كان نمط حياتنا يضرب في الصميم ونجر للمجهول مكرهين حين أن استجابة المجتمع كانت الرهان الذي اخد يبدوا اننا نخسره ... كننا ننظر للوجوه المتحولة من حولنا كما لو اننا لانعرفها ..لا عشنا بجانبها وشاركناها متعنا والعابنا وشغبنا ..وجوه لا نعرف ماذا ركبها ولا لماذا ركبت الموجة !؟؟..كنا نضبط اعصاب بعضنا في حالات لكي لا نبدوا مستفزين او مستفزين ..كنا نضبط لساننا كي لا يتحدث بالسؤء عن تاريخنا المشترك ونحن نلمحهم يرتدون قناعات لا تناسبهم ولا تساير الذي نعرفه منهم ...
كان التحول على أشده يجرف اعدادا من الناس كل يوم ..تحول مساير ..مطاوع ..خاضع لميلان موازين القوى المجتمعية ...فجأة اتفقوا على أن ينضبطوا لايقاع الصحوة او الموجة ...كنا نعرف أن أغلبية الناس مغلوبة على امرها وكل الذي تريده ان تعيش بسلام وان تترك لحالها بسلام ...ومتى اتفقوا على أن يزيفوا حقيقة المجتمع والوانه وقرروا ان يغيروا من مظاهرهم وازياءهم فلا ضير من ان يسايروهم ليتقوا جانب النقد اللادع والحصار بالنظرات في كل مشوار وتحرك في الجوار او الفضاءات العامة ..
سكوت النظام على مايسري بات تواطئا ومؤامرة نحن من سندفع ثمنها والاجيال القادمة ...فجأة بات كل يتهرب من تحمل مسؤولياته ..فجأة بات كل واحد منهم يتدرع بالوظيف المحدود الأثر على جسم السلطة وبانه عبد للمأمور ..وفجأة بات كل يسحب نفسه من مجرد كسب الاعداء المجانين مادامت الجهات المركزية والعليا لم تصدر تعليمات او لوائح في الموضوع ...
الذي كنا نعيه جيدا انه كان بالإمكان محاصرتهم وحجم حركتهم وللنظام اكثر من طريقة واسلوب لجعلهم يتراجعون للظل وللخطوط الخلفية والهامشية لو فقط أعطى لباقي مكونات المجتمع ثقتهم بنفسهم ورعى حوارا مجتمعيا وسمح باثراء النقاش العمومي ..ولكف عنا يد إدريس البصري الطويلة ..
كان صعب القبول بمنطق اننا نعيش الجاهلية وان كل تصرفاتنا وسلوكاتنا خاطئة وانه ليس امامنا غير ان نتبع هديهم ونتوب ونركع لنهجهم ..
كنا نسجل الاكثر من ملاحظة على نمط حياتنا وعلى كل الفئات منا ..كنا نعي اننا متاخرون ونعاني من اكثر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية كدولة وكمجتمع ثالثي ،نامي ..كنا نشعر بالغبن من أوضاع هوامش المدن وبوادي البلد ونسخط على فقرنا وعلى حالنا واميتنا ..وذلك وحده كان شفعينا في التسامح مع عدد من الأمراض والظواهر الاجتماعية لأننا بجانب ذلك كنا واثقين في ان مسار التغيير الاجتماعي شاق وطويل ويحتاج للكثير من المجهودات والتضحيات..
كنا في حاجة لمنظومات قانونية متطورة نابعة من فلسفة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية لا تلك المتهالكة والمتوارثة من حقبة الاستعمار او المنسوخة على أصله ...وكنا في حاجة لان نرفع اصواتنا ونعبر عن ما يخلجنا في هذه اللحظات الراهنة بكامل الصدق والامانة وبدون خوف او اشتراطات مسبقة ..وكنا في حاجة لوقفة صريحة مع الذات نسعى عبرها لوقف النزيف الذي قادتنا اليه سنوات من مسلسل الفساد والنهب وسرقة المال العام وتهريبه للخارج ولكي نعمل قطيعة مع سياسة الريع والامتيازات ...
كنا في حاجة لان لا نصمت ...ولا نكف ..ولا لان نرفع ايدينا ونستسلم للتيار ..
كنا لحد بعيد قادرين على أن نتدبر محاولات الاصطدام بنا من جانب الاسلامويين ومن جانب نظام السي إدريس البصري الذي كان على استعداد ليدوس اي واحد يعلن عن رفضه العالي الصوت للنظام ...والذي كان يحاصر اي حركات مجتمعية تقدمية حداثية بالترويج لها على انها قوى ملحدة وعميلة وهدامة وفي وضع مخالف للقانون وللمجتمع ....
كنا لا نكف عن النقاش واثارته بين كل الاوساط ومع مختلف الفئات وكل من موقعه يحاول الرفع بالوعي بمشكلاتنا المجتمعية والسياسية والاقتصادية ويحاول رفع حالة التضبيب والتضليل عن اعين بعضنا البعض ...
حصر من حوصر منا ومنع بعضنا من ارتياد دار الشباب ولحقت بعضنا مساءلات ومتابعات بما لا علاقة له بحقيقة نشاطه ولا لما يتم من تضيق عليه ...نفس الأساليب التي نعرفها ونقدرها جيدا مورست في حق بعضنا واكتفى البقية بوضعهم في لوائح انذار وانتظار ...
مجتمعيا كان حجم الاستفزاز عالي وكان المقصود منه ادخالنا في ردود افعال تشنجية تجهز علينا وتقدمنا لقمة سائغة للنظام ...
كانت حرب نفسية واجتماعية قادتها عناصر من الاسلامويين واولئك الذين لا نعرف كيف كانوا يعادوننا بدون موجب سبب مباشر او غير مباشر مقصود ..واستغلتها الأجهزة الأمنية والاستعلاماتية للتضييق علينا واستعملوا فيها نفودهم في الفضاءات العامة لمحاصرتنا ووضع علاماتنا علينا ..أشبه بالوصم الاجتماعي كمسعى ليتم نبدنا اجتماعيا واقصاؤنا الواحد تلو الآخر ...
كان معروف في الاوساط الخدمية اولئك الذين يقدمون الخدمات وبالمحان لذوي السلطة وكان يكفي بان يهمس في اذنه او يومأ اليه بعينه ليتصرف معك بقواعدهم غير المكايسة ويضايقك ويعبر لك بصريح العبارة بانك غير مرحب بك او يرفض أن يقدم لك الخدمة او حتى ان يبيع او يشترى معك ...
وكان يتصيد خروجك من الحانة بعد ان احتسيت بعض الشراب ليوقفك وللايسوقك للمركز وانما ليستفزك وليمارس عليك التحقير والتعنيف والتهديد ثم يتركك لحالك...
كانت فجأة تقام دورية تفتيش وتحقيق من الهويات والبطاقات الوطنية امام مدخل سينما منتظرة خروج رواد القاعة للا يفلت اي واحد يريدونه بمركزهم او يريدون التاكد من هويته وبياناته او ليوجهوا اليه رسائلهم وهم يحورون امر مهمتهم الرسمية ليقودوا ما يشبه التحقيق أو التحري في امور لا يتم التحري فيها على باب سينما وبدون تعليل معقول ...
كان فجأة يبدا في التوافد على بيتك مقدم الحي والشيخ ومامور الضرائب ومبلغ قضائي بغرامة قديمة استحق اجل سدادها ...وكل المصائب الإدارية واحدة تلو الأخرى ..وفجأة يبدا التدقيق في الأخطاء التي يحتمل وقوعها في كناش الحالة المدنية وبطاقة التعريف الوطني وبطاقة صحة الأمضاء وطلبك المرفوع ..في موضوع بسيط كاستخراح نسخة من رسم الولادة او عقد تاريخ الازدياد او او شهادة سكنى إدارية ...وفجأة تصبح في وضع مخالف لعقدك مع شركة توزيع الكهرباء والماء ومع مصالح البلدية ومع المقاطعة ومع الحيران ...
وفجأة يصبح ممنوع عليك دخول الميناء لانك لا تحمل تصريحا وفجأة تصبح حتى خدمات الاستشفاء غير متوفرة لك ولا احد في الادارة المخاطبة او الموجهة اليها يستطيع مقابلتك او النظر في شكواك ...وحتى المحكمة لا احد يستطيع ان يسمع لك فقط اكتب شكايتك واطبعها عند كاتب عمومي واوادعها في مكتب الشكايات ...
وفجأة تصبح ممنوعا من الاشتغال حتى على مركب تجديف يقل المصطافين وناس منطقة رقادة لشاطئ راس الرمل بأي سبب ...
وفجأة تصبح غير مرحب بك للاشتغال في المحلات العامة ببساطة لانك غير منضبط بشهادة الجميع ....!!؟
وفجأة تطرق الشرطة القضائية باب بيتك لتفد اليه وتتحرى معك في موضوع بعيد كل البعد عنك وتطلب منك المرور على المركز او الدائرة للثتبت من افادتك وتتركك بالساعات تنتظر ...
وفجأة تقف اليك عناصر شرطية بمكان عام وتفتشك كمن تبحث عن مخدرات او سلاح ابيض بحوزتك دون ان تعرف عن نفسها وعن غرضها وتطلب هويتك الوطنية ...
وفجأة الدكان الذي تستدين منه عند الحاجة يوقف خدمات الإستدانة ...
وفجأة تصبح الغرفة السطحية خرقا لقانون السكنى وبناء عشوائيا بدون ترخيص والقائد الحضري يتابعك أمام المحكمة بالخرق ذاك ..
وفجأة توقف من العمل لحين مراجعة كامل ملفك التوظيفي لاحتمال أخطاء واردة فيه او تصريحات متضاربة به ....
كان يتساوى الناشط الجمعوي والسياسي مع اي شخص بسيط اكتسب بعض الوعي بموقعه وبدوره والقدرة على التعبير عن أفكاره وأراءه لتوضع عليه علامة وليحاصر في كل تحركاته ولتنهال عليه المشاكل المصطنعة دفعة واحدة ...
لقد اكتشفنا فجأة كم هي قدرتهم على تسخير الغير والحفر تحث الارض التي تقف عليها ...لقد انتهينا لنكتشف ان جهاز الامن والشرطة كله قابل للتحول والعمل كفريق واحد مع قسم الشؤون العامة للشرطة او ما كان يعرف بالقسم السياسي ..فجأة لم يعد هناك ثلاثة عناصر تكون القسم بمفوضية شرطة العرائش وانما كل عناصر المفوضية تتعاون معهم وتأتمر بامرهم خصوصا تلك التي في مهام حفظ النظام بمصالح وادارات الدولة كالمحكمة والمستشفى ..كان يكفي ان يوجهها رئيس القسم او احد مفتشي القسم لتضعك نصب اعينها ولتبدا هي الاخرى إشاعة الامر بين باقي العناصر ...كنا نعتقد أن عناصر الشرطة القضائية على حياد مع القضايا السياسية ومع الناشطين الجمعويين ليتاكد لنا كم كنا موهومين وهم جزء لا يتحزا من النظام ..
من الصعب التحدث عن شرعية او قانونية ما كان يمارسونه لانهم كانوا لا يتماهون مع القانون بل كانوا يتصرفون على انهم هم القانون وهم الدولة وهم السلطة وهم النظام ...والى جانبهم كل موظفي الدولة يكفي فقط ان يلتقطوا الاشارة منهم ليتصرفوا بعدها من تلقاء أنفسهم ويساهمون في التضييق عليك ومحاصرتك واستفزازك نحو ان تمل او تتعب وتنهار او تضغط فتنفجر ...
لم نكن نحمل أية مشاريع انقلابية او تخريبية او نتوسل العنف ..لم نكن نمت بصلة الى أي تنظيم سياسي سري او علني كل ما كنا نحمله بضعة افكار وقيم ومبادئ وقدرة على التحليل والتفكيك والنظر ...و رؤية مفتوحة على المستقبل الذي نريده ..كنا مجموعة رفاق وكل واحد منا تربطه علاقات مع محيطه وجماعاته الخاصة ..وكل واحد منا يطور ذاته ولغته وامكاناته الفكرية والادبية مع وسطه القريب منه ..لم ننضبط لاي تيار او جناح أو تنظيم خلوي ولا حتى لاطار جمعوي ..كان كل ينشط في نادي او جمعية مختلفة .. كانت هناك تجربة جمعية الاشعاع الثقافي وتجربة نادي الافاق وتجارب من داخل شبيبات حزبية كتجربة شبيبة حزب التقدم والاشتراكية وشبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتجربة الشبيبة العمالية التابعة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل...ومجموعات لم تنتظم مهنيا كالبحارة وبحارة قوارب نقل المصطافين وعاملي الصباغة والتبيض ..وطلبة جامعيين ناشيطون في مواقعهم..وفنانون ..موسيقيون ومغنيون ..كنا نتلاقى وننتناقش ودون هم ان يوحدنا اطار أو تنظيم واحد حين اننا ننتظم لنفس الافكار ولنفس الرؤى والحلم ...كنا نملك القدرة على السخرية من جميع من سعو لمحاصرتنا ...انا طبيعي حوصرت لجانبهم لكن ليس من العناصر او الأجهزة الرسمية والعلامة التي وضعت علي لم تكن من قبلهم بل من جانب الاسلامويين ومن بعض الحزبيين الذين رغم محاولاتهم لاستقطابي ضمنهم لم اسايرهم ...رجال الامن والشرطة و"القسم السياسي"كنت أعرفهم ويعرفونني وكانت تجمعني علاقات بهم تطورت لمستويات الرفقة والصحبة بالحانات وباماكن الشرب وكلما حاولوا البحث في ما ورائي وجدوا أنفسهم يعرفونني ويعرفون ارائي ومواقفي واهتماماتي كما يعرفون الوسط الأسري والعائلي الذي انتمي اليه ...اما بعض الموظفين كما بعض استاذتي فلقد نبهونني لرفاقي ولموقف السلطة والنظام منهم وطلبوا مني كما فعلوا مع صاحبي الشريف والگراب بالانصراف عنهم وتركهم ..لكننا ببساطة لم نستجب لطلبهم لأننا كنا نقاسمهم همومنا واحلامنا وتطلعاتنا وكنا في حاجة لنتطور بجانبهم....
كنا نقضي ساعات بمقهى النخيل ومرات بمقهى الوفاء ويعاودنا الحنين لمقهى ليكسوس فنجلس بطريساها رغم عدم يقيننا بأنهم سيقدمون لنا خدمات المحل وان قدموها فلن تكن كاملة او على مايرام ...وكنا مع مجموعة أخرى نرتاد مقهى المنارة ومقهى غرناطة ..وكان الليل بمقهى المحطة الطرقية ..لكننا كنا نقضي اغلب الوقت نتمشى بالطرقات وندور بساحة التحرير في آخر المساء والليل او نجتمع لساحة دار المخزن وبفضاء الطري لنشرب ونحتسي الكونياك المهرب ...وكنا نفد على بيوتات بعضنا البعض ان كانت بها فسحة وامكان لنجلس بها ....
كنا نضحك ونسخر منهم لانهم وضعوا لنا هالة اكبر منا وعبثا يحاولون اقحامنا في الوقوع معهم ....كنا مسالمين لابعد حد وغير مستعدين للدخول في المعارك الخاسرة ولانشبه تلك الصورة التي وضعوها ورسموها لنا ...ربما عيبنا الاوحد اننا كنا نمارس حريتنا وقناعاتنا وغير مستعدين لمقايضتها او المتاجرة بها ...
هناك من استسلم لبعض الانهاك والياس وغلبته حالة الاحتراق النفسي التي وجد نفسه عليها فقرر الابتعاد وقرر الانغماس في عمله دون شيء اخر ..لكننا معا واصلنا الاهتمام والنقاش والقراءة والتحليل والحلم ...واللقاء وتحدي الظلام والظلامين ومن استعدونا بلا مقابل او طائل ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق