٤-هجران عنيف ...
هكذا كانت حسبتي ...مرت ازيد من اربع سنوات ونصف على انفصالنا ...لم اكن اتقصى اخبارك ..لم احاول ولو مرة ان افعلها ..غير انني دائما وانا اقطع الطرقات وبشوارع المدينة واسواقها عندي ذاك الهاجس بانني قد اراك ..قد اقابلك ..قد تقع عيني مع عينك ...
تعبت ...عندما انتظرتي خروجي للعمل وازلت الجبس عن ساقيك وقدميك وخرجت متسللة من البيت ولما وصلت منزل الوالدة هاتفتني لتبلغيني انك هجرتني وانني لا استحقك وانني ....وانني وانت وانت ....وما لا عدت اعرف كم من الكلام قلتيه وظللت ترديده ...
تعبت من الاسئلة ..تعبت من الحاجة التي دعتني لاجمد نشاطي بالشارع "تجارة الفراشة "
واحزم سلعتي واخزنها وان اقبل بعرض اخي الكبير بان اساعده في اعمال صباغة وتشطيب ومراقبة العاملين ببيته وكان يقصد اساسا ان يبعدني عن الوحدة والعزلة ومجرد التفكير فيما وقع بيننا ....وكان بذلك يؤمن لي ان اكون بعيدا عن اي مكان كان لسعاد ان تصلني به خصوصا بعد كل التهديدات التي قالت بها ...نعرف كلنا انها لن تصمت ولن تنهد وستحاول ولمرات ان تستفزني في الشارع العام لعلي امكنها من ما به ترفع قضية اعتداء عليها ..وفي ادنى محاولاتها ستلجا لي دوما لكي تجبرني على ان تاخد مني مصروفا .." تكريسني " بلا واجب حق وتحث طائلة انها ستحيح علي ان رفضت الرضوخ لمساوماتها ....
عانقت قنينة الخمرة الرديئة سعة لتر ونصف والتي اممزجها باليموندا وبدات استعملها كرضاعة اطفال وانا حبيس الفراش ..اشرب منها واشرب حتى يغفلني النوم فانام ...لاصحوا من جديد عليها ...كنت لاغيب استعمل حبوب "اتراكس ٣٥مغ" واحيانا جرعات من محلول "كلسي برونات " او "دوغماتيل سيروا"...واستمر في الشرب ..لا شهية عندي للاكل او بما لا اعرف كنهه اسقطتها من حسابي واكتفيت بالنزير والقليل كنت اريد ان اتخلص من كثافة جسمي ..كنت اريد النحول والخفة في سفري هذا ...
لم يكن سهل علي بالمرة على كل ما كنت اتصوره واتوقعه ان يكون الفراغ قاتل وان يكون الاستتراك اشبه بالجحيم ...اعرف انني الرجل ..لكن الا يعني هذا انني بدوري انسان وكائن اجتماعي ومن حقه ان يحزن وان يكتئب وان يشعر بالضياع وان يعاني في المحصلة من الالم النفسي والارق والاكتئاب ....؟!..
سعاد ..كانت شريكتي والتي لا يهمني كيف كانت تنظر الي .." سهل الانقياد وسهل ان تتحكم به وتتلاعب بعواطفه حتى .. " لانني كنت مقتنعا بانه ما ان ينوجد عيب او نقص فينا او خلل في تركيبنا فسيتم استغلاله الطرف الاخر ..وهي كغيرها من حقها ان تسعى وتحاول معي ان استطاعت الي سبيلا ..
كانت شريكتي بالحضور ..بالمرافقة ..بالمصاحبة ..كانت لكل الوقت بجانبي حتى ولو لم نكن على وئام وود دائم بيننا ...كانت مصممة على ان تكون حاضرة بجانبي تلحضني وتراقبني وتتحين فرصها معي ...
وفجاة ..او دفعة واحدة تقرر ان لاتفعل امرا حقيقيا للبقاء معي وتختار الابتعاد وكان لها ذلك دون ان تاخد الوقت الكافي لتفكر كيف سيكون حالي بدونها ...!؟؟.
بعد كنت غير قادر ان اصدق ان ما حصل حصل كما هو.. كما يقولون او لا يقولون.. كما اتفقت الرواية عليه ونتداوله نحن ..ام انه لاسباب معينة حدث الاتفاق على ان نتدوال ما حدث على هذا النسق ..لنقل اتفقنا على تزيف الواقعة لسبب معقول ...
اصعد لسطح منزلنا اظل ادور حول السياج الذي اقمناه فاصلا يحول دون ان يتسرب كلبنا الاسود العزيز "برونو " لسطح منزل جيراننا المجاور ...اتفقد السياج والفتحات التي اقيمت فيه ولسبب من الاسباب اراها غير عملية وانها صعبة حتى على سعاد المرور السلس لسطج المنزل المجاور لنا عبرها ...انظر لعلو طابقه اجده عاليا وليس دنيا بالمرة ..والارضية التي يقف عليها صلبة لامجال للمناورة ...واشعر بالقشعريرة والامتعاض ..كيف جرات على تحاول الهرب من هناك ..وكيف اقدمت على القاء نفسها من كل ذلك الارتفاع ....!!؟
انا تركتها على الكنبة القريبة من باب صالة جلوسنا الواسعة ..كانت تحزم راسها بخرقة حزم المحاربين رؤسهم ..كانت مكفهرة الوجه متألمة من الالام اسنانها حيث وقعت بعض اللكمات على وجهها بعد ان تجرات لتمد يدها لوجهي مستعملة اظفار اصابعها لتصيبني بجراح وندوب على مستوى الوجه والجبهة والعنق وهو ما اغازني جدا واستفزني لاقسى درجة لانني فهمت منه ومنها انها تحاول توثيق الحدث على خارطة وجهي واشهارها للعلن ...كانت امي التي لا تقوى حتى التحدث دونما تهدج وتعب واضح والتي صعدت درج سلم الطابقين بمشقة وصعدتهما كمن تحبوا هي المريضة المزمنة بالالام المفاصل وامراض الشيخوخة ..تدعوني وتتراجني لكي اترك سعاد ...تقولوا لي باركا عليها بارك عليها المسخوط خليها عليك ....انا راضية عليك اولدي متضربهاش ...
ابعدتها من يدي واخدتها للكنبة وجلست بالقرب منها تلتقط انفاسها وهي تقول لنا :"غذين تقتلوني ..غدين تصفيوها ليا ....احرام هد شي لكتديروه في بعضكم ....
نزلت لغرفة الطابق الاول لاقفل الباب علي واحاول الاسترخاء بالتدخين ...كانت كل حواسي متوقظة تتابعها ..لا اعرف ما عساها يمكنه ان تفعله ...نزلت واغلقت باب البيت الرئسية بالمفتاح وصعدت من جديد لانظر لحالها واسالها ماذا تريد ..وكانت تطالب فقط بان اسمح لها بالخروج وهو ما كنت ارفضه على الاقل الا ان يبزغ الصباح ...
بعد نصف ساعة او حولها اسمع استغاثة..وعثقوا الروح ..واعثقوا الروح ...انهظ جاريا من مكاني اصعد الدرج ابحث عنها في الغرفة ..في السطح ..في سطح الجيران ...لا اجدها ..اعود لاتتبع صوت استغاتثها ..اتبين انه من خارج البيت ...انزل مسرعا درج الطابقين افتح الباب بسرعة امضي لاخر الطوار والتفت لارها تحاول الحبو وتجر رجلها بصعوبة ...اقصدها اسالها ماذا فعلت بنفسها ..ماذا كانت تنوي ان تفعله بنفسها ....اطلب منها حملها لداخل البيت ترفض وتستمر في الحبو باتجاه الشارع ...امي خرجت ...والسيد مقدم الحي بدوره تقدم منا واخد يراقب الوضع ودونما ان يوجه اي سؤال ...كانت سعاد تتالم وتشير لرجلها ...رجلي تهرسات ...امي رجلي تهرسوا ...قال لي مقدم الحي انها في حاجة لسيارة اسعاف سالته رقمها ودخلت لاحمل الهاتف واتصل بهم وكذلك فعل هو ...في تلك اللحضات وصلت هي للشارع كانت تلبس قميصا شبيا خفيف ونهديها يبرزان منه وترتدي سروال نوم خفيف بلا سليب من تحته من نفس اللون ..كنت احاول مساعدتها على الوقوف واطلب منها الرجوع للمنزل ولكنها تعلل رفضها بان قدميها متكسرتين ..في هذه الاثناء وصلت سيارة الاسعاف ونقلوها بها ..توادعنا انا والسيد مقدم الحي، عون السلطة وشكرته من جانبي ودخلت للمنزل صعدت غرفتي دخنت عدد من السجائر الواحدة تلو الاخرى وانا تحث وقع اسوا صدمة..ثم تدثرت بمعطف ثقيل حيت كان درجات الحرارة جد منخفظة انها ايام راس السنة الميلادية ..وطلبت من والدتي مبلغ ٢٠ درهم لعلي احتاجها في حال اخدوني عناصر الشرطة الى مركز الديمومة للاستماع الي وان افرجوا علي يكون بملكي ما اقل به سيارة اجرة...قلت للوالدة فيما بعد ساخبرك بكيف تتصرفين مع الكلاب في حال كنت ساغيب لفترة من الزمن ...كانت تنظر الي ولا تناقشني انا الان لست متاكدا من اي شيء ومفتوح على كافة الاحتمالات . .المهم لا تنزعجي مما قد يحصل معي في اسوا الاحتمالات ...وادعي لي ...لانه ينبغي ان الحقها الى مصلحة الاسعاف والمستعجلات والمفروض ان اكون بجانبها ولا اعرف ما يمكن ان اقابل هناك ...
عانقت والدتي حملت المزيد من السجائر وتوجت راجلا الى حيث مستشفى اللامريم ....وجدتهم قد ارسلوها لقسم الاشعة لتاخد صورا لقدميها وساقيها .. لحقت بها لهناك ..ولما خرجت من القسم كانت ترتجف ونادتني باسمي طالبة مني ان ادفئها ..خلعت معطفي الثقيل ووضعته عليها ..كانت تطلب مني ان ابقى بجوارها ..عدنا بها لقسم المستعجلات حيث اقر بوجود كسر واكثر وبضرورة ان تاخد سريرا استشفائيا بجناح النساء لتتلقى العلاجات ولتتمكن من ان يفحصها اخصائي العظام وجراحهم...
سعاد كانت تشكوا من البرد اكثر فاكثر ومن الالم ..الممرضة المناوبة شكت لي عدم وجود مواد تسكينية بخزانة الجناح وطلبت مني ان احاول مع ممرضي غرفة الاسعاف والاستعجالات ...وقصدتهم وعدت بحقنتين ..كانت سعاد تتحدث للممرضة وماسمعته منها شيء على اننا نهددها ونستقوي عليها وهي لا تعرف كيف تتصرف ....
عدت للمنزل وحملت لها بطانيات وملاية ووسادة كان النهار قد بزغ وابتدات الحركة تعج بها المستشفى الاقليمي...كنت قد اجريت مكالمة مع والدتها مي السعدية وقلت لها ان سعاد بالمستشفى وقالت لي بانها سترسل من وراء اختها الكبرى باصيلا وسيأتون معا ...
لم يكن هناك اي تدخل للشرطة ولا من طلب قدمته سعاد تطلب فيه حضور الشرطة ولا طاقم التمريض وجد من ضرورة ان يقوم بدلك الاجراء ...على كل انا كنت مستعدا لكل الاحتمالات ..كانت معنوياتي في الارض وكذا مشاعري ..كان كل شيء متساوي عندي ولا اي فارق معي يشكل ...
عدت لاشرب قهوتي بالبيت ولادخن وعقلي منجبس علي لا اكاد المس اي ترتيب للاحداث كيف وقعت ولا ما هو ما فلت من بين يدي فاوصل الامر الى هذه النتيجة ...اصبحت في غاية التلف لا افهم كيف حصلت الامور وهل فعلا هي من اسقطت نفسها من الطابق الاول لمسكن جيراننا ...او الا يكون انا من حملتها واخرجتها لجوار البيت بعد تعنثها واصرارها على ان تخرج الان وفي التو من هذا البيت . والكسور كيف وقعت لها ..ربما ليست هناك كسور كل ما هناك رضوص فقط ....ومع كل هذه الاسئلة والاستفهامات انا ما بين المصدق ان هذا حصل وانه لم يحصل او ليته لم يحصل ...وهنا تبلبلت كل مشاعري ....
بعد ارجاعها للبيت ومكوثها معي لازيد من شهر ونصف كلانا كنا مريضين ومتعبين ..هي كانت مكتئبة وانا اعاني "كرب ما بعد الصدمة " (PTSD)..ولما رحلت تفاقمت الحالة معي وبت اكثر سوداوية وحزنا واغترابا وضياعا ..كان كل شيء سعيت لبناءه بجانبها قد انهار ...والبرنامج الذي داومت عليه لزهاء ثلاثة سنوات انهار بدوره ...وعاودني الخوف والقلق على نفسي وفقدت القدرة على ان انام مما كان يجعلني كل ايامي اعاني الانهاك وسوء المزاج واضطراب المشاعر والرغبات ...
ثلاثة عشرة شهرا وانا على هذه الوضعية اشرب بشكل مستمر لوحدي وبالفراش ..اعيش الفوضى والاغتراب لا اعرف كيف يمكن ان اقيمني من جديد ..ان اجعلني انهظ مجددا وافكر في المسير واستمراره ....
وطوال هده الفترة لا خبرا يصلني عن سعاد ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق