ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فعلا انتهى كل الذي كان بيننا حين قررت ان اخد الطريق دونهم ...؟! ...
يوسيني انني دفعت الامور في ذلك الاتجاه ..كان لابد من ان انتهي من كل ذلك وان اطوي المرحلة على الاقل مؤقتا لانه بدى لي انني قد اضحيت في موقع لا يسمح لي بان اعبر صراحة عن موقفي وان اقول لا ببساطة ..لا لست معكم فيما لم اختار ان اكون فيه ..وان لا احدا منكم او فيكم يستطيع ان يلزمني ان اتبع طريقا لم ارسمه ولا حلمت به ولا قررت فيه ..هم بدوا وكانهم قد استعادوا ثقتهم في انفسهم واحلامهم وهم يستعيدون علاقاتهم السابقة وسهل عليهم ان يوحدوا اكثر من نقط مشتركة بينهم تجعلهم يقبلون بالسير جنبا لجانب بعضهم على كل الاختلافات التي بينهم ..هم الى حد بعيد يقفون على ارض صلبة ويعرفون جيدا ما عساهم يراهنون عليه ويلعبونه بذكاء وحرفية وغير مقبول بدى لي ان اسمح لهم باخدي في طريق مغمض العينين ...
على الرغم من تبدل افكارنا واهتماماتنا واتساع حقولها لم نعتقد ولم اعتقد انه من المناسب ان نتوجه سياسيا لنمارس السياسية في مثل هذا العمر وفي مثل احوال البلد ..كنا نعي ان السياسية متوغلة في كل حركاتنا وحتى سكوننا لكن ان نمارسها بكامل الوعي والانتظام بعد مبكرة علينا ..لعلي كنت الاكثر حرصا في المجموعة على ان نحافظ على استقلاليتنا وان نكون متنبهين من اية محاولة لاحتواءنا في فعل او حركة اكبر منا ...
كنت منفتح الذهن على اية قراءات او نقاشات فكرية او اجتماعية او نفسية لكنني لم اكن استسيغ ان احشر في قضايا كلنا نعرف انه سهل المزايدة فيها عبر الكلام ومجرد الحديث بينما الخطو فيها فعليا الكثير منا لا يقوى على فعله لانه اساسا سيجد نفسه كمن يمارس العبث او يحلم وهو مستيقظ ...هذا ناهيك عن الاصطدام المباشر مع قوى تقليديا ستجهز عليك ان لم تحتويك ...
كان العديد من الطلبة الجامعيين وحتى الغير النشيطين منهم يلقون بخطاباتهم عن الوعي المجتمعي والوعي السياسي بالواقع الراهن وضرورة اشراك الجميع في مسيرات التحرر والتقدم والنماء ويتحمسون وهم يلكون العبارات بين اشداقهم وتراهم يتقمسون ادوار البطولات ورجالاتها .. وهؤلاء انفسهم هم اول من يقل حافلات العودة للديار عند بدا اي تحرك سياسي او نضالي بساحات الجامعة ..وهم اول من يعود للخلف ويتحججوا بعشرات الحجج الواهية كي لا يترشحوا لمهام جمعوية او ليساهموا عمليا او ماديا في التحضير لنشاط ...
نحن كنا قلة لا نكاد نتجاوز الخمسة عشرة فرد ناخد صفين في قاعة متوسطة الحجم كقاعة العروض والاجتماعات التابعة لمقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالعرائش ..ونحرص على ان ننسق فيما بيننا في شان الحضور والمشاركة في المتابعة والنقاش في نشاط لشبيبة حزبية او عرض من تنظيم جمعية كنادي الموظفين الذي كان يخرج قليلا عن نسق الانشطة الثقافية النمطية لاستضافة شخصية او اسم وازن او جمعية جهوية نشطة ومتميزة ...الباقية ان كانت من باقية لا تتابع ولا تلتزم ومنغمسة في برامجها الشخصية كتحصيل الدراسة او الوظيف والعمل او الجلوس بالمقاهي وتصفح الجرائد مجانا ...
المدينة كل المدينة ما تكونه غير شلل وجماعات متحلقة حول بعضها البعض هؤلاء شلة الاستقلاليين وتلك شلة الاتحاديين والاخرى لحزب التقدم والاشتراكية والاخرى للاسلاميين الاصولين والاخرى لسماسرة الانتخابات ونحن بدورنا اضحينا نشكل شلة رفاق ..ولعلنا كنا الشلة الوحيدة التي لا تمانع حضور اي نشاط سياسي او حزبي يقام بالمدينة والتي لا تتعامل بحساسية سياسية او بنظرة حزبية ضيقة ..
ان تعبر شوارع المدينة الرئيسية في آخر المساء فلا ريب من ان تصادف جماعات تتجول مع بعضها بعد مغادرتها مكان اجتماعها بالمقاهي او بمقرات حزبية وتستطيع بسهولة ان تميز انتمائها السياسي وقد يحصل ان تجد بينها وجوها جديدة كما شان نقابي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل او الاتحاد العام للشغاليين او الاتحاد المغربي للشغل الذين كان من اشد الحرصين على ان لا يخرجوا للشوارع العامة الا للظهور مع وجوه جديدة من الملتحقين بنقاباتهم كاستعراض لربما للقوة ولمقدرتهم على الاستقطاب بينما الحزبين منهم فملتحفون على بعضهم البعض وحتى الشباب منهم نادرا ما يتواجدوا ولوقت طويل مع الكبار منهم وكان جديد الشلل شلة حزب الحركة الشعبية ونقابة اتحاد النقابات الشعبية المنفردة في نموذج الوجوه المتحلقة حول الاستاذ بديع العمري والفويلي محمد ..بينما كانت شلة صغيرة ترى في بعض ايام الاحاد والعطل والاعياد الرسمية صحبة السيد جروم من الحزب الوطني الديمقراطي وشلة غير قارة حول السيد البو من الحزب الدستوري ...
كانت اكبر شلل تجتمع بنادي الموظفين وهي في اغلبها لاساتذة التعليم الاعدادي و الثانوي مع عدد قليل نسبيا من معلمي السلك الابتدائي وكل همها ان تجتمع للعب الورق او الشطرنج او الداما بالقاعة او تصفح وقراءة الصحف اليومية والثرثرة كانوا يابون حتى الانظمام إلى حضور نشاط يقام بنفس القاعة بنفس النادي من انايتهم وزيفهم وخواءهم على ان المفترض فيهم انهم يكونون جيل المتنورين والطليعة في المجتمع واكثر الناس المفترض فيهم التصاقا بالقراءة والكتابة والتوصيل المعرفي .. بينما يتجمع معلموا السلك الابتدائي بصالون مقهى ليكسوس وبتراس مقهى الكتبية وهم يتقاسمون جريدة لربما حصل عليها احدهم من موظف ...
قد يكون لقدامى رجال التعليم وشيوخهم عذرهم فليس سهل قضاء زهاء الاربعين سنة تنتقل بين فصول الدراسة وتدريس التلامذة لكنه بالنسبة لجيل الشباب منهم والملتحقون الجدد بمهن التدريس فامر عزوفهم عن الفعل الثقافي وعن العمل الجمعوي غير مفهوم ولا شيء يفسره اذا كان اغلبيتهم بانتماء حزبي سياسي ونقابي وان البادي منه انهم يحملونه كنوع من الاصطفاف مابين اليمين واليسار والوسط وكنوع من التموقع المظهري الشكلي الاجتماعي لكنهم غير فاعلون في اغلبيتهم ولا ملتزمين حتى حزبيا واقصى التزام لهم مساهمتهم بالحضور في اللقاءات والتظاهرات الجماهيرية الكبرى التي تنشطها القيادات المركزية الحزبية والنقابية ..ولعل حضورهم ذلك الاعلان الوحيد عن انتماءهم وانخراطهم السياسي الحزبي ..وتبقى شلل الاستاذة المحامون الاقرب في السلوك الى سلوك رجال التعليم مع ظهور لامع لبعض اسماءهم بانتماءتهم الحزبية لا يتعدى جلسات المقاهي ولا يتابع اي نشاط ثقافي عام ولا يساهم حتى بالنشر او التعليق الصحفي في منابر الحزب الإعلامية ...
اطباء القطاع الخاص بالمدينة نادرا ما يتواجدون في الشارع العام وجلساتهم خاصة بالنادي الاسباني او بفندق الرياض او بمطعم وحانة الاسطال حيث لا ضرر من احتساء بعض الكوس بعد وجبات طعام غنية ولذيذة وصحبة رفقة مرموقة او مميزة بعيدا عن اية هموم سياسية او ثقافية او اجتماعية ...
وتبقى شلل موظفي بعض القطاعات التي الفت لها مكانا مخصوصا باحدى مقاهي وسط المدينة كمقهى العلمي بالنسبة لموظفي الشبيبة والرياضة ومقهى "بودعوة"بالنسبة لموظفي الجماعات المحلية وتراس مقهى الكتبية بالنسبة المقدمين والشيوخ واعوان السلطة ....
كل مقهى بالمدينة يعرف بجماعات وشلل موظفين ومهنيين او متعاطين وعاطلين ومقامرين ونوع من السماسرة وبنوع من الحزبين الذين يرتادوه وارتياده لهم ينقسم على الاقل لقسمين قسم اجتماعي شبه رسمي وقسم اجتماعي خاص ويكون في الغالب بمقهى الحي او المنطقة التي يسكنها او التي ازداد بها حيث يسهل عليه الاندماج والتصرف على حريته في اللعب والتعاطي للممنوعات وفي حالة ان كان يريد ان يتبضع حصته التموينية من المخدر فهناك سيقابل المزود له ...ولعل هذا النوع من المقاهي كان يشكل اكبر فرصة للاستقطاب لانه اصلا يتم بلغة بسيطة وواقعية مباشرة وكل حسب امكانياته ونظرته الخاصة لهذا الواقع ولمدى تطابق مصلحته ونزوعه الاجتماعي مع ما يحيل عليه ويمثله الحزبي او النقابي ويحصل الاتفاق عليه ...احيانا كان التدخل لحل مشكلة إدارية او مجرد الوعد بذلك مدخلا مناسبا لجر الشخص اولا واسرته للحزب ...واحيانا التوسط لتدبر عمل موسمي او تسهيل اجراء اداري كتسجيل الابناء في المدرسة او دفتر الحالة المدنية او لاجراء فحص بالاشعة او للاستطباب بالمستشفى او تسريع معالجة ملف الحصول على جواز السفر او اخراج ملف من البحث المتعثر بمفوضية الشرطة ...كلها سبل لاستقطاب منخرطين وتابعين للحزب ...لم يكن هناك مجال لمناقشة افكار وروى الحزب او الاطلاع على تاريخه وثراته ولا اي نوع من النقاشات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقضايا الراهنة ولمشاكل السكان والساكنة المحلية ...ولا اي نوع من التوعية السياسية او التربية على المواطنة كانت تمارس وانما ببساطة نوع من السمسرة وربط قضاء المصالح وجلب المنافع بدين الولاء والتبعية للحزب او على الاصح للمسؤول المحلي للحزب بشكل شخصي حتى كان لكل مسؤول حزبي داخل نفس الفرع كثلته وجماعة تابعيه ومن يراهن باسمهم وعددهم على مواقع او مصالح او تزكيات معينة لصالحه الخاص ..
الشبيبات الحزبية كانت اكثر انخراطا في عمليات الاستقطاب في الاوساط التلمذية وعلى مستوى الاحياء السكنية المتمركزة في محيط وسط المدينة واسلوبها ارقى من اي اسلوب اخر تمارسه كوادر الحزب فهم مستعدين لفتح اي نقاش او حوار ومبادلة الافكار والروى وغير مستعجلين في كسب منخرطين لصالح الحزب ..اذ ياخذون كامل وقتهم في التعرف الى الاخر وربط الاتصال به وفتح قناة لاجراء اكثر من محادثة ونقاش رزين وهنا كانت شخصية الناشط السياسي ومدى تكوينه هي المحدد والموثر غير ان الشبيبات الحزبية كانت تبدوا انها تعاني مع اعضاء الحزب الذين لا يعتبرون الا بالنتائج وكثيرا ما يصطنعوا وضع العراقيل لتحويل اتجاه وانظار شبيباتهم لجعلها اكثر عملية ومنضبطة لتسلسل القرار الحزبي اي لا تتصرف من تلقاء نفسها ودون مراجعة مكتب الحزب ..
جو التلمذة ارحب لخوض غمار النقاش ومبادلة الافكار وفرص اللقاء منتظمة لحد كبير ومساحة المشترك بين الجماعات والاقران اوسع لتفسح المجال لسهولة المرور لتاسيس برامج خاصة على هامش الانشغال الاساسي بالدراسة والتعلم ..سهل تمرير كتاب او اوراق او دفاتر وكرسات كما مبادلة اشرطة سمعية او موسيقية غنائية .. سهل الترويج للافكار بالوسط التلمذي لكنه دون وجود ذلك الشغف وتلك المواهب وامكانات العمل عليها في مجموعات وفي إطار ما فهي لا تنتهي بكسب اعضاء جدد ينظمون وعن قناعة لعمل التنظيم الشبابي الحزبي وينشطون به ...
نحن كنا نعرف بعضنا البعض وننتطم لنوادي نشطة بدار الشباب وكنا نرحب بالمساهمة في احياء وحضور اي نشاط ثقافي او إشعاعي او رياضي تنشيطي بعيدا عن اية خلفيات سياسية او انتماءات حزبية وكان يجمعنا ذات التقدير والاحترام لكل الفاعلين والنشطين السياسين والجمعوين دونما حاجة ليمارس الاستقطاب من اي جانب للجانب الاخر على الاقل في شكله المفضوح والمباشر ...
لا اخالني كنت مستبدا مع مجموعتي الاقرب لاننا منذ البداية تعلمنا سوية ان نكون واضحين مع بعضنا البعض ومن البداية كنا نعرف مدى حاجتنا لنستفيد من تجارب وخبرات الاخرين لنكبر ولنتفادى الوقوع في الاخطاء التي لا لزوم اليها وحتى عندما تدخل موطروا الدار ليثيروا انتباهنا لاهداف مجموعات اخرى تفد الدار وتنشط بها كمحاولات منهم لاستقطاب اليافعين والشباب الغير ذي التجربة السياسية لمقراتهم ولاطاراتهم الحزبية وجدونا على علم مسبق ودراية بموضوع هؤلاء وغيرهم كما دون استعداد للانقياد وراء اية مجموعة منهم ...كان "سي محمد العربي اسحيسح "على انه محسوب على شبيبة حزب التقدم والاشتراكية واضحا معنا ويسمي لنا الاشياء باسماءها ومن قبله كان " عبد السلام السلطاني"على انه ساعتها كان ينشط بحزب الاستقلال وشبه متطوع بالعمل داخل مؤسسات الشبيبة والرياضة الا انه نبهنا مليا لكي لا نفقد استقلاليتنا هذا دون ان نقف مترددين عن استثمار اية فرص للتعرف والاكتشاف على تجارب الاخرين بما فيها المؤطرة سياسيا والتي تحمل اهدفا محددة تصب لصالح تنظيمات سياسية وحزبية .... لكن بوعي بانه باعمارنا تلك بعد نملك كامل الوقت لكي نفهم ونستوعب السياسية والاعيبها لذلك فعلينا ان لا نتسرع في الاختيار ولا نخوض التجارب الفاشلة والموثرة سلبا على تطورنا الفكري والثقافي الطبيعي ...
في الوقت الذي انتظمت لقاءاتنا ونقاشتنا وصحبتنا مع كل من بدر الدين الساخي وعبد السلام الصروخ وتعرفنا الى مجموعاتهم وبالتتالي تعرفوا هم كذلك على مجموعاتنا الخاصة كان ودون سابق ترتيب اشبه بتنظيم علاقاتي خلوي ينشا ويرتسم كان كل واحد منا وحسب نوعية علاقاته وحميميتها وقربها ومدى الانسجام الحاصل بينها هو من ينسق بينهم وبين باقيتنا وهو من يربط الاتصال بيننا وبينها وكلما احس برغبة وطيدة ليتقرب واحد من مجموعته للمجموعة التي بتنا نشكلها كلنا مع بعضنا ناقشنا في ذلك وهكذا كان يتحدد لقاء المزيد من التعرف والتقرب من المجموعة "الاساس " ..
مقر الاتحاد المغربي للشغل اعطى شكلا من الرسمية على لقاءاتنا ولم يحدث ان كنا نواجه الكثير من التحفظ من مختلف اعضاء مجموعتنا للحضور والاجتماع به الينا ولكنه كان يلزمنا برامج نشاط متنوع وغني لكي لا نقع في الرتابة والملل والعزوف ..ربما كنا في حاجة لتاسيس إطار جمعوي او حتى ناد ولربما هذا ما طور النقاش لموضوع توليف إطار الشبيبة العاملة للعمل بشكل او باخر تحث يافطته وجعله اكثر إمكانية لاستعابنا بكل مشاريعنا وروانا واختلاف وتنوع شغفنا ..ولربما ساهم هذا النقاش في التعرض حتى لامكان تصريف قناعاتنا وايماناتنا والعمل لجانب الاطارات العمالية وتنظيماتها مع النقابة حين انها فرصة سانحة للتقرب من هموم ومشاكل الطبقة العاملة والشغيلة ولممارسة الفعل التوعوي والتعبوي حول القضايا الاساسية والمصيرية ...
كلما توسع النقاش وامتد بيننا كان حجم السياسي بيننا يتبدى اكثر فاكثر ولم نكن كلنا على نفس الاستعداد لخوض غماره لانه لم نكن كلنا قد احتككنا بجو الجامعات وبساحاتها ولانه ببساطة كان يلزمنا ان نكون حذرين مادمنا محدودي التجربة وتعوزنا خبرة الممارسة ..لم يكن الخوف ما يحكم مواقفنا او يرهبنا كل ما هناك اننا نستشعر صعوبة الالتزام في طريق طويلة مع عدم تمام الوضوح والتقييم للمواقف ومن جانب آخر لوجود اختلاف في كم وحجم الضغوط الممارسة على كل فرد منا ...
لا انكر الجانب العاطفي من علاقاتي لانه محدد اساسي في طبيعة العلاقات التي ارشحني لتكوينها وامضي على اساس انشاءها ولا اعدها مثالية مني او رومنسية معيبة ..كنت المس مني التوثر والقلق الزائد من تلك العلاقات التي تنشأ صدفة ولا تكون صافية ويكون كل شيء فيها مبالغ فيه بالكثير من الصيغ والطرق ..كنت غير قادر على ان اعطي باريحية في علاقة محدودة التطور او جامدة على ضرب من الحسابات ما ان تنتهي سينتهي معها وجود علاقتنا وكان ياخد مني الكثير نفسيا انهاء علاقة على نحو كارثي بكل ما المفروض فيه ان تحمله داخلي من مشاعر الكره والحقد والرغبة في رد الاعتبار او الانتقام ...كنت ادرك انه قد يسوء فهمي في مواقف مختلفة وقد يترتب عن ذلك فتور في العلاقة وجزر لكنني ما كنت ابالي ابقى دوما بامل كبير في غد سيعيد المياه الى مجاريها وسافهم بقدر صحيح او سيلتمس لي العذر والتبرير المناسب وسنستعيد الود والاحترام بيننا ..حتى عندما اقرر اتخاد موقف مقاطعة من احد او الابتعاد عنه ما امكنني اكون داخل قرارة نفسي التمس له كافة اعذاره ولحد بعيد صافي السريرة نحوه كانسان وككائن اجتماعي وكل ما هناك انه منطقي في العلاقات الاجتماعية يحثم علي ان اتنحى عن دربه وان لا ارافقه وان لا اضعه جانبا على هامش علاقاتي كما يفعل الخائفين على خسارة شخص قد يحتاجونه في يوم من الايام ...
مع "فخر الدين"الكاتب المحلي لفرع نقابة الاتحاد المغربي للشغل بقيت على تمام حرصي في وقاره واحترامه وفي غاية الإمتنان لانه فتح لي طريقا لاستوعب اشياء كثيرة وجد مهمة وعملية في حياتنا ولانه لم يكن متكلفا معي وحاول جاهدا توخي ان يكون صادقا معي لاقصى حد ممكن ولانه قبل بان يمدني بخبرات ومهارات في التعامل تنقصني وتعوزني واقدر له انه صادقني على حداثة سني وفارق العمر والتجربة بيننا ..لعلي من قبل معرفة "بدر الدين الساخي"كنت اقايس الامور بمنطق اكثر عاطفية وبحدة انفعالية الامر الذي كان يعرضني للهزات العاطفية ويوثر على قرارتي واحكامي لكنني بالتعرف عليه اصبحت اعقلن عواطفي واقرأ فيها وعلى هذا النحو تعلمت ان احترم اكثر الشخص الجدير بالاحترام وان اكن المشاعر النبلية لمن يستحقها ...
"فخر الدين "سلمني مفاتيح المقر ومكنني من غرفة مكتب كما لم يمانع في استعمالي للالة الكاتبة خاصته ..ولم يتدخل او يتطفل على جلاستنا وحتى الخاصة منها ولا على سلوكنا الشخصي ...وانا من عودته على افادته بما يحصل في غيابه بالمقر وقصدت من وراء ذلك ان ابني معه علاقة ملتزمة تظل فيها المواقع مميزة والحدود مرسومة جيدا بيننا وغير مبنية على المكر والخديعة ...ولما تطور نشاطنا بالمقر وتكاثقت لقاءتتا واجتماعاتنا كنت واضحا مع الجميع لانه كان لزاما علي وعلينا ان لا ننسى ان للمقر الذي يحتضن انشطتنا الداخلية حتى الان مسؤول عنه في الواجهة وهو من يتدبر بمجهوده الشخصي والاجتماعي نفقات كراءه وفاتورة الماء والكهرباء الخاصة به وبصفته السياسية النقابية يضمن لنا لحدود معينة حرمة المكان وحرية اجتماعاتنا ومماراستنا ..في بداية عرضي الامر لم يتقبلها تماما "عبد السلام الصروخ"او لعله كان يريد تفعيل المزيد من النقاش حولها والتقرير فيها للخروج بخطة عملية نحوها وبخصوص شانها .."بدر الدين الساخي"كان مع اي قرار تنظمي او اشراكي او نحو ذلك ياخد بعين الاعتبار مكتب الفرع ومنظمته الشبيبة ويساهم لجانبها في تحقيق ولو جزء بسيط من اهدافها الكبيرة ..."عبد السلام الصروخ"سرعان ما تحول لاكبر متحمس للتعاطي والتعاون مع مكتب الفرع ومنظمته وطلب مني ان افاتح كاتب الفرع في ذلك من قبل حتى ان نخرج جميعا بقرار واضح وحاسم في الموضوع ..
لعبد السلام الصروخ براعاته في كسب العلاقات وتفعيلها فهو مكايس ومراعي وبسيط في خطاباته ومنطلق في التعبير عن افكاره مما يشجع الطرف الآخر اكثر على التعاطي معه ...مر بسرعة مع فخر الدين من طرق الموضوعات العامة إلى مناقشة اوضاع المكتب المحلي للنقابة وعرض على نحو عملي مساعدة الكاتب المحلي على تنظيم عمل الفرع وعلاقاتها بالمكاتب القطاعية النقابية وفي وقت قصير تشجع فخر الدين الكاتب المحلي لفرع نقابة الاتحاد المغربي للشغل الى عقد اجتماع عام تجديدي للمكتب والى بداية الاعداد لعقد مؤتمر اقليمي تاسيسي للفرع دون خوف من ان تاول عملية الانتخابات الداخلية لغير صالحه ...
الشيء الجميل الذي كنا نفتخر باننا نحوز عليه ويميزينا هو قدوتنا على تبسيط الموضوعات والاجراءات وقدرتنا على عدم تعقيد الامور ولا وضع العربة امام الحصان ..كان كل شيء يبدوا لنا ممكننا وسهل انجازه وانجاحه بالقليل من التدبير وبالاعتماد على امكانياتنا ومواردنا الذاتية والسيطرة على موضوع الانفاق الغير الضروري والمكلف وهو ما لعلنا اكتسبناه من تجربتنا مع نوادي دار الشباب وفرقها المسرحية التي تعودت على إقامة عروض وانشطة انطلاقا من صفر امكانات مادية متوفرة ولتتمكن في الاخير من تحصيل فائض في ما اتيح من امكانات وما تم توفيره بالجهد الجماعي وبالاعتماد على دوائر علاقاتنا الخاصة والقريبة والرفاقية ...كان يكفي فقط ان نرتب الخطوات الاولى ..البداية وبعد ذلك كل شيء يسهل ادراكه وتوفيره مع اصرارنا على المضي فيه الى الاخر ...
بدر الدين الساخي كان شعلة من النشاط لا تنطفأ وفي الوقت الذي قد يداهمنا العياء والتعب والملل جميعنا يضل هو مصرا على ان لا يتوقف وان لا يياس منا ومن قدرته على استنهاض عزيمتنا ...فخر الدين بعدما تقرب من مجموعتنا الاساس تغيرت كل افكاره وخلفياته عنا وبدى مستعدا لان يراجع مساره المتدبدب في تسير الفرع والعمل بمعيتنا على تنشيط المكاتب والشبيبة العاملة كما ابدى استعداده لتوفير الدعم المادي بعدما كان يستصعب القيام بآية خطوة ويجتج بالكثير من الحجج والاشتشكالات وهو الذي اخد يلاحظ التحول النوعي الذي عرفه المقر الذي اخد يعج بالحضور الفاعل والمستعد للانخراط والعطاء والدفع في اية خطوة إيجابية يرتيها جمعنا ..
نظم عبد السلام الصروخ مع فخر الدين الكاتب المحلي اجتماعات المكاتب القطاعية وجموعها وداب على توثيق اجتماعاتها ومقرراتها وتنظيم ملفات مكاتبها وعملنا جميعا على الانخراط في فتح نقاشات مع العمال ودعوتهم للحضور وتشجيعهم على الانتظام في حلقات نقاش وتدارس القضايا القطاعية والعامة التي تخص كل القوى العاملة والشغيلة بالاقليم ...وهكذا بدا الاعداد لاجتماعات تاطيرية يستدعى اليها اعضاء في الغرف المهنية الجامعية والجهوية وفاعلون حقوقيون للرفع من وعي مسؤولي المكاتب والعمال المنخرطين معهم ...
بدا كل شيء يتقدم ايجابا ويبشر بالنجاح وكلنا بات اكثر التزما بالحضور والمتابعة والمشاركة والجو الديناميكي الذي خلقناه كان وحده الاكثر تشجيعا لاي وافد جديد على التفكير في تكرار زيارته بل والانخراط في المتابعة والعمل لجانبنا ...
تكسرت حلقة الوصل التي كانت تربطني بين كتابة الفرع والشبيبة العاملة وبين مجموعتنا الاساس دون ان استشعر اي ضعف في موقفي بل بالعكس كان الامر بمثابة نجاح لمساعي في تنشيط الفرع الذي اصبح الان إقليميا وعلى راسه فخر الدين الذي استطاع ان ينال اصوات الموتمرين الاقليمين بالنسبة لي وبالنسبة لعلاقاتي مع فخر الدين فلقد كانت ممتازة وحققت الكثير من اهدافها العملية وبالنسبة لعلاقاتي مع رفاقي فهي بالتاكيد إيجابية ومثمرة ولا مجال للوقوف عند فضل احد على احد لانه جميعنا نخلص في النهاية إلى انه لولا الرغبة التي كانت تاججنا جميعنا وشغفنا بان نحقق اشياء على ارض الواقع تجمعنا وتقربنا اكثر ويكون بامكاننا ان نتشاركها ونجمع اخرين حولها لما نجحت مساعي اي واحد منا بمفرده ...