الجمعة، 11 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية.../ قلة العفة...


 بعد ان نمر من هنالك وناخد الطريق لهنالك.. نتعلم ونحفظ الطريق ويسهل علينا تذكره ومع تكرار الذهاب والاياب عليه نستسهل السلوك اليه... وننسى الرحلة الاولى وعناء الرحلة الاولى... نملك الثقة في انفسنا وفي قدرتنا على عبوره في كل ما من مرة ننوي اخده وسلوكه... 

لم تهبني الحياة ما اردته وتمنيت عن حق الحصول عليه...لكنني عشتها بالشكل الذي اردته فسيان عندي ان تكون قد منعت عني ما طمحت فيه ورغبت فيه بكل قوة ما دمت حتى انا نفسي لا فوت فرصة ان اعيشها كما شئت انا لا كما ارادوا لي ان اعيشها..ولا كما اوهمتني هي انه بامكاني ان اختار وحيث لا يكون هناك من اختيار...

ضيعتني قدر ما استطعت لاجدني على الشكل الذي ابتغيته واردته ولا همني تقييم الاخرين ولا باليت بان اكون في حسن ظن الغير...

صعب علي في كل مراحل عمري الاندماج مع الاخرين خصوصا اولئك الاخرين النمطيين والنمودجين..ربما لم اكره في عمري كله امرا بقدر ان اخد الصف كما الاخرين وان اظل على انتظارهم كاي واحد منهم...كلا لم اكن ابدا كواحد من الاخرين ولا حبذت الفكرة ابدا مهما بدى لي قدر الضرائب التي يمكن ان ادفعها مقابل راي وموقفي هذا....

من ذلك العمر الحديث تعلمت ان اخد وقفتي ليس ببعيد عن الاخرين كما ليس بالقرب منهم...وتعلمت ان الزم يدي واضعها خلف ظهري وان استحظر مليا في راسي ان لا استعجل واستعمل يدي كما يفعل الاخرون وعوض ذلك ان استعمل نظراتي لتلجم اي يد تتسرع وتمتد تجاهي..ان افرض ارادتي دونما حاجة لان استعمل يدي..دونما ان اجر جرا لابدي عنفي...فكرت الاف المرات في سبل الدفاع عن نفسي ولا استسلمت لفكرة ان احرك يدي مثلما يفعلون...قبلت على نفسي ان اعالج بضربة خاطفة تدمي شفتي او انفي ولا قبلت ان اتورط في ردها بتلك الشاكلة ولا على ذلك النحو لا السريع ولا المتاني او المتاخر...كنت احمل محفظتي المبعثرة وانتبه لما اتسخ من ثيابي او تمزق دونما ان احاول مسحها او مداورته واعقل جيدا الحدث ومسببه..صاحبه وان امضي طريقي...حتى لغة الحسابات ما فضلتها بذلك الشكل النمطي الذي تمليه الرغبة في الانتقام ورد الصاع صاعين او انتظار لحظة التشفي....الحساب كان عندي لا يخص احدا غيري وليس فيه انا واخر...فيه فقط انا..كيف اخلص للااسامح وللااحقد ولاتعالى تماما..كيف ان لا اتاثر وان لا تنال مني في نفسيتي وتدفعني لاتغير في اتجاهات لا اريدها ولا اقبل بها...

فهمت حياتي ووجوي الاجتماعي على نحو خاص..كنت مستسهلا تماما فكرة ان اعيش وحسب...ان اقطع العمر او يقطعني بما اتفق وكيفما اتفق..

وتعلمت انا اتبدى على غير حقيقتي..ان اكون اي شيء يريدونه ويقدرونه هم من نظرهم لي ولحجمي وشكلي ولسلوكي على ان اصطدم معهم وانا احاول ابارز شخصيتي والدفاع عن وجهات نظري... 

تعلمت الصمت ودربت عيني على ان ترى جيدا ورؤيتها على ان تتسع وتحيط بكل شي يدور في حقلها وذاكرتي على ان تكون حاضرة تخزن وتسجل كل شيء... 

كنت التلميذ المرتبة ثيابه والمرتخية عضالته والغير حادة رؤيته كما ارادني السيد الوالد... وكنت التلميذ الغير مطلوب منه ان يقيم مجهودات خارقة ليتوفق بل فقط التلميذ اللاباس به الذي يحافظ على مستوى مقبول وينجح في حدود المعدل كما ارادني السيد الوالد  الذي لا يريد ان يكلف نفسه ووقته وجهده ليصنع مني المتفوق والمجتهد... 

كنت الطفل الذي يرضي والدتي.. الطفل الذي لا يثير المشاكل ولا الخناقات والذي لا يعود بثيابه متسخة ولا ياتي من يشكوها سوء تصرفه او سلوكه... 

والدي كنت خامس ابناءهم  والدور الذي رسموه لي كان دورا بسيطا وعاديا جدا ينسجم مع وضع اسرة لها عدد من الابناء وامكانتها محدودة وجد متواضعة... لم يحاولوا ان يغدوا في اي طموح كبير او يصنعوا من انايا انا راغبة وجادة في طلب تحقيق وجودها وذاتها بين الاقران... كانوا يريدون مني مجرد شخص عادي تكون له حياة عادية وبسيطة يانسهم في حياتهم ويظل لجانبهم بعد ان يرحل الكبار وتتزوج البنت الصغرى.... 

لا اريد ان اعالج رؤيتي هذه باجراء تحليل نفسي ولكنني دعني اقول ان هذه كانت اول صدمة في كل حياتي... لقد كان السيد الوالد يعرف جيدا ما يريده من ابنه الخامس وكان على اعتقاد ان تربيته ستكون جد سهلة وميسرة... وعلى ذلك المنوال تعامل معي اساسا اخي الاكبر خالد.. خليفة السيد والدنا في الارض.... ومن هاهنا بدا ونتج كل الخلاف والصدام بيني وبين اخي الاكبر وسلطة الاخ الاكبر.... 

لم اكن الغبي ولا السادج لينطلي علي تساهل وتسامح السيد الوالد مع اقبالي على الدروس وحتى الذهاب الى المدرسة ولطلما جربته وانا مفضوح في ادعاءاتي بالمرض لابطل الذهاب الى المدرسة  وكان يتقبلها بلا ادنى محاولات التعامل بصرامة او التمحيص في ادعاءاتي... 

السيد الوالد رجل تعليم متمرس وخبير له ان يعرف جيدا ويقيم مليا مستواي الدراسي واشكال تحصيلي للقواعد والمعارف الاساسية وبالتالي لو كان راغبا وجادا في ان يجعل مني تلميذا في المستوى المشرف لاوجد بدل الطريقة عدة طرق كان يدرس لي هو بنفسه او يلحقني بقسم للتقوية فيما ينقصني او يفوتني من استشاربه من دروس وقواعد...ولا كان يهزا حتى من محاولاتي اللجوء لاخوتي برغبة التحصيل الجيد والتفوق بالتالي:"اش غدي يقرى هذاك...."انا لم تكن عندي اية اعاقات ادراكية او حسية او معرفية تحول دون ان اتعلم واتلقى تعليمي بل وان اكون من المتفوقين...ليحكم علي بذاك الحكم:"اش غدي يقرى هذاك...."

حدث ان كنت اشكوا الوضع لوالدتي واضع نفسي مكان ابناء الجيران الذين لا يدخرون جهدا من اجل ان يحصل ابناءهم على تقديرات جيدة في دراستهم والذين يتكلفوا من جيوبهم الخاصة ليحصل ابناءهم على ساعة تقوية اضافية في عدد من المواد..بينما والدي لا يكلف نفسه حتى المراجعة معي ولا حتى تشجيعي على فعل ذلك...

في تلك المرحلة المبكرة حقيقة لم اكن املك تماما القدرة على حد النزيف...كنت ادرك ان اقبالي على التعلم دون المطلوب..كنت بما لا افهمه تماما لا استطيع ان احصر كامل انتباهي على العمليات التعلمية ويضيع مني تركيزي واجد جزئيات عديدة من الدرس تضيع مني ولا اتمكن من استعابها وفي المحصلة يبقى الدرس في مجمله بعيدا عن الاسترساخ في ذاكرتي...افهمه ولا افهمه كلية...ألم به في عموميته دون ان املك تذكره في كل تفاصيله ولا اعرف كيف اوصل البداية بالنهاية..لعلي ابدا يومي الدراسي بشعور بالتعب والوهن العقلي وباحساس بانني بلا رغبة في المتابعة ولا حتى في التحصيل او التواجد بالقسم الدراسي...ربما اعاني من تابعات ليلة لم انم فيها جيدا وتارقت فيها طويلا كما بكيت فيها بسبب واضح وبلا سبب وبذلك الكسل الذي يهم بي في اخر ساعات النوم وقرب الاستيقاظ مما يذهب عني امكان النهوض على احسن حال وفي تمام حالات نشاطي وتفتح ذهني.. ويبقى الضجر والملل سيد الموقف الذي يصاحبني طيلة الحصة الصباحية بالخصوص اما في حصة ما بعد الزوال الى اخر المساء فاكون مرهقا ومتبعا وغير قادر على تنشيط ملكات ذهني وقدراتي على التركيز...ويتعاظم عندي الاحساس بانني في العموم غير قادر ولا راغب في الدراسة ولا في شغل هذا المقعد الدراسي وبانني مجبور فقط على حمل حقيبتي والتوجه الى المدرسة كل يوم بلا ما يحفزني على المتابعة او ينمي في الرغبة على الاستمرار....البقاء في المنزل لم يكن كذلك ممتعا لكنه على الاقل يبعد عني ذلك التوقع المخيف والحاط من اعتبار الذات وانا ممكن في اي لحظة ان اتعرض للاهانة ولسوء التقدير من معلمي ومن زملائي بالفصل....

اضحت  المدرسة وبرنامجها حملا ثقيلا على قلبي وسببا كافيا ليدخلني في الثوتر والقلق ويستنفد مني طاقتي..ويعكر علي حياتي...تمنيت في مواجهة كل ذلك ان استيقظ يوما وقد قطعت كل صلاتي بحياة المدرسة والتمدرس لاتوجه لفعل اي شيء او لتعلم اي شيء اخر غير ان اكون مكرها على ما لم اعد اطقه...

مصيبتي انني كنت على وعي بان كل يوم دراسي يمر دون ان اقبل عليه بجد واستفيد منه كما ينبغي يضعني في ورطة ويزيد من تفاقم مشكلاتي التعلمية ويعرضني للفشل وينتهي بي للاحصل على العلامات المناسبة ابان الاختبارات والامتحانات....

ومصيبتي في نفسي انني كنت باشكال عدة اعي بان مشكلتي او مشاكلي ليست مع المدرسة بحد ذاتها ولا مع ما يدرس لنا وانما  من وضعيتنا الاسرية...من كل مشاكلنا التي نتخبط بها وعلى نحو مزمن....لقد كنت خائفا ومرعوبا ولا اتصور وجود اي حل يريحنا..يأمن استمرارا طبيعيا لاسرتنا ويجعلنا نكبر دون عقد او كوارث نفسية واجتماعية...عشت كل يوم بيومه من اوله الى اخره احمل امنية واحدة ان يمر وينتهي بسلام اما الغد فلا املك الا التوجس في شانه..شانه كشان كل ايامنا سواء كان الوالد محتس للشراب او غير متعاط له لانه على كلا الحالتين سيكون مزاجه متقلب ولا شيء مضمون بل كل شيء متوقع وفي اي لحظة قد تندلع الخناقات ويعلو صوت اللعان والسباب وقد يحدث التكسير والتحطيم الانتقائي لان السيد الوالد حتى في عز سكره ليس على استعداد ليمني نفسه بخسارات مادية فادحة وانما يعمد احداث الفوضى ونثر الاشياء او قلب مائدة ليس عليها الا بعد كؤوس وليس احداث تخريب عام سيكون عليه تعويض اضراره بعد لم الخناق وانتهاء المعركة لكنه بالمقابل كان على اتم استعداد ليمد يده ويضرب بها ويمسك بالوالدة ويمزق ثيابها ويدفع اي واحد من اخوتي يحاول التدخل وينكل به خصوصا وانه يعرف ان لا احد فيهم سيجرا على مبادلته اللكمات باللكمات ولا الركل بالركل ولا الضربات بالضربات.... كان يتعمد حالات الهيجان والزعاق ليستاسد ويحكم الموقف.. على انه في اتم استعداده ليحكم النتيجة لصالحه بمعالجة الموقف بطرد الوالدة واخراجها بالعنف والقوة من المنزل واغلاق بابه ولا يهم ما عساها ترتديه من ثياب ولا تاليا ما مزقه منه.... نحن الصغيرين كان يستغل سوء تموقعنا في مشهد العراك ما بين محاولة الدفاع عنا كي لا تصلنا ضربات طائشة وما بين محاولة الاحتماء بنا ليكيل ويوجه ضربات انتقائية ومحكمة التسديد للوالدة ولاي اخ يحاول التدخل... لم يكن في العادة محكوم بدرجة السكر الفادح عندما يعلنها معركة ويصر على ان تتطور وتندلع بل كان على العكس من ذلك يلزم حيطته عندما يكون في اسوء حالات السكر والتسمم بالكحول لانه يظل متذكرا لاخر معركة خاضها وهو على تلك الحالة وانتهت بتساقطه وتبهدل حالاته وبالاكتفاء بما يجعله في غاية الندم بعدها وهو السباب واللعان الفاحش والغير المراعي بالبثة... 

مرور تلك الليالي وقدوم صباحاتها ما كان يعني باي حال انتهاء المعركة وانما بداية شقها الكلامي ولغة التهديد والتعنيف والتحقير.. ويلزم اكثر من يومين لتهدا النبرة العالية والزعيق والصراخ وينفض الجيران عن التجمع في الحي لمتابعة تطوراتها والقيل والقول فيها.. لتستمر الحرب النفسية والمقاطعة وغياب الطعام المعتاد بغياب مصروف السوق والتسوق ولن تحط الحرب اوزارها حتى يتيقن من ان كل تهديدات الوالدة بترك المنزل او بتقديم شكوى ضده للشرطة او اللجوء للمحكمة ذهبت ادراج الرياح.. بل وليتيقن من ان لا احد من اخوتي الذين يستمر في استفزازهم لاستقراء ما ان كانوا فعلا  متحاملين  عليه وهل ذلك  يشكل تهديدا عليه  .. ليبدا في الاعداد للهدنة والتخفيف من كل اشكال التصعيد الذي يكون قد اعتمده وهو حريص خلال ايامه ان لا يتعاطى الخمر حتى لا يمسك عليه دليل ليس الا... 

نحن الصغيرين نقهر بالجو المسموم الذي يضج به البيت خلال اسبوع على اقل تقدير من ليلة الخناقة والمعركة وحتى خروجنا الى جانب البيت يفقد مداقه وطعمه ويصبح يضايقنا اكثر مما قد ينفس عنا لانه يكون علينا ككل مرة ان نواجه بما لا نعرفه نظرات الجيران وتهامسهم كما امكان ان تندلع خناقات كلامية بين الوالدة واحدى الجارات بسبب وجيه او بغيره والذي يكون فقط من تحسس زائد من والدتنا من نظرات الجيران وتهامسهم مع بعضهم على انه كان في احيان اخرى مقصود من بعضهم خصوصا بعد ان تكون الاوضاع بينهم قد ساءت وغدت عرضة للتاويل الجارح وللتفسير المشين... 

نحن الصغيرين  نقهر بتناول وضعنا من كل من ياتي المنزل من افراد العائلة بنية التدخل لاصلاح الحال بين والدينا... ونقهر بكم الدموع والنحيب الذي وحده ما تملكه الوالدة وتقدمه مع مضلوميتها لكل من ياتي المنزل او لكل من تقصدهم من معارفها وتصحبنا معها لبيوتهم... 

نحن الصغيرين  قد ناخد فطورنا الذي يعده الوالد في حالة ان كانت والدتنا قد تركت المنزل ونصحبه في الطريق الى مدرستنا ونحن نجاهد كي لا تتزعزع او تتبلبل نظراتنا لكل من يعرفنا او نعرف انه على علم بما حدث معنا وببيتنا وداخل اسرتنا.. 

نحن الصغيرين لم نعد نحاول ان نتصرف على اي نحو اخر غير انتظار ان تمر الايام وتحل الهدنة ويعود الوالد لاحتساء الخمرة ببعض الاعتدال ولوحده بالبيت قبل ان يعاود الخروج او استضافة اخوته ببيتنا ويبدا في تصيد الهفوات او الاخطاء البسيطة ليفجر مما شحن به ذاتيا او اجتماعيا لتندلع خناقة ومعركة جديدة وبلا توقيت لانها لم تكن بنمطية الماجورين والمياومين او صغار الموظفين التي يكون خلو البيت من ما ينفق سبب مباشر لاندلاع الخناق فيه.. معنا وببيتنا ابدا لم تكن الوضعية المادية السبب المباشر وان كانت من جملة الاسباب غير المباشرة والرئيسية لتلف الاعصاب ولتعكر الامزجة وبداية الشد والجدب نحو اندلاع المعارك من جديد.... 

هل كنت املك التطبيع مع الوضع...؟!  هل كنت املك التسليم بانه قدرنا وبانه قضاء من رب السماء...؟!  هل كنت املك ان  اتعايش مع كل جو التوثرات والفضائح والتصرف بلا مبالات كما كان يحاول الوالد التصرف به وكان لا شيء شائن وقع منه ويعقله الحيران والناس عليه...؟!  هل كنت املك ان احصر انتباهي بعيدا عن التفكير في مصيرنا يوم تندلع معركة تحطم نهائيا استقرارنا المزعوم...!!؟

انسنا على كل ما كان يقع ويحدث ان نعيش على اعصابنا..ان نتكيف على نحو مرضي مع ما كان هو واقعنا وواقع حال اسرتنا...لا نكاد نتوهم ان فترة الهدنة قد طالت وتجاوزت الشهر لنضع جانبا بعض قلقنا حتى يحدث الخرق الفادح وداىما بنفس الاسباب وبذات الحجج او بدونها وبلا سبب يذكر وقد تبتدا بمثل هذا الاستهلال:"وش توحشتي المدابزة والمناكرة....؟!"وتندلع الخناقة التمهيدية ماقبل الظهيرة او في اول الصباح لتسخن بالتدريج مع كل كاس سيحتسيها السيد الوالد وهو يغدي في نفسه الاستعداء وينوي جعلها معركة تكسير انوف وانفة وبعثرة كرامة وتذكير جميع من في البيت بانه سيده وربه الاعلى ودونه لانملك الا الشارع والجوع....

تعبنا كلنا من نفس مواويله وقلة حياءه وعفته...تعبنا من تذكرينا جميعا بالهوان الذي ينتظرنا ان قرر ان يحسم امرنا ويضع يده عنا...وتعبت من وضع الفرضيات انا وتصور ان اللحظة حانت ووجب علي ان اختار مع من يمكن ان امضي او ابقى...تعبت لدرجة تمنيت فيها عن حق ان يحدث الانفصال وان ننتهي لوضع التشرد الذي يهددنا به جميعنا دون ان ابقى اتحسبه في كل لحظة...وتمنيت صادقا لو عدمت الوجود نهائيا داخل هذه الاسرة..وتمنيت بحق لو اسعف ذات ليلة بان انام ولا استفيق نهائيا....

تعبت من النظر اليه وهو يقف لحانب معلمي مدرستنا يتجادب الحديث ويضحك ويبتسم بتادب ولطف وانا اخاطره بذهني واساله لماذا يفعل بنا كل ذلك واساله بلسان والدتنا او ليس حرام ما تفعله بنا...!!؟...

تمنيت لو يتعب وينتهي ليكف عن سلوكه الشائن معنا ويتبدل..يتغير لنفخر به كاب لنا يستحق منا الاحترام والتقدير ونسعى نحن لننال رضاه...تمنيت لو يلتفت في يوم وينظر باتجاهي وانا انظر اليه من مكاني ويكون قد سمع مني خواطري وتمنياتي ويستجيب لها....


الأربعاء، 9 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية.../ صناعة القدر...(تابع 1-2: اخي فؤاد ).


 كلما اعتقدت انني قلت كل شيء او انني عدت بذاكرتي الى حقيقة ما كنت عليه اجدني كانني لم اقل بعد اي شيء ولا جرات اساسا على اتمام البوح الذي كنت ااسس له واحاول الخوض فيه.... كانني اخشى على نفسي من ان لا اقول او اتحدث الا بما قد لا يعتبر شيئاً يستحق حتى ان يذكر فكيف اكلف نفسي عناء البحث وترتيب الكلمات في شانه.. او لعلي اخشى التسطيح وانا انحو الغوص بعيدا في اعماقي... او لربما بعد علي ان ادور والف واناور حتى يتاتى لي سبر ما يمنعني من الوصول الى ذلك العمق والمستوى من عرض وحكي ما يكون بعضا من حقيقتي... 

ما كنته لا يمت بصلة لما تبدى مني وعرف عني او تراه يحكى عني من من يعتقدوا انهم عايشوني...ما كنته وان قد ينكر علي اعرف انه حقيقتي وهو الذي اوجدني على هذه الشاكلة او لعله هو ما مد لي في عمري للان بعد كل المحاولات الجادة والغير جادة للرحيل وللانتحار...

ما كنته قد لا يعني اي احد سواي لذلك منذ البداية اقصيت من ذهني قارئا بعينه اوجه له كلماتي...

وما كنته يتعبني الامساك به..ويستعصي علي النفاد اليه لخوف من انقل ما اراه الان ومن موقعي الحاضر وليس ما كنت انا فعلا عليه اعيش فيه وافكر فيه....

الحقيقة غير ما قد اخلص اليه بعد ان يمضي بي الوقت وتتبدل مواقع نظري واحساساتي...والحقيقة غير ما قد احملها كلمات نصوصي مهما حاولت تجاوز اشكال الرقابات...

الحقيقة بسيطة لا تحتمل الكثير من التاويلات...الحقيقة كأن اقول انني قد اخفي اكثر مما قد اعترف به.. وانني اتحفظ واراعي اكثر مما قد اتوخى الصدق كاملا.... والحقيقة انني بعد احاول ان اتدرب على قول البعض منها.... 

عندما ادعي الصدق اتحدى مخاطبي ان يسالني ما يشاء لانني على استعداد لان اجيبه بكل صدق  وبيني وبين نفسي قد اقول كل الصدق وليس منتهى الصدق لانك قد تحاكمني ولانك قد تسخر مني ولانك قد تمسكها علي زلة تساومني عليها في يوم من الايام... 

عندما كان يلزمني ان اعبر عن ما يقلقني ويفزعني ويتعبني وعن ما اوصلني لحالتي التي اكون عليها منهارا عصبيا او مكتئبا وغير راغب في الحياة افقد الجراة على التعبير... لا املك شجاعة البوح... واكون خائفا بالاساس بان لا اقدر جيدا وان يهزا مني وافضل ان اصمت وان لا اقول بالمرة اي شيء... "ما الفائدة من ان يذكر  لي تصريح ما لا يفيد ايا من حقيقتي وحقيقة ما يشكل وضعي...!!؟".. 

تمنيت بجد وبرغبة خالصة في مواقف عدة من ان اتغلب على مخاوفي وان اعبر صراحة عن ما كان يعتمل بالفعل داخلي ساعة ذلك الحدث او تلك اللحظة العصية... كنت اتوق لان اتمكن من التحرر والتخلص مما بقيت متكتما في شانه... لعلي كنت ساتحصل على اكبر قدر من الراحة لو تمكنت وبكل بساطة من تلفض الحقيقة كما كنت اعشها واتعدب داخلها او بها... لكن لم اكن اسعف في تمام قولها وباللغة الواضحة التي لا تتطلب الكثير من التاويل او فك شفراتها... 

تمنيت لو ملكت ناصية التعبير وجراته لاسمي الاشياء باسماءها كما كنت ادعي انني افعل لكنني كنت اعود دوما لنفسي واقول:" احدر ان تتصرف بغباء وتفضح نفسك...  ".. 

حقيقتي الاجتماعية بامكان اي كان ان يلوكها بين شفتيه وفيهه..وبامكان السجلات الاجتماعية والرسمية ان تعقل عناوينا منها..لكنها بلا ادعاء قد لا تمت الي بصلة....وحتى انا بدوري يمكنني ان اقول واقول وان ادعي في شان ما يمكن ان تكونه حقيقتي لكنني شبه متيقن انني ساكون مفضوحا ومزيفا بلا خبرة وابلها كبيرا....

كنت ذلك الطفل الغر الذي بعد يتعلم وينقصه الشيء الكثير.. كنت مدلل اسرتي وعائلتنا في حدود امكاناتهما واوضاعهما... ثم لعله في لحظة توقفت على ان ابقى مجرد ذلك الطفل الصغير السادج الذي تنطلي عليه الحيل والالعيب.. على انني بقيت بنفس الحجم الصغير وبنفس عمر الاطفال ولربما بقدر كبير من نفس سداجتهم... اخي فؤاد عبر بي بسرعة البرق لاكبر وفي غفلة عن الجميع.. فتح كل حواسي لانظر مليا ولاسمع جيدا ولاعقل مليحا... واستحليت لعبة استغماية التي كنا نلعبها سوية على الجميع.. كان ينبغي ان اتقن التظاهر.. وكان يلزمني ان ادعي الضعف.. وكان يتحثم علي ان اكذب كما يكذب الكبار... كان علي ان احتفظ قدر ما اشاء بطفوليتي وان لا احاول ان اكبر على الاقل في نظر الاخرين لان لا فائدة ترتجى من ان اكبر قبل الاوان خصوصا في محيطنا والوسط الذي نعيش فيه.... 

كان يعوزنا الشيء الكثير..تنقصنا الالعاب والدرجات الهوائية والكرات والمجلات الملونة والصور والتذكارات والقطع النقدية لشراء ابسط الاشياء او لاقالة مركب لشاطى البحر او لشراء تذكرة سينما..كان ينقصنا الطعام الجيد والوفير والملابس الحسنة والدواء وغرف مستقلة واسرة وملايات وبطانيات صوفية وكان يعوزنا بإزمان شديد الاحذية..الاحذية والصنادل الكافية والمناسبة... وينقصنا الماء الساخن للاستحمام كلما رغبنا في ذلك وينقصنا معجون الاسنان والصابون المرطب واشياء كثيرة... 

وكان ينقصنا من بحق يبالي بنا وباحتياجتنا.. كنا نفتقد عن حق لمن يرعانا... كاذب من يدعي انه كان في مجتمعنا الصغير من تهمه تربيتنا او تخلقنا... كنا نعي مليا اننا نعيش بين ذئاب وضباع جائعة وان الخرفان مصيرها الالتهام... 

اول ما وصلنا لبيتنا الجديد بالعرائش كان قد عبر بي اخي فؤاد واصبحت اكبر من سنين عمري الخمسة..اكبر بكثير لابدا باستعاب كل ما يقع ويحصل والتكهن حتى بما سيحصل ويقع...

واول ما وصلنا ووضعنا متاعنا ورحلينا لننام ليليتها كيفما اتفق واصبح صباح اليوم الاول لنا ببيتنا الحديث الانشاء حتى حدثت المقدمات ذاتها التي قال بها اخي فؤاد والتي بدت لي عادية وطبيعية واعقبها ما قال ذاته به اخي فؤاد الى ان وصلنا الى مربط الفرس حيث اشتد الخلاف وخرجت والدتنا غاضبة او شبه مطرودة من البيت الذي استعمره عماي وصهريهما... وكان علي ان ابدا في تكوين فهمي للامور والوصول الى صياغة الاستنتاجات الصحيحة ولكي ابدا في ذلك كان علي ان افتح عيني جيدا وان اسمع جيدا لكن ليس كل شيء يقال... وانما ان اعرف لما علي ان اسمعه جيدا واعقله مليا كي لا يمرر علي مرات ومرات ويوقعني في الغلط المتعمد.. 

السيد الوالد..كبير اسرته وعائلته لعبها بجد كبير وعميد العائلة ونسي نفسه واسرته الصغيرة وحساباته واطمأن لحاله وهو الان سيد بيته ومالك السفلي الذي يذر عليه دخلا كسومة كراء فلماذا لا يسكر ويبدا سكراته من قبل ظهر اليوم وحتى وان تركت الوالدة البيت وحملت معها اختي الصغيرة فلا مشكلة في من سيطهو ويتكفل بالطبخ فعمنا بوغالب اشهر من يعد طواجين السمك وعمي محمد اشهر من يعد اطباق "البايلا"..ثم ما حاجتنا للعشاء وهناك معلبات السمك وقارورات مشروب الكولا التي لا يقاوم لذتها صغار مثلنا...ومن يعد نفسه كبيرا ليتدبر ما ياكله بنفسه..وهكذا حسم الامر....حتى خرمت ميزانية السيد الوالد وكثرة الخناقات مع الجيران مع ابناء الجيران المدفوعون من اهاليهم لمواجهة عربدة الوافدين الجدد فبدا السيد الوالد في محاولات احتواء الامر بعجالة وانهاء امور تشطيب وصباغة المنزل ودفع اخوته النساء لمصالحته مع ام ابناءه وزوجته السيدة والدتنا... كنا على ابواب الدخول المدرسي بايام معدودات وبعد لا شيء وضع او رتب في مكانه ولا ذات العشاء" الملكي" الذي انهك معدتنا اضحى هو نفسه بل شمر السيد الوالد على ذراعيه ويده واخد يطهوا لنا المعجنات والبيض بالطماطم وطرطة البطاطا بالبيض... واختفت زجاجة المرطبات وابتدات لكنة المحاسبة على كل شيء على الاضاءة الزائدة وعلى نظرات اللارضى عن الطعام وعن لا احقية طلب مصروف اضافي من الجميع بما فيهم اخونا الاكبر خالد... 

" فؤاد " كان يعرف ان كل هذا سيحدث وحدثني عنه بكل تفاصيله ونحن بعد نقل الشاحنة التي كانت تقلنا ومتاعنا من مسقط راسنا القنيطرة الى العرائش.... 

كانت حجته او حكمته بسيطة جدا تقول بان الاشياء تتكرر وان هناك اشياء ثابتة كالطباع تتحكم في تكرارها وان ليس على نفس المنوال دائما ولكن تقريبيا هي ما ستعيد نفسها وان العزم كله على العقل..على قوة الملاحظة وذاكرة تخزيننا للمعطيات ولتفاصيل الاحداث... ودائما عندما تحدث تقريبيا نفس المقدمات ستنتهي في الغالب على نفس المنوال او النسق.. 

كان علي ان ابدا اساسا في التنبه وان لا اتعب عقلي وفكري بالمتغيرات وانما ان اخزنها واتركها حتى تتفاعل وتنتج حدثا ما وهذا هو ااذي علي مراقبة حدوثه او اعادة حدوثه وظروف حدوثه في كل مرة لاخلص لاستنتاج نمطه.... 

كان اخي فؤاد  سلس وواضح جدا ودقيق في كلماته معي ويتحدث وهذا هو الاساس عن قناعة وبكامل الثقة فيما يقوله ليجعل من التواصل معي امرا بسيطا وقادرا على ان يرسخ في ذاكرتي... 

وفي يوم سالته ان كان كل الاخوة الاكبر من الاصغر منهم يتصرفون على نفس منواله معي.. فعالجني بان اعيد احالة السؤال على نفسي انا بالذات وان اضع الفرضية واتخير النمادج التي ساتابعها وسارقبها كي اتاكد ان كانوا يفعلون نفس ذلك مع اخوتهم او لا يفعلونه... ثم طلب مني بالمقابل ان اسجل ذهنيا في حالة العكس ما يفعلونه هم مع اخوتهم الاصغر منهم.... 

كنت املك ان اتابعه وبعقل متفتح واعقل عنه كل كلمة يقولها وكل شرح لمفردة جديدة يستخدمها معي لاول مرة..اتابعه وانا اتمعن جيدا فيه واصغى اليه بكل ملكاتي العقلية والحسية كما طلب مني ولم يكن يتعب ذهني او يصيبني بالتشوش او الملل والضجر البقاء لجانبه اطول الاوقات...

ولعلي سجلت العجب من متابعتي اللصيقة لاخوتي الكبار..اخي خالد الكبير واخي سمير الذي يعقبه في العمر اذ كان تقريبا العكس هو الحاصل بينهما ان تتشابك خيوط صيد السمك بقصبة اخي خالد العصبي والذي يبدا في السب واللعان ينتهى بكل هدوء وكياسة اخي سمير بحلها واعادة جمعها وعندما يحاول اخي خالد ربط صنارة جديدة بها يتوثر ويحتار في حجم اي سنارة سيستعمل ويتقدم منه اخي سمير وبنفس البساطة يتخير المناسبة لنوع السمك الذي يتواجد بمنطقة صيدهما وبطريقة سلسلة ومتقنة ينهى الامر وبكل يسر..... اخي خالد يعقد الامور واخي سمير يبسطها ويحلها بسرعة.. اخي خالد تكبر عليه الامور اخي سمير ينزلها الواحدة  تلو الاخرى حتى تتراص على مستوى واحد ويسهل الخروج بامر منها وحلها ان كانت تتطلب حلا... اخي خالد يصعب سيناريوهات مشكلاته التي يواجهها واخي سمير باستعمال ورقة وقائمة  يضع خطاطة مبسطة وواضحة لمحتويات المشكل ونسبة مأوية لامكان حله من عدمها ثم ينتهي بعرض ما اقرب الحلول الممكن بها معالجة المشكلات تلك باكبر قدر من ضمان نجاحها... اخي خالد يبدر مصروفه بسرعة ويحتاج للسجائر ولربما لثمن مشروب قهوة وسمير يقرضه من مصروفه الخاص الذي هو الاقل مما يعطى لاخي خالد... ببساطة كان سمير الاصغر هو المنقد والموجه للاكبر...

النمط الذي خلصت اليه ان اخي الاكبر ينظر للاشياء من موقع الاكبر ويفكر على نحو اعقد /اكبر ويريد الاشياء الاكبر ولا يملك الصبر مع الامور الاصغر... واخي سمير يعرف عن جد مشكلة اخي الذي ادخل في راسه انه الاكبر وان عليه ان يضل الاكبر.... 

وراقبت علاقة اخي سمير الاكبر مع اخي فؤلد الاصغر منه فوجدتها لغوية بالاساس وتعتمد الذكاء والاقتصاد في الكلام وقلما يجتمعا سوية لانجاز شيء مشترك بل كل واحد يبدوا مستقلا بنفسه والاهم انه بينما وقار عحيب وكامل الاحترام وحب عجيب انظره في عيني كلاهما عندما يلتقيا في شاطى البحر او يصعد اخي فؤاد لغرفة سطح سمير وخالد.. كان يتبادلا اوراق او وثائق او قصاصات صحف او صور فوتغرافية ويتواعدا على ان ياتيه بها بمجرد اتمام انجازها وساعتها سيكون بينهما الكلام... 

وعدت وراقبت علاقتي باخي الاكبر خالد الذي كان يفرح بمجرد رؤيتي ويبدا في ترتيب امر.. سخرة بالاساس لصالحه او طلب ان اساعده في مسك قطعة الخشب تلك ليقطعها هو او غسل اناء فرشات صباغته وملئه بماء نضيف جديد... او النزول للمطبخ لاعداد كاس ماء بالنعنان له.. او الجلوس وترتيب كل اوراقه وقطع كرطون الرسم حسب حجمها ووضعها في ملفات كبيرة... او يطلب مني ان انزل واتجسس على حالة السيد الوالد واقيس مزاجيته وان اتيه بالخبر اليقين... 

وانتهيت لاكتشف النمط انه لا يحتاجني الا ليسخرني لاغراضه انه لا يعاملني الا كتابع له.. انه لحدود بعيدة يستغفلني بالكلمات الطيبة والتشحيعية لاغير... 

وتابعت علاقة اخي خالد باخي فؤاد فوجدتها فاترة وباردة ومن جهة اخي الاكبر بالاساس  حتى انهما يتحاشيا الاجتماع في مكان واحد مما فهمت عنه ان العلاقة بينهما ليست على مايرام وانتهيت الى ان اجد النمط بينهما هو انهما لا يتقبلان ولا يتنسبان وان النمط شاذ بينهما ولا تفاعلا ايجابيا فيه...

فهمت ما فهمته ولكن بدى يعوزني ان اعود لاخي فؤاد ليشرح لي عددا من النقط التي خزنتها في ذهني ودون ان اخرج منها باستنتاجات.. فوجدته يحدثني عن التفاعلات الاجتماعية وعن تعدد انماط العلاقات الاجتماعية وعن التفوتات الاجتماعية وكل هذه الكلمات والعبارات كانت جديدة علي وكان يلزمني ان اتابع شرحه لي الواحدة تلو الاخرى..... 

وعدت لافهم بان علاقتي باخي فؤاد علاقة استثنائية وغنية بالخبرات وعلاقة صادقة فيه الكثير من الود والمحبة والتناغم.. 

كان يمضي بعيدا عني ويتركني لما زودني به لابحثه مع نفسي ولازيد التحري بشانه ولما لا ان احاول التطوير فيه.... 

بالقرب من اخي فؤاد كان الوقت ثمينا ويسعنا لنعوض فيه كل ما يعوزنا ونحتاجه بحيث كنا نتدبر امورنا بابسط الحلول كان نشد جوعنا بمجرد قطع خبز مدهونة بالزبدة ونتخيلها احلى طرطة كريمة وفواكه وبعد ان نضحك ونمرح لافكاره المجنونة يعود بي لدروس الحكمة ويحدثني عن ضرورات ان نعقلن رغباتنا وان نتصرف بالعقل.. او لم يكن ينقصنا غير ما نسد به جوعنا وكذلك فعلناه فلماذا نغبن انفسنا بالحسرة على ما لم ننله وهو في كل الاحوال ما كان الا سيسد نفس الحاجة الاساسية التي نفتقدها.. وهي جوعنا.... وبمنطقه هذا كنا ناخد الطريق راجلين ونقطع ثماني كليموترات او اكثر لنصل لشاطئ راس الرمل ونلحق لبعض الوقت باصحابه ونستمتع برفقتهم ثم نغير مكان استجمامنا الى شاطى نهري ونستمتع سوية بالمكان وباكتشافه وندرس تياراته ونوع تربته ومخاطر السباحة فيه ونعود لشطه ونجمع المحار الجيد الذي سنطهوا به طبق "البايلا" على طريقتنا وطريقتنا هي بكل ما توفر وحاولنا توفيره... ومن جديد نغير مكاننا ونقصد الرصيف حيث يجتمع صيادوا القصبة وننزل الصخور لنبحث عن اخطبوط نافق حديثا او ممكن اصطياده بحيلة الحبل والاناء البلاستيكي وحتى ان لم ننجح فلقد نتدبر بعض حبات القمرون الكبيرة.. وفي اخر المساء وبعدما يكون الجزر في اوسع انسحابه يلف ما نحمله وثيابنا البسيطة ويطلب من صاحب له في طريقه الى اقالة قارب ان يوصلها لنا الى بر المدينة حيث سيجدنا نحن بانتظاره.. ويتقدم بي مشجعا اياي على عدم التردد او التخوف انها بضع امتار سنقطعها وسيساعدنا التيار الذي اعد حسابات سرعته وهذه الاخيرة هي من حدد انطلاقا منها نقطة انطلاقنا... كان يمضي سابحا بالقرب مني وهو لا يطلب مني الا ان احافظ على بقاءى طافيا فوق الماء والسباحة بلطف... ولحظة قرب وصولنا للصخور يسبقني ليهيا لي المخرج الامن بلا خدوش او ارتطام مع صخرة او وضع قدم فوق قنفد شوك.... نجلس الرصيف وهو يضحك لضحكي ويفرح لفرحتي ويقول لي: "والان... اصدقت انك كبرت وقطعت البحر..."

ناخد ثيبانا ومتاعنا والحق به الى عربات حلويات الشباكية اللذيذة ثم نختمها بكاسين باردين من ليمونادة الليمون ثم. نتحرك في اتجاه مخازن جمع السمك وتلك التي تشتري الاخطبوط من جامعيه ونجلس هاهناك وقد اشعل سجارة اشترها بالتقسيط وكان يذخنها وهو يضحك مني ويقول لي "لا ليس هنا.. لا ليس الان... ربما بعد هذه... نعم بعدها يمكن ان اجعلك تجربها...." كان يدخنها باستمتاع ودون خحل من الكبار والاخرين... ولما اقترب صبية صغار من المخزن لاحظت انه يراقبهم وعند خروجهم نهظ اليهم واخد يتحدث اليهم قائلا لهم ان ما معهم من الحجم الصغير الذي رفض الشاري اخده ثم سالهم هل يبعوه بدرهمين وبسرعة قبلوا بالصفقة وانهينها وبذلك انهينا ما كان بحوزتنا من نقود تدبرناها بنية اقالة مراكب العبور لشاطى راس الرمل الذي كنا فيه واستمتعنا ايما استمتاع به ودون ان نحتاح لخسارة نقودنا على رحلة العبور... الان كان علينا ان نسرع بعد ان عوضنا الطاقة التي خسرنها بما اكلناه من سكريات سريعة الاحتراق لنلحق بالبيت حيث ينتظرنا غذائنا  ولقد عملنا على اخد حمام بارد اول ما وصلنا ثم جلسنا لنستمتع بغذائنا وبعد وبسرعة نظف الاخطبوط وهيأ المحار والقمرون في اناء ووضع الكل جانبا على طاولة المطبخ الحجرية ودخل الحمام ليرتب شعره ويستعد للخروج وبطبيعة الحال كان يراقب انني اراقبه وكان يعرف ما يدور بخلدي لكنني انا من لم يكن يعرف ما يدور في راسه.. يتحرك الوالد من غرفة جلوسه لحيث المطبخ ويطلق ضحكة رنانة لما راى ما جلبه اخي فؤاد وعلق قائلاً له: "دبرتي البايلا العفريت.. ومعندي ما نسلك.." رد اخي بضحكات متقطعة.. ونهرني طالبا مني ان اسرع في اعداد نفسي للخروج وهنا فطن الوالد لنفسه وتحرك باتجاه غرفته ولخزانة ملابسه وفتح درجا خاصا واخد منه قطع نقود ووضعها كلها في يد اخي فؤاد  طالبا منه ان نتقاسمها معا... وهكذا انطلقنا لنكمل امسيتنا.... وهو يحدثني عن معادلة رابح رابح...

علمني لغة الكلام..علمني ان اختار الشكل والطريقة التي اعيش بها..وعلمني الفهم....

لعل اخي فؤاد كان من اول من حسب انه سيكون علي في مرحلة ما ان اظل وحدي وان امضي وحدي وان اعيش وحدي...واول من شعر بفداحة ذلك الموقف الذي ساقع تحث ظله او عنف شمسه وضوءه الحارق...ولعله فعل الكثير ليجهزني لذلك...كان يعرف ان جميع اخوتي بما فيهم هو يكبرون ويتخطونني بمسافات وساعة سيتركون البيت وفي كل الاحوال ساظل وحدي ولا حاجة لاقول بانني ساكون باصحاب واصدقاء...

اخي فؤاد كان يعرف انني اخترت ان استقل بنفسي وان اعيش وحدتي عميقا مثلما داب هو وتاثرت انا بمسلكه ذالك...


يوميات : عوالمي السرية.../ بعض من الحقيقة..


 كل صيف ينتهي افيق على خوف اكبر ويشتد توثري وتبدا الامراض الغير المعروفة الاسباب تصيبني... كل صيف ينصرم تحدث البلبلة بمشاعري واتوجس من كل شيء... الان لم نعد نقفل عائدين الى منزلنا بمدينة القنيطرة بتنا نقطن هاهنا ببيتنا الجديد بالعرائش.. لكننا مع ذلك نكون كمن نبدا رحلة عودة الى ديارنا... الى حياة اربعة جدران داخل بيتنا.. والى ترتيبات جديدة ومسلسل من اعادة التكيف والانتظام مع البرامج الجديدة للدراسة.. للتناول الطعام.. للاستيقاظ.. للنوم... لمشاهدة برامج التلفاز.. للخروج للزقاق وللقاء الاصدقاء... وللتقشف مادامنا كلنا في حاجة للادوات والكتب المدرسية وللباس يليق بالدخول المدرسي ولواجبات التسجيل المدرسي... 

كل فصل صيف ينصرم اكتشف كم كبرنا..كم كبر اخوتي وكم اضحوا مستقلين بانفسهم وبحياتهم وباصحابهم وبخرجاتهم من وجوه من يصاحبوهم ويزاملوهم دراستهم ومن ما باتوا يرتدونه من ثياب 

كل فصل صيف ينتهي يثير انتباهي شكل السيد الوالد الغادي في التبدل واقيس كم نحل خلاله وكم فسدت طباعه او على الاقل مزاجه..وكم ثخنت الوالدة التي كانت مجبورة على البقاء اغلب ايامه بالبيت 

بعد انتهاء كل موسم صيف ابدا في انزال الدموع التي حبستها في اغلب ايام الصيف على كل مطلب اعرف انه ان لم يرفض تماما تلبيته فسيقزم ويفصل على مقدار ما يراه الوالد وحده يناسبني...

وبعد انتهاء كل صيف انتهي على تنطع بشرة وجهي وعلى ظهور بهاق بعنقي وخلف ظهري وبصدري بالاضافة لسمرة حالكة تصبغ جلدي ولتلف يعم شعري...ويبدا من هنا ومن هناك ومن جديد مسلسل التنمر علي ومحاولات النيل مني..النظرات المحتقرة لما يكونه لباسي ولشكل محفظتي الرخيصة وللنحول الذي اكون عليه بالاضافة لما صار عليه طول قامتي... ومن جديد النظرات الفوقية والاحتقارية والضحكات الهازئة والتعليقات الساخرة والاجبار على الوقوف للنيل منك وجها لوجه من اولئك الذين كمن عاهدوا انفسهم ان لا يحلوا عن دربي ابد الابدين.... 

ومن جديد يعود السيد الوالد لنظام اللتر الواحد من الخمرة الذي يخففه بنصف لتر ليمونادة سوداء وليزيد عليه ايام السبت والاحاد ان كان لوحده خمس جعات...ولنظام اتركوني لوحدي ولاداعي لازعاحي بكثرة طلباتكم فانا اتعب من العمل والتحضير له ومن حقي ان ارتاح قليلا مع نفسي.... 

ومن جديد اكتشف كم ابتعد كل اخوتي عني ولم يعد لهم الكافي من الوقت لتزجيته بجانبي وتعليمي حيل والاعيب الكبار او الجديد من المهارات...

ومن جديد نبرمج عصبيا كلنا على خرجات الوالد ليشرب مع اعمامنا او اصهاره بالجنان او ببيت العائلة وما قد تعنيه عودته ثملا او مستثارا منرفزا من عربدة له لما بعد الثالثة صباحا بالبيت وقد يرفع صوت التلفاز لاخر مداه او صوة مشغل الكاسيط برغبة في ازعاج الجميع والتعبير بطريقته على انه حر وصاحب ملك له ان يتصرف بداخله كما يشاء.... 

في الصيف قد يعود متاخرا وقد ينام بمنزلهم  لكن في عودته المبكرة للبيت لا معنى لها الا ان معركة كاسرة ستنشب داخل بيتنا وبلا اي سبب يذكر وباحتمال ان يتصيد اي واحد من اخوتي بما فيها نحن الصغار ليبدا عربدته وسبابه ولعانه وقلبه للطاولة علينا...

وبعد انتهاء  سبتمبر ودخول اكتوبر اكون قد وضعت قائمة ذهنية طويلة بالمتنمرين بي وللذين لن يحيدوا عن طريقي ودائما بلا سبب او بنفس السبب هو انني لا اقنعهم لا بسلوكي ولا بهندامي ولا بهيأتي ولا بما ابديه من احترام تقريبا للجميع.. 

وبدخول اكتوبر اكون قد عرفت في اي خانة وضعني معلم اللغة العربية كما معلم اللغة الفرنسية والرياضيات وفي العادة لا اكون في الطاولات الامامية وانما في الوسط او الوسط المتاخر بما يقول ويحد من مرتبتي ومن نسب مشاركتي في الاجابات الشفاهية والمرور الى السبورة لانجاز الاجابة على التمارين 

وبدخول شهر اكتوبر اعرف الى اي حد سأمايز داخل الفصل بين من هم عن حق مجتهدين ومتفوقين نسبيا وبين من هم ابناء ذوات وموصى عليهم ومن هم في صالح المعلم ان يستفيد من وضع ومقام اولياء امورهم لذلك سيقربهم ويعتني بهم دوننا ودوني... ومن جديد يكبر ذلك الاصرار داخلي بان لا احاول فعل الشيء الكثير لانال اي رضى من اي من معلمي بل ولاجعله يعتقد في بانني الغبي والقاصر عن الفهم والاستعاب والحفظ وانني انما ابن ذالك المعلم الزميل له في المؤسسة والذي يعتمد نفس اسلوب باقي المعلمين في دفع ابناءهم للنجاح وحسب مهما كان مستواهم ضعيف او جد متوسط.... 

جلساتي بالقرب من غرفة مكتب والدي التي يجتمع بها مع اعمامي ومع ابن عمتنا الاكبر العربي واحيانا مع زوج عمتي فطوم عبدالسلام السبتاوي... ليتسامروا مع كوس الخمرة والدخان كانت تجعلني قادرا على متابعة احاديثهم وكنت اعرف الى اي حد ان عالم التعليم ورجاله الاجلاء ليسوا كلهم كذلك بفاضلين ولا بالاجلاء ولا بمن يستحقون ان يقفوا اليهم ويدعوا لهم بالوفاء والثناء... كانوا بدورهم جزء من نظام موظفي الدولة المغبونون في اجرتهم والخاضعون لنظام التسخير ولتسلط كبار الموظفين عليهم.. وكانوا في اسفل هرم من بايدهم السلطة التي تمكنهم من تدبر الاتوات والحصول على الامتيازات والهدايا والريع او لنقلها صريحة من الحصول على الرشاوي والامتيازات... لكنهم كانوا واعون بانهم في قلب المعادلة مادام ابناء هؤلاء تحث رحمتهم لذلك كان اغلبيتهم لا يتعاتقون معهم ويفرضون عليهم نظام معاملات خاص ونظام تحصيل امتيازات خاصة... كما كانت لهم اساليبهم في الضغط على ابناء من بايدي اباءهم  واولياء امورهم  بعض من مكاسب الثروة لياخدوا منها ولو بعض قليل منها لكن لا تسامح ولا تساهل في ذلك ايمانا منهم بان الكل فاسد والكل مرتشي فلماذا عليهم هم وحدهم ان يظلوا خاوي الوفاض خاضعين لنظام رواتب هزيلة لا تسد من رمق ولا تكسي من برد او تقيم حائطا ببيت.... 

لا اعرف كل ما يتحدثون في شانه على تمام المعرفة لكنني املك ان استوعبه في معانيه الكبرى وخطوطه العريضة واسخر من نفسي واسخر من كل تلك الاخلاق التي يحاولون حشر معانيها في رؤسنا الصغيرة.. وعبثا تتحول الكلمات التي تتحدث عن الاخلاق والضمير والشرف والواجب وروح المواطنة التي كنت اطالعها واتمعن في معانيها في المجالات التي كنت اقتنيها او تلك التي يسمح لي اخي خالد بان اطالعها... 

كنت استطيع التهام كل ما يقع تحث يدي من قصص ومجلات وكتب مبسطة دونما ان اجد اية صعوبة تذكر خصوصا مع اعتمادي على تجاوز ما قد لا افهمه من كلمات واعتماد السياق العام لتحصيل الفهم وهذا جعلني استسهل الدروس المدرسية وانجاز التمارين المنزلية لكن شيئا كان كالعناد يركبني ويجعلني خصوصا داخل الفصل الدراسي غير قادر على ان اركز مع المعلم ولا احاول جادا انجاز المطلوب مني... انا نفسي لطالما حاولت ايجاد تفسير لسلوكي هذا لكنه استعصى علي ايجاد الاجابة البليغة والشافية... ربما الان قد افهم عني الشيء الكثير لكنني في تلك المرحلة لم اجده غير ظرب من العناد ونشوفية الراس ورغبات مجنونة في ان اكسر خط توقع الاخرين مني... ففي الوقت الذي يثنون فيه على ذكائي وعلى مقدراتي على الحفظ السريع... شيء في يتلف او يصاب بالعطب فيحول دون ان اسعى جادا لتحصيل الفهم المناسب لايجاد الاجابة او الحل للمسالة الدراسية المطروحة امامي... خصوصا بعدما فشلت كل محاولات جعلي اصلح واعدل من شكل خطي ورسمي للكلمات... لعلي في كل تلك المرحلة كنت احاول توجيه الانتباه لما اعانيه من تشوش وبلبلة نفسية ومن مشاكل تكيفية حقيقية مع اقراني ومع كل الوسط الذي اعيش فيه... كنت لعلي انتظر الاهتمام بي والنظر الي وتخليصي من الوضع الذي اوجدني اهلي فيه والذي هو ما اهلني لان اكون المتنمر عليه وليس المتنمر.... 

ما كان عندي مشكل في تعلم اساسيات اللغة الفرنسية اول ما اصبحت تدرس الينا في مستوى الثالثة ابتدائي لكن ميلي للقراءة باللغة العربية ما جعل مستواي فوق المتوسط الى لا باس به ولكنه لم يرقى ليكون جيدا لكن صرامة معلمي ومعلمتي والتميز الذي كنت اشهده والمسه عن كثب بين تلامذة الفصل قوى في الرغبة في التمرد ودفعني لاكف عن القيام باي مجهود حقيقي واعليت كتفي بتلك اللامبالات وقلت مع نفسي فليكن ما يكن لن اهتم ولن ابالي ولا نظر ما عساه السيد الوالد الذي لا يفكر الا في نفسه فاعلا بي.... ولعل هذه هي الحقيقة الوحيدة وكل تفسير لما حصل معي طوال فترة تمدرسي الابتدائي ولما جعل احوالي التمدرسية دون المامول من واحد مثلي.... 

لم يكن في غالب الامر يتعلق الامر بمقدراتي وفعالياتي العقلية والادراكية وانما بنظرتي لنفسي وبنظرة غير راضية على سلوك الوالد تجاهنا جميعا... كنت صغيرا ربما في السن لكنني ما كنت كذلك لكي لا اعي وافهم واحلل ما يحصل معنا ولا لادرك لماذا علينا نحن بالضبط ان لا نكون مثل غيرنا.. مثل جيراننا ومثل عوائلنا... لماذا علينا ان نتجرع المهانة والاحساس بالشماتة او بالشفقة بعد كل عربدة يطلقها السيد الوالد وبعد كل معركة في وسط الليل وصمته يفيق بها الجيران ويجعلهم يخرجون الى الدرب ليتابعوا تطوراتها او ليحاول منهم من يتدخل ويفضها بادخال الوالدة الى منزلهم او لمحاولات استعطاف الوالد من ان يلعن الشيطان....؟!!  لماذا بسبب او بلا سبب ظاهر يعلوا في بيتنا السباب واللعان ومعزوفة " طلقني ان كنت رجلا ودعني امضي لحال سبيلي ها انا واياك بالله وبالشرع...   "

ابدا لم يكن سهل على اي واحد منا ان يبتلع فطور صباح مثل تلك الليالي ليتوجه الى مدرسته ويعبر الحي ويقابل ناسه وناس الاحياء المجاورة التي جاءت بدورها لتتفرج على حالنا وان يملك ان يتصرف وكان لا شيء حدث وان الحياة طبيعية وقابلة للاستمرار على انها طبيعية....وان ادخل انا الفصل وان استجيب للسيد المعلم عندما يطلب منا فتح كتاب المطالعة او نقل كتابة نص القاعدة التي رسمها على السبورة وكانني انا هو نفس تلميذ البارحة او قبل البارحة او وكانني كاي تلميذ نام في بيته هادئا واخد فطوره وقطع الطريق الى المدرسة ويجلس الان طاولته وما عليه الا ان يفتح قليلا عقله وسيتمكن من انحاز المطلوب منه...لا محال ان ينتظر مني ان اكون انا مثل اولئك ولا ما كنت عليه قبلها على طول ايام الاسبوع الفارط بعد ان بدات احاول استعادة صفائي الداخلي من اخر معركة نشبت بالبيت وعشنا بمرارة وحرقة تفاصيلها وتطورتها.... 

لم يفعل السيد الوالد اي محاولة جادة ليحد او يردع المتنمرين بي والذين كان يحدث ان يراهم محاصرين اياي بمدخل المدرسة او بمخرجها... كنت ادرك انه غير مبال الى بالصورة التي كونها ويسعى بكل حهد للمحافظة عليها انه المعلم المقتدر والغير العنيف مع تلامذته وانه المعلم النموذجي المحبوب والمراعى من الجميع.... نعم انا نفسي اشهد له بذلك واشهد ان هذه كانت صورته المعروف بها لكن الى جانب صورة اخرى لا تقال في وجهه وانما تتناول من الالسنة للادان وتطوى جانبا كي لا تثير حفيظة من له مصلحة في الوالد... كان الكل يعرف عنه ان سكير.. عربيد.. وجبان.. وقليل التربية و"مشي راجل بش يضيع فلوسوا على الشراب وخلي والدوا ناقصين... "

لا اعرف لماذا كنت اعاقبه في واعاقب فيه اساسا رحل التربية والتعليم مع انني ساكون الخاسر في منتهى الاحوال... لكنني كنت هكذا....  

السبت، 5 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية..../..النار


 في الاجزاء الكبيرة من ذاتيتي بقيت منغلقا على نفسي ولربما فضلت ان ابقى غير مفهوم وغير واضح... في عز انغماسي في الحياة الاجتماعية كنت اجدني وحدي.. اجد اسوارا ومساحات تناى بي بعيدا على ان ادوب بين الجموع واكون كواحد منهم.. لم احتاج في كل مراحل عمري ان اعرف هل مثل شعوري هذا معمم عند الجميع.. وهل هو عادي جدا بحيث لا يشكل اية مفارقة....!!؟ 

كثيرا ما كنت انتبه لنفسي فاجدني خارج السياق العام وانا اجلس طاولة الدرس بالفصل والجميع منكب على انجاز المطلوب منه اجدني منفصلا عنهم وعن ما اكونه كتلميذ مستوى ابتدائي وتكبر غربتي...اظل احدق وارنوا لبقية اقراني بالقسم غير قادر على اركز في المطلوب مني انجازه ولا حتى متابعة المحاولة واستغرب كيف يكون بامكان الكل على الاقل ان يحاول الانكباب على واجبه الا اياي فانا ابعد على ان اجدني مثلهم بما لا اعرف كنهه او سره...كل ما يتضخم داخلي احساس بالرهافة حد الرغبة في درف الدموع والبكاء والانسحاب الى بعيد حيث يكف كل العالم ان يوجد بالقرب مني او على مراى مني....حتى وانا مقبل على مشاركة ابناء حينا لعبة كرة القدم التي لا اجيد في لعبها اي شيء فكان يحتفظ بي كحارس مرمى..تقريبا كاي شخص غير مطلوب منه في النهاية غير ان يحاول التلقي للكرة وان عبرت للمرمى فلا ريب ان الخطا لا يترتب كليا علي وانما على الدفاع وعلى من لم يحسن تصيد الكرة من الخصم وصد هجومهم..اما انا فلقد كنت على تمام العلم ان مكاني ليس بهنالك ولا بجانب كل ابناء الحي ولا وسطهم وانما لربما في مكان بعيد عنهم اراقبهم او لا اراقبهم..اتابعهم او لا اتابعهم..انظر للاشياء من حولي او فقط ابصر ولا ارى اي شيء لانني ببساطة اعيش الغياب وغارق في ذاتي...

اعود كثيرا لفترات الصبا كمن يفتش عن حقيقة لربما اضاعها وامعن النظر طويلا في الكثير من التفاصيل الدقيقة لعلي اعثر على فهم يقول لي بان الخلل ابتدا من هنالك فاقنع به لكنني مع كامل الاسف اعود خائبا..خاوي الوفاض...وبشبه قناعة بانني ابدا كنت كذلك 

حلمت باشياء كثيرة ورتبت لي عدة اشكال ممكن ان تتواجد عليها حياتي الا ان اكون ومن البداية هكذا..ابعد على ان اجدني بين الجموع وبين الناس كاي واحد من الناس....

لم اتغير كثيرا على ما كنت عليه من طفولتي الاولى..اقف على مسافة من الاخرين..اضع يدا خلف ظهري الذي اكاد اسنده جدارا وانظر متابعا هرج ومرج ولعب وتدافع وسقوط هذا وعدو ذاك ومشي اولئك مكاتفين بعضهم وانزواء اخرين.. ثم اعاود النظر الى حالي واجدني غيرهم... لا اكاد اجد مكانا بينهم او اخال ان مكاني على الاقل لا يمكن ان يوجد وسطهم ومعهم ولا بالامكان ان اشاركهم ما هم منغمسين فيه بكل حماسة ونشاط او عنف ورغبة فيه...

كنت احب ان لا اغفو عن متابعة السيد والدي وهو لجانب بعض معلمي المدرسة يدخن سيجارته ويتسلى بالحديث اليهم.. كنت اجده في محور الحديث ويسيطر على انتباه زملاءه.. واكون ساعتها احمل عددا من الاسئلة بخصوصه... بكيف يكون له ان يبادر بالحديث ويكون في مركز المحادثة بل ويشد انتباه الجميع على انني اعرفه في  العادة لا يجرا على يفعلها ويلعبها كذلك  ان لم يكن محتسيا كؤوس خمرة وشراب... ثم اعود لسابق معرفتي به هو لا يقول شيئا جديدا هو يستعرض ما هيائه جيدا بالبيت وتدرب عليه حد حفظه ليساير الجو العام والخاص لزملاءه السادة والسيدات المعلمات وليبرز ذاتيته ومكانته بينهم... انه لا يفتا ان يمارس نوعا من السياسية الاجتماعية.. اما والدي الذي اعتقد انني اعرفه جيدا فهو غير اجتماعي وميال للانعزال وخجول بدرجة متخفية وجد متحفظ في ابداء اراءه ووجهات نظره الخاصة لانه بدرجات متفاوتة ريدكالي في افكاره ويمتلك نظرة حكم وتمييز متكاملة تقرا في العمق ولا تجامل او تتزلف الحقيقة.. وعلى ما يمكن ان تبرز من كم التناقضات التي يحتويها فكر هذا الرجل الذي يكون بالمناسبة السيد الفاضل والدي فهو مؤمن بها وكثيرا ما اجده صاحب مبادئ ورؤى ثورية وحديثة على تكوينه الايديلوجي الديني واعتزازه من كونه من حفظة الكتاب المقدس  القران الكريم... 

اظل متابعا له من بعيد ومن عدد من الزويا وسؤوال يكبر داخلي هل تراني اشبهه وساكون مثله كما يحكي عن ذلك افراد اسرتنا وعائلتنا من موقع اننا بذات الطباع ومتشابهون في نقط متعددة...!!؟ 

يسعدني ان التقي معه في جوانب من شخصيته ويحدث ان اشعر بالفخر لكنني في قرارة نفسي اجدني مختلفا عنه ومختلف حتى عن خليفته اخي الاكبر خالد.... 

الحاصل الذي انتهي عنده في علاقاتي به باننا لسنا على سواء واجدني قد لا اكون راغبا في ان اشبهه او اكون مثله... 

والدي سيد على بيته ومن طينة من يحكم ويفرض تمام سيطرته على كل شيء ومتعصب في فرض ذاتيته وذوقه واختياراته... ومن من لا يقبل الاختلاف معه وها هنا يتصرف كطفل صغير عنيد واناني....   

وانا بعمر السادسة والسابعة كان يلزمني ان اجد والدي بجانبي.. احتاج اهتمامه بي لذلك كنت اجدني مخاصمه طوال الوقت وفي نفس الان مستعد لان اسامحه بمجرد ان يدنوا مني ان يبدي القليل من الاهتمام بي... بعدها وبعمر الثامنة والتاسعة لم اعد انتظر منه الكثير لانني بدات اتقبله كما هو واتعامل معه بنوع من التجرد والحياد.. ان اقترب مني اقترب منه لكن دون ان اسعى انا لطلب ذلك الاقتراب.... ربما لانني كنت قد بدات افهم واستوعب محدودية الحصول على كل ما ننتظره من الاخر... اي اخر.... 

في البيت لا احدا منا يعرف بشكل جازم كيف تتدبر اموره المالية ونفقاته حتى الوالدة نفسها مع كل محاولتها لتتحكم في مجرياته يكبر الامر عليها لان السيد الوالد غير قابل ليترك الامور تخرج عن سيطرته فهو وحده من يملك القرار ومن يملك ان يدهش ويفاجئ ويتراجع عن قرار سبق وان اتخد.... 

السيد الوالد كان متكتما للغاية في شان مدخوله وراتبه والتعويضات التي يمكن ان يتحصل عليها كما عن حجم مدخراته ومهما حاول الاخوة الكبار التكهن بخصوص ذلك يفاجؤا بانهم لن يقيموه حق تقييمه لانه من البداية يجهلون حقيقة ما يملكه ويحتكم عليه مما يمكن ان يكون قد صرفه او حوله للادخار.... 

لم يكن ممكن اقناع الوالد مثلا بضرورة اقتناء حداء جديد لان الوحيد الذي تمتلكه قد تلف وتمزق لانه قد يصر على ان حداءك بعد لا ينقصه الا اصلاح طفيف وسيكون بعمر جديد واضافي.. وكذلك كان الامر يسري على كل شيء اخر بالبيت من وابور الغاز الى مفتاح الكهرباء الى حنفية تالفة وقديمة الى قطعة اثاث او لباس اخر.... الى قلم حبر او دفتر او غلاف كتاب او محفظة مدرسية..... 

لم نكن لنجادل في حقيقة بخل والدنا من عدمها لاننا بداية لا نملك اي كشف للحسابات المالية ولاننا كنا مقتنعين او شبه كذلك بان المهم ان تضل العجلة تدور وتمضي باي شكل وكيفما اقتضى الامر ولعلنا بتنا نثني على عبقرية الوالد الذي يتدبر الامور تقريبا من لا شيء والذي يعيد القديم جديدا والغير صالح نافع.... 

لعلي ما كنت لاتضايق من اوضاعنا الحياتية والمادية بالقدر الذي وجدتني منهكا نفسيا به لا لما تكون وتوجد عليه تلك الاوضاع ولكن عن الصراع اللامنتهي بصددها بين الوالد ووالدتنا.... كان ذلك التشاحن اليومي قاتل للاعصاب ومذل وينخر احساس اي واحد منا بكرامته واعتزازه بنفسه خصوصا وان الامر ما كان يمضي بصمت او بخفوت صوت وانما بالضجيج والصراخ والغواث ويتطور للعراك ويعرف به كل جيراننا ويصل صداه للعائلة والمعارف...  

لم يكن ممكنا ان تظل تتفرج ولا حتى ان تحاول التدخل مع اصرار متبادل على قول كل شيء واي شيء ومع يقين داخلي عند كل واحد من والدي بان حياتهما اضحت كما هي عليه في الحال وان لا خيارا اخر ممكن ومقبول يمكن ان تؤول اليه الامور بينهما.. وان كل ما يصرح به او يهدد به او يدفع طرف في اتجاه اتخاده سيبقى مجرد كلام ومجرد تصريحات وبالضبط محرد حرق للاعصاب واتعاب للنفسية.... بات كل واحد منا مقتنع بانه ان لم تنشب معركة هذا الصباح او هذا المساء او في الغذ فبعده ستنشب و"الله يخرج العاقبة على خير والسلام... "... 

شيء مثل التطبيع اتخد حيال خلافاتهما المستمرة وشيء اخر مثل الاصطفاف كان يعتمل بين الاخوة وبشكل مستثر ومتخفي حتى لا يحتسب كخيانة او غدر بطرف من الطرفين والحال ان والدينا كل واحد منهما كان يعمل على كسب طرف لجانبه... اخي خالد كان يقف في الوسط بينما اخي سمير ما كان يقوى على احتمال ان يرى الوالد يشط في سلطته ويعلن العدوان فيفضل ان لا يراقب عن كثب تطورات الخلاف... اخي فؤاد  الشبه غائب عن التواجد في المنزل بحضوره يخشى عليه من اخي سمير اساسا ان يتدخل في مجرى الخلاف والصراع واخي فؤاد معروف عنه شدة عصبيته وانفعاله وكظمه الشديد... اختي الصغرى تظل تنظر الى والدنا وتستعطف ثم تحشرها والدتنا في زاويتها كمن تحتمي بها من ضربة قد تنزل عليها من السيد والدنا.. وانا يا انا... ما عساني اجرا على فعله.... اتعب من النظر في وجوه اخوتي... اتعب من تمني ان تنتهي المعركة بسلام ودون خسائر... واتعب من محاولة فعل اي شيء ومن محاولة التفكير في فعل اي شيء يمكن ان ينزل كبرد وسلام بينهما وعلينا جميعا.... وعادة كان تدخل اخي سمير الحاسم في المعركة واحلال الهدنة المؤقتة بينهم وهو ما لم يكن بيد خالد الذي كلنا كنا نعرف انه ومن حيث لا يريد حتى هو منحاز عاطفيا للسيد الوالد ولن يجرا على تدخل ناجع يحسم المعركة ولو في شقها الاعتباري والادبي لطرف على حساب طرف اخر..... 

نهار اخر يمضي او ليل اخر لم يبقى في سويعاته الا النزير يمر وعلى نفس الترنيمات والمعزوفات ينقضي ووحده ترقب المعركة القادمة ما يضل يرنوا في الافق.... صمت مطبق يحيط موضوع الخلاف لان لا فائدة ترتجى من مجرد العودة اليه والخوض فيه لانه تعدى ان يكون مهما كان هو السبب سبب الخلاف وانما تواثر الخلافات ولا نهائيتها تظل بشكل مجرد لوحدها ام الاسباب..... 

ننسى او لا ننسى...نكبت مشاعرنا المجروحة ونحاول السيطرة على كل القلق الذي يثار فينا وعلى مخاوفنا ونحاول من جديد ان نتعايش... وعلى اننا كنا صغارا كان كل الاخوة يعرفون ان المشاكل تلك وكل ذلك الكم من الصراخ والعنف والتهديد انضجنا وفعل عميقا فينا "وغير الله يستر وكان...." 

لا شيء كان يعود داخل الاسرة بشكل طبيعي او سلس بل كل شيء كان يحتاج الى عدة محاولات والى توسل عدة صيغ واساليب ترميمية لاستعادة العلاقات الى سابق ما كانت عليه في اخر مرة ليس الا وليس الى سابق عهدها لانه كان من شبه المستحيل  ان نبتلع الامر بجرعة ماء ونهضمه وكان لا شيء حدث..... 

كنت صغيرا على اجتراع كل ذلك الهم...كنت غير قابل للاقتناع بان ما يحصل معنا وباسرتنا شيء يمكن اعتباره طبيعيا ومستساغا...لا املك ان اجد اي مبررات تعيد لداخلي الامن المهدد باستمرار..ولا املك اساسا اي وعي يمكني من الركون الى اي جانب او اختيار ما لا املك ان اختار فيه والذي كان يلوح في ذهني وتصوراتي كما التالي:"مع اي طرف يمكن ان امضي او اختار ان ابقى لجانبه لو تحتم الفراق....!!؟ "....


في لحضات الفرح او في لحضات الثوتر اظل انا كما هو انا عليه اراقب بتوجس حالنا واحاول قراءة ملامح الوجوه وحتى الصمت دون ان استطيع التخلص من هذه العادة التي تتعبني واكتشف لحد ما عدم جدواها..اذ ماذا يفيد ان اعرف الى اي حد الامور في البيت قد تتصدع ونار معركة جديدة قد تنشب؟!!..ما فائدة ان اظل متيقضا اقيس الوضع كترموميتر مستشعر للحرارة وانا لا املك القدرة على توجهيها الوجهة المبتغية..وجهة ان لا تتاجج وان لا تندلع نارا تحرق اعصابنا وتبتلع هدوءنا وسلامنا الداخلي....

كنت اعرف لحدود بعيدة ان اقرا مؤشرات الثوتر حتى في بداياته الاولى وكنت اعول على اخي سمير الذي اجري لاخبره بتكهناتي ان يفعل شيئا..ان يتدخل لمحاولة احتواء الوضع قبل ان يتطور...لا اعرف تماما ان كان حكمه في محله من حيث ان والدتنا كان ينقصها التصرف بحكمة ودهاء لانه كان يرى بانها دائما تمكن الوالد من ان ينال منها ويسجل نقطا عليها وعوض ان تتصرف بلا مبالاة ولا تمكنه من اسباب قلب الطاولة عليها وعلى كل من في البيت كانت تنفعل وتندفع وهي تعرف انها في البداية والنهاية مغلوبة على امرها وان السيد الوالد ما عاد هنالك شيء يمكن ان يردعه ويحول دون ان يتخلص من شحنات توثره وقلقه الداخلي على ذلك النحو العنيف والسادي المرضي....

اخرج من المدرسة والحق بوالدي في طريق العودة للبيت وانا لا املك ان امنع افكاري من التناسل ولا تصوراتي من ان  تتبدى حول ان  كان ما ان  سيدلف باب البيت حتى سينتهزها السيد الوالد فرصة ليفجر غضبه وكبته الخاص وليوثر الجو حسب هواه ليخول الى شرابه وخمرته والى جو موسيقاه واغانيه المفضلة ولينتهي على سباب والعربدة غير مراع لنا او لحيراننا....

تعبت الوالدة واتعبتني شخصيا معها من كثرة شكواها وتدمرها وتشخيصها لسبب المشكل الاساسي في اثارة المشاكل داخل البيت فهي لا تكف على ان ترى ان اصرار السيد الوالد على تعاطي الخمر والشراب هو المصيبة العظمى التي تهدد فرص السلم والامان داخل اسرتنا بالاضاقة الى اصرار السيد الوالد على استضافة اخوته ليانسوه في جلساته الخمرية....والوالد مهما قيل ومهما نهي عن ذلك من افراد عائلتنا فهو مصر على انه حر في ان يفعل ما يحلو له مادام يرى انه غير مقصر في واجباته ومسؤولياته....

تعبت من ان اجد الوالدة تشكوا وتبكي وتنتحب وتلعن حظها العكر ومن متابعة السيد الوالد وهو يراقب الوضع من ناقدة الطابق الاول الذي نسكنه ليتسلل حاملا قفة او حقيبة تسوق قاصدا محل بيع الخمور للتسوق منه وبرغبة ان لا يكون ملاحظا او لفت انتباه احدا من الجيران او من اولياء تللمذة فصوله الدراسية...

يومين..الى ثلاثة ايام الى حتى خمسة ايام بلا خمرة كانت توثر الوضع غاية الثوتر بالبيت لان الوالد كان يبدوا خلال تلك الايام التي لا يشرب فيها متشددا وغير متساهل ولا شيء له ان يرضيه...وجد متحسس حتى من نظرات الوالدة ومن عيوننا التي تتفحص عودته من خارج البيت وهي فاضحة نفسها وتطلعها ان كان قد عاد متسوقا خمرة او لم يغعل ذلك....

لا اعرف كيف اتخدت القرار بيني وبين نفسي ولا كيف سولت لي نفسي اصلا ان افكر في الامر على ذلك النحو وان انشغل به الى حد ان ينضج واتخده كقرار ووعد دينه علي ولا من كنت اريد ان اعاقب بمثل التفكير في اتيان مثل هذا السلوك...!؟ لانني لا اخالني كنت به او عبره اسعى متقمسا حال والدنا او اريد ان اكون مثله ولا لانني كنت مستلبا بتلك الاجواء التي كان يخلقها التعاطي لذلك المشروب بين اعمامي ووالدي او ازواج عماتي واصهارهم...

لا اعرف لماذا اخدت اكون علاقة مع قنينات الخمرة ومع كوسها ومع طقوس شرابها وبيني وبين نفسي اصيغ قرار انني لا محالة ساشربها وساصاحب هذه النار التي اكتوينا منها كلنا وجميعنا....




الجمعة، 4 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية..../ اخي فؤاد....


 كنت ارغب بشدة في ان اتخطى العمر بسرعة واكبر حتى وانا عن حق لم اكن اعرف ما عساني سافعله بعمري ولا كانت عندي الثقة في نفسي ولا في مقدراتي على انه سيكون بامكاني ان اخلق لي الحياة التي قد اريد... كل الذي كان يراودني رغبة في ان اتجاوز ضعفي وهشاشتي واحساساتي بانني سريع العطب... كنت كمن يريد فقط ان يحل في مكان اخر وبشكل اخر وعلى نحو اخر غير ان اظل ذلك الطفل الذي يستشعر ضالة حجمه وتشوش ذهنه وغرابة مشاعره... لم اكن البثة متيقن في انني قد ادرك اي شيء مما قد اجدني احلم به او يستهوني التفكير في امكان بلوغه.... كنت اريد فقط ان اتجاوز واقع حالي الى واقع اخر... اي واقع مختلف اكون فيه الى حد قادر على ان اعبر عن نفسي بشكل واضح ودون خوف او ارتياب من ان لا افهم او يستنكر علي ما اجدني اقوله وانظر اليه من مكاني.... 

كنت ادرك اننا جميعنا نكبر يوما على يوم واننا لن نبقى على ذات الحال ولا ذات الهياة ولا نفس الارتباط بالاشياء والناس والامكنة...

كنت استوعب حقيقة الموت والافتقاد وكان يغبنني كشف انني قد اصحوا في اي لحظة على افتقاد اعز الناس علي ومن بفضل وجودهم اضمن وجودي على كل ما يمكن ان استشعر من اشكال الخصاص فيه ولارضى عنه...

كان يشقني التفكير في الموت كحقيقة ممكنة الحدوث في اي لحظة واجدني وانا احدق في وجوه من حولي جدتي..عماتي..والدتي..اعمامي...والدي...اخوتي..ابناء عماتي...جاراتنا الطيبات..اقفز بتصوراتي الى اللحظة تلك التي قد يتقرر فيها ان اجدهم قد رحلوا وكفوا على ان يتواجدوا بيننا...كان الخوف يعتصر فؤادي حتى وانا اغفوا في حضن احدى عماتي او والدتي او خالتي عندما يقفز خاطري لامكان ان اصحوا على افتقادهن الى الابد....ولعل كان هذا احد اهم الاسباب والدواعي التي كانت تجعلني راغب بشدة في ان اتحاوز العمر بسرعة واكبر لمرحلة اكون فيها ولو جزئياًّ في مأمن من زلزال المشاعر التي كانت تنتابني مع مثل هذه الخواطر....

لم يكن التفكير في الموت لحظات عابرة لذهني وانما كانت تعسكر وتسيطر على كل مخيلتي وتدفعني لالتحف بالغطاء واسحبه فوق راسي لابكي بصمت حد النحيب وحد تجف دموعي واستعيد بعض هدوئي واستسلم لنوم مضطرب يبدوا وكان لا صبحا قريبا قد ابلغه في بحره وانما اظل بعد كل اغفاءة استيقظ لافتح عيني وانظر ان ثمة ما يبشر بان الصبح قد حل وهل بنوره..استيقظ على تحسس بالبرد وقد زاغت البطانية عن فرشي وتعرى جزء كبير من جسمي فاستعيدها والتحف بها واظل احملق واتابع نوم من معي بالغرفة.. والدي على المرتبة العرضية من الغرفة وعمي محمد على المرتبة الموازية لي وقد تلاقت رجاله مع رجلي اخي فواد الذي يشاركه نفس المرتبة لكن راسه في جنوبها وراس عمي في شمالها...باب الغرفة الخشبي بالطلاء الاخضر المائل للفستقي مردود وشبه مغلوق والنافدة الصغيرة والوحيدة المطلة على صالة جلوسنا جميعا ببهو الدار بدورها غير تامة الاغلاق وعليها كنت اعول ان ارى تباشير النهار ان حل....

مراتب الغرفة صلبة وقاسية انها من التبن والبطانيات حالكات اللون وعلى انها خفيفة الوزن الا انها قاسية الملمس وخشنة 

ابي لا يغطي في العادة وجهه اثناء النوم لذلك اتبن بعض شخيره واخال ان فمه المفتوح هو من يبعث كل روائح الخمرة التي حرصوا على ان يشربوها من بعد اول الظهر بينما اتصور عمي محمد الملتحف بالغطاء والمنكمش تحته بعد يستعدب رائحة جوفه الممتلاة بالخمرة ولذلك لا يريدها ان تنتشر كلية في فضاء الغرفة.... "الطايفور"  في وسط الغرفة بالقرب من الباب وبعد محمل بالكوؤس وببقايا نزيرة من طعام.. اما قنينات زجاجات الشراب الفارغة فلقد وضعت ارضا قرب خزانة الملابس الكبيرة التي تسد العرض الموازي لكنبة والدي... رائحة الغرفة مميزة في كل الاوقات والفصول انها مزيج من دخان السجائر ورائحة النبيد الاحمر وجوها شبه معتم دائما... 

مع اول الصباح انسحب لالحق بجدتي لسطح البيت التي تكون للتو بدات نهارها واشغالها.. ألحق مسرعا لعلي اغنم ببعض الشاي البارد الاحمر اللون المتبقي بالبراد  من ليلة امس لارشفه مع قطعة خبز باردة تذهب عني احساسي بالجوع وببرد الصباح.... 

الصباح يذهب عني خواطري الشقية لحين فقط اذ ما نلتم جميعنا على مائدة الافطار حتى تعاودني تلك الاحساسات النزقة... وكانني لا اعرف كيف افرح او اسعد بالحاضر.. والأمر كوني لا اعرف هل كل الاطفال في عمري ينتابهم ما ينتابني ام انا وحدي فريد في افكاري وخواطري.... 

لا اتصور امكان ان ابقى وحدي مع عمتي مينة


والبيت خال من كل ساكنته وافراده... استوحشه تماما وارقد قبالة الباب في زاوية ملتصقة بجدران فرن ملتصق ببيتنا دونما حاجة لافتراش اي شيء على الارض وفي نفس الان مراقبا "الضواية" او ما كنا نسميها "المونطرنا" لعل عمتي تمر من امامها او تقصد الاطلالة علي لتنتبه لما عساني افعله.... 

يكون جو البيت موحشا ويبدوا لي اكبر من حجمه الحقيقي لكنه لا يرعبني وبشكل من الاشكال استعدب وحشته كما سرحان فكري وخواطري المتعقبة حال اين يكون ابي واعمامي وازواح عماتي ولربما بعض من اخوتي وغيرهم والذين  اعرف انهم لامحالة سيكونون بالجنان اما جدتي وعمتي فاطنة فلربما قصدن احدى بيوتات العائلة لتحصيل سومة الكراء ووالدتى مع اختى الصغرى حتما ستكونا بمنزل معارفها بدار "هميوط"... واكون انا هاهنا وقد نسيت تماما ما الذي جعلني لا اصاحب اي جماعة منهم ثم اتذكر انني انا من اختار ان يبقى صحبة عمته مينة الحضن الدافى والعينين التي تقرا ما يجول في خاطري ومايزعجني....

كنا فقراء دون ان نلاحظ ذلك انا لا اعقل جدي والد والدي لكن اعقل انه ترك لنا جنانا واسعا وعددا من البيوت والمحالات بالمدينة القديمة ومحلا لبيع السمك بالسوق المركزي... كنا ناكل ما اتفق ونشبع بما اتفق ولا نبالي على انني اسمع نفس السجال بين والدتي وجدتي ان كان الاكل سيكفي الجميع ام لا.... كان كل شيء رث وقديم وبال لكن هكذا كانت منزل جدتي مند ان وعيت عليه وحسبت انه لا يمكن ان يكون الا هكذا.. وحده المرحاض كان عقدتي اذ لم يكن غير حفرة وضيق يقع تحث سلم الدرج وبابه تمسك بسلك ولا حنفية به وبلا مصباح كهرباء.. ادلفه خائفا مرعوبا وفي العادة بعد. ان يكون هناك احد قريب مني يظل يتنادى علي كي اطمان قليلا واتمكن من قضاء حاجتي بسرعة ولاخرج من قبره بسرعة... 

كنا فقراء


وفي نفس الان ما كان لنا ان نكون فقراء انا ما كنت لاهتم بما يحكوه من حولي انا فقط اخدت اليقين من اخي الاكبر فؤاد الذي اختصر لي الوضع كله في ما تحتكم عليه العائلة من املاك وان المشكلة فيهم فهم الذين لا يعرفون كيف يتدبرون شؤونهم بل انهم استانسوا ان يعيشوا كذلك ودون حتى في ان يفكروا في تغير اوضاعهم للاحسن.... وربما مثل هذا كنت اسمعه من والدتي وهي تتدارسه مع معارفها بمنزل "هميوط".... 

منازل عماتي لم تكن بمثل سوء منزل جدتي على انها بدورها كانت منازل ضيقة وبفرش جد متواضع وتضم عددا كبيرا من الابناء والبنات.... 

انا لم اكن اشعر باننا فعلا فقراء الا عندما نكون بمنزل" هميوط" اما حتى بمنازل جيران جدتي التي كنا نلتحق بها من حين لاخر لنتابع حصصا بالتلفاز فلم يكن الوضع بعيدا عن وضعنا لكنني كنت استغرب لحال منازل قبالتنا كانت غاصة بالسكان ويقطنها عدد من العوائل بالاضافة الى جيش من الفئران ولمنزل بحوارنا كان سكانه يطلبون يوميا ملا دلوهم وبراميلهم الصغيرة بالماء من منزل جدتي 

السيد الوالد كان كبير اخوته الذكور واخته الزهرة كبيرة اخواته البنات وواحدة ماتت يخلفها ابن لها يكون هو العربي بومنينة وبنت لها تكون هي حورية بومنينة كان يظهران ويختفيان تارة يقيمون معنا وتارة لا اعرف اين يقيمون كما لم افهم كيف انهم يحملون نفس اسم العائلة.... وكلاهما كانا متحسسين لدرجة رفيعة وفي غاية اللطف  والدعة والهدوء وسهل لاي واحد منا او من غيرنا ان يتعلق بهما ويحبهما... 

عمتي عائشة كان زوجها الشريف عسكري وضمن لها حياة ظاهريا كريمة منازل كبيرة وواسعة وفرش انيق نسبيا والشريف هذا هو الوحيد  الذي لم يكن من جماعة خلان الوالد واعمامي لانه لم يكن يشرب الخمرة 

انا لم اكن اشعر بان عائلة والدنا فقيرة الا لما تصحبنا والدتنا الى مدينة طنجة الى منزل اختها زهرة حيث كنا ناكل حتى نشبع ونحلي باشهى الفواكه ونشرب ادفى قهوة بالحليب وارطب لبن وناكل الحلوى والفول السوداني  وحلوى زريعة الكتان وحلويات المواسم والثمور... وعلى ان فرشهم قديم الا انه رطب ويجلب الدفى ومرحاضهم اقل رعبا من مرحاض بيت جدتي لانها فقط مستوطنة لحشرة "سراق الزيت" وبها مصباح كهربائي وبابها يغلق من الداخل.... كما ان خالتي تعالجه بمرشة "الغاز" وتسقط عشرات الصراصير في كل جولة رش.. 

انا لم اكن لافهم ما عساه سيكون التغيير القادم او الممكن كل ما اعيه من تغيير يهم الانتقال من منزل بمدينة القنيطرة الى منزل العائلة في العطلة الربيعية وفي عطلة الصيف والانتقال الى طنجة لمنزل خالتي زهرة لحين اخد يدور الحديث عن منزلنا الجديد الذي انتهى طابقه التحتي من الانجاز والدور الان على الطابق الاول الذي سننتقل اليه نهائيا وسنودع معه مدينتنا ومسقط راسنا القنيطرة.. كنت اسال كثيرا في شانه واريد ان اعرف على وجه الضبط كيف يزعمون باننا سنكون به في احسن حال وان بانتقالنا اليه سننتقل بكل حياتنا للافضل 

السيد والدي كان عميد عائلته وكنت احسبه غنيا لانه في العادة هو من يخرج النقود من جيبه وهو من يغطي مجمل المصاريف وهو من تحيط به اخوته البنات مترجيات اياه ان يقتني لهم قنينات مشروبات غازية وهو من ينقد كل ابناء العائلة قطعا نقدية يخرجن بعدها فرحين وليفرحن امهاتهن بما وهبهم اياه خالهم با عبد القادر....


  

في ليلة عيد القدر بقيت الليلة كلها مع اخي فؤاد في السطح وكانت لجانبنا عمتي مينة التي كانت تستلقي على كنبة ببراكة السطح كنبة استقدمها زوج عمتي فطوم الذي كان يشتغل كسائق مهني للحافلات الطرقية والحضرية وهذه الاخيرة هي التي تكنى بكنيتها التي نازعته في كنيته الاولى المعروف بها "السبتاوي" فاضحت "طابطابوا" كانت كنبة حافلة طرقية حمراء اللون داكنته... سهرت معه حتى الفجر وراقبت تلون السماء لكنني لم ادعوا بشيء لم اعرف بما عساني قد ادعوا به ولربما لم اكن لاصدق في ان باب السماء حقيقة تفتح ليليتها... وللان لا املك شيئا  يمكنني ان ادعوا به السماء ان حدث وفتحت....!!؟ 

كان لغو كبير ياتي بسيرة الجن والشياطين واعمال السحر والثقاف ويذكرهم بمواتنا وبقبورهم وبمقابر لم تزر من مدة فيعقدن العزم على زيارتها في اقرب فرصة بل ويتفقن على يومها وعادة كانت لمقبرة سيدي علال بن احمد ولمقبرة للامنانة المصباحية....كانت عمتي فطوم بطبعها العفوي تسلم نيتها بسرعة بينما كانت عمتي الكبرى الزهرة تلاجج قليلا وتستحضر عددا من الايات القرائنية كما تنادي على اخيها عبد القادر الذي يكون والدي ليستحضر معها ما تناسته من ايات بينما كانت عمتي عائشة تنظر في وحوه الجميع بسماحة وطيبوبة الا ان عمتي فاطنة فهي قد تكون الوحيدة التي ينتابها القلق وتتبرم من مسار الحديث اما حتى عمتي مينة والتي كانت تتحمس للحديث وتشارك فيه فهي بعد لم تقطع رجاءها في الحصول على زوج لها لذلك لم تكن تعتبر نفسها منحوسة...

انا لم اكن معني بلغوهم ذلك مادام اخي فؤاد قد افهمني ان كل ذلك مجرد تخلف وميل للشعودة وانا ثقتي كانت بالغة في كل ما يقوله لي اخي فؤاد الذي لا يعرف كيف يداور او يثرثر وانما بمنطق مقتصد يتمكن من تفسير كل الامور لي ويقنعني بذلك....

كنت اسعد كثيرا بالخروج صحبة اخي فؤاد لان في الخروج معه عدد من الكشوفات فهو سيقربني من كل ما يمكن ان يكون محجوبا علي وحتما في كل خرجة معه ستاتي مغامرة من نوع ما وساركب معه تحديا جديدا وعند عودتنا للبيت ستستشعر حقيقة كم كبرت على ما كنت عليه ولو لفترة ساعتين او ثلاثة 

مع اخي فؤاد لا استطيع تجاوز الاحساس بانه ليس فقط اكبر مني ويكبرني فعليا باربع سنوات وانما كونه شخصا غريب الاطوار ويكبر جميع افراد عائلتنا وان منطقه مختلف كليا عن منطقهم جميعهم وان له رؤية لا تخيب وقدرة عحيبة على التنبا بالاشياء وتوقع الامور.... كنت اجده يعرف كل شيء ويعرف الطريق للوصول الى اي واحد نريد ان نقابله او نعثر على مكانه.. كان اخي فؤاد  يرفض حتى الدهشة التي تعتلي محيايا ويحثني على ان لا انخدع لانه فقط يستطيع اعمال عقله وايجاد التخمين المناسب بناءا على سابق رصده واضطلاعه على تفاصيل الامور ولكونه يعرف كيف يستعمل جيدا حواسه... نظره.. سمعه.. لمسه.. شمه.. تدوقه.... 

مع اخي فؤاد للاسف لم اكن  اشعر بكامل ارتياحي لا اعرف لماذا!؟  ربما لانه يعرف الكثير مما لا اعرفه انا او لانه لا يقول كل ما يعرفه وانما دائما يبقى بجعبته ما علي ان انتظر زمنا لاعرفه منه.... 

اخي فؤاد بشكل من الاشكال كان يخيفني ويربكني ولا يجعلني مطمئنا له لكن اصدق في كل ما يقوله لي واعرف عن حق انه يهتم بي ويرعاني كما انه يحبني...  


الخميس، 3 مارس 2022

يوميات : عوالمي السرية...../ "ولاد السوق "...


 الحكاية كما اعتقد فهي دائما ان هناك واحد ما يفتح عيني  اخر على حقائق  قد يكون يجهلها الطرف الاخر هذا ان لم يحدث ان تعرض وصدم وكبت ذلك او بعفوية انطلق يحكي عن ذلك فتلقفها الكبار وهاهنا قد يقع اي شيء بحسب ما سيتصرف به هؤلاء الكبار... 

الحكاية هي خبرة شخصية سبقها توجيه من نوع ما او بقيت كذلك مجرد خبرة عرضية قد تنفتح على كل الاحتمالات... 

الحكاية اننا نستوعب الامور دون ان نكون جاهزين تماما لاستعابها او لنعقلها..لعلها تبتدا مصادفة او كتحسس مرهف دون ان نتمكن من فهم ما الذي يحصل معنا...انا لا اخال ان احدا تكلم معي بوضوح تام او هيأني لتقبل ما كان يحصل ان احس انه يحدث معي ويتطور داخلي ويسيطر علي...

كان الجميع يتسلى بجانبي ويداعب في ذكوريتي ولم يقل لي اي منهم كيف يحدث ان انكشف امامهم..كانت عماتي يتمادين في تلك الالعيب معي وبمحضر جدتي ووالدتي والجميع...كان يحصل ان ينتصب ذكري حتى قبل ان يختن وتقبلت الامر كما لو كان مجرد مزحة لا حادثة طبيعية او فيزيلوجية.. منتهى ما كنت منتبها له وكان ياخد على محمل جد انني استعمل ذكري ذاك لاخراج البول... للتبول... اي احساسات اخرى لا اخالني ادركتها.. ربما كان يحلوا لي ان اغفوا على صدروهن او على كتف احداهن او احدهم وانني كنت استشعر الدفئ باحضانهم لا غير... 

لا اعرف عني انني انشغلت بالمقارنة بين عضو الذكري وعضو انثوي على انني كنت احب ان احملق فيه وانظر لتكوينه لكن دونما استغراب او احساس بالغرابة..لكن بالمقابل كان يستهوني شكل الصدر وتكور النهدين وملمسهما واحب ان ادفن راسي بينهما او النوم عليهما.... ولعل ذلك وحده ما ولد داخلي الاسئلة وجعلني انتبه وابدا في المقارنة بين مايميز الانثى او النسوة عن الذكور والرجال... قبل ان اصدم بان اشياءا  تحثي وانا اجلس حجر رجل اخر قد يكون عمي او ابن عمتي او جار للعائلة غير مستقرة وانها تكون لدنة لعلها مثل نهد او صدر امراة ثم تصبح صلبة ومميزة وبشكل بارز ولافحة وتستحود على احساساتي وتشد انتباهي وتجعلني لا اعرف ما المطلوب مني بعد ذلك ولا هل علي ان ابدي تصرفا اخر حيال الامر.... 

وانا اتعرض عنوة من المتنمرين بي لمحاولة لمسي بذكرهم بساحة المدرسة وهم يغلفون ذلك بكونه مجرد لعب بينهم وتدافع انتهى بملامستي كنت اكبر من ان اجعلهم يشعرونني بالخزي او الذل او المهانة كان الامر محسوم عندي انه في مجمله لا يتعدى ان يكون اعتداءا وتبخيسا من قدرتي على الرد عليهم.. انه ببساطة محاولة للنيل مني وكسر شوكتي ومحاولة اخرى للهزء مني ان حدث وقصدت المعلم المسؤول عن الفسحة بالشكوى... كان الامر معي لا يعني بحال ضرب في ذكوريتي على انه قد يفهم بكونه تحرشا جنسيا بي.... وحتى في اسوا المواقف لما كان اثنان الى ثلاثة صبية يمسكون بي في زقاق بطريقي الى البيت ويحاول احدهم ارضاخي وشل حركتي عبر امساكي من خلف وقد دس ذكره في ظهري او على مؤخرتي لم اكن اشعر حيالهم الا بالاحتقار لانني كنت اكبر من ان امكنهم من تحسيسي بالخصاء... كنت اعرف نفسي جيدا فانا لست مجرد ذكر وانما رجل..... حدث ان كان هناك منهم من يبصق تفاله على وجهي ويبعثر لي محفظتي لكنني لم اكن امكنهم من ما يريدون ان يروه مني.. "البكاء".." الدموع على خدي "... فانا في كل الاحوال لن اكون تلك البنت الصغيرة الخائفة المرتجفة التي تسبقها الدموع الى عينها.... 

مدرستنا كانت تقع في حي شعبي تحيط به العديد من الدور الصفيحية ومساحات شاسعة خالية يملاها التراب الاحمر كانت في الكثير من الاوقات تتحول لسوق عربات خضر وفواكه ولجموع باعة مفترشون الارض..وفي غيرها من الايام كانت تستولي عليها عشرات الحمير لصاحبها المنعوث ب"خرماكة" والتي كان يستغلها في نقل رمال الشاطى الصخري المخصص لاشغال البناء لتمارس طقوسها في التمرغ على التراب والاحتكاك به كما لا يفوتها ان ساعة تشاء تبدا في النهيق ومضاجعة بعضها على مراى الجميع وتضاحك الصغيرات والصغار...

مدرستنا الابتدائية كانت تستقبل تلامذة احياء جنان بوحسينة والنباص وحي الناظور والقشلة والليخروا وجامع الجديدة وبرج سيدي ميمون والبلاصة...واغلبية التلامذة كانوا من اسر متوسطة الحال ان لم تكن فقيرة الى جد فقيرة..وفي الموسم الدراسي الاول (79/80) الذي انتقلت فيه الى هذه المدرسة بعد استقرارنا بالمدينة قادمين اليها من مدينة القنيطرة لم يكن سني يتحاوز الستة سنوات بينما كان من بين تلامذة المستويات الاعلى من يتحاوز عمره السابعة عشرة لان التحاقه بالتعليم كان في عمر متاخرة بالاضافة لما راكموه من سنوات الرسوب والتكرار في نفس المستوى الدراسي.... كان من بين التلامذة من يذخن وبشكل مستمر ومنهم من يشتغل خارج اوقات الدوام ببيع الخضر او كعامل بناء مساعد ومنهم من كان ينزل البحر مع سفن الصيد الساحلي كذلك التلميذات الكبيرات التي كن يلبسن الجلاليب ومنهن من كانت بدورها تذخن وتشتغل خارح اوقات الدراسة في الافراح والمناسبات كمساعدة مطبخ او بالحمامات التقليدية او ببيع الخضر على اشغال النظافة بالبيوت.... 

الحاصل ان مجتمعنا في غالبيته كان يعاني الخصاص والفقر المدقع واللانظام واطفاله..صبيانه يعانون سوء التربية كما سوء التغذية والاهمال وعادي ان كانت رائحة بول الفراش ترافق حتى تلامذة وتلميذات مستويات المتوسط الاول...الوجوه غائرة..حالكة..  والعمش ككحل بالعينين ووسخ بالاظافر وشعر متسخ مرتع للقمل واقدام باحدية وصنادل بلاستيكية متسخة حتى الكوعين ورائحة البول هي السائدة مع رائحة الغاز السائل الذي يوضع في الشعر كحل فعال لقتل القمل والصيبان ورائحة الشاي البارد التي تخرج مع تجشعات الصباح في الاقسام اما بعد الزوال فتعوض بروائح كريهة عبارة عن حزاق وتنفسات امعاء عادة ما يقابلها استنكار من معلم القسم الذي لا يفتا على التعليق عنها بقول: " وش كليتوا الملاعق.. الجران... "... 

الياقات الزرقاء ذات الاحزمة السوداء للذكور الممزقة في الغالب او المهتراة اثوابها الرخيصة جدا والوردية او الزرقاء،الفاتحة السماوية اللون للاناث الصغيرات اما الكبيرات فكن يكتفين بوضع منديل على الشعر بذات اللون مع جلبابهم.. 

قلة من كانوا متميزين بلا مبالغة في لباسهم ونظافتهم وعنايتهم بانفسهم ومرتبين ولم يكونوا كلهم ابناء المعلمين والمدرسين بل كانوا ابناء عمال مهاجرين بخارج البلاد او حرفين اصحاب كراجات ميكانيك وصباغة هياكل سيارات وشاحنات او رياس على مراكب صيد او موظفي امن وشرطة وصحة وهولاء كانوا يشكلون مجموعات مع بعضهم البعض وفي العادة يضعون مسافة بينهم وبين باقي شرائح التلامذة الاخرين..... 

بنات الاوساط الشعبية والفقيرة كانوا جريئات ونابيات اللسان وسوقيات وبديئات وخليعات واغلبيتهن يقمن علاقات سطحية او من الدبر مع الفتيان الكبار خلف اسوار المدرسة او بساحة خلفية مستقلة كانت تخصص لحصة الرياضة البدنية اما ذكورهم فاغلبيتهم ممن يرافقن الفتية الكبار والبالغين ليتعلمن التدخين وليمارسوا معهم اللواط وليسهلوا لهم الاغرار بالفتيان الصغار  من الاوساط المتوسطة اما من كانوا من اعلى المستوى ذاك فلقد كانوا لحد ما في،مناى عن الاغرار بهم لان امهاتهم او اباءهم او اخوتهم الكبار يصحبونهم  للمدرسة وينتظروهم ساعة انصرافهم كذلك  لان الجميع كان يعلم ما الذي يحصل في انفلاث عن رقابة الاهل اما حتى ادارة المدرسة فلقد كانت شكلية وقامعة بشكل عنيف وحده حارس المدرسة "با عمار" كان  يقوم بمحهود جبار ويبين عن حس عجيب يستحق معه ان يحمل معه لقب "با" اي اب وكان كذلك ابا للجميع ويحضى بتقدير كل اولياء الامور وان كان يتعرض لبعض الهزء والاستخفاف من "ولاد السوق".... 

"ولاد السوق"القليلوا التربية المخربشة وجوههم والنحيلوا البنية في اغلبيتهم لم يكونوا بطبيعة الحال ابناء لاي سوق ولا سوق لها ان تنحب اطفالا حتى ولو كانت سوق دعارة ومتعة وانما امهات بالاساس واباء او من هم في حكمهم.... لكن السوق هنا كانت تعبيرا عن الانفلات عن التربية والضبط والرعاية.. وتعبيرا عن تازم الاوضاع الاسرية لهؤلاء.... 

"ولاد السوق"يتعارفون على بعضهم وبينهم علاقات لكنهم في الغالب يتصرفون فرادى او بمعية مستقطب جديد لسوقهم..غر..او ضحية جديدة لوضع اسري للتو يتفكك او يواجه ازمات مادية او اجتماعية كمعضلة سكن او ببساطة يكون طفلا بلغ للتو ويواجه مشاكل المراهقة الاولى....

"ولاد السوق"انفسهم ضحايا واقع اجتماعي واسري مزري وعادة ما تجد اولياء امورهم يواجهون مشاكل مع ادارة المدرسة التي تستدعيهم لتنظر في غيابهم المتكرر عن فصول الدرس او في شكاوي اولياء اخرين كانوا ضحية تعدي ابناءهم عليهم بالضرب او بسرقة ادواتهم واغراضهم...

"ولاد السوق" لعلهم كانوا صبيان او بنات يتدبرون شؤونهم لوحدهم وبمعرفتهم وبما يختبرونه من تصادمهم مع الواقع اليومي والحياتي.. ولعلي اجدهم انهم كانوا اكبر من سنهم الحقيقي ومستقلين بانفسهم كما ان سيرهم كانت معرضة فهم اما متهمون بالنشل والسرقة دائما  او مشكوك في ميولاتهم الجنسية وفوق كل هذا انهم عنيفون وميالون للتخريب واحداث الضوضاء والفوضى.... واهاليهم في الغالب اناس جد بسطاء وكادحين وامين وطاعنين في السن او على الاقل باوضاع صحية متردية حولتهم لاشبه بمسنين.... 

ل"ولاد السوق "كاريزميتهم كما كنياتهم والقابهم المعروفون بها ومجال جغرافي محدود يتحركون فيه لان لهم بدورهم عدواتهم ومنافسون لهم من مجالات جغرافية اخرى كانت تاطرها احياء المدينة الاخرى..

و"اولاد السوق" يتصرفون في الغالب باستقلالية عن الاخرين ويعرفون كيف يتدبرون مصروفهم اما عبر جمع قنينات الشراب والخمر واعادة ارجاعها وبيعها او جمع "بيدونات الزيت" وكل ما يمكن بيعه من اسلاك النحاس او قطع حديد مهتراة كما هم في الغالب من يقصدون الغابات البعيدة لجني حبات شجرة الصنوبر "البينيا" وشيها على نار حطب وبيعها في الحارات والازقة او بباب المدارس هي وحبات فاكهة عحيبة ندعوها "بوخانو" كما يقومون بالتعرض لشاحنات نقل قصب السكر ليسرقوا بعضه ويقسمونه ثم يبعوه.... و"اولاد السوق "غير أولئك  الذين يقصدون الميناء ليتدبرو حصصا من السمك فيعيدون بيعها او من من يبيعون اكياس البلاستيك المخصصة للتبضع بالاسواق او من من يعرضون خدمات حمل قفف المتبضعين لان هؤلاء معروف عنهم انهم يساعدون انفسهم او ذويهم في تدبر لقمة العيش ولان هؤلاء معروف  عنهم انهم" رجالة " وذوي شهامة وانفة وغير معتدين... 

"ولاد السوق" مدخنون للفات التبغ التي يجمعونها من شوارع المدينة ومن جوار المحطة الطرقية والمقاهي ويرافقون البالغين وكبار الفتيان لعلهم ينالوا شيئآ  من اعقاب سجائر  الحشيش او انفاسا من "سبسيات" الكيف.. ورفقتهم لهؤلاء في العادة لا تكون بريئة... 

"ولاد السوق" ليسوا هم المتنمرون الوحيدون ولا هم الفضيعون بل من يدور في فلكهم ويستهويهم مرافقتهم ومصاحبتهم لعلهم ينالون شيئا من شهرتهم فيخشون جانبا ويتقون ان يتنمر بهم... وهؤلاء ليست احوالهم الاسرية والاجتماعية بمثل سوء الاخرين وان يبقى القاسم المشترك العام هو الفقر والتخلف وتعدد افراد الاسرة الواحدة  ... 

دائما لعلها كانت الحكاية ان هناك من يتقوى على اخر ومن يتنمر على اخر ومن يحاول اخصاء اخر..لكن حكاية من يفض براءة اخر ومن يفتح عيني اخر على حقائق الحياة مع الاخرين وبحانبهم لم تكن تلقن الا كدروس الحياة بالكثير من المداورة واللف والتدليس...لم يكن هناك من يجرا على ان يسمي الاشياء باسماءها ولا من يصور لك الامر قبل ان يحدث ويقع معك....

كنا في لحضة من عمرنا الفتي نكتشف الكثير من الزيف ونكف على ان نقول الحقيقة ونحترس من ان يكتشف اننا بتنا نفهم بعضها او جزءا منها...في لحظة من عمرنا الاول نقحم في دوائر المراوغة والمنافقة ونكف على ان نتصرف بعفوية لا لاننا نكون في بدايات نضوج ما وانما لانه علينا ان نتعلم كيف نبلع الكثير من ريقنا وكيف نالف قصصا نسردها كبديل لقول الحقيقة وكيف نجعل ابصارنا لا تزوغ كي لا يقرا فيها كذبنا وزورنا....لسبب وحيد ووجيه يكونه الخوف من اقصاءنا من المشاركة في اكتشاف الحياة والتفاعل مع الاخرين...نضطر لنتعلم الكذب ونقتنع بوجوب اتقانه كي لا نتعرض للحرمان الذي لعله امر واقسى من اي عقاب اخر قد يسلط علينا...نضطر لنصمت ونشيح بابصارنا بعيدا كمن لا يفهم ما يحصل او يحدث امامه او به كي لا نتعرض للانكسار الذاخلي...ونكتشف لعلنا لاحقا كم ان حكايتنا متشابهة وفي سابق علم معضمنا وان القاسم المشترك فيها ان لا احد يريد ان يصرح بها.....

لم نكن في مناى جميعنا على ان يتنمر علينا لكن كل واحد منا وكيف يهضم المسالة ويستدخلها في قاموسه النفسي الشخصي....كما لا يفوت اي واحد منا ان يستغل جنسيا ومن شبه الجميع لكن ذلك "العيب"يبقى هو عيب ان تفطن مبكرا للعبة وتسقط غير قادر ان تتجاوز ذلك الوعي النزق فتستلد ان تستغل الا ما لانهاية....

الأحد، 27 فبراير 2022

يوميات : عوالمي السرية..../ المؤنث والمذكر


 من اولى لحظات تكون هذا الوعي النزق الذي جعلني لحد بعيد دائم القلق والتوثر ومرتابا وغير قادر على تكوين علاقات نذية انما فقط مسايرة الاقران ومن موقع الضعيف والمستسلم والمنهزم مسبقا ..كان عالمي الداخلي يتسع ويتعمق جوانيا وكذلك حاجتي لان اكون لوحدي كانت تكبر وياخدني الصمت والتفكير واحلام اليقضة لبعيد يوما على يوم ....

كنت خاىفا ومرعوبا باستمرار ومستشعرا لدرجة فضيعة بحجم احساسي بانني وحيد وغير مقدر جيدا ومستترك..شيء من قبيل انني مهمل وغير مبال به ....عبثا كنت احاول لفت انتباه السيد والدي لوضعي ..لوجودي ...لضعفي ...لحاجتي بان يسندني وينزع الخوف من داخلي ...كنت الجا اليه بنية ان يراجع معي دروسي ...ان يصحح لي تماريني ...او ان يستظهر معي ...لكنه في الغالب لم يكن يقبل على ذلك بصدر رحب وسرعان ما كان يفقد صبره معي ويبدأ في الصراخ في وجهي ...

لا اعرف لكن أشياء ما جعلتني ابدوا مقتنعا مند البداية انه لا مناص من ان اكون متفوقا ما دام والدي معلما ..ربما اقنعت بما كان يهمس لي به من عماتي واعمامي وانا مستسلم لمدعباتهم الحنونة ..فاستسهلت عملية التحصيل والتعلم ولم اخد الأمر بمحمل الجد اللازم ولم استطع ان اكون بدا بال وتركيز ...كنت في أغلب الحصص اضجر بسرعة خصوصا اذا اعتلى جو الفصل الصمت وافقد ثقتي في نفسي ومقدرتي على انجاز ابسط المساىل المطلوب الإجابة عليها او حلها او إعادة كتابتها ..وكنت اكتفي بمراقبة زميل طاولتي وشعور بالغيض يكبر داخلي ومعه الكثير من التذمر والاسى لحال نفسي ...كنت استسلم لهبات من العرق البارد تبلل ثيابي الداخلية وافقد القدرة على وضع جسدي معتدلا اذ سرعان ما انكمش على جسدي واتكور عليه واظل محملقا في دفتري ..في ورقتي عاجزا او شبه كذلك عن انجاز المطلوب مني ...كنت اشعر بحجم الاهانة التي ساتلقاها لاحقا او انيا ان مر المعلم من جانبي وتفحص دفتري وهو لن يتواني في ان يوجه انتباهي بضرورة أن أصحح واعدل من شكل خطي ورسمي للحروف ..هذا ان لم يبدا في تانيبي على جهل بابسط القواعد الاملا:ية والكتابة او بمعادلات القسمة والضرب الحسابيتين ....كنت داخليا اريد ان اصرخ عاليا او ان ابدا في تحطيم الاشياء من حولي ثم اعدوا جاريا لاي مكان يكون ابعد من هذه الحجرة الدراسية وهذا الفناء المدرسي وكل اسوار هذه المؤسسة ...او ان اجري واقتحم القسم الذي يدرس فيه والدي تلامذته واصرخ في وجهه معاتبا اياه لانه لم يولني عنايته اللازمة لأكون متفوقا او على الاقل في مستوى انذاذي من التلامذة ....

لا اعرف كنت استدخل القواعد في راسي واستوعبها على نحو مجرد لكنني افشل في تطبيقها وانزالها ويحدث ان فجاة ان ينجبس ذماغي وتشل قدرتي على التفكير ..أتصور القاعدة دون ان تعني لي اي شيء ..دون ان افهم الغاية اصلا منها ...واظل احملق في الفضاء حيث ترقص امام عيني القاعدة وخطة صياغة الجواب وانجاز الحل وبالمقابل يمتد ذلك البياض الكبير والمتسع الذي يحجب عني المقدرة على استعابها واتمام الانجاز ...

اخرج خصوصا في اماسي ايام المدرسة مفعما بالكابة والحزن وبرغبة جارفة في ان اختلي بنفسي وابكي ...ابكي حتى اجهل السبب والدافع الذي دفعني للبكاء...امضي مثقل الخطو اكاد اجر رجلي جرا ..غير راض تماما عن نفسي ..فانا بما لا اعرفه اكون الكسول وأكون التلميذ الخائب..  وأكون تبعا لذلك استحق ان اعاقب  وان اوبخ واهان....

كان شبه تحصيل حاصل ان اعرف انني هنا او هناك بمخرج باب القسم او في الطريق عبر ساحة المدرسة أو ببابها الكبير سيتنمر علي ...وان هناك من سيعبث بثيابي وسيمسكها من خلفي لتخرج من تحث سماط سروالي ..وان هناك من سيتدافع بقوة ليسقط لي محفظتي ..وان هناك من سيتصنع انه لم يراني ليدوس على حدائي ..وان هناك من سيتصيد قربي من اول فوج اناث ليدفعني بقوة تجاههن ليسبنني وينعثنني بالحمار ...ولن ينتهي الأمر عند ذلك بل هناك من سيتحين ذروة الزحام بمخرج باب المدرسة ليندس خلفي ويداعب بقضيبه الصغير مؤخرتي وقد امسك بي مكاتفا اياي بقوة وخشونة ...وان آخر قد ياخد إصبعه ليمرره على فتحة استي ....

كان مثل هذا الامر قد غدى جزءا مألوفا والكل قد إعتاد ان يتابعني اتعرض اليه ..وكان احيانا بسبب وحيد ولسبب واحد هو انني ابن معلمهم ..ابن معلم ..ابن موظف يشتغل في حقل التربية والتعليم ...ولنفس السبب عدمت اية إمكانية فعالة للوقوف في وجه كل أولئك المتنمرين فانا كان ممنوع علي العراك على انني كنت رخوا بلا مهارات قتالية وان جرأت على محاولة الدفاع عن نفسي فاوقعوني ارضا لتتسخ ثيابي او تتمزق او يخدش وجهي ويصاب فانا الملوم في كل الاحوال وانا من سيكون في حكم المعاقب لبقية اليوم ولغيره من الايام القادمة فقط لانني ابديت كوني غير مربي او لا من من حضي بالتأديب ولأن الناس سيدينون السيد الوالد الرجل الفاضل المربي لانه لم يعرف كيف يربيني ويأدبني  ...ولأنه كان علي ان اراعي مكانة السيد الوالد وان لا اتصرف كرعاع ...

كنت غاضبا طوال الوقت واتوقع الشر في كل اللحظات ما دمت خارج البيت .. كان لي اخوة كبار لكنهم ابعد على ان يسندونني في المواقف التي اتعرض فيها ...هي فقط اختى الصغرى من كانت تقف لجانبي وتحاول ابعاد الأدية عني وتحاول تحريضي على ان انقل الأمر لوالدنا على انه هو سيتصرف بمعرفته وسيحد من تنمرات تلامذة المدرسة لكنني كنت ارفض ..لا اقبل على نفسي ان اتصرف كالجبناء والواشين...ولعلي كذلك لانني كنت استمرأ مواقف من يتطوع بالدفاع عني وينهي موقف الاعتداء علي ...

كنت من الاصغر تلامذة سنا وبلباس وهندام مرتب يحرص الوالد على ان اعتني به وارتديه حتى لا اعرضه ليستعير مني ..كان مفروض علي التقيد بنفس المشية وان اخد نفس الطريق وان لا اتصرف كالرعاع ومن ان فرض علينا إرتداء الياقة البيضاء كان الويل لوالدتي ان لم تراقب وتنتبه الى وجوب ان تظل ياقتي البيضاء بيضاء ناصعة البياض ...

تعبت بجد وانا اترقب الايام ان تمضي بي لاكبر ولاكبر بسرعة..كنت احسب بانني ساعتها سيكون بامكاني ان أدافع عن نفسي ..نعم مجرد ان اتملك القدرة على الدفاع عن نفسي لا هم لي في الثأر او الانتقام من من بالغوا في التنمر علي .. فانا تعلمت ان اسامحهم لا على أذيتي وانما على انهم كذلك ولاسباب ولظروف اصبحوا كذلك وبالتاكيد كان معلمي ومرشدي في ذلك اخي فؤاد الذي كان يستطيع ان يقرأ افكاري ويصحح لي الجانح منها ويزيح التشوش عن ذهني ...

تعلمت ان ازيح الخوف تدريجيا من دواخلي ..كنت بغير حاجة لان اهرب او اغير مسار طريقي او اتجنب نظراتهم الي ...كنت اظل محدقا في عيونهم دون ان احمل نظراتي لونا من التحدي فقط اقول انني اراهم جيدا واعرفهم وغير خائف او مرعوب منهم وساعة يلحقون بي ويسدون الطريق علي اقف في مواجهتهم دون ان أبدي اي رغبة في مقاتلتهم او العراك معهم ودون ان أبدي استسلامي او خنوعي اظل واقفا متصلبا في مكاني وجاهز لاتفادي محاولة الامساك بي من عنقي او من ثيابي كما اسد فمي لا اتوسلهم ولا اهددهم وانما كمن يقول لهم وماذا بعد ...؟! ما عساكم فاعلين بي ..؟!..اصبح هناك دائما من يساعدني على الخروج من مثل هذه الورطات وفي اغلبيتهم كانوا إناثا ..تلميذات كبيرات السن والهيئة وبمجرد ما يتدخلن حتى يساندهم كبار الفتيان من المارين او ابناء الحي الذي نعبره..

سافهم اشياء كثيرة لعلي ما كنت بحاجة لأن افهمها في مثل هذا السن الحديث ...لقد كان المتنمرون بي ومن اشكال وجوههم وشعورهم وملابسهم ومحافظهم المدرسية ان وجدت بحوزتهم تشي بان اوضاعهم الاجتماعية والاسرية هشة وفقيرة ومحرومة وانهم  هم من يقفون خلف جماعات المشترين للحلويات ومما يبيعوه اصحاب العربات ليخطفوا لهم ما اقتنوه او على الاقل يبعثرونه لهم على الارض ليضيعوه عليهم ...وان هؤلاء ومثلهم من اجدهم يسرقون الفاكهة والخضر باسواق الحي وان الغالبية منهم لا يعودون إلى منازلهم الا اخر المساء بعد ان ينهوا الدوام المسائي المدرسي وساعرف عنهم كذلك ان اغلبيتهم ياتون دون تناول وجبة فطور ولا يعودون لتناول وجبة الغداء كذلك ....وساعرف ان اوضاعهم المعيشية ليست على مايرام فهم من أسر متعددة الأفراد وسكنهم قديم وصغير او عبارة عن كوخ قزديري وان فيهم من تعولهم الام في غياب الاب المتوفي او المطلق لوالدتهم ....وان فيهم من اختهم تمارس الدعارة المقنعة ... وسافهم دوافعهم التنمر علي وعلى امثالي ...انه الغيرة ..الحسد ..الحقد...لقد كانوا يحاولون النيل منا بالقوة لانهم بينهم وبين أنفسهم كانوا يشعرون بالضعف والخدلان والحرمان .....

"عبد العاطي الابراشي "في سلسلته القصصية للفتيان والناشىة قربني جدا لكي افهم نفسية هؤلاء ومراميهم وفتح عيني على حقائق جديدة افادتني كثيرا وقوتني من الداخل ...و"عبد العاطي الابراشي"هو من خلق مني ذلك المقاتل الشرس الذي يتوق ليقرا ويقرا اي شيء يقع تحث يديه وكيف لا وكل الاسئلة التي تسبب الحرقة لي في راسي كانت اجوبتها سهلة وميسرة بالكتب والقصص والمجلات والصحف..

اخترت لي ركنا بفناء السطح ارتاده وقد حملت معي بطانة صوف الكبش لافترشها ومخدة صغيرة فاتئك عليها مستلقيا لابدا في قراءة ما اتحصل عليه مما قد يناسبني قراءته من اخوتي خالد وسمير ...بت اقضي اطول وقت بسطح المنزل اهتم باصاص الزهور والمزروعات الخاصة باخي سمير ولحسابه الخاص كما قد يكلفني بالتنظيف لاكواخ الحمام ولسجينة الدجاج وطبعا بمقابل سخي بالمقابل مع ما كان ينقدني أياه اخي خالد مقابل ترتيب اوراقه ومواد وادوات الصباغة الخاصة به او لقضاء بعض الاغراض له بالخارج ...

لا اعرف لماذا لم اساير نشاط اخي سمير وولعه بالرياضات القتالية والدفاعية كالكراطي والكونكفو او المصارعة الحرة على الرغم من انه كان يقحمنا معه في حصصه التدريبية ويعلمنا بعض الحركات ....بشكل او باخر ترسخ عندي احساس بانني لن انجح في ذلك فانا أساسا لست صلبا مثلهم ولا هواية رياضية تروقني او اجدني ممكنا ان أمارسها بخلاف السباحة والتي علمتني اياها بنات جيراننا "بدري " و"قمر "و"شهرزاد"وهذه لموسم الصيف لا لكل المواسم والفصول وربما ما علمني اياه صبية الحي من الجري والعدو فوق الصخور الشاطئية والقفز فوقها والنزول من المسالك الصعبة للشاطئ الصخري ما كان يدوم معي ويعطني القدرة على المناورة والمسايرة الجزئية لاقراني بحينا السكني ....لكن لا خبرة لي بلعب كرة القدم ولا بالتسابق جريا ناهيك على انني ممنوع من المشاركة معهم في هجومهم وحروبهم مع فتية الاحياء المجاورة الاخرى ...وهذا المنع كان كفيلا بان يلزمني صفة انني ابن ماما ..."ولد ماماه "..

جل "التحراميات  " علمني اياها رفيق حينا وجارنا "فريد بنسعيد " وهو من فتح عيني جيدا على عالم ابناء الحي فتيانه وفتياته وكان يزودني بخبرته في التعامل معهم ..لم يكن يبسط حمايته علي وبالمقابل كان قبل ان يعلمني حيلة يوقعني في حبالها وشرها ...كان يفهم لدرجة بليغة حدود المرسوم لي من غيره والمسموح لي مقابل الممنوع علي انطلاقا من توقعات اهلي لي وشكل واسلوب تربيتي ...كان لا يجد من داع ليعلمني القدف بالحجارة لانني حتى ولو تعلمته واردت تطبيقه فلن انال الا العقاب من والدي والحرمان من النزول للزقاق واللعب فيه ...

فريد كان يستحق ان يسمى شيطان حينا لكنه لم يحصل إلا على كنية "حرتيتة "وهي لعلها تفيد الجني ...ومع ذلك لم يكن من طينة من ينزعج من ان يحمل كنية وهو الذي ما ترك كبيرا او صغيرا بنتا أو امرأة كبيرة الا وكناها وداع كنيتها بين كل اهالي الحي ...

ساعة مراجعة الدروس وانجاز التمارين كانت تكبس على صدري واشعر بالاختناق ...اختى تنكب بهمة ونشاط على انجاز المطلوب منها وانا بعد اتلكا احاول تحسين شكل خطي دون جدوى ..احاول حفظ الدروس وترديدها في اقصر وقت وكان بامكاني ان افعل ذلك وانجح فيه خصوصا مع نصوص لكن مع القواعد فلقد كنت اواجه مشكلة حقيقية ربما لأنه كان يفوتني درس او درسين لم احضرهما او فقط لانني لم استعب القاعدة السابقة جيدا أو استوعبتها كما هي دون ثقة في نفسي بانني يمكنني ان استخدمها في كل الاحوال المشابهة او المستدعية لها...

كانت اشياء عدة تكسرني من الداخل ..فانا لا اجيد التلوين كما كانت تفعل اختي الصغيرة بشرى كما لا احفظ بسرعة الكلمات الأجنبية الفرنسية والانجليزية التي يلقنها لنا اخي سمير ...كما انني ضيق النفس لا اقوى على المكوث اطول وقت لانجاز امر ما بخلاف اختي التي كانت تاخد كامل وقتها وتستحق الثناء والمديح بخلافي انا الذي يحاول فقط المداورة والقفز والتمثيل كي لا يكشفون انني طعنت من الداخل لم اتمكن من التفوق والنجاح....

كنت احب شيئا واحدا وهو الترتيب ..ترتيب اغراض اخوتي اوراقهم وكتبهم واشياؤهم ..كنت مهوسا بالنظام وبان ارى الاشياء نظيفة من حولي وكل شيء في مكانه ...واحب ما الاقيه من ثناء على ذلك وكنت احب ان اساعد امي في شؤون الكنس والتنظيف وغسل الاواني واتطوع بتصبين قطعة ملابس لاحد اخوتي او تلميع حداء احدهم ....وكان نصيبي من القطع النقدية التي اجازى بها مهما ليجعلني قادرا على العودة والاستلقاء في فرشي والقراءة للقصص وللموضوعات المبسطة وفمي يعتصر قطعة شكلاطة او يمتص حلوى او يفتت في قطعة بسكويت .... 

كنت احلم بانني في يوم سانجز بدوري كتبا وقصصا ورويات وسيقرا لي الناس ذلك وسيتعلمون مني بدوري كما أتعلم واسعد بالقراءة ...لكنني حين انظر في مستواي الدراسي ومردوديته اشعر بالاستياء من نفسي وينتابني الحزن الشديد لانني فعلا لا اعرف كيف اكبر على تعثراتي تلك وارتعب من فكرة السقوط والرسوب وترك مقاعد الدراسة .....

كنت احلم بانني في يوم ساكون مقدرا على نحو ينسيني الهم الذي يولده لي كل المتنمرين بي ...وكنت احلم بانني في يوم ساسعد الجميع بالمكانة التي ساحضى بها وسيكون لهم ان يتباهو بي ...

كنت اعرف ان والدتي فخورة بي  وراضية على مساعدتي لها في شؤون البيت وكذلك الوالد وان كان يثير حفيضتي بابتسامته الساخرة وبتعليقاته على انخراطي في شؤون النسوة لكنه يعود لنبرة الجد ويثني على مساعي وينقدني قطعا نقدية كمكافاة لمجهودي...

بت أكثر حساسية من التخصيص الذي كان يقولون به عن اشغال مقصورة على النسوة والاناث من تلك التي هي  حكر على الرجال والذكور...لم استسغ الأمر في البداية لانني لم ألاحظ او المس اي سوء في ذلك بل كنت أدافع عن حقي في تعلم مهارات تنفعني في حياتي وتساعد من من حولي ...لكن الغمز والهمز الذي كان يتصرف به بداية اخي خالد والذي كان يكسره بالمقابل اخي سمير الذي كان يعلمني اجرائيا كيف اكون عمليا وفعالا في اتيان الاشغال تلك .خلق عندي هوة نفسية كانت تقتات من خالص الرضى الذي كنت احتفظ به لنفسي عند كل انكباب على الاشغال تلك ...واتسعت الهوة بعد ان شاع التعليق على ذلك بين صبية الحي واقراني الذكور على عكس اناث الحي الذين قدروا مني اعمالي تلك هن ونساء الحي الذين كانوا يبدون كامل رضاهم عني ....

لم افهم تماما معنى ولا دواعي هذا التقسيم للعمل والاعمال بين الرجال والذكور وبين النسوة والاناث ...ربما فهمت في مرحلة الخامسة من العمر لماذا تصحبني امي واختي الى الدوش /الرشاش العمومي وليس الى الحمام لانه بالاول نحصل على غرفة خاصة بنا ولا نهتم الا بانفسنا نحن ونظافة اجسامنا بعيدا عن نظرات الاخرين ومتابعتهم لنا كما كان يحصل بالحمام ...كنت اعرف انني ذكر بخلاف اختي التي تصغرني بعامين انها انثى وان والدتنا امرأة وهي من انجبتنا ونحن لها وكانت تعرينا كليا بلا اي ثوب ولا تبان او كلسون ..بينما هي كانت تحتفظ بسروالها القصير لحين تنوي ان تحسن شعر عانتها فتدير للحائط لكي لا نرى ما تفعله دون ان تطلب منا أمرا اضافيا او خاصا اخر ...كنا نعبث بالترامي فوق ظهرها ومعانقتها من الخلف وهي فرحة بنا وحدث ان كنت ارى كيف تزيل الشعر بالموس وتراني اتابع ذلك ولا تنهاني عن ذلك ..كانت لما تنتهي وتغتسل تاخدني لحضنها وتداعبني ينهديها الممتلاتين واستحب وضع راسي على صدرها والغفو ولو لهنيهات ...كنت اشتشعر كم انا سعيد وكم انا احبها واريدها أن تبقى دائما لجنبي ومعي ...

بسن السابعة والثامنة والتاسعة كانت تدخلني للحمام بالبيت لتغسل لي جسمي وتدعك بالليفة جسدي حتى تخرج الاوساخ وكانت تديرني للخلف لتسل سروالي الصغير وتنظف استي كذلك ثم بالعكس لتغسل ما بين ثعباني الصغير وعندما ابدي بعض التخرج تهمس لي في ادني "انا ماماك متحشمشي مني "

فهمت ان لامي كامل الحق في التعامل مع جسدي لانها أساسا هي من صنعته داخل رحمها و رعته حتى كبر وان امي  واحدة في كل الكون من تملك كل ذلك الحق ...وفهمت منها ان اختى بنت وانا ذكر لكننا اخوة ولنا ان نتعرف على جسدي بعضنا ما دمنا صغار لكي نانس اختلافاتنا الجسمانية والجنسانية ...وعليه ما كان لاحد في البيت من ان يسجل اية ملاحظة او مأخدة ان تواجدنا انا واختي جنبا لجنب بعضينا او متلاصقين او متكاتفتين او وهي تجلس فوق حجري ....اننا اخوة وبعد صغار وفي حاجة لنأنس بعضينا ونتعرف على بعضينا اكثر  ..

كنت احب امي واعشق النظر الى جسمها والارتماء في احضانها والنوم بجانبها ...كما لا أتصور وجودي بعيدا عن اختى بشرى لانها ملكي كما أنا ملكها هي اختى وانا أخا

 لها وهي لي ...على انني كنت اقف مبتأسا قليلا من حدة ذكاءها وقدرتها على المبادىة وحسن تصرفها في المواقف الاجتماعية واحاول ان اكضم بعض الغيرة التي تنتابني تجاهها وهي محبوبة كل افراد اسرتنا وعائلتنا ...انها الانثى واخر العنقود...  

لم اتاثر شكلا ولا قالبا من غمزهم وهمزهم بل مضيت في كامل تحدي حريص على المشاركة في اشغال البيت والترتيب والتنظيف والتصبين...ولا بت اقف خجولا مترددا في مشاركة بنات حينا وصاحبات اختي جلساتهن واحاديثهن والاعيبهن حتى بتنا يأتين خصيصا لمجالستي لما تكون اختى غائبة بالمدرسة او بصحبة والدتي في مشوار أو زيارة للاهل او المعارف ...وعلى شاطىء البحر اجلس لجماعات منهن وقد اكون وحدي الذكر بينهم ..وكل هذا لم يجعل مني المبنت او المخنث فمشيتي هي هي وحركاتي ذكورية وسلوكي طبيعي كما طريقة تكلمي وتحدثي حتى ولو شاركتهم العاب البنات كالنط على الحبل أو الرقص بقطعة الانبوب البلستكي المستديرة او النط على الحبل اللادن....فانا اعرف جيدا انني ذكر وهذا ما احس به وانطلق منه والباقي مسايرة ومجارات ولعب اطفال مع اطفال لا داع لنقوله ما لا يقوله .....لكن الامر لم ينتهي عند حد ان يقولوا وينعثوا ويهزؤا بي ...  لقد تحول العديد منهم لمعادتي حيث استكثروا علي ان اكون دائما بجانب جميلات الحي وبناته اجلس ملتصقا بهم ويمسكن بي ويكاتفنني ويتركن لي فرصة التعرف على اجسامهن ...اخدوا يحاولون النيل مني بشتى الطرق كاعتراض سبيلي وشتمي ومحاولة ضربي او على الاقل ايقاعي ارضا وبشاطى البحر كانوا يحاولون التحرش الجنسي بي على اعتبار انني في حسبانهم مجرد مخنث وبالمقابل كانت بنات الحي وصاحباتهن يدلنني اكثر ويهبنني فرص التقرب اكثر منهن لايغاضة جماعات الذكور والاقران المتربصين بي وبهن ...وحدث ان حاولن جعل اخوتهم الذكور يتدخلن ضدي لكنهن دافعن عني وعن طبيعة وجودي بينهن وكانوا يقولون انني اخ لهم.. مثل اخ لهم وانني احترم حدودي دون الباقية من من يحرضون ضدي ...

لما اعود لنفسي ولخلوتي اكون في حاجة لان اراجع كل تلك المواقف التي تحصل معي لعلي افهم لماذا يحصل معي كل هذا ولماذا التركيز على هذا الشق من الامر ..على جنس كل واحد منا ولماذا يحاولون الخلط معي ووسمي بانني بين بين الجنسين فلا انا ذكر ولا انا انثى وانما انا شبه انثى او شبه ذكر او انا مجرد مخنث ....                                           

الجمعة، 25 فبراير 2022

يوميات : عوالمي السرية : استرجعات للزمن المبكر من العمر




 بقيت في غاية القلق والجزع ..اقدم خطوة واثبت عند مكاني .. خائف من ان اتورط واندفع فاسبب في خراب السقف من فوق راسي ....من البداية اعرف ان سفرا كالذي اخده محفوف بالمخاطر وانه يلزمني الكثير من الحذر والصبر ..كما النفس الطويل لاكمل المسير فيه ....

اصعب ما اواجهه القدرة من عدمها على الاعتراف حيث يكون مطلوبا ان انهي علاقة التلاعب باللغة والكلمات وحيث يتحثم علي ان اسمي الاشياء بأسماء وان ارسم جيدا حدود القول والتصريح ...

كنت اعرف جيدا كيف اكبت افكاري ومشاعري وخواطري والموقف الاساس الذي تولد عنه كل ذلك لاحقا ...وبهدف واحد ووحيد ...ان اخلق اشكالا من الإستمرارية والتجاوز ....

كان بمجرد ان ينتهى الأمر فيما بيننا ونتوادع وانصرف الى طريقي او اقفل الباب خلفي واعود الى غرفتي حتى ابدا في التصرف وكان لاشيء حدث بيننا ..لا شيء بالمرة وقع لاعقله او لافكر فيه او لاراجع تفاصيله...هكذا وبكل صرامة احوله إلى ماضي ..والى ماضي جد خاص ..من ذلك الماضي الذي لسنا في حاجة لان نعلنه وننشره بين الناس والاخرين...لانه لايهم الا ايانا ..نحن فقط ...

كنت ادرك انني قد اعاني مع الطرف الآخر ...مع شريكي لانه ببساطة قد لا يكون على نفس الاستعداد ليتصرف مثلي ويحسب وكان لا شيء حدث او وقع بيننا والاهم ان يدع الامر يترتب على النحو الملائم حتى يتقرر زمن وظرف ان نستعيده بيننا او نطور فيه بيننا ...

في الكثير من علاقاتي اجدني مثل من ضيع اخر أوراق شراكتنا ..واجدني انظر بإستغراب وكلي تساؤلات عن كيف انتهينا هكذا ...وكيف ابتعدنا عن بعضينا وكيف عدونا وكاننا لا نعرف بعضنا البعض ....؟!!

كان صعب جدا على ان اتقبل مثل هذه الخاتمات لعلاقات اخدت من الزمن عمرا ..وكان الاصعب تقبل تلك المرارة التي تبقى في حلقي وجوفي  والتي لا تقول الا بشيء واحد يشبه إستحالة ان نعود كما كنا ربما فقط لاننا ضيعنا زمننا الخاص الذي كنا نتواجد فيه ....

لعله اختيار واعي وعقلاني "وحدانيتي "...ان اعيش معظم حياتي منفردا ..بعيدا عن الاخرين ...وان اعاني في ذاك عن حق وبعمق مرعب ومخيف وكىيب...لازالت كلمات استاذتي ترن في اذني :" عيش بوحدك ...."

كان يلزمني داىما وقت وحيز لاباس به اختلي فيه بنفسي وابقى فيه لوحدي حتى استعيد من جديد القدرة والنفس اللازم للخروج والتفاعل مع الاخرين ...ومن طفولتي الأولى تمرنت على تلطيف كل تلك المشاعر التي تبقى بداخلي تتقادف بي وتتلاعب بتوازني وتعرضني باستمرار للاحساس بالاذى النفسي ... كلما اضطررت للبقاء وحدي ....

لعلي اجزم فاقول ان أغلبية قراراتي بان اعود لوحدتي عازفا عن رفقة او صحبة ذاك او عن الاستمرار في علاقاتي تلك ..كانت عقلانية ...كانت تمليها حسابات عقلية تنظر في الحاضر وتتامل في المستقبل ....

كنت لجانب العديدين من الناس المستمعين جيدا لام كلثوم الذين يقفون بتمعن شديد وهي تغني قصيدتها "الاطلال " عند الجملة التي تقول فيها بعد ان عز اللقاء انه ما بايدينا ....

كانت الحياة دائماً اكبر منا ..اكبر من أن تجعلنا مسيطرين فيها وفاعلين فيها على الدوام ...في الكثير من المواقف واللحضات لم نكن نجدنا سوى  منفعلين و كل ما نفعله يختزل في ردود افعال لا غير ....

لا اعرف لماذا لا اعقل على وجوه العديد من زملاء فصول الدراسة ولا عن اسماء حتى من اذكر جيدا انني صاحبتهم ورافقتهم ...هم فقط قلة من اذكرهم من بين الجميع وكان الاخرين لم يكونوا في فضاءنا او عبروا الى جانبنا كما الظل ....

ولا اعرف لماذا مراحل من حياتي مرت دون ان املك اي تذكار عنها ...مراحل كأنما سرقت مني او مسحت من ذاكرتي ...مراحل كمجاهل كلما فكرت في العبور اليها الا واعتراني الخوف من ان اتعرض فيها ..مراحل ترتسم امام ذهني كفرغات او كثقوب في الذاكرة ...العبور اليها مجازفة كبرى ..والابحار داخل تياراتها قد يعرضني للخطر ....مراحل بقيت كعلامات وان تسجل او تارخ لشيء  فعنوانه العريض سيكون هو : المرض النفسي ..لأنني اعرف سهولة الانخداع داخلها و اعرف امكان ان تلتف علي دروبها فاضيع الطريق واسقط في الوهم والاستخلاق الممكن جدا ان يؤدي ببناء النفسي من جديد الى الانهيار....

من طفل بعمر العام أو العامين الى شيخ بعمر الخمسين حصل معي بالتأكيد أمور عديدة ومختلفة وامور من طينة تلك التي ننعثها بأنها صعب ان تصدق....وأنا كلما غصت في اعماقي ألا وتبدت لي الكثير من الاهوال ومما يصعب عن حق حتى مجرد تصور انه ممكن ان يكون قد حصل أو سمحت له بالحصول ....

يصعب ايجاد الدليل ..كما يصعب التحقيق في كل تلك الحوادث مع من عاشوها أو كانوا شهودا عليها ...ويبقى وحده امكان الاخد بالادلة السيميوطيقية والسيميلوجية والتحليل بها كمحاولة لتسطيح الحقاىق وجردها ثم القراءة فيها ...

بالتأكيد لم اعبر من طفل سنة واحدة لعمر الخمسين سنة هكذا وكما اتفق وكان ....وفي كل هذا العبور كنت أنا ..وكانت محاولاتي لاكون وخططا رسمتها برغبة الوصول بها....

الآن ياكلني من الداخل الشعور بانني افتقدت الكثير من زمامات المبادرة والمبادىة والرغبة في انشاء علاقات جديدة بعد ...

الآن لا يستهوني البحر ولا الوقوف على جانبه كما لا سحرا يشدني لاتابع غروب شمس او مجرد ان اترك لقدمي الطريق في غابة أو خلاء أو طريق طويل لاتركني للحظات الاستعادة والاسترجاع والتذكر ..ما من رومنسية بقيت تلزمني في مشواري ....

أعرف إن كل تاريخي قابع هاهنا في ذاكرتي ..في ذواخلى ..موشوم على جسدي ...تقول به اعضاءي الوظيفية المهتراة وتفضحه سحنة وجهي والشكل الذي انتهى عنده وجهي ان يكون وجهي ...على أنني للان لم ارتح يوما بشكل وجهي اللهم في لحضات صناعية كانت ادوية مثل لاروكسيل قطرات  أو عدد معتبر من حبوب ليكزوميل 6 منغرام تلون عيني وتفعل في تضاريس وجهي وتشكلها لتروقني قليلا واحيانا كثيرا ...

من زمن مبكر وأنا بعد صبي استوعبت ان لا ملاحة في تقاسيم وجهي وبانني ضمن تصنيف العادي / العاديين  ..كما شدني واقع انني لا أملك حتى ما اتميز به من لباس واكسسوارات ..أو ما اداور به كتسريحات شعر ...

ومن زمن التلمذة الاولى وبعد عبور المستوى الثالث الابتداىي انتهى بالنسبة لي ذلك البريق الذي كان يحيط بنا ونحن بصحبة السيد والدنا ..المعلم الابتداىي بنفس المدرسة التي نرتادها..لأنه كان يخصه هو ونحن فقط حدث ان كنا تحث ظله وسنفهم فيما بعد انه لم يخدمنا طويلا..ولا كان في صالح أي أحد منا ....

تمنيت من صميم قلبي ان يلتفت الى السيد والدي ويعتني بي جيدا وان يجعل مني التلميذ المتفوق والاول على كل المدرسة ..فوالدي معروف عنه انه معلم مقتدر وكفو 


    

وكان الجميع مدرسين وادارة ومفتشين واهالي واولياء التلاميذ يضربون به المثل ويثنون على طرقه البيداغوجية واساليبه التربوية في التدريس كما يقدرون فيه عدم لجوءه للعنف أو للعقاب المدرسي ....

كان السيد والدي رجلا محترما ومقتدرا ...لكنه وهو والدي افقدني الصبر منه واتعبتني محاولاتي المتكررة لاجعله يهتم بي ويجعل مني التلميذ المتفوق ...والدي لم يكن يواجه مشكلة في التدريس باللغة الفرنسية على انه معلم لغة عربية ومتمكن لحد ما من اللغة الاسبانية  ..كان يتركني للمعلم الذي يدرسني وحتى لما كان هو نفسه مدرسي في المدرسة حافظ على تلك العلاقة بفضاء المدرسة ....كل محاولاتي جعله يشتغل معي على درس أو في مراجعة يبدوا متاففا من ذلك وسريعا ما يفقد اعصابه في وجهي ويطلب مني ان اقدر انه هنا بالبيت ليرتاح وان عمله بالقسم متعب ويستنفد منه الكثير من برودة الأعصاب ....

بدت لي وفي الكثير من الاوقات والمرات ان السيد والدي غير مهتم حقيقة بان أدرس وبالاساس ان اجتهد في الدراسة ..كنت اصحبه بمعية اختي الصغرى "بشرى" للمدرسة وننتظره في بابها ساعة الانصراف لناخد الطريق سوية للبيت ربما ذلك كان يشعرنا بالفخر والتميز ..لكن علامات الفروض ونتائج الإختبارات كانت تكبس على ذلك الفخر وتقزم من نظرتنا الى ذواتنا ...وسنفهم لا حقا كيف كان الاتفاق يحدث بين الوالد ومدرسينا لنتمكن من عبور السنة الدراسية ناجحين في حدود المعدل أو على الاكثر بتقدير لا باس به ...

اشياء داخلي وبجوار ما كان يحدث خارج اسوار المدرسة ومع تلامذة المدرسة والذين حرصت من جانبي أنا على ان أعرفهم واخالطهم واصاحبهم  وارافقهم وأقضي الوقت بجانبهم جعلني اقتصد في همي بالتعلم والدرس وكنت اهياني للرسوب في مستوى الخامسة ابتدائي (الشهادة الابتدائية) لأنني كنت أعرف نفسي بانني بلا مقومات تعلمية وبلا أساس تعلمي فلا القواعد اتقنها ولا اللغة الفرنسية استسغتها ولا خط كتابتي حسنت منه قد أحصل على الثناء في مشاركاتي الشفاهية داخل الفصل لكنني في الكتابي فأنا دون المتوسط ....كما أنني ما عدت اعمل جهدا في حفظ المواد المطلوبة لاستعراضها داخل القسم...ربما ليست برغبة في ان أعاقب بدنيا وجسديا  كما كان يحصل معنا وانما ولربما لاعاقب السيد الوالد الغير المهتم بي وكنت أريد ان ياتيني بغير الكثير من التقريع والتجريح والاهانات كنت أريده ان يتصرف ولو في مرة واحدة كما اخي "سمير "الذي كان يبدا أول البداية معي في تشخيص المشكل والاقرار بأنه ثمت مشكل ثم يأتي بعد ذلك بكيفيات معالجته والتخلص من اثاره لخلق امكانية المواصلة الجيدة والمثمرة ...

فؤاد كان واضحا معي وبنفس اسلوبه المتلون الذي لا تميز  فيه بين إن كان يسخر أو هو جاد فيما يقول به وكان يدعوني فقط لاركز على القراءة وعلى الاستعاب وعلى التعامل مع النصوص والمكتوبات وكان يشجعني على ان أقرأ واقرا كل ما يقع تحث يدي من كتب أو قصص أو مجلات وعندما كنت أقول له والامتحانات والنجاح ...كان يقطع على الحديث وبصرامة وحدة  يقول لي "هذاك مشي سوقك ...هذاك الشي ترتيب ديال باك ...خليه هو يشوف شنوا غدي يدير فيه ....."

افهم عنه ولا افهم تماما ما يحيل عليه ولا ما يروم من وراءه ولكنني أثق في كل شيء يصدر به اخي فؤاد ليس لانه اكبر سنا مني او لانه خبر الحياة قبلي وانما لانه يقول بالاشياء كما افهمها داخليا بلا حاجة المداورة او التزويق ...ولأنه غير مهتم بان يرضي احدا على حساب الحقيقة كما يراها هو وكما يقتنع هو بها ....

خالد ..كان عاطفيا على نحو غريب ...يحسسك بانك مهتم جدا بك وبانه على استعداد ليسندك ويدعمك بكل الاشكال لكنه في نفس الآن كان يقيم المسافات ويرسم الحدود جيدا كي لا يتورط وتتعرض مصلحته الشخصية للمساس او حصته للتبعثر او المقاسمة...كان يفيد من كل ذلك انه يحبك لكن ليس اكثر من نفسه ....

في هذا العمر الصغير اخدت تتكون لي هموم خاصة لا عهدا لي بها ...كنت قلقا جدا لمستقبلي الدراسي ..كان يوسيني انني لا احصل على مثيل تقدير زملاء صفي من معلمي واستاتذتي ...كان يولمني حتى ثناء عماتي واعمامي على ذكاءي لانني ما كنت اجده يخدمني او له جدوى .. كنت اجلس بالصف الدراسي انتظر على احر من الجمر انتهاء الحصة الانصراف منها لاتدبر احلام يقضتي ..واتمنى عن حق ان تمر الحصة دون ان اتعرض للإهانة او العقاب من معلمي وبمحضر كل زملاء القسم الدراسي ....كان صعب علي تحمل الآثار النفسية التي تبقى ملازمة اياي بعد كل حادثة تعنيف او عقاب ..كنت اتذمر من عجزي على ان اتفوق على ضعفي وعندما انظر بعيدا لا أراني قادرا على ان اساير اقراني ولا ان اكون على نفس مقدار مقدراتهم ومواهبهم في التعلم والتحصيل ...ولا اعرف ما عساني ساكون عليه واضحى على حاله مع كل تعثراتي في التعلم والدراسة ....

لم اكن راضيا بالمرة على الانتساب لوالد يشتغل معلما ومدرسا وهو غير قادر على ان يوليني العناية اللازمة لاشق طريقي بخطوات ميسرة وناجحة في عالم الدراسة والتحصيل... ربما لو حدث ان كان والدي بوظيف او شغل اخر لكان تمة ما يبرر وضعيتي ويشفع لي ...

كنت اتقدم جيدا في طريق القراءة والتهم كل ما يقع تحث يدي من قصص و مجلات وقصاصات صحف ورويات لكن حال الدراسة اقبل عليه متبرما وبلا اي نفس كذلك كان تعاملي مع زملاىي في الفصول الدراسيه الذي بات انتقاىيا ويميز بين المتفوقين والمجتهدين وبين من هم في وضع المتوسط ودونه ..لم يكن ذلك ليثير كليا الاحساس بالغيرة او الحسد ولكنها كانت تفعل البعض من مفاعيلها في نفسي...ولاحسم بعضا من الصراع الذي كان ينشب داخلي ملت لاصاحب من هم في مرتبتي وان لم يكونوا كذلك في كل الاحوال ...لانني كنت ادرك دون ان اعلم على وجه الدقة ان تعثري في التحصيل الدراسى لا يعني بانني اقل من المستوى او فاشل كما يتصور ...

"الياس أمزيان " كان الرفيق القريب الي وكان يحدث أن اذا تخاصمنا ان نشعر كلينا بحجم الافتقاد لان نكون بجانب بعضينا البعض وذلك ما كنا نخوض في الحديث اليه مع اول فرصة نتصالح فيها ...."الياس " كان ابن مدير مدرستنا الابتدائية وكان من أصول ريفية امازيغية وكان في غاية التدليل حتى لعله كان مؤنثا اكثر من مذكر ..ولربما تلك صفة كانت تجمعنا وتشدنا اكثر للعضينا..ولعل هذا الوعي النزق والمبكر ببعض ما بشكل جنسانيتي جعل مني كائنا دائم التوتر وغير قادر على يستشعر استقراره..وجعلني داىما مرعوبا وخائفا من ان اكشف او ان استغل ...ووعند ها هنا كانت ترفع علاقتي بالسيدة والدتي امي أو كما كنت اناديها "ماما "نصب عيني لابدا في التأمل والتحليل فيها ....والدتي سيدة امية لم تتلقى أي تحصيل تعلمي ولو اولي لأنها افتقدت المعيل في سن جد حديثة وبعدها بوقت قصير اضحت يتيمة تماما بلا والدين هما فقط أخ كبير "محمد" واخت صغيرة " زهرة "... والدتي كانت منضبطة وبخضوع شبه تام لسلطة ونظام السيد والدي وكذلك كان برنامج تهيىة الخبز والطعام وترتيب الغرف والخروج للتسوق الذي ينبغي ان يراعي زمن عودة الوالد من مكان عمله /المدرسة وزمن ايابه إليه من جديد وهو الزمن الوحيد المهم تقديره لازمن عودة اخوتي ولا حاجتهم أتناول الطعام قبل انصرافهم لترتيبات العودة لمدارسهم الاعدادية أو الثانوية ...السيدة الوالدة في فروة نشاطها ولا ينغز عليها مزاجها ويعكره ألا قلة المصروف الغير المبرر أمام ما يبقيه الوالد في جيبه ولحسابه الشخصي ولغاية امتاعه الخاص ...والدي كان يبدوا طاغيا ومستبدا ومتنمرا على جميعنا وكان حريصا على ان يذكرنا جميعنا بانه السيد ها هنا لأنه المعيل الوحيد لكل أفراد الاسرة وكان يحلوا له ان يتمتع ويتميز عنا في كل شيء ..سواء في حصص الطعام أو في عدد حبات الفاكهة التي تكون من نصيبه كما في حيازته لغرفتين  من اصل ثلاثة غرف يشكلها الطابق الأول اذ ان المسكن السفلي مكترى للاغيار وهي فقط غرفة سطحية بالكاد وازنت حالنا وتوزيع عددنا في فضاء البيت وكانت تلك الغرفة مناصفة بين اخي الاكبر خالد والاصفر منه اخي سمير ... كانت بحوزة الوالد غرفة نوم بسرير كبير وخزانة ملابس كبيرة يتقاسمها مع والدتنا وغرفة مكتب بمكتبة وصالون وطاولة وبجهاز راديو كاسيط وانارة خاصة على المكتب خاصته ...

السيدة والدتي تبدأ في العادة يومها ببعض الوقت تخصصه البكاء والرثاء على حالها ثم تحزم منذيلا على راسها وتنعل الشيطان وتبدا في تنظيف غرفة نومنا أنا وبشرى وفؤاد بيننا تترك طاولة الفطور ببهو الغرف وهو تشبه بصالون صغير وضعت فيه مراتب صغيرة لا واحدة تشبه الأخرى أو في حجم الأخرى المهم وكما كان يقول السيد الوالد أننا وفرنا بذلك جلسة تناول فيها طعامنا ونجلس فيها لمشاهدة التلفاز ونتسامر فيها ... كان السيد الوالد عحيبا في طريقة اقناعنا والتي لا تقنع أي أحد منا لكننا نتقبلها فقط ..كان ينظر داىما من أعلى إلى أسفل ويقرا في حال ناس أعلى وحال ناس أسفل ويفكك في وضع من يملكون ومن لا يملكون ويضرب الامثال ويقارن ويعمل اليات الحساب المنطقي وعلى انه كان يبدوا منسجما في طرحه ألا أننا كنا نجده مع ذلك يغالطنا ولم نكن نستسيغ منه تحصيله لأننا احسن حالا من بعضنا .....هذه كانت حقيقة سياسية واقتصادبة واجتماعية تعطي كامل مجتمعنا مثل حقيقة ان الفقر كان فينا عاما وشعبيا والتخلف مستبد بمختلف شراىحه والقمع مسيطر على  واقع  البلد باكمله لكن لا مجال لنتماهى معه داخليا ونحن كاسرة متوسطة الحال غنمت بناء مسكن مستقل بطابق سفلى واول وسطح بمصرية وكوخ لاشغال الصابون ويضمن معيلها الموظف راتبا شهريا قارا وتعويضات عاىلية ومنح مرضية بالاظافة الى دخل لاباس به يقبضه أول كل شهر كاجر لمسكننا المكترى ...للولد نظرته في الموضوع ها هنا لأنه يكف على ان ينظر من أعلى إلى أسفل بل من أسفل الى أعلى ويبدا في المزايدة على أصحاب المناصب والوظاىف الذين هم مكتفون بما يتدبرونه من "تدوبرات "واكراميات وريع ورشاوي ولا يمسسون حتى احرتهم الشهرية الضخمة او المعتبرة ...نحن كانت لنا رؤيتنا الواضحة والجلية ونحسب بانه بعادلة في توزيع  ماتكسبه الأسرة نستطيع ان نتدبر امورنا على نحو لا باس به لكننا كلما نعرف أن السيد الوالد لن يتنازل لنا عن حضوته ولن يفرط في منافعه الخاصة ونحن علينا ان نتدبر ما جادت به اريحته علينا وبكيفما اتفق كان تغطي العجز السيدة الوالدة مما تكسبه من حين لآخر من اشغال خياطتها لملابس معارفها وجاراتها وهي حريصة على ان ترضي اخا متضرارا هذه المرة على ان تلتفت الاخر في المرة المقبلة كما وهي تعمل على توزيع حصص الطعام في صحن كل واحد منا مستكثرة على نفسها على ان ناخد كامل حصتها ونحن نتقبل ذلك وان ببعض اشكال الاحتجاج الساخر الا الاخ الاكبر خالد الذي ما كان ليصمت لو لم ياخد كامل حقه وبزيادة وداىما بحجة انه الكبير ...كان يتصرف وكأنه نسخة كربونية من طباع الوالد لكننا كلنا كنا له بالمرصاد نكيل التعليقات عليه ونتنمر عليه ونسخر منه وهو ما دام متحوزا النصيب الاكبر والحق المعتبر يستمر في الابتسام ولا يتاثر من كل ما نكيل له به ...

الوالدة من تبقى معظم الاوقات بالمنزل لاشغال خياطتها ولتدبير المنزل ومن عمل لعمل من اشغال الخياطة مع اولى وضوح تباشير النهار الى إعداد الفطور المتقدم والمتاخر منه لكل اخوتي وللوالد الى التحضيرات لطعام الغذاء وقد تاخد فسحة إضافية لتعد بجانبها وجبة العشاء ثم تعود لاشغال خياطتها لا يستوقفها ألا الصعود احيانا أجمع ملابس التصبين أو البداية في اعداد تصبيرات المساء ونحن قد بدانا نتوافد..

تفرح بنا الوالدة جميعا وترضى على كل واحد منا وتحمد االه ...كانت تحاول طوال الوقت ان تظل متماسكة كابتة  غيضها وساعة تنفجر بمحظر صاحباتها أو قريباتنا فتنهمر دمعا وقهرا ولسان حالها يقول بنفس الموال :""مكنتشي تزيد معاه ساعة وحدة ولكني صابرة في وجه هذ الدراري فين غذي يمشوا ..كيف غذي يكون حالهم شكون لغدي يصبرهم بش مينحرفوش ....."

عادة أكون أنا بجوار اختى الصغيرة بشرى الشاهدين على حسرتها تلك وكيفما كان الحال وكيفما حاولنا تجاوز جدة الموقف نظل ننظر للبعضينا ثم نترك لدموعنا نحن كذلك فرصتها للانهمار.....

يتخفف حال الوالدة ويطيب خاطرها بعد ذلك فتحنوا علينا وتقربنا اكثر منها وفي مرات كانت توجه كلامها  البنا وتقول لنا بانها لن تتركنا معه واننا سنصحبها وينعيس للأبد بجانبها....

همي ..يا همي لماذا تستعجل اغراقي بالهموم ..يسقط من جديد اعتبار السيد الوالد من نظري...على أنني لا أحب بالمرة ان ارى دموع والدتي ولا ان اسمع نذبها على حالها...اخد أي ركن في البيت لاجترع همومي الغاذية في الكبر بجانبي واسىلة جديدة تتناسل داخلي لو حدث الانفصال بينهما فهل سننقسم ..سنفترق وكيف سيكون مالنا ....

همي هذا كان استثناىيا ربما لم أجد من يعاني مثيله غير جارتنا "المصباحية" أم عادل وعيد الحميد ونزار التي لم تكن على وفاق مع زوجها والتي كانت تعيش شبه منفصلة عنه حيث هو داىم السفر والغياب .."امي المصباحية "امراة مقتدرة وجميلة وبعزة نفس وابهة ..وعادل ابنها شدتني إليه تطلعاته الي وتحببه الي وبمباركة من السيد والدته اصبح صديقي الصغير الذي ارعاه ويوفي هو لي الوفاء الجميل ...                   

                

            




   

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...