين بالجوار من باعة الدكاكين ومهنيين وموظفي القباضة البلدية وحارس السيارة وعناصر الامن النظاميين المدواميين على حراسة مبنى المفوضية ..وسكان الأحياء التي يخترقها الشارع الى أن ميل قليلا محولا اياه الى شارع سور الإشارة الذي يوصلني الى حي سكناي ...

ان يتحول تخمينهم الى شبه معرفة مسبقة من اين اتيت والى اين امضي وهل كنت برفقة احد ..كان يهمني ان اضمن معلومات تستسقى عني وعن سيري من هولاء ان استدعى الأمر أن يحقق اي احد او اي جهة عني ...كما لزمني في هذه المرحلة عنوان اجتماعي اعرف اليه ويمكن لمن اراد الاتصال بي أو أو انتظاري به وكان المقهى المنتقاء خير عنوان الصقه بشخصي واحيل عليه معارفي فهو مقهى مفتوح لكن على رواد من الجوار وليس على اي عابر سبيل وبخلاف ساعة الدروة في المساء فهو شبه فارغ الا من الحركة الإعتيادية لزبون يدخل واخر يخرج ...وحتى ساعات ذروة البيع بالمخبزة الملحقة به فهي معروفة ضمنا اول الصباح وساعة الغداء واخر المساء...كنت مستعدا لمعركة اخد مكان بالمقهى واثبات وجودي وكسب صاحب المقهى والعاملين به لجانبي مع رواد المقهى الدائمين  لذلك لم تاخد معي وقتا طويلا خصوصا انني في هذه المرحلة استعدت علاقات التلاقي مع اصحابي من مجموعة لكسوس الغنائية واخدوا يمرون علي في الفترة الصباحية او فترة الظهيرة التي اقضيها بالمقهى ويدعونني الجلوس اليهم في الفترة المسائية التي لها ايقاع وجو خاص اجتماعي في المقام الأول ..بينما كان الفترة الصباحية لقراءة وتصفح الجرائد والكتابة والمناقشة ...

اخدت انتظم على الايقاع الجديد..واضبط تدريجيا كمية ما اتعاطاه من حبوب وادوية .. تعاملت مع الإرهاق الذي وجدتني عليه اول بدايات انسحابي بالاكثار من المشي والحرص على النوم بالمنومات حبوب نيوزنان 25 منغرام بجرعات تصل الى 100 منغرام كل  ليلة ..واخدت ادوار اخر مساءات يومي كي لا الجأ لاخد حقنة "دايزبام "مهدئة ما أمكن ..في هذه الفترة من شهور فصل الشتاء الباردة والقصيرة ايامها كانت لقاءاتي ناذرة مع "حنان ".....كنت افتقدها بيني وبين نفسي واطمع في مقابلتها ..اظل مترقبا رؤيتها كلما قصدت المكتبة او كنت مارا  صحبة "محمد بنكبور "الذي كان معتادا دخول السوق الصغير عند مغادرته المقهى ..ربما كانت متعمدة  ان لا تتصل بي من حيث أنها تعرف انني منخرط في عملية تكيف جديدة وليست سهلة ...كنت ااجل جلسات الشراب للمرحلة اللاحقة ..ربما لحين عودة "محمد الشكذالي"من جامعته بالرباط معه يتشجع جميع اصحابنا على احتساء "الكونياك "المهرب والخروج للسهر في الليل رغم برودة الطقس والجو الماطر عموما .. 

كانت تجمعني نقاشات جانبية مع اعضاء من جماعة إسلامية محظورة بجوار حينا ..لم اكن اتحنبهم ولا اراوغهم في المحادثة التي يريدونها ..كان يهمني ان اتعاطى معهم بحسب الاعتقاد الذي ينطلقون منه ويدمرونه .. اعرف انهم يلمحون اكثر مما يفصحون ويحاولون كشف تناقضتي .او على الاقل احراجي وهو ما لم أمكنه منهم ..كنت ادرك محدودية فعلهم فهم يلوحون اكثر من استعدادهم الفعلي على المواجهة ..وهم الان ينطلقون من محظ شك ورببة انا من عمل على تقويتها داخلهم  بسرعة التحولات الظاهرية التي كنت اتعمد سلوكها ..والتي اوجدت صيغة مقبولة لاستساغتها بمقولة انني امر من فترات اضطراب نفسي ..مرضي وعادي جدا ان اعيش مثل هذه التقلبات والتحولات ...

عملت طوال هذه الفترة على تاكيد ابتعادي من الساحة وفي نفس الوقت جعله يبدوا انه ليس ابتعادا  بالقدر ما هي فترة استعادة للذات ومراجعة لها ..لم يعد هناك ما يدعوني لاتواجد بفضاء البلدية او العمالة ..على أنني كنت اتوصل بعد بالاستدعاء الرسمي للحضور لمتابعة. نشاطات العمالة في المناسبات الرسمية  بصفتي كمراسل صحفي لجريدة "الحركة

 "كنت حريصا على أن لا افقد متابعاتي للحياة السياسية الوطنية والنقاشات العمومية ..وان لا اتجنب خوض النقاش فيها مع من تنسوا مني ذلك كلما جمعنا لقاء ولو عابر بالشارع .. لكن مع الحرص على التأكيد انني مجبر على الابتعاد عن الممارسة السياسية أو الفعل الجمعوي للاهتمام قليلا بمستقبلي الخاص ..حاولت ان اعطي الانطباع العام انني اعاني من مشكلات أسرية واجتماعية وانني مضطر لاجراء التحول اللازم كمن اخيرا استجاب للضغوط الممارسة عليه من محيطه ..وفي نفس الآن اظهر شخصية أخرى مني اخدت في التمييع والتطبيع مع الحياة العامة الاجتماعية ..اصبحت مداوما على جلسات المساء صحبة أفراد مجموعة "لكسوس "الغنائية بمقهى "التطواني "..والسلوك العام بمظهر اخر ..مع اخوان "بنكبور "محمد وحميدوا ومصطفى وعزيز وعلي كانت علاقتنا متواصلة على الدوام ولم تنقطع ..ومعهم كنت قد طورت اسلوبا راق في التعامل والتفاهم بيننا ...معهم باجمعهم ومع كل واحد على حدى ...كنا لحد بعيد متواصلون مع بعضنا البعض وصادقين في سلوكنا ونتحدث في كل شيء وعن كل شيء ...طورنا لغة الكلام بيننا وقدرتنا  على الانصات لبعضنا والتحاور البناء ..كنت بقادر على ان اتعاطى مع اختلاف طبع ومزاح كل واحد منهما دون ان اشعره بادنى تصنع مني ..واستطعت في فترة بسيطة على حلوسي المستمر مع "محمد بنكبور "ان استعيد علاقاتي مع جميع اخوة بنكبور واصدقاءهم ..وكانت مجموعة كبيرة ..كان هناك "عبد الرحيم العمراني "واخوه "عبد الحميد العمراني "و"مصطفى البوطي "و"عبد الحميد خضور "و"عبد المومن ..."واخرون ياتون وبذهبون ....جلستنا كانت تكبر وتتوسع حلقتنا بزاويتي بالمقهى الامر الذي فك علي الحصار النفسي الاجتماعي من كبار السن رواد المقهى الدائمين المرتابون دائما والمستهون لان يصنعوا فرقا بين الجيل الذي ينتمون اليه وجيل الشباب جيلنا ..اصبح يمر علي على مقربة من موعد مغادرتي المقهى في فترتي الصباحية صديقي وابن حينا "سعيد الكوش "على مرور "الشريف "ليجالسني ولو لربع ساعة قبل أن يحول اتجاه لمقهى "سنترال "حيث رفاقه الذين تجمعه معه عدد من البرامج والنشاطات مصرون على أن يكون لهم مكان تواجد وحضور بمقهى "سنترال "منتدى السياسية المحلية والسمسرة في كل شيء...وعندما يصل "محمد الشكذالي"من الرباط ياخد الكرسي المحاور لي الا اذا كان مشغولا بانحاز فروضه الجامعية فياخد الطاولة المحاورة لي ليشتغل بحريته وبكامل تركيزه ..وشيئا فشيئا اخد كل اصحابي المقربين لا يلبثون ان يمروا علي من الحين للاخر ... 

كان علي ان اضبط المجموعة لكي لا نثير حفيظة من يشكلون المجتمع من رواد المقهى على مختلف مراجعهم  ومراتبهم ..ولكي لا نصطدم مع عقلية الباطورنة المستحكمة في راس كل صاحب ملك خاص مفتوح في وجه العموم ...ولكي يظل مرحب بنا في المكان وانا ان ناخد فيه كامل حريتنا ...فبحرصي  على أن اخصص الفترة الصباحية للكتابة والقراءة والمناقشة اخدت اشجع افراد المجموعة على الانضمام لي في هذه النشاطات واستحاب كل من "عبد الرحيم العمراني"الذي كان ياخد الطاولة اليمنى القريبة لي بينما ياخد "الشكذالي محمد"الطاولة اليسرى القريبة مني واخد الشريف يعرج في ساعة الظهيرة لياخد طاولة بجوارنا ليطالع في كتاب او ليحرب في الكتابة الأدبية ...ثم لا يلبث أن ننظم لبعضنا في نقاش موحد ...اصبح بامكاننا أن نجلب اشرطتنا الموسيقية لنستمع اليها بالمقهى بعد ان رحب صاحب المقهى بالامر وراقه دوقنا الموسيقى المختلف في انواعه واصنافه ...

نظمنا طريقة جلوسنا وتحاورنا كنا نرحب بان ننظم لبعضنا البعض لنترك المجال لرواد اخرين ونتنازل عن طاولات جلوسنا المعروف باعتياده  الجلوس لطاولة مخصوصة ..حتى طريقة دخولنا المقهى كنا نرتبها خصوصا في جلسات المساء العامة والتي نقصرها على المحادثات والدردشات والنقاشات لاصوات خافتة .. تحدث "لمحمد بنكبور"في الامر بصراحة كان هو الذي له حياة اجتماعية قائمة فهو مستخدم بشركة عامة ومتزوح واب لبنت وكلنا كنا عزاب وعاطليين أو شبه عاطليين لم اكن التحدث اليه بمنطق الذي ينبغي والذي لا ينبغي لانه لم يكن اسلوبنا قط ..كنا نتحدث من موقع فهمنا للعبة الاجتماعية كيف تدار وعلى أي اسس ياخد الصراع أشكاله فيها ...كنا نعي اختلافنا ونمارسه هو ونقدنا المستمر لاوضاع المجتمع ولحال الناس ..كنا نعرف ما يكونه الاخر  ..وقواعد الاخر ..وكيف نتمثل الاخر وقيمه ونحو ماذا ....النقاش الذي بداته معه انفتح على باقي افراد المجموعة وتطور للنقاش جاد ساهم كل واحد فيه وامتد ليتفرع على مستويات نفسية وسيكولوحية لتعميقه ..بوعي مني ساهمت في إعادة فتح النقاش حول الذات والذات الاجتماعية والتطوير والتغيير الاجتماعيين ...وخلقت امكانيات لتمارس المجموعة أشبه بنقد ذاتي لمسارها كمجموعة غنائية رائدة في الساحة الشبابية بالمدينة وكمحموعة شباب حداثيون يجمعهم حب الموسيقى والحلم بالغد الجميل لكل الناس ..اشركت تاليا اصحابي الشخصيين مع افراد المجموعة لتسري المعرفة بين الجميع ولتنفتح المجموعة على من يقع خارج اهتمامها الاول الموسيقي ..

"محمد بنكبور "الذي إعتاد المرور لمصاحبة زوجته العاملة بمركز الهلال الاحمر المقابل للمقهى "مقهى التطواني" كان يجلس لانتظارها بذلك المقهى وكان احيانا يجلس لخطيب زميلة لزوجته بعملها .."محمد بنكبور"بطبعه الهادئ والمسالم وبتحربته العميقة لم يكن يرتاح لمخالطة الاخرين من غير افراد مجموعتهم الذين يجمعهم اسلوب خاص في الكلام والاهتمام والرؤية ..لكنه على قدر كبير من ابداء الاحترام الاجتماعي والمكايسة ..انا كنت اعرف بارتياده في ساعات مخصصة المقهى لكنني لم يحدث أن قبلت بدعوته الجلوس معه بها ...وعندما تطلبت المرحلة ان ابحث عن مكان جديد لي اعرف اليه اجتماعيا كان تواجد "محمد بنكبور"بالمقهى ذلك عنصرا اساسيا اخدته في اعتباري وانا ادرس المكان كخيار ..كنت في حاجة لغطاء اجتماعي جديد امارس عبره ظهوري الاجتماعي لم يكن مقبولا ان اظل مسحوبا  للظل حتى يبتلعني..ولا كان مقبولا ان اظل اعاني تابعات التحويلة العنيفة التي قمت بها دون ان اجد مخرجا منها ..

افراد التنظيم الاسلامي المحضور لم يهضموا خروجي عنهم دفعة واحدة بعد ما كل مساعي  انا للتسلل اليهم ..وكانوا فيما بينهم يجمعون علي ما يدينونني به  ويتقصون علي ...لم يستوعبوا انها كانت وسيلتي لنفض كفي من ملفهم وانهاء مهمتى ..كنت ادرك حجم التورط الذي اقحمت فيه وادركه في  الفخ الذي اوقعت نفسي فيه بكامل وعي على انه فخ منصوب الي  ...

بعد شهور من التحري والتقصي والرصد استطعت ان استجمع ما يشبه خريطة التنظيمات والحماعات الإسلامية المختلفة المرجعيات والولاءات الناشطة شبه سريا وسريا بالمدينة وبالمنطقة  (القصر الكبير..اصيلا..طنجة ..تطوان ..مارتيل ..)..المعلومات التي كان يطلب مني مراجعتها باستمرار وإعادة توثيقها  الى أن جاء طلب ان اجلس للسيد العميد بشكل مباشر ليستوضح مني نقطا بعينها وردت في مجموعة تقاريري المرفوعة اول باول للإدارة وليتحول اشرافه والتنسيق  المباشر على ومعي ..وتم تحديد المهمة الأساسية في متابعة تنظيم محضور من بينها والعمل على التسلل اليه ..

تغيرت تماما طريقة التعامل معي ومستواها ولاحظت ابانها ان المسؤول عني "سي احمد"لم يكن راضيا على أن يسحب من المهمة ويتخلى عن الاشراف على ..

اخدت الامور وتيرات سريعة ومتطورة  باستمرار التقدم الذي كنت احققه في المهمة ..وعلى انني كنت اعاني الضغط الشديد الا أنني عملت كل ما في وسعي التغلغل التنظيم وكشف حتى عناصره الخارجية في المنطقة واستعملت كل علاقاتي وكل امكانات العائلة لانجاح الامر ..

السيد العميد ذا شخصية مخالفة لشخصية "سي احمد"فبالإضافة لكونه متخصص في العلوم السياسية كان يتمتع بذكاء خاص وقدرة على المراوغة ..كان يعرف عني انني لا اثق في اي احد واشك في كل شيء باستمرار ..وانني لست ساذجا ولا غرا لتنطلي علي الحيل التي كان يمررها علي عبر "سي احمد"سابقا الذي كان يستنفرني مرات بمتابعة معلومات مضللة ومبركة الهدف من ورائها هو اثارتي البحث والبحث المستمر وتحث ضغط الوقت والزمن  لااوجد في مقابلها معلومات أكيدة ..

السيد العميد لم ينتقل معي من الأسلوب الرسمي للاسلوب الاجتماعي غير الرسمي بسهولة ووسم الانتقال بطلب استكمال ملفي والبحث التفصيلي عن كل تاريخي الأسري والعائلي وكل افرادهم الاحياء والاموات فيهم ..كان يتقدم مني باشبه مكافئة او عربون امتنان ويقدم تسوية وضعيتي مع الإدارة المهتمة جدا بما حققته من نتائج ..

السيد العميد وضعني في الموقف السيكولوجي السياسي ..لم يكن يختبرني فقط بل يطلب كامل ولائي ..يطلب ان يستغفلني وان لا اتردد لحظة في القبول ..ففي لقاء جمعنا ببيت "سي احمد"بطلب من العميد كان علي ان املا  مطبوعات عدة وبخط يدي اقر واعترف فيها على أنني عضو في الجماعة المحضورة واشهد ان المذكورة أسماءه التالية كلهم تربطني صلة بهم ...

لا مجال للفهم هاهنا او للظن  او الاحتمال والترجيح..ففي الوقت الذي كان يؤكد لي انهم لا يتخلون على اي عنصر منهم وان الإدارة بما لها من سلطة ونفود قادرة على أن تحميني وتضمن سلامتي الشخصية ويؤكد ويؤكد ...يعود فيزور الحقيقة بمحضري وبمبرارات واهية كفقط لاثباث ان المعلومات المقدمة الإدارة جاءت من داخل الجماعة اياها ومن عضو موثوق منها ..كان يعرف انني لا يمكنني ان اصدق في ادعاءته وكان ينتظر مني ان اتحفظ على شقها القانوني اذ كيف اقدم سندا يثبت تورطي في أنشطة سياسية وتنظيمية محضورة  ومخالفة للقانون الجنائي الخاص وبخط يدي وببصمة ابهامي ومع صور حديثة لي وملف متكامل البيانات عن كل شخصي واسرتي وعائلتي  ...كان يضعني بين السندان والنار وهو يصور لي نفسيا انه تغليب المصلحة الشخصية والطمع في تسوية وضعيتي بالإدارة كفيل بأن يجعلني لا اتحفظ وهو في ذات الان يتلاعب بنفسيتي ويلعب معي لعبة الترغيب والترهيب الخسيسة  ويعرضني للابتزاز ويمارس علي الضغط ...وفي نفس الآن كمن يقول ان لم تكن تثق فينا فكيف نثق فيك ...تلك اساليبنا وانت واحد منا ..او كمن سيقول لاحقا والا كيف ستامن نفسك هل ستطلب  مراجعة صيغة الافادات وتوثيق طبيعة المهمة ودورك فيها وهل ستضمن أن لا تسلل الوثيقة المعدلة على هذه الصيغة لتفضحك وتحرق اخر اوراقك ...

انا كل الموضوع عالجته بمجرد ان انهيت تصفح المطبوعات وكنت قد اخدت قراري وبدات في ملئها والابصام عليها وثيقة وثيقة  وانا اقول في نفسي له :"تلعبها جيدا وتعحبني طريقة لعبكم"

بعدها بحوالي الاسبوع قدم لي مبلغ "400درهم  "نقدا عبر "سي احمد"ليسهل انتقالي في إطار نفس المهمة لمدينة مارتيل وهذه المرة على أن اوقع على مطبوع بتسلم المبلغ  فارغ من اي بيانات رقمية تهم قيمة المبلغ كما باقي الخانات غير مدون فيها اي شيء وتحث حجة انه سيتم رقن البيانات بالآلة الكاتبة بعد ان ابصم عليها فيما بعد ...

لدواعي أمنية وللتكثم المحاط بالمهمة حضر علي حتى الإفصاح عن هويتي اثناء الاتصال بالإدارة واعطي   لي اسم اتواصل من خلاله ...هو من اختاره لي ...وحضر علي الاتصال بشكل رسمي مع "سي احمد"وعدم مراجعته في اي امر من هذه المهمة بالخصوص ...

انسحب "السي احمد"للظل ..وغير سيارته المعروفة كما أنهى دور المنسق مع مفوضية الشرطة لحساب عنصر اخر من الإدارة كان في الآونة الأخيرة كثيف الحضور في المناسبات السياسية واللقاءات الثقافية والجمعوية كما في مواقع الاعتصامات والمظاهرات التي كانت ساحة البلدية فضاءا لها او امام قصر المحكمة الابتدائية ومقري حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل....علمت وعلى نحو لا يمكنني على أية حال التيقن التام منه لغياب السند الرسمي ان "سي احمد "حصل على ترقية وانه اصبح برتبة ضابط ..

كان يتم تعريضي للاخطار البليغة ويطلبون المزيد من المعلومات دون ان يتم اطلاعي على كيفية تعاملهم مع كل البيانات التي زودتهم بها ودون ان يشركونني في خطواتهم الاستراتيجية تجاه التنظيم ...اذ أن حدث اعتقال عضوين من التنظيم المحلي على هامش مشاركته في تظاهرة وطنية نادى اليها مجلس الارشاد الخاص بالجماعة المحضورة بالدار البيضاء وتعرضهما للاستنطاق باساليب قاسية  قبل أن  يفرج عليها ...جعل التنظيم المحلي يستنفر خلاياه ويعلي مستويات الامان عنده ..ويكاد يعرضني للخطر البليغ لو أسفر بحثهم عن أية علاقة لي بالكشف عن افراد خلايا تنظيمهم للأجهزة الأمنية ...

تفاجأت بسرعة تدخلهم لضبط افراد خلايا كانت تنشط بالحي الجديد بطنجة والتحقيق معهم الامر ذاته الذي كان من الممكن ان يعرض مصادري هناك للخطر المباشر ..

كانت الساحة الجامعية بكل من تطوان ومارتيل وفاس بالخصوص تغلي وكان الصراع على أشده بين التيارات القاعدية الماركسية والجماعات الإسلامية وكان التنظيم الاسلامي المحضور ميالا للمواجهة واستعراض قوته وعنفه ضد القاعديين  ....المسؤول المحلي عن الخلايا التلمذية و اليافعين من اعضاء التنظيم اشعر بانه تحث المراقبة وكان معروفا بأنه يمثل الجماعة على مستوى جامعة مارتيل فجعلته حالة الحصار المفروض عليه أشبه بالثور الهائج ولم يخفي علي شكوكه الفعلية في شخصي وتحذيري لكنني كنت اعرف عنه طبعه واعرف عنه عدوانيته واعرف انه كان يخرج مع افراد من حماعتهم ليقموا بهجمات على مرتادي  الغابة طلبا لممارسة الحب واعرف انه لو صحت دعاوي شكوكه في صلتي بالأجهزة الأمنية لما عدم وسيلة لينكل بي وليس لياتي ليجاسني ...ثم انني لم اقل بانني لا اعرف اكثر من مسؤول امني ولكنني لا علاقة لي بما يمثله هو او اي تنظيم اخر نشط في الساحة ولا معرفة خاصة لي بآية موضوعات او معلومات ليست معروفة ومتداولة لامررها لاي جهة على أن لا مصلحة لي في ذلك ...انا لم اقدم لهم نفسي الا كمحاول القيام بمراجعة نفسية وسيكولوحية وسلوكية روحانية لذاته لم اكن اظهر التزامي الديني ولا ميل لي لاختبأ تحث ظله .. كنت اناقش معهم رغبتي في التغيير للاحسن ونيتي في القطيعة مع سلوكاتي في تعاطي الخمرة والمخدرات ...كنت ببساطة اقدمني كاي كبش صغير او طينة لينة قابلة للشحن وللاحتواء والاستقطاب..ولم أركز الا على من كانت تسبقني  به سابق معرفة كأن تتلمذ معي او كنا رفاقا في مرحلة سابقة ..كما لم اقطع صلاتي بباقي من اعرفه حتى من من كانوا معرفون برفاقيتهم ..كل ما هناك انني بدات اظهر في المسجد في صلاة متفرقة وتحوطت كليا على امر تعاطي للشرب او التذخين خارج البيت وجلسات  البيوت ..كما حافظت على مسافة من من كنت اخالطهم ومعرفون عنهم سلوكهم التحرري المتحدي للمجتمع ..لم اقترب كليا اتم الاقتراب من التنظيم ولا قلت يوما برغبتي في الانظمام الى أي تنظيم موازي له ..كانت عندي طريقتي في جمع المعلومات واستسقاءها وكنت اعتمد في ذلك على اصحابي في عدد من المجموعات التي طورتها في كل اطوار حياتي ..كل ساهم معي وامدني بقدر مهم من المعلومات التي يسرت علي ربط وإعادة ربط الاتصال بهم وخلقت لي الفرص للقاء بهم والتواجد بصحبتهم   ..وهناك من يسر لي حتى استخلاص المعلومات التي كنت اريد معرفتها عن طريق إجراء عملية التحري غير المباشرة نيابة عني او التمهيد لما يخصني من مواضيع ...وهناك من نفد عمليات نفاذ وتسلل لخلايا منهم بحجة التعرف عليهم والتعاطي الأولي معهم ليتسنى له التقرير في الانظمام من عدمه اليهم ...لضبط صلته التنظيمية خصوصا انهم كانوا يتوارون ويتخفون تحت امكانات ان يكونوا فقط متعاطفين   مع طريقة مرشد الجماعة بينما هم ينظوون إلى جماعة تلك او تلك او تلك ...كنت اعرف من بداية المهمة انني ساكون الشخص الخطا لو فكرت بحق ان اسعى للانظمام اليهم او الى أي جماعة إسلامية اخرى لانه من المحال علي ان التزم معهم او حتى اجتماعيا بغير المقبول في شريعتي ..ولا فكرت من بداية المهمة في مناقشة طريقتي او اسلوبي في تحصيل وتجميع المعلومات وتحديد الاشخاص وعناصر التنظيم ..كنت انجز المطلوب مني واصيغ التقارير العملية الموجزة والموثقة دون ان اكون مطالبا بسرد خلفيات البحث والتحري وعمليات الرصد ..وحتى في اللقاءات المباشرة مع رجل الإدارة "سي احمد" كنت اراوغه ولا اكشف تماما له عن مصادري او عن ما يربطني بها ولا كيف استحصل بالسرعة القصوى على المطلوب تاكيده أو نفيه من معلومات كانت تفد على الإدارة الإقليمية من جهات اعلى منها ..

من البداية فضلت ان لا اتورط مع الإدارة بالاساس ومع اسلوبها في زرع مرشدين لها في كل المجالات وداخل كل الاوساط والهيئات والخدمات لانني لو حصل وتورطت فسينتهي بي المطاف لابسا قبعة المرشد الرخيص الذي يتقاضى تعويضا على شكل بطاقات الإنعاش الوطني والمساعدات الاجتماعية نظير خدماته التي يظل مفروضا عليه تقديمها اينما ارتحل وكيفما غير مكان عمله او سكناه ولكل من حل محل من جنده واستقطبه  لصالح الإدارة ..انا كنت واضحا في تقديم الصفة التي بمحظ اراداتي تقربت منها من الإدارة ..صفة متعاون في مجال المعلومة على اعتبار انني اخترت درب الصحافة والعمل الصحفي الميداني ...ويجمعنا كلنا حقل التعاطي والتعامل مع المعلومة وانني مهتم بتوسيع دائرة علاقاتي الاجتماعية بما يمكنه ان يساعدني لاشق طريقي في مجال الصحافة والعلاقات العامة ..وانا من تركت لهم الباب مفتوحا لياتوني في كل مرة طالبين ان اتعاون معهم الى أن أصبح الامر يتعلق بمهمة وبمتابعة رسمية كنت انا متاكدا من انها تهم المركز وان تفانيت في القيام بكل ما طلب مني او اسند الي من مهمات جانبية فلانني كنت على معرفة بان هناك من يتابعني ويولي عناية خاصة للمجهودات التي ابذلها واولئك كان يهمني على الاقل ان يكون لاسمي او لصفتي جرس يتذكرونني به 

من قبل أن تكبر وتتسع حلاقتنا بمقهى "التطواني"كنت قد بلورة قراري النهائي وخرجت بنتيجة عملية مفادها أن لا مجال لاستمرار على نفس المستوى في العمل لصالح الإدارة ..كنت قد انتظرت ما يكفي للبث في امر تسوية وضعيتي ولا خبر يقين جاءني منهم كانوا يطلبون فقط ان لا اتوقف وان استمر على نفس نهحي ويعيدون بأنه لن ينقصني خير بجانبهم وانهم  لن يدخروا جهدا لحمايتي والدفاع عن مصالحي الخاصة ..ولم يكن لي لاتجاهل  أهمية وقيمة عامل الوقت والتسويف ومال الانتظارية ...لذلك قررت أن اجمد جزئيا نشاطي وانهي مهمتي تلك أساسا وان انتظر ما سيفعلونه بخصوصي ومعي وانا شبه اقلب الطاولة عليهم ..وذلك ما ادخلني على تمام وعي بالامر في سلسلة ضغوط نفسية وتوترات وجو من الإرهاب النفسي ..وتعاطي سلبي مع ما كنت الجا اليه للاسترخاء مع نفسي او للانتشاء به بين الفينة والاخرى  ...

كل الذي مر بي وعرضني لمتاعب نفسية كان باشبه باعراض الكابة بعد الصدمة ..كنت مصدوما في قوتي على اعلاء التحدي والقول بكفى غير مسموح التلاعب بي أو معي ..وكنت في نفس الوقت خائفا وهذه هي الحقيقة بان يتم تصفيتي على نحو او باخر وبات كل حاضري مبعثر والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها السيء منها ..لكن في عز ازمتي لم انهار وبدأت اشكل الحل وارسم طريقا لخروجي  الأمن من كل هذه المرحلة العملية من حياتي لاعبر لأخرى لن تكون اقل خطورة منها ...

كنت محتاج لمن اتحرك لجانبهم لمن املك ان انفد بينهم للفضاءات اجتماعية مختلفة ومتنوعة ولمن يمكنوا ان يشكلوا لي حماية من التعرض للاعتداء المباشر او غيرالمباشر ولمن يمكنني ان اهيا عبرهم فرص واشكال جديدة للظهور الاجتماعي وللتسلل لمقامات وبيئات اجتماعية تهمني ..ووجدت ضالتي في ان اعيد صلاتي بمجموعة ليكسوس واصحابهم لانها كانت بعيدة عن ان تمارس السياسية بأشكالها التنظيمية المعروفة ولانهم وجوه معروفة بالمدينة ستسهل لي الانتشار بحلة جديدة وستقدمني للشارع العام بمنظور مختلف وبالتاكيد لم اكن اؤمن بان كل ذلك سياتي بلا مقابل ودون ان اعطي من جانبي للاخد بدوري ...   ودون ان أقدم بعض التنازلات كما في مجال أية مسايسة...  

 

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...