الخميس، 19 سبتمبر 2019

يوميات : وجوه

بقيت هنا والعالم يمكث هناك ..علي الجانب الاخر مني..لا اعرف كيف اقترب منه ..كيف ادنو منه واتفاعل معه ..ولا اطمئن اليه ..
لم،اكن اراهن علي ان يمتد بي العمر ..كنت دائما انتظر ان اقتل نفسي ..لم اكن لاقيم اية حسابات للوضع الذي انتهيت اليه ..هي فقط العشرة سنوات التي هبتها خالصة له كانت خارج اي تقدير ..كانت اكبر هدنة اردتها لاعبر لغد اخر ..لحياة حقيقية غير كل الهراء الذي وجدتني فيه ..دافعت عن نفسي بكل قوة وتمسك بان لا اخسر ..احيانا كنت اعيش علي شبه لا شيء ..علي الحضيض ولا استسلم اعدني بذاك الغد الذي لم ياتي ابدا ..
عشرة سنوات انتظر منه ان ياتي يوما ويجلس الي ويتحدث لي كالكبار ويقول لي :"عبرت الي ..عبرت لما تستحقه عن جدارة .." كنت كالكلب الاجرب الذي لم يسأل فيه احد ولا اهتم بان يموت ويجيف..كان ياتي ويخرجني لزهاء الساعة ،قهوة سريعة وجولة علي الاقدام تكون بذاتها طريق عودتنا للمنزل ..كان يصد اية محاولة مني لان اتحدث له عن نفسي..وحتي عندما امتلك ناصية الكلام يكون كمن لا يسمعني ..لايرد علي بشيء ..لا يهتم ....يعود بي للبيت ويكون قد انهي لقاءه معي ومراسيمه ..
عشر سنوات ضيعتها سدا ..وهي العشر سنوات الوحيدة التي حاربت فيها نفسي وافكاري وحلت فيها دون ان تتمكن مني افكار اغتيال نفسي ..
لم،اتجاوز الي اي مكان الورطة الكبيرة التي وجدتني فيها مند ان حاولت البداية من جديد..كان يندلع في وجهي بصراخه ولعانته وسباته ويعلي صوته ليكون مسموعا لمن بخارج البيت ..كان بكل بساطة يطردني من بيته ،يريدني ان اخرج الي الشارع يقول انه لا يهمه الي اين ..لارحل عنه وفقط..لم اكن مستعدا باي حال لان ابدا في المجهول ..حتي لو اردت ان اثور لكرامتي المهدورة ..لا يمكنني ان اجعله يتمكن مني ويضيع علي رهان ان اكون في مستوي الحلم الذي يقدمه لي اخي ولطلما وعدني به ..كان علي ان ابتلع الكلمات في حلقي وان امسك نفسي علي ان اثور او انفعل ..وانسحب لغرفتي لادخن السجائر وبخوف ان تفرغ العلبة مني سريعا وانا قد عدمت اية مصروف اضافي او طارئ قد احتاجه ..كان علي ان اتحمل..وكان هو يدرك جيدا انني انتهيت لكي لا يمكنني ان اواجهه فتمادي ..اذلني بحق وكان قاسيا معي ....تركتهما معا لحياتهما ولصراخهما ولشد الحبل بينهما وقطعه ..وتركت معهما ان ان اعرف كل ما كان يحدث ويتطور في حياة الاخرين من افراد اسرتي ..لم اكن اعرف عنهم اي شيء ولا يصلني عنهم اي خبر ..لا احدا منه ربط الاتصال بي شخصيا في يوم ..
كانت خرجتي لشوارع المدينة منتهي الاغتراب ..اخرج فقط بوهم،انني بعد موجود ويمكن ان اتواحد بالخارج بجوار الناس والاخريين ..لم يكن يربطني بهم شيء ..لم يكن لي بينهم بعد من من القي عليه حتي التحية او السلام كنت قد ابعدت بالتجاهل المصطنع حتي من اصروا ان يضلوا محافضين علي القاء التحية علي .. لم اكن اريده ان يظلوا علي علاقة بهذا التي اكونه بعد الان ..انتهيت منهن كما انتهيت بان اكون علي ود او وفاق مع اي احد من جيران الحي..كنت قد بدات اقسي درجة من وحدتي ومن صمتي ..كنت بغرفتي استحلي ان اردد الكلمات بين شفتي بصوت لانني كنت علي اشتياق لان اتحدث لان اتكلم ..لان اخرج الاصوات والحروف ..لان اقول ..
حالي كان رث كنت بلا ملابس تقريبا غير اشباه لباس قديم وغير متناسق ورخيص..كان،يلزم ان انتظر بين السنتين والثلاتة سنوات لكي يحضر لي ببعض الثياب الذي لا اتخيره وقد لا يكون علي مقاسي او لا ينسجم مع احتياجي .والتي قد لا تغطي غير فصل الصيف والخريف ..وان كنت محظوظا قد تسافر الوالدة وفي عودتها قد تاتني ببعضه ..والذي كيفما كان وعلي اية شاكلة كان سالبسه ويجب ان اكون ممتنا لانني وجدت من ممكنني من قطع البسها ..
كنت اعرف جيدا معني ان لاتكون تملك وان لاتكون تقدر وان لاتكون في مستوي ان تكون ما تريده او ما يتماشي مع الاخرين..كنت اختزن في داخلي مشاعر قاتمة هي نتاج خبرات متعددة تعرضت فيها للتمييز والتحقير لانني لم اكن في مستوي ان ارتدي ملابسا تليق وتميز ..اعقل جيدا الاحدية الرثة الرخيصة التي تعبت واتعبت الاسكافي من كثرة ما رقعها ..اعقل جيدا الملابس التي كانت تتمزق فوقي مع اول شد او حركة مفاجئة لانها كانت جد مستهلكة وفانية قبل ان ارثها من اخوتي..اعقل جيدا السروال الاسود الذي بقيت ازيد من ثلاتة سنوات البسه بتباهي علي انه لم يكن الا سروال نصف عمر اقتنته لي والدتي من "الجوطية"...
لم اكن غير بحال ثور يدافع علي حق نفسه في ان يدور بالساقية ..كان علي ان استمر في خرحاتي مهما كانت الظروف حتي ولو كان الخارج لا يفتر من المطر ..كنت ادافع عن بعض حقي في ان تكون لي حياة لجانب الاخرين ..اي اخرين ..احساس بالسجن طاغ علي ..احساس بانني مقيد ..امشي ضد رغباتي ..اتواحد في المكان غير المناسب لي..ومتحوط دائما ..خائف من ان اخوض معارك خاسرة ..احساس بانني ممتلئ بذكرايات ايام،سجني كانها الذكريات الوحيدة الاليمة في حياتي ..لعلي كنت في حاجة لان اظل مستحضرا اياه نصب عيني وبداخلي كي لا اكون مضطرا في يوم،لان افقد حريتي واستعبدني لاي نظام ..
لم،اكن اعرف ان العمر سيمضي بي دون ان اثأر من الفقر والحرمان والكبت والجوع والمرض..لم اكن اعرف ان صفقتي خاسرة من الاول وانني ابدا لم اكن حصانا رابحا ليقامر عليه ...
بهذا العجز علي ان احتمل بعد اي شيء امضي عجوزا يشيخ .يقف في اعلي المنحدر ويسنح لنفسه بان يتدحرج للقاع المحتوم وقد كف علي ان يرغب للاستسلام لاي حلم ..
خاوية هي الدار الا من صوت مرتفع للتلفاز ياتيني ..الوالدة فجات داهمها ما يشبه صمم وانا الذي يتذمر سريعا من اي ضوضاء او صخب يصله هو ان اتقبل الامر مضاضة ..بقيت اشيائي و صناديق اوراقي بالمسكن الذي كنت قد اعددته بيت زوجيةهو ومجموعة كراكيب مهملة تجمع الغبار والحشرات. وبالسطح بالمطبخ ودورة المياه سكنت الكلاب وحولته لمكان كالح متسخ وحزين ..فقدت اية رغبة في الاهتمام،به او تحسينه ..نوافذ الطابق الاول الذي اسكنه مغلقة لم تفتح لازيد من شهر ..لم اعد اطيق اي صوت او ضوء ..لم اتمكن من استعادة نظام الاشياء.. بعد الحال كما تركوها هي عليه ..لا اريد هذه المرة ان اجمع فوضاهم ..ولا ان ارتب اي شيء ..تركت الوالدة لحالها لا املك ان اقترب اكثر منها..تعبت من ان اعيش بالقرب منها عجزي ..بقائي لم يكن اختيار كان قدر طائر لم،يتعلم التحليق ولم،يستطع ان يغادر العش ..بقائي بالبيت كان ماساتي لن يكن ابدا قائم في اختياري ..بقائي هاهنا كان لعنة ..
بقيت قرائتي معلقة .كما دراستي ..لا اعرف ماذا افعل بيومي ..لا رغبة عندي بالخروج ..مفلس واحوالي المادية حد مضطربة ..غارق في التذخين والجو المخنوق لا ساعات منظمة عندي للنوم او الاستيقاض ..افقد شهيتي للطعام ..اخسر وزني ..تتغير ملامح وجهي وسحنتي ..متعب اشعر باستمرار ..ومهمل ..
فتقت جرحا ورحلت وذهبت محاولتي سدا في ان اجد لها بديلا ..اينعت في املا بهيا استحليته لكنني عدمت ان احققه ..كان،عليها ان تختفي ككل الاشياء الحلوة سريعا كان عليها ان تختفي وان اعود انا لمرارتيً..مع الاخرى.. جنون ان احاول ..ابدا لن تصل الي ..بيني وبينها مساحات شاسعة من البعاد والاختلاف ..هي المراة التي قد اريد وقد اشتهي لكنها ابدا لن تكون الحبيبة التي احتاج ..
تلاحقني صور من الماضي و عن بعض ناسي ..تشدني لاغرق فيها ..ابحث عندها عن بعض الاجوبة المفقودة وعن تسلسل اخر للحكايات ..صور صاحبتني طويلا وعشت علي التفكر فيها زمنا طويلا ولا انتهيت لاطلب ان اطرحها بعيدا عني ....صور اخرى من الحاضر القريب او البعيد تطاردني وتسخر مني..وجوه لا يمكنني ان انكر انها مرت من هنا وانها كانت او مالبتث تكون بيننا ..وجوه يرعبني ان تطرح نفسها بديلا محتملا لما يمكن ان اكون واتحول اليه ..يرعبني ذلك الوجه الذهاني الذي لا يكاد يختفي من جانب عتبة بيته الخاوي الوفاض الا من وحدته وجنونه وحيرته اللامتناهية بما عساه يفعله بنفسه
وجه بنت العمة تلك التي تحمل سنواتها المافوق الخمسين والتي تقارب الستين والتي بلا زوج او ابناء بلا من،يقبل بها وياخد بيدها ..وجه اولئك الذين يشحبون في الشوارع والاسواق ويتعبون ويشيخون بسرعة ودائما يمرضون وفي كل الحالات تنقصهم كل الاشياء ومحتاجون لكل شيء..وجه الكلاب الضالة في الشوارع والقطط النحيلة ..وحه الحمقي والمتشردين ومدمني الكحول الرديئ ..وجه العوانس والارامل والعجائز الكالح ..وجه الموت في الشوارع الرخيصة من الفقر والمرض والبرد والاهمال..اتعب من تصور انه يمكن ان انتهي مثلهم او اسوأ منه ..اتعب من اسلمني لمثل قدرهم دون ان يكون مرة اخري بملكي ان اختار ...
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...