على غير المتوقع مني اخذتني حياتي بعيدا عن ما كنت امله وجاد في تحقيقه ..فجاة اخدت ايامي تبهت وتدبل وتفرغ من المعنى وتمضي وكانها لا تمضي وانما تنسرق مني او تضيع من بين يدي ...حساباتي تبعثرت وسفري وكانه توقف وانقطع ..اصبحت ارتجل العيش ارتجالا وما من برنامج قادر ان يستوعبني وانتظم عليه واتحفز للفعل من داخله ...وصعبت علي حقيقتي ..استسلمت تدريجيا لواقع اكبر مني ..لوحدة صاعقة ومخيفة ..لحياة انعزل فيها يوما على يوم عن الحياة العامة والاجتماعية ولاجدني اكاد لا انتظر اي شيء..فقط اعبر ايامي ..
شيء مثل الياس يغلب طعمه المر والرديء على حاسة تذوقي وعيني داخل اطارات محددة سلفا وضيقة لا تكاد تبصر شيئا ..لا اعرف لماذا اجري مثل هذه التكيفات الصعبة ولا لماذا اسمح بها ؟!!..
استغرب مني قوة هذا الاحتمال الذي يعدمني العفوية والقدرة على الفرح ويخضعني لاقاسي بعمق وبكامل الصمت والتكتم وبالامكان ان اخرج عليه ولا اقبل به واعمد لنقضيه ودونما ان اهتم كثيرا بالعواقب ان كانت هناك عواقب لا محالة ستصادفني ...
كبرت لدرجة الاحساس بانني شخت وانتهى امري وانني قاب قوسين او ادنى من ان اغادر عما قريب واودع حياتي هاهنا ...
اختياراتي باتت بئيسة وبشبه لا استعدادات لااغامر في المجهول او لاقتحم الاتي والمستقبل ...
اكتشف وقتا اخرا ...زمنا يتكور على بعضه ويتدحرج ليشكل الايام والاسبايع والشهور والفصول وانا فيه وكانني لا اكون ..
لعله يعني الكثير ان احيل نفسي على انتظار ما ..انتظار فيه حياة وفعل وحركة ..على ذلك الانتظار العقيم الذي اتابع فيه موتي ونهايتي..
"حل الخريف..." وانتهى الزمن بان اشرف على موت الاحبة ورحيلهم لحيث ليس هنا ..ومرير اعادة اكتشاف مثل هذه الحقائق ..حقيقة اننا نموت ونغادر ونذهب بعيدا كي لا نعود ....
لم امل يوما من اعادة ترديدها والتمعن بها :" حنا هودين حودرة ..." نحن ننزل المنحدر ...او نحن نتدحرج بسرعة نحو الاسفل ..او ببساطة نحن ننهي دورة حياتنا وافولنا ...هكذا رددها ابن عمتي " عبد العالي " : حنا هودين حودرة....وستخوننا اجسامنا وابداننا ونبدا في التهاوي وستضيق علينا دنيانا وسنصبح اكثر وحدة وغربة وحدة يوما على يوم ...
فكرت كثيرا في الموت وعشت حالاته لكنني لم اصدق الا متاخرا بانني عشت ولازيد من خمسين سنة ولم تتحطم سفينتي في زمن مبكر ولم امشي في جنازتي وحدي بعد ...
طرق الموت ابوابنا واخد الاحبة من بيننا وهو يوعدنا بيوم سيكون دورنا فيه ..لوح الموت بكفه لنا ومضى بالاحبة فهل اصابني بعطل ما ؟!..هل اينع في حرقة مخصوصة او اسئلة محرمة ؟!..لا ادري ..لكنه عرضني للكثير من القلق الذي لا لازمة منه او له ...فعندي سيان ان اكون اول حصاده او ينظرني الى حين وان يعز علي ان يورثني دور الشاهد والذي يرحل متاخرا دونما فائدة معلومة ترتجى ..
لاججتها ببعض التخابث وانا ادافع عن حقي في ان اسبقها ولو لهذه المرة في ان ارحل قبلها ما دامت كانت تلاحقني دوما وتندفع للامام وتسبقني دوما وفي كل شيء وكنت مقدرا جيدا لبعض دواعي فانا مثلا لا احد ينتظرني مني شيئا بعد..وانا شبه نكرة ..وفرع عقيم ورحيلي لن يحدث رجة او ضجة ..ولا اخالها لم تفهم مني صدقية اسبابي او لم تحس بمرارة اسئلتي ...
اعقل انها رفضت مني ما قلت به في نصي الموسوم ب"ارادة السلمون " وانها رات مني ميلا بلا داع للتشاءم وللاكتئاب وانها مع ارادة الحياة مهما كان ..
كنت اضحك من خواطرها واستخف من هواجسها واردد اماها بان حياتها من قبل الان مجرد منحة ربانية او مثل تجميع للوقت بدل الضائع ..وانها يجب ان تعيشه كذلك كاجمل هدية يمكن ان تقدمها الحياة لها ....
كنت ادرك فداحة الاحساس بان الحياة تنحسر من بين ايدينا وتسلب منا دون ان يكون لنا اي اختيار ..
كنت اتصور عن قرب معنى ان نقيم جنازة مفتوحة لنا وان نعشها بازمان وان يحصل ان نودع انفسنا وكل شيء عزيز علينا وكل حبيب على قلبنا كل يوم وكل لحظة لكنني لم اتصور ان يحصل ان نصمت قبل حدوث تلك النهاية..وان اابى على نفسي ان احتفظ لها بصور في ذاكرتي وهي تعيش نهايتها وتتخبط في اشرس الام واوجاع وتعاني الرحيل ...
كنت ادرك ان لا فائدة في التعلق باي امل ولا حاجة لاموه الحقيقة كما ترتسم امام اعيننا جميعا ..
كنت اعاني انتظار ساعة الصفر وبقلق وحنق شديد اريدها الان وليس بعده او بعد بعده ...وصمت لانني فجاة وجدت ان كل ما كان ممكن قوله قد قلته ومن قبل الان وانتهى كل ممكن بيننا وتفاصيل صغيرة كل ما تبقى لها وكل ما عساه سياتي علينا ..
اعتصمت في البعاد والصمت وانا فيما يشبه الذهول الذي لا فائدة منه لانه عبث ان اسمي الاشياء بغير اسمائها ...
وذهبت ..مضت ..عبرت ..وانتهى زمن الامها ومواتها القاسي على كل من من حولها ولم يهمني ان اعرف لا اخر ما قالته ولا ما نظرت اليه ..لم افكر حتى فيما تراها ستكون كلمات وداعي لها وهل ساجرا على تصوره كذلك .وانا احدس انها لن تذهب بعيدا عنا وان ستكف عن التواجد بيننا كنا كنا نعهده منا وننتظره ونتفق على حصوله ..
ببساطة اختفت ..غافلتنا واجادة لعبة استغماية هذه المرة للا تتركنا لغير تصور اين يمكن لهذه الصغيرة ان تكون قد اختفت عنا ...!!؟..
لا فكرة لي مع من ستكون في هذه اللحظات لكنني اتصورها حتما ستكون لجانب احبتنا الذين شاء لهم ان يغيبوا عنا لابد وجودنا نحن ...وفي ذلك سعادة ما وانتشاء اخر ...
لم يخطر على بالي انني سانسحب خلف كلماتي لاطرق سبيل عزائها انا لم استحسن في يوم ممارسة اي طقس اجتماعي لم اتعلم في يوم الرقص ولا صوتا كان لي يجيد الغناء وكنت دوما لا اجدني في غير موقف الحزن والبؤس في كل اعيادنا ومناسبات افرحنا ولا اقوى عل قول جملة واحدة مفيدة في اي عزاء لفقيدنا او فقيد اعزتنا ..كنت دوما ارفع كتفي بالكثير من القلق وببعض اللامبالات وانا اردد داخلي بانني ارعن وابله ولم اتعلم في يوم المحابات ولا المواسات ولا كنت اجتماعيا بالمرة مهما تظاهرت او حاولت ذلك ...
ثقل كبير علي هذه السنوات التي احمل والتي تكون عمري والمفروض انها تاريخ خاص بي ..كل الذي اعقله يظهر لي انه خاص جدا وبدائي ونوع من الهذيانات او مجرد ضلالات وخطوط زائفة ..لقد لزمني في كل مرة ان اعيد النظر في كل احداث عمري وما مر بي حيث كنت انتهي في كل ما من مرة على الشك في تفاصيل بعينها ووقائع بحد ذاتها ان هي حصلت معي او لم تحصل الا تخيلا او توهما مرضيا ولا اعرف سبيلا اخرا لاستبين منه او عبره على وجه اليقين ما حصل معي او لم يحصل معي ...للان ظلت ذاكرتي ملعونة وتتلاعب بها الاشباح وانصاف الحقائق ..فالذي ممكن ان يكون قد حدث غير تماما ما امل ان يكون حدث معي وعلى ذلك النحو وبكل تلك التفاصيل التي الفقها او استمثلها ...
الذي انتهيت بان اعلنه للمقربين مني بانني بعد متعب ومريض واتابع علاجاتي دون امل حقيقي في ان اكف على ان اكون كذلك في يوم من الايام ..وكانني بذلك ارفع الحرج عن نفسي واجانب ان اساء الفهم اكثر مما ينبغي علي ان اتعرض له ...والذي جاد في ان لا اتعرض له هو ان يكون هناك بعد من سبب يدعوني لابرر في كل مرة احد تصرفاتي او اعلل وجودي او نظري للامور الطبيعية في حياتي ...لقد كنت صادقا لابعد الحدود ومع الجميع لذلك اابى على نفسي ان اعرض من جديد لتقديم الاعتذارات دونما معنى لذلك ...
انا انتهيت من قبل الان ومن وقت جد طويل على ان اتسابق مع اي كان وعلى اي هدف كان او غاية او قيمة او امر او شيء ما ...وارتضيت لنفسي ان اعيش فقرا وقفرا ووحشة وان اودع كل الاحبة وانا بعد المحهم وانظر اليه وتاتيني اخبارهم للا اوجع فيهم وللا اعيش دفعة واحدة اسى افتقاد وجودهم في دنيايا ومعي او بجواري كما كانوا في زمن اول قاطعته وانتهى على ان يكون ...
اعاني بازمان وحدتي وعزلتي وغربة ايامي كصوفي تعيس او ماجن سفيه منبوذ ..يستغرقني الماضي معظم الوقت ...ما من حاضر ياخدني اليه لامل معه واترجى فيه ...اجريت من زمن مبكر كل المراجعات الضرورية للخلاص والوقوف عند انتظار الرحيل ...ما من اسى حقيقي على كل حياتي ..لقد عشت حياتي بما كانت هي عليه وانتهينا ..لا حقد ولا ضغينة ..لا ندم كلي ولا كل الرضى ...وينبغي لي ان اشعر بسعاداتي على اي حال لمجرد انني للان لا زلت هاهنا ..بكيفما كان هذا الهاهنا..
لطالما اتعبني وارهقني بشدة التفكير في الاتي والغبن بكيفيات امكان ان اتدبر امور الحياة معي وكان الافق يرتسم امام عيني مظلما ومتكسرا ..وتبدوا لي حياتي مجرد معركة خاسرة مهما حاولت ...ولم يحدث معي للان اي من تلك السيناريوهات المرعبة التي كانت تقحمني في دوائر من التشنجات والهوس وتفتك بقدرتي على التحمل دونما وجود بديل اخر اطرقه او انشد اللجوء اليه ...حدث ان اخدت حياتي منعطفا بسيطا ويسيرا وهادئا وكانني اتلقى كل انصاف وعدل واهدى صبرا جميلا بعد كل الذي صار وكان وحدث معي واقعدني مكسور الجناح اعاني بلا طائل هم الوجود وقلة الحيلة ونفاذ الصبر ...
" لست وحدك ... " ..قيلت لي باجمل المعاني واقدرها على النفاذ الى الصدر والنفس والنبض ...فماذا يلزمني بعد للا احني راسي وارنوا قليلا الى موقعي من الارض ..!!؟ .هكذا انجزت المصالحة وهكذا رفعت كلتا يدي الى الاعلى مستسلما لاي اتي له ان ياتي وسياتي ....
انتهيت لاشبع عيني بجمال بهي لدنيايا متجاوزا كل الرغبات العنيفة وكل تلك الاحلام المجهضة والخيابات المتوالية ..رقت لي حياتي وتسامحت لابعد حد مع نفسي ..اعرف الان ان الحياة ابدا لم تكن عادلة ومع الجميع وان الحياة هينة ومقدور عليها مهما تغيرت وتبدلت وتلونت معنا ..سهل ان نعيش كما كان يتراءى لي دوما وان ليس بالامر الهين بالمرة الطريقة التي نتصورها لهذا العيش ولا كيف نريد نحن عن حق ان نعيش ونحيا ...
في لحظة او لحظات معينة نشبع من كل شيء ..نشبع حتى من مدى استشعارنا للحرمانات وللنقص وتغدوا كل تلك الاسوار العالية والحواجز التي تصدنا وتمنع عنا وتحدنا مجرد بناءات اتفق وجودها بكل ذلك العلو والجبروت لتازم نظرتنا وتخلخل بعض الشيء من انواتنا ولتثير شيئا منا ..قوانا على المحاولة لفعل شيء او اي شيء عوض الاستسلام والقبول بالهزيمة دونما الجراة على المحاولة والمغامرة والتجريب ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق