في كل مرة اعاود التفكير لعلي اجد ثغرة انفد منها ..لعلي امسك بخيط اتبعه ..اعمد ان اعيد استحضار كل الزمن الماضي لاغربله من جديد ،لعلي اتحصل علي ما ياخدني لاكتشف ماذهلت عنه او انفلت مني ..يلزمني ان افهم كيف قنعت بحياتي ؟وهل كان يجدر بي ان اثور عليها ..؟! ..تغيرت امور كثيرة في حياتي وفي نمط تفكيري..والاحساس الطاغي عندي ..انني كبرت وبدات اشيخ ..وفترت حركتي وبت اكثر قدرة علي ان اتصالح مع واقعي.. ومع الاخريين ..وان اتجاوز عتو بعض اللحظات ببعض ان لا ابالي ..ان لا اتفحص الامور جيدا ..ان اشيح بوجهي واهرب ..
الان ارقب الاشياء والناس بنظرة اخرى يحضر فيها معطي الزمن والعمر بقوة ..لا افكر في بعض الناس الذين عبروا او عبرت حياتهم من وحي اللحظة التي هم فيها وانما وهم بكل العمر الذي قطعوه ،بكل ما عاشوه من تبدلات ..بكل ما كانوا يحملونه من احلام واوهام ..وبموقعي انا منهم ..بما كنت احمله عنه ساعة كانوا يعبرون ايامهم ..بما تشاركت واياهم من عواطف وامنيات في ان نتفاهم ولو علي سبيل الحس والتقدير الخاص ..بما انا بعد مختلف فيه عنهم ..بما حسمت فيه عنهم وما لم احسمه بعد فيما يمكن ان تكون علي شكل من الاشكال علاقة لي بهم ..
تخونني ذاكرتي مرات .اعملت فيها علي مراحل الكثير من عمليات المسح والتشديب والحصر حتي فقدت مراجعي لاستحظار العديد من الوجوه والاحداث والتفاصيل .. بقيت مركزا علي ناس بذاتهم وعلي شخوص بعينها ..لانني بنحو ما كنت اتفاعل معهم بتاثر واستيحاء ..وظلوا هم،في حياتي مؤثرين لا يمكنني ان اخرج عنهم ..بقيت المسافات هي نفسها بيننا او ربما زادت لكنهم بقيوا ناسي الذين عشت من حولهم وكانوا رفقتي ذات يوم ..
تعودت منذ زمن مبكر جدا ان احتفظ لي ببعض ارتساماتي الخاصة عن الاخرين ..ان افكر فيها بيني وبين نفسي فقط ..وهي من تلك التي لا يمكن ان اجرأ علي التعبير عنها في مواجهتهم ..ارتساماتي وانطباعاتي عنهم تلبس اكثر من لبوس وتتطور عنهم وتجر وراءها افكارا وخواطرا ولربما تتوسع دائرتها بالتخيل والاحلام وتاخدني بعيدا ..وتعودت ان احتفظ لي باسئلتي عنهم ..دائما كانت تبقي جوانب لا يمكنني ان اعبرها اليهم ..لافهمهم ..لاقارب وجهات نظرهم واعتقادهم لكنني كنت ابقي علي نفس تقبلي لهم....هم كما هم ..كما انظر اليهم وقد لا اريد ان اكون بالقرب منهم ..
تعلمت ان اجد لي زاوية اتابع منها الاحداث والتطورات ..مكانا اطل منه لانظر في كل الاتجاهات وعميقا مرات علي عوالم هؤلاء ..مكانا اوسعته لنفسي بداخلي يمكنني من ان اتعاطي مع الناس وفي نفس الان اظل علي حياد معهم ،مجرد متابع لهم ومراقب ومتفحص متشكك فيهم..واحيانا خائفا من التورط معهم ..مكانا اتداول فيه بيني وبين نفسي حولهم وحولي...اتداول في شانهم وشاني بهم ..فيما يكونوه بالنسبة لي وما يمكن ان اكونه بالنسبة لهم ..فيما عساهم يعتقدوه نحوي وفيما اعتقده نحوهم ..مكان كان يتسع في كل مرة ويكبر واضطر لافسح له المزيد من المساحة داخلي..اصبحت ابتعد اكثر علي ان اكون فاعلا بينهم واكتفي بان احملهم ذاخلي وافكر بهم واحلم بهم ..
كنت انا بمفردي وانا مع الاخرين ولست معهم الا بوجود مادي ظاهري وانا بعيد عنهم وهم معي وليسوا معي فعلا ..ارتاد الامكنة العامة ..اجلس بالجوار من الناس ..امشي بالقرب منهم ..قد نتلامس ..قد نهمس ببعض الكلمات ..لكنهم يظلون بعيدين عني وعن ان اعرفهم ..هناك دائما ذلك الذي يحتويني وحدي ويغلفني بغربتي و يجعلني معدوم،الوجود والحجم بينهم ..مرات كدت اصرخ مرتعبا دون سبب موضوعي او واقعي ..لانبه كل هؤلاء بانني لا اشبههم ..لا انتمي اليهم ..لا اتجاوز ما يبدون عليهم لاعرفهم ..
كنت اعرف انني انفصم عنهم ..ابني داخلي عالما اقبع فيه وحدي كالمنفي ..كانوا يجلسون لجانبي بنفس الطاولة لكنني انكرهم كلما اكتشفت اننا لا نتشابه حتي فيما يجعلنا نرتاد نفس الفصل ونجلس نفس الطاولة ولا عيون من حولي ظلت الليل كله بلا نوم ساهرة مثلي ولا دواخلهن مكتضة بكل ما احمله من اسئلة ..
كنت احمل بعض خوفي وآخد الطريق علي مسافة من كل من حولي..انظر لبعيد واحدد لي مسلكي بينهم دون ان اتعرض للاصطدام بهم او حتي لمجرد ملامستهم ..لا اريد اية تماس معهم او تفاعل محسوس ..لم اكن مهيا لاخوض اية معركة للدفاع عن نفسي ولا للهرب فقط ان ابقي علي خوفي وحذري ..كان هناك ناس يمكن ان اتعامل معهم ..كذلك كان بالامكان ..لطالما كانوا قريبين مني بدرجة ما ..لكنني كنت قد بدات تدريجيا افقد الرغبة في الاقتراب منهم وكانني ما عدت اريدهم ولا حضورهم بجواري ..كنت انعزل وانزوي دون ان اعي تماما ما انا اعمد اليه ..
كنت مرعوبا باستمرار واستشعر التهديد ..يمكن في اي لحظة او مكان ان يتم التعرض لي وانا معزول ،اغزل من اي سلاح او حماية ..كان كل اخوتي قد غادروا البيت ..ووالدي كما كان في غيابه مستمر ..وانا ببساطة لم،اكتسب اية مهارات او تدريب لاتعلم كيف اواجه ..كي ادافع عن نفسي..واحمل بنية رخوة مهدودة ..عاجزة عن حماية وجودها ..كنت استشعر نفسي بلا وزن ..ضئيل ..وعلاقتي مع الاخرين ليست علي وفاق .
بالذي اكونه واتحرك وفقه اندفعت اكثر للانفصام عن الاخرين وعن عالم الخارج ..وارتميت بكامل احضاني في وحدتي وللمكوث اطول وقت ممكن بالبيت ..بغرفة ما بمفردي ..كان معي الكتاب ..كان معي احيانا المذياع او المسجل ..اوراق والوان مرات اخريً..لكن لم يكن معي احد اخر غيري.وفي الخارج للوقوف علي هامش الجماعات وبعيدا عن الجموع وفي الظل والزوايا والاماكن الشبه فارغة مستعد دائما لان اغير مكاني ولان انسحب عندما يتبادر لي اول تهديد بالتعرض..
ظلت النظرات تتعقبني وكنت ادرك انها تحمل الكثير من علامات الاستفهام والخواطر والكلام ..عيون بذاتها كانت تترصدني ..تعاديني دون ان اعرف السبب ..تاديني وهي تحمل ما يبدوا لي صدا وتحديا وعنفا ..وعيون اخرى كانت تجيد ان تسخر مني ..بينما ظلت عيون اخري متمادية تزرع الشك ذاخلي ..تبلبل كياني وتهزني ..كانت عيون لا تكف عن مطالعتي وتفحصي وتلمس جسدي ..كانت عيون فيها تحرش مفضوح ورغبات شاذة مخيفة ..هذه العيون لم تعد تربكني وتدفع بي للمرآة لاعيد تفحصي بدوري لكنها اخدت تستفز في رغبة في ان اشريحها ان امسك،بها وافككها ..ان اضطلع علي كل كبيرة وصغيرة فيها ..بينما احتفظت نظراتي انا بقدر ما اجتهدت في تصنعه من،حياد ليس الا عجزا اخرا في مواجهتها ..كان علي في كل مرة ان ارمم من كياني وان اطور من عالمي لاتمكن من مجرد الاستمرار بين كل هؤلاء الناس ..
لم تكن العلاقات داخل البيت محتملة دائما بل لعلها لم تكن دوما علي احسن ما يرام ..تخفف جزئيا الحمل لكن الاعصاب دائما نشدودة بالبيت ..قد ينتهي الوالد ان لا يخرج ليسكر بعيدا عن البيت لكنه يسكر شبه يومياداخله ..خصامات العودة للبيت قد تكون عاصفية ومدمرة وعنيفة لكن حتي خصامات المكوث بمفرده وقنينته واسطواناته القديمة لا تسلم،ان تندلع بعد تكرارها لايام فقط ..وتكون قابلة لتحرق اليابس والاخضر ..بالبيت لا يمكن التكهن بشيء ..في اي لحظة قد يندلع الصراخ والمشاجرة ودائما بنفس النبرة التي بت امقتها واكرهها والعن معها نفسي ووجودي داخل هذا الوضع الغير مطاق بكافة الاحوال ..لا يمكنني ان انحاز الي اي طرف ..علي ان اتدبر الصراع بعيدا علي ان ينقلب فوق راسي..لكنني لا املك داخليا ان لا اكون جزءا من الصراع ..ان اكون علي موقف منه ..ان انحاز فيه وان اتاثر فيه وبه ..اعرف جيدا كل التطورات التي ستحصل لاحقا ليستعيد البيت بعض هذوءه الحذر ..واعرف كيف ستتطور لكنة والدتي وحكاياتها ..الان بت اضع مسافة بيتي وبينها حتي وان لم تكن تحكي الا لي انا ..لانني ببساطة لم استطع ان اتخلص من سؤال لماذا يحدث معي انا كل هذا بالضبط ؟ ولماذا علي ان اكون معنيا ووسط كل هذا الغبن ؟ ..الفت الدموع المهطارة من عيون والدتي..الفت تشنجاتها وشكواها غير المنقطعة كما الفت ان يتظاهر الوالد دوما بان لا شيء وقع او لا شيء يستحق فعلا الوقوف عنده ..معه الايام تستمر دوما وبجب ان تستمر كما يريدها هو ..ونحن علينا ان نتكيف مع الواقع وان نحاول التجاوز ..ليس مهم الفضيحة بين الجيران ..ليس مهم كل لغة التهديد التي كانت تصدح بينهما ..ليس مهم حقا ان يحترق البيت بمن فيه . كنت ادرك ان وضعنا من الازمان وان الماساة فينا اجترار يومي..اننا كنا هكذا دائما ..كل شيء محتمل الوقوع ..ينقص فقط ان يحدث لا ينقصه ان اظل اتصور نفسي في اوضاع بعد وقوعه ..ماذا عساه يحدث فعلا ؟ الانفصال ..!!؟ ليحدث لن اتعب نفسي بعد في التفكير في مآلي ..ان يتورط الوالد ويخسر وظيفه ..ان نعاني بشكل جديد اخر ...ليكن لن اهتم،بدوري لانني لا املك ان اتدخل ..او افعل في الامر ..انني فقط ساسقط مع اول سقوط للبيت ساتبعثر معه ..عاجز اظل علي ان اركن لاي امن او لاامن نفسي مستقبلا ..كلما اندلعت مشاحنة اكون اول من يعرف انها لن تكون الاولي ولا الاخيرة ما دمنا بعد بهذا البيت ..
كلما كان يبتعد رفاقي عني لانهم مهتمون بدراستهم او بشؤنهم الخاصة او لانهم في حاجة لان يكونوا لانفسهم حين كان تاتي فترات ان لا تكون اشياء ما نتشاركها ..تجمعنا ونهتم لها كان يبقي عندي الفراغ ..كان رفاق الطفولة دوما قليلون ومحدودون من حولي ..واذا تقرر ان يكونوا لجانب بعضهم عوض ان اكون معهم استشعر الاستتراك ..ويعز علي حالي..كنت اعرف ان اوضاعهم،مغايرة عن اوضاعي ومستقرة علي التبعثر الذي تعرفه احوالي..ولا يمكن الا ان التمس لهم كل المبررات الا لي انا ..لانني احس بحجم الهوة التي انا بها لا اعرف ان اكون علاقات جديدة ولا سريعة ان انتفضوا من حولي امكث زمنا الا ان اتعرف الي اخر وابدا من جديد في التودد اليه وقد افشل في ذلك فاعود بخيبتي الي عالمي الخاص..حتي من بقيت الي جانبهم،كنت مستعدا دوما لان اسامحهم،ان اخطئوا في حقي واكون اول من ياتي ليسال عنهم ويحاول استعادتهم لجواره ..كنت كلما بقيت لوحدتي انكر عليهم ان لا يفتقدونني ويسالون عني واتمني بيني وبين نفسي ان اكبر يوما علي احساس ان افتقد احدا او ان اكون في حاجة لاصحاب ورفاق في يوم من الايام ..
الان ليس علي ان افعل الشيء الكبير او الكثير علي فقط ان اتقبل انني وحدي بلا اي اصحاب او رفاق ..
الان ارقب الاشياء والناس بنظرة اخرى يحضر فيها معطي الزمن والعمر بقوة ..لا افكر في بعض الناس الذين عبروا او عبرت حياتهم من وحي اللحظة التي هم فيها وانما وهم بكل العمر الذي قطعوه ،بكل ما عاشوه من تبدلات ..بكل ما كانوا يحملونه من احلام واوهام ..وبموقعي انا منهم ..بما كنت احمله عنه ساعة كانوا يعبرون ايامهم ..بما تشاركت واياهم من عواطف وامنيات في ان نتفاهم ولو علي سبيل الحس والتقدير الخاص ..بما انا بعد مختلف فيه عنهم ..بما حسمت فيه عنهم وما لم احسمه بعد فيما يمكن ان تكون علي شكل من الاشكال علاقة لي بهم ..
تخونني ذاكرتي مرات .اعملت فيها علي مراحل الكثير من عمليات المسح والتشديب والحصر حتي فقدت مراجعي لاستحظار العديد من الوجوه والاحداث والتفاصيل .. بقيت مركزا علي ناس بذاتهم وعلي شخوص بعينها ..لانني بنحو ما كنت اتفاعل معهم بتاثر واستيحاء ..وظلوا هم،في حياتي مؤثرين لا يمكنني ان اخرج عنهم ..بقيت المسافات هي نفسها بيننا او ربما زادت لكنهم بقيوا ناسي الذين عشت من حولهم وكانوا رفقتي ذات يوم ..
تعودت منذ زمن مبكر جدا ان احتفظ لي ببعض ارتساماتي الخاصة عن الاخرين ..ان افكر فيها بيني وبين نفسي فقط ..وهي من تلك التي لا يمكن ان اجرأ علي التعبير عنها في مواجهتهم ..ارتساماتي وانطباعاتي عنهم تلبس اكثر من لبوس وتتطور عنهم وتجر وراءها افكارا وخواطرا ولربما تتوسع دائرتها بالتخيل والاحلام وتاخدني بعيدا ..وتعودت ان احتفظ لي باسئلتي عنهم ..دائما كانت تبقي جوانب لا يمكنني ان اعبرها اليهم ..لافهمهم ..لاقارب وجهات نظرهم واعتقادهم لكنني كنت ابقي علي نفس تقبلي لهم....هم كما هم ..كما انظر اليهم وقد لا اريد ان اكون بالقرب منهم ..
تعلمت ان اجد لي زاوية اتابع منها الاحداث والتطورات ..مكانا اطل منه لانظر في كل الاتجاهات وعميقا مرات علي عوالم هؤلاء ..مكانا اوسعته لنفسي بداخلي يمكنني من ان اتعاطي مع الناس وفي نفس الان اظل علي حياد معهم ،مجرد متابع لهم ومراقب ومتفحص متشكك فيهم..واحيانا خائفا من التورط معهم ..مكانا اتداول فيه بيني وبين نفسي حولهم وحولي...اتداول في شانهم وشاني بهم ..فيما يكونوه بالنسبة لي وما يمكن ان اكونه بالنسبة لهم ..فيما عساهم يعتقدوه نحوي وفيما اعتقده نحوهم ..مكان كان يتسع في كل مرة ويكبر واضطر لافسح له المزيد من المساحة داخلي..اصبحت ابتعد اكثر علي ان اكون فاعلا بينهم واكتفي بان احملهم ذاخلي وافكر بهم واحلم بهم ..
كنت انا بمفردي وانا مع الاخرين ولست معهم الا بوجود مادي ظاهري وانا بعيد عنهم وهم معي وليسوا معي فعلا ..ارتاد الامكنة العامة ..اجلس بالجوار من الناس ..امشي بالقرب منهم ..قد نتلامس ..قد نهمس ببعض الكلمات ..لكنهم يظلون بعيدين عني وعن ان اعرفهم ..هناك دائما ذلك الذي يحتويني وحدي ويغلفني بغربتي و يجعلني معدوم،الوجود والحجم بينهم ..مرات كدت اصرخ مرتعبا دون سبب موضوعي او واقعي ..لانبه كل هؤلاء بانني لا اشبههم ..لا انتمي اليهم ..لا اتجاوز ما يبدون عليهم لاعرفهم ..
كنت اعرف انني انفصم عنهم ..ابني داخلي عالما اقبع فيه وحدي كالمنفي ..كانوا يجلسون لجانبي بنفس الطاولة لكنني انكرهم كلما اكتشفت اننا لا نتشابه حتي فيما يجعلنا نرتاد نفس الفصل ونجلس نفس الطاولة ولا عيون من حولي ظلت الليل كله بلا نوم ساهرة مثلي ولا دواخلهن مكتضة بكل ما احمله من اسئلة ..
كنت احمل بعض خوفي وآخد الطريق علي مسافة من كل من حولي..انظر لبعيد واحدد لي مسلكي بينهم دون ان اتعرض للاصطدام بهم او حتي لمجرد ملامستهم ..لا اريد اية تماس معهم او تفاعل محسوس ..لم اكن مهيا لاخوض اية معركة للدفاع عن نفسي ولا للهرب فقط ان ابقي علي خوفي وحذري ..كان هناك ناس يمكن ان اتعامل معهم ..كذلك كان بالامكان ..لطالما كانوا قريبين مني بدرجة ما ..لكنني كنت قد بدات تدريجيا افقد الرغبة في الاقتراب منهم وكانني ما عدت اريدهم ولا حضورهم بجواري ..كنت انعزل وانزوي دون ان اعي تماما ما انا اعمد اليه ..
كنت مرعوبا باستمرار واستشعر التهديد ..يمكن في اي لحظة او مكان ان يتم التعرض لي وانا معزول ،اغزل من اي سلاح او حماية ..كان كل اخوتي قد غادروا البيت ..ووالدي كما كان في غيابه مستمر ..وانا ببساطة لم،اكتسب اية مهارات او تدريب لاتعلم كيف اواجه ..كي ادافع عن نفسي..واحمل بنية رخوة مهدودة ..عاجزة عن حماية وجودها ..كنت استشعر نفسي بلا وزن ..ضئيل ..وعلاقتي مع الاخرين ليست علي وفاق .
بالذي اكونه واتحرك وفقه اندفعت اكثر للانفصام عن الاخرين وعن عالم الخارج ..وارتميت بكامل احضاني في وحدتي وللمكوث اطول وقت ممكن بالبيت ..بغرفة ما بمفردي ..كان معي الكتاب ..كان معي احيانا المذياع او المسجل ..اوراق والوان مرات اخريً..لكن لم يكن معي احد اخر غيري.وفي الخارج للوقوف علي هامش الجماعات وبعيدا عن الجموع وفي الظل والزوايا والاماكن الشبه فارغة مستعد دائما لان اغير مكاني ولان انسحب عندما يتبادر لي اول تهديد بالتعرض..
ظلت النظرات تتعقبني وكنت ادرك انها تحمل الكثير من علامات الاستفهام والخواطر والكلام ..عيون بذاتها كانت تترصدني ..تعاديني دون ان اعرف السبب ..تاديني وهي تحمل ما يبدوا لي صدا وتحديا وعنفا ..وعيون اخرى كانت تجيد ان تسخر مني ..بينما ظلت عيون اخري متمادية تزرع الشك ذاخلي ..تبلبل كياني وتهزني ..كانت عيون لا تكف عن مطالعتي وتفحصي وتلمس جسدي ..كانت عيون فيها تحرش مفضوح ورغبات شاذة مخيفة ..هذه العيون لم تعد تربكني وتدفع بي للمرآة لاعيد تفحصي بدوري لكنها اخدت تستفز في رغبة في ان اشريحها ان امسك،بها وافككها ..ان اضطلع علي كل كبيرة وصغيرة فيها ..بينما احتفظت نظراتي انا بقدر ما اجتهدت في تصنعه من،حياد ليس الا عجزا اخرا في مواجهتها ..كان علي في كل مرة ان ارمم من كياني وان اطور من عالمي لاتمكن من مجرد الاستمرار بين كل هؤلاء الناس ..
لم تكن العلاقات داخل البيت محتملة دائما بل لعلها لم تكن دوما علي احسن ما يرام ..تخفف جزئيا الحمل لكن الاعصاب دائما نشدودة بالبيت ..قد ينتهي الوالد ان لا يخرج ليسكر بعيدا عن البيت لكنه يسكر شبه يومياداخله ..خصامات العودة للبيت قد تكون عاصفية ومدمرة وعنيفة لكن حتي خصامات المكوث بمفرده وقنينته واسطواناته القديمة لا تسلم،ان تندلع بعد تكرارها لايام فقط ..وتكون قابلة لتحرق اليابس والاخضر ..بالبيت لا يمكن التكهن بشيء ..في اي لحظة قد يندلع الصراخ والمشاجرة ودائما بنفس النبرة التي بت امقتها واكرهها والعن معها نفسي ووجودي داخل هذا الوضع الغير مطاق بكافة الاحوال ..لا يمكنني ان انحاز الي اي طرف ..علي ان اتدبر الصراع بعيدا علي ان ينقلب فوق راسي..لكنني لا املك داخليا ان لا اكون جزءا من الصراع ..ان اكون علي موقف منه ..ان انحاز فيه وان اتاثر فيه وبه ..اعرف جيدا كل التطورات التي ستحصل لاحقا ليستعيد البيت بعض هذوءه الحذر ..واعرف كيف ستتطور لكنة والدتي وحكاياتها ..الان بت اضع مسافة بيتي وبينها حتي وان لم تكن تحكي الا لي انا ..لانني ببساطة لم استطع ان اتخلص من سؤال لماذا يحدث معي انا كل هذا بالضبط ؟ ولماذا علي ان اكون معنيا ووسط كل هذا الغبن ؟ ..الفت الدموع المهطارة من عيون والدتي..الفت تشنجاتها وشكواها غير المنقطعة كما الفت ان يتظاهر الوالد دوما بان لا شيء وقع او لا شيء يستحق فعلا الوقوف عنده ..معه الايام تستمر دوما وبجب ان تستمر كما يريدها هو ..ونحن علينا ان نتكيف مع الواقع وان نحاول التجاوز ..ليس مهم الفضيحة بين الجيران ..ليس مهم كل لغة التهديد التي كانت تصدح بينهما ..ليس مهم حقا ان يحترق البيت بمن فيه . كنت ادرك ان وضعنا من الازمان وان الماساة فينا اجترار يومي..اننا كنا هكذا دائما ..كل شيء محتمل الوقوع ..ينقص فقط ان يحدث لا ينقصه ان اظل اتصور نفسي في اوضاع بعد وقوعه ..ماذا عساه يحدث فعلا ؟ الانفصال ..!!؟ ليحدث لن اتعب نفسي بعد في التفكير في مآلي ..ان يتورط الوالد ويخسر وظيفه ..ان نعاني بشكل جديد اخر ...ليكن لن اهتم،بدوري لانني لا املك ان اتدخل ..او افعل في الامر ..انني فقط ساسقط مع اول سقوط للبيت ساتبعثر معه ..عاجز اظل علي ان اركن لاي امن او لاامن نفسي مستقبلا ..كلما اندلعت مشاحنة اكون اول من يعرف انها لن تكون الاولي ولا الاخيرة ما دمنا بعد بهذا البيت ..
كلما كان يبتعد رفاقي عني لانهم مهتمون بدراستهم او بشؤنهم الخاصة او لانهم في حاجة لان يكونوا لانفسهم حين كان تاتي فترات ان لا تكون اشياء ما نتشاركها ..تجمعنا ونهتم لها كان يبقي عندي الفراغ ..كان رفاق الطفولة دوما قليلون ومحدودون من حولي ..واذا تقرر ان يكونوا لجانب بعضهم عوض ان اكون معهم استشعر الاستتراك ..ويعز علي حالي..كنت اعرف ان اوضاعهم،مغايرة عن اوضاعي ومستقرة علي التبعثر الذي تعرفه احوالي..ولا يمكن الا ان التمس لهم كل المبررات الا لي انا ..لانني احس بحجم الهوة التي انا بها لا اعرف ان اكون علاقات جديدة ولا سريعة ان انتفضوا من حولي امكث زمنا الا ان اتعرف الي اخر وابدا من جديد في التودد اليه وقد افشل في ذلك فاعود بخيبتي الي عالمي الخاص..حتي من بقيت الي جانبهم،كنت مستعدا دوما لان اسامحهم،ان اخطئوا في حقي واكون اول من ياتي ليسال عنهم ويحاول استعادتهم لجواره ..كنت كلما بقيت لوحدتي انكر عليهم ان لا يفتقدونني ويسالون عني واتمني بيني وبين نفسي ان اكبر يوما علي احساس ان افتقد احدا او ان اكون في حاجة لاصحاب ورفاق في يوم من الايام ..
الان ليس علي ان افعل الشيء الكبير او الكثير علي فقط ان اتقبل انني وحدي بلا اي اصحاب او رفاق ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق