الحكاية كما اعتقد فهي دائما ان هناك واحد ما يفتح عيني اخر على حقائق قد يكون يجهلها الطرف الاخر هذا ان لم يحدث ان تعرض وصدم وكبت ذلك او بعفوية انطلق يحكي عن ذلك فتلقفها الكبار وهاهنا قد يقع اي شيء بحسب ما سيتصرف به هؤلاء الكبار...
الحكاية هي خبرة شخصية سبقها توجيه من نوع ما او بقيت كذلك مجرد خبرة عرضية قد تنفتح على كل الاحتمالات...
الحكاية اننا نستوعب الامور دون ان نكون جاهزين تماما لاستعابها او لنعقلها..لعلها تبتدا مصادفة او كتحسس مرهف دون ان نتمكن من فهم ما الذي يحصل معنا...انا لا اخال ان احدا تكلم معي بوضوح تام او هيأني لتقبل ما كان يحصل ان احس انه يحدث معي ويتطور داخلي ويسيطر علي...
كان الجميع يتسلى بجانبي ويداعب في ذكوريتي ولم يقل لي اي منهم كيف يحدث ان انكشف امامهم..كانت عماتي يتمادين في تلك الالعيب معي وبمحضر جدتي ووالدتي والجميع...كان يحصل ان ينتصب ذكري حتى قبل ان يختن وتقبلت الامر كما لو كان مجرد مزحة لا حادثة طبيعية او فيزيلوجية.. منتهى ما كنت منتبها له وكان ياخد على محمل جد انني استعمل ذكري ذاك لاخراج البول... للتبول... اي احساسات اخرى لا اخالني ادركتها.. ربما كان يحلوا لي ان اغفوا على صدروهن او على كتف احداهن او احدهم وانني كنت استشعر الدفئ باحضانهم لا غير...
لا اعرف عني انني انشغلت بالمقارنة بين عضو الذكري وعضو انثوي على انني كنت احب ان احملق فيه وانظر لتكوينه لكن دونما استغراب او احساس بالغرابة..لكن بالمقابل كان يستهوني شكل الصدر وتكور النهدين وملمسهما واحب ان ادفن راسي بينهما او النوم عليهما.... ولعل ذلك وحده ما ولد داخلي الاسئلة وجعلني انتبه وابدا في المقارنة بين مايميز الانثى او النسوة عن الذكور والرجال... قبل ان اصدم بان اشياءا تحثي وانا اجلس حجر رجل اخر قد يكون عمي او ابن عمتي او جار للعائلة غير مستقرة وانها تكون لدنة لعلها مثل نهد او صدر امراة ثم تصبح صلبة ومميزة وبشكل بارز ولافحة وتستحود على احساساتي وتشد انتباهي وتجعلني لا اعرف ما المطلوب مني بعد ذلك ولا هل علي ان ابدي تصرفا اخر حيال الامر....
وانا اتعرض عنوة من المتنمرين بي لمحاولة لمسي بذكرهم بساحة المدرسة وهم يغلفون ذلك بكونه مجرد لعب بينهم وتدافع انتهى بملامستي كنت اكبر من ان اجعلهم يشعرونني بالخزي او الذل او المهانة كان الامر محسوم عندي انه في مجمله لا يتعدى ان يكون اعتداءا وتبخيسا من قدرتي على الرد عليهم.. انه ببساطة محاولة للنيل مني وكسر شوكتي ومحاولة اخرى للهزء مني ان حدث وقصدت المعلم المسؤول عن الفسحة بالشكوى... كان الامر معي لا يعني بحال ضرب في ذكوريتي على انه قد يفهم بكونه تحرشا جنسيا بي.... وحتى في اسوا المواقف لما كان اثنان الى ثلاثة صبية يمسكون بي في زقاق بطريقي الى البيت ويحاول احدهم ارضاخي وشل حركتي عبر امساكي من خلف وقد دس ذكره في ظهري او على مؤخرتي لم اكن اشعر حيالهم الا بالاحتقار لانني كنت اكبر من ان امكنهم من تحسيسي بالخصاء... كنت اعرف نفسي جيدا فانا لست مجرد ذكر وانما رجل..... حدث ان كان هناك منهم من يبصق تفاله على وجهي ويبعثر لي محفظتي لكنني لم اكن امكنهم من ما يريدون ان يروه مني.. "البكاء".." الدموع على خدي "... فانا في كل الاحوال لن اكون تلك البنت الصغيرة الخائفة المرتجفة التي تسبقها الدموع الى عينها....
مدرستنا كانت تقع في حي شعبي تحيط به العديد من الدور الصفيحية ومساحات شاسعة خالية يملاها التراب الاحمر كانت في الكثير من الاوقات تتحول لسوق عربات خضر وفواكه ولجموع باعة مفترشون الارض..وفي غيرها من الايام كانت تستولي عليها عشرات الحمير لصاحبها المنعوث ب"خرماكة" والتي كان يستغلها في نقل رمال الشاطى الصخري المخصص لاشغال البناء لتمارس طقوسها في التمرغ على التراب والاحتكاك به كما لا يفوتها ان ساعة تشاء تبدا في النهيق ومضاجعة بعضها على مراى الجميع وتضاحك الصغيرات والصغار...
مدرستنا الابتدائية كانت تستقبل تلامذة احياء جنان بوحسينة والنباص وحي الناظور والقشلة والليخروا وجامع الجديدة وبرج سيدي ميمون والبلاصة...واغلبية التلامذة كانوا من اسر متوسطة الحال ان لم تكن فقيرة الى جد فقيرة..وفي الموسم الدراسي الاول (79/80) الذي انتقلت فيه الى هذه المدرسة بعد استقرارنا بالمدينة قادمين اليها من مدينة القنيطرة لم يكن سني يتحاوز الستة سنوات بينما كان من بين تلامذة المستويات الاعلى من يتحاوز عمره السابعة عشرة لان التحاقه بالتعليم كان في عمر متاخرة بالاضافة لما راكموه من سنوات الرسوب والتكرار في نفس المستوى الدراسي.... كان من بين التلامذة من يذخن وبشكل مستمر ومنهم من يشتغل خارج اوقات الدوام ببيع الخضر او كعامل بناء مساعد ومنهم من كان ينزل البحر مع سفن الصيد الساحلي كذلك التلميذات الكبيرات التي كن يلبسن الجلاليب ومنهن من كانت بدورها تذخن وتشتغل خارح اوقات الدراسة في الافراح والمناسبات كمساعدة مطبخ او بالحمامات التقليدية او ببيع الخضر على اشغال النظافة بالبيوت....
الحاصل ان مجتمعنا في غالبيته كان يعاني الخصاص والفقر المدقع واللانظام واطفاله..صبيانه يعانون سوء التربية كما سوء التغذية والاهمال وعادي ان كانت رائحة بول الفراش ترافق حتى تلامذة وتلميذات مستويات المتوسط الاول...الوجوه غائرة..حالكة.. والعمش ككحل بالعينين ووسخ بالاظافر وشعر متسخ مرتع للقمل واقدام باحدية وصنادل بلاستيكية متسخة حتى الكوعين ورائحة البول هي السائدة مع رائحة الغاز السائل الذي يوضع في الشعر كحل فعال لقتل القمل والصيبان ورائحة الشاي البارد التي تخرج مع تجشعات الصباح في الاقسام اما بعد الزوال فتعوض بروائح كريهة عبارة عن حزاق وتنفسات امعاء عادة ما يقابلها استنكار من معلم القسم الذي لا يفتا على التعليق عنها بقول: " وش كليتوا الملاعق.. الجران... "...
الياقات الزرقاء ذات الاحزمة السوداء للذكور الممزقة في الغالب او المهتراة اثوابها الرخيصة جدا والوردية او الزرقاء،الفاتحة السماوية اللون للاناث الصغيرات اما الكبيرات فكن يكتفين بوضع منديل على الشعر بذات اللون مع جلبابهم..
قلة من كانوا متميزين بلا مبالغة في لباسهم ونظافتهم وعنايتهم بانفسهم ومرتبين ولم يكونوا كلهم ابناء المعلمين والمدرسين بل كانوا ابناء عمال مهاجرين بخارج البلاد او حرفين اصحاب كراجات ميكانيك وصباغة هياكل سيارات وشاحنات او رياس على مراكب صيد او موظفي امن وشرطة وصحة وهولاء كانوا يشكلون مجموعات مع بعضهم البعض وفي العادة يضعون مسافة بينهم وبين باقي شرائح التلامذة الاخرين.....
بنات الاوساط الشعبية والفقيرة كانوا جريئات ونابيات اللسان وسوقيات وبديئات وخليعات واغلبيتهن يقمن علاقات سطحية او من الدبر مع الفتيان الكبار خلف اسوار المدرسة او بساحة خلفية مستقلة كانت تخصص لحصة الرياضة البدنية اما ذكورهم فاغلبيتهم ممن يرافقن الفتية الكبار والبالغين ليتعلمن التدخين وليمارسوا معهم اللواط وليسهلوا لهم الاغرار بالفتيان الصغار من الاوساط المتوسطة اما من كانوا من اعلى المستوى ذاك فلقد كانوا لحد ما في،مناى عن الاغرار بهم لان امهاتهم او اباءهم او اخوتهم الكبار يصحبونهم للمدرسة وينتظروهم ساعة انصرافهم كذلك لان الجميع كان يعلم ما الذي يحصل في انفلاث عن رقابة الاهل اما حتى ادارة المدرسة فلقد كانت شكلية وقامعة بشكل عنيف وحده حارس المدرسة "با عمار" كان يقوم بمحهود جبار ويبين عن حس عجيب يستحق معه ان يحمل معه لقب "با" اي اب وكان كذلك ابا للجميع ويحضى بتقدير كل اولياء الامور وان كان يتعرض لبعض الهزء والاستخفاف من "ولاد السوق"....
"ولاد السوق"القليلوا التربية المخربشة وجوههم والنحيلوا البنية في اغلبيتهم لم يكونوا بطبيعة الحال ابناء لاي سوق ولا سوق لها ان تنحب اطفالا حتى ولو كانت سوق دعارة ومتعة وانما امهات بالاساس واباء او من هم في حكمهم.... لكن السوق هنا كانت تعبيرا عن الانفلات عن التربية والضبط والرعاية.. وتعبيرا عن تازم الاوضاع الاسرية لهؤلاء....
"ولاد السوق"يتعارفون على بعضهم وبينهم علاقات لكنهم في الغالب يتصرفون فرادى او بمعية مستقطب جديد لسوقهم..غر..او ضحية جديدة لوضع اسري للتو يتفكك او يواجه ازمات مادية او اجتماعية كمعضلة سكن او ببساطة يكون طفلا بلغ للتو ويواجه مشاكل المراهقة الاولى....
"ولاد السوق"انفسهم ضحايا واقع اجتماعي واسري مزري وعادة ما تجد اولياء امورهم يواجهون مشاكل مع ادارة المدرسة التي تستدعيهم لتنظر في غيابهم المتكرر عن فصول الدرس او في شكاوي اولياء اخرين كانوا ضحية تعدي ابناءهم عليهم بالضرب او بسرقة ادواتهم واغراضهم...
"ولاد السوق" لعلهم كانوا صبيان او بنات يتدبرون شؤونهم لوحدهم وبمعرفتهم وبما يختبرونه من تصادمهم مع الواقع اليومي والحياتي.. ولعلي اجدهم انهم كانوا اكبر من سنهم الحقيقي ومستقلين بانفسهم كما ان سيرهم كانت معرضة فهم اما متهمون بالنشل والسرقة دائما او مشكوك في ميولاتهم الجنسية وفوق كل هذا انهم عنيفون وميالون للتخريب واحداث الضوضاء والفوضى.... واهاليهم في الغالب اناس جد بسطاء وكادحين وامين وطاعنين في السن او على الاقل باوضاع صحية متردية حولتهم لاشبه بمسنين....
ل"ولاد السوق "كاريزميتهم كما كنياتهم والقابهم المعروفون بها ومجال جغرافي محدود يتحركون فيه لان لهم بدورهم عدواتهم ومنافسون لهم من مجالات جغرافية اخرى كانت تاطرها احياء المدينة الاخرى..
و"اولاد السوق" يتصرفون في الغالب باستقلالية عن الاخرين ويعرفون كيف يتدبرون مصروفهم اما عبر جمع قنينات الشراب والخمر واعادة ارجاعها وبيعها او جمع "بيدونات الزيت" وكل ما يمكن بيعه من اسلاك النحاس او قطع حديد مهتراة كما هم في الغالب من يقصدون الغابات البعيدة لجني حبات شجرة الصنوبر "البينيا" وشيها على نار حطب وبيعها في الحارات والازقة او بباب المدارس هي وحبات فاكهة عحيبة ندعوها "بوخانو" كما يقومون بالتعرض لشاحنات نقل قصب السكر ليسرقوا بعضه ويقسمونه ثم يبعوه.... و"اولاد السوق "غير أولئك الذين يقصدون الميناء ليتدبرو حصصا من السمك فيعيدون بيعها او من من يبيعون اكياس البلاستيك المخصصة للتبضع بالاسواق او من من يعرضون خدمات حمل قفف المتبضعين لان هؤلاء معروف عنهم انهم يساعدون انفسهم او ذويهم في تدبر لقمة العيش ولان هؤلاء معروف عنهم انهم" رجالة " وذوي شهامة وانفة وغير معتدين...
"ولاد السوق" مدخنون للفات التبغ التي يجمعونها من شوارع المدينة ومن جوار المحطة الطرقية والمقاهي ويرافقون البالغين وكبار الفتيان لعلهم ينالوا شيئآ من اعقاب سجائر الحشيش او انفاسا من "سبسيات" الكيف.. ورفقتهم لهؤلاء في العادة لا تكون بريئة...
"ولاد السوق" ليسوا هم المتنمرون الوحيدون ولا هم الفضيعون بل من يدور في فلكهم ويستهويهم مرافقتهم ومصاحبتهم لعلهم ينالون شيئا من شهرتهم فيخشون جانبا ويتقون ان يتنمر بهم... وهؤلاء ليست احوالهم الاسرية والاجتماعية بمثل سوء الاخرين وان يبقى القاسم المشترك العام هو الفقر والتخلف وتعدد افراد الاسرة الواحدة ...
دائما لعلها كانت الحكاية ان هناك من يتقوى على اخر ومن يتنمر على اخر ومن يحاول اخصاء اخر..لكن حكاية من يفض براءة اخر ومن يفتح عيني اخر على حقائق الحياة مع الاخرين وبحانبهم لم تكن تلقن الا كدروس الحياة بالكثير من المداورة واللف والتدليس...لم يكن هناك من يجرا على ان يسمي الاشياء باسماءها ولا من يصور لك الامر قبل ان يحدث ويقع معك....
كنا في لحضة من عمرنا الفتي نكتشف الكثير من الزيف ونكف على ان نقول الحقيقة ونحترس من ان يكتشف اننا بتنا نفهم بعضها او جزءا منها...في لحظة من عمرنا الاول نقحم في دوائر المراوغة والمنافقة ونكف على ان نتصرف بعفوية لا لاننا نكون في بدايات نضوج ما وانما لانه علينا ان نتعلم كيف نبلع الكثير من ريقنا وكيف نالف قصصا نسردها كبديل لقول الحقيقة وكيف نجعل ابصارنا لا تزوغ كي لا يقرا فيها كذبنا وزورنا....لسبب وحيد ووجيه يكونه الخوف من اقصاءنا من المشاركة في اكتشاف الحياة والتفاعل مع الاخرين...نضطر لنتعلم الكذب ونقتنع بوجوب اتقانه كي لا نتعرض للحرمان الذي لعله امر واقسى من اي عقاب اخر قد يسلط علينا...نضطر لنصمت ونشيح بابصارنا بعيدا كمن لا يفهم ما يحصل او يحدث امامه او به كي لا نتعرض للانكسار الذاخلي...ونكتشف لعلنا لاحقا كم ان حكايتنا متشابهة وفي سابق علم معضمنا وان القاسم المشترك فيها ان لا احد يريد ان يصرح بها.....
لم نكن في مناى جميعنا على ان يتنمر علينا لكن كل واحد منا وكيف يهضم المسالة ويستدخلها في قاموسه النفسي الشخصي....كما لا يفوت اي واحد منا ان يستغل جنسيا ومن شبه الجميع لكن ذلك "العيب"يبقى هو عيب ان تفطن مبكرا للعبة وتسقط غير قادر ان تتجاوز ذلك الوعي النزق فتستلد ان تستغل الا ما لانهاية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق