لا يمكنني الجزم في شيء لكن البادي من الامر يقول ان المصالح والجهات الأمنية كانت بعيدة عن تقدير التحول الذي هم حياتنا الاجتماعية بعد اكتساح الإسلاميين وتنظيماتهم المشهد الاجتماعي العام ..لم تكن هناك أية بوادر تنم على انها تتعاطى بجدية مع ما اضحى أشبه بانقسام للمجتمع لانها لو فعلا كانت مهتمة بما يكفي لحاصرت الظاهرة قبل أن تعم وتتسع وتتشعب ..
وطنيا كان النظام الامني يعيش فترة التربع على كل سلطة بفضل العناية الفائقة التي أولها السيد وزير الداخلية انداك إدريس البصري لأجهزة الأمن والشرطة ولكل مكونات السلطة بل لعله كان هناك احساس مبالغ به بالامن وقدراته على مواجهة تحديات المرحلة ورهانتها ولحدود منتصف الثمانينات لم نجده في مواجهة مع الإسلاميين ..ربما بعدها وعلى اثر تحرك الساحات الجامعية وبروز الفصائل والتنظيمات الإسلامية السياسية اخد يوجه النظام الامني ضربات انتقائية تمركزت خصوصا في الشرق والوسط بمنطقة فاس وبالشمال بطنجة وتطوان ..وكان يستعمل قوات التدخل السريع لمحاصرة الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية ويشن حملات اعتقال ما ان يسيطر على التوثر وتخف حدة المواجهات بين الفصائل التقدمية والقاعدية واليسارية وبين فصائل الإسلاميين والسلفيين ..كما اخد يوجه في نهاية الثمانينات وبدايات التسعينيات ضربات تستهدف الاجتماعات التحضيرية والتنظيمية للاسلاميين بما فيها ما قيل عنها مجرد جموع اجتماعية بغرض الدراسة والتفقه والنصح كان ينظمها الاسلاميون ..
النظام الامني بدى متاثرا بالاحداث والوقائع ومنفعل بها ومعها وغير مسيطر على الأوضاع كما يدعي وهو يبرز عضلاته ويضرب في كل اتجاه ..
النظام الامني كان يعيش صراعا تقليديا مع مكونات المعارضة الحزبية وباقي الأجنحة والتيارات التي نبثت منها او تسللت اليها وكان يعيش على ايقاع المناوشات التصعيدية التي قادتها الحركات النقابية العمالية والعامة التابعة لاحزاب المعارضة وكان ينتج نفس ردود أفعاله تجاهها ويكرس طاقة اجهزته في متابعتها ومحاولات الالتفاف حولها ..
النظام الامني والسلطوي في عهد وزارة داخلية إدريس البصري الذي زاوج الاعلام اليها كان استعراضيا بامتياز وكان متذخلا في كل مناحي الحياة اليومية للسكان وفي كل سياسات الحكومة وعمل إدارتها ودوائرها ..كان نظام العمال والبشوات والقياد وخلفاؤهم مستحكم في كل جزئيات النظام العام ومسخرة له كل الإمكانات المادية واللوجستيكية والبشرية ..وهذا النظام كان نافذا ويتمتع باقصى الامتيازات بل كان يشكل أشبه بنظام حكومات إقليمية ومحلية واسعة الصلاحيات فهي التي تامر وتنهى وترخص وتفوت وتقتطع وتوظف وترقي وتراقب وتتذخل وتمارس حتى السياسية وتطبخ حتى نتائج الانتخابات ...
كان صعب الاقرار بان نظاما امنيا وسلطويا كهذا لم يكن منتبها لكل التغيرات التي مست بنيان المجتمع وحولت ابديولوجيته واخدت تمسخ هويته ...!؟
وكان من الصعب الاعتقاد في ان النظام لم يكن مباليا بميل موازين القوى المجتمعية لصالح الإسلاميين او الاعتقاد في انه سمح لهم بذلك ...
وزارة الداخلية والاعلام كانت اقوى وزارة في كل الحكومة ومقربة من القصر وتضلع بمهام جسام وتقع عليها مسؤوليات متعددة بما تحث يدها من أجهزة مكلفة بالرصد والمراقبة والتتبع والاستعلام والتحري ..وليس خفي كم هي مهتمة برصد اي نبض الحياة العامة وكل تحول في الرأي العام ..وأنها على سنوات طوال اوجدت لها في كل التراب الوطني عين ترصد وادن تتبع و عناصر تبلغ وتتحرى ...فهل فاتها شيء ما مما كان يعتمل بداية في الخفاء ثم لاحقا في العلن ؟! ام انها لم تقيم حجم هؤلاء الإسلاميين واهدافهم التحويلية للمجتمع..واستهانت بمقدراتهم ؟! ام انها كانت متورطة في خلقهم واستعمالهم لمصالح وحدها التي تعلم بها ...؟!!
محليا لم نلحظ شيئا يوشي بان هناك شكل من الاستنفار حيال هؤلاء المكتسحين المشهد الاجتماعي والسياسي ولا اشكال من الاعتراض على تظاهرهم الاجتماعي المقلق للعموم ..كنا نفهم الحق في التعدد والاختلاف ولسنا مع التعرض للحريات وللحقوق الأساسية في التعبير وابداء الاراء واعتناق المبادئ والقيم السياسية وممارسة الديمقراطية ولم يكن من نظرنا ان يقمع اي مكون سياسي او ايديولوجي في مجتمعنا هذا اذا ممارسا ملتزما بقواعد العمل السياسي أو النقابي او الجمعوي او الاجتماعي ولمبادئها ويعمل في نوع من الوضوح ..
محليا كان الامن يباشر مهامه بشكل اعتيادي وروتيني يتدخل ليقف على اضراب قطاعي ويجري تحرياته واستعلامه عن الجهات النقابية او التنظيمية التي تقف وراءه او يتابع مظاهرة صغيرة غير مرخص لها تحاول الخروج من مقر حزبي او حزبي نقابي لتجوب الشوارع في اتجاه الوقوف الاحتجاجي قبالة قصر العمالة او البلدية او المحكمة او يمارس رقابته بالحضور الرصدي لنشاط سياسي جماهيري او جمعوي ثقافي يقام بقاعة سينما او بدار الشباب او يحتضنه مقر حزبي او نقابي..ودائما كانت نفس الوجوه هي التي تظهر وتتابع برفقة عناصر نظامية وعلى جانب منها كان هناك السادة المقدمين والشيوخ ياطر حضورهم خليفة قائد او قائد ملحق من العمالة ..وعنصر الى عنصرين من إدارة مراقبة التراب الوطني ...
بالمدينة كان يبدوا كل شيء عادي وغير مقلق للسلطات التي لم تتحرك في اي اتجاه لتقييم الظاهرة والعمل على احتواءها ..كانت تتصرف بذات ايقاعها في ممارسة أعمالها ومهامها ..ايقاع متاخر وغير استباقي في محاربة الظواهر الجنوحية وفي إجراء المتعين وهي تستمع لمنازعات الناس من من يقصدون دوائرها وان يبقى سؤال يطرح نفسه بالحاج :ما الذي كان بامكانها ان تعمله بالفعل ؟! وباي وسائل ...؟!
تعتمد مصالح الشؤون العامة للعمالة والبلدية والمقاطعات على فعاليات قسم الولاة والمقدمين وعلى مجهود رؤساء المصلحة والاقسام التابعة لها وعلى مدى قدرتهم في خلق شبكات استعلامية واحتواء عناصر تيسر لها مهامها ..ليس هناك من عمل اساسي تعتمد عليها في صياغة تقاريرها اليومية غير ما يجود به السادة المقدمون والشيوخ..والباقي ما لم تكن هناك احداث او نشاطات سياسية أو اجتماعية فهو يقيد في خانة العمل الروتيني ويؤشر عليه بذات العبارة التقليدية : ليس هناك من اعلام جديد ...كان ينبغي على الحدث ان ينوجد اولا ليليه نشاط استعلامي ويحاط بالتحري الواجب ..او كان الامر مرهونا بتعليمات وتوجيهات الادارة المركزية وبمدى عنايتها بملفات وقضايا معينة أو بتركيزها على اشخاص وتنظيمات معينة ..
كان الكل يبدوا منخرطا في العمل الرسمي الروتيني وينتظر التعليمات والتوجيهات وحيث ان لاشيءا رسميا يقتضي بفتح ملف او تتبع ظاهرة محددة فلا احد يهتم ...وحيث الكل يغني ويطبل مع شعار الامن المستتب والوزارة القوية فلا خوف هناك ولا هم يحزنون ...
بالتاكيد لم نكن نحن وحدنا من نلاحظ حال المجتمع الغادي في الانقسام على نفسه لكنهم كعناصر أمنية واستعلاماتية ورجال سلطة محلية واقليمية ما كان يجدر بهم ان يقفوا عند الملاحظة فقط ولسان حالهم يعبر عن عجزهم او عدم قدرتهم على استعاب ما يحصل ولا كيف حصل ...!!؟ ..
كان الشارع يغلي على مهل واحيانا على شكل متشنج ..اخدت تسجل حالات من انفلات الاعصاب في الاحياء السكنية وفي الفضاءات العامة ..ترصد متعمد من جماعات الإسلاميين لحالات درجنا على أن تتعاطى معها بحيادية او ببعض اللامبالاة وببعض التسامح على اعتبارها غير غريبة على مجتمعنا مهما قيل عنها انها تخدش بعض الحياء العام أو قد تعتبر جانحة او مخالفة للنظام العام المجتمعي ..وبدات اعترضاتهم تتطور لمحاولتهم إعادة ضبط الامور والتدخل بما قيل عنه منهم امر بالمعروف ونهي عن المنكر وعلى اعتبار أن الساكت عن الحق شيطان اخرس ...وفي المقابل لم تكن تمر تدخلاتهم دون تطورات ردود الافعال وتكهربها ووصول بعض قضاياها لدوائر الأمن والشرطة لكنها لم تكن تقرا الا على اعتبار أنها قضايا سب وقدف او تبادل الضرب والجرح او محاولات اعتداء واعتراض سبيل او اعتداء على ممتلكات الغير ..لا احد كان يملك سلطة تكييف القضايا تكييفها السياسي الصحيح حتى ولو كان في قرارة نفسه يعرف خباياها وخلفياتها...وحتى مع الادارات المخول لها تسليم التصاريح والتراخيص المختلفة لم تجرا على فعل شيء غير الامتثال للقانون ومساطره وتمكين طالبي التصاريح والتراخيص منها على انها بدات تتحسس من نوعيات مرتفقي مصالحها وقوتهم الصاعدة ...
حتى الدوائر الشرطية التي كانت على الاقل تعرف اصحاب السوابق العدلية وأصحاب حالات العود ومثيري المشاكل والخلافات والنعائر ما كان لها ان تفعل شيئا امام التحول المثير للريبة والشك لبعض هؤلاء لجهة الإسلاميين والملتزمين بسلوك ومظهر جديد ..
واي ملاحظ او متتبع عادي ما كان ليفوت انقلاب احوال عديدين داخل مجتمعنا المحلي ..انقلابه لمسايرة الموجة الاسلاموية ان لم يكن قلبا فقالبا ..ان لم تكن عن قناعة فكتكتيك سياسي لمسايرة السوق ولكسب زبناءه ...ومن لم يحتوى معهم هادنهم وسايرهم وبذلك كانوا يمدونهم بالقوة ليخرجوا للفضاءات العامة مستعرضين عضالاتهم ..متبخثرين في مشياتهم ولباسهم المتميز ..بابتساماتهم الصفراء المبالغ فيها او بنظرات بعضهم السلطوية .الرادعة او المهددة ..وبقدرة بعضهم على التطفل على حياة الآخرين وخصوصياتهم ..
كانت نفوس العدد الاخر من الناس الذين وقفوا على خلاف مع الاسلامويين وتوجهاتهم تغلي وتشتعل بالغيض وهي ترى نمودج عيشها الاجتماعي يختطف منها ويلبس لبوسا اخرا لا يكاد يتبين نوعيته ولا حقيقة اهدافه ..وحتى من فيهم لم يكن يدري ما كان على السلطات ان تفعله لتجابه هذا التحول وهذا الانقسام فهو لم يكن مع ان تقف مربوعة اليدين هي القادرة على فعل واتيان العجاب من الامور ...
كان المجتمع المحلي العرائشي يعرف أشبه بنظام فتوات ..رحال وشباب ببنية جسمانية ضخمة وعضلات يتصرفون عموما ببعض الخشونة وحين اندلاع المعارك يصوتون ويجولون ..لكن دون ان يدعوا الامور تخرج تماما عن سيطرتهم ..قد يدخلون عراكات كلامية وبعض النثر والشد في ثياب الخصم وحتى ايقاعه ارضا لكنهم يضبطون اعصابهم ..دائما هناك ذلك الحس والوعي بان "المخزن "لن يتساهل معهم ...
كان نظام فتوات اجتماعي خلقته ظروف العمل والخروج لساحاته ..وفرضه الأمر الواقع وقيم الرجولة المعلات والكرامة ولا للحقرة وللدوس على الحقوق ..كانت له ساحاته المعروفة كالميناء وسوق الجملة للخضر والفواكه والمحطة الطرقية ومرسى ركوب القوارب بشاطئ راس الرمل ..وكانت له وجوهه واسماءه المعروفة والموقرة الجانب ...التي صنعت سيطها واسطورتها المحلية والمعجبين بهم ..ولم يكونوا عموما من المدمنين للمخدرات او المعاقرين للشراب وان كانت سيرة بعضهم السابقة سيئة وفيها الاكثر من سابقة قضائية ..كانوا رجالا وشبابا وبعض اليافعين الذين بعد يحاولون تقليد الكبار منهم والسير على نهجهم وسلوكهم ..
كانت مجتمعات العمل غارقة في الفوضى والتسيب ومستحكمة من شبكات مصالح وضغط لها مزاجهها الخاص في ترتيب وتصنيف الناس الذين يشتغلون تحث امرتهم او بحانبهم وكان كل وافد جديد يبحث عن فرصته يجب عليه ان يتدافع ويتكاتف ويمتطى هامة الاخرين ليحقق مكسبه ..وفي مجتمعات العمل الذكورية بامتياز كانت لغة العضلات والجسد وقوته هي الغالبة بالإضافة إلى لغة الرأس المال المعتبر ..والى جانب ظهور وسيطرة نظام الفتوات هذا كانت الكلمة لا تنزل للارض ..كلمة كبار المجتمع ذلك ..رياس بحارة او صاحب مركب او مجهز كبير او تاجر جملة كبير او قيدوم ماسكي تذاكر السفر ومرشدي وحمالة المحطة ..وهؤلاء لم يبنوا سمعتهم من فراغ ودائما هناك من على استعداد ليتطوع بالدفاع عنهم ومؤازرتهم بمثل ما هناك من لا يكف عن الحكي عن حكاياتهم ومغامراتهم ومعاركهم الرابحة ..
كان اي شخص جديد يبحث عن فرصة شغل في اوساطهم عليه أن يدير الاكثر من حساب ..حساب الاخرين ..لم تكن اوساطا مفتوحة تلقائيا ولم يكن كل شخص بقادر على ان يحتمل اشكال التجريب والتعريض المستمرة ليلين او ليكشف عن معدنه وقوته ..كان على الاقل عليه أن يختار من ينظم لجانبه ليبسط عليه بعضا من حمايته وهذا كان يتطلب منه ايجاد من يتوصى به ويفهمه لغة الوسط والاسلوب الأنسب لاتباعه ...
نظام الفتوات هذه امتد حتى للاحياء السكنية والمناطق كامتداد طبيعي للموقع المحقق في الوسط المهني والتجاري والخدمي وكانعكاس لتداخل العلاقات والمصالح والنفود اجتماعيا ..ونظام الفتوات هذا كان على النقيض من نظام الرعونة والسيطرة العنيفة الذي كان يمارسه بعض اصحاب السوابق العدلية وتجار الحشيش والخمور المهربة بمناطقهم السكنية وبنقط توزيعهم التي يستحكمون عليها بمن يسندهم من أفراد ارتأت ان مصلحتها مع من يزودها باحتياجتها من الحشيش والكحول والاقراص المخدرة ..وكانوا معا يشكلون أشبه بنظام عصابات وجماعات خارجة على القانون والمجتمع ..
كانت مواقع القوى في مجتمعنا المحلي متقاسمة وتحكمها اعراف وتقاليد اجتماعية وتراتبية ومجالية وكان الصراع على أشده بين كل الاطراف للتغيير فيها واقتحامها وقلبها لصالحه ..وكان على رأس هذه القوى شكليا رجال الامن وكبار رجال الدرك لانه فعليا كان كل من يملك الثروة يملك القوة اوتوماتيكيا ..ولكي تكسب المال وتحقق الثروة لابد لك من ان تتحد مع من بيده السلطة والقوة الاخضاعية ..ولكي يسمح لك بجنيها عليك ان تخلق خلقا ظروف كسبها الأنسب ..عليك ان تميل الى جانب وتسمح بان يقتطع جزء من ربحك لصالحهم ..عليك ببساطة أن تدفع وتخصص وترشي وتهادي لكي يتم الرضى عنك وتسهيل اعمالك والدفاع عن مصالحك ...
كان للميناء نظامه واعرافه الخاصة وجماعته القوية بلا منازع وفتوته ..بمثل ما كان لسوق الجملة والمحطة الطرقية جماعته وناسه المستحكمين فيهما ..وكل المنازعات والشجارات تعتبر شانا محليا وخاصا باصحابه ما لم يرفعوا عنه أيديهم ليتركوا للامن والشرطة والدرك بالتدخل وحتى ذلك كان يعتبر تصفية حساب..وانما على سيناريوا جديد ومغاير ..
في الاحياء والمناطق السكنية احتفظ كل صاحب قوة وشان بمقامه واعتباره مع التنحي عن الانغماس في التفاصيل اليومية للساكنة وللجيران ..اخد تلك المسافة منهم ضروري لتكريس الامتياز وعلو الشأن الاجتماعي وحتى عندما كان يطلب منهم التدخل فهم كانوا ينيبون عنهم من يفعل ذلك وعلى نحو حاسم وهنا كان تاتي قوة علاقاتهم وتشباك مصالحهم مع عناصر الأمن والشرطة وقد تمتد لغيرهم من كبار مسؤولي السلطة المحلية والاقليمية وكبار موظفي العدل ومصلحة السجون ..
كانوا تقليديا في المجتمع المحلي العرائش اصحاب نعم وخير على الجميع وأصحاب حضوة وامتيازات وفي مجالاتهم هم السادة والباطرونا والكلمة كلمتهم ..ما من تهجم في الامر وانما هذه هي الحقيقة التي كان يلحظها الجميع ويهمس بها ..كان رجال الامن مجرد تابعين لهم وامتداد لقوتهم ونفودهم الرأس المالي ...
كانوا يكدسون المال والثروات ويتحوزون على اجمل البقع الأرضية والمنازل والسيارات والخدم والتابعين ويعيشون كامراء واستغلوا نظام الفتوة لصالحهم وللمد في نفودهم على الأرض كما استغلوا نظام الرعناء وجماعاتهم ليصفوا حساباتهم الخاصة مع خصومهم او مع من يناصبهم العداء كما استغلوا عناصر من رجال الامن والدرك لتيسير مصالحهم ولمعاقبة المتطاوليين عليهم ...كانوا يصرفون ببذخ وساعة يدخل أحدهم حانة فالكل يشرب على حسابه الخاص ..كانوا يتحركون بمرافقة خاصة او بحماية مباشرة من عناصر الأمن ...وبمثل ماراكموا المال والسلطة ركموا الأحقاد والغل ..كانت العيون تترصدهم بنوايا خبيثة وتتمنى زوال النعمة عنهم وتتامر عليهم ولو وجدت فرصة لتنتقم منهم وتوشي بهم لفعلت ذلك لكن لمن ...؟!
كان المجتمع تراتبي ..هناك من يعيش الأبهة وهناك المعدمون ومن لا يملكون غير أجرة يومهم وقوته ..هناك من يملك ان يبطش ويصفي خصمه وهناك من حتى لو دوس فوق قدمه فلا يملك ان يحرك ساكنا ..
كان المجتمع المحلي طبقات والوان وتشكيلات هناك من ولد دليلا وعاش دليلا وقد يموت كذلك وهناك من عاش يملك كل ما يريده ويموت في غنى عن كل ذلك ويبقو ورثته وحاملي اسمه وراعي رزقه ..
كان الجميع يتساوى في إمكان ان يحلم بأن يكون ذات يوم يملك ويقدر ويستطيع لكن ليس كل واحد يحلم بقادر على ان يغامر ويركب الصعب ليصل لتحقيق أحلامه وايجاد مكان له في المجتمع ..
اولئك الاسلامويون لم ينوجدوا من فراغ ولا فجأة ظهروا وان كان يحدث التحول الشخصي بشكل يفاجئ الجميع ..كانوا بيننا كأيها الناس فيهم البحار والتاجر والعامل والمستخدم والموظف ورجل التعليم ورجل الصحة والطالب والتلميذ والذي على باب الله والعاطل....وكانوا مثل غيرهم يعيشون الصراع الاجتماعي ويعاني البعض منهم الاندحار الاجتماعي ..ومنهم من يعاني الصراع النفسي ومشاكل التكيف ..وكل واحد منهم لعله كان مثل جمعينا..يعاني وجوده ويحلم ويسعى ويتطاحن وينهم ويتعب يعاود الوقوف والمكابرة من جديد والمضي مجددا ..
هؤلاء الاسلامويون لم يكونوا ابناء شرفاء الزوايا الصوفية ولا حفدة علامين وفقهاء دين وشريعة ..كانوا عموما بلا حضوة اجتماعية وبلا مرتبة متوارثة او مكتسبة الا اذا استثنينا بعض وجوههم البارزة التي كانت تشتغل كاساتذة جامعيين وكعدول وكطلبة باحثين ..وكانوا عموما عرائشيين بما للعرائش من امكاناتها ومن حجم ثروثها ومن قدرتها على استعاب الباحثين عن الفرص وعن الاستقرار المادي والاجتماعي ...
وجوههم كانت معروفة في اوساطهم السكنية ومنهم من بحكم مهنته او تحارته معروف من باقي ساكنة المدينة ..وسيرهم بدورها كانت معروفة في خطوطها العريضة ..وكانوا موزعين حسب قدرتهم واحوالهم المادية والاجتماعية على المناطق السكنية وبالتالي على مجالات وميادين العمل واقسام الدراسة ويغطون تقريبا مختلف الفئات العمرية وكلا الجنسين ..
كانوا معروفين بلا يافطة سياسية وان قد تكون لبعضهم سابق انتماءات سياسية أو نقابية لكنهم لم يتبوؤا مسؤوليات في مكاتب أحزاب او شبببات سياسية ..ربما كانت لبعضهم بحكم قرابته العائلية تعاطف او ميل سياسي حزبي ..
كانوا من غير النشطيين الجمعويين المعروفين بالمدينة وعلى الساحة ..كما لم يكونوا من العاملين او المتطوعين في الحقل الاجتماعي والتربوي ...
كانوا عموما غائبين عن الظهور الاجتماعي البارز محليا وان كانوا وجوها محلية معروفة من قبل ناس المدينة بحكم مهنهم او حرفهم او تجاراتهم او ببساطة بحسب موقع سكناهم والعائلة التي ينتمون إليها أو معروفون بحكم المدارس التي ارتادوها والاحياء التي كبروا فيها ...
وعندما اخدوا يظهرون وبتميزون بلباسهم وسلوك ظهورهم الاجتماعي كان طبيعي ان يثيروا الانتباه والتساءل حول تحولهم او انتقالهم لهذا المستوى من لفت الانتباه اليهم وحولهم ...وعندما اخدوا يحرصون على الالتقاء في محلات تجارة بعضهم او في أماكن معينة من وسط المدينة او بسوق الكبيبات او سوق الاحد ..ولما اخدوا يحرصون على أن لا يفدوا مصلحة إدارية الا اذا كانوا على الاقل ثلاثة أشخاص ..وكذلك لما اخدوا يكثرون من زياراتهم الشخصية لبعضهم البعض واطالة امد وقوفهم قريبا من باب البيت او على ناصية الزقاق او الدرب او الشارع ..كما لما اخدوا يحرصون على التجول كاصحاب في الفضاءات العامة ...كانوا قد انتقلوا إلى إلى مستوى ثاني من ظهورهم الاجتماعي الى الظهور الاجتماعي السياسي وكان واضح انهم يسعون ليتقوا ببعضهم ..وانهم اوجدوا او يوحدوا لهم نوعا من التنظيم والتنسيق وانهم مهتمون بالاكثر من شان ويسعون من خلال احتماعاتهم عمدا للفت الانتباه الى أنهم يعدون العدة لتحولات قادمة ...
من الغباء الاعتقاد ان كل هذا لم يلفت انتباه السلطات المعنية واجهزتها او احدى الجهات التي تقرا في المؤشرات والاحوال المجتمعية المختلفة أو الاعلام على اقله المكتوب ....؟!!
من قبيل السداجة الاعتقاد بأن يد وسمع وبصر السلطة ورجالاتها قصيرة لتسمح بان يشق المجتمع هذا التيار الاسلامي السياسي في زمن الصحوة الإسلامية التي يبشر بها في كل الديار العربية والإسلامية والقريبة منا او ليكون دون انتباه منا ...!!؟
كانت بعض الانباء من الاوساط الجامعية والطلابية تتبني نظرية ان النظام من خلق هذه الحركة الإسلامية ليضرب بها التنظيمات الماركسية والشيوعية واليسارية الريديكالية كما فعل الرئيس جمال عبدالناصر بالاخوان المسلمين ويتحدثون عن سماح النظام والترخيص للشبيبة الإسلامية بعد ان وجدت في الساحة الطلابية منذ سنة 1969 في سنة 1972 لتضرب بها الحركات الطلابية ومنظمتها العتيدة ..ويستدلون على ذلك بسماح مصالح واقسام وزارة الداخلية بقبول ملفات تأسيس جمعيات ومنظمات كلها كانت تحمل مرادفات الاسلام والإسلامية ...
غير أن قوة ظهورهم وتزايده العددي واشكاله والفئات التي ضمها وانتقالهم في المستوى الثالث من ظهورهم الى التصادم الاجتماعي والى التعبئة والتحريض على النظام والى تبني استراتجيات العمل السري بعزل الخلايا عن اي تنظيم واضح ومسمى ..كان يوشي بأنه حتى ولو كان النظام سمح لهم في مرحلة سياسية سابقة بالظهور فهو يعاني من جهتهم الان وسيعاني مستقبلا ...لان الامور كانت تخرج عن السيطرة ولانهم بشكل او باخر يهددون السلم المجتمعي وكيان الدولة ...ويضربون مصالحها واقتصادها ..
هل استوعبت وزارة إدريس البصري الرجل القوي في الدولة والحكومة حقيقة الوضع وحقيقة ما حصل بالجارة الشقيقة الجزائر والتي لم نكن دائما على وفاق معها !!؟..
وهل استوعبت مصالح الخارجية والاستخبارات المغربية دور المملكة السعودية وفكرها الوهابي ومال بترولها المتدفق في ما يحصل داخل مجتمعنا ويتلاعب باقتصادنا ويحاول افراز قوة جديدة وصنع تغيير جديد في كل بنياتنا وهياكل الدولة ...؟!
هل فعلا كان النظام ضابطا للعبة السياسية والاجتماعية وقوي بما يكفي للا يترك الحبل ينفلت من بين أصابعه ...؟! ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق