الاثنين، 16 نوفمبر 2020

يوميات :عوالمي السرية ..(تابع :16)..قصتي مع حنان "هذه ..تابع /2-1..


 

يوميات :عوالمي السرية ..(تابع 16)..قصتي مع حنان "هذه "../تابع 2-1.

 تركتني راضيا عنها ..ابتسم بداخلي وتغلبني ابتساماتي فتخرج كتعبير على وجهي ..وددت في السهر ..في المشي لمسافات طويلة دون هدف في اكثر الأزقة الموحشة والخالية من الناس ..فكرت بجنون بان اعاود ولفي القديم وانطلق منحدرا عبر الشوارع والطرقات حتى اجدني بمدخل مدينة العرائش بطريق طنجة وامضي فوق الاسفلت واقطع قنطرة وادي اللوكوس وانزل لامضي بين حشائش جانب الطريق الى ان اصل الى موقع مدينة ليكسوس الأثرية ولا اتوقف عندها وانما اكمل الطريق وقد خفتت إضاءة الطريق الا من اضواء السيارات وهديرها فوق الطريق ...امضي وفقط حتى يخلو راسي من اي تفكير ..حتى تتحول كل الصور التي كانت تطاردني الى بياض واسع ومطلق  ..وابدا في التوجس والحذر ...ويرتفع في داخلي ذلك الحس القوي بالتنبه  وتتسع حدقة عيني  وتنفتح كل حواسي ويتنشط جسدي لاجده خفيفا يكاد لا يمشي وانما ينسل ويعبر الطريق الجانبي بسلاسة متجاوزا كل عثراته واعرف مسبقا اين اضع قدمي ..ويكبر داخلي الاحساس بالتيقظ ..وتتحول عيني لكاسحة تجوب كل المكان وتكشفه  وتحسب حساب اي شيء قد يتحرك بما فيها السيارات القادمة في اتجاهي وكلي استعداد لاتحرك في الوقت المناسب ..لا مجال للاحتمال او التردد فقط هي المواجهة ما ترسخ لدي كقناعة غريزية ..لا إمكان للتراجع ..لا معرفة لي بالخوف ..اي شيء يتهددني املك القدرة على ازاحته من طريقي ..انتهيت من هذا التمرين الذي كلفني ازيد من عشر سنوات للاانتهي منه ابدا ..ابقى كامنا واعود لممارسته ..جربت فيه الكثير من الحالات النفسية لاتعرف على ردات فعلي العصبية والنفسية والجسمية ..قطعته تحت الامطار والرعد .. قطعته وانا في اعصى نوباتي اكتئابي وفي اشد حالات الانهاك وانا مضرب عن تناول الطعام للازيد من خمسة أيام ..قطعته وانا في اعنف حالات التخدير بالاقراص ...وانا ازاوج بين الامفيتامينات (أدوية عقلية منشطة ) وبين الكحول ...قطعته دوما بنفس الاحساسات تقريبا ..ما ان إميل على طريق ديور الحواتة لاستقيم على طريق طنجة حتى اتحول لانسان اخر ..لا شيء يمكن ان يعيقه ولا حتى دوريات الشرطة التي تمشط الطريق الجانبي المؤدي لشاطئ  راس الرمل او عناصر السد القضائي المتنقل ما بين مدخل الطريق الفرعي لراس الرمل وموقع ليكسوس والى الامام منه او الى الخلف غير بعيد عن  القنطرة  ..دائما كان هناك من من  مجرد رؤيتي يعرفني ولانني كنت اختار ان امر من الجهة المقابلة لوقوفهم متفاديا أن أقف لاحد تجمعني معه علاقة ما ..وتاركا لهم فرصة تتبعي ورصد سلوكي في نفس الوقت فلا احدا على الاطلاق اقترب مني ليحقق في هويتي او ليتجرا  على استفهامي حول ماذا أفعله بهكذا طريق وفي مثل هذا التوقيت الجد متاخر من الليل ولم يكن هناك سبب سحري يخصني  الا ما هو من سابق ترتيباتي ... العرائش اعرفها منذ ان فتحت عيني وكنت احملها معي بين عيني كل نهاية عطلة صيف ونحن نودعها لمدينة القنيطرة ..وهناك لا يكف اخي "فؤاد"من ان يتجول بي ذهنيا وافتراضيا بالعرائش بل جعلني اقلب كل الاماكن الواقعية بمدينتنا الام القنيطرة لانظر اليها على انها العرائش ... العرائش عنت لي الكثير ..البحر ..احضان عماتي وجدتي واعمامي وكل العائلة ...جناننا واطيب اجاص وباكور  وعنب وثوت ورمان  ..كلبتنا "هنيدة "وعناقها ...ساحة الرحبة بحدائقها الصغيرة والانيقة وبكراسيها ذات الزليج المصورة عليه شخصيات جميلة ...ساحة وسط المدينة ...المدينة القديمة باصواتها وازدحامها وروائحها ... العرائش كل من كان يصحبني معه في خرجاته كان يعرفني على جزء خاص منها واول ما اعقله من المكان من كنت بصحبته اول مرة اكتشفه فيها ... العرائش النائية والضاحية قدمها لي اخي "فؤاد"كاجمل الهدايا ودائما ونحن نسير على اقدامنا ولا مجال للتلكك بالتعب او العياء او صعوبة  تضاريس الطريق ..ودائما كان يوصلني الى رحاب المدينة وقد حل الليل ...مع اخي "فؤاد"عشت امتع المغامرات لاكتشاف كل نقطة نقطة من المدينة وعلى الارض ومن ان قفز بي من عمر الخامسة سنوات لاصبح كبيرا كاي كبير اخر ...

العرائش كحاضرة  صغيرة محدودة شوارعها ومرافقها والباقي جنان واحياء هامشية ومنطقة صناعية فلاحية بطريق القصر الكبير واخرى بجوار الميناء البحري...كل المدينة قد تختصر في الميناء ومحيطه والمحطة الطرقية ومحيطها ومستشفى اللامريم ومحيطها وثكنة القوات المساعدة وما يقبع بجوارها وخلفها وقصر البلدية والمدينة القديمة التي تتحوط به ..ومستوصف "الطري"وساحة دار المخزن والأحياء الخلفية للمدينة القديمة ومدرسة البلدية والأحياء المحيطة بها والسوق المركزي ومحيطه وثكنة رجال الاطفاء ومبنى الدائرة الأولى للشرطة المقتطع منها ومحيطهما السكني ومبني مفوضية الشرطة أعلى تلة السوق المركزي اليومي ويبقى مدخل المدينة الرئيسي ومبنى المحكمة الابتدائية واسفل الطريق المنحدر مبنى الدرك الملكي وبالحهة الغربية للمحكمة تبقى الاحياء الهامشية والعشوائية التي تنتهي بسوق الجملة ...واذكر العرائش على لسان عمي "محمد"تلك التي شبه تقريبا الكل يعرف فيها الكل او يحدس انه يعرفه ...واي وجه غريب يكشف نفسه ...وظلت العرائش كذلك حتى اواسط الثمانينات..كل المدينة كان يضبط النظام الامني بها بضع عناصر من رحال الشرطة النظاميون تحت امرأة ضابط والباقية من مفتشي شرطة واعوانهم في الضابطة القضائية تحت امرأة ضابط وقسم بفردين  يمثل ما كان يعرف بالقسم السياسي وكل هولاء تحت امرأة عميد رئيس المفوضية.. عدد الجميع لم يكن يتجاوز الاربعين على الاقصى تقدير  في بداية الثمانينات بينما كانوا لايتجاوزن العشرين في السبعينيات ..وكانوا في مهامهم قد يحتاجون لمساندة من أفراد القوات المساعدة واحيانا لدعم عناصر الوقاية المدنية واحيانا يسخرون اعوان السلطة المحلية من شيوخ ومقدمين وشواش وعمال الخدمة بالبلدية المؤقتين ..كل وسائلهم اللوجستيكية عبارة عن جيب لاندروفير متوسطة واحدة دائمة الاعطال والاخرى جديدة نسبيا وسيارة رونو 4 كسيارة لرئيس المفوضية تحولت مع تولي العميد "العمالي "الى سيارة متسعة سوداء اللون ..اعقل عليهم الواحد تلو الآخر واعقل جيدا على انهم كانوا يلعبونها جيدا كانوا اسياد المدينة بدون منازع ..ولحقت بعدد منهم خصوصا العناصر المدنية الزي  شهرة الأبطال ونسجت عنهم مخيلات الناس قصصا لم تكن كلها صحيحة ..انا بقيت وفيا لدروس اخي "فؤاد"كما كنت اولي انتباهي لتوجيهات اخي "سمير "النفسية ..بقيت محافظا على الاعتناء بهندامي وحسن التصرف الاجتماعي ومهما كنت أطلق العنان لجموحي باللعب والحركة مع اقراني كنت بمجرد ان نتجاوز عتبة الغابة او الشاطئ للطريق العام حتى اعدل من هندامي واضبط سلوكي بما في ذلك حتى سلوك عبور الطريق والسير فيه  ..كان لزاما علي ان لا الفت انتباه المارة من الناس لسلوكي او لمظهري فاتعرض لانتقادهم المباشر او اسجل في ذاكرتهم كشخص قليل التربية ..مع اخي "فؤاد"عنى لي الاحترام أمرا اخر لا يحتمل معه وجود الخوف او الخشية كان يوقفني قبالة الحرس البلدي ويقول لي انظر اليهم بشكل عادي وتعامل معهم مثلهم مثل اي انسان اخر بالمجتمع لاحظت منهم تجاوبا تجاوب معهم ..طلبوا منك الابتعاد طاوعهم دون تردد او خوف ...كان يقول لي بان اجاريه وانظر كيف يعبر من امام عناصر الشرطة المشرفين على حراسة بنك المغرب والذين يقفون بمدخل المفوضية مرفوع الراس بنفس وتيرة مشيته منتبها وغير متطاول في تنبهه او متذاكي عليهم ..

بقيت تعاليمه راسخة في ما أتى من حياتي حتى عندما ابتعد ليكمل دراسته الثانوية بمدرسة جابر بن حيان في شعبة المحاسبة بتطوان ..بقيت على كامل احترامي لهم وفي تمام تنبهي لهم خصوصا العناصر الجديدة والمستبدلة بمن كان يخرج على المعاش او ينقل في العادة ليشتغل فترة من الزمن بمدينة القصر الكبير أو يولى مهمة بتطوان حيث كانت هي عاصمة الاقليم وسياتي علي وقت همني بالدرجة الأولى لا ان اعقلهم وحدي بل اجعلهم يعقلونني فكنت اغتنم اول فرصة لوجود عنصر جديد مع عنصر قديم يعرفني عن قرب او تطورت علاقتنا الاجتماعية النظرية لمرحلة من التودد وتبادل التحية والسلام لاتقدم او لاظهر في  مجال رؤيتهما ليتنبه لي من اعرفه وهكذا الفت انتباه الوافد الجديد بانني موضع ترحيب وتقدير من عناصر الشرطة الذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة بالمدينة ..كان جارنا المفتش "حسن بلد"المعروف ب"كولمبوا "خير من سهل علي الوصول لهدفي لانه كان يكن لي مودة خاصة جدا ولا يتجاهلني في اي وضع اجتماعي كان دون ان يتقدم لي ويسلم علي ويقبلني على خذي ويثني على سلوكي وعلى ذكائي بينما كانت زوجته مهتمة بالسؤال عني ولا يفوتها ان تتوقف الي لتضمني اليها ....سيتطور  الوضع وساعود لالتقي بهم على صفات متعددة وتربطني بهم علاقات على اكثر من مستوى لكنني لم اتخلى عن رصد اي اختفاء لعنصر منهم ومعاودة ظهوره او لظهور الوافدين الجدد ...كان يهمني في المقام الأول ان اعرف عن نفسي أن أقول "هذا انا .."وفي المقام الثاني بعد ان اسرق انتباههم ابدا في تطوير علاقتي النظرية بهم لاكسب تعاطفهم على اعتبار انني كنت اعرف ان من يقع بين ايديهم لا ينال اي تعاطف منهم خصوصا ان لم يكن مسنودا ..وفي كل ذلك ما كان يهمني غير حريتي ولا يعنني غير ان لااودى فيها او امس فيها ...وعندما بدأت اترك لنفسي الحق في ان تتمرد قليلا على الاعراف الاجتماعية لم اهتم بكسب تواطئهم  لصالحي بل سعيت بجهد وحيلة لاصادق كل سكير فيهم ولاقول له ها هو الشاب الصغير الذي لن تعرفوه ابدا لانه لا يسكر حتى الثمالة ابدا وكثيرا ما كنت اوصل جليسي منهم حتى باب بيته وهو يقاوم عبثا الترنح والتقئء ... تملكت عن حق المقدرة على أن ادهشهم في الكثير من حقائقهم المزيفة عن الناس وعن المراحل العمرية وعن ذاكرة الناس الجماعية وتسنى لي في الاكثر من مقام ان اكون من ياخد اعتبار حضوره ليخلص جماعة أصحابه ومرافقيه على الاقل من موقف تحقيق الهوية والسوق الى المخفر ..كانت حتى تقف فجأة علينا سيارة جيب لاندروفير خاصتهم وعندما يلمحونني بينهم ونحن نسكر او مجرد نتجول في شوارع المدينة ليلا لساعات متأخرة او نحن بمقهى ليلي كانوا يحيونني ويكملوا طريقهم  هذا ان لم يكن يسنح المكان والزمان بان ينظم الي الصديق الاقرب لي بينهم لنتذاكر ونتفاسر عن اصدقاء جلستنا الخمرية سواء بالحانات او بالجوار على طول السور القصير المحيط بالشاطئ الى حيث افريز الاطلنتكي  ...

لم يكن لاسمح بالخوف من ان يتملكني ولا كنت لاستبعد اي سيناريو اتعرض فيه للمخاطر ..للخطر وهذا ما همني بالدرجة الأولى والقصوى ...كانت لا تروادني مجرد خواطر وتصورات انفعل معها واخالني فيها أدافع عن نفسي بل كنت مقتنعا تماما بقدرتي على أن اقتل كل من يتهدد حياتي او يعرضني للخطر ..أن اقتل بكل عنف وبكل قوة الاندريالين التي كانت تغلي في راسي وانا على طريق طنجة احيانا لا اولي ظهري لاعود راجعا بوسط المدينة حتى يبدأ ضوء النهار بالظهور ...كنت ما ان اضع رجلي مفتوحة ببعض الانفراج المقصود لثتبيت وقفتي ومشيتي وابدا في الخطو حتى يحترق كل الكحول من دمي واستيقظ  ويطير كل مخدر من عقلي ...فقط هي العودة من كان يلزمها سيطرة اخرى ومن نوع اخر لانني ما ان ادخل المدينة وابدا في مأنسة اضواءها حتى يتملكني خذر شديد يكاد يوقعني ارضا ويغلبني لاجدني مترنحا اكاد اسقط ارضا. وكان يلزمني ان اعاود ضبط نفسي واعصابي على انسحاب الاندريالين ومقاومة حالة الارتعاش والتعرق الشديد الذي كانت تصيبني وحالة انحباس الصوت التي تطالني هي وبعض التشوش في استعاب الاصوات ...لانني كنت اعرف ان كل الخطر الواقعي قد اتعرض له وانا على هذه الحالة وانا اعبر أزقة مظلمة والوجهة التي كنت قادما منها جهة نائية او غير معروفة وتطرح اكثر من سؤال واحتمال ودائما كان في كل ركن وزاوية وناصية جماعة يحتسون الشراب او يذخنون الحشيش او في انتظار اي فرصة ليتصيدوا شريكا جنسيا ذكرا كان او انثى شردت عن صاحبها او خرجت من تلقاء نفسها وحالتها هي كذلك تبحث عن من يتطاول عليها ..كان علي ان اعيد تنظيم دورتي الحيوية بسرعة ..  كأن احرص على افراغ ما في متانتي وظل محصورا .. كأن ابدا في تدريب حبالي الصوتية على اجراء محادثة وكان يكفي ان اتعاطى مع الامر بوعي لاجلي حالة الحبسة العرضية التي كانت تصيبني ..ان أقف للحظات قصيرة وادرب عيني على كمية الضوء الجديدة المفروض ان اتعرض اليها وان اغير بالتالي طريقة مشيتي المتاهبة  والرخوة العرضية الى مشية متوازنة  وان اعبر الطرقات من وسطها وان اتحاشى الالتفاف الجانبي الحاد لكي لا اصطدم باحد متركن هناك ولا تفادى وقع المفاجئة غير السارة ...لم اكن لالقي اي سلام على اي احد او جماعة .. اعبر من أمامهم لكن على نفس المسافة القريبة في وسط الطريق ..واواجهم بنظراتي المتفحصة مثلما يفعلون هم وانتظر إشارة تعرف من احدهم او منادة من يعرفني منهم وعندها لا مجال للااشاركه التحية وحتى الوقوف معهم لبعض الوقت حسب جو وقفتهم وطبيعة الحاضرين فيها ...لم اكن اامن حتى خطر الكلاب لكنني لا اخشها كليا ولا اسمح لها بأن تشم في رائحة الخوف اعبر من امامها وكلي تربص بها أي حركة عدائية ساواجهها بكل عنف وقد أصبح انا من يطاردها وهي تعوي هاربة مني ...لكنني وبدون رهاب مرضي كنت حذرا من السيارات والدراجات النارية وحتى الهوائية خصوصا ليلا والشوارع خالية ويكاد يكون رجال الامن شبه غائبين كليا ..اخاف من الدهس المتعمد من مجانين الليل الذين يعبون الشراب مع همومهم ويمزجون كل أنواع المخدرات لكي ينسوا ولا ينسون شيئا فيتحولوا الى معتهوين عنفين ورعناء غير ابهين بكل ما يمكن ان يجرؤا على ارتكابه لينفسوا عن كم الغيض الذي يكاد  يدمرهم ...

فكرت  في ان احملني واسهر للصبح بالمقهي الليلي ...  ثم تذكرت انني بعد لم اذخن أية سجارة منذ تلك التي خرجت لرهدة المكتبة لاذخنها واعود لداخل قاعة المطالعة واظل محدقا لمن تركتني على وعد ان نتقابل في الغذ وعلى اطيب الوعود الخفية ...

تمشيت لحيث ساحة أربعة طرق وكسرت الاتجاه منزلقا عبر الشوارع لبيتنا ..مذخنا سجائري بدون توقف وباستمتاع وانا بعد مستحضرا كامل رضاي على الفرحة التي قابلت بها مكاشفتي ..كان الوقت متاخر على جلسة التلفاز بصالة البيت فدخلت غرفتي بعد ان اعددت كوب قهوة سوداء غير ثقيلة وحملت عددا من الملاحق الثقافية لصحفتي الاتحاد الاشتراكي والعلم التي اعاود قراءتها من جديد ومن جديد كلما كانت تنقصني مادة للقراءة..بشكل اوتوماتيكي كنت اعرف انها احسن طريقة لانظم طريقة تفكيري عوض ان اسبح في الفضاء مع من كانت تسحر في ...كنت ادع مزاجي يقودني الى الجنس الذي يستهوني القراءة فيه ويوفر لي القدرة على التركيز داخله وهكذا مقال الى مقال او نص ادبي لنص ادبي او قصيدة لقصيدة حتى اجد العتبة التي بولوجها الج الى حقيقة ما يشغل بالي بالضبط لان كل ما قد كان يعلو سطح تفكيري مجرد انشغالات ذهنية لحضية وعابرة وتخفي اكثر ما تفصح عن حقيقة ما يشغلني في العمق ...

كنت بيني وبين نفسي مقتنعا الى حد بعيد بان "حنان "هذه قد اعطتني راس الخيط لامسك بتلاليب الحكاية التي لعلها تجمعني واياها ..كنت ومن اول ظهور وظهور ثاني لها في مجال رؤيتي ومكاني الحميمي الخاص "المكتبة "نظرت فيها ذكاءها ..لم تكن ابدا تلك البنت السادجة والمفضوحة  التي جاءت للمكتبة لتمر منه  مرور الكرام وتلقي فقط ببعض ما تخاله سحرها وتتكل على أن ينبت لها عاشقا ينهل دروسه نهلا وهو في قمة انتصابه منتظرا أن يحقق رعشته لما  ينجح ويحصل على وظيف او من تلك اللواتي يضربن موعدا خارج رقابة الاهل ومعارفهم بالمكتبة ليخرجوا سوية ويتمشون كاي زملاء في انتظار المرور من اي زقاق مظلم او خالي من المارة ليسرقوا بعض القبلات ..."حنان "هذه اقتربت مني لتسلم علي من وجهي وتسمح لي بان احضنها على رصيف اكبر شارع بالمدينة وكان في اي لحظة يمكن ان تلمحها والدتها .."حنان "هذه حتى في حركتها هذه تأكد لي بأنها تعرف حتى اكثر سلوكاتي تحببا ؛الحب العلني ..ابدا لم اجد في ان اقول احبك باي طريقة متاحة ما يدعوا لان اتستر فيه ..هكذا كنت وكنا منذ زمن طفولتنا الخاصة والى الان مع كل صاحباتي واصحابي نتلامس ..نتعانق ..نقبل بعضنا البعض ..نتحادى ...نفعل كل ما يحلو لنا وامام عيون وانظار الجميع ..لكننا لم نكن ابدا بويهمين او منحلين اخلاقيا بالمفهوم الاجتماعي الضيق لأننا نعرف ونقدر ونتحاشى الاصطدام لمجرد الاصطدام ...

"حنان "هذه كانت مركزة على حالتي النفسية وبالضبط على تلك التي كنت مفضوحا بعنف تعاطي الشديد للحبوب المخدرة لكنها لم تلعب معي لعبة من يستهويها دور المعالجة النفسانية او دور الخالة المتفهمة او حتى الدور الذي تجيده كل الاناث تقريبا دور الامومة ..."حنان "هذه بكثرة ما حامت حول الموضوع وتطرقت اليه ثم عادت لتوضح بأنها لا تحاكمني باي شكل من الاشكال وأنها تعرف جيدا سلوكي العام ..اعطتني هذا الاحساس بأنها كمن كانت تحاول تذكري بها ....اتذكر "حنان "بنت خالي واتذكر بالفعل انني بعد ان اودعتها الحافلة الطرقية صحبة اختها "سعاد" وكل الذي بعد يفصلها على عرسها لا يتعدى الخمسة عشرة يوما بقيت للاكثر من اسبوع لا اريد ان اصحوا من التخدير القوي وعلى بطن فارغة الا من الماء والقهوة السوداء الثقيلة والسجائر ..كنت على أنني من البدايات الأولى للتعلق بها اعرف انها لن تكون لي لكنني هكذا كنت دائما ما أن اصدق بإمكان حب حقيقي الا وانساق ولا اصحوا الى على نوبة انهيار عصبي جديدة ... اتذكر انني تصرفت على نفس النمط مع كل من احببتهن وتفرقت طرقنا عن بعضها البعض ..فهل يمكن ان تكون لي قصة شبيهة بهذه مع "حنان "هذه ...؟!يصعب أن اصدق ان بذاكرتي خروم بمثل هذا الحجم لانسى ...اذن هل حصل وان قابلتها وخرجت معها وانا معزول في حالة تعاطي الشديد  ومن بعد ذلك اكملت تعاطي فضيعتها وضاعت ذكراها عني ..لا لا يمكن مع مثلها ان تكون غير اعتيادية واستثنائية وتنتسى بسهولة ولو تحث تاثير اي مخدر ..اذن لا مناص من ان اقتنع بانني انا من حجبها عن ذاكرته وبكامل التعمد والتخطيط لسبب بسيط جدا هو انني  احببتها بعمق في يوم من الأيام والباقي كله تفاصيل تشبه بعضها البعض في تناولها لطبيعة بيئتنا وظروفنا الاجتماعية التي تحول دون إمكان استمرار العلاقات العاطفية وتطورها الطبيعي دون رقابات وتدخلات من الاهل والمجتمع ..لكن حتى هذه التفاصيل تبدوا لي لا تنسجم مع ما تبدى لي منها من استقلالية وثبات في شخصيتها وحتى في سلوكها معي ..  

اضحى لزاما علي ان افهم لغز حجبي لها من ذاكرتي مادامت اكدت لي سابق معرفتنا وعلاقاتنا ببعض ..وهو نفس احساسي وحدسي ..

"حنان"هذه ظهرت في مجال رؤيتي الخاص وانا منتظم اعبر فترة نقاهة من اخر نوبة عصبية شديدة مررت بها ..لم تظهر في فترة الصحو الأولى من النوبة كما يمكن ان يظهرن تلك اللواتي قدر لهن ان يكون على مقربة مني او من دوائري وانا في قمة فوضاي وفضائحي قبل أن انهار تماما وان كانت كما يوشي كلامها عني تعرف عن قرب الحالات التي اكون عليها فهي تعرف الاكثر عني وتعرف طبيعتي التي ترفض ان يتدخل احبتي ولو بمحاولة مساعدتي مادمت لم اطلبها صراحة منهم وكنت اعتبر عن حق موافقتهم على مبدئ هذا قمة الاحترام لي وللحب الذي يجمعنا ويربطنا ببعضنا الاخر ..."حنان "هذه جائتني وانا في اصفى الحالات الذهنية وان اشعر بانني بعد منهوك نفسيا وجاءت والوقت كله ملكها ما فزعت لو تاخرت في الاقتراب منها ولا تظاهرت ومثلت علي ادوارا عندما تقدمت لمحادثتها  ..اصغت الي جيدا وتحدث الي جيدا وودعتني اجمل توديع وغدا لنا اجمل موعد سيكون على أية حال ..واحدة بمثل تصرفها  هذا اعني لها الكثير وبالتاكيد تعني لي الاكثر ..فلماذا ازحتها من ذاكرتي القريبة ؟!بل لماذا لم امسك بها بكلتا يدي واعانقها مدى الحياة واجعلها دائمة الحضور في حياتي ..؟! 

تمكنت مني الرغبة في البكاء وأصبحت حقيقية ..بكاء بلا صوت ..بكاء يخصني وحدي وليس على شيء اخر غير نفسي التي ستقتلني يوما بحماقاتها ... حتى اختباري للحب الحقيقي ينهي بي على مشارف ان اضيع عقلي ..كل علاقاتي لم اخرج منها الا بانهيار عصبي  ومع توالي النوبات الحادة كان خطر ان اقدم على محاولة انتحار مميتة وقاتلة جد وارد وكان كل من حولي يبداون في القلق نحوي وانا لا اكون ذاتي في مأمن من ما يعتمل داخلي لكنني ابدا بأشكال متعددة في قطع صلاتي بمن حولي ..بتدمير اشياءي العزيزة علي ..بحرق اوراقي وتمزيق كتاباتي وصوري .. بمحاصرتي باخد عدد من السلفات الصغيرة التي يصعب أن اردها دفعة واحدة فاضطر الى تغير الطريق في كل مرة كما الأماكن المعتادة وينتهي بي المطاف ليضيق علي الخناق ..اتصرف بمنتهى الحماقة كان ادخل الحانة واسكر ثم اتسلل دون ان ادفع الفاتورة  ..اثمل وابدا في لعن الجميع بالحي على أنني احبهم جميعا كما اعرف انهم يحبونني. لكنني ماذا افعل وانا ابحث عن كافة الاسباب التي تجعل الياس التام يتملكني لاصفيها لنفسي ..لاقتلني ...

"حنان "هذه يمكن  ان يكون  سر حجبي لها من ذاكرتي القريبة رغبتي في استشعار طعم خسارتها لاناولني الحجة تلو الحجة لاختار  الرحيل عن هذا العالم   ...

"حنان "هذه على الارجح انها  كانت قريبة جدا ورافقتني من زمن بعيد مرافقة نظهر فيها مع بعض ثم نعاود الاختفاء لعلنا نحتمل تابعات تبدل احوال ايامنا ..."حنان "هذه قد تمت بصلة لكل مراحل عمري ولعلها هي من صاغت معي  الاتفاق على أن نترفق ببعضنا وان لانحرق المراحل دفعة واحدة ..."حنان"هذه لعلها امنت بما كنت انا نفسي دائم الدعوة اليه والتعبير عنه بان ناخد كامل وقتنا في التعرف لبعضنا .في القرب والابتعاد من مداراتنا ..في اشباع وإعادة توليد الاشباع لعواطفنا  ..في محاولات التجريب في طرق اخرى ومع اشخاص اخرين لنتعرف على ما قد نشكله ويكون مختلفا عن ما يشكله كل واحد منا مع اخر غيرنا .."حنان "هذه قد تكون تلك الحاضرة دوما والغائبة كذلك ...و"حنان "هذه لا مجال للشك في انني حاولت اغتيالها وانا اخطط لاحدى محاولات انتحاري في عز انهياراتي العصبية لانتهي الان على محاولات النفاذ ومن جديد لذاكرة اعماقي لانتشلها واستعيدها ... 

الأحد، 15 نوفمبر 2020

يوميات : عوالمي السرية..(15)..*حنان "هذه"..


 

يوميات :عوالمي السرية ...(تابع :15)..*حنان "هذه "..

 كم تبدوا تلك الايام بعيدة وصعبة على الإمساك حتى على مستوى الذاكرة ..لا اعرف كيف احتملنا ان يذهب كل واحد منا في طريق مختلف ..كل الذي نعقله ولا نعقل ملابساته انه كان لكل واحد اسبابه الخاصة...اكذب على نفسي لو قلت انني اعرف كل ما يحصل معي او حصل معي ...نظرت اليها وهي قادمة في الاتجاه المقابل لي وقلت مع نفسي :"جاءت في الموعد ..جاءت وكأنها تعرف انني في حاجة لرؤيتها ..لمجرد رؤيتها ...ياه كم كنت في حاجة ماسة لرؤيتك .."تقابلت عيوننا من بعيد ..حاولت ان تزيح عيني عن عينها وتحولهما لصاحبتها سايرتها لهنيهة ثم عدت لانظر مباشرة في عينها وانا اقول لها ذاخلي :"كلا ..اريدك انت .."..اقتربنا من بعضنا وعبرت مجال رؤيتي ..حتما لم افكر في النظر خلفي ..كانت بعد احملها بين عيني ولا ارى غيرها من كل الاشياء من حولي ..كنت اردد بيني وبين نفسي :"ياه ...كم تغيرنا ..."وكنت احدس داخلي فكرة اننا لم نتغير فقط لكننا كبرنا في العمر ...كانت بصحبتها صاحبتها القديمة التي لم تتجوز بعد ولا انجبت اطفالا كم فعلت هي ..ربما الان قد افهم سر تحويلها لنظري لمرافقتها ..ربما كمن كانت تهمس لي +",انظر ..انا بعد محافظة على اصحابي القدامى ...انا بعد احفظ عهودي .."...بقيت مشغولا طوال اليوم والمساء ونمت بها وهي تتوسط مقلة عيني وأصبحت الى الان مشغولا بها .متساءلا عن ما الذي يحدث معنا لنصبح هكذا نمضي ..ونتقابل وقد يجمعنا نفس المكان دون ان نقترب من بعضنا ..دون ان نحاول حتى التفكير في إمكان ذلك ...ما الذي جعلنا نتصرف كالغرباء عن بعضنا البعض ..؟! ..

إختلفت الطرقات بيننا ..كان كل واحد منا يعرف انه اختار دربه ليمشي فيه لنهايته لكننا اتفقنا على أن نكون مع بعض ..اتحدت ارادتنا على أن نعطي لكلينا فرصة أن يعبر حياة الاخر ..انا كنت مصمما على المحاولة ..كنت مصرا على أن لا احبن ..مثلها كان صعب ان أتركه وان لا التفت اليه ..كان فيها اكثر الاشياء التي اتعرف عليها جيدا لانها تسكنني ..جزء من شخصيتي .. وأصبحت مستلبا بان اتعرف على هذه الآنسة التي وكأنها ترتديني بالمقلوب ...اصبحت مسكونا بان اتعرف على أجزاء مني في صيغتها المؤنتة...كنت لحد ما  لا استسيغ لعبة التعارف بين الجنسين المغايرين ولا عدت براغب حتى ان ابدا من حيث لن تختلف النهاية ..وكنت لحد بعيد قانع بعلاقاتي المفتوحة التي لا تكلفني اي صداع راس ولا اية احزان او اسف ...على أنني كنت لا اجدني اتمتع باي سحر لاتكل عليه واعول عليه أن يقدمني اليها ...كما انني كنت ابعد عن مناطق الهزات والتوثرات النفسية لانني ابانها كنت اتابع بانتظام أدوية ضبط الانهيار العصبي وهي كانت تتكفل بلفي بأغطية امان تجعلني مكتفي بنفسي ومطمئن بالقدر الكافي على نفسي ما دمت قد اودعتها بين ايدي امينة ..ايدي المعالج النفسي ..تواجدي بالمكتبة اضحى شبه عادة يومية لما بعد الزوال ..ارتاح في صمت وجو المكان واترك لذهني ولمخيلتي ولذاكرتي ان تسافر مع قراءاتي ...فرضت هي نفسها على المكان لان لا احد يمكنه منازعتي في انني صاحبه الوفي وانني من اول مرتاديه تقريبا على الاطلاق ..فرضت حضورها بكامل انوثتها وبحدة تقاسيم وجهها وصرامة تعابيره ..شدت عيني وبالرغبة العميقة التي تنفتح عليهما وتسكنهما على شكل شفتيها وابهرني خيالي الذي تعقبهما ..كتمت تنهيدات داخلي وتحاشيت ان استمر في النظر اليها وهو ما لم أفعله فيما سياتي من ايام تالية ...كانت صاحبتها يمرن عليها لتغادر المكتبة معهن ولم اكن بقادر على ان امنع نفسي من الفرح وانا اقابل منها وجها اخرا ..وجه مبتسم ..فرح ..شهي ..وصوت مغناج ببعض الثخونة الذكورية لعلها كانت مصطنعته باتقان وبكثير من التمرين والاعداد  حتى اصبحت تمتلكها وكأنها اصلا صواتيا فيها ...رافقتها بعد ذلك في كل مكان كنت اعبره واجدها تعبره هي كذلك ..رافقتها بتنبه واهتمام زائد ..هذه المرة كنت اشغل كل فكري وكل مواهبي على الاستقراء لأكون عنها صورة ذهنية اوضح  ..كنت مصمما على ان اتعرف عليها وهذا ما كنت اقوله لما كانت تتقابل عيوننا ونحن بالمكتبة ونحن نحرص على أن نجلس في اقرب مكان يتيح لنا أن نكون متقابلين النظر فيه لبعضينا ...نازعتني بعض افكاري وخواطري  قليلا نحوها وحاولت ان تسرب لي الملل والياس ..كانت تصور لي عبث المحاولة من جديد وتثنني عنها وتخيل لي انه مجرد سيناريوا فليم كلاسيكي قديم او مشاهد من روايات رومانسيه شعبية او لربما الحالة النفسية التي انا عليها وشبه انزوائي ووحدتي الشبه دائمة منذ آخر انتكاسة ما جعلني ابدا في الاحساس بالجوع العاطفي ولربما ببعض الحاجة للممارسة الجنس ليس الا ... 

لم اكن اجري تمارين على ذاكرتي ولا كانت الأدوية تقحمني فيها فقط كانت في لحظات تمر علي صور من اقرب حالات الفوضى التي كنت اعيشها وصعدتها في والتي كنت احاول ان لا اجعلها تفعل في بتكبيت ضميري ودفعي لتبني احساسات الندم والشعور بالذنب ...كنت اقول لنفسي :"هذا هو حال طارق لاتقبله كما هو "كنت اعرف انني في حاجة لاعقد الهدنة مع نفسي ولاتصالح معها ..كنت في حاجة لارمم ذاتي واعتني قليلا بجسمي وبحالته الصحية ...مظهري انسته وانست معه كم يقلقني حاله وكم بالرغم عني عانيت معه وبسببه ..لكنني بالمقابل تعلمت جيدا كيف لا اجعله احد اسباب تعاستي وسر ما يبدوا علي من ميل للانطواء الاجتماعي الذي ابدا لم يكن في يوم كذلك حتى في اسوء معاناتي النفسية كل ما كان انني كنت مكتفي بعوالمي  الخاصة وبفضاءات تحركي الاجتماعية الخاصة لم اكن بحال معني بتلميع صورتي الاجتماعية ولا بالظهور بمظهر رجل العلاقات الاجتماعية ...كانت لي دوائر اصدقاء وأصحاب خاصة كما لي طقوسي الخاصة واماكني المألوفة والمفضلة والشوارع والازقة الاثيرة التي اطرقها واسلكها وغالبا محددة سلفا ..كما لي ساعات لانسى فيها العالم والعالمين ولا اهتم الا بما احتسيه ولا يهم المكان الذي قد يرسوا عنده مزاجي واشتهي ان اسكر فيه ..كنت اعرف مسبقا ما تكونه الحقيقة الاجتماعية للفرد عند الاخرين وكنت اسخر منها لانها لا تعني أية حقيقة كل ماهناك كانت عبارة عن حكم او تقييم تصرف او سلوك لوحظ على فرد في لحظة من لحظات شتى غير مقدر لها أن تلاحظ وتتابع ليكون الحكم شاملا او تقريبا كذلك ..وعلى كل ما كان يهمني ان يترسخ ذلك الحكم ويتعمم ويظل لصيقا بي من ذاكرة ناس تفتخر بأنها تعقل الامور جيدا ...

كنت اكسر روتين ايامي ذات الوتيرة المتوسطة التي لم تكن تعج بكثرة النقاشات والحماسة والرغبات والفوضى ولا كانت منخفضة كئيبة سوداوية  ...ربما فيها الكثير من البطئ الذي يجعلني  أكثر قدرة على تامل الاشياء من حولي واستعادة علاقاتي مع الاماكن ومع وجوه الناس ..مع اصوات العالم الخارجي ..مع حركات الشوارع وتنقل المركبات ..مع ضوء النهار واضواء الليل ...كان يكفي ان انتظم لما لا يتعدى الاسبوع مع الأدوية لابدا في تحمل أثارها المزاجية ولارتدي نمط عدسات اخرى تحول رؤيتي للموضوعات وللناس وتبقني بعيدا عن اي صراع نفسي ...

علاقتي مع "عادل "ابن حينا لم تتبدل وان عرفت الكثير من التحول ..ظل هو هو صديق مقرب وحميمي .. كنت أقصده بمحل حلاقته حيث يشتغل وغالبا ما كنت اصادف معه صاحبنا "عبد الرحيم السباعي "...كان يفرح بمجيء ويتندر على بتفكه بانني جئت وجاء الكلام ...كنت قد أقبل بان اتعاطى معهما بضع انفاس صغيرة ومحدودة  من الحشيش ..لم يكن يرقوني ان ادخنها بشكل عام وحتى عندما احن اليها افضل ان اتعاطها وحدي وبغرفتي الخاصة وربما اعاقرها لايام حتى اضجر منها واكف عنها لفترة ..

مع "عادل "الذي يصغرني سنا كنت عاطفيا جدا ..كان صغيرا جدا عندما أختار هو ان يصاحبني ..كان كبير أخوته وكان يعاني دون ان يملك الفهم لماذا يعاني ولا مايعاني منه بالضبط ..كان طفلا صغيرا وكانت امه من ترعاه والده كان دائما غائبا مهاجرا ..مسافرا وحتى عندما قرر المكوث لاطول فترة ممكنة كان مقسما بين اسرتين له بزوجتين واطفال لكل منهما ..."عادل "من الذين كانت تلحقه كنية والدته في التعريف عنه ..كان وسيظل كذلك على الاقل في ذاكرتنا "عادل ولد المصبحية"..لم يكن يشار إليه باسم والده او كنية والده كما كان الحال مع "نورالدين ولد الجعواقي "او "هشام خاه ديال محمد"و"محمد خاه ديال هشام الطويل "لانه كان كل طفولته يصاحب اخاه وغير معروفة حكاية انفصال والده عن والدته المتكفلة بهما كليا وهي تحتضنهم صحبة اختهم الصغرى بمنزل اسرتها مع اخوال صبيتها وخالتهم العانس ..

"عادل "يعقلني لسنوات عدة وفي حالات متعددة وبعد يتحدث عني وكانني احد أبطاله الذين يعجبونه ويذكر لي انني دائما كنت اعامله جيدا واخدت بيده في طريق اختبار العديد من تجارب الحياة  والانفتاح عليها ..

"عادل "يحتوني باحترامه لي ويجعلني اتعامل معه بذات الاحترام والاهتمام ..  ربما لم يكن بمقدرته ان يساير نقاشتنا التي كانت تحتدم خصوصا اذا انظم الينا "محمد الشكذالي "صديق طفولتي المقرب والذي لازمنا بعضينا البعض في كل مراحل عمرنا  لكنه كان يستلذ جوها ويسعى بكل جهده على أن يبقى متنبها لما يدور فيها ومستوعبا قدر الإمكان الافكار التي نتداول حولها ..

"عادل "لم يكن ممكنا ان يتابع دراسته لذلك انقطع في مستوى ابتدائي أدنى وهو بعد صبي صغير .. ولا كانت ظروفه الأسرية تسمح له بأن يكون أية اهتمامات او هوايات جادة كالقراءة او الموسيقى او حتى الرياضة ..وظروفه تلك هي من جعلته كذلك مختلفا عن بقية أقرانه ..ربما كان بينه وبين نفسه يشعر بانه اكره على وضعه الشخصي ولم يختره او يستشار فيه ..وبينه وبين نفسه كان يتمني وضعا اخر وفرصا متكافئة تستجيب لطموحات الفتي الذي كانه ..

مع "عادل"كنت اضبط موجة تدفقاتي العاطفية لانه ببساطة يجعلني بذاكرة حية على زمن طفولتي وطفولة اقراني بالحي ..ببساطة كان حضوره يلحقني بماضي البعيد لاستعيده على مستوى انفعالاتي الأشد  عمقا والاكثر رسوخا والتباسا في نفس الوقت بذاكراتي ..

عندما كنت اقر بيني وبين نفسي بانني في حاجة للعلاج اتدبر سبله واخضعني اليه ..ربما كان هناك من يشكك في جدواه وانا لا اتابعه باستمرار بمثل ما لا اعايد المختص بشكل دائم ..لكنني انا كنت مقتنعا بأنه المسلك الوحيد لاسيطر على نوبات تقلبات مزاجي التي يمكن ان تقتلني في يوم ..

كان يلزمني ان اوقف عجلة زماني على أن تدور في ساقيتها المعتادة مرحليا لاعيش ما يشبه فترة نقاهة جديدة وسلام جديد ...كنت احن فيها لاستعيد بعض دفئ علاقاتي باصحابي الذين لا نهملهم لكن طرق بعضنا المختلفة تبعدنا عن بعضنا ..وكنت هذه المرات اخدني للمقهي في غير ساعاتي المعتادة وبغير نية ان اجلس للقراءة وبعزم على أن اجالس اصحابي الذين مر علينا وقت لم نكن نتفارق فيه وكانت بيننا اكثر من أنشطة نمارسها سويا ومن مشاريع افكار وأعمال نهتم بها ..كان مرحب دائما بي من كل عائلة "بنكبور  "ومن كل دائرة اصدقائهم الذين اضحوا اصدقاء لي كذلك لكنني لم اكن موضع تقدير خاص الا من نادل المقهي "عبد النبي "الذي كان يحب مني قدرتي على تجاوز انتكاساتي وتخبطاتي وقدرتي على مفاجئته دائما بانني بعد اسيطر على الامور ولا داعي ليقلق علي ..

كان اسمها "حنان" قد يراودني الشك في ذلك من موقع انني قد اخزن اسما في ذاكرتي وحتى بعد ان يصحح لي في اقرب مناسبة يصعب علي إعادة ادخاله مكان الاسم الاول الذي ثبت عندي ..ولم يكن اسمها لوحدها بل حتى صاحبتها التي ترافقها هي واخت لها كان اسمها "حنان "...

مع الاسف لم اهتم بعد كم من "حنان "تعرفت عليها في أيام حياتي وكل "حنان "كان يكفي ان يكون اسمها "حنان "لاجدني مسكونا بالرغبة في التعرف على كيف ستكون "حنان "هذه وكلهن ..كل "حنان"لم تكن في النهاية تحيل الى على "حنان "وحيدة احتلت مكانها عميقا في قلبي وذاكرتي "حنان "بنت خالي ..السمراء القمحية الناطقة العيون الشهية دائما وابدا ..

"حنان "هذه لم يجدبني اليها كل ما الفت الانجداب اليه عند كل من كانت تدعى "حنان "..هذه شغلتني ذهنيا حتى تعاليت عن اعارت اكتمال انوثتها انتباهي ..."حنان "هذه لم تفجر في سيل العواطف التي كونتها في سابق مراحل حياتي مع كل من تقربت اليها وكانت تدعى "حنان "...

"حنان "هذه أثارت في الرغبة لاطاردها لانني بدون ان استوعب تماما كيف حصل او يحصل الامر كنت استشعر بأنها تطاردني وبتخطيط مسبق ... وبانها ترفع التحدي بيننا عاليا ..كانت ترمقني بمثل ما افعل بدون تعبير ...كانت تقول لي "انا هنا "بمثل ما كنت اقوله لها "انني هاهنا "لم تكن تتهمك من نظرات استكشافي الأولية بل كانت توما لي بأنها تعرف عن ماذا اسعى التعرف عليه وتنتهي لكي لا تبوح اكثر ولا تحيل على نفسها او جسدها وحتى ان تصرفت بعفوية ولاح من شكل جسدها ما يمكن ان ان يشكل موضوع اثارة ..كانت تتعمد ان تلوح بعينها لما حصل امام عيني ولفت انتباه غيري ان لم يكن قد ابدي انه لفت انتباهي بدوري ...

"حنان "هذه لو كنت خارج وتيرتي المتوسطة لتعاملت معها كقضية يلزمني الاستخبار عنها ولا ارتحت حتى اتمكن من جمع أكبر قدر من المعلومات الشخصية والاجتماعية عنها ..لكنني كنت بنظرتي التاملية قد قبلت التحدي الذي رفعت سقفه بيننا وقبلت بان اهتم بها على طريقتي الخاصة ..لن اسعى إلى رصدك ..لن اتعقبك الى أي مكان ..لن احتاج الى أية معلومة يقدمها لي احد اخر عنك او احتال في طلبها منه ..ساترك لعنايتي ..ساتبعك في  ادق تفاصيلك ..سافضحك بينك وبين نفسك حتى تنفتح لي معرفتك ...

"حنان "هذه  ..حركت بداخلي الإثارة عميقا ..نبهت كل حواسي..حركت بداخلي الرغبة القوية لامتلاك حقيقتها او على الاقل البعض منها .."حنان "هذه جعلتني اتراجع للخلف في جلستي للمطالعة واشيح وجهي قليلا عن رؤيتها والتفكير فيها .."حنان"هذه جعلتني اتراجع للوراء وابدا في التفكير بحق في الاقتراب منها ..

"حنان "كانت تلميذة بالثانوي ..تسكن حيا متميزا على ناصية سوق الكبيبات بالمدينة القديمة ..تلبس بشكل عصري وحداثي كاف ليبدي روعة انوتثها وسحر وجهها ..غير متانقة ببهرجة بل تبدوا بسيطة وطبيعية كاي بنت في عز عنفوانها وهي بالكاد قد تكون بنت الثامنة عشرة او التاسعة عشرة ...

هل كان يهمني ان اعرف اكثر وبدقة اكثر من كل هذا لابدا في رسم صورة تخطيطية عنها في ذهني ؟!لا ..كان يكفيني ان اتابعها فيما بت اعرفه ..ان انظر لسلوكها الاجتماعي داخل اطار الحي ،السوق ..المركز التجاري الذي تسكنه والذي يحصل ان اخترقه قاطعا الطريق من او الى المكتبة او في غير مثل هذا المشوار صحبة احد رفاقي او حتى وحدي ..وان اقيس مدى حرارتها الاجتماعية التفاعلية مع ناسه ..مع الباعة وأصحاب الدكاكين الذين قد لا نعرف منذ متى وهم هناك ولازالوا كما كانوا يشكلون الوجوه القديمة والمالوفة والراسخة في اماكنهم

هم وغيرهم من ساكنة المدينة القديمة الذين يفتخرون بان ينعثوا أنفسهم بأنهم العرائشيون الحقيقيون والاصليون للتأكد فقط من معطى فرضي صغته في راسي :"هل هي عرائشية ؟! هل هي على الاقل عرائشية المنشا ؟!"لانني كنت اعرف انها ان كانت كذلك وان كانت بنت المدينة القديمة فهي بالتاكيد تعرفني وبالتاكيد اعرفها ...لا ..وليس كل هذا فقط بل الاكيد انه كانت بيننا سابق معرفة قريبة من بعض ..اين وكيف ومتى هذا ما ساعرفه بعد ان بدأت اتيقن من انها هي كذلك لان لا احد يتحاشى سلام تلك المرأة التي تجتدب الحديث مع جميع من يقابلها وتتعامل وكأنها ام للجميع ..ولا بنت تتقبل الغزل الفاضح من ذلك الشيخ الذي يبيع النعناع والبقدونس وحبات الليمون دون ان تكون كبرت .داخل نفس الحي او عاشت بالسوق صحبة والدتها البائعة..ولا بنت ترد السلام والتحية على شباب الحي الذين يجتمعون بالقرب من باب القصبة اتقاء التحرش بها مثلا ان لم تكن بحق تربت بالقرب منهم ...

"حنان"هذه ..كانت بنت المدينة القديمة ..بنت العرائش..تدرس بثانوية محمد بن عبد الله "التجيرية". وهي بلا شك درست المستوى الاعدادي باعدادية الامام مالك في غير مرحلة دراستي بها لكنها قد تكون تعرفت علي من  من بقيت على علاقة بهم من بنات مجموعة "الزنابق "  اعرف جيدا ذلك السلوك الفضولي والمتساءل عندما تلاحظك بنت مراهقة  وبنات في سنها يستوقفونك ويرتمون عليك بتحبب واحدة تستدعي الاخرى حتى يشكلوا عليك حلقة مبهحة .تعج بالفرحة والحبور والود والمحبة ..فتقف او حتى لو لم تقف للتتطلع  فإنها تبدا في الاستفسار عنك وعن ماتكون وعن لماذا يحصل معك انت بالضبط ما رأته يحصل معك وكثيرا ما كان يحصل معي ذلك من بنات المجموعة الحبيبات الى قلبي ..وستحصل على بعض الجواب وستتعرف على "طارق "ذاك الذي كان وتالق نجمه ذات ايام بالاعدادية كما لم يكن يتنبأ لي الجميع ..وستتعرف بالتالي على حكايتي الحزينة التالية والتي تتداول كالنار في الهشيم "طارق "الذي تغير من ان حاول تمزيق شرايين يده في محاولة انتحارية عنيفة ...وقد تتبعني اكثر لتحاول بدورها ان تعرف كيف يكون حاضري وستعرف ما يعرفه الكثيرون عن "طارق "ذاك النوعي والمثقف والناشط الجمعوي والذي يشتغل مكاتبا ومراسلا  صحفيا لعدد من الجرائد والذي قد يظهر صحبة بعض وجوه المدينة وساستها ..ولو همها التعرف علي لوجدت اكثر من طريقة لاقتحامي كما كن يفعلن الكثيرات من قريناتها وزميلات دراستها دون ان يكون همهمن التقرب اكثر على الاقل مرحليا ..فهل تكون "حنان "هذه احداهن ؟!من يدري ان كنت انا نفسي يتساءل ..!؟ فانا يحصل لي ان اتصرف بتودد بالغ واقبل ان يتجرا علي العديدون واتعاطى معهم بتحبب وتلقائية دون ان يكون همي منهم شيء وبسرعة قد لا احتفظ بهم في ذاكرتي القريبة والحاظرة دوما ناهيك على التبدل السريع والعجيب الذي يحصل مع الصغار ومع الصغيرات بالخصوص اذ قد تكفي فترة قصيرة نسبيا ليتحولن لاخريات لا يشبهن ما كن عليه من قبل ...  ثم انا نفسي دائم التحول واطور من نفسي باستمرار حتى اكاد لا اعود اتذكر كيف كنت في سن مبكرة الا عناوين المرحلة ولا من وجوه من درسوا معي غير من كنت مهتما بهم ويهمونني ..وهي "حنان "هذه الا يعقل ان تكون واحدة من اللواتي اقتربت منهن ؟!هي بالتاكيد جميلة ومعتنية بنفسها وغير خجلة من انوتثها وبلا شك كانت كذلك في صباها و ربما احلى من الان ..هي بالتاكيد كانت تنزل البحر ..والبحر فضاؤنا الحميمي المفتوح الذي نتعارف فيه كل على بعضه وقد نسمح بان نتمادى في تعارفنا إلى تبادل الاكتشاف واللعب الحميمي ..وقد تكون من اولئك الذين يفرض وضع الجلوس في القارب الذي يقلنا الى شاطئ راس الرمل لتجلس ملتصقة بي ولاحاول انا تلين الموقف عليها وعلي بإجراء محادثة معها قد تادي بتعارفنا الأولي ليسهل اقتراب اي طرف منا من الاخر وقد تطلب او تسمح لي بان اطلب منها ان تسبح معي بما يعني ان نتلامس ..ان نتعانق ..ان نتكاتف..ان تقبلني ان رقتها وان افعل مثلها انا كذلك وغير مهم كم اكبرها او كم تكبرني ان اجتدبت الي وسمحت لي بان اجتدب اليها ..  وهي متى كانت تنزل الشاطئ فهي بالتاكيد زارت لأكثر من مرة في عز موسم التصييف شاطئنا الصخري القريب من جهة سكنانا وهناك شكل اخر من التعارف الندي والصريح ..والاكيد اننا سنكون قد اجتمعنا في الاكثر من مناسبة ربما على هامش فعاليات ثقافية او فنية أو مسرحية او حتى في تظاهرات عرس وزفاف التي تقام بالشوارع وبازقة الاحياء الشعبية ...وربما أكون ببساطة قد تعرفت عليها عن طريق واحدة تكبرها وكانت تصاحبها ليحصل بعد ذلك ان تحرص هي الصغيرة على أن تبادلني السلام والسؤال لفترة قبل أن أن تختلف طريقنا عن بعضنا ونتخلف لاحقا عن ممارسة نفس عادة مبادلة التحية بيننا حتى نخال مع مضي الوقت اننا لا نعرف بعضنا البعض ..  

هي ..قد لا تكون اقتربت مني ابدا لكنها كانت قريبة من دوائري..هي قد تكون كعديدات امضينا عمرهن الصغير في تتبعي والاهتمام بي من بعيد ...انا نفسي اعرف من بعد تتحين الفرصة لاقتحامي ولا افعل شيئا لاشجعها على ذلك لان منطق اللعبة يتطلب القبول بموقف الطرف الآخر من حيث انه هو من اختار ان يضعك في مجال رؤيته واهتمامه وعليه وجب منك انت تقديره والبقاء فقط منتظرا أن يعبر هو اليك ...اذكر جيدا كيف انهت تناسل تلك الأسئلة والحيرة برأسي اختى الصغرى"بشرى"وهي تؤكد لي حقيقة أن البنات بدورهن يهتمن لمن يعحبهن ويتمنين ان يفتحن معه علاقة وان كل واحدة وما يعجبها ...واثبت لي الحقيقة مع صاحبات لها اهتممن بي ...وفيما بعد صرت اتصرف بذكاء تجاه نظرات وحركات بعضهن التي يعبرون بها تجاه اصحابي ورفاقي وافطنهم لمثل هذه الحقيقة ...

"حنان"هذه قد تكون تلك البنت التي راهنت علي ان تاخدني اليها في الوقت الذي يناسبها والاكيد انها جسرت سبل ذلك على مراحل كانت تعبر فيها مجال رؤيتي وتستحود فيه على كامل تنبهي ..اي انها كانت تتعمد ان تسحرني لتهيم بي في زمن وحدها تعلمه ...

"حنان"هذه يلزمني ان اصل اليها في ذاكرتي قبل أي مكان آخر ..لان "حنان"هذه تولد في دائما الاحساس بانني اعرفها ..فهل تكون واحدة من اللواتي صدوني عند اول محاولة اقتراب منها او حتى جس النبض فالمني ذلك لازيحها تماما من ذاكرتي ومن الانشغال بها ذهنيا ..حصل معي ذلك ولم يكن من جرح في انايا او نرجسيتي ولكنه كان ببساطة قبول بلعبة اننا لم نتوافق فلندع بعضينا وكاننا ما عرفنا بعضينا لا داعي لمولد الحقد بيننا ان لم نستسغ الحب علاقة بيننا ...

"حنان"هذه لا ينبغي على أن اتركها تتعبني لانني ببساطة ساقلب معها المعادلة التي لن اتحاهلها فيها ولكنني ساتعامل معها كما لو لم اعرفها الا متى ظهرت في مجال رؤيتي بكل هذا الوضوح وبكل هذه الحدة في الحضور ولكي اسهل عليها الطريق وعلي سافضح خواطري بشانها امامها ولها انها ان تقرر هي ما شاءت من موقع ما تكون هي قد وصلت إليه معي او بخصوصي وهكذا سنكون حتما قد انتهينا اما لنبدا من جديد او لناسس لبداية ممكنة او لنحول الاتجاه ...

هل كنت عمليا بما خلصت اليه ؟!ام هل كنت اعالج الحالة الذهنية التي اقحمتني بها باساليب علم النفس المهني وبمهارات التكيف مع الأوضاع او القيام بالتحويل المناسب ..؟!ربما توسمت في الطريقتين طرق بابها ..الاقتراب منها ...المخاطرة بإمكان خسارتها نحو ان افوز بالتعرف عليها لانها بالفعل انثى تستحق مني ان لا اجعلها تمضي دون ان تعبث بكياني وتستوطن جزءا من ذاكرتي الحية ...كان يعز علي فقر حال من لم يجرب ..من لم يلهت وراء المعرفة ..من لم يولى امر ان يتمتع بجنة الارض بالا ..كنت اغضب من من اجدها او اجده مجرد قانع بحياته الباهتة والموحشة والمقفرة ..لم اكن اقبل من كل من كان يدور قريبا من فلكي ويمت بصلة لدوائري ان يمضي في تبلد وسذاحة حاله ويبقى حبيس ردود الفعل المتشنجة او المرضية ..كنت من تلقاء نفسي اقرر أن اتدخل لاهزه ..لاصدمه حتى بينه وبين نفسه ..لاعركه قليلا لاعرفه على مدى اتساع الحياة وعلى مدى زخمها وثراءها وكنت اعرف انني في مساعي ذلك حتما اريده في صفي ..لجانبي لكنني اريده حرا في كامل اختيارته وبثبات ارادته في تبني أية قناعة بعد ذلك وفي ان يسلك اي طريق ...وكان يكفي ان اتخير اللحظة المناسبة لاتوجه اليه بالحديث والحوار لانني ملكت مهارة إدارته بالتعود والتطوير في كل مرة كنت افعل ذلك ...

 لم اسالها هل تعرفني او هل سبق ان تقابلنا ..؟!..لم اناديها حتى بالاسم  الذي التقطته تنادى به ...  اقتربت منها فقط وهي تقف لصاحبتيها بالممر الذي ينتهي  الى الباب الكبيرة لمبنى منذوبية الثقافة  ويؤدي الى الخارج إلى ساحة دار المخزن "الكومنداسيا"..كانت متحسسة جدا من اقترابي لأنني تعمدت مساءها ان اكف عن المطالعة واختلاس النظر اليها بين الفترة والاخرى وابدا في كامل تاملها واكتساحها حتى مكنتها من ان  تشعر بالتوثر ..كان علي ان اهزها قليلا كما فعلت هي معي طوال المدة السابقة لكن بتمهل ...انا تعمدت ان اواجهها لامهد لخطوة الاقتراب هذه ..  وخاطبتها في إمكان أن أقف اليها الوقت ذاته الذي تقف اليه مع صاحبتها بافريز الساحة المكل على الميناء وللابعد منه على موقع مدينة ليكسوس الأثرية ومجرد التحاور معها ..تطلعت الي مليا مباشرة في عيني ولم أضف شيئا على كلمة "زيد ...(هيا).."وهناك حدثها عن كل ما جال في خاطري نحوها وعن حقيقة ما حركته في وتحدتث عن نفسي..عن حاضري  ..عن احتياجاتي النفسية الحالية بكل صدق وتحرات ان اقولها لها بصراحة بانني لست مستعدا لاقحمني في خسارة جديدة ...وحددت معنى كم كلفتني تلك العلاقات العاطفية الغير متوازنة من خسارات ..كانت معظم الوقت تصغى الي واحيانا تبتسم في وجهي وصاحباتيها كانتا ذكيتين لم يحاولا تذكيرها بكم استغرقنا من الوقت وكم بات الاوان متاخرا ..وانا مادمت قد بدأت الكلام وتحاوزت عثراته الأولى فلقد قلت كل شيء وبدات اصبغ امكانات علاقة ما تجمعنا ..تقربنا من اكتشاف بعضنا لما يكفينا من الزمن الخاص بنا ودونما شرط او قيد او التزام بغير الصدق وبغير ان نكون اولا وقبل اي شيء اوفياء لانفسنا ولاختيارتنا..هي كررت بابتسام لأكثر من مرتين عبارة "تعرفني  تقول تعرفني وتقول في نفس الوقت بانك قد لا تكون تعرفني "شرحت لها المنطق الذي يدفعني لمثل هذا الاعتقاد مع كامل حرصي على أن اصدقها حتى فيما قد يقبع خلف شكي الخاص ولم اتحجج بما يمكن ان يكون مجرد اثار عرضية مترسبة لتعاطي الأدوية النفسية والعصرية  لفترة طويلة من الزمن..لفتت صاحبة لها انتباهي لخلو الساحة من المارة وتاخر الحال بالتالي لابدا في وضع نهاية لمحادثتي ففهمت عني انه وجب التحرك من المكان على الاقل وكان طريقنا واحد اللهم هي بمجرد عبور الزقاق الى باب القصبة ستكون قد اشرفت على باب بيتها وصاحبتها غير بعيد عنها..اكتفينا بالمضي جنبا إلى جنب لم تكن تنظر إلي ولا انا فعلت ذلك وفي وسط الشارع توقفت كمن ااودن لها ان تلقي بامر الانسحاب وذهاب كل واحد منا لامره لكنها انظرتني وطلبت من صاحبتها انتظارها لحين الذهول للبيت والعودة لايصالهما لبيتهما هما الأختين الصنوين للبعضهما ..   

رافقتهن من جديد ودخلنا الأختين لمنزلهما وعدنا لنتمشى في بعض من الشارع وتوقفنا منه جانبا مفتوحا على الشارع الذي يقبع به منزل اسرتها ..كنت قد أصبحت غير قادر على ان استمر في الكلام ..خلت انني قلت كل شيء وعبرت تماما عن ما كان يجول في خاطري  والان ما عاد يهمني حتى ان تقرر هي فيما عساها ستفعل بي وببوحي لها ..كنت متوثرا من الصمت الذي داهمنا وفجات اندلعت هي بالكلام بمثل وتيرتي ..ابتدأت متعثرة لتنطلق بسلاسة وعفوية في التعبير ..اكدت لي بان حدسي كان صحيحا وأنها من اختارت ان تعاود الظهور في مجال رؤيتي وفي مكاني الحميمي الخاص "المكتبة "وقالت لي انها متأكدة انني اذكرها واذكرها جيدا وأنها لا تقدر   حاجز النسيان لاثار ما اتعاطاه من عقاقير ..لانها تعرف عني حالات تعاطي العنيفة لبعض المهداءات في ساعاتي العصية ..لم تكن تفاجئني ولكنها كانت تفعم دواخلي بحالة سلام مطلقة ..بدت مهتمة بحالتي  النفسية ومركزة ببعض الحدة عليها مما عاد ليحرك في غيضا داخليا علي ..على "طارق "الذي اكونه في بعض الحالات .. لم احاول ان اطلب منها  تدقيقا فيما كانت تسرده عني ..كنت منتظرا أن يأتي الاخبار والتفصيل منها لكنها كمن احست بالحاجة لان تبرر نفسها اكثر امامي ..كانت تبحث عن تبيان دواعي ظهورها الان في حياتي ومترددة او خائفة من ان اسيء فهمها ..بدت لي تائهة وتعاني..كانت قد كفت على أن تنظر إلي مباشرة في عيني ..تتحاشى نظراتي ..ربما فكرت لأكثر من مرة من ان توقف محادثتها لي وتنسحب بهدوء  ..كانت تحوم حول فكرة العلاقة كما يتصورها الذكور وكنا تتصورها الاناث دون ان تحدد موقفها هي منها وتعود لتنقض اهتمامها بالخوض حتى في الحديث عنها ...كانت لحد بعيد تشعر بانني فضحتها ولم افضح نفسي امامها بالقدر الكافي ..ربما كانت تعول  على عامل  الوقت والايام بيننا لتجعل سلوكي يفضحني لتلاعبني بضع الاعيب الحب ..وانا علمت من متابعتي لطريقة افصاحها لي الغير التي تتحدث بها انها لن تقول لي اكثر مما قالته على الاقل ان لم اساعدها في ذلك .. وطلبت منها ان نعود لمقال الصفاء بيننا لمقام انني اعرفها وهي تعرفني ولنبقى في ثناياه وعدت لاتحدث بحرقة عن ما يعني لي ان تكون تعرفني وتعرف انني اعرفها وأنها مازلت مصرة على أن تعرفني على ما قد يسجل علي اجتماعيا وقد لا يسندني ..لكنها ابت علي ان يشكك احد في قدري على الاقل من جانب كل الذين عرفونني واقتربوا مني وعاشوا تجارب اجتماعية بجانبي وأكدت لي بأنها لو كانت تعرف بانني لا اصلح اجتماعيا لما كانت لتقف لتخاطبني او تقبل حتى بان انظر إليها ..  وعبرت بها إلى منطقة الامان بوثبة متجاسرة  :"اذن اصحاب .."ردت علي وهي توما براسها ايجابا :",نعم اصحاب .."..وخلال تلك  الاثناء اثار انتباهي لسيدة قطعت الشارع  الذي يقابلنا  ودارت على يمين وهي تنظر يمينا و شمالا كمن تبحث عن احد ..فوجهت انتباهها  لربما تكون والدتها تلك السيدة وخرجت تبحث سر تاخرها نظرت جهتها وأكدت لي صحة تخميني وقبل ان تنطلق في اتجهاها وبعد ان حاولت بتردد أن تنادي عليها اقتربت مني وطلبت مني ان نكمل الحديث في الغد في نفس موعدنا المسائي ..قالتها وهي تبتسم من اقرارها بأنها كانت دائما معي على موعد بالمكتبة وهذه هي نفس حقيقة ما صار معي منذ ان عاودت الدخول لمجال رؤيتي ولفضاءاتي الحميمية الخاصة ..عادت لتنظر جهة امها التي كانت ذاهبة في اتجاه منزل صاحبتيها ثم استدارت لي واقتربت اكثر لتسلم على من الوجه وتنظر في عيني بتودد وغزل وتواعد وتهمس لي :"حتى للغدة ..(حتى الى الغد ).." لم اقدر على أن امنع نفسي من تقريبها اكثر من حضني وان احضنها لهنيهات واهمس لها صادقا وعن حق  :"شكرا ...شك.........را بزاف .." ومضت مسرعة وهي تردد بصوة عالي :"صافي ..غذا ..بسلامة .." 


     



             

الخميس، 12 نوفمبر 2020

يوميات: مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (15).."1-1"الغلام.


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (15)."1-1"-الغلام

 احتفظت بي بعيدا على أن اتادى نفسيا في علاقاتي وتفاعلاتي مع الاخرين ..كنت اخرج من غرفتي ومن البيت وانا البس قناعا وشكلا مغايرا عني وعن ما تكونه حقيقتي ...كنت قادر على ان العب مختلف الادوار وان اتلون في اليوم بعشرات الالوان لكنني بكل حال غير مستعد لاعري عن نفسي حتى مع الاقربين الي كنت وهذه بعض من الحقيقة ؛خائفا على نفسي ..خائف من ان اجرح في كياني ..خائف من ان يحاولوا الغاءي واعتباري وكانني غير موجود ....

بوحدتي كنت اتاملني جيدا واتركني على سجيتي لافكاري ..لخواطري ..لاحلام يقضتي ..لارتب العالم حسب هواي ورغباتي التي لم تكن أنانية وانما كانت تعد لكل واحد مكانه واعتباره هو الاول والمقدم على الكل وحتى على نفسي ...

بوحدتي كنت لا امل من مراجعة كل ما يمر على في يومي ومن جديد اعيد تغيير زوايا النظر ومسافات الرؤي واعيد ترتيب الحوارات واقايس المساءل بمنطق مختلف حيث اعيد وضعي مكان الذي كنت استحضره نيابة عني واتقمس سلوكه على غير ما كنت فعلا ساسلكه وابديه مني لو كنت على سجيتي وانطلاقي ..اعيد اكتشاف طبيعة الاخر بالكثير من التجرد ولا اعتبرني قاسيا في احكامي ..اكاد اجزم بانني اعرفني وبقدرتي على الاعتقاد بانني اعرف الى حدود بعيدة عن ماذا يصدر الاخر ..عن خلفياته النفسية والاجتماعية وعن اي ثقافة ينبع ...كان لازما علي ان اتسامح  وان لا اتضايق منهم بل وكان لازما علي ان افكر فيهم جيدا وان اعقلهم فيما بيني وبين نفسي جيدا ..كنت دائم الانشغال بهم عن حب فيهم وعن رغبة عقلية جادة في ان لا ادخر جهدا ان كان بالإمكان الاخد بهم في المسارات السليمة كما اتصورها والى ان يفعلوا الصواب كما ادركه بكامل قناعاتي ...

انا كانت تكفيني مساحة من التطهر بالدموع لاسامح الجميع واعاود الخروج اليهم بالدور الذي يستسيغونني فيه ولا مشكلة في ان اعود من جديد مع نفسي لانذب بعض حظي التعس فيهم   

لم اكن استسيغ اللعبة الاجتماعية كما لو انها قدر مجبورون على تقبل أحكامه ومعاييره ..كنت اعي انني نسبيا بعمر صغير لم ادرك الرابعة عشرة سنة بعد وانني بهذا العمر لا ينبغي لي انني اعتقد بانني رجل ولا يصح لي ان اتصرف كالكبار كما محصور علي ان الاجج الكبار لان حتى اكثرهم تفهما سيلعب معي لعبة المسايرة ليس الا وساعة سيشتشعر انني احاول تسجيل اهداف عليه سينتصر لنفسه وسيعود لقوقعته.. قوقعة الرجل..كنت ادرك جيدا ولحدود بعيدة كيف ينظر الي العديد منهم ..من اولئك الكبار ..ولم اكن ذهنيا في مرحلة التشتث ومجرد التوهم لانني فعليا خضت التحدي مع اقراني من مجموعاتي الاقرب واخضعت نفسي للتجارب أمامهم لنتبين وبالملموس بانني لم اكن مجرد مراهق يعاني قلق وصراع  هويته الجنسية ..كما انني غامرت بان اقحمهم في كامل رؤيتي وكنت الف بهم انى توفر الوقت والمكان المناسب والظرف الاجتماعي المتسامح مع حريتنا في التحرك ولكي نكون معا وكنت اتعمد صدمتهم في الواقع الذي في جزء منهم كانوا يعقلونه وقد يتبادلون حتى التعليق عليه لكنهم يعودون الى كبته داخلهم وينكرونه او يحملونه داخلهم كمجرد مخاوف  عميقة ومموهة حتى انهم يتعرضون الى مشاهدته امام عيونهم لكنهم يتجنبون النظر اليه والوقوف عليه مليا بالمساءلة والتحليل ....هم يتذكرون جيدا تلك المسرحية المكونة من فصل وحيد قصير لطالما لعبنها سوية ومع العديد من اصحابنا مسرحية "الخادم بلال " ولطلما تبادلنا التفكه فيما بيننا باستخدام ذات النداء وعبارته _"بلال ..بلال .."..+'نعم يا مولاتي .."_"تعال الى هنا ياغلام " ..+"حاضر يا مولاي "..لكنهم لم يكونوا يقفون على حقيقة ما يكونه الغلام ولا اي علاقة له بمولاته ومولاه ...انا الذي استهوته روايات "الف ليلة وليلة "وسلبته سيرة "حمزة البهلوان" واخذته لتعانقه وتضمه روياتي "جرجي زيدان"توقف طويلا عند شخصية الغلام وعمر الغلام ومصير الغلام ..مستقبل الغلام ..طبيعة وجوده في الحياة الاجتماعية والحاجة إلى وجود أمثاله داخل مختلف البيئات والاوساط الاجتماعية ...انا لم اكتفي بمجرد قراءة النصوص والتفكير بها بل كنت ابحث عن مدى صلتها بالواقع ..عن مدى ارتباطها بحقيقتنا الاجتماعية ..ربما صعب على في البداية أن أجد غلام يشبه غلام قصور الرشيد "هارون الرشيد "لكنني ما ان تجاوزت ما كان ينبغي علي ان اتحاوزه بالضرورة نظرا لانني ابحث عن شواهد تعرضت للتبدل الشكلي على الاقل فلا نحن نلبس لباس ناس الرشيد ولا زمننا هو زمن الرشيد ..حتى اخدت ابحث في السلوك وهل عساه تبدل ؟! كنت اعيد قراءة نفس النصوص التي يحضر فيها الغلام والحكي عنه وعن تصرفاته وعن سلوك من حوله معه ..واركز بكامل تنبهي وحواسي مع ما كان يسرد حوله من اساليب الاستدراج والايقاع في الفخ وعن ما كان السرد ينسبه لاحاديث تدور في راس المستدرج وحده وتصلنا نحن كقارئين فقط كما لو هي الكشف وبالمثل عن ما يدور في راس الغلام وعن ما اوصته به سيدته او سيده الاول الذي احسن اليه بتربيته كافضل الغلمان وبالمقابل ما الذي كان يتعرض له من شاءت الأقدار أن يتعرض ويختطف ويباع في سوق النخاسة كعبد ثم كيف تحول إلى غلام في دار فلان او في قصر ذاك ... 

كنت من زمن بعيد رغم القلق الذي يجتازني عميقا في دواخلي والذي يهز الطفل مني وقد يعرضني للبلبلة و للكثير من الارتياب والشك..اصررت على أن اكبر سريعا وان أتعلم اكثر واكثر ..ان اعرف ..وكان لزاما علي ان افتح عيني جيدا وان أثبت على الموضوعات التي تثير انتباهي ...كنت المح في عيون من يرافقني تلك الخشية التي يشيح به وجهه بسرعة عن موضوع ابصاره وكنت ادقق في باقي التعابير التي تكتسح وجهه وتوجه سلوكه الحركي وقد تهدج صوته وتجعله يتمتم باي شيء فقط ليحاول السيطرة من جديد على انتباهه الذي سحب منه ..كنت المح نفس السلوك يتبعه حتى الكبار مع تشنج واضح منهم وابداء لبعض العصبية والنرفزة ..كان حتى والدي يداورني فيه ويحاول تحويل انتباهي عنه وعن موضوع ابصاره ...ربما هنا وكما مع موضوعات اخرى يحاول الكبار التصرف بمبالغة زائدة كاعطاءها حيزا كبيرا من الكلام والحديث الذي لا يعني شيئا يخصها ويقرا فيها بالقدر ما يحاول بناء سور بينها وبين وعي بها ..كانت المعارك الجسدية قد تنشب دون سابق انذار..وقد تتطور لتصبح دامية وكان الكل يتصرف بتجنب وتحاشي لان يمسه جزء من ضررها وينوء بعيدا عنها حتى وان اضطر للوقوف شاهدا على فصولها وحتى اولئك الذين كانوا يضطرون للتدخل لتفريقها كان لزاما عليهم ان يتصرفوا بمنطق احتواءها دون ان يتورطوا فيها فعليا ...وكانت تلك السرقات الصغرى كما حوادث النشل تمارس في الطرقات وفي اي مكان والجميع ياخد منها موقفا متحفظا نادرا ما يتم التدخل لمنع حدوثها او الابلاغ عنها ..كما التسول المهين وما يقابله من ردات فعل غير متاسمحة ومتسامحة كذلك ...حتى عندما يبداون في الكلام عنها فهم لا يقولون حقيقة ما خالجهم من مشاعر ..يقولون كل شيء كمن يلقون الدروس وكان الأمر لا يعنيهم هم لذلك الاجدر بان يقفوا على مسافة منه وليس على اي مسافة منه بل على مسافة امان منه ..ان لا يتورطوا هم ..على أن يتحاشوه ..على أن يتحنبوا حتى النظر اليه ...وكل هذا لم اكن اجده غير تعبير عن الخوف ..الخوف كما كنت أقرأ عنه ويرسمه لي اصحاب الكتب والروايات بلسان شخصياتهم وما يدور في رؤسهم ...

كان حتى اقراني الصغار في سن مبكرة يحدسونه على انه خطر ويتصرفون بخوف تجاهه ..كان صديق طفولتي "فريد "يكف على أن يظل المرح والمتقافز المكر ..كان فجأة يبتلع ريقه ويصمت قبل أن يبدأ في تقمس أسلوب الكبار بدعوتي للاسراع و بتحنب النظر أو استسراق الرؤية وكان ينتهي بان يرفع كتفيه بغير لامبالات وداعيا اياي بان اعتبرها كذلك وينتهي الحديث حولها شبه نهائيا لانه بعد ذلك يكفي أن نتبادل الحديث عنها بصريا ..عيني في عينه وننسحب لموضوع اخر بشكل اوتوماتيكي ...

كنت الحظ على "بدرية "انها متحرجة  وتجاهد كي لا تفقد سيطرتها على تناغم حركتها وسلوك مشيتها او وقوفها وبالاساس امامي ..بمحضري كشاهد على واقعة تحرش بها عام بدكان او بالسوق او بتجمع حاشد بالمدرسة او بوسط المدينة ..واقعة اعتداء عنوانه التحرش المقصود  ..وواقعة لست الوحيد الشاهد عليها  بل لعلي الشاهد الواعي المنتبه الاكثر لها والذي يفكر في ايجاد مخرج منها كدعوتها الصريحة للتحرك  او تغيير المكان ثم التحدث لها بصريح العبارة عن موضوعها ودعوتها لتاخد موقفا منها صريحا كذلك ..كنت رافضا لموقف السلبية والانكسار والقلق الذي يعتري المتحرشة بها والذي يدخلها في الانهزام والاستسلام  الذي كنت اعرف انها قد تحوله لموضوع تلذد  وقد تطوره لتصبح هي من تسعى ليتحرش بها ...لم يكن موضوع الغلام وحده الذي يشكل فارقا معي بل كل موضوعات الرغبة العنيدة والخطرة في امتلاك ما ليس بامكانك ان حتى ان تدنوا منه ..ربما نفس الرؤيا ونفس الأسئلة واجهتني حتى وانا مجرد طفل صغير عندما كنت اوخد ليجلسني على حجره  احد افراد العائلة الكبار في السن سواء كان امرأة أو رجلا ..ما كان يشكل معي فارقا كبيرا اللهم انني كنت انظر اليه بنظرة مسبقة سبق أن رصدتها وتتبعتها وحاولت الاستفهام عنها وعن حقيقة ما يكتنفها من مشاعر وما تفيض به من احساسات خاصة ..لم اكن اختى "بشرى"لاخد للحجر ولاعانق واقبل بسخاء  فانا مختلف عنها نوعيا فانا ذكر واكبرها بعامين ولم تكن الغيرة ما تركبني لكنني في مرات متكررة كنت ألاحظ أن موضوع الغيرة هو ما يكون المدخل الذي يستغله ذلك الكبير من عائلتنا ليحتال على رغبته في اجالسي بدوري على حجره ..لكن الموضوع لم يكن ينتهي عند ذلك كان يهمني ان اعرف بالضبط على الاقل ما كانت هي تستشعره ..هل كانت راضية ..مستمتعة ام كانت تستشعر بأنها مستغفلة وهناك من يحاول استغلالها وهل تملك حقا ان تفهم الامر على هذا النحو ..؟! كنت احاول ان استوعب حتى تلك "العادي "التي تخلص اليها صاحبتنا القريبات في الحي وهن يتداولن في امر تلك الرغبة العنيدة في امتلاك ما قد لا يخص البعض في امتلاكه ...كانوا ينظرون الى الامر بأنه عادي ان ياتي به الكبار في حقهم وعادي جدا ان ياتي من كبار عائلتهن ومعارفهن ..لكنني لم اصدق في تصريحاتهن بأشكال عدة كنت اجدهن مجرد مطبعات مع الموضوع او مجرد عابرات لاكتشاف لذات مغايرة وربما غير اصلية في طبيعتهن ...انا بوعيي وتنبهي كنت افقد القدرة تماما على الاحساس بان الامر عادي ..كلا ليس عادي ان اجد شيءه منتصبا تحتي ولا عادي تلمساته التي تتحسسني ولا الطريقة التي يطبع القبلات بها على خدي وهو يحاول استغفالي اكثر ليلثمني من شفتي ..وكنت اتساءل حتى عن الطريقة التي كانت تستدرجني بها  بنت عمتي الكبيرة "سعاد"لتمارس بي لذتها التي كانت تتحول من مقبولة لي مرغوبة من طرفي لأخرى غير مقبولة ولا لذة استحصلها من وراءها ..كانت تصر على اقحامي في ممارسات لا تتناسب معي ..كانت تستفرد بي لتحقق هي رغبتها وانا كنت اعرف انها تستمتع بذلك لكنني في نفس الوقت لا استمتع انا ...انا كل الذي كنت ابحثه عندها بعض الدفئ وبعض الحنان كان تسمح لي بان ابقى بين حضنها اطول فترة ممكنة كان اعانقها واشعر بدفئ قبلتها على خدي وحتى قبلة خفيفة من الفم لكن لم اكن استلذ منها ان تملا فمي بلعبها وان تعتصر شفتي وقد امسكت بجسدي وكأنها تريد تحطيمه بين ذراعيها ..انا منتهى ما كنت اريده ان اراها مكشوفة وتريني صدرها لا أن تمسك بي بين فخديها وتحتك بي بشعر عانتها الذي يسري في كأنه ابر او شعر قنفود ..بطبيعة الحال لم اكن استشعر غير الألم والاشمئزاز والرغبة في الخلاص منها والهروب بعيدا عنها والجلوس وحدي لاعيد التفكير في الاستعاضة نهائيا عن الاقتراب منها او الرغبة حتى في الجلوس لجوارها ...كنت استشعر الاذى الذي اتحصله من مسايرة رغباتها الأولى التي كانت تدعوني فيها لمجرد الاقتراب منها او عدم الخجل منها كانت كلما نادتني الا وتحببت لي وكلما بدات اكثر في تقريبي منها الا وقالت لي انها تحبني وتسالني ان كنت مثلها أحبها لكنها تنتهي بان تقف لتعديل من حال ثيابها وتدعوني الى أن انصرف للخارج او للتظاهر بان لاشيء حدث منها تجاهي ويتغير حالها تماما تصبح "سعاد "اخرى وحتى عند لحظة افتراقي عنهم كانت تقبلني ببرود وتصنع وكأنها لا تعرفني ... "سعاد"ابكتني مرات عديدات في وحدتي وجعلتني على غير طبيعتي معها غير قادر على ان لا اسايرها لكنني في كل مرة افعل ذلك اكون اكثر تنبها من المرة السالفة وكل مرة تنكشف لي اكثر لم اجرا على كرهها قط لكنني اتخدت منها موقفا لم اعد ادنوا ابدا منها ان هي لم تحاول ذلك معي ..لم تكن "سعاد"بحال افضل من ابن عمتي "الزهرة ""البشير" المثار عصبيا دائما والمتوحد بنفسه والمنشغل دائما عن مخالطة أقرانه من اخوتي الكبار وباقي اقران العائلة واصحابهم بعالمه هو فقط ..انا كنت معه كما كنت مع جميع افراد العائلة التي يحتاج اخوتي وكبار العائلة الى  تقديمهم لي في كل عطلة صيف نقدم اليها الى مدينة العرائش قبل أن نستقر بها نهائيا على أن هذا هو ابن عمتنا الفلانية الذي كبر والذي كان يعجبني مرافقته واتقبله كذلك وابدا من جديد في محاولة اكتشاف هل هو فعلا يعجبني ويروقني وهل هو فعلا لطيف لاترك له كفي ليماسكني  بها ويصحبني معه بجوار بيت جدتي او لغاية دكان الحي الاقرب ...انا ما كنت لارتاح وهو مصر على أن يحملني بين ذراعيه ولا كنت لاطمئن له بأن يحملني ليجلسني فوق حجره بعد ان يجلس هو عتبة باب احد الجيران ويكون متاكدا بان لا احد يراقبه ...انا اخي "فؤاد"لم يحتاج لابن عمتنا "فطوم "رشيد "الذي لا يعرف ان يجلس باسته على اي مكان غير حجر اخواله وكل ابناء العائلة وكل كبير بالحي ليعرفني بالمثال ما الذي يحصل في جلسة الحجر تلك وانما قالها لي بصراحته المعهودة وافهمني بالاكثر من طريقة ومثال وفتح عيني لارصد بتفصيل كل ما يحدث والى ما يؤدي ذلك ...لم يتركني حتى للحيرة والارتياب وانما مررني جيدا لاتجازها حتى في ما بات يقلقني بصفة عامة ويكاد يصيبني بالشلل لما يدعوني اقرب الاقرباء لي مثل والدي او عمي لاجلس اليه ..اخي "فؤاد"كان صارما معي  خصوصا فيما يتعلق برسم وتحديد القواعد ان نبهني من التمادي في جلسة الحجر تلك فمعناها انها قاعدة عامة ما فيها من استثناء وانه ينبغي علي ان ارسم حدود جلستي جيدا حتى مع والدي وان متى كان في غير وعيه  مخمورا ان اكون حذرا اكثر وانه لا ادعه ياثر علي بكثرة اقباله علي واغوائي بالقطع النقدية وبالاشياء الحلوة والطيبة ليتلاعبا بي على طريقته ...اخي "فؤاد"لم يترك لي مجالا للاستغراب كان يقول لي بان الامور احيانا تسري بالرغم من عدم قبول الغير بان تسري على ذلك النحو ...كان ينبهني لحقائق جديدة كليا علي كان يشرح لي معنى الاحتكاك المولد للشرارة وكيف يجد الكل الأطفال اكثر دفئا وحرارة وهم بين احضانهم وهم على احجرهم وكيف تسري النار فيهم فتكبر رغبتهم وينتصب قضيبهم وعندها قد يحدث المكروه والضرر ...كان يعود لي في كل مرة لينبش في ذات الموضوع ويعطيني تفاصيل اكثر واستدلالات أوضح ودون ان يزرع الخوف الذي لا لزوم اليه حتى منه هو بذاته كان يحرص ان يظهر لي حقيقة نوياه في انه يريد اكسابي معرفة ولا يحاول بآية طريقة ان يحتال علي ...

كبرت وكبرت رؤيتي للموضوعات التي تثير انتباهي مع كامل حرصي على أن لا تثير معها انبهاري واعجابي بها ..كنت لحدود بعيدة قد كسبت استقلاليتي وتمام  حاجتي لتوجيهات اخي "فؤاد"لانني وبكثرة ما راجعتها بيني وبين نفسي كما كان يوصيني ان افعل كنت قادرا على استحضارها في كل وقت ..بل وحتى الاجتهاد في استدخال توجيهات جديدة لي انا بنفسي لنفسي لانه كان يكفي ان اظل متنبها وغير غافل ولا معتقد بسداجة بان كل شيء برئ ...

كبرت ولم يخلو المشوار الذي قطعته من تعرضات ومواقف اسيء لي فيها بالغا وبدرجة عميقة كانت في احيان تجعلني عن حق امرض دون أن يتمكن اهلي من معرفة المصاب في ولا نوع المرض الذي اعاني منه ...وانا كان يعز على أن اشمت بيني وبين نفسي انا الذي يخال نفسه الحريص والذكي والنزق ...كنت انسحب كالمجروح  لابكي نفسي حتى تجف دموعي وحتى تنتهي رغبتي حتى في النحيب والاسى لابدا من جديد في تحليل كل موقف الإساءة التي تعرضت لها ولاعيد على اثر ما اتبينه من رسم حدود وقواعد لي واحكاما جديدة على من اتعامل معهم ...

لم يحركني غير الصدق  وغير الرغبة في ان يكونوا صادقين معي في مساعي لافتح معهم مثل هذه الموضوعات ولاوسع نظرتهم وزاوية رؤيتهم لحقيقة الامور التي تجري امام انظارنا كلنا وقلما نعيرها الاهتمام والتنبه المناسب واللازم لها حتى نصدم وحتى تحصل الرجة الاشبه بالكارثة او تحصل الكارثة ...كنت احبهم واريد حبهم كنت بيني وبين نفسي وفيا لهم وكنت اريد وفاءهم ..عاهدت نفسي على أن اخلص في حبهم ومودتهم وكنت اريد منهم نفس العهود وان تكون تلقاءية منهم ...لم اكن مشغولا بنفسي وبعوالمي وحدها ولا عالم كان لي بغيرهم وبغير ان يكونوا جزءا منه ...كانوا احبتي واصحابي ورفاقي واكثر الاسباب التي تجلب لي الامتاع والانس وتخفف علي وطأة التنبه والحذر الزائد الذي كنت اذكيه في خصوصا وانني لا اكف عن الرصد والتحليل والبحث والاستقصاء في كل ما يفرض نفسه علي ويدخل مجال رؤيتي ويحرك في الهاجس الاول للانتباه..

كان موضوع الغلام اكثر الموضوعات شيوعا في مجتمعنا واكثر الموضوعات الحاضرة في كل مكان وفي كل زمان واكثر الموضوعات التي اتعجب كيف الكل صامت تجهاها ..والذي كنت اعرفه عن الصمت او عن احد أهم الأسباب التي تدعوا اليه انه هو الخوف ...الخوف الذي عاهدت نفسي على أن لا ادعه يتمكن مني .يشل حريتي في الحركة أو التصرف ولو تحت طائلة ان اعاقب بدنيا ما كنت لابالي اعرف انني سرعان ما سارفع راسي من جديد وساتجاوز  الالام التي سببها لي فقط لانني اريد ان اكون قويا واقوى على الصمت والخوف ..

لم اكن لاتحرج من موضوعات الجنس أو الاعيب الحب والهوى التي كانت تمارس في الخفاء وفي الخلاء وفي كل مكان تحث غطاءات مختلفة وتحايلات متعددة ولا كنت لانبهر بها أو استلذها كالمحرومين من البنات الصغار والحديثي المراهقة او لاصعق بها كما تصعق البنات الكبيرات ..الذي كان يهمني من التنبه لها ان احلل ظروفها ان احاول رسم وتتبع ولو ذهنيا وافتراضيا منطلقاتها الأولى وان احدس من استدرج من والى اين وكيف عساه ينتهي الأمر بينهما ...انا لم اكن في حاجة لاتباهى بعلاقاتي ولا بممارساتي لأنها ببساطة لم يكن فيها اي احتيال وانما كانت رضائية ولم اكن وحدي الذي يمارس فيها على طرف اخر وانما كنا شركاء في الممارسة وانداد والاهم اننا لم نكن نقف عندها وكأنها كل ما سعينا وراءه وكل همنا كانت بل حولنها لفسحات بقدر ما نحتاجها ونحن ونشتاق اليها نترك لها ان تاخدنا لابعد حد من الاستمتاع وتحصيل اللذة دونما داعي لنستفيق منها على ندم او احساس بالاشمئزاز او بالذنب او بالخجل من انفسنا ومن رغباتنا ..كنا نطور شكلا وقالبا من الاعيب ممارستنا ونقبل عليها برغبة جادة في ان نستكشف اكثر ونتعلم اكثر ونزداد خبرة بشكل اوسع ...والذي كنا ندرك اننا لسنا في حاجة له ولن نسمح به هو ترهيبنا او محاولة حصارنا او منعنا لأننا في كل الاحوال لن تدخر جهدا لنلتف على الجميع ما دمنا نحن مقتنعين بحاجاتنا له وعلى نحوه الطبيعي وليس ذلك  "العادي "الذي كانوا يوهموننا به ويحتالون عليه بنا ...كنا صرحاء مع انفسنا وحتى مع من حولنا وتعلم كل واحد منا ان يكون نزقا وجريئا وان يتصرف بحرية اكبر في التعبير عن نفسه دون حاجة للمراوغة وبهذا وحده كنا نكسب معاركنا الصغيرة والاساسية مع اهالينا ومع الكبار المتطفلين على حياتنا وعلى اختيارتنا وعلى حرياتنا ...

ما كان مقبول على كلنا ان تتوجه الينا الدروس وتلقى علينا المواعظ خصوصا من اولئك المتظاهرين بالاخلاق العالية وبالحس الاجتماعي وبالمكانة العلمية أو الإعتبارية ...كنا بيننا وبين بعضينا البعض نجري نفس التمارين على كيفيات ان نواجه المواقف النفسية التي يقحمنا فيها الكبار وكيف نتصدى لمحاولات تصيدنا في المازق الاجتماعية الأخلاقية للنيل منا وان اخترنا على أن لا نكون قاسين في احكامنا على المقربين منا وعلى ان نترفق خصوصا باخوتنا الكبار حتى عندما يخطئون في حقنا ويستصغروننا ويبداون في محاولة استغلالنا والضحك على دقوننا او جعلنا نرقص بشكل او باخر فوق احجرهم  ..كنا متفاهمين على أن نكسبهم لجانبنا بان نتسامح معهم وان نتصالح معهم وان نبني معهم علاقات جديدة ومختلفة من الاحساسات والوعي والتفهم ...وكنا في لحظات اكثر مدعوون لكي نتصرف بحدق اكثر ونجعلهم يرتكبون في حقنا الخطا لكي نقلب عليهم الطاولة ونظهر لهم كم انهم مناقضين لكل ما يقولون به وقد يتصرفون ويسلكون نقيضه ..وكم هم لا يمتاوزون عن كل اولئك الذين لا يكفون عن تحذيرنا من الاختلاط بهم أو الاقتراب منهم ..ومع امهاتنا كنا مدعون اكثر لنكاشفهم بحقيقتنا في الوقت الذي نملك فيه كامل الحرية في ان لا نجعلهم يدركون اي شيء منها  ونستمر نحن في ممارستها بكامل التستر والتكتم وحتى ولو جاءت الامور خارج كل تقديراتنا وضبطنا فستكون اول مرة واخر مرة وبعدها لن نكررها كما سندعي أمامهم وامام توسلات ان يكفوا علينا من سيل الصفعات او الضرب او الركل..مع يقين سيظل يصاحبنا ونحن في عز الشعور بالالم اننا في اقرب فرصة سنعود اليها ..   

 لم اكن مهتما بتحليل الاثر الذي كنت اعرف انه يستهدف تركه داخلي اولئك الذين كانوا يحاولون انتهاز اي فرصة للتعرف علي بل وحرق المسافات التقرب الي على أنني لا اناسب ان اكون على صداقة بهم ولا على أية علاقة بهم لانهم يكبرونني وليسوا من جيلي ولا من محيط العائلة أو معارفها ..بل كنت اضعهم نصب عيني وابدا في مراقبتهم وترصدهم دونما ان اتمادى في تحويل الأمر لعمليات ملاحقة لهم لكن انتهز بدوري الفرصة السانحة لمراقبتهم عن قرب ..ربما بالغابة ..وربما بالمقبرة  ..واحيانا بالاماكن المختلفة على الشواطئ الصخرية التي كنت اصاحب فيها اخوتي في رحلاتهم للصيد  ..وبهنالك كنت اقلب الوضع عليهم ..فعوض ان انسحب اظل اغدوا واراوح المكان متصنعا المداورة المفضوحة لانني بالتجربة والمعايشة كنت قد بدأت افهم سلوك مثل هؤلاء ..كانوا استعراضيون امام الموضوعات التي تثير رغباتهم ويراهنون على أن يكسبوا تعلقهم بهم ..بل ومجازفون احيانا بفضح انفسهم ورغباتهم وهم غالبا تحت تأثير الكحول أو التخدير الشديد او عماء الرغبة ..كنت كلما اقتربت من المكان الذي يتوارون به أو يرتادونه لانه فقط معزول ونادرا ما يمر منه الاخرون الا واوقعته في فخي وحولت نيته  الاولى في التستر على سلوكه الى محاولات احتوائي في الموقف اما بالاقتراب او المنادات على بالاقتراب منه او بالابتسام لي  وانا ما كنت ابدي أي توجه للصد بل اتقبله وكان الامر عادي جدا ..وهنا كنت اترك له الفرصة ليحول سلوكه الاختباري الاول معي لسلوك اغوائي على طريقة معظمهم حيث يبدأ في فضح نفسه وفضح شريكه الذي لم يكن عندي شك حتى وان كنت لأول مرة أراه فيها معه بأنه غلام وان قد لا يكون غلامه ...كنت اريد ان ارى بام عيني كلا الطرفين  يعريان على حقيقتها ..كنت اريدهما ان يتماديا اكثر وهما على وعي  بانني اراقب موقفهما للحين الذي يتهتك السر بينهما فانسحب بهدوء او ابتعد بما يكفي لاضمن ان أفسد عليه مخطاطاته  الأولى بالسيطرة علي بادخالي في جو التلذذ والإستمتاع بالذي كان يحصل بينهما ...وكنت على يقين انه لن يتوانى في اي مرة سيقابلني فيها من المزيد من الاقتراب مني والتودد مني لكن هذه المرات لن ينتهج أسلوب الاحتيال الاجتماعي الذي يدعي فيه انه يعرف اخوتي او احد افراد عائلتي وانه يعقل علي منذ ان كنت اصاحب هم وانا بعد طفل صغير ....الان كنت اعرف انه سيبدا معي فصلا جديدا من محاولات احتوائي واستقطابي عبر دراسة سلوكي كان يعرض علي سجارة او قطعة حشيش او أن يقتني لي شيئا لاكله كقطع بسكوي او حتى افطار بملبنة ..وانا اسايره كما ينبغي علي ان اساير بالممانعة وان الح فلاباس بان اوافق على الشيء البسيط والغير المكلف ...

كانوا احيانا من جملة المتنمرين علي من من تتلمذوا معي في المستويات الابتدائية او بالاعدادي من كانوا بصحبتهم ومن ضبطتهم يمارسون شذوذهم عليهم وبكل رضائيتهم ..وكانوا احيانا من صدمت فيهم لانني بصراحة لم اكن اتوقع منهم أن يكونوا الى هذه الدرجة من التطبيع مع الموضوع ...ربما لو سار الأمر كما كنا نختبره بين الاصحاب وجماعات الاقران لما وجدت الامر صادما ...

الذي شدني للموضوع اكثر وجعلني مهتما بدارسته والتعمق فيه لم يكن الأسلوب المزدوج في الغالب الذي يسلكه الغلام المكشوف او الذي كشفته انا وتعاملت معه بصمت وحيادية لانني لم اكن من طينة من يفضح اي سر  ..فالغلام اما لا مبالي وواضح عليه تراخي همته وسلوكه انطوائي متكاسل وخمول وغير مهتم بحال ثيابه على انها قد تكون جيدة وغالية الثمن واما متحايل ونزق وحركي اكثر من اللازم ومهتم بمظهره حد انه يبدوا متانقا مبالغا على انه يحمل بداخله طاقة عدوانية وحقدا على الاخرين وقلما يحسن التصرف او معاملة الصغار ...الذي شدني للموضوع اكثر كان أسلوب المتخد اليه غلاما والمتنقل بين غلمان اخرين ...أسلوبه الاناني الغير المراعي ومظاهر السيطرة البارزة في أسلوب تحدثه ومخاطبته  وفي الحركات التي يبديها وجشعه في ان ياخد اكثر وبدون حتى ان تكون لديه رغبة حقيقية في ان ياخد فقط هي نزعته في ان يفرض سيطرته ..

كنت لحد بعيد اميز بين المتحرشين على اصنافهم المتعددة وبين الشاذين جنسيا وسلوكيا اما حتى أولئك المخنثين فانا لحدود ذلك الان كنت كاغلبية الناس لا اوليهم الكثير من الاهتمام فهم معرفون وحتى من كان يقبل عليهم يتعاطى معهم بالكثير من الحذر الاجتماعي والتستر لانها كانت مثل المعيبة ان يضبط رجل مع مخنث ..غير ان امرهم يختلف مع اقرانهم من جيلهم ومع من هم بعد شباب ووغير متزوجين كانوا موضوعهم التحرشي الاثير ..كانوا يتحرشون بهم امام العلن وفي الأماكن العامة ويتمادون في ذلك معهم ..اما الكبار فنادرا ما كان يستنكر احدهم مثل ذلك السلوك ..تقريبا الكل كان يتصرف وكان لاشيء غير عادي يحصل امامه ...

وانا بعد في سن الثالثة عشر كان مسموح لي بان اخرج للجوار لاتمشى ليلا حتى ما بعد الحادية عشرة صحبة رفيق لي خصوصا وانا اخي "سمير "كان متعودا لان يقف على ناصية الشارع بالقرب من منزل صديقه الاثير "رضوان "ابن حينا لساعات متأخرة من المساء والليل بعد ان ياخدا عشاءها او ليتجول لحدود وسط المدينة ثم يعودا ادراجهما من نفس طريقهما المعهود ..ومادمت قد سمح لي هو بالخروج فقد اولاني حريتي ورعايته واوصاني بكيفيات التصرف بما في ذلك تجنب الاصدام مع الاخرين كما لا يغفل على التنبه لزمن غيبتي ليتعقب المسار الذي ارسمه له مسبقا باحثا عني وليطمئن على سلامتي من بعيد لبعيد دون أن يفرض نفسه علي سواء كنت وحدي او بصحبة رفيق من أبناء حينا وبعدها احد صاحبي الاوفياء "الشريف "او "الگراب"الذين كنا بداية نذهب نحن الثلاثة "سمير "و"رضوان"لاستئدان اهليهما في شان السماح لهما بان يكسرا قليلا من روتين الحياه اليومية حتى ولو كنا بعد صغار كما يعتبروننا العامة من الناس ..

لم اكن اخفي عنهم رؤيتي للموضوعات التي تهمني بل فقط كنت اترك لنفسي الوقت الكافي لالم بها لادرسها ولم اكن الجا للاحتيال عليهم لكنني كنت اطلب منهم انظاري بعض الوقت وسابين لهم حقيقة مقاصدي واهدافي الشخصية ...احيانا كانوا يستفسرونون بحدة عن لماذا هذا الحرص على ذلك المشوار نفسه في كل ليلة نكون فيها بالخارج ولماذا اقصد المرات متتالية نفس الأزقة والدروب ولا ما الفائدة من الوقوف غير بعيد عن جوقة منتظري افتتاح ابواب صالة السينما في فترتها المسائية والعودة لانتظار خروجهم ....كانوا يستفسرون لكن بغير تذمر لانهم تعودوا مني في ما سبق أن لا اخيب ظنهم وان اناولهم المفاجئة والخبر اليقين فقط عليهم ان يصبروا علي ويساعفونني فيما اجعل من مشواره على كل حال أمرا ممتعا وخارحا عن مالوف تجولات وخرجات اقراننا ...وبحق كنا جميعا نفتخر بأننا مختلفين عن الاخرين ونتمتع بقدر من الذكاء وحسن التصرف ..

عند خروجي من الاعدادية لازمت لفترة طويلة جدا المرور من داخل السوق المركزي والقيام بجولة فيه ...كما لازمت المرور على الاقل من جهة ثلاثة حمامات شعبية بجهتنا السكنية تقريبا كل يوم ما بعد ساعة المغرب وقرب الاعلان عن صلاة العشاء اللهم في أيام المناسبات لان توقيت دخول الرجال مكان النساء كان يتاخر جدا وغالبا يبدوا انه خاضع لمزاج النسوة وليس حتى لاصحاب الحمامات الشعبية ...  كما كنت حريصا على أن اغير طريقي المألوف وان قد اضطر لاخللخل فيه حسب الظروف التي قد اقابلها كل مساء يوم دراسي كامل الدوام اي حتى الساعة السادسة مساءا لاسلك الطريق الذي يصبح اكثر وحشة بمجرد عبور كوكبة التلامذة والأساتذة الذين للتو قد غادروا الاعدادية في اتجاه ما يشكل جهة وسط المدينة وأبواب المدينة القديمة ويمرون من جوار الباب الرئيسية للسوق المركزي ...كنت اتاخر عنهم وقد أداور الجميع بالقيام بجولة عبر الافريز قبل أن اخد طريقهم الى حدود سينما "ابيندا "ثم اعود ادراجي لاسير في اتجاه بيتنا ...اي واحد من من يعرفونني كتلميذ بالاعدادية او كواحد يسكن الحي الفلاني والجهة الفلانية كما كان يصنف الناس بعضهم البعض نظريا يعتقد في انني اخرق وغير عادي او معقد وغريب الطباع وذلك لانني انا من كنت اريدهم ان يعتقدون في ذلك بميلي على أن امضي لوحدي وبمفردي وبطريقة مشيتي ويتصنع الارتباك وتحاشي النظر في العيون وحتى من كان يستغرب ان يعود فيراني بصحبة رفاق واتحدث بانطلاق كنت اتعمد تجاهله وتجاهل النظرات الأولى التي كان يرمقني بها والافتحاص الذي كان يفتحصني به لما اكون وحدي وان تجرا على الاقتراب والسلام من مرافقي كنت اتراجع للخلف ولا اتجاوب حتى مع سلامه او محاولة تودده ..كنت أنكره ببساطة واتعالى عليه واجعله من جديد يقتنع في غرابة اطواري ...

كنت مشغولا بالاكثر من موضوع وكل موضوع يستاثر على اهتمامي وابدا الخوض فيه الا ويفتح لي المجال لموضوعات اخرى وكذلك كان الحال مع قرائتي التي كانت تصيبني احيانا بالخيبة لما انتهي منها والذي كنت بحق ابحث عنه لم اجده فيها او لم يكفي فضولي المعرفي  او لم يشبع نهمي لان اعرف اكثر ..وحدها عوالم الروايات كانت ترضيني وان لا تشبعني لانها كانت تجعلني اكثر حاجة لان اقراء غيرها وغيرها لانفتح على عوالم جديدة واكتشف فيها وعبرها اسرارا جديدة  ..وكنت متحديا لوالدي بالخصوص في موضوع ادماني على القراءة ..كان هو يتصرف معي بتعالي وبمحاولات إظهار سلطته الأبوية ليس الا وهو يوجهني لان اهتم بدروسي عوض ما اقراءه وان انام مبكرا عوض السهر الخاوي الوفاض والذي لا يؤدي  إلى نتيجة وكنت اقول له بأنه مادام يتحدث عن النتيجة المدرسية فهذه ستكون لصالحي وعند هذا فليكن الرهان فقط...

فرضت علي حاجتي للقراءة والاضطلاع على الكتب والمجلات والروايات لان اعدل قليلا من خطتي في تعاملاتي مع من هم خارج المجموعات التي اعرفها وتخيرت  ان يكونوا من جنس الاناث لانهن أكثر قدرة على التعاطي الاجتماعي  السليم  ولانهن متى امن بإمكان قيام صداقة مبنية على أسس الاحترام ومراعية فهن لا يترددن في ذلك وبدات ببنات الاحياء القريبة من حينا وكنت مباشرا معهن ..هاهو هدفي ..وهاهي نوع الصداقة التي اقترح ان تجمعنا والهدف هو ان نتبادل الكتب والروايات والمجلات بيننا ان اعيرهم وان يعيرونني ما بحوزتهم من كتب وليس شرط ان يقرؤها هم ربما اخوتهم ربما والدهم  ..الأسلوب المباشر والواضح الذي اعتمدته وانا اطرق الابواب وانوي تاسيس علاقات جديدة وانا احيانا اتوسل مساعدة احدى صاحباتي في تقديمي لاحدى المرشحات لم اقابل معه اي رفض بل كان جد مرحب به وشغلني امر هذا الترحيب حتى انا نفسي..مابيني وبين نفسي ...واخدت استبين حقيقة انني ملحوظ وبشكل بالغ خصوصا من اقراننا  البنات ..وانهن يحملن تجاهي عددا من الأسئلة والاستفسارات ولا ينظرن لي بتلك النظرة الذكورية على أنني غريب الاطوار ومعقد بل على أنني غامض ولا افصح تماما عن نفسي مثير للاستفهام ...

كان الكتاب كيفما كان حجمه لا ياخد معي اكثر من يوم لكنني قد احتاج لإعادة قراءته وقراءته مرات ان شغلني وهمني موضوعه ..لكن فرحتي اكثر كانت تكون بالروايات لانها تتركني لعالم ساحر من الأحلام ونسج التصورات وإعادة تمثل للحوارات والمواقف وكلما اعجبت بشخصية من شخصياته الا وحاولت إعادة التماهي معها واستكشافها بين الناس أو حتى اسقاطها على نفسي ومحاولة تقمس بعض اسلوبها وملامحها ...

بيني وبين نفسي لم ياخد مني مساءلة دوافعي الشخصية حول مجال اهتماماتي المتسعة يوما بعد يوم ولا حول تيمات موضوعاته الكثير من الوقت لانني كنت صادقا مع نفسي كنت لا اراوغني حينما يثرني موضوع ما او تلفت انتباهي واقعة اجتماعية ما او حتى مجرد ظاهرة غير مميزة عابرة ما ...كنت ارصد ما حركته داخلي انا من مشاعر او احساسات وما خلفته في من انطباعات آنية ولاحقة ..ولما استشعر الحاجة لان افهم كل ذلك الاثر يكبر في الفضول لتوسل كل سبل المعرفة وابدا بالاهتمام ...كان الجميع اتركهم خلف راسي لا تجدني معني بهم لاثبت لهم اي شيء أو لاجعلهم يحددون ويملون علي ما اهتم به وما لا ينبغي ان اهتم به ..وما كنت اضيع الوقت في مجرد الحلم بانني لما ساكبر ساعرف اكثر وابدا في نسل الحلم تلو الحلم ..ما كان يهمني ان ارسم حدودا لرغباتي الواعية ولا حتى اهداف نمطية محددة سلفا اجتماعيا ...انا كان يهمني ان اعرف ان أوسع من معرفتي ومن رؤيتي لكل الموضوعات وفي مختلف الحقول وكفى لا احلم بان اصبح او اصبح او اصبح ...  

كنت انطلق من رؤيتي الذاتية ومن ما يشكل نوع خبرتي الشخصية للموضوعات الاكبر والاوسع ...وكنت لحد بعيد معني بان اعرف اكثر كل ما يهم وياطر الحياة الاجتماعية واساسا الحياة الاجتماعية النفسية ..كانت هذه المعرفة تغذي في الشعور بذاتي ..بمعرفتي اكثر بنفسي ولكل من يشكلون محيطها ومن اتفاعل معهم...وتمدني بالثقة بنفسي وبالثبات الذي احتاجه ..كما بالتصميم والإرادة على التقدم والخطو للامام وتجاوز تلك الهموم الصغيرة وتلك الخيبات التي اتحصلها من أوجه تفاعلاتي الاجتماعية ...

لم يكن الموضوع شخصي الا بقدر ما تهمني الرغبة كموضوع اساسي وكل ما تنفتح عليه من موضوعات هي الاخرى ...نعم كنت احمل كغيري بعض الأسئلة الخاصة عن موضوع الرغبة وعلاقتها بالذات وبالاخر لكنني انا بالخصوص كنت قد قطعت اشواطا في زمن مبكر على الذي انا فيه لافرق جيدا بين الجنس كرغبة وكممارسة تقنية وبين الرغبة كموضوع فلسفي ونفسي ....وتناول اجتماعي ..

الغلام كان حاضرا بقوة وكان موضوعا اثيرا من كل الكبار على مختلف تصنيفاتهم ...الغلام لم يكن ذلك الغر الذي يتلاعب به كبير ما في لحظات ما ويتحصل منه او عبره على لذته هو .. بينما يتظاهر بأنها اول مرة او حصلت هكذا سهوا منه او في لحظة انتشاء زائد ..عابرة ...

مثلما كان الغلام طفل اخر اي رجل اخر ..كان الغلام غلام ابيه وكان الغلام أصغر الإخوة ...وكان الغلام ارق واعذب طفل صغير الحي الذي قد لا يسلم من ان يلاعبه كل افراد الحي صغيرهم وكبيره لكنه لا يكون غلام الا واحد فيهم ...

الذي كان يتجمع لي من عمليات رصدي وملاحقتي للموضوع ابان لي عن تباث علاقة الغلام بصاحبه وعن نوع من التعالق  المفضوح والعلني فيها وعن انماط من التسخير والاسترقاق فيها ..

كنت ارصد المواعدة خارج اسوار الاعدادية بينهم وكنت اعرف من مجرد مرور صاحب الغلام في طريق مخصوص كالغابة او للخلاءات المجاورة للمقابر او الاحياء الهامشية او لجوانب الشواطئ الصخرية ان الغلام لن ينفك ان يظهر من خلفه تاركا بينهما مسافات ...كنت الحظ في سلوك شراء تذاكر السينما لتمكين "صبي "من واحدة منها بمداورة والتفاف على من يقفون بجواره انه قد يكون غلامه وكلما وجدته بصحبته تأكد لي تخميني ....

كنت بقدر قادر على ان اميز بين من هو قد يكون ابن فلان او احد اقرباءه وبين من يكون مجرد غلام له وان كان يدعي العكس ويتصرف على نحو مبالغ في الثقة بأنه هناك فقط ليخدم قريبه الذي يسكر مع جماعة من أصحابه ..كان الغلام مطواعا اكثر من اللزوم وغير متحصل على الاكراميات كما المتحرش به أو المغوي به ..وكانوا لحد ما اجدهم وكانهم يعرفون بعضهم البعض او على الاقل لديهم دوائر تعارف خاصة ...كنت حاضرا على نداء بعضهم البعض وتوجيهه لحيث مكان صاحبه واين يمكن ان يجده واحيانا كان فيهم من يعرض ان يصاحب الاخر في مشوار البحث عن صاحبه ...واخدت الصورة تكتمل لي شيئا فشيئا ...فالغلام قد لا يكون مجرد رفيق ممتع يتلذذ عليه صاحبه بل يسعى هو الاخر لجلب غلمان اصحاب اخرين لصاحبه بينما قد يقبل هو بمرافقة طالب جديد للتمتع به أو قد يقايض نفسه لاخر بحساب ان يمكن صاحبه من غلام الاخر ...كما أنهم غير مهوسين بالصبية الصغار وانما باصغر الطفلات وهو ما كان بعد يحيرني السؤال حوله ...

موضوع الغلام كان البداية لاحداث هزة داخلي لانني ببساطة اكتشفت مدى شيوعه وتعمق وجوده بيننا ..كان حاضرا في كل مكان في ورشات تعلم الحرف اليدوية كخياطة الجلاليب والمناديل الصوفية وفي ورشات النجارة والميكانيك واشغال الترصيص  والجبس ومحلات البقالة وتريش الدجاج وبين طاولات بيع الخضر وعرباتهم المجرورة..... دائما كان هناك اكثر من صبي وصبي واحد مفضل ..صبي واحد رغم انه قد يقوم بكل اشغال السخرة الا انه يتمتع بمزايا افضل وتجمعه مع معلمه او صاحب المحل علاقة سرية وقد لا تكون سرية ضمن حدود علاقات صاحب المحل او "المعلم "سواء مع نسوة تعودنا المرور عليه ومبادلته الحديث والمؤانسة او مع اصحابه الذين يدخن معهم الكيف او سجائر الحشيش او يحتسيا الشراب مع بعضهم البعض ..كما قد لا تكون ابدا سرية الا بمقدار حيث كنت الحظ كم يتم استوقاف الصبي من بعض الكبار عند خروجه من محل للتبضع واخده على جانب  او تعقبه للمنادات عليه وهو يعبر زقاقا او دربا خاويا نسبيا من المارة وكم كنت ألاحظ من متربصين بناصيات الشوارع في ساعة خروج اخر فوج بصالات السينما وهم ينتظرون مرور الصبية المنفردين الذين لم يصاحبوا صاحبهم ....هؤلاء في الغالب لم يكونوا من اولئك الصبية   البادية عليهم اثار التعنيف والضرب بل كانوا يبدون على قدر كبير من الاستقلال بانفسهم وعلى دراية بتامين انفسهم من الاعتداءات او التعرض للتعنيف...وهولاء لم يكونوا من اولئك الذين تربى عندهم ذلك الميل لمثل تلك العلاقات وهم انما يحاولون الخروج من تلقاء أنفسهم لايجاد علاقات ينفسون فيها عن رغباتهم وميولاتهم المحولة ويحاولون بالتالي التحرر من اثم وذنب الشعور بالاضطهاد والضعف المترسب عندهم من طول ما مورس عليهم داخل محيط اسرهم وعوائلهم او حيهم ..ولا من اولئك الاطفال الهامشيون الذين يرتادون المحطة الطرقية والاسواق والميناء ومنزل شاطئ راس الرمل حيث القوارب تتجمع لتقل المصطافين والذين يعانون الحاجة والفقر وسوء الاوضاع الأسرية والاجتماعية ولهم سلوكهم الادماني كما أنهم مستعدين للدخول في أية علاقة بمقابل او بدونه تقريبا ...كما أنهم ليسوا بالتاكيد من اولئك  المخنثين المفضوح سلوكهم وحالهم والذين يعيشون ويرافقون في الغالب النسوة الكبار والعاهرات المحترفات ...هؤلاء يعيشون بيننا ويتواجدون بيننا واكاد اجزم ان الكل يعرفهم وقد لا يريد الاعتراف بذلك اما لانه غير معني بموضوعهم او لديه حساسية خاصة منهم او لانه متواطئ معهم وينتظر فقط دوره وفرصته لياخد منه وطره وقد يكون المكان المثالي للكبار في السن ان ينتهزوا فرصة تواجده بالحمام او بالبحر بينما الرجال والشباب فساعة يحلو لهم اصطياد امثالهم فما عليهم الا التسكع في محيط الغابة او في الخلاءات المحيطة بالدور الهامشية وبمحيط قاعات السينما بالمدينة وبكل سهولة يحصل الاتفاق والمصاحبة من بعيد بان يتعقب الغلام من يرغب فيه ورغب حتى هو فيه ...الغلام اكبر واحد بين مجموع أقرانه متظاهر بحريته واستقلاليته واكبر واحد يظهر في سلوكه قدرته على تدبر مصروفه الشخصي واحتياجاته ..والغلام في الغالب فرد متوحد بنفسه لا اصدقاء او رفاق لديه دائمون ..كثير الشجار لكنه يتصرف قبل أن يتطور لعراك حقيقي ..غير طيعي اجتماعيا إذ غير معني بتقديم خدمات للناس كالسخرة او المساعدة على حمل قفة امرأة مسنة او مرضعة او ايصال "وصلة "الخبز للفران ...لعله ليس في حاجة لرضى الناس عليه اذ لعله يعرف أنهم غير راضين عنه الا بمقدار ما يرضون رغباتهم به أو عليه ...لكنهم منضبطون  بشكل غريب داخل المدارس وبحضور رجال الشرطة في التجمعات العمومية أو عند قيامهم بحملات التاكد من حمل بطاقة  الهوية الوطنية بمداخل السينمات او بمخارج او مداخل الميناء والمحطة  الطرقية ..  

الغلام على ما اخد يترسخ لي هو شخص صبي او في طور مراهقته الأولى تعامل معهم في كل مراحل نموه على انه موضوع رغبة جنسية ذكورية كما سمح له في حدود ان يمارس هو بنفسه حتى الاعيب اللواط مع أقرانه مما لم يثبت عنده الشعور بالتخنيث او التماهي مع أسلوب التعبير عند الاناث ولربما هذا ما قد يفسر لي ميله للتحرش بالصغيرات  جدا من البنات على غير مثيلهم من الذكور ...وهو ما قد يفسر لي عدم ميله لمصاحبة النساء الكبيرات والعاهرات المحترفات كنا يفعل المخنثون لانه بالمقابل على استعداد لان يعوض عدم مقابلة صاحبه الكبير بمرافقة اي كبير قد يحسن مخاطبته والتودد إليه وهو غير مبالي بكسب مقابل اللهم التكلف باحتايحه الاني  ..كابتياع تذكرة الدخول للسينما او أجرة النقل بالقارب او اي شيء كوجبة سريعة باردة او بعض السجائر التي تكفيه لحتى زمن الخروج في البحث عن صاحبه لان صاحبه في العادة هو من يتكفل به ...

لم احتاج لافتح مع من كنت أعرفهم ويعرفونني أعرفهم بصفتهم كغلامان حوارات او احاديث مباشرة كنت في المقام الأول معتمدا على رصدي وتتبعي ودقة ملاحظاتي وفي المقام الثاني استفسر عنهم من بعيد لبعيد من كنت محافظا بعلاقاتي معهم من أفراد المجموعات التي كنت الحريص على استمراريتها وتوسيعها في حدودها هي ..كل واحدة على حدى ..

هؤلاء وكل عوالمهم وكل اصناف الناس الذين يدرون في فلكهم ساصبح معني بهم ..سيهمني ان أعرفهم ..ان اعرفهم في خصوصية تركيبتهم وعقليتهم وافكارهم كما في نشاتهم وتربيتهم ...

هؤلاء وباقي اولئك الذين جرني بحثي الاصلي للتساءل عنهم والانشغال بهم من مخنثين واطفال الدعارة ومن لوطين  ومنحرفي  الميول سيصبحون بدورهم مواضيعا لبحثي ودراستي المستقبلية ..

هؤلاء وباقي الظواهر التي شدت انتباهي كاولئك النسوة الكبيرات في السن والعاهرات المحترفات ومدمني الخمر والمعاقرين له باستمرار وتجار بيع الحشيش والكيف بالتقسيط والقوادات والقوادون والمعرفون بلعب العاب القمار ..كلهم اصبحت مهتما بان اعرف عنهم الاكثر ...

كنت واحدا من الناس ...وكاي واحد منهم مفروض علي ان اخرج للفضاءات العمومية ولاخالط الناس ولاتفاعل معهم ولاحتك ببعضهم ...كنت اي واحد من الناس بما انا عليه من العمر وبما اكونه من انطباع لديهم بحجمي وشكلي ولون بشرتي وشعري ودرجات حرارتي الجسمية غير قادر على ان ارفض تواجد مثل كل تلك النماذج البشرية والمجتمعية بيننا وبالقرب مني احيانا ..اذ قد اعدم اختيار من يجالسني او يجلس بالقرب من والدتي بالحافلة الطرقية او بالقارب او قد يقف خلفي في صف بالمدرسة او السينما او بالمستوصف او بتظاهرة عمومية بإحدى الساحات العامة أو بحديقة عمومية او بالهواء الطلق كالغابة او الشواطئ ..

كنت كاي طفل نظريا في بداية مراهقته قد يتعرض للاكثر من ممارسة تحرشية ومحاولات استغلال نزوي وكان يهمني ان اضبط تماما كل تلك التفاصيل السلوكية الصغيرة التي بدى لي ان التسامح معها او عدم اعارتها الانتباه اللازم والرد المناسب هو ما يسمح بان يجعلها تتطور ومن ثم يتم احتواءك في موقفها ...

وكنت بكل تجرد معني بان اعرف اكثر وان اكبر اكثر وان اتميز عن اقراني لكن بدون ضجة او دعاية غوغاء ...

كنت مهتما بان اتعرف على مفاتيح علمية واجتماعية ونفسية لكل تلك الكلمات التي كانت تلقى كسبات فاضحة او يتم تنقلها والحديث عنها بالهمس والتكتم في المجاميع الخاصة ..كما مهتم بان اتعرف على مايدور في وسط عائلتنا الكبيرة وان افهم سلوك كل واحد منهم كما ينبغي لي الفهم لا كما يحاولون هم افهامي ...انا من سن جد مبكرة قد اقولها هكذا فقدت نظرتي البريئة لكل شيء يجمعنا ويلمنا ونتحدث فيه ونسميه ونمارسه ونسلكه ....انا في سن الخامسة كنت قد أصبحت كبيرا كما وعدني اخي "فؤاد"وحصل معي ...     

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

يوميات: مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"


 

يوميات : مابعد عوالمي السرية.. عالم الصمت (14) .تابع : سلاما متجددا فاطمة"13-1"

 قررت ان اخرج للعلن ..."فاطمة"بنت خالتي كانت مكايسة معي ..انصتت الي جيدا كنت احدس ان كلامي غريب عليها ..لم تتعود مني ان احدثتها بمثل هذا الشكل التقريري ولا خارج احاديثنا عن دائرة علاقاتي واحوالي النفسية ...كنت اعرف عنها قدرتها على تدبير الامور في راسها وبعد نظرها ورؤيتها .."فاطمة "لم تكن ابدا صبية حمقاء رعناء ..كانت دائما صاحبة العقل والحكمة والتدبير والمهتمة الملتفتة لكل من حولها ..تساءل حال هذا وتطمئن على ذاك ومستعدة لتخدم اي احد بكل كرم واريحية ...مع نفسها كانت تقنع بالقليل ..كان يكفيها ان تنال رضاهم عنها لتشعر بأنها في قمة السعادة وتتحرك لتهيء فراشها على الارض موعدة نفسها باحلى راحة ونوم ...كنت اعرف من مجرد النظر الى وجهها حتى ولو اشاحت عني بعينها انها لم تنم ليلة أمس وأنها حتما بكت بصمت وبلا أدنى تعبير ..فقط تركت الدموع تنسدل على خديها وتمضي ابعد من ذلك لدقنها ..لعنقها ... "فاطمة "استنكرت علي استفهامها عن سبب تارقها وبكاءها..حزنها ..قالت لي :"وش كيصحبلك انا حجرة مشي انسانة حتى انا ...(وتضحك وتبرق عينها من جديد بكل حب )وش انت كيصحبلك فاطمة هي هذيك لكتشوفها غير كتضحك وكتبان لك ضاربا الدنيا بباطا (اي برجل )....."

"فاطمة"كانت منتبهة لكل ما يدور من حولها وصاحبة ذاكرة جيدة تعقل جيدا الوجوه وكل ما دار منهم او حولهم من احاديث ..كانت لها قدرة عجيبة على  ان تدير الحوارات والاحاديث النسائية ودقيقة في ملاحظاتها مما كان يجعلها غير اعتيادية وصاحبة رؤيا خاصة ورؤية تنبئية بالاساس وعلى قدر من الحكمة في توجيهاتها ...

انا لما حرصت على المقدم لطنحة وبتوصية من اخي "فؤاد"الذي أشار اشار علي بان اسعى الان لاظهار بعض مما اكونه لم يخالجني التردد  لحظة واحدة كما لم اشعر بالتخوف..كنت في غاية الاستسلام كما على اهبة الاستعداد لما سياتي ..كانت ثقتي في نفسي عالية لكنني لم استطع ان امنع قليلا من القلق من ان يتملكني ويستعجلني على الرهان على اكثر من قلب بنت خالتي"فاطمة "..الرهان على أن تقتنع بي ...كانت تقول لي :"انا وخا مفهماش هذ شي لي انت  نوي تديروا  وانما عجبني اذا انت عجبك ..تعقل شنوا كنت كنقولك على المجلات لكنتي كتمشي انت وآسية تشرويهم ولا تكرويهم من عند مول الزريعة فالاول ما كنت فاهمة علاش كتحمق راسك في قرايتهم ومن بعد انا وليت كنجي عندك تقرا لي شونوا فيهم وتشرحلي انا من ثم عرفتك كبرتي وولتي كتعجبني بالصراحة ديال الله ..انا اي حاجة فيها القرايا وفيها النشاط والمسرح وديك شي كلوا انا معاك فيها ..ديرها .والله "..   

كنت اخجل من نفسي وعوض ان اتخلص من قلقي يزداد توتري وغيضي من نفسي ..لا اعرف لماذا لست بقادر على ان افرغ كل ما يدور في راسي دفعة واحدة وارتاح ..؟! لماذا حتى مع اخي "فؤاد"اعدم القدرة على الإفصاح بكل شيء وحتى عندما كان يستشعر في الحاجة للتخلص من مكونات دواخلي كان يداورني ويجعلني احرص على التكتم حتى وان كنت لاعاني الضغط والقلق ..

كل الذي كنت احدسه جيدا هو ان الدرب امامي طويل وشاق وانني في معظمه ساجتازه لوحدي ..المفروض في ان اتحمل عناء قطعه لوحدي وان ادفع ضرائبه لوحدي ومني ..كنت في حاجة لان اتزود بالكثير من الحب والصور الجميلة لان طريقي سيكون تاراة  موحشا ومقفرا ...كما كنت بعد الطفل الذي استهوته عوالم "سيرة حمزة البهلوان"وحكايات "الف ليلة وليلة " ولا يستطيع ان يغادر الى أي مكان قبل أن يستادن أحبته وناسه الطيبين ويستودعهم مخاوفه ليحملوه ثقتهم ودعاويهم له بالسلام ...

لم اكن مسافرا بآية حال الى أي مكان آخر ..كما لم اكن بمغادر أي مكان لاخر ...لكن ان احول اتجاهي وان اغير طريقتي في التعامل وان اقلب نظرة الناس لي نهائيا وان اعلن عن جزء من نفسي الذي ظللت اربيه وارعاه في خفاء واحمله متواريا داخلي واتحمل عناء الصراع به ومعه دون ان اجرا على الاقرار بذلك او البوح به وان اعود لادير الصراع من جديد مع اقراني ومع من حولي لم تكن مجرد خطوات لاقطعها بثبات كمن يعبر شارعا او ساحة ... 

مع "الشريف "و"الكراب"بالخصوص كانت علاقتنا متينة ومستقرة ومتحولة باستمرار اي غير قابلة للذبول والموت ...عرفنا جيدا كيف نتقبل بعضنا البعض ونستوعب نقط ضعف كل واحد منا بنحو ان نطورها معا لتصبح نقط قوة مركزية...ربما لم تعد من هموم التمسرح وتكوين فرقة تمثيل تجمعنا تثار  بيننا ..كما ابتعادنا عن فضاء دار الشباب مع حرصنا على أن نتابع كل الأنشطة الاشعاعية الثقافية من محاضرات وندوات وسينما ومسرح وموسيقى لكن باتفاق على أن نبتعد عن ان يتم اقحامنا في داخلها ..حتى النقاشات لم نكن نشارك فيها الا فيما بيننا ..كان اقتراح مني ان نترك بين ما كان يشكل بؤر اهتماماتنا ونشاطتنا ويستهلكنا النقاش والحديث والحلم حوله ودائما ما يكون سر انتقاد اهالينا لنا وبين حاضر نقيم فيه تجاربنا ومشاريع احلامنا كما ذواتنا ..حاضر نحاول فيه الاهتمام بجوانب نقصنا ..ونسد فيه ثغراتنا المعرفية والفكرية والثقافية ..حاضر نوجه فيه العناية لتوسيع نظرتنا لكل ما يؤثت فضاءاتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية عبر أن نقراء ان نطالع ان نتكون معرفيا وان نطور من مقدراتنا على التعاطي مع كل ذلك بالنقاش والحوار والتفكيك ...كنا نستشعر اننا نكبر بسرعة وتكبر معنا مقدراتنا على استعاب الامور ومعرفة كيفيات تحليلها ونقدها ولم يعد مقبول منا او علينا ان يتم استغلالنا او التصغير من شاننا او احتواءنا في القوالب الاجتماعية الجامدة ...ظللنا حريصين على أن نلتقي وان نتبادل الكتب والمجلات والدوريات وعلى ان تتناقش ونتجادل  وعلى أن نخصص اوقات اخرى لمجرد الحديث عن انفسنا ..عن افكارنا الخاصة ..عن تلك الاحلام البسيطة في اكتشاف الحب والعيش بسلام ..

تقبل مني صاحبي اقتراحي وعملنا كلنا على انجازه والتطوير فيه وهكذا استطعنا أن نحتوي من جديد كل افراد مجموعاتنا  الذين كان مقدر لهم ولهن ان يحولوا  اتجاههم بمجرد العبور من وضعية تلميذ بالمستوى الابتدائي الى تلميذ وافد جديد على المستوى الاعدادي ..هذا دون ان ننسى التحول الاهم والفارق فينا جميعنا وهو التحول من فترة الصبى الى فترة البلوغ والمراهقة ..انا عمدت بهم شديد وتركيز حريص على أن لا اقطع علاقاتي وصلاتي بكل من صاحبته واتخدت منه مكانة الصديق حتى من من كان يعتبر شبه مستحيل ان يستمر على علاقة بي ..اذكر كم من واحدة انقطعت عن الدراسة معنا في المستوى الرابع او الخامس ابتدائي للتتجوز ...ودون ان تعتبر صغيرة في العمر بل محضوضة لان من يكبرنها عمرا بعد بطاولات الدروس يمكثن غير مدركات بالمرة لما عساهن يفعلن بذهابهن وايابهن الى المدرسة .ولا لما لزوم التعلم مادمن سينقطعن عن اتمامه مع اول فرصة زواج متواضعة ...بل وحتى اي فرصة المهم ان يتجاوزن الإحراج الذي اخدن يعانين منه بعد وصول جيل جديد من التلميذات الى المؤسسات التعليمية جيل من الاناث الكاعبات النهود والرشيقات جدا عوض عن شكل النسوة الذي غدون هن به ...كان جيل  جديد يلتحق بالفضاءات العمومية ويؤثتها بألوان جديدة وملابس جديد واشكال جديدة من السلوك ...وكان جيل الاخريات مفضوح وقديم بجلاليبهن وغطاءات شعورهن بالياقة الوردية او البيضاء التي تقاربهن من العاملات على قريناتهن الجديدات من التلميذات ..

"فاطمة الحدادي "كانت من رفيقاتي المفضلات لم تكن تكبرني بغير ثلاثة سنوات لكنها تجوزت قبل أن تنال شهادتها الابتدائية .."نادية بلحجام "عبرت لي مرات عن كامل احراجها بجسدها الانثوي الممثلى والذي يشابه شكل امرأة متزوجة في احدى المرات قالت لي انها تعرضت لكم من  الاحراج صحبة والدها العامل المغترب بخارج ارض الوطن  عندما كانوا يحسبوها زوجة أبيها وليست عن حق ابنته ...  

كنت مدافعا عن وجهة نظري امام صاحبي "الشريف "و"الكراب"انا لم اكن لاصدق فقط في الهرمونات وأنها سبب تحول الاناث الى ناضجات ..ولا مع حقيقة أن البنات والذكور كانوا يقبلون في عمر السابعة في اول الصفوف الدراسية وان متوسط الرسوب مرتين في الحياة المدرسية الابتدائية وان الحاصلة على الابتدائية والمتوسطة الى الاعدادي اقل سن تحمله سيكون على ذلك في أدناه أربعة عشر ...كنت اقول لهم بعمر الأربعة عشر بعد نحن اطفال للتو بلغنا الحلم او لم نبلغه ...كنت استحضر بيني وبين عيني صورة وشكل ابنة خالتي الغالية "آسية "كانت تبدوا امرأة ناضجة مع انها بعد مراهقة صغيرة في عمرها الحقيقي ...واقول لاصحابي العلة ليست فيهن ولكن في المجتمع بالاساس وفي اسرهم بالخصوص وفي امهاتهن بالضبط اللواتي  لم يكلن من جهد في تسمينهن وتبليغهين وفي حشو رؤسهن بقواعد الطهي واعداد شؤون البيت وفي حشر كل طاقتهن في تربية اخواتهم الصغار  اما في العطل فيقمن بارسالهن لدور معلمات الخياطة والتطريز والفصالة ..اقول لصاحبي وانا استحضر "كليلة ودمنة "لابن المقفع وقصة الثور الذي يسمن من اجل الخروج للحرث ..ان امهاتهن لم يفعلن اكثر من التعجيل ببلوغهن وتنضيجههن ليرتحن منهن في بيوت ازواجهن ولينشغلن من جديد في تهيأت اخواتهن لنفس المصير وبنفس الأسلوب المطبخي ...كنت اقول لهما ان ينظرا لامهاتهما اللواتي لا يثرن الدهشة بان اولادهم بمثل عمرهن او يقاربهن وهناك من قد يخطا في تقدير من الام من الابنة ...وكانت الواحدة منهن لا تصدق ان تسمع من نسوة العائلة أو الجيران او معارفهن انها كبرت وأصبحت عروسا لتطير فرحا ولتصبح في اول صباح  العطلة الأسبوعية   كثلة من النشاط الذي لا تمل من توزيعه على كل اركان وجنبات بيتهم وهي تهيا نفسها للمزيد من المدح والاطناب من نسوة الحي اللواتي لا يفوتن مثل هذه الفرص لفتح عين الانثى على موضوع الزواج ...كانت الواحدة تدرس معنا بشكل عادي وفجأة لا تعاود الرجوع بعد العطلة الفصلية للمدرسة وفي اقل من عام تكون قد أصبحت اما وكذلك في العام الموالي وبعد اقل من ثلاثة سنوات يصبح شكلها شبيها بشكل امهاتنا نحن بكل كثلهم اللحمية وبكل روائح الطبيخ وحالة صباح او مساء يوم الحمام بتركيبة الحناء المخلوطةو الموضوعة على رؤسهن وبعودتهن الى الاهتمام بقدم ارجلهن وتكريطها من يبوستها ...كان الزواج الهم الوحيد للبنات وامهاتهن وكل واحدة تعتقد في نفسها أنها مؤهلة له بمجرد ما تدخل البلوغ وتحيض وتبدا في الاختلاء بنفسها لتغسل وتفرك بين اصابع و راحة كفيها اخرق دم الحيض ...كنا بالتاكيد نحب امهاتنا ونسوة كل العائلة والجيران لكننا بيننا وبين انفسنا غير راضين على احوالهن واميتهن وعوائدهن وكان صعب علينا تصور ان البنت التي نتصور اننا نحبها غذا ستصبح سمينة وستكف عن ارتداء تنورتها وكسوتها الجميلة لمجرد جلباب وغطاء  للشعر وقفاطين للاعراس والحفلات...

"فاطمة الحدادي"انتهزت اول فرصة للقاء بها وكانت وهي تحمل مولودتها الأولى وكان شبه مقبول ان اقف لها لابارك لها فكاكها من الحمل على خير لاوجه  العتاب اليها ولاذكرها بوعود الصداقة التي قطعناها لبعضينا واين نحن منها ..ومن يومها حرص كل واحد منا ان لا يفوت اي لحظة تلاقي بيننا دون ان نقف لبعضينا ونجري اكثر من حديث بيننا ..اما "سميرة بلحجام "فلم يكن هناك مانع في ان اظل حريصا على زيارتها ببيت اسرتها على اننا لم نعد زملاء في الدراسة ...كنت مثيرا للاستغراب من جميع من يعرفني او يتعرف علي خصوصا في موضوع حرصي الشديد على أن ابقي على سابق كل علاقاتي مفتوحة بل ولاطورها وكنت من جانبي غير مستعد لاناقش دوافعي في ذلك على الاقل الخاصة ..

مع مجموعاتنا ومجموعتي الاقرب بمثل ما حافظت على تقاربنا وبقاء علاقتنا دائمة كنت اعمل على تطوير انواع تعاطينا مع بعضنا ربما في احيان كنت مستفزا في بعض مطالبي وكثرة الحاحاتي لنغير من اشكال تعاملنا ومن نظرتنا للاشياء وللامور وهكذا شيئا فشيئا اصبحنا مقبلين على بعضنا البعض بعقليات جديدة وكنت منبها اياهم الا اننا لن نكون في كل الاحوال مرحب بنا واننا سنقابل بالرفض والصد من العددين وان هناك من سيحاول محاصراتنا ...كنا نعرف انه بمجرد خروجنا عن دائرة تواجدنا وتحركنا المعروفة والمقدرة نسبيا سنقابل بالشك  والريبة والتدخل اللاحق الذي يمكن أن تترتب عنه إجراءات شديدة كحظر علاقتنا ومنع اجتماعنا ببعض لكن كان علينا أن نتحدى وان نكون في مستوى تحدينا .. كان الاهل لا يملون من توحيهنا نحو مجرد الدرس والحرص على النجاح لضمان مستقبلنا والمدرسة وادارتها لا تتنازل عن استعمال اي أسلوب من اجل الزامنا بالحضور والدوام والانضباط واباءنا عموما كلما لمحونا في مكان بالخارج لا يتبادر لهم من سؤال غير :"هل اديت الصلاة ..؟" انا على كل لم اكن لالجا لاحتيال اصحابي واداء صلاة دون صلاة سابقة او لاحقة او بدون مناسك الوضوء والطهارة فوالدي الحريص تماما على اداء صلواته وتلاوة القراءن على الأقل مرة اسبوعيا لا يفوتني كما لا يفوته انه سكير حد العربدة وانه مدام لقنني كتاب الصلاة والطهارة  فالامر قد خرج من بين يديه وأمر أن اتيها او اتخلف عن اداءها متروك لي ...ربما كنت احتال في الصيام وعادة على نحو كنت اريده مكشوفا لانني في داخلي لا احمل الحادا او جحودا وانما احمل الكثير من علامات الاستفهام حد انني لا اشعر بالوفاق مع هذا المجتمع الذي اعيش بينه من كثرة التناقضات التي كنت ارصدها واغبن فيها ...

 لم اكن الا في ساعات مخصوصة افضل البقاء فيها وحدي والتسكع وحدي لكنني في الغالب برفقة اخر وفي دائرة سكناه ووسط منطقته وبين ناسه وعادة لا اتحدث الا لما نقف عند جانب من الطريق او على ناصية بالحي تفاديا لإثارة حفيظة الكبار الفضوليون جدا والذين يتصورون انفسهم على دراية بكل شيء وعلى استعداد لتوجيه الدروس للجميع ... كما حريص على أن ااسس لعلاقة تزاور بالبيوت ليتعرف ذوي صاحبي او صاحبتي على من يكون صاحب ابنهم او بنتهم لكن دون ان أظهر لهم حقيقتي كما اعرفها عن نفسي ادعهم يكونون عني تلك الصورة الاجتماعية النمطية :"ديري مزيان مربي مادب باه معلم وختوا كيقرو .." 

صاحبي "الشريف "و"الكراب"تفطنا لاحقا لكم استفدت من علاقاتي تلك كان بمامن معي من اي تعرض او تحرش في اي جهة أو منطقة بالمدينة او بالشواطئ البحر او بالغابة لان دائما هناك اكثر من واحد اعرفه ويعرفني ويسهل عليه تذكر انه راني ويراني صحبة فلان من حيهم وبفضاء حيهم وهو ما اكسبني بعض الاحترام والحرية في التحرك دون مضايقات او تعرضات ..كنت شخصا معروفا ومقدرا لانه لم يكن من اليسير ان ترتاد حيا ابعد من جهتكم السكنية وتسرح فيه دون ان تتعرض للاشتباه وللتحرش والاستفزاز ..وان تستطيع اكثر التقرب من شخص والدخول معه لمسكن اسرته لتتكشف عليك امه وإخوته البنات لا يعني غير انك على مستوى عالي من الأخلاق و الثقة التي توضع في الحسبان وتقدر منك ..على أنني كنت اشجع اصحابي على أن يخلقوا لي روابط للتعرف على ابناء حيهم ومنطقتهم المقربين وكان شائع ان يتوصى بك رفيق لرفيقه لان الشارع لم يكن يرحم ولا احد فيه يستسيغ ان يلعب فيه مجرد دور الضحية بل كان الجميع ميالا لاظهار الكثير من العنف وعدم التسامح ..

بقيت علاقاتي داخل الاعدادية مهزوزة ودون مستوى المتوقع مني حتى من اقرب اصحابي ..كنت شبه وحيد ودون صاحب او رفيق ..وحدها علاقاتي مع صاحبتي ومع رفيقات طاولة الدرس من حافضت عليها وفي حدود متحفظة او مصطنعة كما كان شان بيني وبين البنت التي صممت على أن أعيش معها الارتباط وان تكون صاحبتي بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات في قاموسنا الشعبي المجتمعي .."سناء "جالستني في كل سنة دراسية من الثلاثة سنوات التي امضينها الى الان مرتين في كل حصص دراسية موزعة على حسب مواد تعلمنا وعلى اختلاف موادها لم نكن نختلف في اسلوبنا الظاهري المرتب بيننا لم نجعل اي واحد بعيد عن مجموعتى القريبة يعرف بشأن علاقتنا ببعضنا كنا اكثر تحفظا ومراعات للاعتبارات الاجتماعية والنوعية بيننا وكنت اقبل بالهزء مني بمحضر باقي زملاء فصلي وانا اكثر واحد بكل المؤسسة يجالس بناتا بطاولات الدرس ويزاملهن ولم يرتبط باي علاقة بأي واحدة منهن ولم اكن ارد عليهم لانه كان يهمني ان يروج عني مثل ذلك الكلام واللغط ..كما انني لم احرص على ان ابدي اي اهتمام بآية لعبة رياضية جماعية او فردية بما في ذلك حتى العدو مع انني كنت احرص على القيام به في الغابة القريبة من منطقتنا السكنية وحدي وصحبة اخوتي ليس غيرهم وعلى انني كنت اذخن ولايام متتالية لكن دون ان أصبح مدمنا على التدخين بعد لكنني لم اكن لاخالط او لاظهر سلوكي ذلك امام جماعات المذخنين من التلامذة ..وحال ذلك بشكل اوتوماتيكي دون ان يمكنني من انشاء علاقات مع تلامذة فصلي او المؤسسة خصوصا وان اغلب من درست معهم الفترة الابتدائية كانو يلتحقون باعدادية غير اعدادية "الامام مالك "التي ترجيت من عمي "محمد"ان يسعى لي عند والدي ويدبر معه شان التدخل لي لقبول انتسابي لها عوض اعدادية "الحسن الثاني"المفروض أن أتوجه اليها تبعا للمؤسسة الابتدائية التي احتزت منها امتحان الاشهاد الابتدائي ..كنت اعرف انني اعزل داخل فضاء الاعدادية من اي دعم او مساندة الا من بعض تعاطف بعض الكبار الذين كانوا يتدخلون من تلقاء أنفسهم لمنع التعرض الي بالهزء والسخرية ومحاولات التحرش البدني بي ..وضعي ذلك جعل حتى بعض استاذتي ياخدون موقفا غير متسامح معي كانوا يرون مني كثلة ينقصها الاشعاع والاعتزاز بذاتها ومنهم من راى في ذكرا ينقصه الكثير فانا لا احاجج ولا اشاكش ولا أدافع عن نفسي ضد تنمر اقراني وغيرهم بل وصل الحد حتى ببعض البنات ان يبدان بالتطاول علي والهزء مني ..كنت الحظ جيدا كيف يتدخل المزاج العاطفي للاستاذ او الأستاذة في توجيه حتى النشاط الشفاهي داخل حجرة الدرس كيف انه مادمت لا اروقه يهملني ويبثر حتى شقي في الرد على سؤال الدرس ليمكن اخر غيري من الرد والحواب والافاضة فيه ...وكنت اواجه تشدد الإدارة معي كلما ابديت انني منضبط لكنني غير متكيف مع الجميع وانا بيني وبين نفسي كنت منغمسا في الحفاظ على نفسي باردة وانا متقمس أسلوب اخي "فؤاد"الذي لم يكن في حاجة للأضواء مادام يعرف نفسه جيدا ويقدر مقدراته ومواهبه وطاقته ..ربما في أجزاء مني كنت غير قادر على التماهي اكثر مع اخي "فؤاد"وربما هذا ما جعلني غير حريص على أن اكسب تعاطف بعض اساتذتي خصوصا من كانوا قد بدؤا لا يستسيغونني ولا انا استسيغهم  ومنهم مع عدم بدلي مجهودات مضاعفا لتغير نظرتهم الي بدؤا يفقدون اعصابهم معي ويثور  في وجهي بسبب وبغير سبب واجدين في الكثير من السلبية والانطوائية حد التصرف كالبنات ..وكنت احب ان اسجل انتصاري عليهم بان ادعهم يغلطون في حقي دون سبب وجيه وموضوعي خصوصا لما اكسب تعاطف جماعة الكبار والبنات المعبر عنه بالكلام او الترتيب على الكتف او الظهر او بمجرد تقابل النظرات ...كنت متعودا أن لا أحمل معي هموم المدرسة للبيت او اثقل بها صدور اصحابي وصاحباتي من مجموعاتنا فانا دائما على موعد مع كتاب او رواية او حصة استماع او لزيارة صاحب قديم ...

بمجموعات كانوا يعترضون طريقي سواء ساعة انتظار الدخول للمؤسسة او بساحتها في فترة الاستراحة او بساعة تغيب أحد الأساتذة عن الحضور دون اعلام سابق او باعلام معروف للجميع لكن يتعذر معه ان نعود الى بيوتاتنا والاياب منها في محيط نفس الساعة لاستكمال باقي الحصص الدراسية ..وكان سبيلي الوحيد للدفاع عن نفسي هو الانسحاب وتغيير مكان وقوفي وعدم الرد واظهار اللامبالات والانطواء على نفسي ..كان من استاذتي من حاول الاشتغال ببعض الذكاء والحيل النفسية ليثيرتي وليختبر نفسيتي لكنني لم اترك له فرصة النوال مني ولا هز دواخلي ...كان يهمني اكثر ان استترك وحدي وان يركنني الجميع على جانب من كل انشطتهم وان لا يحسب لي حساب من لا يستهان به لكي لا يتحفظو في شاني ولكي يظهروا لي بالمقابل حقيقتهم و لكي يتمادوا في التعبير عن أنفسهم دون مراعاة انني انتبه اليهم واسجل عليهم نقط ضعفهم ونقصهم واخطاءهم الفادحة ..حدث في اكثر من مرة ان اتت واحدة لتنبهني من ان فلان ينوي اعتراض طريقي ساعة الانصراف المسائي او الصباحي وكنت اشكرها واطمئنها على أن الأمر تحث سيطرتي لذلك لا تبالي بما لن يحدث اكثر من المقدر له بأن يحدث ...ساراوغ الامساك بي وشدي من ثيابي وساكمل مسيري ولن استفز لاستفز من يريد استعراض عضلاته علي وعلى كل هو بعض الهزء والسخرية والتحقير مني ما سيكون نصيبي كما تعودته لا غير ...صاحبتي وبنت جيراننا وزميلتي منذ الدراسة الابتدائية اصبحت حانقة علي لم تتعود ان تراني على هذه السلبية والاستسلامية وفي اليوم الذي وجه الي مدير الاعدادية السيد"البقالي "سيلا من الاهانات وطلب من الحارس العام التكفل بالباقي لا لشيء فعلته فانا لم اشاكش ولم اتحرش باحد ولم اخل باحترام اي شخص كل ما هناك ان جماعة متنمرة كانت تتقادف بي وتتلاعب بي ونحن في زحمة الخروج وصادف ان تعمدوا لدفعي لاصطدم بتلميذة ثارت مستنكرة فنبهت المدير الذي امسك بي ..."نجية "لم تقبل مني  استحمالي كل اهانات المدير وتهديداته وسخرية المتنمرين ودون حتى ان اجرا على الدفاع عن نفسي وقالت لي :"وبزاف على خوف هذا ..بقيتي كتباني كبحال الا مشي ..."وصمتت دون ان تكمل عبارتها التي وصلني تمام فحواها ..."  مشي راجل .."

كنت اردد مع نفسي وداخلي :"ايه مشي راجل بصح انا عرف راسي مليح شكون انا وحتى انتي واصلك الخبار وشيفاني بعينك قداش انا راجل وارجل منهم  ..."اعتذرت مني "نجية "في اليوم الموالي وكبرت في عيني كنت اعرف انها لم تقصد بدورها الإساءة إلي لكنها من معزتها لي لم ترضى علي تبهدل حالي امام الجميع ...

لم تتحول الاعدادية الى جحيم كما كانوا يراهنون على تحويلها لي كنت احصل على نقط فوق المتوسط الى لاباس بها وفي جميع المواد دون استثناء وذلك كان يكفيني لاثبت للجميع بانني خارج التوقع بان اتعب وامل وابدا في التفكير والعمل على ترك الدراسة مثلما يحدث مع ذوي الظروف الصعبة والحالات غير المتكيفية ...

لم اكن قد تعبت في  كل حال لكنني اتعبت من حولي بما يكفي كما أردته ..اصبح العديد من المتنمرين علي غير مهتمين من التنمر علي.. تقبلوني على حالتي الهشة وهكذا تركونني من تلقاء أنفسهم بينما كنت اضع نصب عيني عددا من استاذتي الذين ما استسلموا ولا تركوني على شاني انا وعقدي وتخنثي وضعف شخصيتي ...بل حتى يعتقد الكل انهم اخفوا علي الا وحسب مزاجهم السيء يندلعون في وجهي على اتف الاسباب ودون سبب واضح بالمرة ...كانت علاقتي بهم مختلفة حسب ما انا اردت توجيهها اليه وكما كنت اتظاهر فعلاقتي بهم كانت غير طبيعية فكلهم وضعوني في خانة الاستثناء السلبية وانا تعمدت بان اجعلها لا تخرج عن تلك الخانة فاجوبتي دون المتوقع وحتى من يسايس معي اظل اداوره في الكلام الا ان اصمت كمن إصابته جبسة وفي المواد المفترض انني ابلى جيدا فيها اجيب كمن اتفق وعلى اسوء  من المتوقع وحتى عندما لا يكون هناك مجال لاغش افتعل الغش وعلى نحو مكشوف لاضبط ...كنت اريد ان ارسخ الاعتقاد بانني اخرق ومتهور وليس فقط معقد وغريب الاطوار او مريض نفسي او اعاني من مشكلة في هويتي الجنسية وكان وحده نجاحي في ذلك يهبني اثمن الفرص لادرس سلوكهم تجاه الحالة  التي اتقمسها وتجاه  الموقف الذي احشرني فيه ...

كان الجميع حتى اكثرهم تحفظا يتكلم ويتحدث عن ما يرقوه وما لا يرضى عنه من سلوك الأستاذ او الأستاذة الفلانية وكان كلا الجنسين يركب الغوغاء والتحامل ليعلي صوته ويجاهر برايه في الأستاذة وطاقم الإدارة التربوية وكنت لا اكلف نفسي العناء لاتعرف على اراء اي واحد منهم خصوصا بعد كل حادثة مستجدة لانها كانت تكون حديث كل الساحة الاتي والاول ...ولطلما اثارني السلوك المتكرر والطابع المترسخ في شخصية الاستاذ لم اكن لاتسرع في اطلاق الاحكام حتى بيني وبين نفسي كنت ببساطة انقل موضوع السلوك لافراد مجموعاتنا خصوصا الاقرب مني لنتناقش فيه ولاستجمع أكبر قدر من الرؤى حوله ولا يهنى لي بال الا بعد أن أتوجه للبحث النظري في شأنه كانت مكتبة والدي زاد قيم تزودت منها بمعرفة لاباس بها حول مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وخصوصا علم النفس التربوي والتعلمي لكنني كنت استشعر الحاجة الماسة للمزيد من الاطلاعات والتعرفات وهنا تعاملت بذكاء اجتماعي مع افراد مجموعاتنا الاوسع وركزت على من في بيتهم مكتبة شخصية لاطلب اعارتي كتبا ولوقت جد محدد مع مراعاه شديدة على التقيد بالامد الذي احدده انا ..كما لجئت لمدرسي بالمستوى الابتدائي حتى من كان حدسي يقول لي انه لا يقرا ولا يهتم كنت احاول معه لعله يتحوز على مراجع قديمة من زمن تكوينه الأكاديمي او تحصل عليها بالصدفة حيث كان عدد من الأسر المتوسطة تتباهى وتحرص على أن تكون لها مكتبة منزلية صغيرة ...

السيدة "ام ليلي "شغلت في ابان تعطل المدارس بالعطلة الصيفية وخروج عدد من الموظفين الاداريين بالدوائر  والمؤسسات الحكومية مهام أمينة مكتبة حديثة بالمدينة اسمها "مكتبة وادي المخازن"التابعة لدار الثقافة الحديثة التاسيس بالمدينة وتعرفت اليها في ذلك الصيف وكنت زائر المكتبة الاوحد لفترة امتدت للاكثر من ثلاثة أسابيع كانت كافية لانتقل بالعلاقة معها من مجرد تقبل عادي وفوقي من جانبها الى أن اخدت تراعيني وانتهت بان تتقبل رعايتي وتفتح لي المجال أوسع لتقرا وادرس بكامل حريتي وان اتنقل للبحث بين رفوف المكتبة المتواضعة والصغيرة عن كل ما كان يمت بصلة لحقل علم النفس وعلوم التربية والاجتماع  وما لم اكن استوعبه تماما استذكره جيدا على أمل ان اهضمه لاحقا ..

مع السيدة "ام ليلي"لم الجا كثيرا للحيل لانها راقتني   كامراة وشغف قلبي بها كام محبة واحترمت شموخها واناقتها وكياستها وذكاءها ...نفظت عن سحنتي الخجل المتصنع وتركت لجسدي حريته في التحرك ولنشاطي ان يتقد في عيني ولاحظت منها تنبها يزيد كل مرة على مرة لي فكنت ارفع عيني للنظر اليها دون ان اتخرج من فعل ذلك وكانت تتجاوب معي دون تشجيع كما دون صد ..تتجاوب معي وتتقبلني الى أن اخذت هي المبادرة بالاقتراب مني وبدأ إجراء محاورات معي بشأن اهتمامي الذي لا يتناسب مع سني الحديث ولا مع مستوى نفس اقراني المتمدرسين وهنا بدات في تعريفها قليلا عن  نفسي وعن خلفياتي التربوية وعن مراجعي الشخصية التي تعلمت منها عن اخوتي ..عن عمي ..عن معلمي الابتدائين ...واصبح وجودي مرحب به من لدنها ومن عون الخدمة الذي كان يهتم بالحراسة وباشغال البستنة كما بالسيدة المنظفة ...

"ام ليلى"اضحت في قناعاتي وذاكرتي هي سيدة الدار "دار الثقافة "التي قبلت بي كابن لها تراهن على انه سيكون ابر ابن للثقافة وحتما سيكون له دور ريادي ان لم اتراجع عن حماسي واقبالي ونهمي على القراءة والدراسة ...ووعدتها بيني وبين نفسي انني ساكون حريصا على أن اكسب الرهان ...حافظت على زيارتي للمكتبة حتى بعد ان حولت للطابق العلوي من مبني دار المخزن "الكومنداسيا "التي رفعت يافطة مندوبية وزارة الشؤون الثقافية واصبح منذوبها يسكن بجوار المكتبة الصغيرة  الأولى ...

"ام ليلى"انستني وجع الراس الذي كان يسببه لي زيارة مكتبة البلدية التي يشرف عليها من هم بمثابة حراس مخزنيون وليسوا اطرا  تربوية كما ان روادها عموما من تلامذة الاقسام الاعدادية والثانوية الذين يتوافدون جماعات  ولغايات بحثية مدرسية محضة على أنني سرعان ما اكتشفت خواء فهارسها من ما كان أولوية عندي قراءته والاضطلاع عليه ومع ذلك لطالما عدت لاجلس اليها الصباح والمساء كله لاطالع بعض الروايات والقصص والمسرحيات المغربية والعربية والمترجمة من لغات اخرى ...

كل ما اتدبره من نقود بت اصرفه على اقتناء الكتب والمجلات والروايات مع حرصي على أن يلفه لي المكتبي على شكل هدية لم اكن اتصيد العناوين والاغلفة الملونة او البراقة كنت اقصد المكتبي باحثا عن عنوان محدد او مؤلفات كاتب بعينه لاختار من مؤلفاته ما لم اقرءه وبسرعة كمن لا يهمه الا ابتياع الكتاب  لصالح شخص اخر كلفه امر اقتناؤه اليه وبحرصي على أن يلفه لي بورق الهدايا كنت اتجاوز فضول من يقابلني في الشارع كما الجواب كان جاهزا على نفس الاستفهام "أشنوا هذا لي في يدك " ،انه كتاب اوصاني والدي او اخي او جارنا لابتياعه له من المكتبة وانتهينا دون ان يجرأ على فتح الكتاب وتصفحه ...   

كنت اعود كثيرا لاخي "سمير "في الموضوعات التي تشغلني كموضوعات مجردة ونظرية كما اعود لعمي "محمد"في القضايا المجتمعية التي تثيرني وتتحوز على تفكيري واهتمامي وبعد ان انجز  مختصري حول الكتاب او الرواية او الموضوع او القضية التي ادرس فيها انطلق لصاحبي "الشريف "و"الكراب "لابدا جولات معهما من النقاش والحوار والنقد حولها ومن تمت اكون مختصرا بسيطا وسهلا انقله بين باقي مجموعاتنا القريبة والموسعة ..تعرض كتبي للضياع المتعمد الذي لا يكون في حقيقته الا استحواذ غير صريح له كان يؤديني نفسيا فانا لم اكن ميالا لاكتناز الكتب ولا مبال ببناء مكتبة اتباهى بمحتوياتها وعدد ما بها وكنت السباق دائما لاعارة الكتب ..الامر الذي جعلني اتخد قرارا بالتحفظ الشديد على اعارتها وحضر كل من سبق وان استولى لي على كتاب يخصني من قائمة من ابادلهم الكتب بالكتب او  نويت فقط ان ادخلهم معنا دائرة القراءة والمناقشة المفتوحة ..

صحيح انني كنت اتجاوز على ما قد لا ينتبه له المحيطون بي من اصحابي وصاحباتي والذي قد لا يعون تماما انه إساءة لي وفي حقي ..لا اريد ان اتحدث عن تكلفة الكتاب بالنسبة لي وكم ياخد مني ..من مشاعري ومن مساحات الحلم الخاصة بي..لم اهتم بالكتاب كشيء مادي ولا تصورت حتى ان صاحبه ،مؤلفه يعنيه من جسم أفكاره ومشاعره وخواطره شيء يذكر اللهم انه يتوسم فيه بعض الخلود للروح التي استودعها داخله ..كنت احقق كامل لذتي مع النص او النصوص التي بين يدي وانتهي احب صاحبه ومؤلفه واطلق العنان لمخيلتي لتستحظر بورتريها عنه كيف عساه يكون وكيف يحيا بين الناس ويتملكني الشوق لاتحصل على صورة شخصية أو تقريبية عنه ويتحول تفكيري فيه بإستعادة تصوره كانسان مجرد انسان قد لا يكون تاما ولا مثاليا كما قد نحسبه وقد يكون خارجا عن المألوف ومليئ بالعيوب ومع ذلك تمكن من نشر سحره وضمان خلود روحه بيننا ... كانت احلى اشتهاءاتي ان املك قدرا مهما من المال وأخرج بكامل حريتي لاتبضع الكتب والمجلات والدوريات والجرائد والورق والافلام ولما لا بعض الصباغة المائية او حتى اقلام الشمع الملونة والكثير من الصمغ واداة قطع الورق لامارس اقدم طقس في الوجود على طريقتي الخاصة امزق واقص والطخ واعيد الثمتيل بجثت كل ما بين يدي لاتحصل على معنى جديد يخصني وحدي ويوصلني الى تمام الرضى والاشباع عن نفسي ...كنت كلما امسكت مجلة سياسية مصورة من تلك التي كان يحرص بعض الاباء على تزويد أطفالهم، تلامذة والدي بالفصل ليهدوها له عربونا خاصا من والدهم لاستاذ ومعلم ولدهم او بنتهم ومثل هذه الهدايا ما كانت ترد او ترفض من معلم متفتح مثل والدي ..كانت محلات عربية فاخرة ودائعة الصيت ومكلف شراؤها نظرا القدرة الشرائية لموظف بسيط الحال مثل والدي ...ولم يكن والدي يبالي يجمعها انا من كنت احرص على ترتيب اعدادها كما خصصت لها مكانا جانبيا وللاعداد الصادرة حديثا حيزا على طاولة الصالون ولم اكن تلقائيا في حرصي على ذلك بل كنت استهدف وضعها في متناول يد اي واحد يجالسني بالصالون ابن عمتي "عبد السلام "عمي "محمد"اصحاب اخي "فؤاد"الذي اندهش كيف صغير أخوته يكسر له قانونا خاصا به ويتسلل من وراءه ويصاحب أصحابه ويفتح لهم مجالا داخل البيت هو الذي كان على الرغم من تحرجه الشديد من معاملة أهالي أصحابه له وفتحهم لابواب بيوتهم له كما لاحضانهم  لا يريد ان يثير حفيظة الوالد أو يتشاكل معه لكنني انا كنت تجاوزت مع الوالد الكثير من الحدود والقواعد الخاصة ببيتنا وماض في المزيد من تحويله من مجرد اب نمطي الى صديق وصاحب مقرب وحميمي ..

كنت اتخير المقالات التي سبق أن اثرت حول موضوعها بعض الافكار مع جليسي بالصالون واعراضها عليه وأتركه في انتظاري ريثما احضر بعضا من القهوة أو الشاي بحسب رغبة ضيفي او ضيف اخي او والدي او اختي ولما اعاود الجلوس اليه ابدا في إثارة الموضوع معه من جديد على ضوء ما اكون متاكدا أنه لم يتركه من يده دون ان بقراءه او يتصفح معظمها اذا لم يكن قد بدأ يتهيا ليطلب باستخياء ان امكنني اعارته المجلة ليطالعها في اقرب وقت ويعيدها الي ...

مع والدي وعمي بدا الجدال السياسي وبدأ الاهتمام بالقضايا السياسية للوطن العربي الكبير كان والدي في البداية شحيح الكلام كما على انه يطالع في المحلة اهم المواضيع و القضايا الرائجة الا انه وبتخفظه الشديد عن اثارتها مع الاخرين كان ينسى جل التفاصيل كما لايركز على الحزئيات الاهم مثلما لا يبالي بالقراءات المستقبلية والتنبئية السياسية يخال ان الأمر كله مجرد بيع كلام واوهام لمن يصدقها ومن هاهنا امسكت في والدي وكنت أعيده ليسمع مني وليحمل عدد المجلة القديم من جديد ليتاكد بان تخميناتي وتخمينات المحلل السياسي كاتب المقال كانت في محلها ..فاخد يثني على ذاكرتي بعد ان تجاوز الإستغراب من كوني استطيع فك رموز موضوعات سياسية والقراءة فيها واخدنا نوسع جلستنا لتمتد بعد فترة الظهيرة للمساء   ولما بعد نشرة الاخبار الرئيسية التي يعقبها أسخن نقاش ..ذلك الجو كان مرحب منه من كامل اخوتي وادخلوا لحانبهم اصدقاءهم المقربون واخد الكل يستعذب السهرة والخروج متابطا اعدادا من المجلة ومؤكدا بكل ثقة وعزم على انه سينتهي من قراءتها والاعداد بجولة قادمة من السهرة والنقاش السياسي والاجتماعي ..كنت اعرف كم كبرت واكبر في عيونهم ليعاودوا استكشافي من جديد وليعاودوا كذلك الانتباه لي فهم كانوا يعرفونني على نزقي وتوددي طفلا وشخصا اقل مستوى من الاجتماعية وعلى غير أداء اقراني في الزقاق والشارع والمدرسة كما انني منذ أن اخدت اكبر انقلب حالي تماما وأصبحت كمن يعاني مشكلات نفسية وصعوبات تعلمية ودراسية كما أصبحت ابعد كثيرا عن اخوتي اللهم ابقاءي على بعض حرارة استفهامهم حول بعض الموضوعات والامور التي تهمني ...

حاول من اصحاب اخي "سمير "كما اصحاب اخي "خالد"معي بنية فتح حوارات معي ومعرفة ما نوع مشكلاتي و سبب تقهقر ادائي العام الاجتماعي والتعلمي ولم اكن مستعدا لاصارحهم بحقيقة امري بعد ولا عما قريب وحده اخي "فؤاد"من وهو يحاول إعادة اكتشافي رميت له تقريبا بكامل اوراقي وقلت له ها هو من احسنت تربيته ورعايته وهاهو مخططه المرحلي والمستقبلي ..

اصحابي كانوا يسيؤن لي من حيث لا يدركون كانوا قادرين على مسايرتي حتى فيما لا افصح لهم تماما عن كامل اهدافي الشخصية من وراءه وبالمقابل كانوا مترددين وحاجمين ومحتاحون للكثير من البينات والشواهد والدلائل ليصدقوا في امور امور بسيطة ادعوهم لممارستها او ايجاد حل وتسوية في شأنها ..صاحبي "الشريف "و"الكراب "كبرنا معا ربما لم نعش طفولتنا بجانب بعض لكننا عشناها استعادة وتذكرا وحكيا كما عرفتهم وعرفوني على اصحاب طفولتهم ومحيط تربيتهم لكنها بعد كانا غير قادرين ان يفتحوا نقاشات مع والديهما بالخصوص ..لم اكن مع التحريض على الاصطدام مع السلطة الأبوية لكن مع العمل على احتواءها في الموقف العاطفي والتربوي العلمي الصحيح ولست لانني لم اكن اعرف طبيعة ومزاح والديهما ومعظم اباء اقراننا بل لانني كنت اعتقد بانني اعرف عنه الشيء الكافي فلذلك لم اقل ان يبدا به بل ليتوحها لاقرب مفتاح له ..ان يتوجها للتخفيف من هيمنة امهما العاطفية والسلطوية في ذات الان ..وكانت افكاري العملية بسيطة جدا يكفي بان يصاحبا والدتيهما ان يتعودا التحدث اليها بكامل الصراحة والصدق وان يبدا بالكشف عن طرقهما الاحتيالية التي عبرها يستطيعا ان يفكا من حصار سطوتها عليهما ..الكشف والبوح كطريق لبناء جسر جديد للمخبة والتقدير والاحترام المتبادل سيؤدي لامحالة لخلق جو من الثقة والتفاهم القادرين على اكسابهما المزيد من الحرية المسؤولة في الاختيار والتجريب وطلب الدعم والمساندة ..لم اكن ابدا مع طريقة الكذب وقلب الحقائق والتصنع والاحتيال العاطفي وحياة الإزدواجية في القيم والمواقف ...انا كان سهل علي استشارب كل هذه المعاني والقيم والافكار والتجارب من عالم الروايات واليوميات.التي لم اكن اقف عند عتبة الذهول منها بل كنت لما احس بصدقها اؤمن بها واصدق عليها ....وكنت في حاجة لان يصدقونني بانني في الاول والاخير لا اريد الا ان اصادقهم عن حق لا كما نمثل اغلبنا على اغلبنا ..

مع "فاطمة "بنت خالتي شعرت ببعض نفس  الحزن والاسى اذ كانت اخدت في إعادة رسم الحدود بيننا ونقض سابق اتفاقتنا وكان مبررها وجيها من نظر عقلية المجتمع الذي تسكنها وتوارثتها حيث أنها كانت تلاحظ بانني بدات اكبر ..هي "فاطنة "التي اعرفها والتي فتحت عيني عليها لم تكن ابدا لتبالي او تتنبه لما هو خالص بيننا ..مهما حاولت نكر حبي وتعليق بها ومهما راوغت هي في ذلك الكل يعرف ويدرك هذه الحقيقة ..كنت اقول لها :"فاطمة وش سمعتي باباك شنو قاليك من كنت كتجبدي الغطا لي ..."تستفهمني هي بدورها +:"شنو قال .." واكمل حواري -:"اجي وش مقالش ليك هودوا نعسوا مع بعضيتكم ..وشفتي انتي فيه ومرديتيش عليه .."..

عبثا كانت تحاول تصنع التجاهل او الصد ..كنت اعرف انها كبيرة في عقلها وصادقة في مشاعرها ولن اتوانى على أن تعيدني الى حضنها لانها ابدا ليست في حاجة لتمارس الاعيب المداورة معي وكان يكفي ان أوجه انتباهها لحقيقة ما يجمعنا ولافضح امامها لعبة الكبار التي يمارسونها بكل اتقان واستمتاع ...هي لربما في زحمة انشغالها وتارقها بمستقبلها نسيت او اخدت تتناسى تلك اللعبة البسيطة جدا التي كان الجميع يحرض عليها ،لعبة التوليف بين القلوب ..لعبة تحويل ذلك الاعجاب العفوي والبرئ الى علاقة الفة وحب ..نسيت ان خالتي "زهرة ",امها من سلمتني لها وانا طفل رضيع ونسيت أن والدتي خالتها من علمتها طريقة حملي وانماتي بجانبها ونسيت لهفتها علي وانتظار ان يعيدني والدها اليها ..الى حضنها ..نسيت تهافتها على وغيرتها من اختها الكبيرة "فاطنة "التي كانت تداعبني بسخاء وتدللني بمحضرها ...نسيت انني لم اكن الا كما اردت مني هي ان اكون معها واحدا الان تتوجسس وتخال انني في يوم ساكبر عليها واتجاوزها ...خالتي "زهرة "لم تكن ساذجة او ينقصها الحكمة والتدبير بل كانت جد متفهمة ولا السيد عزيزي "سي محمد"كان صوفيا درويشا مجلوبا السماء غير منتبه لحال نفسه واهل بيته ...ولا اختها او اخاها الاكبر كانا غافلين او يتصنعا التجاهل لفتيات في انفسهما ..هي فقط "فاطمة "بدت وكأنها غارقة في الاضطراب ولا تعرف ماذا تريده ..كانت متعبة ومرهقة وحساسة زيادة على الحد المقبول مما جعلها تحاول العمل اكثر على مراعات جانب الآخرين وكل تلك الاعتبارات الشكلية والمحافظة جدا والتي لا لزوم لها لانها ببساطة لا تسعد اي احد ولا تساهم الا في تضيق الخناق والاغراق في الكبت وتانيب الضمير ....كنت مراهقا صغيرا وكانت في مقتبل الشباب عزباء من أسرة محافظة ووسط عائلي مغلوق على نفسه لكنها لم تكن من بيت متزمت ولا ربتها والدتها بالجهالة والعنف والمنع الا في حدود الحياء الاجتماعي والمراعات لاحترام الآداب العامة الاجتماعية اما باقي الاعيبنا فالكل كان يعرف ان لها حدود وان لها اعتبارات ومقايسات جد خاصة لكلينا ...ولم تكن موضوع مساءلة من طرف اي احد من اهل بيتها بل كانت مرحب بها وهم من كانوا يتيحون لنا فرص نيلها كما هم من رسموا لنا حدود التعاطي فيها رغبة منهم في اسعادنا في التخفيف من وطأة اغتراب كل واحد منا برغباته وبالاحلام التي تضغط على جسده وتكوبسه ...خالتي كانت جد صريحة معي وكلماتها لا تحتمل اكثر من تاويل واحد :"نعس مع فاطمة "وابن خالتي على ما قد يتداخل مع طريقته في التحدث البشوشة والمفعمة بالضحك والابتسام بدوره كان مباشرا معي :"اعندك تدوخك نعس معها ولعب معها  "...وكل الذي كان بيننا لم يخرج عن دائرة اننا كنا نلاعب بعضنا وانه كانت لكل فترة ومحطة من عمرنا العابنا الخاصة والمناسبة ..لم نكن في حاجة لنراوغ بعضنا البعض او نحتال على الاخرين او نحاصر انفسنا بانفسنا بالتكتم والتستر وكاننا نرتكب الجرم الاعظم .....(يتبع ...)     



Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...