الأحد، 10 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(31) بعيدا عن حنان"هذه..."9 تابع :"17-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..31) بعيدا عن حنان "هذه ..." 9 تابع :"17-1".


 لا يمكنني الجزم في شيء لكن البادي من الامر يقول ان المصالح والجهات الأمنية كانت بعيدة عن تقدير التحول الذي هم حياتنا الاجتماعية بعد اكتساح الإسلاميين وتنظيماتهم المشهد الاجتماعي العام ..لم تكن هناك أية بوادر تنم على انها تتعاطى بجدية مع ما اضحى أشبه بانقسام للمجتمع لانها لو فعلا كانت مهتمة بما يكفي لحاصرت الظاهرة قبل أن تعم وتتسع وتتشعب ..

وطنيا كان النظام الامني يعيش فترة التربع على كل سلطة بفضل العناية الفائقة التي أولها السيد وزير الداخلية انداك إدريس البصري لأجهزة الأمن والشرطة ولكل مكونات السلطة بل لعله كان هناك احساس مبالغ به بالامن وقدراته على مواجهة تحديات المرحلة ورهانتها ولحدود منتصف الثمانينات لم نجده في مواجهة مع الإسلاميين ..ربما بعدها وعلى  اثر تحرك  الساحات الجامعية وبروز الفصائل والتنظيمات الإسلامية السياسية اخد يوجه النظام الامني ضربات انتقائية تمركزت خصوصا في الشرق والوسط بمنطقة فاس وبالشمال بطنجة وتطوان ..وكان يستعمل قوات التدخل السريع لمحاصرة الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية ويشن حملات اعتقال ما ان يسيطر على التوثر وتخف حدة المواجهات بين الفصائل التقدمية والقاعدية واليسارية وبين فصائل الإسلاميين والسلفيين ..كما اخد يوجه في نهاية الثمانينات وبدايات التسعينيات ضربات تستهدف الاجتماعات التحضيرية والتنظيمية للاسلاميين بما فيها ما قيل عنها مجرد جموع اجتماعية بغرض الدراسة والتفقه والنصح كان ينظمها الاسلاميون ..

النظام الامني بدى متاثرا بالاحداث والوقائع ومنفعل بها ومعها وغير مسيطر على الأوضاع كما يدعي وهو يبرز عضلاته ويضرب في كل اتجاه ..

النظام الامني كان يعيش صراعا تقليديا مع مكونات المعارضة الحزبية وباقي الأجنحة والتيارات التي نبثت منها او تسللت اليها وكان يعيش على ايقاع المناوشات التصعيدية  التي قادتها الحركات النقابية العمالية والعامة التابعة لاحزاب المعارضة وكان ينتج نفس ردود أفعاله تجاهها ويكرس طاقة اجهزته في متابعتها ومحاولات الالتفاف حولها ..

النظام الامني والسلطوي في عهد وزارة داخلية إدريس البصري الذي زاوج الاعلام اليها كان استعراضيا بامتياز وكان متذخلا في كل مناحي الحياة اليومية للسكان وفي كل سياسات الحكومة  وعمل إدارتها ودوائرها ..كان نظام العمال والبشوات والقياد وخلفاؤهم مستحكم في كل جزئيات النظام العام ومسخرة له كل الإمكانات المادية واللوجستيكية والبشرية ..وهذا النظام كان نافذا ويتمتع باقصى الامتيازات بل كان يشكل أشبه بنظام حكومات إقليمية ومحلية واسعة الصلاحيات فهي التي تامر وتنهى وترخص وتفوت وتقتطع وتوظف وترقي وتراقب وتتذخل وتمارس حتى السياسية وتطبخ حتى نتائج الانتخابات ...

كان صعب الاقرار بان نظاما امنيا وسلطويا كهذا لم يكن منتبها لكل التغيرات التي مست بنيان المجتمع وحولت ابديولوجيته واخدت تمسخ هويته ...!؟

وكان من الصعب الاعتقاد في ان النظام لم يكن مباليا بميل موازين القوى المجتمعية لصالح الإسلاميين او الاعتقاد في انه سمح لهم بذلك ...

وزارة الداخلية والاعلام كانت اقوى وزارة في كل الحكومة ومقربة من القصر وتضلع بمهام جسام وتقع عليها مسؤوليات متعددة بما تحث يدها من أجهزة مكلفة بالرصد والمراقبة والتتبع والاستعلام والتحري ..وليس خفي كم هي مهتمة برصد اي نبض الحياة العامة  وكل تحول في الرأي العام ..وأنها على سنوات طوال اوجدت لها في كل التراب الوطني عين ترصد وادن تتبع و عناصر تبلغ وتتحرى ...فهل فاتها شيء ما مما كان يعتمل بداية في الخفاء ثم لاحقا في العلن ؟! ام انها لم تقيم حجم هؤلاء الإسلاميين واهدافهم التحويلية للمجتمع..واستهانت بمقدراتهم ؟! ام انها كانت متورطة في خلقهم واستعمالهم لمصالح وحدها التي تعلم بها ...؟!! 

محليا لم نلحظ شيئا يوشي بان هناك شكل من الاستنفار حيال هؤلاء المكتسحين المشهد الاجتماعي والسياسي ولا اشكال من الاعتراض على تظاهرهم الاجتماعي المقلق للعموم ..كنا نفهم الحق في التعدد والاختلاف ولسنا مع التعرض للحريات وللحقوق الأساسية في التعبير وابداء الاراء واعتناق المبادئ والقيم السياسية وممارسة الديمقراطية ولم يكن من نظرنا ان يقمع اي مكون سياسي او ايديولوجي في مجتمعنا هذا اذا ممارسا ملتزما بقواعد العمل السياسي أو النقابي او الجمعوي او الاجتماعي ولمبادئها ويعمل في نوع من الوضوح ..

محليا كان الامن يباشر مهامه بشكل اعتيادي وروتيني يتدخل ليقف على اضراب قطاعي ويجري تحرياته واستعلامه عن الجهات النقابية او التنظيمية التي تقف وراءه او يتابع مظاهرة صغيرة غير مرخص لها تحاول الخروج من مقر حزبي او حزبي نقابي لتجوب الشوارع في اتجاه الوقوف الاحتجاجي قبالة قصر العمالة او البلدية او المحكمة او يمارس رقابته بالحضور الرصدي لنشاط سياسي جماهيري او جمعوي ثقافي يقام بقاعة سينما او بدار الشباب او يحتضنه مقر حزبي او نقابي..ودائما كانت نفس الوجوه هي التي تظهر وتتابع برفقة عناصر نظامية وعلى جانب منها كان هناك السادة المقدمين والشيوخ ياطر حضورهم خليفة قائد او قائد ملحق من العمالة ..وعنصر الى عنصرين من إدارة مراقبة التراب الوطني  ...

بالمدينة كان يبدوا كل شيء عادي وغير مقلق للسلطات التي لم تتحرك في اي اتجاه لتقييم الظاهرة والعمل على احتواءها ..كانت تتصرف بذات ايقاعها في ممارسة أعمالها ومهامها ..ايقاع متاخر وغير استباقي في محاربة الظواهر الجنوحية وفي إجراء المتعين وهي تستمع لمنازعات الناس من من يقصدون دوائرها وان يبقى سؤال يطرح نفسه بالحاج :ما الذي كان بامكانها ان تعمله بالفعل ؟! وباي وسائل ...؟!  

تعتمد مصالح الشؤون العامة للعمالة والبلدية والمقاطعات على فعاليات قسم الولاة والمقدمين وعلى مجهود رؤساء المصلحة والاقسام التابعة لها وعلى مدى قدرتهم في خلق شبكات استعلامية واحتواء عناصر تيسر لها مهامها ..ليس هناك من عمل اساسي تعتمد عليها في صياغة تقاريرها اليومية غير ما يجود به السادة المقدمون والشيوخ..والباقي ما لم تكن هناك احداث او نشاطات سياسية أو اجتماعية فهو يقيد في خانة العمل الروتيني ويؤشر عليه بذات العبارة التقليدية : ليس هناك من اعلام جديد ...كان ينبغي على الحدث ان ينوجد اولا ليليه نشاط استعلامي  ويحاط بالتحري الواجب ..او كان الامر مرهونا بتعليمات وتوجيهات الادارة المركزية وبمدى عنايتها بملفات وقضايا معينة أو بتركيزها  على اشخاص وتنظيمات معينة ..

كان الكل يبدوا منخرطا في العمل الرسمي الروتيني وينتظر التعليمات والتوجيهات  وحيث ان لاشيءا رسميا يقتضي بفتح ملف او تتبع ظاهرة محددة فلا احد يهتم ...وحيث الكل يغني ويطبل مع شعار الامن المستتب والوزارة القوية فلا خوف هناك ولا هم يحزنون ...

بالتاكيد لم نكن نحن وحدنا من نلاحظ حال المجتمع الغادي في الانقسام على نفسه لكنهم كعناصر أمنية واستعلاماتية ورجال سلطة محلية واقليمية ما كان يجدر بهم ان يقفوا عند الملاحظة فقط ولسان حالهم يعبر عن عجزهم  او عدم قدرتهم على استعاب ما يحصل ولا كيف حصل ...!!؟ ..

كان الشارع يغلي على مهل واحيانا على شكل متشنج ..اخدت تسجل حالات من انفلات الاعصاب في الاحياء السكنية وفي الفضاءات العامة ..ترصد متعمد من جماعات الإسلاميين لحالات درجنا على أن تتعاطى معها بحيادية او ببعض اللامبالاة وببعض التسامح على اعتبارها غير غريبة على مجتمعنا مهما قيل عنها انها تخدش بعض الحياء العام أو قد تعتبر جانحة او مخالفة للنظام العام المجتمعي ..وبدات اعترضاتهم تتطور لمحاولتهم إعادة ضبط الامور والتدخل بما قيل عنه منهم امر بالمعروف ونهي عن المنكر وعلى اعتبار أن الساكت عن الحق شيطان اخرس ...وفي المقابل لم تكن تمر تدخلاتهم دون تطورات ردود الافعال وتكهربها ووصول بعض قضاياها لدوائر الأمن والشرطة لكنها لم تكن تقرا الا على اعتبار أنها قضايا سب وقدف او تبادل الضرب والجرح او محاولات اعتداء واعتراض سبيل او اعتداء على ممتلكات الغير ..لا احد كان يملك سلطة تكييف القضايا تكييفها السياسي الصحيح حتى ولو كان في قرارة نفسه يعرف خباياها وخلفياتها...وحتى مع الادارات المخول لها تسليم التصاريح والتراخيص المختلفة لم تجرا على فعل شيء غير الامتثال للقانون ومساطره وتمكين طالبي التصاريح والتراخيص منها على انها بدات تتحسس من نوعيات مرتفقي مصالحها وقوتهم الصاعدة ...

حتى الدوائر الشرطية التي كانت على الاقل تعرف اصحاب السوابق العدلية وأصحاب حالات العود ومثيري المشاكل والخلافات والنعائر ما كان لها ان تفعل شيئا امام التحول المثير للريبة والشك لبعض هؤلاء لجهة الإسلاميين والملتزمين بسلوك ومظهر جديد ..

واي ملاحظ او متتبع عادي ما كان ليفوت انقلاب احوال عديدين داخل مجتمعنا المحلي ..انقلابه لمسايرة الموجة الاسلاموية ان لم يكن قلبا فقالبا ..ان لم تكن عن قناعة فكتكتيك سياسي لمسايرة السوق ولكسب زبناءه ...ومن لم يحتوى معهم هادنهم وسايرهم وبذلك كانوا يمدونهم بالقوة ليخرجوا للفضاءات العامة مستعرضين  عضالاتهم ..متبخثرين في مشياتهم ولباسهم المتميز  ..بابتساماتهم الصفراء المبالغ فيها او بنظرات بعضهم السلطوية .الرادعة او المهددة ..وبقدرة بعضهم على التطفل  على حياة الآخرين وخصوصياتهم ..

كانت نفوس العدد الاخر من الناس الذين وقفوا على خلاف مع الاسلامويين وتوجهاتهم تغلي وتشتعل بالغيض وهي ترى نمودج عيشها الاجتماعي يختطف منها ويلبس لبوسا اخرا لا يكاد يتبين نوعيته ولا حقيقة اهدافه ..وحتى من فيهم لم يكن يدري ما كان على السلطات ان تفعله لتجابه هذا التحول وهذا الانقسام فهو لم يكن مع ان تقف مربوعة اليدين هي القادرة على فعل واتيان العجاب من الامور ...

كان المجتمع المحلي العرائشي يعرف أشبه بنظام فتوات ..رحال وشباب ببنية جسمانية ضخمة وعضلات يتصرفون عموما ببعض الخشونة وحين اندلاع المعارك يصوتون ويجولون ..لكن دون ان يدعوا الامور تخرج تماما عن سيطرتهم ..قد يدخلون عراكات كلامية وبعض النثر والشد في ثياب الخصم وحتى ايقاعه ارضا لكنهم يضبطون اعصابهم ..دائما هناك ذلك الحس والوعي بان "المخزن "لن يتساهل معهم ...

كان نظام فتوات اجتماعي خلقته ظروف العمل والخروج لساحاته ..وفرضه الأمر الواقع وقيم الرجولة المعلات والكرامة ولا للحقرة وللدوس على الحقوق ..كانت له ساحاته المعروفة كالميناء وسوق الجملة للخضر والفواكه والمحطة الطرقية ومرسى ركوب القوارب بشاطئ راس الرمل ..وكانت له وجوهه واسماءه المعروفة والموقرة الجانب ...التي صنعت سيطها واسطورتها المحلية والمعجبين بهم ..ولم يكونوا عموما من المدمنين للمخدرات او المعاقرين للشراب وان كانت سيرة بعضهم السابقة سيئة وفيها الاكثر من سابقة قضائية ..كانوا رجالا وشبابا  وبعض اليافعين الذين بعد يحاولون تقليد الكبار منهم والسير على نهجهم وسلوكهم ..

كانت مجتمعات العمل غارقة في الفوضى والتسيب ومستحكمة من شبكات مصالح وضغط لها مزاجهها الخاص في ترتيب وتصنيف الناس الذين يشتغلون تحث امرتهم او بحانبهم وكان كل وافد جديد يبحث عن فرصته يجب عليه ان  يتدافع ويتكاتف ويمتطى هامة الاخرين ليحقق مكسبه ..وفي مجتمعات العمل الذكورية بامتياز كانت لغة العضلات والجسد وقوته هي الغالبة بالإضافة إلى لغة الرأس المال المعتبر  ..والى جانب ظهور وسيطرة نظام الفتوات هذا كانت الكلمة لا تنزل للارض ..كلمة كبار المجتمع ذلك ..رياس بحارة او صاحب مركب او مجهز كبير او تاجر جملة كبير او قيدوم ماسكي تذاكر السفر ومرشدي وحمالة المحطة ..وهؤلاء لم يبنوا سمعتهم من فراغ ودائما هناك من على استعداد ليتطوع بالدفاع عنهم ومؤازرتهم  بمثل ما هناك من لا يكف عن الحكي عن حكاياتهم ومغامراتهم ومعاركهم الرابحة ..

كان اي شخص جديد يبحث عن فرصة شغل في اوساطهم عليه أن يدير الاكثر من حساب ..حساب الاخرين ..لم تكن اوساطا مفتوحة تلقائيا ولم يكن كل شخص بقادر على ان يحتمل اشكال التجريب والتعريض المستمرة ليلين او ليكشف عن معدنه وقوته ..كان على الاقل عليه أن يختار من ينظم لجانبه ليبسط عليه بعضا من حمايته وهذا كان يتطلب منه ايجاد من يتوصى به ويفهمه لغة الوسط والاسلوب الأنسب لاتباعه ...

نظام الفتوات هذه امتد حتى للاحياء السكنية والمناطق كامتداد طبيعي للموقع المحقق في الوسط المهني والتجاري والخدمي وكانعكاس لتداخل العلاقات والمصالح والنفود اجتماعيا ..ونظام الفتوات هذا كان على النقيض من نظام الرعونة والسيطرة العنيفة الذي كان يمارسه بعض اصحاب السوابق العدلية وتجار الحشيش والخمور المهربة بمناطقهم السكنية وبنقط توزيعهم التي يستحكمون عليها بمن يسندهم من أفراد ارتأت ان مصلحتها مع من يزودها باحتياجتها من الحشيش والكحول والاقراص المخدرة ..وكانوا معا يشكلون أشبه بنظام عصابات وجماعات خارجة على القانون والمجتمع ..

كانت مواقع  القوى في مجتمعنا المحلي متقاسمة وتحكمها اعراف وتقاليد اجتماعية وتراتبية ومجالية وكان الصراع على أشده بين كل الاطراف للتغيير فيها واقتحامها وقلبها لصالحه ..وكان على رأس هذه القوى شكليا رجال الامن وكبار رجال الدرك لانه فعليا كان كل من يملك الثروة يملك القوة اوتوماتيكيا ..ولكي تكسب المال وتحقق الثروة لابد لك من ان تتحد مع من بيده السلطة والقوة الاخضاعية ..ولكي يسمح لك بجنيها عليك ان تخلق خلقا ظروف كسبها الأنسب ..عليك ان تميل الى جانب وتسمح بان يقتطع جزء من ربحك لصالحهم ..عليك ببساطة أن تدفع وتخصص وترشي وتهادي لكي يتم الرضى عنك وتسهيل اعمالك والدفاع عن مصالحك ...

كان للميناء نظامه  واعرافه الخاصة وجماعته القوية بلا منازع وفتوته ..بمثل ما كان لسوق الجملة والمحطة الطرقية جماعته وناسه المستحكمين فيهما ..وكل المنازعات والشجارات تعتبر شانا محليا وخاصا باصحابه ما لم يرفعوا عنه أيديهم ليتركوا للامن والشرطة والدرك بالتدخل وحتى ذلك كان يعتبر تصفية حساب..وانما على سيناريوا جديد ومغاير ..

في الاحياء والمناطق السكنية احتفظ كل صاحب قوة وشان بمقامه واعتباره مع التنحي عن الانغماس في التفاصيل اليومية للساكنة وللجيران ..اخد تلك المسافة منهم ضروري لتكريس الامتياز وعلو الشأن الاجتماعي وحتى عندما كان يطلب منهم التدخل فهم كانوا ينيبون عنهم من يفعل ذلك وعلى نحو حاسم وهنا كان تاتي قوة علاقاتهم وتشباك مصالحهم مع عناصر الأمن والشرطة وقد تمتد لغيرهم من كبار مسؤولي السلطة المحلية والاقليمية  وكبار موظفي العدل ومصلحة السجون ..

كانوا تقليديا في المجتمع المحلي العرائش اصحاب نعم وخير على الجميع وأصحاب حضوة وامتيازات وفي مجالاتهم هم السادة والباطرونا والكلمة كلمتهم ..ما من تهجم في الامر وانما هذه هي الحقيقة التي كان يلحظها الجميع ويهمس بها ..كان رجال الامن مجرد تابعين لهم وامتداد لقوتهم ونفودهم الرأس المالي ...

كانوا يكدسون  المال والثروات ويتحوزون على اجمل البقع الأرضية والمنازل والسيارات والخدم والتابعين ويعيشون كامراء واستغلوا نظام الفتوة لصالحهم وللمد في نفودهم على الأرض كما استغلوا نظام الرعناء وجماعاتهم ليصفوا حساباتهم الخاصة مع خصومهم او مع من يناصبهم العداء كما استغلوا عناصر من رجال الامن والدرك لتيسير مصالحهم ولمعاقبة المتطاوليين  عليهم ...كانوا يصرفون ببذخ وساعة يدخل أحدهم حانة فالكل يشرب على حسابه الخاص ..كانوا يتحركون بمرافقة خاصة او بحماية مباشرة من عناصر الأمن ...وبمثل ماراكموا المال والسلطة ركموا الأحقاد والغل ..كانت العيون تترصدهم بنوايا خبيثة وتتمنى زوال النعمة عنهم وتتامر عليهم ولو وجدت فرصة لتنتقم منهم وتوشي بهم لفعلت ذلك لكن لمن ...؟! 

كان المجتمع تراتبي ..هناك من يعيش الأبهة وهناك المعدمون ومن لا يملكون غير أجرة يومهم وقوته ..هناك من يملك ان يبطش ويصفي خصمه وهناك من حتى لو دوس فوق قدمه فلا يملك ان يحرك ساكنا ..  

كان المجتمع المحلي طبقات والوان وتشكيلات هناك من ولد دليلا وعاش دليلا وقد يموت كذلك وهناك من عاش يملك كل ما يريده ويموت في غنى عن كل ذلك ويبقو ورثته وحاملي اسمه وراعي رزقه ..

كان الجميع يتساوى في إمكان ان يحلم بأن يكون ذات يوم يملك ويقدر ويستطيع لكن ليس كل واحد يحلم بقادر على ان يغامر ويركب الصعب ليصل لتحقيق أحلامه وايجاد مكان له في المجتمع ..

اولئك الاسلامويون  لم ينوجدوا من فراغ ولا فجأة ظهروا وان كان يحدث التحول الشخصي بشكل يفاجئ الجميع ..كانوا بيننا كأيها الناس فيهم البحار والتاجر والعامل والمستخدم والموظف ورجل التعليم ورجل الصحة والطالب والتلميذ والذي على باب الله والعاطل....وكانوا مثل غيرهم يعيشون الصراع الاجتماعي ويعاني البعض منهم الاندحار الاجتماعي ..ومنهم من يعاني الصراع النفسي ومشاكل التكيف ..وكل واحد منهم لعله كان مثل جمعينا..يعاني وجوده ويحلم ويسعى ويتطاحن وينهم  ويتعب يعاود الوقوف والمكابرة من جديد والمضي مجددا ..

هؤلاء الاسلامويون  لم يكونوا ابناء شرفاء الزوايا الصوفية ولا حفدة علامين وفقهاء دين وشريعة ..كانوا عموما بلا حضوة اجتماعية وبلا مرتبة متوارثة او مكتسبة الا اذا استثنينا بعض وجوههم البارزة التي كانت تشتغل كاساتذة جامعيين وكعدول وكطلبة باحثين ..وكانوا عموما عرائشيين بما للعرائش من امكاناتها ومن حجم ثروثها ومن قدرتها على استعاب الباحثين عن الفرص وعن الاستقرار المادي والاجتماعي ...

وجوههم كانت معروفة في اوساطهم السكنية ومنهم من بحكم مهنته او تحارته معروف من باقي ساكنة المدينة ..وسيرهم بدورها كانت معروفة في خطوطها العريضة ..وكانوا موزعين حسب قدرتهم واحوالهم المادية والاجتماعية على المناطق السكنية وبالتالي على مجالات وميادين العمل واقسام الدراسة  ويغطون تقريبا مختلف الفئات العمرية وكلا الجنسين ..

كانوا معروفين بلا يافطة سياسية وان قد تكون لبعضهم سابق انتماءات سياسية أو نقابية لكنهم لم يتبوؤا مسؤوليات في مكاتب أحزاب او شبببات سياسية ..ربما كانت لبعضهم بحكم قرابته العائلية تعاطف او ميل سياسي حزبي ..

كانوا من غير النشطيين  الجمعويين المعروفين بالمدينة وعلى الساحة ..كما لم يكونوا من العاملين او المتطوعين في الحقل الاجتماعي والتربوي ...

كانوا عموما غائبين عن الظهور الاجتماعي البارز محليا وان كانوا وجوها محلية معروفة من قبل ناس المدينة بحكم مهنهم او حرفهم او تجاراتهم او ببساطة بحسب موقع سكناهم والعائلة التي ينتمون إليها أو معروفون بحكم المدارس التي ارتادوها والاحياء التي كبروا فيها ...

وعندما اخدوا يظهرون وبتميزون بلباسهم وسلوك ظهورهم الاجتماعي كان طبيعي ان يثيروا الانتباه والتساءل حول تحولهم او انتقالهم لهذا المستوى من لفت الانتباه اليهم وحولهم ...وعندما اخدوا يحرصون على الالتقاء في محلات تجارة بعضهم او في أماكن معينة من وسط المدينة او بسوق الكبيبات او سوق الاحد ..ولما اخدوا يحرصون على أن لا يفدوا مصلحة إدارية الا اذا كانوا على الاقل ثلاثة أشخاص ..وكذلك لما اخدوا يكثرون من زياراتهم الشخصية لبعضهم البعض واطالة  امد وقوفهم قريبا من باب البيت او على ناصية الزقاق او الدرب او الشارع ..كما لما اخدوا يحرصون على التجول كاصحاب في الفضاءات العامة ...كانوا قد انتقلوا إلى إلى مستوى ثاني من ظهورهم الاجتماعي الى الظهور الاجتماعي السياسي وكان واضح انهم يسعون ليتقوا ببعضهم ..وانهم اوجدوا او يوحدوا لهم نوعا من التنظيم والتنسيق وانهم مهتمون بالاكثر من شان ويسعون من خلال احتماعاتهم عمدا للفت الانتباه الى أنهم يعدون العدة لتحولات قادمة ...

من الغباء الاعتقاد ان كل هذا لم يلفت انتباه السلطات المعنية واجهزتها او احدى الجهات التي تقرا في المؤشرات والاحوال المجتمعية المختلفة أو الاعلام على اقله المكتوب ....؟!! 

من قبيل السداجة الاعتقاد بأن يد وسمع وبصر السلطة ورجالاتها قصيرة لتسمح بان يشق المجتمع هذا التيار الاسلامي السياسي في زمن الصحوة الإسلامية التي يبشر بها في كل الديار العربية والإسلامية والقريبة منا او ليكون دون انتباه منا ...!!؟ 

كانت بعض الانباء من الاوساط الجامعية والطلابية تتبني نظرية ان النظام من خلق هذه الحركة الإسلامية ليضرب بها التنظيمات الماركسية والشيوعية واليسارية الريديكالية كما فعل الرئيس جمال عبدالناصر بالاخوان المسلمين ويتحدثون عن سماح النظام والترخيص   للشبيبة الإسلامية بعد ان وجدت في الساحة الطلابية   منذ سنة 1969  في سنة 1972 لتضرب بها الحركات الطلابية ومنظمتها العتيدة  ..ويستدلون على ذلك بسماح مصالح واقسام وزارة الداخلية بقبول ملفات تأسيس جمعيات ومنظمات كلها كانت تحمل مرادفات الاسلام والإسلامية ...

غير أن قوة ظهورهم وتزايده العددي واشكاله والفئات التي ضمها وانتقالهم في المستوى الثالث من ظهورهم الى التصادم الاجتماعي والى التعبئة والتحريض على النظام والى تبني استراتجيات العمل السري بعزل الخلايا عن اي تنظيم واضح ومسمى ..كان يوشي بأنه حتى ولو كان النظام سمح لهم في مرحلة سياسية سابقة بالظهور فهو يعاني من جهتهم الان وسيعاني مستقبلا ...لان الامور كانت تخرج عن السيطرة ولانهم بشكل او باخر يهددون السلم المجتمعي وكيان الدولة ...ويضربون مصالحها واقتصادها ..

هل استوعبت وزارة إدريس البصري الرجل القوي في الدولة والحكومة حقيقة الوضع وحقيقة ما حصل بالجارة  الشقيقة الجزائر والتي لم نكن دائما على وفاق معها !!؟..

وهل استوعبت مصالح الخارجية والاستخبارات المغربية دور المملكة السعودية وفكرها الوهابي ومال بترولها المتدفق في ما يحصل داخل مجتمعنا ويتلاعب باقتصادنا ويحاول افراز قوة جديدة وصنع تغيير جديد في كل بنياتنا وهياكل الدولة ...؟! 

هل فعلا كان النظام ضابطا للعبة السياسية والاجتماعية وقوي بما يكفي للا يترك الحبل ينفلت من بين أصابعه ...؟! ...... 

 

الأربعاء، 6 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(30) بعيدا عن حنان"هذه..." 8 تابع :"16-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..(30). بعيدا عن حنان "هذه..."8 تابع :"16-1"


 لم نعتاد على اشكال ظهورهم الاجتماعي ..وعلى اصرارهم على التميز ..ولا على سلوكهم واسلوبهم في التعامل ..عشنا تجاربا معهم في كل حي ومنطقة سكنية ..كان مالوف ان نجد شابا او رجلا منطوي على نفسه وقد اختار له زيا يعبر من خلاله على إلتزامه بالدين وتعاليمه ..زيا لا يشبه زي فقهائنا وطلبة المعاهد والمدارس الدينية والقرائنية ..زيا اختير بعناية ليضفي على صاحبه صفة تشبعه باختياراته الدينية ..صاحبه يعبر من جانبنا ويتحاشنا ..وحتى عندما نقترب منه يضع مسافة بيننا وبينه ..صاحبه قليل الكلام وعازف عن التحدث والخوض في الكلام ... مستحي ..خجول ..قد يعاقر قراءة الكتب والمجلدات الأنيقة للكتب الاسلامية التي نراه يتابطها تحت ذراعه وهو في غير خرجته للمسجد ...قد يداوم على رياضة المشي والركض بالغابة او بالطرقات في الصباح الباكر او في آخر المساء...

وبمثل صاحبنا هذا كانت لا تخلوا منطقة سكنية او حي من وجه مالوف منزوي بدوره لا يفارق عتبة منزلهم او طواره او راس الدرب ..في العادة يجلس القرفصاء ويذخن كيفه او يهيا سجارة ملفوفة بالحشيش ..لا يعرف عنه كيف يتدبر احواله تماما ..لكنه مقدر في حاله ..قد نسلم عليه حتى مع علمنا بأنه قد يرد السلام وقد لا يفعله ...

وبمثل هولاء نجد جماعات همها الاوحد وحديثها الدائم الاسترسال عن كرة القدم وعن ابطال ومباريات كرة القدم ..وجماعات اخرى تجتمع اخر المساء للتتسامر وقد تدبرت امر حشيشها ودخانه ....وغيرهم من ناس الحي والمنطقة ...

كنا متقبلين لتناقض طبائعنا وميولاتنا واختياراتنا في الحياة وكان كبار ناس الحي يعبرون عن تعاطفهم مع الحالات الخاصة به بأشكال متعددة وعموما يحاولوا ان يدوبوا الفروقات والحجزازات والاقصاءات ...كانت النسوة خصوصا البارعات في ذلك ..لم نكن نقصد نعث الاخواني او الإخوانية الا في شكله ولغاية وسم الشخص المتميز ظاهريا بالخصوص ..كنا لحدود بداية الثمانينات غير مدعويين لأعمال انتباهنا وملاحظتنا لهم وكانهم ظاهرة اجتماعية تحتاج مليا الوقوف عندها وتناولها بالبحث والدراسة لانهم كانوا يوجدون بيننا كاقلية ..ربما كأسر اختارت أسلوب الحياة  التجنبي ذلك والمراعي جدا ..وكنا نتعايش معهم دونما اي تصادم او تضارب في المصالح ودون ان يشكل اي منا للاخر اشكال احراج او تعدي ..ثم لا نعرف كيف اخدوا يتناسلون  افرادا وجماعات ويكتسحون المشهد الاجتماعي ...واقل شيء فعلوه ان اثاروا فينا الاكثر من سؤال  :اين كانوا ؟! وكيف تدبروا خروجهم الواحد تلو الآخر في زمن قياسي ؟! ولماذا هم حرصيون على مظهرهم المتفرد ؟! 

خرجوا واخدوا ينتظمون في جماعات افراد وأصحاب ثم في جماعات مصالح كحرفيين وكمهنيين ..ثم اخدوا ينظمون خروج زوجاتهم وبناتهن واخواتهن في طقوس وباشكال غير مألوفة على مجتمعنا  ..ثم اخدوا ينظمون لقاءات بينهم على هامش حفلات قرانهم او ازدياد مولود لهم او ختانه .؟ثم اخدوا يعلنون عن بعض اختيارتهم في السماع والانشاد والمديح ويختارون لهم مقرئيهم وطريقة ترتيلهم  للقرءان ... وابتدات أشبه بحرب الابواق ومكبرات الصوة الشخصية في الحي الواحد وفي السوق الواحدة ومابين مقهى ومقهى مجاور..

كانوا بيننا ..عاشوا بجوارنا ..كانوا يتاجرون معنا وبيننا فكيف وما السبب في تحولهم الفجائي ..منهم من كانت له سوابقه في الحياة على سوابقه العدلية ومنهم من لم يكن معروفا بعفة او ذمية او مراعات جانب ..ومع كل الذي نعقله عنهم يدهشوننا بقدرتهم على التحول وعلى تقديم انفسهم بمظاهر تدعى الطهر والورع والالتزام ..وحتى الى ذلك الحد الاستفزازي لمشاعر الجميع وهم ينزعون عنا صفات ليلصقوها ويخصون انفسهم بها وكان الامر لا يعدوا أن يبقى مهموسا به ولا يثير الاستعداء الى أن تغيرت من جانبهم معاملاتهم مع الناس واصبحوا يقدمون انفسهم كشرطة اخلاق واداب عامة بل وكمفتشي ذمم وضمير   ويتعاملون باستعلاء ويمارسون النبذ في حق فئات من المجتمع خصوصا المدمنين منهم والمتعاطيات البغاء ..ويهددون ان وجدوا سبيلا لذلك صغار الجانحين والذين يعانون من مشاكل نفسية تفضيلية ومن بعض اللاسواء الجنسي ...

من أن لم يكونوا منظورين شبه تماما الى أن اصبحوا كثرة ومرئيين بوضوح واستفزاز الى أن اعلنوا الحرب على المجتمع تحث عناوين عريضة :مكافحة الفساد والرديلة ..التصدي للتسيب الاخلاقي والانحلال المظهري ..حصار اوكار الفساد وتعاطي الموبقات ..حصار الشواذ والبغايا وتطهير المجتمع منهم ...ثم جاءت المرحلة الثانية من حربهم على المجتمع بعد ان تقووا كشبكات مصالح وكمحتكري لنشاطات تجارية ومهنية معينة فاخدوا يعلنون عن رغبتهم في محاصرة سلطان الفساد والظلم والمعاصي ..وبداوا بالاستنكار من بيع الخمور والشراب علنا في دولة دينها الرسمي الاسلام .ومن الاحتجاج على الترخيص للفنادق التي تستغل كاوكار لممارسة الزنى والبغاء والرديلة ..والاحتجاح  كذلك على الزي المدرسي للبنات وعلى ممارسة نشاط التربية البدنية بشكل مختلط بين البنين والبنات ..وعلى حلاقة رؤس الشباب وتقليعات لباسهم ..وعلى نوع الموسيقى التي يسمعونها ..وعلى ما يعرض على التلفاز العمومي من سهرات ومن برامج ..وعلى مناهج التدريس والتعليم ...وعلى كل شيء ألفناه وانتظمنا عليه ...ثم جاءت المرحلة الثالثة من الحرب الصريحة على النظام السياسي للدولة وعلى الملكية  وعلى كل اختيارات الشعب المغربي المذهبية والعقائدية والعقدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ..لم يكونوا كلهم ولا اغلبيتهم من المتعلمين والمتفقهين في الدين بل اغلبيتهم كانوا اميون او فاشلون دراسيا ومع ذلك استغلوا حرب الأشرطة المسموعة وأشرطة الفيديوا المصورة والكتب الصفراء والمطبوعات والمناشير..واستغلوا ملكات حفظ الشباب منهم لخطاباتهم  ودروسهم واجزاء من مناظراتهم ..

بدوا مضجرين ومقلقين لحريات الناس في التسكع والسير على الطرقات عبر تعمدهم ممارسة آليات ضبطهم النظرية عبر التتبع ورسم الاستنكار على المحيا وعبر وقوفهم المتصلب المضايق ا للاخرين ..انتقلوا من اعتزال مجالسهم والاركان التي يجلسون عليها بالمقاهي الى الجلوس وسط الجميع ولفت الانتباه اليهم والى الاخرين الذين من وجهة نظرهم غيرمنضبطي السلوك العام المقيم وفق نظرتهم الأخلاقية والدينية المتعصبة..

اصبحوا يمارسون رقابة جماعية على المجتمع ويبدلون الضمير العام ...اخدوا يجاهرون بحروبهم على المنكر والحرام ويتصيدون المواقف الاجتماعية ليعلنوا حربهم المقدسة ...وليعلنوا مقاطعتهم للحياة السياسية العامة وللاحزاب العميلة للنظام الفاسد والربوي ...

افسدوا على الناس حرية تدوقهم للحياة واستمتاعهم بالفضاءات العامة ..حيثما مضيت اخدت ترى اصحاب اللحي والحجاب والبرقع ..حيثما نويت ان تتسوق تجدهم وقد اوجدوا لهم تجارة خاصة دينية هي الاخرى لملابسهم المتميزة ولاكسسوارتهم وعطوراتهم وكتبهم ومطبوعاتهم  واشرطتهم وسجادهم والعجيب او الغريب هو التحول الذي سار عليه أغلبية اصحاب رؤوس الأموال والتجار المحليون الذين استبدلوا بدورهم حلاقة وجوههم واخدوا ينمون لحاهم  وشدبوا من لهجتهم واخدوا يرددون كببغاءات ما يردده التجار الإسلاميون اولئك ..كانوا مكشوفين في نفاقهم وموراءتهم لمن اتفق على تسميتهم في الشارع العام بالاخوانيين او ببساطة "الخوانجية "..كانوا خائفين من ان يصبحوا قلة بينهم في الاسواق والتجارة فسلموا بالتحول درءا لفساد تجارتهم  او خوفا من محاصرة الرأس المال المضارب والمحتكر لتجارتهم ...

كنا جد متضايقين من بشاعة التحول في المشهد الجمالي الاجتماعي ومن هبوط الذوق العام وتراجعه لقرون خلت تحث شعار العودة للسلف وزمن المدينة والخلافة  لزمن الحبيب ولزمن ابي بكر وعمر وعلي وعثمان ..

وكنا مستائين من تقبل الخسارة  الكبيرة الواقعة على المرأة فينا بالخصوص التي اعتبرت كلها عبارة عن عورة كبيرة في حاجة للستر والحجاب و لتقبع تحث ظل بعلها ورضاه ..كنا مستغربين من الحمى التي ركبت جيلا من الفتيات التي أقبلت على القبول بالحجاب والبرقع والتخلي عن فرصهن في الدراسة والوظيف والمركز الاجتماعي مقابل ان يحصلن على زوج يرعى حقوقهن ويوفر لهن بعض المتاع الدنيوي ولاباس من ان يحجر  على حرياتهن وحقهن في التقدم وفرصهن في المساواة والفاعلية المجتمعية ..ولاضير من ان يعدد عليهن مثنى وثلاث ورباعى ....

لم تكن فرص الجميع فيهم متساوية ..لم يكونوا كلهم اصحاب تجارات قائمة ورؤس اموال جيدة وتوظيفات مربحة في المدارس الخاصة ودور التنشئة الأولية الخصوصية وفي مجال التأمينات ودور المحاسبة والوكالات العقارية ..كان السواد الاعظم منهم على باب الله وتجارته بسيطة براس مال زهيد واغلبيته او كله دين في ذمته او كانوا أجراء في محلات   الاخرين او مجرد عمال ومستخدمين وباعة متجولين وحمالة و عمال موقف وجزء منهم سحب وجر جرا ليمارس تجارة تهريب البضائع من المعابر الحدودية الشمالية والشرقية او العمل على تسهيل تهريبها واغراق الاسواق بها وفي هذا لم يبدوا انهم متناقضون مع انفسهم وهم يخربون اقتصاد البلد ويهربون عملته الصعبة بل كل من كان يعاني من ضائقة مادية سايرهم وانظم الى شبكات تهريبهم وتسويقهم تلك وبدوا وكانهم اوجدوا الحل لازمات الناس المادية والمعيشية لا هم من يتعمدون خلقها بمزاحة التجارة الشرعية والانتاج الوطني والاقتصادات المحلية للمناطق ..

لم يكن سهل على المرأ أن يطأ تكثلهم الا اذا اتبعهم او تظاهر بذلك ولم يكن المجتمع بكامله على استعداد لان يتورط معهم ويلبس ثوبهم او يتدلل  لهم ...وقف على الجانب الاخر شباب قيل عنه طائش او جانح او ضد مجتمعي  كان لوقت قريب ساكن وفي حاله غير مهتم غير بنفسه وبيومه .وقف كالملدوع او الملسوع ليرفع التحدي في وجوههم وليجاهر بكل ما يعاقره او كان يمارسه في الخفاء ..كانوا ببساطة يعلنون انهم ضد الترهيب والتخويف وانهم احرار في انفسهم وفي انماط حياتهم وانهم غير قابلين للمساومة او للبيع او الشراء ولا يقبلون من يزايدهم على دينهم واسلامهم ...  

كانت كل منطقة سكنية شعبية معروفة بمزاجها الشخصي واسلوبها في ابراز شخصيتها وتعاطيها مع بعضها وكان ذلك الجزء من ناسها موجوعون ومطعنون  في ان يستكثر عليهم حقهم في التعبير عن ذواتهم ومحيطهم وان ياتي من داخلهم او من خارجهم من يعلمهم كيف يتحدثون وكيف يمشون وكيف يلبسون وكيف يحلمون ...والأمر ان يحرضو الباقية من الناس عليهم بمنطق ان يحاصروهم حتى يخرجوهم من بيوتاتهم اما لأخرى او للسجن وليتدبر شانهم النظام الذي افسدهم وتساهل معهم واستمرأهم...

كان للشباب خصوصا طريقتهم الخاصة في العيش وتدبره ..كانت العرائش مدينة صغيرة في طور النمو العمراني والسكاني المتسارع منفدها الاقتصادي الاهم هو البحر وميناء الصيد ورصيفه ومخازن اصلاح الشباك وخياطتها وناصيات بيع السمك وشوائه الى جانب عربات تحميل السمك للمدن الداخلية ولمعامل تصبير السمك وتعليبه بالمدينة ..وكان أغلبية شباب المدينة يمتعشون من البحر وميناءه وسوقه ..وطبيعتهم النفسية من طبيعة البحر في مده وجزره ..في هدوئه وهيجانه ..في جوده وشحه ..كان مزاجهم وساعتهم البيولوجية مضبوطة على فترات المد والجزر ساعة تخرج السفن للاصطياد او تعود بحمولتها الميناء ..وكانت تؤشر بغروب الشمس او بساعة الفجر وانقشاع الظلام ..لذلك كان عادي لشاب عرائشي ان ياخد فطوره ساعة المغرب او يتناول عشاءه ساعة انتهاء انزال السفن لطواقمها واسماكها وانحصار عمليات البيع والشراء للتحميل والتوزيع او لانطلاق عمليات التسفير نحو الاسواق الاخرى ..اي بعد السابعة صباحا الى الثامنة صباحا في فصل الشتاء  ..وكان عادي جدا ان تنشط أماكن معينة بجوار الميناء وبالمحطة الطرقية ومحطة سيارات الأجرة الكبيرة بالمواقف المؤدية لجماعة الساحل ومحيطها او تلك المؤدية لجماعة العوامرة ..وللقصر الكبير ..وبمنطقة عبور الحافلات الطرقية التي لا تدخل المحطة الطرقية بمدار أربعة طرق ساحة الاستقلال وعلى طول الشارع المنتهي بطريق القصر الكبير -الرباط وبمدخل المدينة على طريق طنجة ..وان يأم كل تلك المناطق ناس وشباب الليل على اختلاف نوعياتهم وعلى وجود أصناف من المتعاطين فيهم لكنهم عموما ما داموا يكسبون ما يمكنهم من ما يتعاطونه فهم مقبولون اجتماعيا وهم مع هذا القبول لهم حريصون على أن يبقوا منسحمين مع روح المجتمع ومسالمين له ...كانت بالفعل تعرف المدينة احيانا احداث عنف او اعتراض سبيل او مشاجرات دامية او عمليات سرقة ومداهمة لمنازل المغتربين لسلبها لكنها كانت احداث تقع في كل مكان وفي كل المدن.. وسرعان ما كان تدخل الامن وعناصره تعيد السكينة للمدينة ويستمر حالها على ما هو عليه ..الليل لطالبي البحر وللخادمين على توفير حاجيات مدمينه كرها او اختيارا بحسب العمل وطبيعته  وهوية صاحبه المدنية ..ومقاهي الليل للعابرين من سائقين مهنيين لعربات وشاحنات تموين الاسواق بمتطلباتها اليومية وللوافدين مع اول نداء لدخول الشطر  الاخير من الليل  لاخد فطورهم  وانتظار حافلات او سيارات تقلهم لخارج المدينة نحو العاصمة او مدن وجماعات الجهة ..

شباب المدينة ألف نمط عيشه وكفاياته واسلوب تعبيره عن شخصه وافكاره ..ألف طرق تنفيسه عن ضغوطاته النفسية والاجتماعية ..ألف جزء كبير منه خصوصا من بعد يأجل مشروع ارتباطه وزواجه ان يسكر حينا وان يبذخ في طلب متعة الشراب والسهر في الحانات ومع جماعات رفاقه وزملاءه في العمل ..وألف ساعة يجود البحر ويكسب الشيء الكثير ان يستمتع بليلة فخمة بجوار من تلائم طبعه وتواتي ميله الجنسي ..وألف ساعة يشح المدخول ويغلق الميناء أن يكتفي بتدخين الكيف وشرب الشاي المنعنع ولعن الحظ ..وألف اصحاب البيوت والابناء ان يصرفوا باريحية وان يمارسوا حرياتهم الخاصة ساعة يعم الخير من البحر وان ينقلبوا مكرهين لغير ذلك ساعة ينحسر ..وهذه الإزدواجية وسمت طبيعة ناس المدينة واثرت في نمط عيشهم وتعاملهم وفي قدراتهم على التعاطي مع الناس والاخرين وفي صبرهم كذلك ونفسياتهم واعتقادتهم عن نفسهم وفي حقل قيمهم المخصوص كالكرم والجود والانتهاز والبخل والعطاء والحب والمسؤولية والضمير ...

لم يمارس ناس المدينة تقليديا التجارة الا في السمك والحوت كانت اعمال البقالة وتجارة الملابس والأثاث والعقاقير  حكرا على اليهود والاسبان واهل سوس والبربر الامازيغ وبعض قليل من جبلي المنطقة بينما كانت تجارة الخضر والفواكه واللحوم مرتبطة بناس اماكن انتاجها وكانوا عموما من بدو مناطق الغرب والداخل  "العروبية "وبعض من جبلي المنطقة ومن نزح من مناطق الريف للمدينة ..ناس المدينة كانوا نشطين في مجال البحر والصيد وتجارته ومهنه وكان لجانبهم باقي الحرفيون والمهنيون المختلفون ...موظفوا المدينة هم من ابناء المنطقة الكبيرة لقبيلة الخلوط من من امكنهم التمدرس واجتياز الشهادة الابتدائية والاعدادية ونسبة قليلة منهم وافدة على الاقليم "إقليم تطوان "او المنطقة الجغرافية ..

كان محيط بالمدينة مساحات من الجنان التي استغلت بأنشطة فلاحية صغيرة بينما الضيعات كانت بعد في ملك الدولة وشركاتها العمومية أو في يد بعض كبار الخواص من متقاعدي الجيش او من اختار البقاء من المعمرين الاسبان والفرنسين بالمنطقة ثم تبقى الأراضي الفلاحية الواسعة مقسمة مابين ملاكين كبار وصغار بكل من منطقة حوض اللوكوس والعوامرة..وبمثل مايسم البحر مزاج وطبيعة الناس كذلك تفعل الارض الفلاحية وباديتها ..وكان ان يلتقي ابن المنطقة بابن المدينة كما لا يمكن ان يلتقيا لانهما مختلفين تماما عن طبيعة بعضيهما وكانت لخطوط حافلات "الريفي " المحتكرة للنقل الحضري والربط القروي ان تسهم في هذا التقريب بين ابن المدينة وابن البادية وجبلي المناطق ..بمثل ما كانت تربط المناطق الهامشية والعشوائية التي كانت تشكلها احياء "كليطوا ",الحي الجديد واحياء المحصحص وجنان الباشا والمنزه والتي كانت تتناسل بيوتاتها الصفيحية والعشوائية بسرعة متنامية كساكنتها المهاجرة من العالم القروي ومن الجوار الريفي والبدوي للمنطقة ..

كانت كل منطقة سكنية لها خصوصيتها ومشاكلها وجغرافية سكانها وتاريخها الخاص ولكنتها المتميزة وثقافتها الشعبية ومزاج شبابها ونزق اطفالها ويافعيها ..وكل منطقة تعاملت على حدى مع بداية اكتساح واكتساح الإسلاميين اصحاب اللحي والقنادر والعمائم والحجاب والبرقع والنقاب ..المناطق الهامشية والعشوائية حاصرتهم قبل أن يحاصروها وشدت عليهم الحصار الا ان اخدوا يرخفون وطأته عليهم عبر الاستحواذ على شبابهم ويافعيهم عبر فتح ابواب الترزق والكسب  لهم وعبر بضع اعمال بر واحسان مناسباتية لصالح ارامله ومطلقاته وعجائزه كانت تقوم بها جماعات منهم دون اي غطاء تنظيمي ثم اسسوا لانفسهم جمعيات او فروع جمعيات وطنية احسانية وتكافلية ..مناطق المدينة القديمة المزدوجة الساكنة مابين الساكنة العرائشية القديمة والتي لها تاريخ بالمدينة والمنطقة ومابين الوافدين القدامى والوافدين الموسميين لارتباط اشتغالهم بالبحر ونشاطه كانت معرضة للاختراق اكثر من غيرها وكثرث فيها الاصطدامات لانها بشكل او باخر كانت مسكونة باغلبية من الممارسين لانشطة البحر والصيد ولهولاء مزاجهم الشخصي ونمط خاص في العيش تاثر لحد كبير بالمقيم الاسباني بالمنطقة ابان الاحتلال وهؤلاء كان منهم من ساير موجة الإسلاميين منذ بدايتها الاولى ومنهم من التحق بها متاخرا وبقية أغلبية محافظة مترددة الى جانب جيل من الشباب الذي رفض جملة وتفصيلا مشروع "الخوانجية "وأعلن تصديه وتمرده عليه ...كثرت الوشايات لدى السلطات الأمنية والمحلية ..وكثرت المشاجرات والمشاحنات بين الفريقين من ابناء الحي الواحد ..وكثرت المكائد لايقاع صاحبة دار بغاء سري او علني .. وكثرت المزايدات من الطرفين على بعضهما البعض وكل اخد يكيل على طريقته.لحصار الاخر ...

البادي في الامر ان الامن والسلطة المحلية استغلت الوضع لصالحها ..ووسعت من دائرة من بامكانها احتواءهم كواشين لها ومرشدين لدوائرها ومن حملة اعتقالاتها في صفوف من يتورط في أعمال جنوحية او اعتداءات على منازل الغير وسلامتهم   بالإضافة لضبط عمليات توزيع وتسويق الممنوعات واحوال بيوتات واوكار الدعارة ..لكنها هل كانت تتعامل مع الوضع بمنطق سياسي ضابط لما يحدث ولما يمكن له أن يتحول ويتطور ...؟! 

هل انحازت السلطات لاية جهة من الفريقين ؟! وهل كان لها ان تنحاز فعلا ...؟! ....

الاثنين، 4 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(29). بعيدا عن حنان"هذه..."7 تابع "15-1".


لقد كنت مندهشا انا نفسي مما كان ينكشف لي يوما بعد يوم من متابعة التنظيم والتسلل إلى حظيرة عناصره وربط علاقات معهم ...كان التنظيم يتقوى عدديا بشكل رهيب وكانت العناصر الطلابية والتلمذية في مستويات الباكلوريا والمرحلة الثانوية نشيطة للغاية في استقطاب كل اقرانها وفي كل دوائر تحركها ..داخل الاحياء السكنية التي تقطنها ..داخل فضاء المؤسسة التعليمية او الجامعية ..داخل المساجد وخارجها في الشارع والفضاء العام ...وهذه العناصر هي من اوجدت اللبنة الاساس الحرفية والمهنية لتكوين قيادات محلية منها قادرة على أن تعمل من تلقاء نفسها نفس الادوار في خلق متعاطفين  معهم والاستقطاب لصالح التنظيم ...لم تكن لهم من امكانات مادية أو لجوستيكية يعتمدون عليها في تعبئتهم الجماهيرية الشعبية كما كانت تفعل وللاكثر من عقد او عقدين متتاليين الجماعات الإسلامية التي تكونت وانتعشت بفضل مال ودولارات السعودية ودول الخليج العربي وعبر منظمات عاملة بالخارج بالديار الأوربية والاسيوية نشطت في توزيع كتيباتها المجانية باعتماد نظام المراسلة والتوصيل ...لم يعتمدوا اساليب الاحتواء الاجتماعية /الاقتصادية في كسب منظمين جدد للتنظيم عبر ضخ موارد مالية  ورؤس اموال صغيرة أو متوسطة لصالح الفئات الفقيرة والمعدمة والتي تعاني من معضلات التهميش والعطالة ..لم يستعملوا مؤسسات اجتماعية بديلة في الوصول للناس ولكسب تعاطفهم مستغلين حاجاتهم للدعم والتاهيل النفسي والاجتماعي ..لم يفكروا حتى في خلق مقرات لهم ولو على سبيل التعريف بجماعاتهم والدعوة للنشاط بجانبهم ..لم ينتظموا في جمعيات اسسوا لها ...لم يمارسوا العمل السياسي الجماعي او الترافع ليكسبوا مؤيدين ....كانوا على النقيض من كل الجماعات الاسلاميه المتواجدة بالساحة وكانوا غير متماهين مع أية تجارب سابقة للاسلاميين في الوطن العربي ..كانوا يشبهون انفسهم فقط وكانت تجربتهم أصيلة لحدود بعيدة ومتفردة في اساليب استقطابها وعملها التعبوي الغير المعتمد على الدعوة ونشر الوعي الاسلامي وانما  يستغل هذا الجانب كما يستغل كل الجوانب الأخرى من ما يحسب على الجماعات الإسلامية النشطة بالساحة لصالح كسب اعضاء جدد عاملين ونشطيين لمصلحة تقوية التنظيم وليس فقط لمده عدديا بأشكال من القوة الصورية ...

عبرت بصريح العبارة لرئيس قسم الشؤون العامة بالعمالة عن فزعي الشخصي من قدرة التنظيم المحلي على الانتشار وكسب اعضاء جدد وتكوين خلايا سكنية ومناطقية وقطاعية..وعلى رفعهم العالي لمستويات تحديهم  للنظام العام ..فهم لم يحتاجوا لبناء مؤسسات اجتماعية وانما تسللوا اليها ..تسللوا للنقابات..للاحزاب..للجمعيات والمنظمات والنوادي ..استولوا عمليا على اجزاء من المساجد أو كلها ..سيطروا على شواطئ وفرضوا التقسيم والعزل على باقي الشواطئ في مختلف التراب الساحلي المغربي ..نظموا تلقائيا العزل في وسائل النقل الحضري والطرقي  ...قووا حضوريا العناصر التي تعاني من التهميش والحاجة وركزوا على دعمها وسندها معنويا وتحفيزها على المثابرة والعمل ..انشؤوا ببساطة نظام اخوية بامتياز غير مبالين بصنع الفرق والتميز بلباس معين أو لحلاقة الوجه على شكل بل استغلوا كل تلك المعطيات لتصيد من من المتميزين بها قابل للاحتواء وللانظمام اليهم ...لم يعتمدوا  على المصاهرات بالقدر الذي اسسوا اليه عبر فتح وتيسير الزواج بين عناصر التنظيم الذكوري والنسوي منهم خصوصا بين الطلبة والطالبات الجامعين واسفل المجتمع بين كل من لمس في نفسه القدرة على بناء وفتح بيت ...

لم يكونوا ميالين قبل أن يبدوا في الخروج للعلن وينظموا نشاطتهم الثقافية وحلقاتهم بالفضاء الجامعي والتلمذي للظهور الجماعي كفصيل او كجماعة اخوية وحتى عندما اخدوا يبرزون وجودهم وقوتهم بالمساجد وبمحيطها كانوا قلما يترافقون في الشارع العام الا زوجين ولا يقفوا لبعضهم البعض اكثر من ثلاثة أفراد ..وكل فرد كانت على العموم تمة رابطة قديمة او سابقة تجمعه بالذي يصاحبه ..كانوا متواجدون في العلن ويصعب فرز انتماءهم خصوصا مع تجردهم من التمسك بالشكل المظهري ..هم عموما يقدمون انفسهم ملتزمين بالدين وباداء العبادات بالمساجد دون مغالات او تشديد مبدئي او شكلي...ويتصرفون في غير ذلك من المواقف الاجتماعية كايها الناس ما بين المهتمين وغير المهتمين ...لا يعطون الانطباع بأنهم متسرعون في امرهم او جد مبالين بالاحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية ..حريصون على أن يفعلوا ذلك فيما بينهم وفي كثير من التخفي ودون ان يشيع الامر لغيرهم ..كانوا يبرزون ذواتهم كمختلفين بالمثابرة والاجتهاد والاقبال على الدروس التعلمية وبالانكباب على أعمالهم ومهنهم ..محافظين على علاقات جوار طيبة وبحس خلقي عالي غير مقتحمين المجامع بالدعوة ونشر الوعي وإعمال النصيحة ..وحده الهدف او المستهدف من يتم التركيز عليه ومن من بإمكانه تلقفه من بين الجميع ومصاحبته والعمل على إعداده وشحنه ايديولوجيا وتاطيره نظريا وتنظيميا ..ثم حيثما اكتمل الاعداد والتهيئة يدخلا الاثنين في التباعد وينحصر تلاقيهما الا في المناسبات العرضية وبالصدفة او اذا دعت الحاجات التنظيمية لذلك وبذلك كان كل عناصر التنظيم تحرص على ان تبقي التنظيم في امان من الكشف عن عناصره وخلاياه ...

اخويتهم لم يكن مبالغ فيها عاطفيا كانت اقرب الى الصحبة والمصاحبة او الى جو الرفقة والزمالة ..يمارسون الرياضة سويا والتمشي في الفضاءات العامة ..يقصدون المكتبات العمومية وقاعات المطالعة ..قد يهتموا بحضور نشاط ثقافي او سياسي عمومي وينحشرون في الجموع دون الإفصاح عن هوياتهم او ميولاتهم السياسية حتى ولو تناولوا الكلمات او التدخل في النقاش ..كانوا محافظين في اللغة التي يستخدمونها بحيث انها توشي اكثر مما تفصح ..الا بعض الوجوه القيادية التي الصق بها اليافطة والانتماء والتي كانت تلعب على فرص الظهور والتسلل إلى المواقع القيادية المجتمعية او تكتفي بان تعبر عن وجودها في قلب المعادلة السياسية كتنظيم اسلامي سياسي قوي ...

في زحمة التنظيمات الإسلامية وتعدد اسماءها ومراجعها واختلاف توجهاتها واهدافها وفي جو الاكتساح المجتمعي لظاهرة التاسلم والاسلام السياسي المدعوم من الخارج وبشقيه السني و الشيعي والى جانب الاسلام الصوفي المعتدل الرسمي كانوا قادرين على التنظيم والتكاثر العددي وصدم النظام الاستعلاماتي والامني بقوة تعبئتهم وبمشاركتهم في التظاهرات السياسية والنقابية بجانب باقي التيارات السياسية المجتمعية او بمفردهم في بعض الخطوات المناصرة لمعتقليهم الذين كانوا يمثلون امام القضاء او في الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية والمعاهد العليا ...

لم يعرف عنهم تنسيق مع حركات إسلامية موازية او تيارات حزبية قريبة او ممكن ان تقترب من مراجعهم كانوا حرصين حتى على مستوى قيادتهم الوطنية او ما يعرف بمجلس الارشاد على استقلاليتهم  والظهور كتنظيم موحد مع إعلان قابلية واستعداد لفتح اي نقاش والدفع في اي مستوى منه يخدم رسالتهم واهدافهم المجتمعية العامة ويحقق لهم نصرة قضيتهم في مواجهة الطاغوث وسلطان الكفر ...

كانوا لفترات طويلة يمرون بجوارنا ومن حولنا دون ان يلفتوا الانتباه اليهم ..كانوا في اقصى ما قد يتعقبهم من ملاحظة انهم شباب ويافعون ملتزمون خلقيا ودينيا وفي حالهم ..وخط سيرهم عادي ليس فيه من مميز غير فسحة الصلاة بالمسجد واينما ادركتهم الصلاة يلتحقون  باول مسجد بالجوار ..

المساجد عندنا غير موقوفة على اوفياء بعينهم ..ربما يامها كبار السن والمتقاعدون  وجماعة ألفنا ان تغلق محلاتها التجارية ساعة النداء للصلاة لتلتحق بالمسجد ..وبعض الشباب القريب من جوارها والذي دأب على اللحاق بالمسجد عند كل صلاة بما فيها الفجر وهم كانوا قلة ..وقلة فيمن يداوم على ذلك دون انقطاع ودون ان يرتد للا يفعل ذلك لما قد ياتي من  ايام حياته ..لكنها تبدوا خليطا من كل الاطياف والاعمار ايام ايام الجمعة وطيلة شهر رمضان ...

ألفنا المساجد والولوج اليها في فترات من اعمارنا وكان عادي جدا ان نداب على ذلك بجد في فترات قصيرة ثم نعاود سحب انفسنا من دائرته تدريجيا حتى لعلنا ننقطع عن اداء الصلوات.. وألف بعضنا أن يفعل ذلك كتكفير عن ذنب اقترفه او انب عليه بشدة من الاهل او على اثر تعثر حاله في الدراسة أو ميل حاله في شغله او تجارته ...وألفنا ان نلحظ ارتياد حديثي الزواج المساجد ربما استشعارا منهم انهم عبروا بنجاح عتبة الرجولة ويتهيؤا ليصبحوا اباءا صالحين ..لكننا بيننا وبين انفسنا كنا جميعنا متهيبون من الصلاة ومن دخول المساجد لانها ليست للعب كما كنا نقول اول ما نستفسر عنها وعن علاقتنا بها ..ومتهيبين من الالتزام الحقيقي بدروب  التقوى كنا مضطربين بما يكفي برغباتنا وهمومنا الصغيرة ومتعبين ضجرين باعمارنا وبكل الذي بعد ينتظرنا ..ولا نقوى على الالتزام ويشعرنا حال التزامنا الصوري بالغباء والتقزم امام سلطة اباءنا واولياء امورنا وكبار ناس الحي والعائلة ...وبيننا وبين انفسنا كنا نعتقد بأن الصلاة الحقيقية والالتزام ياتي مع السن ..بعد ان نكبر وليس في مرحلتنا المبكرة او المتأخرة من المراهقة وبداية الشباب ...

كنا نحب ان نبقى على سجيتنا بعيدا عن مشاعر التقريع والذنب ..نحب  ان نمارس الاعيبنا ونمرح ونكتشف ونزوغ قليلا عن الطريق..

كنا نعترف بينا وبين انفسنا بان عنف الرغبة الجنسية يحول دون ان نضبط ذواتنا ونوفق في الالتزام باقامة شعائر الصلاة والتحلي بالطهارة قالبا ومعنى ...كنا مشغولين لاقصى درجة بتخفيف حدة مزاجنا وعدواننا وانفعالاتنا نحو ان نشعر ببعض السلام داخلنا ومن حولنا ...ولم تكن تغرنا مظاهر التاسلم الفاضحة ولا حرص بعض اقراننا على اظهار التزامهم ..كنا بشكل او باخر نراهن على من فيهم الاول الذي سيلتحق بنا بعد  ان يودع ركنه بالمسجد ..  

لم نكن لنطمئن لفتى ورع لانه ببساطة لا يوجد فتى وورع جنبا لجنب ..بل يوجد نظام اسري ..ابوي او امومي محافظ ..صارم ويوجد بالمقابل امتثال ورضوخ او تظاهر بذلك ...لم نكن نعمم  من موقف العارفين وانما من واقع تجاربنا الشخصية وتجارب اقراننا والمحيط ...لذلك لم نكن نصدم عندما ينكشف لنا أن واحدا من اقراننا ترك الطريق المعتاد الى المسجد لطريق جانبي حيث يذخن سجارة او يترافق مع عازف قيتارة او يتصيد بنت الجيران ..كان ظننا أن فترة الحرص على الصلاة تشبه غيرها من الأنشطة التي ننكب على ممارستها دفعة واحدة ونتركها دفعة واحدة لغيرها من النشاطات والتجارب...ضرورية في مجتمعنا للتعرف ولبناء معرفة روحية سنعود اليها في مرحلة الرشاد والثبات النفسي ولكنه ليس الان ...

حتى في المرحلة اللاحقة على خروجنا من فترة المراهقة العنيفة كنا متضايقين بشدة ومتحسسين من أية سلطة تراقبنا وتتدخل فينا  وتمارس الحد من حريتنا والقهر على رغباتنا ..كنا ميالين لتجنب لقاء كبار افراد عائلتنا واخواننا الكبار وكبار ناس الحي ومعلمينا واساتذتنا وكل من له سلطة معنوية علينا ..كنا حتى وبعد ان اضحينا نقدر على أن نعقلن الأمور والأشياء في حاجة لنتمرد على القوالب الاجتماعية والاعراف ونخرج على القواعد المتعارف عليها بمثل ما كنا ونحن تلامذة دائمي التذمر من النظام المدرسي ونفكر باستمرار بالخروج عليه وتكسيره ...    

وكنا شبه اجمعين نشكوا بصريح العبارة او بغيرها من عتو السلطة الأبوية ومن سأمنا من لائحة ما يصح ولا يصح المرفوعة دائما في وجوهنا ..

لم تكن علاقتنا بناس المساجد كلها جيدة وحسنة لان مساجدنا كانت تمارس سلطة بدورها علينا لم نكن نعرف بأي وجه حق يكفل لواحد يرتاد المسجد باستمرار ان يصبح واصيا علينا ويلفت انتباهنا باستمرار بمواعيد الصلاة أو للا نترك   صلاة تفوتنا ولنتحلى بزي معين أو بسلوك مخصص ...وكنا نحاول جاهدين الا نصطدم معهم لكننا بالمقابل كنا نجتنبهم ما امكننا وكنا ننسب لبعضهم من من كانوا لايملون مطاردتنا بوصايتهم السبب في الكف عن ارتياد المسجد وتغييره باخر واحيانا بأنهم كانوا سببا من جملة الاسباب التي جعلتنا نقاطع الصلاة ...

في اوساطنا الشعبية كان الفقر عام والحرمان يسم ولا يسلم منه جميعنا على تفاوت احوال معيشتنا وكانت عندنا قناعة  لا نعرف من اين اتتنا وترسخت فينا تحدسنا بان فساد احوال السلطة والمسؤولين عنا وشيوع الفساد والرشوى والمحسوبية سبب تردي اوضاعنا وحرماننا ...لذلك كنا ميالين ولو في سلوكنا الشفاهي الى لعن الاوضاع وكره اي سلوك تحكمي فينا وكل من يمارس السلطة وخصوصا بتغنج ...لم نكن نعادي بعضنا البعض على تعدد امزجتنا وطبائعنا وميولتنا ..كنا لحدود بعيدة نعي بان الحال من حالنا وكلنا متساوون امام قهر الاوضاع الاقتصادية والسياسية وامام استمرار تخلف مجتمعنا الفكري والثقافي وسواد الأمية في اوساطه..لذلك كنا ميالين للتسامح مع كل الظواهر الاجتماعية السلوكية الا العنف والتحرش والذي بدوره كان سائدا...

بالمدينة كانت هناك اكثر من ثماني أمكنة لتعاطي الخمور والشراب ما بين خمارات وفندق ونادي ومطعم و ثلاثة محلات لتوزيع وبيع الخمر والشراب ..واكثر من خمس دور الدعارة بالمدينة القديمة لوحدها تنشط باستمرار وفي كل حي أو منطقة سكنية هناك نقطة الى ثلاثة نقط لبيع الحشيش والكيف وبمنتصف الثمانينات انضافت نقط لبيع الأقراص المخدرة ك"ريبلوم "و" ريفوتريل "و "الارتان"....كما لم تخلوا منطقة سكنية من دور تمارس الدعارة بالخفاء خصوصا بالمناطق الشعبية جدا والهامشية العشوائية ...كما كانت القوادات معروفات ولهن شعبيتهن وخروجهن للتسوق او التجول في الشوارع والساحات العامة فرصة لاصطياد زبائن لمن بحوزتهن من مومسات او بنات جدد على الميدان ...رسميا كنا قد ودعنا زمن الدعارة المقونن والذي عمر معنا لما بعد فترة الاستقلال وللاكثر من عقد ونصف ورسميا ايضا لم تكن تمارس الدعارة في البيوت دون ان تكون تحت أعين ومعرفة السلطات المحلية والأمنية بذلك ومثلما كانت الخمارات مفتوحة في وجه العموم على المنع التقليدي الرسمي لان تكون مفتوحة في وجه المسلمين ومحالات بيع الخمور سوق مفتوحة في وجه الجميع كذلك فلقد كانت الدعارة كذلك هذا دون الحديث عن الدور المخصصة للانس والفرفشة والتي يكتيرها المقتدرون ماديا العزاب والمتزوجون منهم والتي مثلها مثل الدور الشبه الرسمية لا اعتراض عليها ما دامت امورها مسيطرة عليها ولم تحدث الكثير من الضجة والبلبلة وما يثير الريبة او يقلق راحة السكان وامنهم .. 

كانت ايام السبت والاحاد كما ايام الاعياد والاحتفالات الرسمية لا تخلوا اماسيها ولياليها من ضجات السكرى والمعربدين والمعربدات في الشوارع والازقة والحارات ..على غرار كل ايام فصل الصيف والذي يكثر فيه السهر وحفلات الزواج ويقترن بالعطل الرسمية وبعودة المغتربين داخل وخارج الوطن لمدنهم الأصلية ...

باقي ايام الاسبوع تنشط الحانات ومحيطها بزبناءها المعتادين والمعروفين وتتصيد الخارجين منها القوادات والقوادون والعاهرات والمثليين ...وكل يوم يتسوق معاقروا الشراب حاجاتهم منه ليشربوها في بيوتاتهم او بسياراتهم وبجوار البحر والغابة وبارصفة الأزقة والحارات الداخلية ....

كان زمنا خاصا.. حر في ان تلج خمارة او دار دعارة او مسجد صلاة ..مثلما انت حر في ان تدخن سجائر او حشيشا او كيفا او تستنشق غراء كيميائيا "سلسيون "او ماء تخفيف الصباغة او بنزين سيارات ...

كان زمنا خاصا جدا  لا يعيب الرجل غير جيبه وما يحتسب فيه على مال ولا يعيب الواحدة من اولئك غير قدرتها على كفاية نفسها وتدبر أحوالها ..كان مقبول من الجميع ان  يفسحوا لك مكانا بينهم بالمسجد متى عدت اليه وكان باب التوبة مفتوح في وجه الجميع وكذلك كنا نعيه ونعي بان الرجل منا ما ان يكبر في السن وتضعف بعض قواه سيعود الى رشده ويتوب وسيحج البيت الحرام ليكرم توبته  ...

لذلك لعلنا لم نستسغ كل ذلك الاسلام المظهري الذي مارسه بين ظهراني المجتمع كل مستقطبي الجماعات الإسلامية المدعومين من دول الخليج ولا ذلك المتمثل  لاخوان مسلمي مصر ولا ذلك الذي يقف على صراع معه والقادم من الدولة الصفوية الشيعية والذين احتكروا  لانفسهم تجارات ونشاطات كسبية وتزيوا بالبستهم الخاصة واطلقوا لحاهم وشعورهم على طريقتهم  ووضعوا بينهم وبين بقية اطياف وافراد المجتمع فوارق وحواجز وفيهم من اقام بين الناس محاكم تفتش في دواخلهم ونواياهم واخدوا يصادرون حريات الناس ويحرضون بقيتهم على محاربة الفساد الخلقي والمناكر ...

كنا ننتظر الموجة ان تعدي سريعا من بين مجتمعنا وان تختفي ارتدادتها.. لم نتوقع أن تحتكر  الطرقات وناصيات الشوارع والاسواق والقيسريات و محلات الاكل والطعام ..لم نتوقع منها ان تسيطر على تجارات الاثواب والذهب والحلي والعسل وزيت الزيتون والكتب والمكتبات ومحلات تصوير المستندات والوثائق وتوجد لها استوديوهات تسجيل أشرطة وشركات توزيع ومحلات بيع وعربات متجولة ..لم نتوقع أن يتحول المجتمع بمثل تلك الدرجة ويصبح غطاء الشعر بالنسبة للفتاة والمرأة شرف والزام بل ونرى لجانب الحجاب البرقع والنقاب حتى للطفلات  الصغيرات ..لم نستسغ ان يبني جزء من المجتمع جدارات بينك وبينه ..جدارات من النظرة الازدرادية والفوقية والتانيبية والاستعدائية ..وينعزل بنفسه عن بقية اطياف المجتمع فيقيم لنفسه مواسمه الثقافية والفنية ومراسيم زواجه وحفلاته واماكن اصطيافه وتنزهه ورحالاته الخاصة ..ولم نقبل منهم محاولات تدخلهم في توجيه حياة الناس بمشيئتهم ...

كان الجميع يقبل التجريح في النظام وقد يمارسه كتنفيس عن كبته السياسي لكن لكنتهم كانت توشي بخلل مركب يغشى المشهد السياسي الاجتماعي للبلد لانها ركبت على قاموس ديني وفقهي واخلاقي سلوكي عتيق لم يكن مقبولا العودة إليه لا في مدارسنا التي كانت تتحول لمدارس مختلطة لبنين والبنات ولا في فضاءنا الاجتماعي ولا لكي تقصي نصف المجتمع منا وتعيده للبيت وتمنع عنه حتى حق الكد والسعاية ..فبتنا نسمع عبارات التكفير ونعث الكفر والكافرين والقوم الظالمين والرهط المفسدين ... وكأن العجلة تعود للوراء بنا نحن الجيل  الذي يطمح  للتقدم والسير نحو الامام ...

عاد النقاش مجددا للنظام التعليمي والبرامج الدراسية وعلت أصوات منهم كانت تمارس التربية والتعليم لتطعن في مناهج تدريس مواد كالفلسفة والتاريخ الاسلامي والاداب ...ولما لم تجد ادانا صاغية لها حاولت فرض اسلوبها على المتمدرسين عندها والتمييز بينهم وبدى ان نظاما جديدا يستبدل بنظام يسود ..نظام يميز في الادارة بين اخ يؤدي الصلاة بالمسجد وملتزم واخر سفيه وسكير ونظام يميز بين المرأة المحجبة والمرأة سفيفة في المواصلات العامة وفي محلات الخدمات العامة وفي الطرقات والشوارع والمنتزهات ...وبدى ان المجتمع ببساطة ينقسم على نفسه ....

والعجيب ان التنظيم المحضور ذاك استغل كل ذلك للعمل على تقوية نفسه وكسب منظمين اليه دون الدخول في صرعات او صدمات في بداياته ...واستغل وجود اسماء جماعات عدة والوان من الزي والمظاهر ومساجد مخصصة محسوبة على جماعات بعينها او زوايا صوفية محددة والميل الطبيعي للعناصر المحايدة من الناس مع ضغط كل جانب قوي او يتقوى على حساب الآخر ..واستغلوا كل تناقض موجود في المجتمع ليسيطروا  خصوصا على الفئات اليافعة والشابة من المجتمع ...كانت ادواتهم تفعل فعلها بصمت ونشاط منقطع النظير ودون ان يوجهوا كامل الانتباه للتحويل الذي يمارسونه على بنى المجتمع وهياكله ...

من جملة ما عبرت بصريح العبارة عنه وانا اقدم لاعتباراتي الشخصية في الموضوع في المقابلة تلك هو انني ضد اي تطبيع مع قوى تعادي المجتمع وتقدم نفسها النمودج الامثل والوحيد لنمط العيش وللجميع وتصادر الحريات وتمارس القمع تحث  أي مسمى كان ....


  

يوميات: عوالمي السرية..(29) بعيدا عن حنان"هذه..."7 تابع :"15-1".


 

الجمعة، 1 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(28). بعيدا عن حنان"هذه..."6 تابع :"14-1"


 

يوميات:. عوالمي السرية..(28). بعيدا عن حنان"هذه..."6 تابع :"14-1"


 لم يخل لي ابدا انني تورطت في الخداع ..لانني كنت صادقا مع نفسي ومع كل من حولي بمقدار ...ولم اكن اقايس مقدار الصدق الذي اجريه الا بذات مقداره الذي ابادل به ...لا يمكن على كل  حال المغالات في تقدير الاخرين على حساب ذاتك ...لم اكن تقريبا اخفي شيئا الا بمقدار ما يخفون هم كذلك ..لا يمكنني ان اكون خارج المعادلة الاجتماعية السياسية ..

كاي واحد من الناس لابد ان تكون لي اسبابي الخاصة وعقدي النفسية التي جعلتني اختار تلك الطريق دون الاخرى ..وكيفما كان الحال اكاد اجزم انه اختيار واعي ...لا اعرف كيف كان يتشكل ويتلون في كل ما من مرة طوال كل مراحل عمري ..لكنني كنت المسه يكبر داخلي ويملا قناعتي ..لم اكن متشاءما من المستقبل ..من القدر .. لانني كنت متصالحا مع تاريخي ..اعرف من اين اتيت وفي اي بيئة احيا ..

لطالما كنا نتعب انفسنا في زمن يفاعتنا بالحلم والتفكير في الاتي من حياتنا ونتخيل الادوار التي يستهوينا  ان نلعبها وان نفيها حقها لنهاية عمرنا وكم كنا نصقع بان احلامنا كانت بسيطة وان الادوار التي نحب ان نمارسها لا تقدر جيدا ومع ذلك لا نبالي بان نقدف بالحجر على استغباءنا الاجتماعي ..

صدقا لم احاول جادا ولو مرة واحدة ان انتظم في الصف الاجتماعي ولا قبلت اللعبة كما يمارسها الأغلبية حتى تكون عندي احساس عميق بانني خارج اللعبة الاجتماعية باكملها ..لا اتفاقات مع القواعد دون التفكير في خرقها عند اول ثغرة تلوح ...

استهواني التمثيل والمسرح في صغري ..استهواني الاداء المسرحي لا لاحلم بان امثل فوق خشبة مسرح وبحضور جمهور ...تملكني هم ان اعرف اكثر عن المسرح وعن الفن وشدني التمسرح  اكثر من فن الاداء والالقاء والظهور على جمهور المسرح ..ربما لانني لم اكن اجدني ذا شخصية اجتماعية ميالة للاستعراض والظهور وربما لانني دفعت دفعا لاطور العاب الطفولة للعب الادوار المسرحية في المدرسة والنوادي ودار الشباب وفي الهواء الطلق..ولعل التجربة التي اخدت كل مرحلة الصبى والمراهقة لم تذهب سدى بل استمرت واينعت قدرة على لعب ادوار متعددة وخارج جدران اي مسرح ودون علم اي فرد من الجمهور ...لقد تكونت عندي قناعة اننا كلنا نمثل على بعضنا البعض وان علم الاجتماع هو علم قانون المسرح واشكاله..

ما من خداع ولا من تذاكي ..كل ما هناك توخي الحذر من الانغماس في الادوار ..من نسيان الشخصية الحقيقية ومن تجاهل الاتفاق الاساسي بأننا على الاغلب اجتماعيا كلنا ممثلون بارعون او فاشلون ..

بالخارج لم اكن اتلون اجتماعيا حسب المواقف وانما اتخير الدور الذي يناسب الموقف واستدعي الحوار الأنسب وانخرط في التمثيل بشكل واعي لكنني كنت مقتنعا بأنه تبقى على عاتقي امانة ارسال رسائل ..لم اكن افوت اللحظة المتاحة لاوجه إرادة الممثل في لتصريف قناعاته واماناته ولاستعمل وسائلي لاستمالة وجدان وفكر مخاطبي ولحدود بعيدة نحو هدف وحيد هو التطهر ..قول كل الاشياء التي تخامرني نحو ..إعادة إنجاز خطاطة ذهنية عنه حضوريا وشفاهيا ..الوصول معه للقبول بالاعتراف وممارسة البوح امامي مع فارق انني لا اعطي او اقدم البركات ولا احاكم الانسان فيه ..

لم يكن ينتهي الأمر عند هذا الحد كان يلزمني ان اعيد كل الحوار وكل تفاصيل المشهد في راسي واجري اكثر من تقييم لما دار واستعيده لقطة لقطة ومقطعا مقطعا لا لاستشف نجاح مقصدي وارضى على نفسي وانما لاعالج الثغرات التي لم استغلها جيدا وانا ارمي بدلوي والعب دوري نحو ان أركز عليها في المرة القادمة المناسبة ..

كنت احتاج لفترات ابتعد فيها عن الحركة وعن الظهور الاجتماعي لاراجع ذاكرتي واوراقها ولاحدد قادم مسلكي وسيري ...بمثل ما كنت دوما في حاجة لحيوزات من الوقت لاملا دواخلي بالافكار الجديدة عبر مواصلة القراءة والاستماع والمشاهدة والكتابة ...

لم اكن باي حال ذلك الذي يبدوا معقدة حياته ومركبة تلك كانت اكبر كذباتي الاجتماعية ..كنت الى اقصى حد مستمتعا بحياتي واعيش سلاما رهيبا مع نفسي ...لانني اعرف انه لايجب بالضرورة علي ان اكون متوافقا مع مزاج الجميع ولا موائما للانماط السلوكية الرائجة بين الجميع ...والسلام ذاخلي لا يتعارض مع قناعتي ان الصراع ابدي فينا وبيننا ...

لم يخطر لي في بال إمكان أن اتشرف بحضور مشهد الواقف امام سيد قومه الذي سيمنحه مكافاءته السخرية او العديد من الهدايا لانجز تخيلا مرضيا اعبر منه لاصدق في زمن السلطان والصياد الفقير ...كنت اعي جيدا تبدل الحال ولغته ومقاماته تتعب وتدور كالذابة حول الساقية وستنعم لو قبضت اجرتك كاملة غير مجتزئة ..كنت اعي جيدا دوائر الاستغلال ولا سلمت من ان تلفني بدوري مرات ومرات وكنت اعود دائما لنفسي مسلما بضرورة أن تقبل بحدود ان تستغل لتكون اجتماعيا وان على مقاس ...

قد يبدوا صعبا ان تقنع امراءا بحاجته لان يقبل بان يستغل ويسخر لان ذلك ذكاء اجتماعي ..

قد يبدوا مثيرا للاستغراب والاجحاف ان تقنع امراءا بحاجته لان يستغفل ولأن يركب. فوق هامته وان يرفس الى حين أن اراد ان يرضى عنه ...

صاحبي "منير الهنا"   كان من بين مجموعة مختلطة النوع تم الحاقها بمنذوبية وزارة الثقافة لتعمل على الاشراف على مكتبة وادي المخازن دون سند توظيفي او عقد عمل واستخدام ..فقط بوعد ان يتم إدماجهم لاحقا في الوظيف العمومي ...اشتغلوا لفترة دون راتب معلوم وبعد ان رمو بهم للشارع مجددا ثم منحهم تعويضات بدل الرواتب ...مبلغ من المال كترضية ...

كان متذمرا وساخطا على وضعيته ويفكر بمنطق الاخرين ...ويضع نفسه في موقع مساءلة منهم له ...لم يقل ببساطة بأنه صدق وبنى احلاما على الوظيف على بساطة المنتظر منها كراتب وكمركز اجتماعي ...لم يقل ببساطة انه شعر بالانتظام للمجتمع وبالكثير من الرضى لانه اوجد دورا يلعبه ويعرف به بين الناس...لم يقل انه شعر بالتبدل وامكانياته نحو الافضل بإجماع كل من يتابعه وينظر إلى حاله ووضعه...كان واقعا تحث احساس بأنه استغل واستغفل وتلاعب بمصيره ...وكان الذي يعتقد انه يشفع له قليلا أنه لم يكن الوحيد فيما سار معه ...

المصيبة فعلا انه ليس الوحيد ولا مجموعته الوحيدة كانت البلدية والعمالة ونيابات التعليم والصحة والتجهيز وغيرها ممتلئة بمن قبلوا صفقة التطوع بالعمل في انتظار البث في طلبات تشغيله واستخدامهم كل حسب ماهلاته وشواهد الدراسية ..وكان هناك من اشتغل فعليا على تلك الوضعية وبمقابل تعويضات لا تتعدى الستة مئة درهم في الشهر يقبضها مجموعة كل ثلاثة شهور وليس بانتظام فلقد تتاخر لتضم الى منحة التعويضات الفصلية الثالية ...

منير ..كان كاي شاب درس وواجه مطبا دراسيا في مستوى الباكلوريا جميع اصدقاءه  تمكنوا من اجتياز المبارات الا هو الذي لم يسبق له ان تعثر سابقا في اي مستوى دراسي لحقه الاخفاق وفشل لمرتين متتاليتين من النجاح وهكذا أنهى حياته الدراسية بالكثير من الاسى والاحباط الذي ركب مزاجه من يومها ...

منير ..لم يكن باي حال يائس من المحاولة والمحاولة في اي مجال من بينها الهجرة إلى اسبانيا ..

منير ..كل الذي كان يلزمه ويحتاجه فرصة اثبات للذات نحاعتها وكفاءتها وقدرتها على خوض غمار الحياة الاجتماعية مفرد له استقلاليته المادية والنفسية ..

منير ...متى لم يقتنع بأنه يمكنه وبمجهوده الخاص من اجتياز أول عتبة ..كان سيضل على احسن ما يمكنه فعله من الانتظار واستمراء الياس....

منير ..صاحبي وصديقي ..لا أعتقد بانني كنت اخطأ في حقه لما اطلب منه المزيد من المحاولات الجادة في اجتياز المباريات وطلب دعم مؤسسة الحزب التي تقليديا بحكم الانتماء القبلي والعائلي يتبع لها ويتعاطف شخصيا معها ...مادام مقتنعا بترتيب حياته على  عائدات الوظيف ومركزه ..كنت اعرف الى أي حد اولئك الحزبيون متوغلون في بناء شبكات مصالح ونفوذ ..واعرفهم بشكل شخصي كيف انهم بكل الاحوال يسندون ظهر الواحد منهم بآية طريقة ولا يفوتون فرصة دون ان ياسروا  الواحد منهم بجميل صنيعهم معه نحو ضمان الوفاء المستمر للحزب ولاشخاصه النفادون ولهم بطبيعة الحال باعتبارهم المتدخلون والساعون في خير الاعضاء المنتسبين لمؤسسة الحزب العتيد .."حزب الاستقلال"..

منير ..كان يستوعب اللعبة الاجتماعية السياسية المبنية على تبادل المصالح والمنافع والعطايا  ...كان يلمس بحق التفاوت الحاصل بين من يملك من يسند موقفه الاجتماعي ومن يعدمه ..وكان قد اختار ان لا يضيع حياته ومستقبله في مجرد التشكي والتظلم والانهزامية ...

منير ..كان مضغوطا بقوة واقع اسرته المتوفي عمادها وبواقع انه الابن الاكبر عمليا لانه الاكبر سنا منه كان قد اخدته الدروب الخلفية والهامشية ...لذلك كان كمثل الغريق المتخبط  في حركاته ..وغير قادر على ضبط تلهفه للوصول الى بر الامان ...وكان علي مجددا ان اقنعه بضرورة أن يتروى وان يقبل ببعض الاستغفال وببعض رهن شخصيته لصالح الحزب على اعتبار أن لا عمه ولا اخواله المنتسبين أصلا للحزب بقادرين على أن يعالجوا ملف توظيفه بعيدا عن دائرة تدخل الحزب ومساعدته ..وكان عليه أن يقتنع اخيرا بان عليه أن يساير الاوضاع مادام هو اصلا غير معني بالانقلاب عليها ...كان عليه بان يقبل بالاتفاقات الاجتماعية المتعارف عليها والمستحكمة في الواقع الاجتماعي للبلد ...

صعب ان يستوعب واحد يقبع خارج معمعة الواقع وخارج معادلات اقبل والا اضرب راسك بالحائط معنى التحويل الذي اجريته مع صاحبي منير ...فانا لم استغفله ولا طلبت منه ان يكون مخادعا او ان يكون وصوليا ...كل الذي حاولته معه ان افتح عينه على مداخل ومخارج الواقع الاجتماعي خاصتنا ..ان اجعله يفهم لماذا هو منتكس وغير قادر على ان يتجاوز خاطر ان يتدبر معيشه كيفما اتفق وان يمتهن او يتجار في اي شيء ...ولماذا يدير وضعه كفاشل اجتماعي هو المتحصل على شهادتين وعلى مستوى ثانوي نهائي وعلى مهارة فنية انها بخصوله على رخصة السياقة واعتمادها  رسميا بعد فترة نهاية الترخيص المؤقت ...

لم يكن ممكنا ان استقطبه لصالح ان ينظم لنادي المتمردين او الضد مجتمعيين او لعالم الفوضى والعبث او لاغذي مشاعره بآية ايديولوجية عدمية او اتكالية او ثورية سياسية ..وانما متى اختار ان يعيش هاهنا ..بين أفراد المجتمع  فكان عليه أن يعقل مفردات لعبهم الاجتماعي من جديد كما ينبغي عقلها لا كما يتم التعميم لها او تزيفها ...كان عليه بان يقنع بالواقع كما يتمظهر وكما يبدوا ويتجنب الصدام والتشنج وان ينخرط في حظيرة المجتمع بما له من مؤهلات ومن ما يمكنه تطويره منها ..وان يقف للحظات من أن يقارن نفسه بالاخرين ...

بمحهوده الاساسي تخلص من عطالته ومن وضعه المربك ..بقدراته التعلمية والفنية استطاع اجتياز مباراة توظيف سائقين لمصلحة وزارة الصحة العمومية ..وبقدرة اصراره وتحمله قبل التوظيف بالعالم القروي ..في نقطة تقع على بداية سلسلة جبال الريف الوعرة المسالك والقاسية بردها ...ومع ذلك شجعته على المزيد من الانخراط في الحزب وهياكله والحصول على بطاقة الاتحاد العام للشغاليين بالمغرب وعلى بطاقة النقابة الوطنية للصحة لما لمست فيه حرصه بعد على أن لا يخسر من باركوا بداياته الحسنة وابدوا لهم استعدادهم للتدخل له بعد ضرورة قضاء بعض الوقت بالعالم القروي ليتم تنقيله لمدينته الام ..

انا كل ماساعدته عليه وانا اصاحبه وارافقه واستمتع بوجوده لجانبي واتناقش معه واهمس له ببعض اسراري الصغيرة هو جعله يعي واقعه وواقع البلد وحال مجتمعنا ويبدأ في اخد الخطوات الصحيحة والمناسبة ..ربما جرينا وعدونا سوية بغابة اولمبيكا ممارسين للرياضة لكنني لم اجري معه في أية إدارة او مصلحة او اتدخل له عند جهة ما ولا اوصيت به اللهم بحضوري واعتزازي بان يكون صاحبي وصديقي وهذا في نظر  خاصة من المجتمع ياخد بالنظر ويخضع  للتقييم..لانه ينم عن الكثير ...

مع منير حتى طلب اجتياز المباراة رفضت ان اكتبه معه لانه كان يهمني تعزيز ثقته بنفسه وبقدراته ويوم ان نجح احتفلت معه كما بارك نجاحه الذي يستحقه افراد اسرتي وهنؤه عليه ...لا منير مدين لي بشيء ولا انا مدين له بشيء وربما ندين سوية للصداقة التي جمعتنا ..

انا اخترت ان اسلك هذه الطرق وهذه الطريق ...وحتى مع افراد وعناصر التنظيم الاسلامي المحضور نهجت نفس المسلك ودافعت عنهم وانا اطلب قبول مقترحي بان اسلك معهم طرق المراجعات الفكرية والسياسية والاجتماعية السلوكية ...نعم عريت عنهم لبوسهم الايديولوحي وانتماءهم المحظور وكان بإمكان النظام ان يتصرف برعونة وان يقتص منهم بقسوة وعنف لكنه كان سيخسر فرصة كشف التنظيم ككل ..التنظيم كايديولوحيا وكاساليب استقطاب وتجنيد وتعبئة ..وكنظام شبكي عنقودي صعب تتبع تشعباته وتوغله في كل اركان المجتمع ودوائره...ثم فرصة معرفة سيكولوجية أفراده وعموم توجهات وميولات عناصره النفسية ..والاصعب انني كنت اقامر بكل علاقاتي الاجتماعية لانني كنت مراهنا عليها في انجاح مساعي ...

دافعت بالاسم اسم عن افراد التنظيم الاسلامي المحضور في الوقت الذي كان من الممكن ان لا اعتبر غير منقلب على الإدارة من جهة نظر جهازياتية رسمية ومجرد واشي يحرق اوراقه ويبحث عن من يسنده ..دافعت عنهم بعيدا عن اي جو للخيانة او روائحها ..دون الوقوف مطولا عن سيناريوهات الغذر والتآمر ولا عند تكتيكات التسلل والاختراق والكشف والتبليغ ...لقد كان لي بينهم اعز الاصدقاء والاصحاب وكان بينهم صغار رافقتهم طوال عمرهم ..ابناء حينا وجيراننا  ..وكان بينهم ناس طيبون وبسطاء ببساطة استغلوا ودس لهم السم في العسل ...لقد كنت أدافع عن نفسي ..عن ما يشكل افكاري وقناعاتي واختياراتي السياسية وكنت أدافع عن المجتمع الذي أريده وارتضي ان يكون ويصبح ويضحى ..

لم اكن منحازا لاية أطروحة رسمية ولا كنت اعلم ما يدار رسميا على اعلى مستويات القرار الامني والاستخباراتي ..كنت التقط بعض الاشارات من صحافة الخارج العربي ومن صحافة المعارضة بالداخل وكنت اقف مليا عند ما تنشره جريدة بيان اليوم الناطقة باسم حزب التقدم والاشتراكية  بخصوص ملفات الإسلاميين المتابعين قضائيا وعن ما يمكن ان تفضي اليه مثل هذه المتابعات في حقهم على مستقبل التنظيمات الإسلامية السياسية وعن مستقبل الممارسات الديمقراطية السياسية بالبلد ..ولانني كنت قريب جدا على الخصوص محليا من افراد التنظيم وملما بخلفياتهم النفسية واحوالهم الأسرية واوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ..وناقشت بما يكفي مع افراد مجموعاتي الاقرب الموضوع في خطوطه العريضة والعامة وفي مستوياته الفكرية والسياسية العميقة فلقد أصبح لي أشبه باقتناع بجدوى المحاولة معهم وبشكل اشرك فيه الجهات الرسمية وانسق فيها معها تجنبا للوقوع في المحظور ولكسب بعض امكانيات الحماية لي من التعرض للخطر الشديد ..لم ابع أحدا ولم اقبض ثمن اي واحد ..ولا قايضت بهم مصلحة وهذا لا يعني بأنه لم تكن لي حساباتي الشخصية كذلك انا مثلما هي للجميع ...

لست في حاجة لان ابرر نفسي المرة القادمة وانا اخوض في موضوع اي جهة أو تنظيم او افراد يكفيني صدقي مع الجميع على أنني اعلنه دوما بأنه نسبي كما كل ما نعقله ونعليه من قيم وافكار ومعتقدات ..  

الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(27) بعيدا عن حنان"هذه..."5 تابع :"13-1"


 كنت اعي جيدا انه لا مجال للعب بينهم وحتى ان حاولت ذلك فخطر السقوط محطما جد وارد ..لكنني في نفس الآن ادرك مليا انه  حتى للكبار العابهم الخاصة التي تاخد اسماء مختلفة ومنطقا اخرا ..

منذ ان قررت قطع الطريق والوصول لساحاتهم كنت اعرف انني اخترت اصعب مسلك لأكون بينهم ...ربما لو عبرت القنوات الرسمية العادية وبحث بدوري عن من يسند ملف ترشيحي لاجتياز مباراة القبول في صفوف الامن ثم التحويل للانظمام للإدارة اثناء فترة التكوين لما استطعت مع كل ذلك ان اجد لي مكانا لاعبر بحق اليهم ولاحترقت قبل البداية ..

اخترت الظل ...اخترت ان انضم الى عالم الصمت ..اخترت ان اغامر بكل شيء الى أبعد الحدود..لم اختر مهنة ولا وظيفا ..اخترت نمط عيش ..اخترت عالما بقواعد مختلفة وبمبادئ مغايرة ..عالما كل شيء فيه محسوب بدقة متناهية ..عالما يهتم بكل شيء واي شيء ..عالما يعتمد أساسا على المعرفة ..والمعرفة فيه هي التي تصنع القوة التي لا تتماهى مع السلطة وانما تستحود عليها ...

كنت قد خلصت الى تمام جاهزيتي للانطلاق والعبور وحسمت في امر كل الاخرين من حولي ..كانت المساءلة واضحة بالنسبة لي :لا يوجد اتباع او مومنون لراعي ضعيف ومتردد ومشكاك ..لا توجد هامة من فراغ ...قد يلعنني الجميع الى ان اتبث وجودي  ..قد لا ينتهوا من تجريبي وادخالي في التجارب الى أن أعلن وجودي ...

لم يكن ممكنا ان ابقيني على الهامش واطلب في نفس الآن فسح المجال لي لاغنم منهم او كما بعضهم ..لم تكن الإدارة أو غيرها من الأجهزة لتقبل على الدوام التعاطي مع من يعتبرون أنفسهم صائدي جوائز وكانت هي بارادتها الواعية او عبر ادواتها تنهي بعد حين اسطورتهم ..لانها لا تقبل الانقسام على نفسها وترفض المساومة ..كان جاري به العمل ذلك النوع من التسخير بمقابل تعويضات متفاوتة ..ربما كانت مصالح بعينها تعتمد على منح تعويضات وكالة الإنعاش الوطني لمن تسخرهم لحسابها ..وكانت كذلك امكانات تحويل الموظف المداوم لموظف شبح مع تسريع وتيرة ترقيته ومنحه تعويضات وبدل مختلفة وبسخاء ..وكانت هناك إمكانية الحاق موظفين بذاتهم

 لاداراة معينة على سبيل الإعارة لتفريغهم لما سيتم تسخيرهم اليه ...ربما كانت هناك اعتمادات مالية تصرف تحث بند مصاريف مختلفة وتناول في اظرفة ..ربما هناك حسابات جارية غير خاضعة للتدقيق والافتحاص ..كما ربما تكون هناك صناديق سوداء غير مطالب بالكشف عن عملياتها ....لكن الاكيد ان كل ذلك المال لا يمكنه ان يكون سائبا مع ورود أن يتعرض جزء كبير منه للتبدير  والضياع...

لم يكن هناك من يملك ان يخبرك الحقيقة لانه في اجزاء منها هو نفسه لا يعرفها ..وعندما يتعلق الأمر بالموظفين الرسمين فهولاء اكثر حذراً في صرف اي مبالغ لا خوفا من ان يطمع من اضحو تحث امرتهم  ورهن تسخيرهم بل لانهم غير قادرين على ضمان فعالية ما يبدرون ويزرعون وما عساه سيحصلونه ..لانهم غير مستعدين ببساطة لان يلحظوا اكثر مما بين أيديهم ..لانهم ليسوا اصحاب رؤيا ولا اي احد منهم يملك الادعاء بأنه من يملك تقييم كل المواضيع ...

الموظفون الرسميون منهم محكومون بنظام الإدارة وبالتسلل الاداري وبالتقيد بالنظام ..محكومون بالتبليغ للمستوى الاعلى وانتظار الاتي ..برقية جوابية او اشعار بالتوصل او ببساطة ذلك الرد الالي الإعتيادي :"انتظر التعليمات ..."..عندما يتعلق الامر بأعمال مكتبية وبتتبع عادي للاحوال او رصد روتيني للاوضاع وللراي العام المحلي أو الإقليمي وبتكوين ملفات معدة مسبقا نماذجها فالعمل ياخد نفس وتيرة اي عمل اداري في اي مصلحة من مصالح الادارات والدوائر الحكومية العادية الامر لا يحتاج الى ذكاء كبير او الى ابداع في الحلول ...

الموظفون الرسميون سواء المداومون منهم في مكاتب او بسيارات تبقى هويتهم لحدود بعيدة معروفة وليس كل واحد منهم على تمرسه وخبرته يمكن اعتباره رجل ميدان او رجلا قابلا لاختراق الميدان ...انهم في الغالب مفضوحون في نواياهم قبل هوية الوظيف الذي يزاولونه وقد لا يكون واضحا بما يكفي العموم ليعرفوا ماهيته وخصوصيته ...

على الارض تختلف كافة الحسابات وكل الموظفين الرسميين يبدون ككراكيز يمثلون ادوار السلطة ويتابهون باداءهم الردئ..

كنت ارصدهم جيدا كيف يتحركون ..وكيف يوهمون بعضهم البعض بأنهم موهوبون وكيف يتصنعون الاهتمام والعجرفة وكيف يتذاكون على البسطاء من الناس ...

كنت اقترب اكثر من دوائر شبكاتهم الاستعلاماتية لاتعرف عن كثب على طريقة اشتغالهم ..واساليب استقطابهم ..  ونوعية المهام المطلوبة منهم ...وكانت لا تختلف كثيرا عن نهج البوليس العادي في كسب واشي لجانبه أو اللجوء الى المراوغة والارهاب النفسي للحصول على تعاون في تحري او تحقيق روتيني ...

كانت سمعتهم سيئة في عموم الاوساط الشعبية واسوا من سمعة "الحناش" الكنية التي التصقت بمفتشي الشرطة القضائية العاملة بالميدان لأن هؤلاء على كل مدققون جيدا في المعلومة التي يريدون الوصول اليها واساليب وصولهم اليها نمطية ويكفي أن يقرر الواحد من الناس على أن لا يتعاون للا يجدوا معه وسيلة أخرى ...

من غير تفرد عمل الإدارة في مراقبة كل التراب الوطني وكل ما يعتمل فوقه وحاجتها لصياغة تقارير يومية عن كل تحرك ونشاط سواء سياسي او نقابي او جمعوي او ديني او امني او جماعي منتظم او غير منتظم ..عام او خاص ..علني او سري ..بالاضافة الى متابعة ما تطلبه منها الدوائر القضائية من ابحاث خاصة او جهات حكومية أخرى من إجراء تقييمات لحالات وقضايا او حوادث محددة ..الامر الذي كان يتطلب منها التشتث في كل الاتجاهات  ويتطلب منها جاهزية قصوى للتبع في الزمان والمكان لانه في احيان يكون عامل الوقت عنصرا هاما  للتقيم  المناسب ...

الإدارة نظريا متواجدة في كل مكان ليس بمجهودها الخاص وانما كتحصيل لمجموع عمليات التنسيق مع مختلف الأجهزة الاستعلامية والأمنية والجنائية الاخرى لكن الاعتماد على هذه القنوات الرسمية يوشي اكثر مما يقول او يخبر عن الحقيقة لان كل ما يتجمع بين ايدي مكتب الإدارة الإقليمية او المحلية هو مجرد بيانات رسمية ونسخ محاضر ووثائق أنجزتها باقي المصالح الإدارية وبشكل تلقائي تسلم نسخ منها للإدارة ..وتبقى كل تلك الحقيقة التي تمسكها حقيقة رسمية اي انها قد لا تكون هي الحقيقة ...ربما في مستويات الافادة الرسمية لمقدم الحي او شيخه ليست هي الافادة الشفاهية التي قدمها للقائد  او لرئيس قسم الشؤون العامة بالمقاطعة او الملحقة الادارية  ...السيد المقدم تقليديا شخص خدوم ونسج علاقاته النوعية مع محيطه وخصوصا مع كبار السن ..السيد المقدم لا يتحرك الا بناءا على اخبار تنقل اليه وهو يمارس مهامه الروتينية في تقبل وتسليم افادات تبنى عليها معطيات شواهد إدارية ومن خلال ذلك يتسنى له تكوين سجله الاجتماعي عن ساكنة القسم المعني به من تراب مقاطعته ..والسيد المقدم بلا تكوين قانوني او اداري او استعلاماتي  وانما يصنع شخصيته هو والمحيط الاجتماعي يسندها او يرفضها ..السيد المقدم لا يكون اول من يصل إلى  بؤرة الحدث لكن يساهم بشكل فاعل في إعطاء البيانات الأولية عن هويات والحالات الشخصية لاشخاص الحدث لكل من يهمه الامر وبدوره كان حاضرا لجانب باقي الاطراف والأجهزة الأخرى المعنية ...السيد المقدم حتى عندما تفد عليه معلومة قد يعتقد بأنها ذات أهمية فهو مجبر على أن يوصلها على طبيعتها الخامة لمن يشتغل كعون له لأن هذا الأخير من يملك توجيه بحثه من عدمه ...واذا كان السيد المقدم على هذه الحالة بالإضافة إلى مستواه التعليمي وانتماءه القبلي وعمره وحساسية موقفه مع شريحة كبيرة من الشباب والاهم انتماءه الاداري الى فئة الاعوان المسخرين الغير مسوات وضعيته الإدارية ولا أجرتهم (قبل سنة 1994) فهو غير قادر على ان يكون رجل الميدان على انه يوجد في الارض ويمارس مهام الراصد البشري لانه متشوش بجهله وانعدام إمكانياته غير قادر على ان يتحرك في كل الاتجاهات وباتساق ودون ان يقع في الأخطاء او المحضورات  ...

وجود عدد من الاقسام الذات طبيعة استعلاماتية  بما تتحصله ويتحمع لديها من بيانات ومعلومات تقنية مع وجود اطار قانوني تنظيمي يحدد ويوكل لها عدد من المهام والتدخلات التي تشترك فيها مع إدارات اخرى ربما اكثر تخصصية منها في مستويات محددة قد ياثر على جدية القيام بالمهام وتفضيل تركها للجهة المختصة أساسا اكانت أمنية شرطية بحثة او إدارية او قضائية والاكتفاء في افضل الأحوال بالتبليغ برؤس الاقلام  وبالعناوين العريضة عن الاحداث المستقات منها المعلومات ...

السيد المقدم المهتم بعمله انسان يجري في كل مكان ويتعب بلا مقابل ليتحرى في شان كل معلومة تصله لانه بالاساس لا يستحود على مصادر معلوماته ..ولا يمتلك ارشيفا ورقيا او الكترونيا ..ربما على مستوى العاصمة وفي بعض المناطق الحضرية اوجد للمقدمين نظام سجلات مقسمة على جداويل ثابتة ومتحركة تغطي كل ساكنة القسم الترابي المعني والقيم عليه يدون عليها كل المتغيرات والمستجدات اول باول ..وفي بعض المناطق حاول مع مقدمين تطوير اداءهم التشخيصي الهوياتي الأولي بتجميع صور شخصية ونسخ مصورة من  بطائق وطنية او ما يقوم بالتعريف الرسمي عن الشخص ...لكن كل هذا كان من قبيل ابداع الحلول والتجريب ولم يعرف لها ثبات او تأطير رسمي ...

السيد المقدم لجانب ساعي البريد واعوان التبليغ القضائي ومحصلي فواتير الماء والكهرباء والمبلغ بالضريبة او الجابي كلهم يشتغلون على الارض ويتعرفون عن قرب على الناس وعن بعض احوالهم وعن بعض استعداداتهم من خلال التعرف على طباعهم وميولاتهم الاجتماعية العامة ..لكنهم لا يرقون ليكونوا راصدين بشرين لانهم بلا تأطير رسمي وبلا توجيه وبلا سند او دعم ومع ذلك يتم اللجوء اليهم والاستعانة بهم لكن في العادة ليس قبل اعتمال الحدث ولكنه بعد وقوعه .....

الاعتماد على تقارير مستقات من اعوان السلطة المعروفين من لدن العموم والموجهون اداريا وسلطويا لغايات بحث او تقصي محددة سلفا على كل ما وارد ان يعدل في مضمونها او يجتزء منها لغايات مصلحية خاصة يبقى غير ذي مردودية اذا ما استثنينا الشق التثبتي من الهويات والعناوين والخطوط العريضة للاحداث ...

الإدارة تجري ابحاثها الخاصة في كل القضايا الرائجة امام المحاكم وتلك التي تنجز في حقها المساطر الضبطية بمراكز ودوائر الشرطة و الدرك وان قد يتكفل هذا الأخير بلعب دورها في المناطق الريفية البعيدة والتي لا توجد تمثيلية للإدارة فيها ...لكنها في الغالب تجريها انطلاقا من ما يصلها من نسخ محاضر واوراق ملفات القضايا..اي بناءا على ما عموما تمت غربلته في مستويات دنيا واولية ودبج بعد ذلك على اعتباره الحقيقة او الافادات الصحيحة بجانب البيانات والمعطيات والارقام الرسمية ...ولكي لا نشكك في كل شيء على الاقل يبقى وارد جدا ان تختفي بعض الحقائق وتزيف بعض الوقائع ويدلس في بعضها قبل أن تضمن المحاضر الرسمية ...

الادارات الجماعية والدوائر الرسمية المختلفة و مكاتب واقسام المحاكم ومفوضيات ودوائر الشرطة ...غارقة في الروتين وفي البيروقراطية ومواردها البشرية اما محدودة او عديمة  الكفاءة كما مواردها المالية واللوجستيكية  لذلك فالاعتماد على أن توفي كل ملف حقه وكل معلومة حقها أمر غير وارد بطبيعة الحال ...

الإدارة ربما لانها موجهة لتراقب كل الميدان تتمتع بحس نظري عالي لكنه دون المطلوب ميدانيا ..والغير المناسب في الصراع ضد الوقت والزمن المحسوب...

والاعتماد على العناصر البشرية الإدارية المطحونة بالروتين والدوام ومشاكل اليومي والاجرة والمعيشة كمصادر أساسية لتغطية الخصاص في المعلومات والاستشهاد الأولي عن الأحداث والوقائع الخاصة يدخل الإدارة نفسها في دوامة العمل الإداري الرسمي البحث الذي غير ما هو مطلوب أو مسنود اليها ....

بالتاكيد لم اكن وحدي من يعي هذه الحقائق لكنني كنت املك الجرأة لاقول بها ولمن يعنيهم الامر ..بل وكنت اقدم جوابا عن سؤال يبقى واردا في اذهانهم ويتعلق عن ما شاني انا بكل هذا ..؟! او على الارجح وما هدفي من وراء كل ذلك ...؟! ..ولم اكن ابتسم او افرك كفي يدي ببعضهما البعض بل كنت ابسط مرامي القريبة والبعيدة واتحدث باقصى ما يمكن من الصراحة ...لانني كغيري لا املك ان اكون تماما صريحا ...

خلف كل مظاهر السلطة والمركز الوظيفي والوضع المادي الاجتماعي لم يكن هناك غير انسان تتعبه وتوثره لاقصى حد تلك المهام الطارئة المطلوب منهم انجازها وفي ظروف قياسية ..وبعيدا عن ذلك هو نفسه يتساءل عن ماجدواه في كل ما يداوم عليه وبامكان اي كان ان ينجزه وربما احسن منه ...

من وراء مظهري البسيط وحداثة سني وتقاسيم وجهي المألوفة..وهدوئي او بعض خجلي وتحسسي في المواقف الاجتماعية لم يكن يعيرونني الاهتمام الزائد وسرعان ما يتجاهلون وجودي وفي ذلك كان يترك لي المجال الواسع لاتابعهم في ادق تفاصيلهم ولاسبر لغتهم وطرق تعبيرهم وحركاتهم وسلوكاتهم الانفعالية ولما لا اكون شاهدا وراصدا لنقط ضعفهم ولخروقاتهم وانفلاتتهم ...

تعودت ان لا استبق الأحداث ولا ان اضجر سريعا من ملاحقة ومتابعة اهدافي المتحركة والنشطة وحتى الخاملة مؤقتا ..كما وحيث لم تدعوا الحاجة بعد لادون واستعرض كل المعلومات والاستقراءات التي بين يدي فانا لست مقيدا الا بتخزين كل ذلك في ذاكرتي ودون الحاجة لاثرثر فيها دونما جدوى ..

كانت عندي مشاريع محادثات اهيا لها باستمرار ..محادثات مع مسؤولين امنين ورجال سلطة وأصحاب قرار لكنني لا افرض زمني الخاص لانجازها فعليا بل اترصد الزمن العام المناسب والمناسب جدا لاتمامها على احسن وجه ولاخرج منها رابحا كما خططت لذلك ...

منذ ان طلقت اناي الاجتماعي وما عدت اهتم لتقييم الآخرين لي ملكت كامل حريتي لاسلك كما اختار ..ومنذ أن وسعت شبكة علاقاتي الاجتماعية مع من يتحوزون على السلطة محليا واقليميا ضمنت لي مجالات أوسع لممارسة حريتي ...كنت خارج دائرة الملاحقة التلقائية من مختلف الأجهزة لا على اعتبار انني مقرب من السلطة وهو النعث الذي تفاديت الوقوع فيه وحاولت ان لا اجعله يلتصق بشخصيتي ..كنت افضل ان اعتبر ناشطا في محيطها ..في مداراتها ..على أن يشكك في شرعية وجودي قريبا من رجالات السلطة ...كنت موقرا ومن معي او بصحبتي من أية مضايقات او معاكسات تعود ان يتعمدها كل منتسب للامن او القوات المساعدة في دورياتهم الراجلة او المتنقلة في حق عموم الناس ان ابدوا القليل من الشبهة او الخرق للاداب العامة والقواعد الاجتماعية ..وكنت اعرف بداءا كيف تحصلت على ذلك لاضع جيدا في الاعتبار انه لا يجب ان اقنع بذلك فقط او اطمئن له فيضيع مني وقاري وامتيازي ..مثلما كانوا هم في انتظار ترقياتهم كان علي بالمثل ان احصل ترقي بكامل امتيازاته ... 

لم اتعب من السير بخطى حثيثة نحو ايجاد مكان لي في ذلك العالم وكان همي الوحيد والاوحد ان اعرف ..ان اعرف اكثر وان ابادل هذه المعرفة ..وحيث انا افعل ذلك اتحصل على السلطة ..يتنازل لي على حيز منها ..واكسب لشخصي الثقة وتفتح لي الابواب وتقضى لي مآربي في أسرع وقت ودونما تعقيدات ...

ربما على الجانب الاخر كنت اضنى واشعر  بالارتباك من وضعي المادي ومن تطلعات الاهل الشخصية لابنهم وان معي في قرارة نفسي لم يكن يشكل الامر فارقا معي  فانا متساوي مع حجم الاستثمار الذي ضخ في ..انا لا يمكنني ان اكون خارج معادلة هذا وضعي من وضع واعتبار اسرتي وامكاناتها ..انا لا يمكنني ان اتجاهل بآية حال الواقع وحبروته المادي ولا حتى على مستوى الحلم ...كان علي ان اظل ممسكا بنظرتي التقيمية لاوضاعنا المجتمعية ولاحولنا الاقتصادية وللظرفية السياسية التي نمر كلنا منها ..لاتمكن بالفعل بان احيا وان استمتع بما يتحصل لدي ودون تذمر او اسى او نذب حظ..          

يوميات: عوالمي السرية..(27) بعيدا عن حنان"هذه..." 5 تابع :"13-1"


 

الأحد، 27 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(26). بعيدا عن حنان"هذه..." 4 تابع : "12-1"


 

يوميات:عوالمي السرية ..(26)..بعيدا عن حنان"هذه..."4 تابع :12-1


 كنت غاضبا في داخلي ولست راض على أن اشعر بانه يساء فهمي ولست على استعداد لان ابرر كل شيء عن نفسي امام الاخرين ...لذلك اصبحت اكثر تجنبا للرفاق والاصحاب خصوصا منهم الناشطين سياسيا وجمعويا ..كانت خطوة اردت منها تسجيل عتابي ..ولربما اردت ان احتفظ بها للان المناسب الذي سياتي وسيحل معه إمكان للبوح والمصالحة.. 

انا ان هجرت ساحات الهم الثقافي والفعل الجمعوي وارتايت البعاد عن حضورها بل والمساهمة فيها لا فعلت ذلك من زعزعة في الإيمان او الثقة بكل الادوار التي كنا نمارسها ونكمل بعضنا البعض فيها وانما لانني اوجدت لي بكل بساطة ساحات يمكن ان افعل فيها اكثر وعلى نحو أكمل وفي نفس الاتجاه الذي ننشده جميعا مهما تفرعت او تفرقت سبل وصولنا اليه ..لم اتراجع ولا فقدت البوصلة والاتجاه ولا استتركت المجال لان نفسي ضاق او انعدم ...

ربما انكسرت على مستوى الحلم الشخصي ..ربما شعرت بالكثير من الخذلان وبدون سبب موضوعي...ربما استشعرت انه بعد طريقي طويل وشاق لا كما كنت اتصور ان الهجرة إلى فرنسا ستقصره وستطويه في اقصر الامد ..وهي باتت في خبر مجهول خصوصا مع التحولات السياسية والدولية المتسارعة في دول الاستضافة والتي تعالت فيها اصوات اليمين واليمين المتطرف الرافضة لمسالة الهجرة واستقبال المزيد من المهاجرين ...كانت بعد دولة اسبانيا تعرف نزوح العديد من راغبي الهجرة والإقامة بها من دول الضفة الأخرى وتنظم اليها حركات تهجير غير شرعية عبر البحر وعبر الحدود البرية /البحرية وتتواطئ في ذلك شبكات مع إدارات مراقبة المعابر والحدود ..لكنني لم اكن احمل مثل تلك الرغبة الجامحة في الهجرة لاغامر في بلد لن يستقبلني فيه احد ولن يسعى الى تيسير ادماحي في بيئته لذلك لم احاول ان اركب الموجة واحمل تصميم عدد من من أعرفهم بكامل عزمهم على أن يصلوا الى تلك الضفة ويوجدوا لهم مكانا ونصيبا فيها ...انا من حيث عز على نفسي انني صدقت لما قام اخي المهاجر بالديار الفرنسية بترتيبات تهجيري بعد ان كنت بين الشك واليقين من حصول ذلك وعدت لاصدم بالفشل والخيبة قررت أن اجرب تجربة الهجرة لكن هذه المرة في طريق ثاني ..ان اقطع الحدود الشرقية البرية في اتجاه الجماهيرية الليبية عبر الجزائر وتونس لاتعرف على الأوضاع ولانسى قليلا البؤس النفسي الذي اوجدتني فيه ...

كنت في هذه الاثناء احمل هم ان اجدني على شاكلة اخرى واحلم بان ألد مني  شخصا مختلفا وفاعلا وقادرا ..كنت قد بدأت اضيق من حالات الاحباط التي داهمتنا شبه اجمعين ..كان جو مقر الاتحاد المغربي للشغل بالمدينة قد اصبح خانقا رغم اصرارنا اجمعين على أن نداوم الحضور والاجتماع والنقاش ..كنا تقريبا كلنا نقف على مفترق الطرقات ومتعبون ونساءل بقلق كبير مستقبلنا الشخصي والاجتماعي ..كنا كلنا نواجه بشكل او باخر تحدي ان نكون مثلما يريدوننا اهالينا ان نكون ويلحون في طلب ذلك ...لم يكن بالنسبة لمن غدوا طلبة جامعيين  منا مقبول ان يظلوا سنة وراء سنة يرسبون الى أن تقطع عليه المنحة الدراسية على هزالتها ..ولا مقبول من من يواعد ان يرهن مستقبل صاحبته معه الى ما لا نهاية تظهر في الافق ...ربما في عز احباطنا وتضيق حرية ممارسة العمل الجمعوي والسياسي في الفضاءات العمومية وتمييع الاجواء العامة واكتساح اصحاب اللحي والمتاسلمين للفضاء العام كان بعد "بدر الدين الساخي" على نفس نفسه العالي والكريم يحاول استنهاض عزيمتنا واشاركنا في إنجاز فعل ثقافي وسياسي واشعاعي على انه كان بعيدا بصفته كبحار مستقل بنفسه ونشاطه عن جو التلمذة والطلبة الذي كنا نشكله بالإضافة إلى من غدوا معلمين او موظفين او مستخدمين وحكمتهم ظروف اشتغالهم بالعالم القروي او بمراكز غير فاعلة تسحقهم من الداخل بالإضافة إلى هزالة الراتب والمركز الوظيفي امام ما منتظر أمامهم من تحديات اجتماعية اخرى مرفوعة أمامهم من الاهالي ومن عوائلهم ..

كانت المدينة التي عاشت دائما متسامحة مع الجميع تضيق بنا  امام نفير مكبرات الصوت التي تصدح بالخطابات الدينية وتكفر وتمنع   وتحلل على هواها وامام موجة جديدة من الاناشيد والامداح والفرق الغنائية المتاسلمة بالدفوف والحناجر تجتاح حفلات الاعراس والازدياد..ومظاهر اسلام سياسي تكتسح الاسواق والطرقات وتدخلات في حرية الاخرين من جماعات تدعي الدعوة والتبليغ واخرى النصح والنصيحة واخرى العدل والاحسان واخرى القتال في سبيل الله واخرى إقامة دولة الخلافة ...لم يخلوا اي حي من المدينة من من يزعم الطهرانية والتقوى ويتحدث بامر الرسالة والتوجيه الى الطريق الحق وينصب لنفسه الحق في ان يخترق جمعك ليرشدك درب الصلاح والخير ولا من من اخدوا ينتظمون في جماعات على شكل عصابات يتوجهون لمحاربة الفساد الاخلاقي ومظاهر التبرح والزنى فيعترضون سبل اي زوجين شابين على علاقة بينهما وينتشرون في الغابة الفضاء الرحب دائما ليهجموا على اي اثنين مختليين ببعضيهما او ليوبخا اي معاقرين للشراب يجدونهم هنالك او ببعض الأزقة ...لا احد منا سلم من تعرضاتهم وان كنا نقابلها بما تستحق من السخرية والمجباهة الفكرية ..

كنا متعودين على أن نسمع احلى واعذب موسيقى ..ربما نحن كنا متطرفين في ان نسمع لموسيقى راقية او ملتزمة بقضايا سياسية وحتى اجتماعية لكننا بدانا نصحوا على زعيق الوعاظ والشيوخ والامراء وننزعج من الأصوات العالية المنبعثة من المحالات الحرفية والتجارية المختلفة لثلاوات غريبة للقران الكريم مختتمة بادعية ناقمة وحاقدة تكفر كيفما تشاء وتتوعد بجهنم لكل من يخالفهم وتقول بالنصر المبين لهم على كل الاقوام ...

كنا مختلفين عن باقي اطياف المجتمع وربما لم نكن نؤمن في توجهات احزابنا السياسية حتى من كانت تلعب دور المعارضة العنيدة لكننا كنا متقبلين لبعضنا البعض ودائمي حضور اي نشاط تؤطره أية شبيبة حزبية أو أي فرع حزبي ومستعدين لخوض اي نقاش والدفع به الى الامام حتى اخدنا نفاجا بأنشطة ممنوع فيها الاختلاط بين الجنسين وانشطة غير مفتوحة إلى للاعضاء على انها عمومية ولحشود مراقبة وغاضبة تترصد المظاهرات وتعسكر امام قاعات الأنشطة الأخرى التي تمارسها فعاليات المجتمع المدني وهيئاته السياسية والنقابية  ...

كنا جميعا نهتم لمظاهر الجنوح والتكيف العام وكل بوسيلته يحاول التوجيه فيها والتعاطي معها نحو ايجاد مخرج منها لكن ليس بالعنف الذي اخد ينطلق وتشهده المؤسسات التعليمية باسم الدفاع عن الدين والاخلاق والفضيلة ..ومحاربة مسالك الشيطان والذي اندفع الى الشارع واخد يحاول حتى محاصرة قاعات السينما وعروض الموسيقى  وحتى حفلات الزفاف الخاصة ...

كنا معروفين بتوجهاتنا لأننا ممارسين للفعل الجمعوي والسياسي لكننا كنا اكثر من متسامحين لأننا كنا مع خيار حريتنا في الاعتقاد والتمثل للقيم لذلك لم نقبل ما كان يحاول النظام او بعض من النظام  بمسك العصا من الوسط وضرب ذات اليمين وذات الشمال ثارة رضوخا عند الدعوات المهيجة للراي العام ضد ما كانت تراه مخالفا للاداب العامة ومحرضا على الفساد والرديلة  وثارة الضرب كيفما أتى لمحاصرة اي نشاط سياسي او جمعوي نهايك عن ان كان يشتغل في إطار من الشرعية والقانون  من عدمه ...

كانت الاحياء  التي تقع بها مساجد هي التي تعرف غليانا اجتماعيا وسياسيا اكبر .لكن الطامة الكبرى هي تلك المساجد الصغيرة التي اخدت تفتتح  في الكرجات وفي كل الادارات والمرافق العمومية وحتى المقاهي و المطاعم ...ويأمها امام اقل ما يمكن وصفه به بأنه شخص كريه وعدواني وغير اجتماعي بالمرة ...

كنا عموما نحتاط من متابعة الامن بجنحة السكر والعربدة في الشارع العام حتى بدى وكأنه أصبح لزاما علينا ان نحترس على الاقل من تطفل الاسلامويين ان لم يكن من تحرشهم العنيف ..اصبحنا حتى في معاملتنا التجارية العادية نفاجا بسلوك جديد من من فجأة غير زيه وطريقة اطلاق شعره وحلاقة وجهه واخد يكحل عيونه ويسوك فمه ويتعطر بالعود والبخور والمسك ..معاملات تستغفلنا وبصراحة تريد مقاطعتنا ....

لم نشعر يوما اننا أقلية في اختيارتنا الديمقراطية وفي حريتنا..كنا كلنا واعون او غير واعون نشكل المجتمع ونعيش اختلافاتنا ونتدبرها بالمعروف بيننا ونؤجل دوما الحلول القطعية باللجوء الى القضاء وساحات المحاكم لتصفية نزاعاتنا حتى فوجئنا بميل غير صحي لشرائح مجتمعية مسالمة مع هذه التيارات الاسلاميه السياسية النابدة لاي اختلاف معها ..

كان بيننا دائما محافظون  ومتدينون لهم وقارهم وهيبتهم الاجتماعية ومكانتهم السياسية لكن ليس بمثل هذا الهجين الجديد المكتسح للشارع والفضاء العام والذي لا يريد ان يسمع سوى صوته ..

كنا نعي ان المد الاسلامي السياسي قد وصلنا  وكنا نشهد ما وصلت إليه النتائج السياسية بالجزائر بصعود الإسلاميين من جبهة الإنقاذ الى الحكم وصعود حزب العدالة والتنمية التركي بدوره ليقود الحكم في دولة دستورها علماني  لكننا كنا نؤمن في ترسخ قيم مجتمعنا المتسامح والمتسالم مع نفسه ولم نكن نزعم ان نرى الشقاق بيننا على أشده كما بات ..بمدينة القصر الكبير القريبة منا انقسم المجتمع تماما الى قسمين كلاهما متطرف ومغالي اما في تدينه ودعواته السياسية واما في جنوحه وكلاهما يعتمد على اقتصاد اسود ..الاول على تهريب السلع واغراق الاسواق بها والاتجار وتهريب العملة والثاني على اموال تهريب وبيع المخدرات والكحول المهرب والاقراص المخدرة وبينهما ذابت شرائح اجتماعية اختارت فقط ان تعيش بسلام وان على مضض واختارت أشبه ما يكون بالتقية ..

السلطة كانت غير واضحة في توجهاتها مع الاوضاع العامة المجتمعية وكانت مكتفية بمواجهة مظاهر الخروج عن الامن العام كما كان يحصل بالجامعات والمعاهد العليا وطنيا واقليميا وتطويق بعض اشكال التجمهر والتظاهر بعد صلاة الجمعة بالمساجد التي كانت تسيطر عليها بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية لكنها بدت غير متفهمة وغير واعية بما يحدث في صميم المجتمع من تحولات خطيرة او أنها في وضع مراقب يدرس التحولات ويقيم التطورات ..

السلطة بالاقليم عرفت تطورات كمية ازدادات عدد المقاطعات الإدارية و عدد رجال السلطة من قواد وخلفاءهم واعوانهم من الشيوخ والمقدمين ..كما عرفت الساحة الأمنية مقدم عدد جديد من العناصر والضباط وتطور لجوستيكي بالإضافة إلى افتتاح مكتب لإدارة مراقبة التراب الوطني دون يافطة ودون مظاهر حراسة رسمية ودخول بعض عناصرها للمشهد السياسي والنقابي والجمعوي كمراقبين  وراصدين ..اما تفعيل دور الشؤون العامة للبلدية وللعمالة فلقد جاء في سياق المذكرة الوزارية الصادرة بشأن تتبع كل الأنشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية وضرورة حضور ممثلها او من ينوب عنها كما كان الحال مع مؤسسات وزارة الشباب والرياضة والشؤون الثقافية والشؤون الاجتماعية ..ثم اخد يبرز نوع جديد من مفتشي الشرطة وعناصر أمنية بوليسية تحث المسمى القديم بالقسم السياسي يظهر هو الاخر في التظاهرات والانشطة السياسية والجمعوية والاجتماعية العامة ..

كان مجرد تطور كمي أربك المشهد الاجتماعي العام لكنه على أرض الواقع كان بلا اثر اللهم انه حاول محاصرة العمل الجمعوي والسياسي لكنه لم ينجح فاخد يتارجح ويحاول ممارسة اشكال تحكمية في حق ناشطين سياسيين وفاعليين جمعوين كمحاولة جديدة منه لافراغ الساحات السياسية والثقافية من الجميع ومن من لا يدور في فلك النظام ويشتغل بوقا له ..

كان الاقليم الوليد بعد في عهدة عرابه السيد العامل مولودي بوسيف الذي خيب ظن عموم الساكنة بعد انطلاق مسلسل اغلاق الشركات والوحدات الإنتاجية وتحويلها الى جهات اخرى خارج كل اقاليم الجهة وبداية ترحيل ساكنة دور الصفيح الى تجزئات سكنية جديدة وما شاب ذلك من خروقات وتلاعبات عديدة  ابرزت للوجود ظاهرة مفايا العقارات والاراضي وطبقة جديدة من المستفدين خصوصا مع خروج مشروع المنطقة الصناعية للوجود ..وزاد الطين بلة تردي احوال الميناء والعاملين به ..كان وكأن كل ما تحقق منذ مقدم العمالة هو افتتاح مقهى بجانب مقهى وخلق بعض الحدائق كيفما اتفق ..بالمقابل في الجانب الاخر كان الحديث يروج عن تزواج لمال المخدرات مع السلطة والسياسية وعن فساد ممنهج وعن تداخل مصالح خاصة مع مصالح عامة ...

فجأة بدى الناس وكان كل امالهم احترقت ..وفجأة بدأت المدينة والاقليم تغترب عن نفسها مع نزوح عدد من ساكنة الأقاليم الغربية والداخلية وساكنة مناطق الريف يحملون معهم حلمهم في تملك قطع أرضية او رخص ومادونيات سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة ورخص اكشاك كانت تنبث كالفطر في كل مكان وكان اغلبيتهم يفضلون زرع براكة لهم ليلا لتنبث صباحه نحو ان يثبثوا حقهم  في الاستفادة من بقع في إطار مشروع مكافحة دور الصفيح وإعادة هيكلة الاحياء الهامشية ..

مقدم تمثيليات ومنذوبيات الوزارات والمصالح المركزية أربك عمل الادارات المحلية لانه ببساطة قوى أشكال ومظاهر البيروقراطية اكثر مما جاء بمشاريع تنموية او إصلاحية كان كل الامر تغيير في يافطات  المؤسسات والإدارات ..ربما استفاد منه من تم الحاقهم  باسفل السلم الاداري كاعوان خدمة ومساعدين تقنيين وحتى هؤلاء حامت حولهم العديد من الشكوك وعن كيف تم تدبير غايات الحاقهم  وتوظيفهم ...

كنا كجيل واحد اكتشف انه يكبر وان امامه تحديات الحصول على عمل او وظيف او الاعداد للرحيل والهجرة او الاستفادة من مظاهر الريع او ببساطة الترامي بين ايدي شبكات تهريب التهريب الدولي للمخدرات ..

كنا كجيل واحد نلاحظ استشراء الفساد والرشوى والسمسرة وظهور أولياء نعم جدد وشبكات مصالح وعلاقات خاصة ويبدوا من الصعب ايجاد مكان لنا وسط كل هذه المهزلة ..كان حال الوظيفة العمومية يرثى له خصوصا مع صغار الموظفين والمبتدئين وكان طبيعي جدا ان تستغل الوضع المركزيات النقابية وتعلي صوتها وتخوض سلسلة من الاحتجاجات والمعارك القطاعية خصوصا من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغاليين بالمغرب وتجر معها قطاعا واسعا من رجال ونساء التعليم والصحة ليخوضوا عددا من الاضرابات والاعتصامات مطالبين بتحسين وضعياتهم ومعبرين عن قهرهم من ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن ..

عرفت المدينة موجة من التريف ومظاهر البداوة مع النزوح السكاني الذي عرفته المنطقة والامتداد  السكني والعمراني الذي اخدت تعرفه بتطور  والى جانبه ظهرت اشكال جديدة ومتنامية من الجنوح والعنف والبؤس واللاتسامح الذي كانت تغذيه خصوصا الجماعات الإسلامية الراديكالية وتعزف عليه أحزاب المعارضة التي بدت صدامية هذه المرة في وجه النظام ...

ايامنا كانت تمضي بطيئة .. وكل واحد منا كان يحاول تكسير ايقاعها بمزاجه الشخصي  ..وحده الليل كان يجمعنا حيث يحلوا النقاش والتأمل ونحن اتخدنا عادة التجوال في شوارع المدينة الفاضية نسبيا من الناس الا من عشاق الليل مثلنا ..لم يكن متاح ماديا لنا دائما أن نتخد طاولة مقهى ونسهر حتى الصبح ولا من من عاقر الشراب منا تدبر زجاجة مهربة يقهر بها برد الليل وحرقة الأسئلة ..كنا نداور بعضنا البعض حتى لا نسقط في الهموم الشخصية نلتف على الأحاديث حتى لا تتحول الى مجرد تشكي وتذمر..كنا نحاول تناسي همومنا النفسية والاجتماعية بالتحليق بعيدا في دنيا الفن والشعر وعوالم الابداع نحرص  على القراءة ومبادلة كل مايقع بين ايدينا من كتب ورويات ودواوين شعرية وأشرطة موسيقية ...أشياء فينا كانت تجعلنا على كل حال متفاءلين بالغد وقادرين بعد على الحلم والتنبأ والرؤيا...

تركتهم لما كبرت داخلي الرغبة في ان اكبر على نفسي كنت اريد مثل اي واحد فيهم ان اكون وان اوجد لي فرصتي لم يكن مقبولا ان اظل مستمرا في خنقة التغييب والتخدير التي لازمتنا على الاقل نحن في مجموعتنا (الصروخ توفيق ..محسن الشنتوف ..رضوان الحديقي ..بدر الدين بومزوغ ..عبدالسلام المزاحمي ...واخرون ) الشريف والكراب كانا قد اخدا يبتعدا منذ ان التحقت بالجامعة بكلية مارتيل ...والصروخ عبد السلام كان قد عاد الى شيء من التزامه لاكمال مشواره الجامعي والحصول على اجازته بعد ان طوح به التسكع والشرب والليل ..بدر الدين الساخي كان يشعر بالاحتراق النفسي وعندما يبدا في السكر لا يفيق منه بالايام ..الشاوي سعيد كان قد التحق بوظيف ببلدية العرائش وعابد محمد اختار سلك التعليم الابتدائي مكرها بواقع ظروفه الأسرية وحكم السن على انه مجاز في شعبة التاريخ ...الاخرون من من لا يدرسون  اختاروا البحر والاشتغال بمهن الصيد ..كان الحنين يجمعنا للمسرح.. للشعر ..للموسيقى.. لجو المحاضرات والندوات والحلقات الدراسية والواقع يجابهنا باغلاله المادية والاجتماعية...كلنا كان قلقا من حاضره وكلنا كان يفكر على الاقل في الهروب الى الامام ....

إبتعدت مع انقطاعي عن الدراسة بشكل نهائي مستغلا غياب الرفاق والأصدقاء المتقطع بالجامعة محاولا حتى أنا ان ابني لي استقلاليتي وعالمي الخاص الذي املك ان اعبر فيه عن ذاتي وطموحاتي ...  

إبتعدت لكنني لم اهجر الساحة ولا قاطعت مجموعات الرفاق والأصدقاء فقط اتخدت مسافة بيني وبين كامل التعويل على نفس الوجوه ونفس الرفقة ونفس المواضيع ونفس المزاج ..إبتعدت لاعود قليلا لنفسي ..لاقرا على هوايا ولاكتب ما احس به انا بعيدا عن اي التزام سياسي اخد يبدوا وكأنه مفروض ..لاسمع الموسيقى المختلفة ولاعيش اجواءي الروحية وحتى فوضاي الشخصية ...

دائما كان عندي الحنين لدار الشباب ولدار الثقافة ولايام الاعدادية ولصاحباتي  واصحابي ولباقي المجموعات ودائما بقي عندي ما يحركني نحو الأهداف التي رسمتها لي  وكان لزاما علي ان أشحد همتي لانطلق في دروب جديدة ومسارات مختلفة ...

انسحبت بنفسي من فضاء نقابة الاتحاد المغربي للشغل لانني ببساطة لم اكن املك صفة تبقيني عاملا بها فانا رسميا عاطل ومنقطع عن الدراسة ولا نية عندي لألج سوق الشغل كعامل ولا أفقا للتوظيف ممكن وقريب يلوح لي ...وحتى جو الفرع النقابي نحن من كنا نصنعه   ونحن من جعلنا المكان ينبض بالحياه ..لم تكن هناك أية حسابات سياسية أو موقفية بيننا ..ربما لم نكن كلنا راضين على سلوك تسير المكتب المحلي لكننا مرحليا اخترنا ان ننوء بانفسنا عن الصراعات الا أن اخدت تتشكل مع توافد عناصر جديدة من الرفاق التي اختارت الانظمام المبدئي للشبيبة العاملة التابعة للاتحاد ..كنت بيني وبين نفسي اعرف ان انقلابا قريبا سيحدث في الفرع المحلي والذي الت اليه الكتابة الإقليمية ..وتحدث بصراحة في الموضوع للكاتب الإقليمي من موقع الصداقة التي تربطني به واعتذرت له شخصيا لانني لا استطيع ان ابدل المزيد ولا نية لي في الانحياز الى أي طرف وقلت بانني ساسحب قدمي تدريجيا من المقر وليفكر حتى هو في نفس الخطوات ....

جاءت بعدها مرحلة الاستاذ محمد بديع وحزب الحركة الشعبية ونقابة الاتحادات الشعبية وعلى كل الذي قيل في حقي من من لم يعاشرني ويعرفني جيدا فلقد مرت بسلام لحالها ولا انقطع الود بيني وبين مجموعات الرفاق والأصدقاء وحتى في المرحلة الأولى لربط الاتصال بالإدارة كنت مدركا تماما لحجم الموضوع وانه لن ياخد اكثر من حجمه الطبيعي بخصوص الرفاق اساسا ولا حتى بباقي عناصر  التيارات الاخرى ..كنت املك نظرة عن التفاعلات السياسية الوطنية واقدر من زاوية تحليلية ماهي اولوليات النظام في هذه المرحلة ..وماهي حقيقة المخاطر المتربصة به ...لم اكن في موقع يسمح لي باملاء رؤيتي وتقيمي الخاص للاوضاع السياسية والاجتماعية للبلاد ولا في إثارة موضوعات تندرج ضمن خانة الحساسية ..كنت اعرف ما يعتمل وكيف يعتمل جهرا وفي الخفاء لكن المفقود الاساسي كان هو جو الثقة ..لم يكن لا لي ولا لغيري من فاعلين سياسيين وناشطين ان يثقوا في النظام المتحول والضاغط بقوة والساعي ليبسط هيمنته في شخص وزير داخليته إدريس البصري واعوانه ..

كنت غاضبا وحانقا بشكل لا يحتمل واحول بيني وبين نفسي من ان تتوجس او ترتعب وتنهد وتنبطح ...

كنت بعد عودتي من الجماهيرية الليبية مفتوح على كل الاحتمالات ومستعد لخوض اكثر من مغامرة كانت الحياة تبدوا لي ممكنة واكثر من ممكنة هاهنا ببلدي المغرب لذلك رحبت بترحيب الاستاذ بديع ومحمد العزيزي الكاتب المحلي لفرع حزب الحركة الشعبية واستعدت عملي كمراسل صحفي لجريدة الحركة الشعبية لكنني في المقابل وسعت نشاطي مع الإدارة وبالتالي في استقطاب أفراد مجموعات جديدة مع توطيد علاقاتي السابقة بباقي افراد المجموعات الاخرى ...لم اكن امانع في تبادل معلومات مع باقي الأجهزة الاستعلامية والأمنية الاخرى ..سعيت بكل قوة الى كسب المزيد من علاقات النفود والقوة لانني ببساطة وعلى نحو شخصي وذاتي  كنت في حاجة لاكسب المزيد من هامش الحرية والحركة ...

في وسط فضاء مدينة صغيرة اي تحرك محسوب على صاحبه ..في جو متعكرة مياه ينتعش كل ما يعض ويمتص وينهش ..في حقل العلاقات بين أفراد جيل واحد يكثر التنافس ويحتد الصراع وفي مثل بيئتنا الفكرية والثقافية المتخلفة يكثر الضرب تحث الحزام وانا اخترت ان ابقى وفيا لنفسي وحرا في اختياراتي ..ولم اشأ الاصطفاف خلف اي طابور لكنني تدبرت ان اجد لي موقعا واكثر من ظهر يسندني ..  



Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...