الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(23)..قرار الابتعاد عن حنان"هذه.."/تابع :9-1


 

يوميات: عوالمي السرية..(23)..قرار الابتعاد عن حنان "هذه .."/تابع: 9-1


 عدت لانتظامي العام الاجتماعي ..احرص على الظهور في اول الصباح مثل جميع الخارجين الى وظائفهم والى مدارسهم ...ابادل تحية الصباح من اعتدت السلام عليه ... اتحصل على نسختي من الصحيفة اليومية التي كان يهمني الاحتفاظ على اعدادها للاشتغال عليها لاحقا ...ثم ادلف المقهى ... التي أصبحت واحدا من وجوهها..وطلبي معروف مسبقا ..."محمد بنكبور " سهل لي تكوين خطاطة ذهنية معرفية أولوية عن مرتادي المقهى الدائمين بحكم انه سبقني للجلوس اليها على مدار شهور وباعتباره يكبرني سنا وابن المدينة الذي عاشر وتعرف للكثيرين ... كنت قد قررت بيني وبين نفسي على أن أصل اليهم باجمعهم وان اتعرف عليهم وان اكسب ودهم ..لذلك كنت متنبها لاجمع عنهم اكبر قدر من المعلومات وكانت وسيلتي في ذلك الاعتماد على الملاحظة لسلوكهم الخاص ولسلوكهم الاجتماعي وتسجيل عادات كل واحد منهم وتتبع مزاجهم النفسي وما يستهويهم من مواضيع في الصحف التي كانت توفرها المقهى ويتم تبادل قراءتها والتعرف الى مخالطيهم ونوعية علاقتهم الخاصة ..كان يلزمني فقط الوقت والتصرف على اريحيتي دون استنفار ..لم اقم بالخطوة الأولى الاجتماعية للتطبيع معهم وانما اعتمدت أساسا على كسب ود واحترام صاحب المقهى والعاملين بها وهولاء من غدوا يمدونني بالمعلومات التي لم يكن ممكنا ان اعرفها وهي مستقات من حوادث حصلت في اونات سابقة وغالبها يعود لبداية اشتغال الناذل بالمحل او لبداية مداومة الزبون على المقهى ..وهكذا بدا يتجمع عندي تقريبيا عناصر تكوين بطاقات شخصية لكل واحد منهم ...بطاقات تصنيفية  نوعية  تهم الانتماء او الاختيار السياسي ..العضوية النقابية ..طبيعة العمل أو الوظيف المزاول..مشاكل العمل ..الالتزام الديني الشكلي ..الوضعية المادية ..الحالة العائلية والمدينة .. الحالة العاطفية ..مستويات التفاعل الاجتماعي ونوعياته .. الحالة البسيكو سيكولوجية : الادمانات ونوعية التعاطي وظروفه ...العلاقات العابرة ...السلوك الانفاقي ...سلوك الظهور الاجتماعي ومستواه ..التعاطي مع افراد دائرته الخاصة : الزوجة ..الأبناء ..الإخوة ..العائلة ..

عندما كان يهمني فرد من الرواد باعتباره وجها من المدينة انقل بحثي حوله ل"محمد ولحميدوا بنكبور "..ومع حرصي لعدم الاخد بكامل الرواية الاجتماعية الشفاهية الا انها كانت تكون فرصة للبحث في تاريخ المدينة الاجتماعي..واستكمال ملفات قديمة بحوزتي وربط الوقائع ببعضها وتمحيص القريب من الصحة من المستبعد ...

استعاد معي "محمد بنكبور "العديد من اهتماماته التي طالها النسيان وشيء من التقادم مع كامل انغماسه في حياته المهنية والزوجية ومع دخول علاقاته مع مجموعته لمرحلة التعاطي الروتيني ..اصبح حريصا على أن يشاركني الجلسة الصباحية والمسائية ..ونقاشتها المختلفة الطبيعة كما نخرج سوية لقضاء الشرفة الاطلنتكية وللمرور بعدها على فضاء المدينة القديمة وساحة دار المخزن وننتهي اما بالقرب من حي سكناه او حينا ..

ظهوره معي اعاد لي اجتماعيتي وساهم في استعادة علاقات قديمة وامكان تطوير علاقات اخرى كانت فقط تعرفية ومناسباتية ...ادخلني في مجال علاقاته الاجتماعية العامة على مستوى الحي الذي تربى به والذي يوجد به مسكن والديه وإخوانه ..وعلى مستوى المدينة ككل.. أصحابه القدامى ..زملاء دراسته ..زملاءه في الشركة والمنظوون منهم في نقابة الاتحاد المغربي للشغل.. صاحباته السابقات ومن لازال محتفظا بعلاقة ودية بهن ...السوق التي يتبضع منها وأصحاب المحلات والدكاكين  الدين يفضل التعامل تجاريا معهم ...

كان بيننا نقط نتفق عليها تخص حقل تعاطينا الاجتماعي واسلوبنا في تقديم بعضنا اجتماعيا للاخريين ..والتعريف المقتصد والنوعي عن شخصية من تقدم منا او حتى عبر من جانبنا وعليه علامة او معروف بخصيصة ..."محمد بنكبور "كنت قد طورت معه علاقة متميزة من اول تعرفي عليه وهو يرتاد دار الشباب الراشدي ويعرج على مقرات الندوات والمحاضرات ولو ليتابع لبضع دقائق وينصرف ..لكن مرحلة انخراطي  مع الاستاذ بديع محمد في حزب الحركة الشعبية قربني اكثر من "محمد بنكبور"وكل أفراد مجموعة ليكسوس الغنائية التي مهدت لتأسيس جمعية ليكسوس للثقافة والفن بالعرائش..حيث افسحت لهم المجال لعقد تداريب موسيقية لهم بمقر الحزب كما ساهمت في تنظيم سهرة لهم في إطار ايام ثقافية إشعاعية نظمتها الشبيبة الشعبية التابعة لحزب الحركة الشعبية..   كان يعرف انني مهتم بان اعرف كل من يتحرك في مجال رؤيتي العامة الاجتماعية انطلاقا من فهم بسيط مفاده أن كل واحد تمرق من مجال رؤيته يكون نحوك انطباعا سرعان ما يتحول لموقف عاطفي او سياسي..وكل واحد تدخل دائرة تعاطيه الاجتماعي المهني الا ويبدي اهتماما بمعرفتك ان لم يبدي انه يعرف عنك بعض الاشياء..كما ان ذاكرة الناس خطيرة لانها تعمم وتصنف وتحاكم  وتحاصر وتستبعد انطلاقا من موقف كل واحد الشخصي التفاعلي مع المجتمع ومن ما يشكل قناعة او اعتقادات خاصة لدى الفرد ذاته ....وبمثل ماهم يعقلون يبقى ضروري حتى نحن ان نعقل وان نتدبر تفاعلاتنا المجتمعية ...كنت صريحا معه للحد الأقصى الذي يمكنني ان أذهب اليه ..كما كنت اسس محادثاتي معه على تناولات معرفية وعلمية نفسية واجتماعية وتخصصية تنهل من علم الاجتماع السياسي ومن الدراسات الاستراتيجية السياسية والأمنية والجنائية ...لا اولي اهتمامي بالمعلومة الشخصية وانما احولها إلى مدخل للمناقشة في الحقل  المعرفي الذي تحيل عليه او الذي يؤطرها او الذي يقرا فيها كظاهرة اجتماعية ...وكانت هذه النقاشات الجادة هي ما تهمني لانها كانت تجعلني بداية دائم المراجعة لافكاري ولما وسبق أن درسته ولانها كانت مستهدفة بذاتها فانا لم اكن استعرض قدراتي المعرفية وانما كنت اعرف انني متوجه لتأطير مخاطبي وتكوينه بشكل او باخر ونهاية كنت اعرف انني استهدف استقطابه لجهتي .....

في هذه الفترة استطعت ان اضبط تعاطي للأدوية والعقاقير النفسية وقلصت الجرعات للحد الادنى ..لم اكن اخد الا ربع حبة "ارتان 5منغرام "كل صباح وربعا اخرا اخر المساء واكتفي بحبتي "لكزوميل 3منغرام"اول المساء ..اما للنوم فقلصت جرعة دواء "نيوزنان 25 منغرام"من جرعة 100منغرام الى النصف ..كما لم اعد امر على قسم المستعجلات لاخد الحقنة المهدئة ااجلها في كل مرة للمرة التي اكون في اشد الحاجة إليها وقد يحدث أن تمر اكثر من عشرة أيام دون أن اخد حقنة "ديازيبام "..

كنت اعرف ان التعاطي الاجتماعي النشط يستهلك مذخرات الفرد المعرفية ويغرقه في الإستذكار والاسترجاع  والاجترار لخطاباته وافكاره لذلك كنت حريصا على أن استعيد تكويني واعيده وعملت على محمولات الجريدة اليومية بتحليلها وبتكوين ملفات لقصاصاتها والاستزادة على ذلك بالقراءة في الاطر النظرية المعرفية المحيطة بها ...واخدت اداوم على استعارة الكتب من مكتبة وادي المخازن والبحث عن كل شيء يقرا عند اصحابي واصحابهم لاقراءه ...كما كنت أستعين بمكتبة اخي "خالد"للتزود بالمراجع القانونية ...

لم تنتهي حساباتي مع بعض افراد التنظيم الاسلامي المحضور الذين كانوا مصريين على مواقفهم المعادية للنظام العام للبلد..والذين مع الاسف كانوا غارقين في احلامهم المثالية و لا يمتلكون اي تصور عملي جاهز وقابل للتطبيق..حتى فيما يعتقدون أنهم يكابدون  ويجاهدون في سبيل تحقيقه ..ونصرته ..كما كانوا عبثا يناصبونني العداء لانهم كانوا يعرفون انهم موضوعون تحت قوائم المراقبة وكل تحركاتهم محسوبة عليهم وسهل جدا تقديمهم للعدالة بتهم تمس سلامة امن الدوله..هؤلاء تبلبلت حسابتهم لانهم كانوا من جملة احلامهم السياسية المراهقة يحلمون بالاعتقال السياسي التعسفي ومؤازرة المجتمع المدني والاعلام لقضيتهم لم يكن في حسابهم انهم بعد ان يكشفوا سيتم اندارهم للقيام بمراجعة فكرية وسياسية واجتماعية وسلوكية ان بعد في عزمهم ان ينخرطوا في المجتمع وفي دورة اقتصاده ووظائفها ويتمكنوا من ممارسة كامل حقوقهم السياسية والنقابية والمطلبية الحقوقية ...كانوا طهراننين بشكل لا يحيل الا على كم العقد النفسية التي يعانون منها وكم الكبت الجنسي القابعين تحث ضغطه ..كانوا يعتقدون في انفسهم انهم نزيهون وصادقون وعلى كامل الصواب بخلاف أغلبية المجتمع الخانع بارادة الحكام ...كنت أعرفهم في اشد خصوصياتهم وحتى فيما احكموا عليه من اسرارهم وقدفوا خارجيا بمفتاحه ...لانه هكذا كانت علاقتي بهم منذ الأمس البعيد منذ ان كانوا اطفالا ..هم كانوا اطفالا وانا كنت اراقبهم ..انا كنت خارج المشهد كالمقصي من نشاطتهم..هم كانوا يربون عضالاتهم ومهارتهم في العراكات وانا على هامش الساحة الترابية للمدرسة الابتدائية  ..هم كانوا يشحدون افواههم بالسباب والكلمات النابية والالفاظ التنمرية وانا صامت لا ارد حتى وان وصلني منها عيارات ثقيلة ...هم كانت لهم قصبات صيدهم وخيوط سنارتهم واسلوبهم في المشي ونزول البحر والترفع عن مخالطة الغير ...وانا بجانب اختى وبنات الحي واصحابي من اقران الحي ..هم كانوا يعتقدون في انفسهم كبارا وانا لم اكن في نظرهم كما من يدورون في فلكي غير صغار براهيش ..هم قبل أن يرتدوا لدرب الحق كانت لهم كل ليلة وقفاتهم براس الدرب لتذخين لفافات الحشيش والكيف ..ومنهم من كان يقف لسور المقبرة المسيحية ليشرب النبيد..هم لم يكونوا افضل من الاخرين الذين يرتادون الحمامات الشعبية بحجة الغسل والطهارة وتغيير الزيت والدلك وهي الكناية الشعبية الدارجة على الممارسات الجنسية  الشاذة بالحمامات ...هم هكذا فجات اهتدوا الصراط المستقيم ووعوا بان النظام كافر والمجتمع كثر اشراكه  ولابد من إقامة دولة العدل والاحسان .. 

كانوا ملئ بالتناقضات وببساطة مشحونون ايديولوجيا لم يكونوا متابعين للوقائع والاحداث السياسية والاجتماعية   ..لم يكونوا دارسين للتاريخ السياسي والاجتماعي للبلد ..وحتى من كان فيهم يطالع كان انتقائيا وموجها في قراءته ..كانوا يحكمون على الامور بمنطق واحد مجتر محفوظ عن ظهر قلب تشربوه من الأشرطة الدينية والدروس والمنظارات المحملة على اشرطة الفيديو ومن مجموعة محدودة من الكتب والكتيبات الممررة بينهم على اعتبار أنها سرية ومحظور تداولها ..كان حتى ادلاء الراي في قضية سياسية أو نقاش عمومي وطني او دولي كفيل بانتظار ما سيصدر من مجلس ارشادهم ويبلغوا به شفاهيا عبر مجالس الجماعة والخلايا اثناء الدروس الجماعية التي ينتظمون اليها حسب سن كل عضو ووظيفه او مهنته او عبر منشورات منسوخة خطيا .....لم يكن اغلبيتهم منفتحين على محيطهم او اقربائهم او مجايلهم واصدقاءهم لوقت قريب او بعيد ..كانوا اشخاصا انسحابيين وانطوائيين على غير اصلهم التنشوي ويعانون في صمت ..وفي حلقاتهم كانوا متحفظين من كل الاخرين لحد الوسواس وحتى داخل المساجد التي لم تكن كلها تحضى بشرعية الصلاة خلف امامها ..كانوا يتاخرون لخلف الصفوف لياموا صلاتهم بانفسهم ...كانوا متعجرفين ومتصلبين وغير متسامحين حتى في نظراتهم ...

حتى اكثرهم توددا اجتماعيا وابداءا للانسجام العام كان عازفا على مشاركة المجتمع في كل نشاطه من حيث أنهم يملكون البديل لكل شيء ووفق نظرتهم للصواب ...وعلى الجميع ان يتنازل عن اختيارته ويتبع طريقهم ومنهجهم السديد ..

ظل بعضهم يترصدني ويقصدون التهجم اللفظي علي واعتراض سبيلي ومحاولة استفزازي دون ان يتطور الأمر ويخرج عن السيطرة ويمر للفعل...كانوا يعتمدون ارهابي نفسيا وهم يترصدون دخولي للحي  او وهم يحمون  حول الأماكن التي ارتادها ...

كان وضع مرشد الجماعة تحت الإقامة الجبرية وتشديد الخناق على مجلس ارشاد الجماعة بالإضافة إلى الاعتقالات التي طالت قادة التنظيم الطلابين بمختلف جامعات المملكة والهجوم الشرس التي تعرض له التنظيم في جهة الشرق والذي طال حتى الفرع النسوي من الجماعة وسلسلة الاعتقالات والتحقيقات التي عرفتها على الخصوص مدينة طنجة في حقهم ادخل الجماعة في حالة فوضى وقطع الاتصال بين قيادتها المختلفة و الخلايا المنتظمة محليا في كل انحاء البلاد حرصا على سلامة عناصر التنظيم ...ومحليا بالعرائش عادوا بدورهم لسباتهم وكل ينتظر او يتوقع أن تأتيه الضربة الموجعة ...بدو حادرين وناقمين ومستعديين لكل ما يشكل او يمثل السلطة أو أجهزة الأمن التي خرجت للواجهة متتبعة ومراقبة بشكل علني لكل نشاط ديني سياسي واحكمت مراقبتها وسيطرتها على كل مساجد المدينة ومحيطها .. ومانعة الترخيص لاي نشاط يشتم منه رائحة الاسلام السياسي ...حتى وان قدم بأسماء وصفات الغير المعروف عنهم بالانتماء للجماعات الإسلامية ...

وكان اكبر مقلب تعرضوا له إقليميا ان فيهم من قبل للتوظيف على مستوى بلديتي الاقليم كموظفين جماعيين تابعين لوزارة الدولة في الداخلية والتحقوا بوظائفهم التي كانت بلا عمل حقيقي يادوه ..كان المطلوب منهم المداومة على الحضور للمقاطعات ولمقر البلدية دون ان يوفض لهم اي عمل اداري او اتصالي بعموم طالبي الخدمة ... على انه كان مفروض عليهم الانتظار لمدة احدى عشرة شهر على اقل تقدير لتسوية اوضاعهم المالية وبداية تسلمهم لمرتباتهم ...لم يكنوا من من قبلوا في مباريات الدخول لمدارس تكوين أساتذة التعليم الاعدادي او الثانوي ولا الابتدائي ..كما لم يقبلوا في مباريات التوظيف المحلية كاعوان للصحة او في باقي الادارات العمومية التابعة للمصالح الخارجية للوزارات ...هي فقط وزارة الداخلية من رحبت بهم واركنتهم جانبا تحث الدرس والبحث وعمليا تحت وضع المراقبة وتتبع المآل...

اما على مستوى جامعة تطوان فكان قوات الأمن جاهزة على الدوام للتدخل العنيف في حق اي تحرك جماعي يخرج عن حرم الجامعة ...في جامعة مارتيل كانوا محاصرين بجغرافية البلدة الصغيرة ومحصية  عليهم تحركاتهم والعديد من الناشطين المعروفين منهم فضلوا ترك البلدة والجامعة لحين تتغير وتلين الاوضاع ...

كان النظام الامني بالبلد قد أعلن الحرب على التنظيم وعلى كل الجماعات المدعمة من الخارج ..ومحليا واقليميا تم منعهم بصفة عامة وغير محددة من مزاولة اي نشاط سياسي او جمعوي داخل اي مقر عمومي او نقابي او حزبي اللهم من كان قد تسلل من زمن بعيد لمكتب من المكاتب الحزبية المحلية أو الإقليمية او لمكتب نقابي فرعي ..وحتى هؤلاء تم محاصرتهم من قوى اليسار الديمقراطي والتيارات التقدمية والقاعدية التي كانت قد بدأت سيطرتها على مختلف المكاتب والواجهات السياسية وتمثيليات المنظمات والجمعيات الوطنية ..

الذي اعقله جيدا واقف عنده عن كثب هو التوقيت الذي قررت فيه ان انسحب من المهمة وان اخرج على  ارادة الإدارة ..كان الظرف جد حساس وكانت معركة للنظام لم يعرف فيها هوادة او تسامح مع الجميع ..لا أحزاب معارضة ولا تيارات.سياسية يسارية ونقابات كما الجماعات الإسلامية....كان من الممكن الاعتقاد ان اللحظة الراهنة لحظة تصيد فرص بالتنسيق مع كل الجهات التي تخوض الحرب واللحظة فرصة لاثبات ولائي وتقديم نفسي كورقة رابحة..لكن بالرجوع لكيف يضرب النظام وليكيف ترتب المحاكمات ولكيف تراجعت الصحافة عن خطها التحريضي ...كنت افهم ان دوري انتهى لانه كان ناجحا وبامتياز ...النظام لا يضرب بقوة وتركيز من فراغ ..النظام لا يستعرض قوته في شوارع الرباط ويطوق الجامعات والمركزيات النقابية وانما وكما كان يؤكد عليه باستمرار يؤكد كامل جهوزية لصد اي اعتداء على النظام العام ...هذه الحرب التي كان ياخدها النظام كانت في مرحلتها المكشوفة وليقول فيها كلمة الحسم .."اننا لا نلعب او نتراهق سياسيا" ..لان هذه الحرب كانت تقف خلفها جهود استخباراتية واستعلامية وامنية وامتدت على سنوات قبل أن تصل الى هذا الفاصل ...وبالنسبة لي كانت اللحظة المناسبة لارفع يدي وان انسحب بصمت حتى ولو كان خروجا قد يقرا على انه ليس في محله فانا نظريا اضحي بالفرصة الذهبية لتسوية وضعيتي الرسمية مع الإدارة حين أن المسألة مسألة وقت ليس الا كما كانوا يخبرونني ...على أنه خروج معدوم دون جني اية مكاسب او مكافاءات ...بل وخروج قد يعرضني للخطر المزدوج من طرف الإدارة ومن التنظيم الاسلامي المحضور على الاقل ان لم يكن من جهات اخرى ...

كانت اللحظة المناسبة لاعبر عن كامل ولائي بطريقتي الخاصة ولاقول عنه انه ولاء خالص ...وواحب وشرف لي ان اكون ساهمت في الاعداد لهذه الحرب التي لازلت على قناعة بأنها حرب مشروعة ضد حاملي مشاريع تريد ان تدفننا  بالحياة وتقتل فينا اي روح للاختلاف والعيش بامن وامان وبنعمة الحرية ...

كانت اللحظة المناسبة لاقول ببساطة للسيد العميد اذكر انني ساعدتكم ومن تلقاء نفسي قدمت وضحيت وبدون مقابل ...وان لي الاوان لالتفت لحياتي ومستقبلي ...

لم احاول الدخول في سجلات مع الإدارة لا مجال لتبادل العتابات والمؤاخدات ..لا مجال للغة انا اعرف اللعبة مادمت دخلت اللعبة وانا اعرف انها لعبة ذكاء ومكر ودهاء ...ابقيت على كامل احترامي للسيد العميد ابادله  من بعيد التحية والاحترام ..كما ابقيت على علاقتي الشخصية برجل الإدارة "سي احمد"ازوره ببيته في مناسبات الاعياد للمعايدة والسلام كان يحاول من بعيد لبعيد ترطيب خاطري بعد ان تيقن من عدم امكانيه ثني عن قراراتي ...

كنت اهتم لحد الغم بما عساني ساخبر به "حنان "... كيف ساقنعها بانني اتصرف بصواب ...وبانني هكذا لا اعرف كيف يستهويني الطريق الصعب ولا اقنع بالفتات ولا بالصداقات والاكراميات ...ولا كيف اطلب منها ان تنتظر علي الى أن يخف الحصار علي وهي كانت تراني في عيني ..في حقيقة دواخلي وتدرك كم انا اعاني من الضغوط ومرعوب ومستفز ...  

بصدق كنت خائفا عليها من ان يمسسها سوء بسببي وان ينتقم مني فيها ...كنت اعرفها حادة الطباع وغير متسامحة مع من لا يحترمها وسهل استفزازها والنيل منها بالاذى..وفضلت ان اخبرها بقرار ان نبتعد عن بعضنا البعض لحين تهدا الأجواء ..

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(22)..بعيدا عن حنان "هذه.."../تابع :8-1.


 

يوميات :عوالمي السرية..(22)..بعيدا عن حنان "هذه .."/تابع :8-1


 كانت فلسفتي في العيش بسيطة جدا ..لامجال لتضيع اي وقت في انتظار الذي ياتي ولا ياتي ..لاعيش حاظري ولاتفنن في عيشه لاهتم ببناء ما سيصبح حاضرا عما قريب او عما بعد ولاعيد باستمرار النظر في الذي كنت اعيش عليه ...

كنت اضجر سريعا من حالات الغبن التي اشعر بأنها تحاول السيطرة على تدوقي الحياة ..وتحد من امكانات تعاطي مع من حولي ومع ما حولي من موجودات واشياء ...وسرعان ما ابدا في أعمال عقلي وخبالي لتدبر وسيلة لتجاوز تلك الحالات ..حتى ولو كان ذلك ببعض الفوضى ...

كان يكفيني القليل من الوقت لاختلي بنفسي واعيد تجميع الصور واشكالات المواقف التي وجدتني فيها وتحصيل الانطباعات المؤثرة في لتفكيكها وإعادة انشاء تصور جديد للمرحلة القادمة وتبين الافاق الممكن ان الجها في المستقبل القريب ..ثم اعيد تغيير زاوية تفكيري لانغمس في الحاضر ولابدا التخطيط في كيفيات قضاء باقي اليوم بمثل ما لم يكن الامس ...

كان يكفيني رسم الخطوط العريضة للاتي والثبات على تحقيق اهدافي القصيرة الامد وازالة اي ضبابية من تصوراتي وانهاء انشغالي الذهني السطحي ..ثم الانطلاق في كسب يومي ..والتعويض علي مما ارقني في امسي القريب ...

غيرت المقهى الاثير الذي عشت فيه المراحل السابقة من عمري وتطوري بكل ما كانت تتطلبه من تكثيف وتعميق لتجارب التفاعل الاجتماعي والوجداني ..غيرته لسبب بسيط هو ان المرحلة الجديدة تتطلب اجراء العديد من التغيرات في كل انماط تفاعلاتي الاجتماعية بما لا مناص معه من ان اتعرض بدوري ..في دواخلي ..في نفسيتي لعدد من التقلبات المزاجية ومن الاختبارات للضغط النفسي والتوثر ...لم اكن حساسا لاحداث تغيرات تامة في ايقاع حياتي بالقدر ما كنت اظل متيقضا ..مراقبا لكل ما من شأنه أن يشكل فرقا معي واختلافا مثيرا لاحساسات جديدة أو يحدث نكوصا ما داخلي ...بالإضافة إلى اهتمامي الزائد بمواءمة حالتي النفسية مع المتغيرات المادية على أرض الواقع وفي اشكال تفاعلاتي الاجتماعية ...

كنت انخرط مع اول استقرار على راي في موضوع التغير لاباشر خطواته الأولى واترك امر التكيفي واحراء التعديلات عليه لما سياتي اول باول ...

انتقلت من مقهي "لاكوسط "الى مقهى قريب منه يقع بشارع جانبي قصير ..مقهى "التطواني "..ولم يكن اختيارا اغتباطيا وانما مدروس وبعناية...حرصت في الفترة الأولى على أن لا اعطي الانطباع انني ميال للجلوس  لوحدي كما قد يلاحظ علي حيث كنت أرتب مع صديقي "الشريف "امر ان يمر علي ولو ليجالسني بضع دقائق وينصرف .. 

حرصت على ابتياع جريدتي اليومية الوطنية "الاتحاد الاشتراكي " والمجلات الأسبوعية والشهرية العربية التي لا تكلفني مبالغ كبيرة ونظمت  تزودي  بالكتب من مكتبة وادي المخازن بحسب احتياجاتي الآنية لما كنت اجد انني بعد في حاجة للتزود بمعرفته او إعادة قراءته والنظر فيه من الموضوعات التي كانت تثيرها في القراءة المتمعنة للجريدة اليومية ..  

كنت ارسم خطا محددا ومقتصدا لسيري وتحركي خصوصا لما اكون لوحدي ...ولا اغامر بتغييره الا في الضرورة القصوى ..كنت محتاجا لارسخ نمط تحركي اجتماعيا وابني علاقات نظرية مع الجوار الذي اتحرك فيه ...

المقهي الذي اخدت ارتاده  مفتوح على أن انظار المارة وعلى مخبزة ملحقة به ..اتخدت لي زاوية تضيق إمكان ابصاري من الخارج بعكس الداخل للمخبزة  الذي اول ما يقع نظره عليه اكون انا لما يتطرق بنظره ليتفقد المقهى الواسع ..

كان المقهى يقع اسفل عمارة سكنية متقادمة احدى شققها مكتراة لصالح المحكمة الابتدائية ومخصصة لسكن وكيل الملك ..وباب المقهى ونوافدها الزجاجية الكبيرة مفتوحة مباشرة على درج ينتهى اليها شارع القائد احمد الريفي الذي يقع فيه مبني مفوضية شرطة المدينة ..وحتى ان لم يحدث أن يدخل بعض العناصر الأمنية ليحتسوا قهوتهم او لياخدوا فطورهم فلقد كان يصدف ان يمروا من هناك لياخدوا الدرج لمقر المفوضية ..كنت اعبر نفس الطريق على الاقل مرتين في اليوم وكان يحدث كثيرا ان اصادف من عناصر الشرطة من لي علاقة به واقف اليه على الاقل لمبادلة السلام والتحية والكلام اليومي ..

الذي كان يهمني في هذه المرحلة ان اعرف عن سير خطي وان تحفظني ذاكرة المتواجدين الدائمين بالجوار من باعة الدكاكين ومهنيين وموظفي القباضة البلدية وحارس السيارة وعناصر الامن النظاميين المدواميين على حراسة مبنى المفوضية ..وسكان الأحياء التي يخترقها الشارع الى أن ميل قليلا محولا اياه الى شارع سور الإشارة الذي يوصلني الى حي سكناي ...

ان يتحول تخمينهم الى شبه معرفة مسبقة من اين اتيت والى اين امضي وهل كنت برفقة احد ..كان يهمني ان اضمن معلومات تستسقى عني وعن سيري من هولاء ان استدعى الأمر أن يحقق اي احد او اي جهة عني ...كما لزمني في هذه المرحلة عنوان اجتماعي اعرف اليه ويمكن لمن اراد الاتصال بي أو أو انتظاري به وكان المقهى المنتقاء خير عنوان الصقه بشخصي واحيل عليه معارفي فهو مقهى مفتوح لكن على رواد من الجوار وليس على اي عابر سبيل وبخلاف ساعة الدروة في المساء فهو شبه فارغ الا من الحركة الإعتيادية لزبون يدخل واخر يخرج ...وحتى ساعات ذروة البيع بالمخبزة الملحقة به فهي معروفة ضمنا اول الصباح وساعة الغداء واخر المساء...كنت مستعدا لمعركة اخد مكان بالمقهى واثبات وجودي وكسب صاحب المقهى والعاملين به لجانبي مع رواد المقهى الدائمين  لذلك لم تاخد معي وقتا طويلا خصوصا انني في هذه المرحلة استعدت علاقات التلاقي مع اصحابي من مجموعة لكسوس الغنائية واخدوا يمرون علي في الفترة الصباحية او فترة الظهيرة التي اقضيها بالمقهى ويدعونني الجلوس اليهم في الفترة المسائية التي لها ايقاع وجو خاص اجتماعي في المقام الأول ..بينما كان الفترة الصباحية لقراءة وتصفح الجرائد والكتابة والمناقشة ...

اخدت انتظم على الايقاع الجديد..واضبط تدريجيا كمية ما اتعاطاه من حبوب وادوية .. تعاملت مع الإرهاق الذي وجدتني عليه اول بدايات انسحابي بالاكثار من المشي والحرص على النوم بالمنومات حبوب نيوزنان 25 منغرام بجرعات تصل الى 100 منغرام كل  ليلة ..واخدت ادوار اخر مساءات يومي كي لا الجأ لاخد حقنة "دايزبام "مهدئة ما أمكن ..في هذه الفترة من شهور فصل الشتاء الباردة والقصيرة ايامها كانت لقاءاتي ناذرة مع "حنان ".....كنت افتقدها بيني وبين نفسي واطمع في مقابلتها ..اظل مترقبا رؤيتها كلما قصدت المكتبة او كنت مارا  صحبة "محمد بنكبور "الذي كان معتادا دخول السوق الصغير عند مغادرته المقهى ..ربما كانت متعمدة  ان لا تتصل بي من حيث أنها تعرف انني منخرط في عملية تكيف جديدة وليست سهلة ...كنت ااجل جلسات الشراب للمرحلة اللاحقة ..ربما لحين عودة "محمد الشكذالي"من جامعته بالرباط معه يتشجع جميع اصحابنا على احتساء "الكونياك "المهرب والخروج للسهر في الليل رغم برودة الطقس والجو الماطر عموما .. 

كانت تجمعني نقاشات جانبية مع اعضاء من جماعة إسلامية محظورة بجوار حينا ..لم اكن اتحنبهم ولا اراوغهم في المحادثة التي يريدونها ..كان يهمني ان اتعاطى معهم بحسب الاعتقاد الذي ينطلقون منه ويدمرونه .. اعرف انهم يلمحون اكثر مما يفصحون ويحاولون كشف تناقضتي .او على الاقل احراجي وهو ما لم أمكنه منهم ..كنت ادرك محدودية فعلهم فهم يلوحون اكثر من استعدادهم الفعلي على المواجهة ..وهم الان ينطلقون من محظ شك ورببة انا من عمل على تقويتها داخلهم  بسرعة التحولات الظاهرية التي كنت اتعمد سلوكها ..والتي اوجدت صيغة مقبولة لاستساغتها بمقولة انني امر من فترات اضطراب نفسي ..مرضي وعادي جدا ان اعيش مثل هذه التقلبات والتحولات ...

عملت طوال هذه الفترة على تاكيد ابتعادي من الساحة وفي نفس الوقت جعله يبدوا انه ليس ابتعادا  بالقدر ما هي فترة استعادة للذات ومراجعة لها ..لم يعد هناك ما يدعوني لاتواجد بفضاء البلدية او العمالة ..على أنني كنت اتوصل بعد بالاستدعاء الرسمي للحضور لمتابعة. نشاطات العمالة في المناسبات الرسمية  بصفتي كمراسل صحفي لجريدة "الحركة

 "كنت حريصا على أن لا افقد متابعاتي للحياة السياسية الوطنية والنقاشات العمومية ..وان لا اتجنب خوض النقاش فيها مع من تنسوا مني ذلك كلما جمعنا لقاء ولو عابر بالشارع .. لكن مع الحرص على التأكيد انني مجبر على الابتعاد عن الممارسة السياسية أو الفعل الجمعوي للاهتمام قليلا بمستقبلي الخاص ..حاولت ان اعطي الانطباع العام انني اعاني من مشكلات أسرية واجتماعية وانني مضطر لاجراء التحول اللازم كمن اخيرا استجاب للضغوط الممارسة عليه من محيطه ..وفي نفس الآن اظهر شخصية أخرى مني اخدت في التمييع والتطبيع مع الحياة العامة الاجتماعية ..اصبحت مداوما على جلسات المساء صحبة أفراد مجموعة "لكسوس "الغنائية بمقهى "التطواني "..والسلوك العام بمظهر اخر ..مع اخوان "بنكبور "محمد وحميدوا ومصطفى وعزيز وعلي كانت علاقتنا متواصلة على الدوام ولم تنقطع ..ومعهم كنت قد طورت اسلوبا راق في التعامل والتفاهم بيننا ...معهم باجمعهم ومع كل واحد على حدى ...كنا لحد بعيد متواصلون مع بعضنا البعض وصادقين في سلوكنا ونتحدث في كل شيء وعن كل شيء ...طورنا لغة الكلام بيننا وقدرتنا  على الانصات لبعضنا والتحاور البناء ..كنت بقادر على ان اتعاطى مع اختلاف طبع ومزاح كل واحد منهما دون ان اشعره بادنى تصنع مني ..واستطعت في فترة بسيطة على حلوسي المستمر مع "محمد بنكبور "ان استعيد علاقاتي مع جميع اخوة بنكبور واصدقاءهم ..وكانت مجموعة كبيرة ..كان هناك "عبد الرحيم العمراني "واخوه "عبد الحميد العمراني "و"مصطفى البوطي "و"عبد الحميد خضور "و"عبد المومن ..."واخرون ياتون وبذهبون ....جلستنا كانت تكبر وتتوسع حلقتنا بزاويتي بالمقهى الامر الذي فك علي الحصار النفسي الاجتماعي من كبار السن رواد المقهى الدائمين المرتابون دائما والمستهون لان يصنعوا فرقا بين الجيل الذي ينتمون اليه وجيل الشباب جيلنا ..اصبح يمر علي على مقربة من موعد مغادرتي المقهى في فترتي الصباحية صديقي وابن حينا "سعيد الكوش "على مرور "الشريف "ليجالسني ولو لربع ساعة قبل أن يحول اتجاه لمقهى "سنترال "حيث رفاقه الذين تجمعه معه عدد من البرامج والنشاطات مصرون على أن يكون لهم مكان تواجد وحضور بمقهى "سنترال "منتدى السياسية المحلية والسمسرة في كل شيء...وعندما يصل "محمد الشكذالي"من الرباط ياخد الكرسي المحاور لي الا اذا كان مشغولا بانحاز فروضه الجامعية فياخد الطاولة المحاورة لي ليشتغل بحريته وبكامل تركيزه ..وشيئا فشيئا اخد كل اصحابي المقربين لا يلبثون ان يمروا علي من الحين للاخر ... 

كان علي ان اضبط المجموعة لكي لا نثير حفيظة من يشكلون المجتمع من رواد المقهى على مختلف مراجعهم  ومراتبهم ..ولكي لا نصطدم مع عقلية الباطورنة المستحكمة في راس كل صاحب ملك خاص مفتوح في وجه العموم ...ولكي يظل مرحب بنا في المكان وانا ان ناخد فيه كامل حريتنا ...فبحرصي  على أن اخصص الفترة الصباحية للكتابة والقراءة والمناقشة اخدت اشجع افراد المجموعة على الانضمام لي في هذه النشاطات واستحاب كل من "عبد الرحيم العمراني"الذي كان ياخد الطاولة اليمنى القريبة لي بينما ياخد "الشكذالي محمد"الطاولة اليسرى القريبة مني واخد الشريف يعرج في ساعة الظهيرة لياخد طاولة بجوارنا ليطالع في كتاب او ليحرب في الكتابة الأدبية ...ثم لا يلبث أن ننظم لبعضنا في نقاش موحد ...اصبح بامكاننا أن نجلب اشرطتنا الموسيقية لنستمع اليها بالمقهى بعد ان رحب صاحب المقهى بالامر وراقه دوقنا الموسيقى المختلف في انواعه واصنافه ...

نظمنا طريقة جلوسنا وتحاورنا كنا نرحب بان ننظم لبعضنا البعض لنترك المجال لرواد اخرين ونتنازل عن طاولات جلوسنا المعروف باعتياده  الجلوس لطاولة مخصوصة ..حتى طريقة دخولنا المقهى كنا نرتبها خصوصا في جلسات المساء العامة والتي نقصرها على المحادثات والدردشات والنقاشات لاصوات خافتة .. تحدث "لمحمد بنكبور"في الامر بصراحة كان هو الذي له حياة اجتماعية قائمة فهو مستخدم بشركة عامة ومتزوح واب لبنت وكلنا كنا عزاب وعاطليين أو شبه عاطليين لم اكن التحدث اليه بمنطق الذي ينبغي والذي لا ينبغي لانه لم يكن اسلوبنا قط ..كنا نتحدث من موقع فهمنا للعبة الاجتماعية كيف تدار وعلى أي اسس ياخد الصراع أشكاله فيها ...كنا نعي اختلافنا ونمارسه هو ونقدنا المستمر لاوضاع المجتمع ولحال الناس ..كنا نعرف ما يكونه الاخر  ..وقواعد الاخر ..وكيف نتمثل الاخر وقيمه ونحو ماذا ....النقاش الذي بداته معه انفتح على باقي افراد المجموعة وتطور للنقاش جاد ساهم كل واحد فيه وامتد ليتفرع على مستويات نفسية وسيكولوحية لتعميقه ..بوعي مني ساهمت في إعادة فتح النقاش حول الذات والذات الاجتماعية والتطوير والتغيير الاجتماعيين ...وخلقت امكانيات لتمارس المجموعة أشبه بنقد ذاتي لمسارها كمجموعة غنائية رائدة في الساحة الشبابية بالمدينة وكمحموعة شباب حداثيون يجمعهم حب الموسيقى والحلم بالغد الجميل لكل الناس ..اشركت تاليا اصحابي الشخصيين مع افراد المجموعة لتسري المعرفة بين الجميع ولتنفتح المجموعة على من يقع خارج اهتمامها الاول الموسيقي ..

"محمد بنكبور "الذي إعتاد المرور لمصاحبة زوجته العاملة بمركز الهلال الاحمر المقابل للمقهى "مقهى التطواني" كان يجلس لانتظارها بذلك المقهى وكان احيانا يجلس لخطيب زميلة لزوجته بعملها .."محمد بنكبور"بطبعه الهادئ والمسالم وبتحربته العميقة لم يكن يرتاح لمخالطة الاخرين من غير افراد مجموعتهم الذين يجمعهم اسلوب خاص في الكلام والاهتمام والرؤية ..لكنه على قدر كبير من ابداء الاحترام الاجتماعي والمكايسة ..انا كنت اعرف بارتياده في ساعات مخصصة المقهى لكنني لم يحدث أن قبلت بدعوته الجلوس معه بها ...وعندما تطلبت المرحلة ان ابحث عن مكان جديد لي اعرف اليه اجتماعيا كان تواجد "محمد بنكبور"بالمقهى ذلك عنصرا اساسيا اخدته في اعتباري وانا ادرس المكان كخيار ..كنت في حاجة لغطاء اجتماعي جديد امارس عبره ظهوري الاجتماعي لم يكن مقبولا ان اظل مسحوبا  للظل حتى يبتلعني..ولا كان مقبولا ان اظل اعاني تابعات التحويلة العنيفة التي قمت بها دون ان اجد مخرجا منها ..

افراد التنظيم الاسلامي المحضور لم يهضموا خروجي عنهم دفعة واحدة بعد ما كل مساعي  انا للتسلل اليهم ..وكانوا فيما بينهم يجمعون علي ما يدينونني به  ويتقصون علي ...لم يستوعبوا انها كانت وسيلتي لنفض كفي من ملفهم وانهاء مهمتى ..كنت ادرك حجم التورط الذي اقحمت فيه وادركه في  الفخ الذي اوقعت نفسي فيه بكامل وعي على انه فخ منصوب الي  ...

بعد شهور من التحري والتقصي والرصد استطعت ان استجمع ما يشبه خريطة التنظيمات والحماعات الإسلامية المختلفة المرجعيات والولاءات الناشطة شبه سريا وسريا بالمدينة وبالمنطقة  (القصر الكبير..اصيلا..طنجة ..تطوان ..مارتيل ..)..المعلومات التي كان يطلب مني مراجعتها باستمرار وإعادة توثيقها  الى أن جاء طلب ان اجلس للسيد العميد بشكل مباشر ليستوضح مني نقطا بعينها وردت في مجموعة تقاريري المرفوعة اول باول للإدارة وليتحول اشرافه والتنسيق  المباشر على ومعي ..وتم تحديد المهمة الأساسية في متابعة تنظيم محضور من بينها والعمل على التسلل اليه ..

تغيرت تماما طريقة التعامل معي ومستواها ولاحظت ابانها ان المسؤول عني "سي احمد"لم يكن راضيا على أن يسحب من المهمة ويتخلى عن الاشراف على ..

اخدت الامور وتيرات سريعة ومتطورة  باستمرار التقدم الذي كنت احققه في المهمة ..وعلى انني كنت اعاني الضغط الشديد الا أنني عملت كل ما في وسعي التغلغل التنظيم وكشف حتى عناصره الخارجية في المنطقة واستعملت كل علاقاتي وكل امكانات العائلة لانجاح الامر ..

السيد العميد ذا شخصية مخالفة لشخصية "سي احمد"فبالإضافة لكونه متخصص في العلوم السياسية كان يتمتع بذكاء خاص وقدرة على المراوغة ..كان يعرف عني انني لا اثق في اي احد واشك في كل شيء باستمرار ..وانني لست ساذجا ولا غرا لتنطلي علي الحيل التي كان يمررها علي عبر "سي احمد"سابقا الذي كان يستنفرني مرات بمتابعة معلومات مضللة ومبركة الهدف من ورائها هو اثارتي البحث والبحث المستمر وتحث ضغط الوقت والزمن  لااوجد في مقابلها معلومات أكيدة ..

السيد العميد لم ينتقل معي من الأسلوب الرسمي للاسلوب الاجتماعي غير الرسمي بسهولة ووسم الانتقال بطلب استكمال ملفي والبحث التفصيلي عن كل تاريخي الأسري والعائلي وكل افرادهم الاحياء والاموات فيهم ..كان يتقدم مني باشبه مكافئة او عربون امتنان ويقدم تسوية وضعيتي مع الإدارة المهتمة جدا بما حققته من نتائج ..

السيد العميد وضعني في الموقف السيكولوجي السياسي ..لم يكن يختبرني فقط بل يطلب كامل ولائي ..يطلب ان يستغفلني وان لا اتردد لحظة في القبول ..ففي لقاء جمعنا ببيت "سي احمد"بطلب من العميد كان علي ان املا  مطبوعات عدة وبخط يدي اقر واعترف فيها على أنني عضو في الجماعة المحضورة واشهد ان المذكورة أسماءه التالية كلهم تربطني صلة بهم ...

لا مجال للفهم هاهنا او للظن  او الاحتمال والترجيح..ففي الوقت الذي كان يؤكد لي انهم لا يتخلون على اي عنصر منهم وان الإدارة بما لها من سلطة ونفود قادرة على أن تحميني وتضمن سلامتي الشخصية ويؤكد ويؤكد ...يعود فيزور الحقيقة بمحضري وبمبرارات واهية كفقط لاثباث ان المعلومات المقدمة الإدارة جاءت من داخل الجماعة اياها ومن عضو موثوق منها ..كان يعرف انني لا يمكنني ان اصدق في ادعاءته وكان ينتظر مني ان اتحفظ على شقها القانوني اذ كيف اقدم سندا يثبت تورطي في أنشطة سياسية وتنظيمية محضورة  ومخالفة للقانون الجنائي الخاص وبخط يدي وببصمة ابهامي ومع صور حديثة لي وملف متكامل البيانات عن كل شخصي واسرتي وعائلتي  ...كان يضعني بين السندان والنار وهو يصور لي نفسيا انه تغليب المصلحة الشخصية والطمع في تسوية وضعيتي بالإدارة كفيل بأن يجعلني لا اتحفظ وهو في ذات الان يتلاعب بنفسيتي ويلعب معي لعبة الترغيب والترهيب الخسيسة  ويعرضني للابتزاز ويمارس علي الضغط ...وفي نفس الآن كمن يقول ان لم تكن تثق فينا فكيف نثق فيك ...تلك اساليبنا وانت واحد منا ..او كمن سيقول لاحقا والا كيف ستامن نفسك هل ستطلب  مراجعة صيغة الافادات وتوثيق طبيعة المهمة ودورك فيها وهل ستضمن أن لا تسلل الوثيقة المعدلة على هذه الصيغة لتفضحك وتحرق اخر اوراقك ...

انا كل الموضوع عالجته بمجرد ان انهيت تصفح المطبوعات وكنت قد اخدت قراري وبدات في ملئها والابصام عليها وثيقة وثيقة  وانا اقول في نفسي له :"تلعبها جيدا وتعحبني طريقة لعبكم"

بعدها بحوالي الاسبوع قدم لي مبلغ "400درهم  "نقدا عبر "سي احمد"ليسهل انتقالي في إطار نفس المهمة لمدينة مارتيل وهذه المرة على أن اوقع على مطبوع بتسلم المبلغ  فارغ من اي بيانات رقمية تهم قيمة المبلغ كما باقي الخانات غير مدون فيها اي شيء وتحث حجة انه سيتم رقن البيانات بالآلة الكاتبة بعد ان ابصم عليها فيما بعد ...

لدواعي أمنية وللتكثم المحاط بالمهمة حضر علي حتى الإفصاح عن هويتي اثناء الاتصال بالإدارة واعطي   لي اسم اتواصل من خلاله ...هو من اختاره لي ...وحضر علي الاتصال بشكل رسمي مع "سي احمد"وعدم مراجعته في اي امر من هذه المهمة بالخصوص ...

انسحب "السي احمد"للظل ..وغير سيارته المعروفة كما أنهى دور المنسق مع مفوضية الشرطة لحساب عنصر اخر من الإدارة كان في الآونة الأخيرة كثيف الحضور في المناسبات السياسية واللقاءات الثقافية والجمعوية كما في مواقع الاعتصامات والمظاهرات التي كانت ساحة البلدية فضاءا لها او امام قصر المحكمة الابتدائية ومقري حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومقر نقابة الاتحاد المغربي للشغل....علمت وعلى نحو لا يمكنني على أية حال التيقن التام منه لغياب السند الرسمي ان "سي احمد "حصل على ترقية وانه اصبح برتبة ضابط ..

كان يتم تعريضي للاخطار البليغة ويطلبون المزيد من المعلومات دون ان يتم اطلاعي على كيفية تعاملهم مع كل البيانات التي زودتهم بها ودون ان يشركونني في خطواتهم الاستراتيجية تجاه التنظيم ...اذ أن حدث اعتقال عضوين من التنظيم المحلي على هامش مشاركته في تظاهرة وطنية نادى اليها مجلس الارشاد الخاص بالجماعة المحضورة بالدار البيضاء وتعرضهما للاستنطاق باساليب قاسية  قبل أن  يفرج عليها ...جعل التنظيم المحلي يستنفر خلاياه ويعلي مستويات الامان عنده ..ويكاد يعرضني للخطر البليغ لو أسفر بحثهم عن أية علاقة لي بالكشف عن افراد خلايا تنظيمهم للأجهزة الأمنية ...

تفاجأت بسرعة تدخلهم لضبط افراد خلايا كانت تنشط بالحي الجديد بطنجة والتحقيق معهم الامر ذاته الذي كان من الممكن ان يعرض مصادري هناك للخطر المباشر ..

كانت الساحة الجامعية بكل من تطوان ومارتيل وفاس بالخصوص تغلي وكان الصراع على أشده بين التيارات القاعدية الماركسية والجماعات الإسلامية وكان التنظيم الاسلامي المحضور ميالا للمواجهة واستعراض قوته وعنفه ضد القاعديين  ....المسؤول المحلي عن الخلايا التلمذية و اليافعين من اعضاء التنظيم اشعر بانه تحث المراقبة وكان معروفا بأنه يمثل الجماعة على مستوى جامعة مارتيل فجعلته حالة الحصار المفروض عليه أشبه بالثور الهائج ولم يخفي علي شكوكه الفعلية في شخصي وتحذيري لكنني كنت اعرف عنه طبعه واعرف عنه عدوانيته واعرف انه كان يخرج مع افراد من حماعتهم ليقموا بهجمات على مرتادي  الغابة طلبا لممارسة الحب واعرف انه لو صحت دعاوي شكوكه في صلتي بالأجهزة الأمنية لما عدم وسيلة لينكل بي وليس لياتي ليجاسني ...ثم انني لم اقل بانني لا اعرف اكثر من مسؤول امني ولكنني لا علاقة لي بما يمثله هو او اي تنظيم اخر نشط في الساحة ولا معرفة خاصة لي بآية موضوعات او معلومات ليست معروفة ومتداولة لامررها لاي جهة على أن لا مصلحة لي في ذلك ...انا لم اقدم لهم نفسي الا كمحاول القيام بمراجعة نفسية وسيكولوحية وسلوكية روحانية لذاته لم اكن اظهر التزامي الديني ولا ميل لي لاختبأ تحث ظله .. كنت اناقش معهم رغبتي في التغيير للاحسن ونيتي في القطيعة مع سلوكاتي في تعاطي الخمرة والمخدرات ...كنت ببساطة اقدمني كاي كبش صغير او طينة لينة قابلة للشحن وللاحتواء والاستقطاب..ولم أركز الا على من كانت تسبقني  به سابق معرفة كأن تتلمذ معي او كنا رفاقا في مرحلة سابقة ..كما لم اقطع صلاتي بباقي من اعرفه حتى من من كانوا معرفون برفاقيتهم ..كل ما هناك انني بدات اظهر في المسجد في صلاة متفرقة وتحوطت كليا على امر تعاطي للشرب او التذخين خارج البيت وجلسات  البيوت ..كما حافظت على مسافة من من كنت اخالطهم ومعرفون عنهم سلوكهم التحرري المتحدي للمجتمع ..لم اقترب كليا اتم الاقتراب من التنظيم ولا قلت يوما برغبتي في الانظمام الى أي تنظيم موازي له ..كانت عندي طريقتي في جمع المعلومات واستسقاءها وكنت اعتمد في ذلك على اصحابي في عدد من المجموعات التي طورتها في كل اطوار حياتي ..كل ساهم معي وامدني بقدر مهم من المعلومات التي يسرت علي ربط وإعادة ربط الاتصال بهم وخلقت لي الفرص للقاء بهم والتواجد بصحبتهم   ..وهناك من يسر لي حتى استخلاص المعلومات التي كنت اريد معرفتها عن طريق إجراء عملية التحري غير المباشرة نيابة عني او التمهيد لما يخصني من مواضيع ...وهناك من نفد عمليات نفاذ وتسلل لخلايا منهم بحجة التعرف عليهم والتعاطي الأولي معهم ليتسنى له التقرير في الانظمام من عدمه اليهم ...لضبط صلته التنظيمية خصوصا انهم كانوا يتوارون ويتخفون تحت امكانات ان يكونوا فقط متعاطفين   مع طريقة مرشد الجماعة بينما هم ينظوون إلى جماعة تلك او تلك او تلك ...كنت اعرف من بداية المهمة انني ساكون الشخص الخطا لو فكرت بحق ان اسعى للانظمام اليهم او الى أي جماعة إسلامية اخرى لانه من المحال علي ان التزم معهم او حتى اجتماعيا بغير المقبول في شريعتي ..ولا فكرت من بداية المهمة في مناقشة طريقتي او اسلوبي في تحصيل وتجميع المعلومات وتحديد الاشخاص وعناصر التنظيم ..كنت انجز المطلوب مني واصيغ التقارير العملية الموجزة والموثقة دون ان اكون مطالبا بسرد خلفيات البحث والتحري وعمليات الرصد ..وحتى في اللقاءات المباشرة مع رجل الإدارة "سي احمد" كنت اراوغه ولا اكشف تماما له عن مصادري او عن ما يربطني بها ولا كيف استحصل بالسرعة القصوى على المطلوب تاكيده أو نفيه من معلومات كانت تفد على الإدارة الإقليمية من جهات اعلى منها ..

من البداية فضلت ان لا اتورط مع الإدارة بالاساس ومع اسلوبها في زرع مرشدين لها في كل المجالات وداخل كل الاوساط والهيئات والخدمات لانني لو حصل وتورطت فسينتهي بي المطاف لابسا قبعة المرشد الرخيص الذي يتقاضى تعويضا على شكل بطاقات الإنعاش الوطني والمساعدات الاجتماعية نظير خدماته التي يظل مفروضا عليه تقديمها اينما ارتحل وكيفما غير مكان عمله او سكناه ولكل من حل محل من جنده واستقطبه  لصالح الإدارة ..انا كنت واضحا في تقديم الصفة التي بمحظ اراداتي تقربت منها من الإدارة ..صفة متعاون في مجال المعلومة على اعتبار انني اخترت درب الصحافة والعمل الصحفي الميداني ...ويجمعنا كلنا حقل التعاطي والتعامل مع المعلومة وانني مهتم بتوسيع دائرة علاقاتي الاجتماعية بما يمكنه ان يساعدني لاشق طريقي في مجال الصحافة والعلاقات العامة ..وانا من تركت لهم الباب مفتوحا لياتوني في كل مرة طالبين ان اتعاون معهم الى أن أصبح الامر يتعلق بمهمة وبمتابعة رسمية كنت انا متاكدا من انها تهم المركز وان تفانيت في القيام بكل ما طلب مني او اسند الي من مهمات جانبية فلانني كنت على معرفة بان هناك من يتابعني ويولي عناية خاصة للمجهودات التي ابذلها واولئك كان يهمني على الاقل ان يكون لاسمي او لصفتي جرس يتذكرونني به 

من قبل أن تكبر وتتسع حلاقتنا بمقهى "التطواني"كنت قد بلورة قراري النهائي وخرجت بنتيجة عملية مفادها أن لا مجال لاستمرار على نفس المستوى في العمل لصالح الإدارة ..كنت قد انتظرت ما يكفي للبث في امر تسوية وضعيتي ولا خبر يقين جاءني منهم كانوا يطلبون فقط ان لا اتوقف وان استمر على نفس نهحي ويعيدون بأنه لن ينقصني خير بجانبهم وانهم  لن يدخروا جهدا لحمايتي والدفاع عن مصالحي الخاصة ..ولم يكن لي لاتجاهل  أهمية وقيمة عامل الوقت والتسويف ومال الانتظارية ...لذلك قررت أن اجمد جزئيا نشاطي وانهي مهمتي تلك أساسا وان انتظر ما سيفعلونه بخصوصي ومعي وانا شبه اقلب الطاولة عليهم ..وذلك ما ادخلني على تمام وعي بالامر في سلسلة ضغوط نفسية وتوترات وجو من الإرهاب النفسي ..وتعاطي سلبي مع ما كنت الجا اليه للاسترخاء مع نفسي او للانتشاء به بين الفينة والاخرى  ...

كل الذي مر بي وعرضني لمتاعب نفسية كان باشبه باعراض الكابة بعد الصدمة ..كنت مصدوما في قوتي على اعلاء التحدي والقول بكفى غير مسموح التلاعب بي أو معي ..وكنت في نفس الوقت خائفا وهذه هي الحقيقة بان يتم تصفيتي على نحو او باخر وبات كل حاضري مبعثر والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها السيء منها ..لكن في عز ازمتي لم انهار وبدأت اشكل الحل وارسم طريقا لخروجي  الأمن من كل هذه المرحلة العملية من حياتي لاعبر لأخرى لن تكون اقل خطورة منها ...

كنت محتاج لمن اتحرك لجانبهم لمن املك ان انفد بينهم للفضاءات اجتماعية مختلفة ومتنوعة ولمن يمكنوا ان يشكلوا لي حماية من التعرض للاعتداء المباشر او غيرالمباشر ولمن يمكنني ان اهيا عبرهم فرص واشكال جديدة للظهور الاجتماعي وللتسلل لمقامات وبيئات اجتماعية تهمني ..ووجدت ضالتي في ان اعيد صلاتي بمجموعة ليكسوس واصحابهم لانها كانت بعيدة عن ان تمارس السياسية بأشكالها التنظيمية المعروفة ولانهم وجوه معروفة بالمدينة ستسهل لي الانتشار بحلة جديدة وستقدمني للشارع العام بمنظور مختلف وبالتاكيد لم اكن اؤمن بان كل ذلك سياتي بلا مقابل ودون ان اعطي من جانبي للاخد بدوري ...   ودون ان أقدم بعض التنازلات كما في مجال أية مسايسة...  

 

الجمعة، 4 ديسمبر 2020

يوميات : عوالمي السرية..(21)..انا وحنان "هذه " /تابع :7-1


 

يوميات: عوالمي السرية..(21)..انا وحنان "هذه "/تابع :7-1


 لم اكن لاجازف أساسا بحريتي في الاختيار والاختبار ...بالنسبة لي قد انسى كل شيء واي شيء الا تلك الصيحة العميقة التي دويت بها وكادت تعدمني وجودي ...قد اشك في صريح نواياي واملك الحق في ان تداخلني الريبة لانني بالاكثر من شكل تحوطت جيدا قبل أن أقدم على تلك الخطوة الحاسمة وبوجود كل ذلك القدر من امكانات التدخل والاسعاف تسقط فرضية النهاية الحتمية كما ممكن الاعتقاد بانني كنت عازما عليها...لكنه على كل تبقى لدي الاكثر من دوافعي الواعية لتوشي بانني لو لم اعلي من مستويات توتري وقلقي لاقتلني رمزيا لانتهيت ميتا ولانمت ذات ليلة للاستيقظ البثة  مع احدى المحاولات التي عمليا كنت قد بدأت بتنفيذها علي ..

على الاكثر من صعيد تحدد تاريخ جديد لشخصي من تلك المحاولة الدموية التي مزقت فيها شرايين يدي اليسرى تمزيقا تاما ..تاريخ الغى عددا من المحطات التي كان مجرد الوقوف عندها يتعبني وهي  تعج بالاستفهمات والتساءلات  ..تاريخ أنهى بشكل او باخر الكثير من الحيرة التي كانت تدخلني في دومات ومتاهات من الخوف والارتعاب ...

ربما لزمني الوقت لاتعافى من الصدمة التي حلت بي من ان فتحت عيني ووجدتني بعد هاهنا بهذه الحياة بعد .. صدمة لم احسب مسبقا إمكان حدوثها معي ..لكنني عموما تعاملت معها واخدت وقتها الضروري الى أن تحاوزت أثارها ..كانت مثل عاصفة تحصد في من الداخل وانا واقف متظاهر بصلابتي غير قابل لجو المواساة التي نشره الاقربون مني ... سؤال واحد كان يلزمني ان اجيب عنه بكامل الصدق والامانة مع نفسي ..ولم يكن مقبول عندي في صيغته الأولى :"ماذا اردت ان اقول من وراء تلك المحاولة الدموية ؟!"بل في صيغته التالية :"ماذا اريد بالضبط ...؟!وماذا بحق كنت اريد ؟! ..

الذي استوعبته جيدا والذي كانت تقول به كل رغباتي هو ارادتي في الحياة ..ولاعتبر ان كل الذي حدث كان عبارة عن دوي عال لصفارة الاندار المحذرة من الخطر الذي كان يداهمتي ويعتمل داخلي لغير مصلحتي ..وعليه كان لزاما على أن أعيد ترتيب كل اولوياتي وتحديد كامل اهدافي وان ارسم الإطار الذي اريد ان احيا داخله ..

ربما بقيت داخلي رؤية خاصة لتجربة الموت والعودة منه تتراءى لي وتتعقبني ..ربما لغايات ما لم احسم فيها للان واترك لها ان تفعل في كما تشاء ..انا نفسي لمست احتياحا ما داخلي لمثل تلك القناعات الروحية التي كانت تتشكل عندي وانا مراوح البحث عن فهم لتلك الرؤية التي انفتحت عليها وانا معلق في الفضاء وتمة من يسحبني للارض  ...

ابسط تعبير تحصل عندي بعد التجربة تلك انني تغيرت ومحال ان اعود لسابق عهدي ..محال لطارق ان يضحى ما كان عليه وللابد ...

تغيرت نظرتي لكل شيء وماعدت انظر كما من قبل وانا  اامن على الطفل  الذي كنته وافتقدته ومع ذلك بقيت محتفظا باشياء منه متخفية داخلي وكنت اجده يتمثل واقفا يرصد بجانبي  المواقف التي اعيشها واتفاعل معها .. 

تحولت نظرتي وتحررت من آلية الرصد التي كان يمارسها الطفل المستتر داخلي وضحت اكثر اتساعا لتنظر هاهنا ولتنظر لهاهناك بعيدا في نفس الآن ...لتقراء في حاضر اللحظة وتتمثل مستقبلها وكل احتمال ممكن لها ...

"حنان "هذه بقدر ما كانت ممكنة وقريبة ومتاحة كان لها ان لا تكون كذلك في حاضرنا وفي مستقبلنا القريب او البعيد ..صحيح انني انتظرت عليها الى أن اتت الي لكنها ما كانت لتاتي لو لم اشاغلها من بعيد لبعيد بنظراتي وتتبعاتي ...وما كانت لتتجرا علي لو لم اعبث بكيانها واهزه عميقا وانا اطرق الحديث تلو الحديث واستغل وجود مجموعات "الزنابق "للتاثير فيها ...

هل بهذا التصريح اسقط ما سبق وان رويته عن كيف اتت الي وهي تطلب ان نتصاحب ..؟!  كلا ..وانما فقط لاضع بعض الامور في نصابها الصحيح ..

مع "حنان "هذه لا دخل للصدفة في تعارفنا ورغبتنا في ان نؤسس لعلاقة فيما بيننا ..هي ارادت شيئا وسعت اليه وانا اردت اشياءا وتدبرت الطريق للوصول اليها ..هي بالانثى المفتخرة بانوتثها وبالاعيب المراهقة التي تكونها اقحمت نفسها في مجال رؤيتي وانا قررت بدوري ان اتسلل لمجالها..هي كانت تعزف علي وانا اغني لها ..هي كانت تهوى ان تجرب قدرتها وانا اخترت ان اصل اليها وان احتويها وان اترك نفسي كي تحبها ..كان هناك قرار واع من جانبي ان تكون لي   

"حنان"...لم تكن لتقرر شيئا في شاني او معي .."حنان"..كانت تستعرض الالعيب التي لطالما اجتهدت كي تتقنها .."حنان"لن تختلف عن الاناث اللواتي كن يستغفلن صغيرا او صغيرة تتعلمن عليه فن التقبيل من الشفاه .. في غفلة عن الاخرين ...وتنيمه قليلا فوقها مباشرة ..ولا تخلفت عن إدخال صاحبتها معها للفراش ..ولا تناست الاحتيال على الاكبر منها لتقحمه معها في لعبة: "لم انتبه لشيء" ....."حنان"...حتى وان لم تكن ملحوظة بطريقة ملفتة الانتباه لما تخلفت على أن تفعل المستحيل لتبدوا ملحوظة وبما يكفي على الاقل ...

"حنان "...ابنة حي شعبي مفتوح على السوق ...ابنة البحر والتسكع بين صخوره ..ابنة المدرسة المغربية العمومية .."حنان "لن تختلف على أن تكون تلك وتلك وتلك اللواتي عرفتهن جيدا وخبرت اساليبهن ...

لم اكن لاتمادى وافكر جادا في بناء أية علاقة مع أية بنت من مجموعة الزنابق كما كان سمجا جدا ان اتحرا على طلب اضفاء طابع العلاقة مع أية واحدة من صاحبتي بنات الحيران لانه لا معنى له غير الشكلي ..اما مع"سناء "فكان الامر أشبه بمسرحية يسدل الستار عنها ..من قبل البداية كنت اعرف انها علاقة بلا مستقبل ..ومع جميع اللواتي تعلقت بهن وعاهدتهن على الوفاء لهن كان بون شاسع يقف بيننا ..كن اكبر سنا مني ولا من مجرد امل  صغير في ان يمسك خيالي بهن ...

كنت واعيا ومتالما جدا من حالي مع عديدات نألف بعضينا ونتودد ونتحاب بخفاء ونجرا  على بعضينا ونحن نعلم مسبقا ان لا امل في ان يجمعنا غد مع بعضنا البعض..حتى مع اختى الصغرى "بشرى"التي كنت احبها وتحبني اعرف انها لن تكون امراتي ..

مثلما كان قرار مني على أن اعود لمزاولة بعض نشاطاتي بدار الشباب الراشدي واعود هذه المرة للانضمام لنادي "الافاق "الذي تركته بعهدة  اصحابي "الشريف "و"الكراب "أساسا وبمرافقة ل"بلقرشي رفيق "وبدات تداريبي على نص مسرحي فردي واخدت اداوم الحضور لمتابعة أنشطة الجمعيات والنوادي وعدت لاحوم من قريب بمدار الاعدادية ومن حول بنات مجموعة الزنابق .كان القرار قراري بان ابحث واختار لي امراتي وكنت مصمما على ان انهي الموضوع في اقرب الاجال..كنت واعيا بمدى احتياجي لمن ابني معها وبحانبها احلاما واقعية لم اكن غارقا في الكبث الذي يتعفن فيه من تعرفت عليه عن طريق صاحبي "الشريف "ولا غارقا في مثاليته الوجودية ومراهقته السياسية ...

كنت ابحث في الوجوه وادرس في الشكل والاسلوب ونمط الشخصية واقارب في الخلفيات الأسرية والاجتماعية واعود لاقرر في امكانات نجاح العلاقة المحتملة من عدمها..   كنت لا اتردد في تعقب المستهدفات المحتملات ومحاولة جمع أكبر قدر من المعلومات عنهن..لم اكن معني بآية حال بآية مغامرة عاطفية امارس فيها الحب او الجنس ..انا كنت مهتما وجادا في البحث عن امرأة لطريقي  ..

"حنان "...استوعبت انها لفتت انتباهي ...وكان لها ان تغافلني وتتصنع عدم اهتمامها .لكنها لم تفعل ذلك وانما ظلت  مركزة معي ودون ان تبالغ في ردات فعلها ..تعقبت سير خطها ..تعرفت على موقع سكنها ..قصدت أن أقف بمقربة من باب العمارة التي يتواجد بها مسكنهم مع كل من اعرفه من اصحابي ومعارفي الذين يقطنون بذلك الحي المفتوح على أحياء متعددة جامعها السوق ..سوق المدينة القديمة "الكبيبات".."حنان "...اخدت تستوعب انها تهمني ...وبدات تغير نظرتها الي ..واخدت تطرق في الصمت لما اعبر من جانبها وهي مع صاحبتها ..

"حنان "..بدت وكأنها تعيد مساءلة نفسها بخصوصي وبخصوص ما الذي يمكن أن يكون شدني نحوها وعن ما معنى اهتمامي بها ...."حنان "...لم تعد عينها تغوي ..او تبرق بالفرج لما نتقابل عيوننا ..عينها كانت مليئة بالاسئلة وببعض القلق ..

"حنان "...اخدت ترتب نفسها وسلوكها وتترقب ..وانا لحد بعيد اعيد تمثيل شخصية "عباس "في رواية "انا حرة "لاحسان عبد القدوس.. وادخلتها في نوبة انتظار غير محسوب افقدها قدرتها على عكس ردود افعالها الطبيعية وبدت تحاول اختباري وكشفي على نحو سمج كان سهل علي التنبه اليه وتفاديه ..

"حنان"...لم تتوقع ان انقل ساحة النزال بيننا الى وسط الاعدادية والى ساحتها المدرسية الداخلية .. وان اقتحم مجالها الحميمي العام ..دوائر زميلاتها وزملاؤها ..اساتذتها ..الإدارة التربوية ...استغللت كل علاقاتي السابقة لادخل المؤسسة ولا تواجد بها دون ان اثير حفيظة اي احد او يتم مساءلتي عن دواعي مروري الشبه يومي بالمؤسسة ....ببساطة كنت استعرض بدوري سعة علاقاتي وامكاناتي التقرب منها دون ان اخاطبها ولو بآية كلمة أو سلام ..

وساعة كنت اخرج من ممرات اقسام الاعدادية  لساحة المؤسسة والفترة فترة استراحة للتلامذة لاخالطهم كنت اعرف انه لن تلبث من كن حاضرات من مجموعة بنات الزنابق بمجرد ان يلمحونني من ان ياتون وبكل الفرح والتحبب والتقرب الي وليلتحفن ويتحلقن حولي ...ومن كلهن لم اكن اولي كامل تنبهي بل ورعايتي الا ل"حنان "فيهن..ويصادف ان تكون هناك اكثر من "حنان "فيهن ..حيث كانت هناك "حنان القاسمي "و"حنان بلفقي " و"حنان .... الاخرى"وكنت اقربهن اكثر مني ولا ابعدهن عني وعلى مراى من "حنان "هذه ...كنت اخاطبها بطريقتي ..اناديها باسمها على طريقتي ..اوعدها بطريقتي ...وكشفت نفسي لمدللة السمراء  الحلوة "حنان القاسمي "وطلبت منها ان تسايرني لان "حنان "هذه تهمني ولا اقصد إثارة غيرتها وانما اثارتها على أن تتحرك تجاهي وان تقترب من دائرتي..

سهل عليها ان تجد الوسيلة لتصبح واحدة من المتحلقات بي ولتشاركنا احاديثنا ونقاشتنا ...وكان يسير علي ان افتح معها نقاش العلاقة بطريقة غير مباشرة وانا اتحدث عموما عن رؤيتي للعلاقات ولمستقبل واوضاع العلاقات في ظل المجتمع الذي نعيش فيه والعمر الذي نحمله مع كل المجموعة ...

اعطيت ل"حنان"كل الفرص الممكن لتبحث خلفي ..لتتعرف على شخصي ..لتسمع الذي يسر ولا يسر عني واجبتها على اكثر الأسئلة احراجا عندها :"نعم اهتم بامر العلاقات واحب ان الهو وان امارس الحب وحتى الجنس لكن ليس هذا هو همي الاول او الاوحد.."..ومثلك انا قد افضل ان اصاحب نوعي واهتم له ويهتم لي على أن اتنطط هنا وهناك مع غيري ...

لا "الشريف "ولا "الكراب "الذين كانا يترهنان على أن تلك ستاتيني عرفا بانني تدبرت الامر من البداية وانني بطريقة ما استغفلتهما كي لا اقول استغللتهما لانه غير واردة بيننا ..الا ان اتت الي وطلبت بان نتصاحب ...وكان لها ان لا تاتيني وكان ممكن ان افقد التصميم على نوالها ضدا على أنني قررت الفوز بها امرأة لي 

انا اخترتها ..لم اعشقها في لمحة بصر وانتهيت اجري خلفها ..انا من بعيد عرفتها عن من اكون بصورة تقريبية وقربت لها منطق رؤيتي للعلاقات وتركت لها ان تقرر في اختيارها الواعي وبطريقة لم تكن تعهدها في نفسها من قبل ..واتفقنا على أن نبدأ مع بعض ...لم نجد معالما النهاية ولا اية نهاية محتملة ..اتفقنا على أن نمضي سوية وان يجمعنا طريق واحد ..

"حنان "...لم تكن ناقصة حيلة ولا ضعيفة ومترددة ..كان بامكانها ان تنقض كل ما كان بيننا وتنهيه متى شاءت ..ودون ان تثير أية مشكلات معي ..كان يكفيها ان تغلق في وجهي بابها وان لا تبحث عني وان تقحمني في انتظار ان تعود إلي وان لا تعود بالمرة الي وينتهي بي انا المطاف لافقد الامل فيها دون ان اجرا على مساءلتها حتى ...

الإدارة حاولت افهامي بأشكال واساليب متعددة بان دخول الحمام ليس كالخروج منه ..وحاولت ترهيبي مثلما كنت اتوقع انها ستلحا اليه ومثل ما كنت اقدره بانني متى تراجعت عن قراري فساعيش بقية عمري منبطحا أمامهم ..

كنت لحد بعيد اشك في صدق تهديداتهم المبطنة واعي انها مجرد الاعيب نفسية وسيكولوحية هدفها التأثير علي واثنائي عن عزمي ..لكنني داخليا كنت معرضا للكثير من التوترات ومنفعلا وغير قادر تماما لاحسم نهائيا في امري معهم ..والتوجه بالمقابل الى الامام في باقي اهدافي ...لانني كنت مستوعبا تماما لحقيقة اما ان تكون معنا او ضدنا ولحقيقة انه لا يمكنك ان تتنكر لنا ... 

لم اكن لاقبل باسلوب الترغيب والترهيب على انهم لم يلجؤا اليه بشكل مباشر ..ولا لاساومهم بدوري ..بالنسبة لي كان عامل الزمن حاسما في صياغة قراري بايقاف نشاطي لجانبهم  واعطاؤهم فرصة لتسوية وضعيتي بما ينسجم مع اشتغالي الميداني في الارض ..كنت انتظر منهم البدئ  في ايجاد غطاء يكفل لي هوية اجتماعية ووضعا مستقلا ..لم اكن أراهن البثة على أن يتم ادراجي كعنصر انضاف للعناصر  المكتبية والإدارية  ولا من مجال كان لانخرط بشكل رسمي عبر الالتحاق بسلك التدريب والتكوين الإعتيادي لابدا من اول السلم ..ابدا لم يكن رهاني والا لكنت طلبته من اول ما حصلت على الاعدادية وقلبها وهم يعدوننا التوجيه الثانوي او التكميلي ..كل الذي اوجدتني عليه. واعددتني اليه كان  العمل الميداني والعمل في الظل ..ولا يهم اي ارض ان اتواجد بها أو التحق للعمل بها ..كنت في اتم الاستعداد والجاهزية لاعطي وعلى نحو خبري وانا متخف وبهويات مزيفة على أن اختنق بالعمل الوظيفي ..بل لم اكن لاعول على اي وظيف بمستوى الشهادة المدرسية التي بحوزتي لابدا من اول السلم حتى اتقاعد ولم اتزحزح الى أي مكان يذكر او يعتد به ..

تحدثت ل"حنان "بمنتهى الصراحة عن أية آفاق اعدني لها وعن خططي البديلة وقلت بإمكان ان اعطل  مرحليا كل طموح لي والج سوق الشغل كاي عامل او مستخدم الى أن تنضبط اوضاعي المادية والاجتماعية ثم اعدني عن حق لاجتياز مباراة الباكلوريا كمترشح حر ومن بعدها اتدبر فرصا اخرى من بينها الالتحاق بمعاهد او جامعات او حتى الاقدام على الهجرة بنحو شرعي ..

كنت واعيا بحقيقة اختياراتي وبما راهنت عليه ..جربت ان اتقاطع مع ما كونتي عليه مع عالم الصحافة لكنني تفاجأت باوضاع العاملين فيه المتردية وبوضع الصحافة المتازم نفسه والمخنوق ..على أنني لم اجد دعما يسندني لانتقل للاستقرار بالعاصمة الرباط او بالدار البيضاء حيث مقرات الصحف الوطنية ودور النشر وكل المركزيات الحزبية والنقابية وباقي الوزارات والمصالح المركزية. والتمثيليات الدبلوماسية ..وحتى إمكان الحصول على شهادة عليا من معاهد خاصة تدرس بالمراسلة كنت قد تواصلت معها لم يتسنى لي لان لا احد كان بإمكانه أن يتكفل ماديا بمصاريف الدراسة ..لم اكن لاقنع بآية خطوات عشواء وارتجالية ولا بالانخراط كيفما اتفق في اي عمل يبصمني ويحدد اوتوماتيكيا وضعي المهني والاجتماعي..ويقتل اي طموح في لاحقق ذاتي كما اصبوا اليها ..

كنت ابن موظف تعليم ابتدائي بسيط لا طموح له ولا استعداد عنده ليدفع في اتجاه ايصال احد أبناءه للبر الذي ينشده ..ويغامر معه ..كان اقصى مناه ان يتخلص من تابعات التكفل الفعلي بابناء الى أن يبلغوا سن  الرشد القانوني ثم ليتدبروا همومهم ..وكنت اعاني مثل العدد الكبير من ابناء الموظفين البسطاء المحدودة رواتبهم والتي لا تكفيهم متطلبات الحياة الأساسية ...وكنت ضجرا من عقلياتهم وامزحتهم وما ينشغلون به بالإضافة اما لاقبالهم على السكر والخمرة او الصلاة والتزمت والمذلة..كنت ارتى لحالهم وهم ينتظرون كل سنة نتائج الحوارات الاجتماعية والزيادة  في الرواتب وهم يتذاكرون حول الترقية والتسهيلات البنكية القرضية المنزلية ويلعنون ويسبون في رؤساؤهم في العمل وبروقراطية الإدارة ..

مع "حنان "....كنت اجن بالحكي والكلام ..اجد فرصتي لاعبر عن كل مكنوناتي دواخلي وهمومي وانشغالتي ...احزاني واحلامي ...لم اكن بحاجة لاتخير الموضوعات ..هي مجرد البداية بالحديث ويرتسم وحده أفق الكلام والحكي ...كل الذي كنت اضعه في حسابي هو تشجيعها على الحكي والبوح والتعبير عن نفسها عبر مباشرة الحديث عن نفسي ..عن حياتي..عن تاريخي الأسري والعائلة ...عن حاضري ودوائر اهتماماتي...كنت اعرف انني اغبنها معي ...فللقاء  المقدر له ساعة ياخد كامل الظهيرة والمساء ويتجاوز  غروب الشمس...والرغبة في نتفاصح مع جسدينا تتحول الى سلسلة رغبات تندفع لوحدها من دواخلنا وترضينا غاية الارضاء..كان يكفي ان اشعر بها لجانبي ..بمحاداتي ..كفها لكفي ..او راسها على مقربة من صدري...استانسا بعضينا وتجاوزنا كل تعقيدات الممارسة العشقية بيننا بمثل ما يتصورها كل زوجين قبليا وهما متواعدان لاحقا وكل واحد منها يترقب المبادئة ويرسم الحدود داخل نفسه كمن يستعجل النهاية .ويؤحل باستمرار الاشباع ...

مع "حنان" ....تحاوزنا عتبة الاحساس بما يكون جسدها وما يكونه جسدي ...هي لي وانا لها وانتهينا من اي تفريق او تمايز او مداورة اجتماعية أو احساس بالنقص..كان الحب وحده المستباح بيننا  والصدق قانوننا ...كنت صادقا في تقدير مشاعرها نحوي وابادلها صدق مشاعري لم تنتابني ولو في لحظة واحدة افكار الخديعة والاستغلال ...وكلما امضينا عائدين على طريق ان نفترق ونستودع بعضينا كنا نكون في ارق حالة واكثر تناغما في احساساتنا ...وبداخلنا حب يسع الكون كله .. 

كنت اعرف انني اغبنها معي بمواجعي وبمشاكلي الخارجية لكنه كان لازم علي ان اضعها دوما في الصورة لتعرفتي اكثر ..لتقترب من تفكيري ..لتفهمني ..لتانسني..لتقارب نظرتي للامور ولتشتغل معي على همومي وما يارقني من توجس   ...كنت اريدها امرأة لجانبي تبالي بي كما ابالي بها ..تسعد وتحزن   وتغبن  معي ولحانبي ...وتتخد القرار معي ... تجدد اختيارها الواعي لان تكون معي او تنسحب بهدوء ..

حكيت لها حكاية عمر اخو حمزة البهلوان غير الشقيق ..عمر الغيار ..عمر الذي كان عين حمزة وظله ومخرجه من اي و رطة يقع فيها ...وكيف سلبتني شخصيته وتماهيت معها وعشت ارعى في كل الجوانب التي يمكنها أن تحقق لي الحصول على كل مواهب عمر الفعلية ...

انا اخترت ان الج هذه الشخصية وان اتماهى معها وسعيت بكل إمكان متاح ان اكونني لأكون قادرا على أن العبها في الواقع ...انا من اخترت التقرب من الإدارة وانا من سعيت لترتيب اول لقاء لي مع رجلها الذي كان متعمد ان يكشف عن موقعه ليجعل منه وصلة الهمز مع كل من بإمكانه أن يقدم معلومة او يساهم بالتبليغ عن نشاط ما سياسي كان او امني او غير قانوني ....وانا من اختار الان أن يجمد نشاطه مع الإدارة ...ومن قرر ان ينهي اي تعامل ورقي مع الإدارة ..رفضت ان استمر في تقديم تقارير ورقية  جافة ..كما رفضت المحادثات المسجلة ..كما اخرجت علاقتي برجل الإدارة للنور .. في ظرفية جد صعبة ..في الان الذي كان من الممكن ان يفضل المزيد من التكتم وتوخي كامل الحيطة ..عمدت على ان انهي مجرد الشك في شخصي لتعزيزه على نحو يصدم ويثير الأسئلة حولي ..ويعطي لمن يبحث حولي الفرصة ليحرا على مساءلتي وليكشف  بالتالي عن نواياه واستعدادته ...كما كنت ارمي من ورائها اظهار الجهة التي تكفل حماياتي لالجم اي محاولة متهور النيل مني او حتى التفكير في ذلك ...وابعاد تقيمي من جديد من كل من علم ان لي صلاة علنية مع رحال الإدارة ...لم اكن اكشف عن هويتي ولا كنت احرق اوراقي كل ما كنت اعمد فعله عبارة عن نشر ستار كثيف من الدخان حولي ليمكني من التحرك بكامل الحرية ودون خوف او رهاب ..كنت اعرف ان شكوكا كثيرة تحوم حول شخصي ..ومن العبث ان اصل افندها في كل مرة يلفت انتباهي لها ...انا كنت اقدمني على أنني نشاط اجتماعي ومشتغل بالصحافة ولي علاقات واسعة ومتعددة وعلاقتي برحال الإدارة أو لمصالح الاستعلامات العامة أو غيرهم من الامنيين جزء من علاقات سوسيو مهنية عامة ...لداعي للتكتم حولها مادامت علاقات عامة واجتماعية ...كنت العب على الحبلين ..اكذب اي صلاة مشبوهة او متورطة وارسخ الاعتقاد والظن في ان اكون متورطة لحد بليغ في صلاتي ...كان يصلني ما يتدوال في شاني داخل دوائر جماعات معينة بما فيها حتى دوائر موظفين جماعيين ومصالح خارجية  وداخل جمعيات واطارات  سياسية محلية من حرصهم الشديد لتجنبي على اعتبار انني قد اشكل عليهم بعض الخطر  ..او العمل على تسهيل معاملاتي حتى يامنوا جانبي ...كان هناك حتى عناصر أمنية نظامية تتخفظ على التعامل معي وتلفت انتباه المقربين منهم ليتقوا جانبي ....وكانت فرصتي قد حانت لاقلب الطاولة عليه ببساطة طرحي لشخصي :انا من الممكن ان اكون ذلك ومن الممكن ان لا اكونه ...والاكيد انه ما من شيء يمسك علي والفاهم ليفهم لوحده ....

تعلمت ان أعيش بالاحساس المستمر بالتهديد وكل يوم كنت اعرضني بخرحتي للخلاء المجاور للغابة والمطل على شريط الشواطئ الصخرية المهجورة  لامكان الالتفاف علي والانقضاض على سلامتي الجسدية ..كنت ارصد من يتعقبني ويتراحع لحال سبيله  لما انطلق عابرا المساحات الخالية لان لامجال لتعقبي دون ان يكون من يقدم على ذلك مكشوفا لي كما لا مجال ليباغثني ...كنت ببساطة اركب التحدي عاليا ...حتى امام من كان شكهم عاليا نحوي ...كنت اعرف انهم مهزوزن نفسيا ومتخوفون ومنهزمون داخليا ليتكفل بهم توجسهم وترددهم ورغبتهم في مسك الدليل القاطع علي بتورطي وتوريطهم مع الإدارة ..للا يستطعوا ان يمروا إلى الفعل ...

لم تكن خطة تأمين خروج سالم لي من مهمة متابعة الجماعات الإسلامية وليدة اللحظة لانني كنت من اول يوم اقبل بالمهمة اعمل عليها حتى اصبحت جاهزة كليا وامنت لي ان اقول بصريح العبارة الإدارة انني انهيت مهنتي وحان الوقت لاعبر ا بي الى المزيد من المكاشفة والمعاملة اللائقة التي استحقها لا للمزيد من الالعيب والتستر وتحويل الاهتمام والإنتباه ...ان اكون منكم او لا اكون منكم ...اما عن الولاء فهو يقيدني ولا حاجة لي بان تراقبوه وتحصوه  علي ...

كنت اعلن امام من كان يعرفني في هذه الحزئيات الخاصة والسرية انني بالفعل منخرط في العمل بجانب هذا الجهاز الأمني العالي المستوى واترك له تقديره الخاص بان يعدل تقيمه لي ويرحب بي أو ليعلن استعدائي او ليلزم حياده ...واعود فاعلن امام من كان ناشطا في الساحة ومحتاج لان ياخد مني موقفا فليفعله او ليحرا على مناقشتي وجها لوجه في موضوعه ..او ليحتفظ بلسانه داخل فمه وليصمت عني ...

انا لم احقق أية عوائد مادية ولا اية مكاسب أدبية ولا صفة رسمية /رسمية تقونني تحصلت عليها ...كنت في الظل وساظل كذلك اشتغل وان اتخدت قراري يتجميد كل انشطتي السياسية والاجتماعية والعملية كما كانت قائمة مع الإدارة ..

لم اخرج خاوي الوفاض بالتاكيد كسبت خبرة ميدانية مهمة ولا فضل للإدارة ولا لاي جهاز آخر في اكسابي لها هم وعلى كل حال لم يكن سهل عليهم ان يتخلوا عن اساليبهم الحيالية  في التعامل وعن محاولة استغفالي واستغلالي ..وانا كنت قابل باللعبة الى أن قررت بان اغير في قواعدها ...

 تقبلت مني "حنان "كل دفوعاتي لانها كانت تعرف وتتابع عن كثب كل ما جرات على القيام به للوصول الى هنا وبهدف شخصي بان اقرب المسافات بيننا ..ولم تجدني فشلت في مساعي ..كانت لجانبي تحتضنني وبعد تقول لي انا بجانبك والعمر كله .... 



الثلاثاء، 1 ديسمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(20)..جنبا لجنب مع"حنان"هذه ../تابع :6-1


 

يوميات : عوالمي السرية ..(20)..جنبا لجنب مع "حنان "هذه .../تابع :6-1

 تعلمت ان احفظ عهودي رغم قساوة الالتزام بها ..لم اكن مرغما على تحمل البعاد عنها ..مرات عدة فكرت في ان اتمرد وان اخرج عن ما التزمت به طواعية مني ..لكنني كنت اعود للاارتضي لنفسي دينا اخرا غير دين الحب الذي امنت به والتزمت شريعته ..لم اكن اريد ان اتحدث عنها ..لم اكن اتعقب اخبارها ..كنت محافظا بها تكأ جراحي داخليا وعلى نحو عميق نازف ..دائمة عيني البحث عنها ..دائم ترقب لقاءها على أنني اعرف انه ما عاد بملكي أن اغير في قواعد اللعبة الجميلة التي دخلنها سوية ...

كان احتياجي لها من نوع يتذاكى في دفعة واحدة كالنار في الهشيم ..فاشعر بالسعار ..لم يكن محياها يطل علي هادئا بل دائما بنفس تقاسيم التوجم والنرفزة وبحدة نظرتها المتساءلة ..المستفهمة كمن لا نهاية لذات حديثها لي :"وماذا بعد ..؟!شنو اطارق .."اعرف انها في العادة سرعان ما ستدير راسها كالمتبرمة ثم تعود لتنظر الي وقد تحولت نظرتها ليطل منها الغنج والشبق والفرح وهي تبتسم في وجهي ولتخبرني من جديد قائلة لي :"ها انا ..."لاردد بالتالي انا داخل نفسي :"اعرف انك انت كما تعرفينني جيدا ..."لا اعرف لماذا دائما في مثل هذا الموقف معها كان يهرب مني الكلام ..ويكاد يشحب وجهي وتعلوه تعابير المرارة ...كنت لامحالة اشكوها لنفسها ..اشكوا قسوتها علي ...  واقسم لها بانها اوصلتني للحضيض طوال فترة غيابها ..اتعبني اشتياقي اللامنتهي لها ..وانهكني جسدي المتارق بالجوع اليها ..كنت انتهي مطوحا من الحرمان لا ارغب في اي انثى ولا في اي ممارسة وحدها ما يترائ لي وياخدني من بين احبتي وجماعات اصحابي لاي مكان قصي او لاي ركن بمقهى او حانة لاجلس وحدي وقد فتحت كراسي وامسكت قلما كمن يهم بان يكتب ويدون لكنني في الحقيقة كنت فقط أداور الناس وابعد نظراتهم عن الاهتمام بي ... 

"سيمحمد الشكذالي "ابن حينا وصديق كل العمر كان يعرف ماينتابني وما يتحرك في من مشاعر تجاهها ..لكنه كان يحترم صمتي ويترك لدموع اينعت بالرغم عني فرصة أن تنهمر  دون ان يحرجني او يسالني فهو كان يتتبع اين حطت عيني ونسيتها بالضبط ..كان مجرد مشهد عادي للحب على الطرقات او على ممشى رصيف شاطئ راس الرمل ياخدني لاستحضرها  ولاتوجع من افتقادها ..

مع "حنان "هذه انتهت كل الاعيب التحري والتقصي والرصد ..لم اكن اعرف عنها اي شيء ولا اريد ان اعرفه عنها ..لم اكن اسال حتى عن من يمكن ان اراه بصحبتها   ..ولا اسالها حتى هي عن كيف كانت تقضي ايامها ولا ما تفعله بحياتها ..ان لم تحكي هي ومن تلقاء نفسها فلا حق لي في الاهتمام ...كانت الهواجس تتلاعب بي والغيرة تاكلني من الداخل والحنق يكاد يفقدني صوابي ومع ذلك لا مجال للتراجع عن الحدود التي رسمتها بحضورها ..كل الذي قويت عليه أن اقزم من دائرة علاقاتي النوعية للحدود القصوى ..في بحر خمس سنوات من مبادءتها كنت اشعر بانني كبرت وشخت وانا اراها تزداد عنفوانا وتفجرا بالأنوثة وسحرا .. ايامي غذت بطيئة الايقاع وخالية من الفرح الحقيقي ..انام بجرعات ثقيلة من الأدوية لاصحو على ابتلاع غير صنفها من الأدوية المثبطة والمهدئة وبكميات مزاجية احيانا كانت تفقدني تماسكي وتوازني ..بت متحيزا للمكوث اطول الوقت وحدي والخروج للتسكع في الأزقة والحارات البعيدة والهامشية والمضلمة في الغالب ..بينما بعد الظهيرة انسحب لخارج المدينة واشق طريقي جانبيا متجنبا دخول الغابة في مساحات عارية تاركا خلفي فنار حي القشلة ماضيا للابعد من شاطئ "المسيطروا "لبقابا قلعة عسكرية مهدمة تقع غير بعيدة عن مكب النفايات العام للمدينة ..ابتلع حبات المهداءات بريقي ..لا قهوة او مشروبا او ماء صحبته معي ..انتهت ايام تلك الخرجات ....انزل صوب الشاطئ الصخري لاظل قريب من هدير الامواج ..تتعبني سجائري السوداء الرخيصة ومع ذلك اصر على التدخين دون توقف ... اخد طريق العودة بعد غروب الشمس معرجا على المستشفى والج قسم المستعجلات لاخد حقنة "ديازيبام "مهدئة تقريبا كل ليلة واحيانا كل صباح وبعد الظهيرة وفي اخر ساعة بالليل ...  لم يكن ممكنا حتى ولو توفر لي المبلغ المالي المطلوب ان اقتني في كل ما من مرة مهدئ "ليكزوميل 3منغرام او 6منغرام"على أنني انوع الصيدليات التي تصرف لي الدواء مع انني لا احمل وصفة طبية ضرورية لصرفه  ..كان يلزم ان اغيب للفترة المقدرة لانتهاء ما صرفته منها حتى اغطي عن ادماني العنيف ..لانني كنت قد استهلك كامل العلبة في اقل من أربعة وعشرين ساعة ..وحده الدواء القاتل حبوب "ارتان 5منغرم  و15منغرام "من كان يجدر بي ان احتاط للغاية من ان ينفد مني لان حالات الانسحاب منه كانت تعدمني كليا وتتركني اعاني التشنج الجسدي  الكامل على الألم النفسي المصحوب بافراغ كل ما في بطني لدرجة يصبح صعب على معدتي ان تتقبل اي طعام ...وعلى كل تحوطاتي كان الامر يقع معي لما ينفد المخزون من الصيدليات ولما اعدم ايجاد من يسعفني ببعض حبات منه من من كنت اعرف انهم يتعاطونه باستمرار ويتحصلون على وصفات بصرفه .....كنت اعرف انني اعاني من الادمان في ابشع صوره وغارق دوما في مشاكل تدبر تكلفته المادية وتوفيره وانه علي الادعاء في كل مرة امام والدتي لتمكيني من مصاريف زائدة لتغطية نهمي للذخان وللقهوى وللادوية..على أنني كنت احتاج مرة كل ثلاثة شهور الى ستة شهور للسفر لطنجة قصد تجديد الوصفة الطبية بمستشفى بني مكدة للأمراض العقلية والعصبية...

اكتب باستمرار تدعياتي التي اختنقت لغتها وطغى عليها اللون الاسود ..كما اسجل باستمرار يومياتي التي غذت بئيسة ورتيبة ..لازلت على حرصي بان اقرأ لكنه تمر علي ليالي دون ان اتمكن من قراءة صفحة كاملة لانني من شدة تخديري بحبوب "ارتان"افقد القدرة على التركيز ..كان يلزمني تذكيري باستمرار  بضرورة أن اعقلن الجرعات التي اخدها واقلص منها تدريجيا لاستعيد بعضا من صحوي ومن قدرتي على التعاطي مع الكتب والجرائد والناس والأسرة التي كان ملحوظ عليها انها غير راضية على مساري ومنزعحة تماما لمسلكي الانتحاري ...قلصت نشاطي لمستوى ما فوق الصفر ببعض الدرجات ...لم اعد مبالي بعملي لصالح الإدارة .هي بعض المهمات التي انجزها وتحث الطلب لا غير ...اما علاقاتي بالاستاذ بديع فهي شبه مجمدة منذ ان نجح في الانتخابات الجماعية ليحصل على عمادة المدينة ..بالنسبة لي فلقد اوفيت بكامل وعودي له وكنت لجانبه الى أن حقق انتصاره الأول ودونما شك سيعرف كيف يحقق فوزه بعضوية البرلمان ....صديقي "الشريف "ينشط على اكثر من مستوى في الساحة الجامعية ومحليا ضمن تيارات تسللت للفرع الإقليمي للاتحاد المغربي للشغل بالمدينة كما وطنيا ضمن جامعة الأندية السينمائية بالمغرب ..صديقنا "الكراب "كون مجموعته الغنائية والموسيقية "خيال " كما انه قطع شوطا في تكوينه الأكاديمي كاستاذ لمادة التربية الموسيقية تابع لوزاره التربيه الوطنيه وشبه عازم على الزواج وان لم يخطب رسميا رفيقته الحميمية ..  "سيمحمد الشكذالي "دخل طور الياس من تعلمه الجامعي في شعبة البيولوجيا يقصد مدينة الرباط ضجرا فقط من خنقة العرائش وليبرر حصوله على المصاريف المالية وما تبقى من منحة دراسية .."عادل مازيغ "اخد يخلط في الادوار فهو لم يعد يجد بغيته في عالم الحلاقة المهنة التي تعلمها واكتسب صنعتها واخد يتطفل على بيع الحشيش .."عبد الرحيم السباعي"لا يعرف ماذا ياخر  ولا ما يقدم وظروفه الاجتماعية والمادية تشعل النار في جسده وقلبه يكاد ينفجر وهو يستشعر دونيته كلما شدته الحاجة ليحصل على انفاس من الحشيش التي ادمنها.."رشيد المتوق" لازال يستقوي على اوضاعه المبعثرة بالضحك والسخرية ..لقد تجوز مؤخرا وأضاف زوجته لبيت اسرته المكتظ  والمعطبة احواله باستمرار ..بلا عمل قار يخرج ساعات ليصطاد البوري ويبيعه بالاسواق وساعات يقضيها بالسوق المركزي بمحلة السمك يشتغل بتنظيف سمك المبتاعين ..."منير الهنا "..بلا جديد يذكر ..بعد لا يعرف كيف يجد حلا لعطالته وبعد يأن تحث حمل انه المسؤول عن كل أخوته واخواته البنات وعليه أن لا يخل بواجبه ...يظل قابعا في وحدته وهمومه ولا يلبث أن يأتي طارقا علي باب بيتنا باحثا عن بعض السلوى معي ...

حاول معي "الشريف "عديدا ليعيدني لدائرة الاهتمام والنشاط والفعل لكنني كنت قد اتخدت قراري بان اناى بنفسي عن اي نشاط سياسي او ثقافي وان اكف عن الحضور او التواجد ضمن أية فعاليات سياسية أو نقابية او ثقافية ..على انني كنت افتقد لاصحابي ولكل تلك الأجواء غير ان تقديري المصلحي جعلني لا اساوم نفسي في الرجوع لا لنشاطي داخل مقر الاتحاد المغربي للشغل ولا ضمن هيئة حزبية اخرى غير حزب الحركة الشعبية الذي انهيت ارتباطي  به وبجريدته  التي كنت اشتغل لحسابها مثلما تقرر عندي من اول يوم راهنت على العمل بجانب الاستاذ محمد بديع "العمري "..وبالتاكيد لم أرحب بمبادرة اخوان من الشبيبة الإستقلالية لانشط بجانبهم وضمن جريدة العلم بجانب مراسلها الحزبي محمد ابو غيور ..وبموازة لمراسل صحيفة الحزب باللغة الفرنسية "ليبراسيون "الاستاذ بيضون ودائما لنفس الأسباب الشخصية التي جعلتني اتنازل عن الكتابة المحلية للشبيبة المدرسية التابعة لحزب الاستقلال ومن قبلها عن النشاط في منظمة الكشاف المغربي والتي تختصرها مجموعة المواقف التي كان يتبنها السيد والدي ومن بعده مباشرة اخي الاكبر خالد وبالتبع طبعا والدتي بكل عفويتها ...لم اقبل على نفسي منطق الإنتهازية والمنفعية والوصولية الذي كان يدعونني الى أتباعه ..كما لم اقبل حصري في الزاوية لينهالوا علي بالضربات الموجعة المتتالية وهم يطلبون مني كل مرة بكشف بيان ما انا فاعله بمستقبلي وبوضعي المهني والاجتماعي ...نفس المنطق الذي حاولوا به تسميم علاقاتي مع الاستاذ بديع ومن يدور في فلكه لكنني ناورتهم جيدا فيه الى ان اكملت ما كان أشبه بدين على عاتقي تجاه الاستاذ بديع ...ونفس المنطق يقف جزئيا وراء تجميد كافة تحركاتي الممكن ان تخدم مساعي مع الإدارة لانه ببساطة وكما تعبت من ترديدها أمامهم "ليست هكذا تؤكل الكتف "كفوا عن الضغط علي واتركوا لي المساحة والوقت الكافي لاحقق النتائج التي اصبوا اليها والتي استحقها عن جدارة دون هسترة خطواتي وبلبلة نفسيتي واقحامي بالقبول باي شيء تحت مسمى انه وظيف قار ورسمي .....

"حنان "هذه كنت اخبرها اول باول ما ان تاتيني بكل جديدي وبكل خطواتي وكنت اطلب منها ان تشغل معي عقلها الذي استهواني وان لا تحاول اختبار صبري او صلابتي ..كانت لا تخفي مخاوفها من تحركاتي التي كانت بلاريب تخلق لي عددا من الأعداء الحقيقين ..كما كانت على الاقل في المرحلة الأولى من معرفتها بصلاتي لا تقبل مني ان اضيع الفرص المعروضة علي لكنها كانت تعود فتعترف لي بمنطق حسبتي للخسارة من الربح الحقيقي ...

اينما اوقفتني "حنان" كنت انسى الناس الا من ذلك الحس الرصدي الذي لا يمكنني بآية حالة ان اتخلى عنه ...لم نكن محط محاكمة من كل الناس ..كنا معا نستشعر اننا نحرك فيهم اطيب المشاعر ..وكانوا يتقبلوننا بصدر رحب وبالكثير من الابتسام والتشجيع وفي احيان عدة كان منهم من يقتحم علينا عالمنا ليبارك علاقتنا ...كثيرا ما جمعنا اللقاء بجوار حيها السكني ..اي وسط سوق الكبيبات او على مدخل باب القصبة وكانت تندلع بيننا الاحاديث والنقاشات لتمضي بنا للاكثر من الساعتين وعادة كان لي ما اقوله وما احكيه وما اخبرها به وما أدافع به عن نفسي امامها لانها لم تكن متساهلة معي وتلك اصبحت طريقتها لتقول لي انني أهمها وأنها اكثر من ان تكون تحبني ..وانا كان لازم علي في كل مرة ان اوضح كامل مواقفي وابسطها امامها لأكد لها انها تعنني ولا يمكنني بآية حال الا ان اترك لنفسي الحق في ان تبني معها احلاما وتسعى املة ان تحققها على أرض الواقع 

مع "حنان "هذه اخدت كامل حريتي في التعبير لها عن مشاعري وعن احساساتي وعن احلامي ..ومعها تمنيت بحق ان احقق الارتباط بها ولم اقل بصيغة انه وارد او جد محتمل ان يحصل بيننا ..بل قلت انه مسعاي لو نلت فرصتي الحقيقية ..

"حنان "هذه لم تكن في موضع "كريمة مراتي"التي كانت طفلتي الرائعة والمحبوبة على الدوام حتى عندما كبرت واخدت تعاملنني على أنني طفلها الاثير .."كريمة "كنت من البداية صريحا معها ومع والدتها التي استئدنتها في شان ان ارافق صغيرتها البكر للعمر كله .. مع "كريمة "كنت دوما متنبها لعمرها النفسي ولاحتياجاتها المرحلية ..كنت مشغولا بالبحث والتحصيل  على المعرفة التي تمكنني من اجيادة  الدور الذي امارسه تجاهلها ومعها ..كانت مسؤولة مني ..كانت الطفلة التي  اربيها واخاف عليها من اقل احساس قد يسئ اليها ..كان يلزمني في مراحل معها ان اتحلى بصبر ايوب  وهي مرهقة بي ..تشكوا الم تعلقها بي وانا افعل المستحيل لترضيتها ومسح الدموع عن خدها ووعدها بانني سابقى دوما لحانبها  ..هي دائما كانت تنظر لي على أنني كبير وناضج ومحبوب من الجميع وكانت وهي طفلة تدرك أنها صغيرة مني واننا مع كل ذلك بامكاننا أن نحب بعضينا ونعبر عنه على مقاسنا وفي الحدود التي لا تسيء الى أي أحد فينا او الى من تقبلوا منا مثل هذا التفاعل الوجداني .. لم تكن وحدها المسؤولية الأدبية من تكتفني ...اعرف انه كان مشهود لي بايجادة أساليب التربية غير النظامية وناشط ضمن حقولها كما سبق وان حصلت على شهادة تقديرية في موضوعها وعلى تقديرات أخرى مختلفة ..على أنه ومع مختلف الجنسين لم يسجل علي اي اخلال بالعلاقة التي كانت تربطني بمجموعات الاطفال والفتيان واليافعين الذين كانوا تحث اشرافي وبمعية فريقنا المكون أساسا من "الشريف "و"الكراب محمد"و"رفيق بلقرشي "واختي "بشرى"كما اننا كنا نعمل نظريا تحت تأطير  إدارة دار الشباب الراشدي ومندوبية الشبيبة والرياضة وتحث اشراف موازي اخر من الإدارة الفعلية والإدارة التربوية ومنسيقي اللجن الثقافية والفنية والتربوية باعداديتنا الامام مالك ..كما عملنا تحت تأطير قادة منظمة الكشاف المغربي واعضاء مكتب الشبيبة الإستقلالية خصوصا في مواسم الصيف..ولاحقا تحث غطاء نقابي عام وبتنسيق مباشر مع الشبيبة العاملة التابعة للاتحاد المغربي للشغل في شخص كاتبها المحلي النشيط عبد الخالق الحمدوشي ..واجتماعيا لم تنقطع علاقاتي بكل طفل وطفلة مر ولو لموسم وحيد بنادينا  "نادي الافاق "..الذي كان طفلي الذي سهرت على إخراجه والاشراف عليه وعلى دوام التكوين وإعادة التكوين في ظله وبهدف تطويره وبناءه من الداخل ..

"كريمة "كانت تعرف انها طفلتي التي احب وارعاها الى ما بعد ان ترتبط هي وتنجب اولادها وللعمر كله ..."مراتي "كانت لعبتنا المفضلة لانها كانت ملتصقة بي وآسرني بدوري تعلقها بي .لابادلها في عمر لاحق الحب ولتذوب بيننا المسافات الا من قناعة راسخة داخلي بأنها تستحق الافضل وتستحق ان ترتبط بمن يوافق عمرها ولمن تختاره عن قناعة ووعي لا من ألفة وترابط وجداني انساني ..

مع "حنان "قاربنا الحلم واشتغلنا به وعليه ..ما بيننا اكثر من اي انسجام مرغوب ومطلوب  في اي علاقة ..كان بيننا كامل التوافقات العاطفية والجنسانية والاجتماعية والعمرية والفكرية ..وكنا نجيد  الاعتناء ببعضينا ..كنت اعرف انها تسال عني وتتبع خطواتي حتى وأمر تجسير المسافة بيننا كان موكول لها لوحدها لكنها ما دامت قد اقتنعت بأنه كان يلزمنا الكثير من الوقت والعمر لنجد شكلا يربطنا ببعضنا ويحضى ولو شكليا بالقبول الاجتماعي فكان علينا ان لا نتسرع في الاقبال على بعضينا وان لا نستهلك طاقتنا الوجدانية دفعة واحدة لنتعب ونتعب بعضينا بعدها ... 

كانت تعرف انها جزء اساسي من همومي اليومية وانني استحضرها في كل قرار او خطوة اخطوها ..وكانت تعرف انني غيرمتحفظ الا في ان  ابيعها الاوهام ..عرفت ناسي واصحابي واحبتي ومعارفي وافراد اسرتي وعائلتي مني اولا وعرفتهم شخصيا ...لم اكن اقدمها بآية صفة غير ان هذه تكون "حنان "واترك للاخر ان يقدر من تكون لي ومن اكون انا لها ..."حنان "لم تكن "كريمة "التي نمثل سويا لعبة الازواج بيننا ..والتي الجميع يعشق ضحكتها وفرحتها وبراءتها والتي تتسلل للقلوب وتاسرها سريعا والتي اوجدت لها أرحب مكان في قلوب كل افراد اسرتي وداخل بيتنا ...تواجد "حنان " معي بالبيت كان نوعيا ومختلفا تماما عن عشرية "كريمة " كان له اعتباراته الخاصة ودائرة احترام خاصة تحيط به ..لم يكن تواجدها رسميا لكنه يتمتع بهيبته الخاصة التي تفرضها شخصية "حنان "نفسها.. ثم الإطار المتحفظ الذي اوجدناه لنفسينا والتزمنا بان نعمل من خلاله في تعاملاتنا مع اسرينا ...ربما كان الامر مختلفا عندما نتفق على أن نتسلل للبيت ولغرفتي الخاصة بعيدا عن رقابة الجميع ..لكن ابدا لم نكن نخل باطار التعامل المتحفظ مع اهالينا ..."كريمة "ممتعة بلا حدود ..ضلت مصرة على أن تتمادى  في لعبة طفلتي المدللة امام الجميع ومع ذلك لا احد بالبيت ولا من طرف اهلها او جيرانهم  كان يقابل تصرفاتها وطريقة تعاطينا مع بعض بالرفض او الاحتجاج ...مع   "حنان " خلقنا سوية جوا من الانضباط الخاص لقواعدنا نحن التي لم نكن نتمثل ونتماهي فيها الا مع ما يناسبنا من قواعد سلوك وقيم مجتمعية ..كان ينبغي ان نتجنب الصدام المجتمعي وكان ينبغي كذلك ان ندافع عن اختيارتنا الواعية .."حنان "لم تكن امراتي ..ولا زوجتي ولا كنت كذلك انا بالمقابل لها لكننا نعرف على نحو عميق انه رهاننا .."حنان "كانت شريكتي وحرصت انا من جانبي على أن تتعرف على كل الناس المؤثرين في حياتي وان تجلس وتتعرف عن قرب لكل من اتعامل معهم لانه كان يهمني ان اسمع منها رؤيتها الخاصة فيهم 

"حنان "دربت ملامح وجهها لتخفي اكثر مما تظهر او تعبر او توشي..وحيادية نظرتها كانت طريقتها في سبر الاخرين ..حركتها وطريقة جلوسها ومشيتها مراعية جدا على النقيض التام عن ما تكونه لما نكون مع بعضينا او برفقة صاحبتيها الأختين الحميميتين .."حنان "لم تعد تلك المراهقة التي تفتعل ذكورية صوتها .اصبحت تلوك الكلمات والعبارات على جرس واحد متوسط الوتيرة وبكامل الطلاقة وخال من نبرات الانفعال ..وحتى الملامسات بيننا مدروسة جيدا لتوشي بالقدر الذي نريده منها ان توشي به اجتماعيا ...

"حنان "مثلما فاجئت معلمها للغة العربية بالمدرسة الابتدائية وجارهم الاقرب نسبيا الذي لم يتذكرها بداية "الاستاذ بديع "بطريقة ضبطها لآداب المعاملات الاجتماعية وباسلوبها في ابراز شخصيتها وجعلته ينتبه لي جيدا كمن يثني ويستغرب في ذات الان على فوزي بهذه العلاقة ..فاجئت "السي احمد" رجل الإدارة  وفرضت عليه احترامها ..اما السيد العميد فقد جاء للتعرف إليها شخصيا وهو يضع ما تستحقه من احترام مسبقا ...

كانت تغيب عن كل طرقات المدينة وعن كل الاماكن وتختفي وعادة كان بالاتفاق "المجنون" بيننا ..بعد ايام متتالية من التلاقي والحب والفرح والجنون  يتقرر بيننا ان نترك مسافة للبعاد بيننا واحيانا كان يتقرر الأمر مني وابثه كحكم صادر مني وعلي لانها كانت تجدني بعد متمادي  في ان اغلط في حق نفسي وفي حقها بالتتالي ..كنت اعاقبني واعرف كم صعب علي ان اعاقب فيها ..ان احرم  من وجودها معي وقربها مني ..كانت تعرف مني انني لا اقبل دور الاشفاق علي ولا دور الممرضة او المعالجة النفسانية معي لذلك لم تكن تخلط بين الادوار .. بل يحدث أن تتقبل الامر بمضاضة واحيانا برغبة في ان تصيح في وجهي وتنهال علي بالضرب لان ما اقول به يبدوا غير مستساغ في اعراف الحب لكنها كانت مرغمة على أن ترضخ لشريعتنا الخاصة في الحب ...

لم تكن كل سلوكاتي النفسية والاجتماعية محط تقبل من كل من يعرفني وكان هناك من يجرأ على مخاطبتي فيها وكان يصعب علي ان اقرب منهم وجهة نظري او اشرح لهم دوافعي الواعية واللاوعية ...اقلها ان افسر لهم كم انا اعاني نفسيا ...وكم هو حجم اغترابي بين كل الناس...مسلكي لم يكن هو ذاته ما يتبدى مني اجتماعيا وقد يختلف من دائرة لدائرة اجتماعية اخرى مفتوحة او شبه مغلقة او مغلقة ..على انه يبقى بشكل مغاير ومختلف لما اعود لنفسي وأكون لوحدي في وحدتي ....لم اكن لاتسامح مع نفسي ..وربما كنت قاسيا معها وامامي تحديات جسام مرفوعة  والمصيبة انني اكاد اكون دون امكانات مادية ويعوزني تقريبا كل الدعم المادي ان اردت على الاقل ان أقصر علي الطريق الطويل والشاق ..واصل لتحقيق اهدافي ...والأمر انني كلما ابصرت من حولي لا أجد منفدا لتحصيل الدعم غير المشروط او الكافي ...ومادام الامر على هذا النحو فلا فكاك من ان لا تصيبني البلبلة وشيء من الاحباط وبعض من الخوف من ان ادفع الثمن غاليا ...

"حنان"تحول توجسها من اهدافي البعيدة ومن ما اعمل عليه حاضرا لشيء من الاعجاب وللكثير من الفهم والثقة في ..اللغة التي طورتها معها اسعفتني في البوح بالكثير من اسراري لها دون ان اتوه في اختيار العبارات او في استحضار الذكريات الخاصة عن ماضي وماضي عائلتي وعن كل ما يشكل تاريخي الشخصي ..لعل بعادنا الطوعي والاختياري الذي وسم كل علاقتنا كان يتيح لي الفرصة لاتحدث اليها طويلا بيني وبين نفسي وعند اول معاودة لتقابلنا اجد كلامي مرتب لحد بعيد واعرف مسبقا ما ارمي من وراءه ..وهي لعلها كذلك تكون منفتحة ومستعدة كليا لتتلقى مني ولتشغل معي فكرها ..."حنان "كانت تعرف انني اعاني وبعيدا عن اي توصيف مرضي محدد ..اعاني مثل اي واحد من الشباب واعاني في خصوصيتي وكل باب الجه لا بد أن يفتح علي ضربا جديدا ومختلفا من المعانات ..لانه ببساطة لا مفر من ان اخوض الصراع مادمت اتعاطى مع الاخرين ومع الافكار واحلم ..

لم تكن "حنان " مع ما أفعله بنفسي ساعات وايام وانا في اشد حالات التفتير والتهديئ والتخدير ..كانت لتقبل بان اخضع لاشراف طبي تخصصي  يتابع حالتي ويضبط ما اتناوله واتعاطه من حبوب وادوية وعقاقير ..وانا نفسي كنت مدركا لحجم الورطة التي اقحمتني فيها لكنني مع ذلك كنت ابقي على رؤية خاصة لي بالموضوع ..ربما كنت ابرر لنفسي واجد لي درائعا فقط ..لكنه والحقيقة ما احسبها انني كنت واعيا بما انا فيه وعليه وانظر اليه على انه سيتم تجاوزه وساكبر عليه لانني املك إرادة فعل ذلك ..وكل ما يلزمني حاضرا القليل بعد من الوقت وان اراعي التداعيات الصحية والجسمانية  لسلوكاتي تلك ..

تعرف جيدا حجم افتقادي لها مثل ادرك بقية اصحابي حجم افتقادي لان اكون لجانبهم وهم يصنعون الغد الجميل بنضالاتهم  والمعارك التي يخضونها ...لكنه طريقي الذي اتفق وان اخترته ويلزمني ان اكمل السير فيه حتى ولو تخلفت عن ان اكون معهم ...كنت دائم التساؤل عن صوابية ما انا أفعله اكثر من التوجس في هل كان الرفاق سيتفهمونني يوما وسيلتمسون لي الغفران ..على أنني لم اكن لاشعر باي عقدة ذنب تجاههم ...لانني كنت متملكا لقراءتي وواع جدا بالموقع الذي انظر اليه واتتبع منه واشارك من خلاله انا بدوري في معاركنا المجتمعية والسياسية والفكرية والثقافية ...حتى الاصدام الذي حصل بيني وبين مسؤولي الإدارة كنت جد متوقع له انه سيحصل ولا بد له ان يحصل لافرض الأمر الواقع اكثر من ان استغله للقيام بتحويلة نوعية في مساعي واهدافي القريبة .. ما لم يكن ممكنا ان  اناقشه بكامل الوضوح مع صاحبي "الشريف "و"الكراب"..او لاتشاور في خطوطه العامة مع رفيقي "محمد الشكذالي "و"سعيد الكوش" كان جد ممكن مع "حنان "..لان لا خوف بالمرة كنت احسه على نفسي منها ..لا خوف من ان تسيء الاعتقاد في او فهم دوافعي او الخوف التقليدي من ان تسرب معلومات عني ...

لم تكن الامور تسير وفق مخططات محددة زمنيا بصرامة فقط وانما مرهونة أساسا بكم ما تم تحقيقه خلالها من مجموعة اهداف مرحلية وبعدها كان لزاما علي ان اقرر في شان الخطوات الجديدة التي علي القيام بها ..ما من مزاجية تتحكم في توجهاتي لياتي علي يوم لاحق فاقرر هد المعبد فوق راسي وتغيير الاتجاه ..كنت مدركا ان كل مرحلة سواء نجحت تماما فيها او فشلت فيها هي بذاتها حلقة ستوصلتي بحلقة اخرى في درب طويل رسمت معالمه الكبرى والباقي قد يتعرض مثل كل الناس وكل الاشياء لعوامل خارجة عن ارادتها وقد تفرض مشيئتها عليهم ..

الخواء الذي وجدتني عليه عظم حجم معاناتي النفسية وضاعف بشكل خطير من ادماناتي ..كنت عمليا انسحب من كل ما الفت القيام به والنشاط من خلاله .. انسحب دون تمام اليقين في هل ستنجح خطواتي في تقريب مرامي ..دون ان اتلقى حسما واضحا في كل ما طرحته على أشبه بمائدة المفاوضات ..انني كما بينت لهم لم اكن استعمل اي أسلوب ضغط او مساومة كل ما هناك انني مستبق على حريتي في اكمال الطريق على نهحي الخاص ..

بعد ثلاثة سنوات من تتبع ملفات الجماعات الإسلامية ومن تكوين قاعدة بيانات هامة كان لعملي ان ينتهي عند ذلك الحد لانه كان من العبث بالنسبة لي ان اظل اعيش مستفرا كليا ومرعوبا من الداخل في الوقت الذي اعرف جيدا ان لا جهة رسمية أو شبه رسمية يمكن لها أن تضمن سلامتي وعدم التعرض الي او محاولة تصفيتي ..

لم اتوانى طوال الفترة ذاتها ولا قبلها على التنسيق مع مختلف الجهات المعنية باستجماع البيانات والمعلومات وقياس مستويات الراي العام والاستعدادات ..كما لم اتردد في القيام بادوار خارجة عن اطار مهمتي ومنذ البداية ساهمت وبشكل عملي في توسيع شبكة المتعاطين والمتعاوينين مع الإدارة بالإضافة إلى الاسهام مع المصالح الاخرى بنفس الوتيرة في التعبئة والتجنيد ..كانت الإدارة في اطارها المعترف به والمؤسساتي حديثة التواجد بالاقليم وبالمدينة  وينقصها  الكثير وخصوصا الموارد البشرية الخبرية وقاعدة بيانات شاملة وعامة ومصنفة ..كما ان عمادة الإدارة ذاتها كانت تعوزها لحد ما الخبرة الميدانية بعيدا عن دواليب التسير والاشراف السلطوي الاداري وملا الجدادات والمطبوعات الرسمية والمتابعة الروتينية للساحة السياسية والنقابية والمدرسية  ولباقي الاحوال الاجتماعية و الشؤون الدينية والتنسيق مع مع الأجهزة الأمنية والتكفل بما تطلبه منها غرفة النيابة العامة المختصة ..

لم اكن اخفي ملاحظاتي او اتهيب في طرحها ومناقشتها مع عمادة الإدارة و دونما ابداء للامتعاض كنت صريحا في شان ان دوري في بناء قاعدة بيانات محلية عن الناشطين السياسيين والفاعلين الجمعويين وكل المشتغلين في الخقل الاجتماعي والنقابي والذين يدرون في فلكهم من المتعاطفين  والتابعين بحكم القرابة العائلية او السكنية قد قمت به وفي ظروف زمنية قياسية ولا مفر من ان اتابع التحديث والتحيين الضروري فيها لكن ليس ان اتفرغ تماما لمتابعة اي مستجد او اي تحرك في الان الذي هناك عناصر داخل الإدارة هذه مهامها التقليدية على انها شبه معطلة عن النزول الميداني ومباشرة دورها في استقطاب متعاونين معها ..

كنت اقبل بشكل حبي ان اقدم خدمات "لسي احمد" عندما يصدم  رأسه بالجدار لكنني كنت محاذرا من ان يرتضي استغلالي بذلك الشكل لاقوم بأعماله بالنيابة عنه في كل ما من مرة..لم يكن هناك من مجال لاستغفالي بانني ميسرة علي ظروف الاشتغال والقدرة على تحصيل المعلومات المطلوبة بالسرعة والدقة ..

بمثل ما قلته ل"حنان"قلته للسيد العميد وبمحضر رئيس الاستعلامات العامة للعمالة ..عملكم الروتيني يمتص كامل جهودكم ويفقدكم قدرتكم على المرور للاهم وللمطلوب تدبره ورصده ..جميعكم يشتغل على نفس الملفات  الكلاسيكية ونفس الموضوعات وينتظر التعليمات ويعتقد أن دوره ينتهي هاهناك ...

وفي نبرة من التحدي لا من خلفية ان السيد رئيس الشؤون العامة القائد العلمي استفزني قلت له :على الاقل انا عملت بنصيحة زرعوا فاكلنا ونزرع فياكلون ..وكنت اشير هاهنا الى دوري في توسيع شبكة المتعاوينين مع مختلف الأجهزة الاستعلامية بالاقليم ...

قلت لحنان  انه يلزمني ان اعود الى الظل وسافعل اي شيء لابدوا منعدم النفع والمردودية سانسف علاقاتي ساعرضني حتى للشبهة لتقع محاصرتي على ان استمر كذابة الساقية اشتغل لحساب مصلحة غيري الشخصية ...كانت متخوفة من ان افتح علي اكثر من جبهة لكنني لحد بعيد كنت مطمئنا من جهة من يملكوا بعض الحق في معاداتي لانني أعرفهم لكنني هل تفهم السيد العميد الشخصي لموقفي ولوجهات نظري فهو لم يكن يملك لوحده ان يقرر او يبث في الامور ودائما كان هناك ذلك الوضع الغريب والمبهم الذي قد تنعدم معه معرفة ما ستاول اليه الامور على اعلى مستوى وحينما تتعلق الامور بمجرد كلمات تطمين ووعود برفع الموضوع والدفاع عنه فكل شيء يبقى محتملا وغير مسنود ...

قلتها صريحة وبصوة عالي في وجهها ..لا تخالي انني افعل كل هذا لتزيفي حقيقتي الاجتماعية ولنشر ستار من ذخان حول شخصيتي  ..انني انسان ..انني اعاني وسط كل هذا ولا بأس من اقول لك بانني أخاف من الغدر ...

لم اكن مهزوما لكنني اكتشفت كم انا متعب وكم انا تعبت من الجري وبعد كل المعروض امامي من فرص للترقي الاجتماعي  مجرد فتات ومصائد ما ان اقبل بها حتى تبتلعني داخل دوامتها وتنتكص بي الى القاع الاجتماعي لاعيش التطاحن والصراع المقيت ...

لم اكن مهزوما لكنني اكتشفت كم بعد الطريق الى "حنان "بعيدة ..فتالمت لحالي..عز علي ان اتعرض للاختبارات الصعبة مرة أخرى  ..

 

  

    

الأحد، 29 نوفمبر 2020

يوميات: عوالمي السرية..(19)..شخصية "حنان"هذه ..تابع /5-1.


 

يوميات :عوالمي السرية (19)..شخصية "حنان "هذه...تابع / 5-1

 هل هزمت بالفعل ...؟! هل استطعت ان اتخلص من انانيتي وان اقبل التنازل عنك هكذا بكل سهولة ..؟! محال من الذي اعرفه مني ان يستسيغ طعما ما لم يكن هو من اختاره ...

"حنان "هذه عرفتني وخبرتني في منتهى قوتي وحقيقتي ..واتتني مرات لتهز مني الارعن في والمتذمر حد الملل من كل شيء ولتقول لي :" هيا ارفع راسك ..انا من تحدثك .."..

وكنت اظل انظر إليها جيدا ..اخد كامل وقتي لاعيد رؤيتها ..اكتشافها .. تذكرها..معانقتها بكل الشوق الذي في عيوني ..امسح شعرها ..احيط  وجهها بكفي ..الامس شفتيها باصبعي ...اداعب خدها  بظهر  كفي ...ادنو بانملي من عينها لاداعب جزءا من جفنها ...انظر إليها وابقى هناك لا ارحل الى أي مكان آخر  ..ما من ذكريات استعيد بحضورها الطاغي ..انظر إليها فقط ولا اتعدى الى  ان الامسها بحق ..كنت ادرك انها غاضبة مني او علي ...كنت اعرف انها لا تقبل مني الاعيب الموت التي ألجها  واندفع تجاهها ...كنت اعرف انها تريدني هاهنا بجانبها مقبلا على الحياة ...

اشياء مني متعددة كانت تنتظر ان تاتي "حنان "هذه الي ..كانت تامل بحق ان تاتي الي ...ان تظهر فجأة امامي وتصيح في وجهي ..:"طارق ..شوف في ...انا لكنهدر معك ..."لاستوعب انها الان تتحدث الي ويجمعنا الحديث من قبل ..ذلك الحديث الشيق الذي لطالما تقت اليه وعشت اتخيل ان اجريه ..ان أعيشه ..ان امارسه...وان اعيد تشكيله ليكون متجددا دائما ..ذلك الحديث الذي ما ان كنت ابدا في التحدث عنه ووصف أشكاله التي اتصورها والمعاني الممكن ان يحتويها ..حتى ودون ان تكون عندي أية نية في التأثير على مخاطبتي حتى المح في عينيها ذات الشوق لكل ذلك الحديث ...ويحدث ان نبدا مع بعض صياغة حديثنا الخاص ...

من زمن بعيد غارق في طفولتنا ..كنت أداور الاصحاب لاعرف منهم اساليب السحر التي تجعل تلك تقترب بسهولة من ذلك ..كنت اريد ان اعرف كيف لي ان اقترب من انثى واطلب ودها..كنت اريد ان اعرف حتى ما عساها هي ستقوله له ..وستقوله بينها وبين نفسها ...كنت اعرف انني متهيب من التجربة لحد الشعور بالخوف ..وهو ما كنت ارفضه مني ...كنت اظل انسق في الكلمات والعبارات وانتهي بان ارمي بها خلف ظهري واصمت داخليا بقناعة ان كل هذا لن يجدي نفعا ...بيني وبين نفسي كنت أخبر بان الامر في غاية السهولة ولا يحتاج للكثير من الكلام انه تماما مثل كل الذي خبرناه في الاعيبنا ..ان تاتي الي ..ان تقترب مني ..ان تتلطف بي وان تنظر فجأة لعيني بشكل مباشر وتقدف في وجهي بعبارتها دفعة واحدة :"نتصاحبوا ..."...او ان اظل مراقبا اياها ..ان اترصدها بعيوني ..ان اجعلها تشعر بأنها تعنني ..وتهمني وان اقترب منها لاجسر لها مسافة ان تقترب هي اكثر مني وان اقول لها :"تهدري معيا ..."ولا يهم ما عساها ستقول بعده ..."وشنو غدي نقولو ..."او :"وحنا كنهدروا مع بعض ..."او "انا باقى صغيرة على ذيك الهدرة ..."لا يهم ما ستلوكه من كلمات بعدها ومن قبلها ..من الان الذي قالت لي فيه انها تقبل مني ان اراقبها وانني  اعني لها شيئا ..ومن الان الذي حركت في الرغبة والجراة لاقترب منها ومن الان الذي اقتربت هي فيه مني ...كنا قد بدانا "الهدرة .." ...

كنت اعرف اننا مهما كبرنا لن نكبر على خبراتنا العميقة الأولى ..وكنت اعرف انني كنت اخوض العيش على اكثر من مستوى للاقنع بتجربة واحدة للاحساسات وانني في ساعات لم اكن اعاني من اي حرمانات جنسية او عاطفية عامة غير أنني اكاد افنى من جوع محدد لاحساسات بعينها .؟احتاج لان استعيدها ..لان اعيشها ..لان اتنفس داخلها .."حنان "هذه الجوع اليها كان قاتل ..لانه جوع من نوع خاص ..جوع لمن يشغل عقله معك إلى أقصاه ..جوع لمن على استعداد لان يحطم مثلك كل الاصنام وكل الطابوهات ..جوع لمن نادرا وحميميا جدا ان تجمعنا لحظة ضعف نبكي فيها سوية ويرتشف كلينا من دمع بعضينا ..ونتحاضن بقوة وعنف كمن سنفتقد بعضينا للتو وللابد ..جوع لمن نمضي سوية ..جنبا إلى جنب ..كفا لكف..ورافعين راسئينا غير مبالين بامارات الحب الذي كنا للتو نمارسه والتي تفضحنا ..  

"حنان"..تريد ان تجدبني من اسفاري في عوالمي لاعيد اكتشاف حقيقتي البسيطة معها ..حقيقة الطفل الذي كبر بالاتفاق معي ..كبر بسرعة ولحظة واحدة  ورفض حتى ان يعترف تمام الاعتراف بكل الذي جعله يودع طفولته مبكرا جدا هكذا ...

"حنان"هذه لم تكن الطفلة التي ربيتها على انها امراتي "كريمة مراتي "التي كانت اروع الاحساسات التي تهبني اياها لما تنخرط معي في مزاج امومي..لما تاخدني وكانني انا طفلها ولما اترك لها ان تعيد خلقي وراسي على صدرها مدفون بين ثديها واصابع كفها تمرح في شعري ..تداعبه بكامل الحنو ..

"حنان "هذه  تعرفني في اعماقي السحيقة..تعرفني خارج كل الأقنعة التي اجيد ارتادءها .. تعرفني في جوعي الخاص للانثى البدائية ..للانثى المحترقة دائما ودوما لتمارس الاحساس بذاتها وجسدها ....مع "حنان "هذه لم يكن هناك وقت خاص للحب ولا مكان محدد سلفا لذلك ...في اي مكان ..في اي زمان ..ونحن نتبادل النقاشات الجادة ونحن نحضر عرضا سينمائيا او محاضرة لم نكن نكف على أن نمارس الحب ..دائما كان هناك أسلوب لنمارسه وللانبالي  او لنهتم لعيون قد تكشف محادثتنا ..وقد يتطور الحديث ليصبح فاضحا ولا اي منا يهتم او يبالي ...كانت جاهزة لتتصدى لاي احد قد يفرض نفسه علينا وينوي التدخل ...وكم كنت احب منها قتاليتها تلك ..كانت في لحظة واحدة تحتد ويتعكر مزاجها وتصبح مستعدة لتدخل معركة وتربحها ...

كل الذي اعتقد انه ناولني العبور اليها كان صدقي ...كنت صادقا معها لاقصى درجة ...ربما كل اللواتي عرفتهن يوما كن متجاوزات لمسالة الغيرة علي ..غير انه مع "حنان "هذه كانت ملغية تماما ..كانت ابعد حتى على أن تحتمل كفكرة وكفكرة تملكية ..كان لها ان تاخدني من جانب أية واحدة لتقبلني ملا شفتي وتحضنني قليلا ثم تخاطب مرافقتي :"تهلاي فيه ..."وتتركنا معا ...كانت رائعة لاعيش معها كل فنتازيا العشق التي تشربتها من اروع الروايات العالمية المترجمة وقصص الشرق السحرية وكل الافلام التي سلبتني والموسيقى والاغاني التي سكنتني .."حنان "كانت قادرة على تذهلني بكامل تجاوبها الغير المفتعل او المتصنع مع احتياجاتي النفسية والسيكولوحية  ...تلمح كفي وقد امتدت وسط زحام نسوة السوق فتمد يدها لتحضنها ثم تكمل عبورها ...نترافق مسافة مشوار وكتفي  لكتفها دون ان نتفوه باي حديث ..دون ان نكون على سابق موعد او انتظار ان نتقابل ..وقد نفترق دون ان نتوادع حتى لأننا اكتفينا .."حنان "عندما اخدها مديرة ظهرها لي ترقد مستسلمة لاحتضاني لها ..لا تصد اي ملامسة لي ...وحتى عندما اشعل سجارتي لا تتبرم من دخانها..نظل واقفين لزهاء الساعتين نتابع عرض شريط الصباح ضمن فعاليات النادي السينمائي ..رافضين  ان ناخد مقعدا ضمن الحضور ..وقد يحدث أن اخد او تاخد هي كلمة ضمن النقاش الذي يعقب مشاهدة الفيلم ونحن على تلك الوضعية ...ارغمناهم على أن يانسوا منا حريتنا في ان نحب بعضينا على مثل ما نفعله..."حنان "في اي لحظة قد تنزرع واقفة بجانبي وبكامل تنبهها ستتابع ما اخوض فيه مع اي كان موقعه السلطوي او السياسي وستتدخل ولن تحتاج لتعتقد بأنه يمكن ان اصحح لها ما ستقوله من موقع انها عارفة بمشاغلي ولحدود المقبول واللامقبول مني ..انها صوة مني يؤكد حتى لمن لا يعرفها ويعرف بسابق علاقتنا ببعض انها تدركني ..تعرفني في أعمق خصوصياتي وحتى في طريقة تفكيري وقياسي للامور ..."حنان "لم تكن "كريمة مراتي "التي تدرجت معي منذ ان كانت طفلة تحملها امها لروض الاطفال وقررت أن اصاحبها واستملحت ذلك ثم تكفلت انا بايصالها على مدار السنة لروض الاطفال وايصالها لمنزلها وكانت أحيانا تقضي بجانبي فترة الظهيرة كلها الى أن اعيدها اخر المساء من الروض لمنزلها.."كريمة مراتي "مثلما كنت حريصا على أن اطعمها بكفي لقمة لقمة وهي تجلس حجري اضحت هي لما كبرت كذلك أشد الحرص على أن تطعمني وان تهتم بكل راحتي  ..."حنان "هذه تحققت معها كل "الهدرة "التي حلمت وشغفت يوما بان احقق الشيء القليل ..القليل منها مع كل بنت تعلقت بها ...

"حنان "تقبلتني في كل اطوار عمري ..في كل تقلبات احوالي ..ربما لم تكن لتوافقني في عدد من اختياراتي وكانت لا تصمت في وجهي وتعبر بكل غضب وغيض عن امتعاضها من بعض مواقفي وتصرفاتي الاجتماعية لكنها ابدا لم تحسسني بأنها على غير وفاق معي انا او أنها مدعوة لتاخد مني موقفا عاطفيا اخرا ..قد لا نخرج بتوافق فكري حول قضية نتناقش حولها لكنها لم تكن لتودعني بغير امتع القبلات واعنف الاحضان ..وليبقى الخلاف الفكري قائم بيننا ...

مع "حنان "لم اكن في حاجة لاي ادعاء ..حتى تغطية افلاسي لم اكن في حاجة له معها ...هي قد تلحق بي دون استفهام ان دعوتها لدخول مقهى ..تعرف انني قد تدبرت امر مصروف اضافي يكفي وانتهى الامر ..."كريمة مراتي "كانت ستسال حتما ولن ترتاح الى أن تعرف كل ملابسات الامر ...

"حنان"كانت ترسم جيدا الحدود مع الغرباء الذين تجدني بصحبتهم ولا تتخلى عن صرامتها في التعامل معهم والتدخل لتصحيح النصاب ....و"حنان "نفسها مستعدة في لحظة واحدة لتعاملهم بكامل الندية ان لمست مني انني اعاملهم كذلك ... اصحابي أصحابها لكنها تعرفني انا وحدي وصاحبتها صاحباتي وحر انا في التعاطي معهن كما اشاء..

"حنان "هذه احبت بشكل رائع "كريمة مراتي "  كانت تتقبل منا لعبتنا الجميلة وتستحليها بدورها ..تجلس "كريمة مراتي "لي كطفلتي تنظر لعيني بحب وشغف وهي مطمئنة لاحتوائي لها بين ذراعي وهي لا تكف عن طرح الأسئلة وطلب الكثير من التوضيح والتعبير عن كامل رغبتها في ان تعرف اكثر ..وغير ناسية لان تزواج الحاحها بخلق جو من المرح والامتاع ..كان مجرد النظر في عينيها الرماديين وشكل وجهها الطفولي الممتلئ يكفيني لاشعر باكبر امتاع وفرحة ...لكنها كانت تابى على نفسها ان تتركني دون ان تشعرني انها كبرت وتكبر ..تظل تتحرك في جلستها بين حجري على الارض المنبسطة محاولة اثارتي جنسيا لاشتشعر دفئ جسدها الممتلى من الردفين هي القصيرة القامة  بعض الشيء..كانت تعرف هي نفسها انها كبرت على مثل هذه الالعاب لكنها ظلت اللعبة الاثيرة لها ولي ..لم تكن تمل من ان تذكرني بأنها الطفلة التي احببتها واحبتني واندفعت تريد بسرعة أن تكبر لاحبها عن حق كانثى حقيقة ..لم تكن "كريمة مراتي "لتتنازل لاية واحدة تريد ان تسرق منها مكانتها كطفلة واعدتها مند ان كانت بنت لم تكمل عمرها الخامس بعد ..واعدتها وخطبتها لنفسي على أن تكون امراتي الصغيرة وانا رجلها الكبير ..و"حنان "يروقها اكثر الطريقة التي تعبر بها "كريمة مراتي "عن نفسها ..عن خصوصية علاقتنا ببعضنا ..وعن لما لا تمانع في ان تكون لي علاقات اخرى ...وتاخد "كريمة مراتي "لتجالسها مثلما كانت معي ..وهي تهمس لها بأنها بدورها ستحبها وتحبها مثلما تحب حبي لها ..وكل الذي كان يلزم "كريمة مراتي "لتتجاوب مع "حنان "هذه وتدخل معها في اللعبة ان تلقى من عيني الإشارة وان لا اشيح بعيني بعيدا عنها ...

لم اكن لاستغرب مما يحصل معي لكنه كان يتسلل لداخلي احساس متكاثف بالوجود والاغتراب معا ..احساس بانني اتعرف علي ..اكتشفني في اعماقي على غير الصور الممكن ان يتعرف بها علي اي احد يدعي انه يعرفني ..واكتشف كم هو ممتع للغاية ان اقابل مني الطفل الذي كان يحلم في غفلة عني  وتعمدت ان اتجاهله في ..الطفل الذي كنت اجده يبرق مع الدمع التي تنهمر من عيني رغم مكابرتي وانا غارق في قراءة الروايات وفي مشاهدة افلام الزمن الجميل الكلاسيكية العربية ..الطفل الذي تراهق هو الاخر في خفية عني ودون ان يحرجني وغدى يحرك في حب الموسيقى الفرنسية العاطفية وسينما ووجوه فرنسا ...ويثير في الحلم بفرنسا ...فرنسا التي لا اعرفها الا من الروايات الشعبية  المترجمة ..فرنسا الأبواب الخلفية والازقة والحارات الكئيبة ..فرنسا التسكع والخمرة والشعر والادب ..فرنسا الاخرى لم اكن بقادر على ان ابني معها حلما لانها كانت تخيفيني ..لا اتصورني سانجح في بناء أية علاقات طبيعية بها لانني مغروس هاهنا وحتى الحب الذي كبر بتواطئ مني لفرنسية تختارني انا المسكون باللغة العربية والمسحور باجواء الروح الشرقية كانت "حنان"هذه تجسده في ابهى تعبيراته وتعيشه معي بكل رحابته ...

لم تكن لحظات منفلتة من ذلك العيش اليومي الرتيب ..بل كانت جزءا اساسيا من يوميات عيشي الاثير ...رتبت حياتي لاعيش ايامي كما اردتها ..كما اريدها ..وحتى في عز انشغالتي كنت مصرا أن ابقي لي مساحات خاصة لأكون انا فيها بمثل ما أريد ان اعقله مني ...كنت حريصا على أن ابقي لي مكانا يلصق بشخصي في مقهي ..وليس اي مقهى عام وحسب ..بل اقرب مقهى للروح الفرنسية التي تستهويني ..مقهى مفتوح في وجه اي زوجين متحابين ..مقهى تاوي اليه اجمل المراهقات ...ركن على الاقل بمقهي عام متاح للحب العمومي ..مقهى يعبق بالعطر  الانثوي وينعم بالاضاءة الخافتة ...وكنت قد وجدت بغيتي بمقهى "لاكوست"..وكسبت ود  صاحبها والمستخدمين بها واخدت كامل حريتي بالقراءة والكتابة بها والجلوس لاطول الساعات  .. كنت بعيدا على أن أرى من ركني القصي الذي ارتاده مما اعطاني مساحة للخلوة وجعل من المكان أشبه بالمخبا العام الذي أقصده لاجلس لوحدتي وسط الناس ولا اشيع خبره الا بين اقرب الاصحاب والصاحبات لي..حتى لا يتحول لمنتدى ويضيق علي من زواري ويضيع علي الوقت الذي خصصته اصلا للكتابة والقراءة ..

تعرفت للحانة المجاورة للمقهى " حانة الكعبوري"   واخدت تعرج عليها قدمي في بعض الامسيات كما في بعض الظهيرات لاحتساء بضع جعات متى كانت احوالي المادية ميسرة ..واخدني جو السجائر وروائح الشراب والطعام المطهي  وثرثرات زوارها الشبه الدائمين ..كنت اجلس كرسيا بركن على حافة "الكنطوار  "..بزاوية مائلة تجعلني متخفي باعطاء ظهري لكل والج للحانة ..وفي نفس الوقت قادر باستدارة جانبية خفيفة من مراقبة كل حركة دخول للحانة ..اكتفيت طوال الفترة الأولى على مجرد الاستمتاع وبتجاهل  مبادلة النظرات مع روادها لكنني مع ذلك كنت حريصا على تكوين علاقات نظرية مع من كانوا يعتبرون من روادها الاوفياء خصوصا من من كانوا مثلي هم بالعادة يجلسون لوحدهم وينصرفون لوحدهم  ..ربما كان بامكاني ان اثمل في امسيات بالحانة لكنني فضلت ان لا افعل ذلك ابدا وان احافظ على وتيرة شرابي الخفيف حتى عندما بدأت تجمعني بضع دردشات  مع من تقربت منهم ...

اقصد المكتبة للمطالعة ولاستعارة الكتب بمثل ما حافظت على كامل اتصالي باصحابي و الاستمتاع لجانبهم بالتذخين بين الفينة والاخرى وتنظيم سهرات شراب بمقهى المحطة الطرقية التي تظل فاتحة ابوابها على مدار ساعات اليوم والليل كله وقد نحولها لمقهى "مرحبا"المعروفة باسم صاحبها "كرميلوا" الواقعة على مقربة من ساحة "كواطروا كامينوا "  ..كنت أوسع من دائرة نشاطاتي واهتماماتي ليكون بامكاني دائما ان اتخير وبتنوع برنامجي اليومي واجعله يستجيب لاحتياجاتي النفسية ويعوض علي الوقت الذي كنت اقضيه منكبا على نحو عملي في نشاطات سياسية أو أشبه بذلك تتطلب مني كامل تنبهي وانضباطي الشديد مع الدور المفترض انني اتقمسه وامارسه ..  

"حنان "هذه   كانت ملتزمة ببرنامج دراستها ومتى سمح لها الوقت بان تقابلني كانت تأتي من تلقاء نفسها ..وكانت على العموم قادرة على أن تترصد خط سيري  وتصل الي او تبلغني خبرا بأنها تريد ان تراني ..وكان دائما اي وقت يناسبنا ..كان التسكع على طول الافريز السفلي للشرفة الاطلنتكية في الظهيرات ممتع في كل الفصول ..وكان البقاء اعلى التلة المشكلة لساحة "دار المخزن "بعد غروب الشمس بكل ما تشكله اطلالتها على الميناء وعلى الطريق الرئيسية لطنجة وعلى موقع مدينة ليكسوس الأثرية ..بالإضافة لتطرف المكان والمنطقة المحيطة به عن باقي اضواء وحركة المدينة والاسواق والازقة الشعبية مكاننا الاثير لنستحظر روحانيتنا ولنتشبع بالهدوء والسلام وليحلو لنا أن نمارس الحب دونما الكثير من التحفظ ...

"حنان "هذه ابدا لم تكن تلك البنت المستهترة ولا المهزوزة الشخصية كان لها اباءها الخاص وعزتها بنفسها وقادرة على أن تصوم الدهر على أن ينال منها من لايستحقها ...احيانا كانت تبدوا مرهقة ومتعبة وعبثا تقاوم الرغبة في البكاء واول ما تراني حتى تتنفس الصعداء وتقف مكانها وتعرف انني ان لم اتيها ..او تجاهلتها فلن تلحق بي ..لن تقوى على أن تنادي علي ..وتعرف ان جسارتها وجرئتها انتهت اول ان قررت هي ان لا تبحث عني ..وقررت أن تغالب حاجتها لي ..وأنها متى راتني ولم تمضي لحال سبيلها كما تفعل كل ما كان هناك ما يدعوا للا نلتقي حسب تقديرها الذي اعرف انها تضعني في نظره ..فهي لم تعد تقوى على المكابرة ...ولم يكن لي ان اتجاهلها البثة مهما كانت ظروفي ...ومهما كان  شخص الذي ارافقه والمصالح التي تربطني به ... هي من جانبها كانت تعرف انني ملتزم بقرار ان لا ابحث عنها في محيطها السكني ولا بمحيط الثانوية التي التحقت بها ..ولا لي لان اسال عنها صاحبتها القريبات منها .اللواتي ابادلهن السلام والتحية ولا سؤال بعده عنها او عن غيرها ..هن يملكن ان يبلغنني خبرا او أمرا منها او يرتبن لي موعدا معها ..لكن انا قررت معها ان اظل غائبا وان ابدا لن احاصرها بطلبات مقابلتها ...ربما لم تتقبل الامر بادئ الأمر لكنني عمدت على توضيح كامل قناعتي التي تقف خلف تبني مثل هذا القرار ...ببساطة كنت دائما احكم تمييز جماعتي الأولى من صاحباتي وأصحاب الحي الذين كبروا لجانبي (على اعتبار انني كنت اتقمس معهم دور الطفل الذي كنت أتركه بمعزل عن كل تفاعلاتنا وانفعالاتنا ...بينما انا كنت كبرت قبل أن ادرك عمر الخامسة ) ..  كانت متجمعة عندي عشرات الشواهد المتخلفة من مواقف كنا نعيشها ونختبرها ونترصدها ..وكنت اعرف جيدا ان اي واحد منا مهما كان طبعه ومستوى ذكاءه متى تحكمت رغبة فيه ما عدم طريقة للوصول بها لتحقيقها ...حتى احقر الرغبات او مما قد تعرضه للاحراج الشديد بعد نيلها او قد تعرضه للعقاب والمنع ان اكتشف أمره بعدها ما كان ليبالي الا بتحقيقها ...انا وقفت جيدا عند مساءلة كل ما الذي حقا كان يحرك فينا مثل تلك الرغبات ومثل تلك الإرادة لتحقيقها ..وعدت وتساءلت مرات بالكثير من الاسى عن اين تذهب كل تلك الإرادة التي كانت بحوزتنا لما كنا صغارا في العمر ..وما الذي يمتصها منا ويكاد يقتلها عند البعض منا ليتحول الى اندل جبان ومرتعد ومتردد لبقية عمره ...وعدت لمجموعتي لاحرضهم على أن يحتفظوا لاطول عمر ممكن بالطفل فيهم لانه خلاصهم من كل دجل يرتكب في حقنا باسم التهديب والتربية والتنشئة الاجتماعية وباقي التحويرات الأخرى التي تاسس لها السوسيولوجيا ..

لم اختر الاعتصام باناي ..ولا استهواني من اي جانب لعب دور الدجوان..انا افصحت لها منذ البداية عن ماهية تبادل الأدوار بيننا ولم يفتني ان اخبرها بانني شخصيا مللت ان اقدمني ذكرا لا أشبه ذكور مجتمعي لاناث نسقيات ..اردن لهن ان يلعبن نفس اللعبة بكل الفر والكر فيها ..بكل اساليب التحريض والاثارة والانسحاب ..بكل ذلك التلميح بالقبول والعودة للمانعة ...بكل ذلك التحايل .. الذي لم ياتي من فراغ وانما كان انجع وسيلة لترويض ذلك الذكر المنفوخ فيه من كل جهة ..مجتمعنا ذكوري بامتياز ..تاريخنا تاريخ تسلط الذكور على الاناث ..وعلاقتنا مهما بدى الجنس فيها مشاع ويمارس بالوفرة نظل مكبوتين لأننا لا نمارس الحب الذي يشبع رغباتنا وانما ننخرط في هوس جماعي جنسي ناقص ..

كل الذي دعوت اليه بداية بيننا ان نتنازل عن  اعلاء اللاثقة التي تسمم علاقاتنا الخصوصية بين النوعين ..ان نتنازل عنها لصالح الانسان فينا ...وان ننسى نهائيا طقوس الصيد والطريدة ..ولانني كنت احدس صعوبة ان تبلغ تماما مرامي ومنطلقاتي وحتى ان استوعبت مفاهيمي فلا محالة سيربكها الواقع المحيط بها وقد يعود فياخدها ليحتويها في ظل مفاهيمه هو ..فلقد كنت متمهلا بها وعمدت باقتراحي فقط ان ازيح عن كاهلها المخاوف الكلاسيكية التي تعترض اي بنت في مجتمعنا فكرت او جرات على الدخول في علاقة نوعية ..وهكذا تنازلت لها عن المبادرة الذكورية ..هيا انت الذكر وانت من يملك الحق في مبادئتي  وانهاء علاقتنا متى شئتي ..انت من له الحق في ان يطلب مواعدتي ومقابلتي ولا حق لي في رفضها تحث طائلة ان تحتجي وتصرخي حتى في وجهي وتقلبي علي الطاولة ولك الحق حتى في ان تهمليني وتتجاهليني بينما انا لا حق لي في الكيل بمكيالك..لك الحق في ان تاتي باحثة عني حتى منزل اسرتي او ان تسحبيني من وسط جماعة اصحابي ولا عليك لومة اما انا فلا رضى لي غير رضاك عني ...ولاحقا حتى تقنيا كان لها الحق كاملا في ان تلاعبني هي متى شاءت وبالشكل الذي ترغب فيه ..انا كان علي أن احتمل ..وان اخلص نفسي من كل ما يمكن ان يعتمل في راس او كيان اي ذكر تقليدي من ذكور مجتمعنا  ..ربما كان يعز علي كثيرا حال الواحدة من اناثنا .. ربما صاحبت لمستوى عميق الكاتبة والباحث الدكتورة نوال السعداوي واستمعت طويلا للهمس الذي كان يحتوى كتابات وابداعات اديباتنا العربيات  ..وربما لانني كذلك كانت عندي تلك الرؤية المخالفة التي يصدر عنها أدباء ومبدعوا العالم غير العربي ...

"حنان "هذه لم تكن سهلة المراس ..عندما جاءتني بشكل رسمي تلك المرة لتطلب مصاحبتي .".نتصاحبوا .."مما قالته لي على شكل مكاشفات انها في البداية عجبتها ..وأنها قالت بينها وبين نفسها لماذا لا تجرب نوعي ..وكنت استوعب معنى أن ترغب البنت المراهقة المتحررة شكلا والمتسامح معها بحدود اسريا ومن محيطها القريب ..في التجريب ..انها ببساطة خطة لقائين وحسب هواها ورغبتها اما ان تدخلك في مزاجها الخاص من اول لقاء او تتركك للقاء ثاني ثم وداعا ...ولا محاولة تنفع معك وتجدي معها ...كانت تلك  لعبة الذكيات من الاناث اللواتي وعين اولا برغباتهن وبحقهن حتى هن في ان ينفسن عنها ويمارسنها وبمطبات الدخول في علاقات غير متكافئة ومع عقلية ذكورية سائدة حريصة على اغتنام الفرص وتمريرها والتباهي بتعدد التجارب والخبرات العاطفية والجنسية ..و تحسبهن لمن يقف منذ البداية رقيبا ومحاسبا لهن هن اولا وقبل اي اخر ..لعيون المجتمع وأحكامه القاسية ..

"حنان "هذه ..وهي تفصح لي بذلك لم تشكك في كوني سافهم بالتالي من خلال مكاشفتها انها تفضح نفسها امامي وأنها بذلك كمن تقر بأنها لها هي كذلك تجاربها ..ثم عادت لتقول لي انها الان قصدت بالفعل ان تعرفني عن نفسها وان تقول لي بانني استهويها بافكاري ..بشخصيتي وأنها ترغب في ان نتصاحب ....ولانها يومها ..مساءها لم تتصيدني بتظاهر غيره وانما جاءتني وبشكل مباشر وببعض النرفزة والحدة وهي تطلب بعض وقتي فلقد كان لازما علي ان اسايرها وابادلها رسميتها فقلت لها انني مرحب بطلبها لكن بشرط ان تعقل انها هي من اتتني ..ومن ملكت الجرأة لتطلب مصاحبتي وعليه فهي الذكر ..الرجل وانا الانثى ..المرأة ..

لما خرجنا سوية من باب الاعدادية وبمجرد ما عرجنا على جانبها الايمن في زقاق خافت الإضاءة حتى طلبت منها استثناءا ان تحقق لي رغبة  في ان اعانقها وان احتويها بين ذراعي وان احضنها قويا لانني فرح بها ومنتشي باحلى دعوة لنحب بعضينا التي جاءتني بها ..ان تحقق رغبتي بان تاخدني هي اليها ان قبلته مني ..وبعدها منحتها امر تسيري كما تشاء هي وبالشكل الذي يوافقها ولا يثير لها أية مشكلات اجتماعية أو يعرضها لاي حرج ...

جميعنا (وان كان يحصل معي الامر على نحو اخر..) كنا نمر من اطوار المراهقة ..."حنان "هذه كانت تصغرني ..كانت قريبة من مجموعات "الزنابق "لكنها لم تكن منهن ولا زاولت معي نشاطات المسرح والغناء والترفيه او ساهمت في نشاط ثقافي لجانبي ..ولا كانت من اولائك البنات التابعات للرائدات من بنات المؤسسة واللواتي يركبن ظهور صاحباتهن للوصول السهل لمرادهن في الظهور او التقرب من نوعيات ذكور بعينهم ..."حنان "هذه كانت متميزة بانوثتها وبتعمد أن لا تظهرها بل وان تظهر وكأنها ذكورية الميول وعلى غير عادة البنات ذوات الصوت الرخيم كانت هي تفتعل خشونته وغير متحفظة في اعلاء صوتها والاحتداد في نقاشتها ..كما كانت عصبية الطباع وغير متسامحة في حقها ولا تستسيغ اي محاولة للتحرش بها ... كنت اعرف ان مجموعات "الزنابق "المتحلقات حولي ..هن البنات الصغيرات الحلوات الانيقات وكل واحدة منهن بقوام مختلف وسحر مختلف احاطني بنوع من الكاريزما ..وجعل عيون عدد من المراهقات الصغيرات يتعقبنني لكنني لم افعل اكثر من تقبلهن دون أية محاولة مني لاستغلالهن والعودة بي لثقافة الاصطياد والغنائم ..."حنان "لفتت انتباهي مثلما لفت انتباهها واخدت وقتها مثلما استطاعت أن تاخد حيزا دائما من تفكيري ومن اهتمامي ومن متابعتي لها من بعيد لبعيد ..واقتربت مني ..دبرت اقترابها من دائرتي واكتفت بان تدرسني عن قرب ولطلما تجادبت معها خصيصا هي النقاش دون ان اعينها هي بالضبط ودون ان تكون شريكة مباشرة فيه ..وانا اتحدث للاخريات كنت اخصها هي  بتركيزي على ما ألاحظ انه يستهويها من مذاكرة او حديث او موضوع نقاش..فتحت معها قناة غير مباشرة وامتعها اسلوبي في كسب ودها والاهتمام بها فاخدت تتجاوب معي ليصبح أغلب النقاشات ثنائية بيني وبينها ...صاحباتي من مجموعات "الزنابق " كن منطلقات معي ومتماديات معي بتحبب يمسكن بذراعي ..يطلن كفهن لمكاتفتي ..ينغرسن في باجسادهن .. يطلبن ان يسلمن علي بالقبلات الحبية ..لكن حتى لما تطورت علاقتي ب"حنان"هذه حافظت على مسافة بيني وبينها وكذلك فعلت هي ..انا لم يستهويني شكلها وان لفت انتباهي تظاهرها الذكوري غير انها بتكامل انوثتها سكنت عيوني واستحقت ان تنال حيزا لها في داخلي ..لم انسج معها في خيالي اي مشروع علاقة قبلي ... كما انني كنت فعلا غير قادر على تصور إمكان قيام علاقة نسقية لي مع اي واحدة في الوقت الذي كانت تجمعني الكثير من العلاقات مع عديدات لكن كل واحدة غير الاخرى وكل واحدة مبثورة وتنقصها أشياء عن الاخرى وكلها جميعا لا يمكن ان توصف على انها علاقة نسقية او نمطية من تلك التي ينشئها ذكور مجتمعنا مع اناثه ..كنت "كنهدر "مع عديدات وكانت عديدات "متصحبات معيا "وكانت لي مع بعضهن علاقات ممارسة مفتوحة لكنها لم تكن تعني اعراف العلاقة كما كان اقراننا ينشؤنها ويتواجدون فيها ويمارسون خلالها ...ومن كانت تريد ان تعرف عني احوالي العاطفية والعلاقاتية فكان يكفيها ان  تفتح عينها جيدا علي ولتحاصرني في زاوية انتباهها ..لتعرف انني  لاثير غيرة أية واحدة اكون معها او بجانبها ولتعرف انني في كل حصة دراسية اجلس لزميلة انثى في الغالب  الا من صاحبين على أكثر تقدير وان اي زميلة بشكل او باخر نتصاحب مع بعضينا ..وانني ارافق اكثر من واحدة في طريق من او الى الاعدادية ..وانه يحصل ان اقابل صاحباتي من الحي وصاحبات البحر والشاطئ والصيف وصاحبات المدرسة ..وصاحبات اختى اللواتي يتحولن لصاحبتي ...واقول صاحبات وليس مجرد صديقات بذلك المعنى الكلاسيكي للصداقة ..

"حنان "هذه لم أراهن عليها انا وانما دخلا عليها الرهان سوية صديقي "الشريف "و"الكراب " وكل منها يؤكد لي انها ستاتي الي ..ستاتي الي..اما انا فلم أراهن عليها لانني لم اكن لاستسيغ ان اقيم تلك العلاقات العابرة ..علاقات يومين وانتهينا ..كان يكفيني ان اجتر الطريق على مدار الأيام المتتالية طوال سنة او سنتين دراستين مع صاحبة نتبادل الكلام والحكي والبوح الخاص ونتشارك بعض الاهتمامات ونتساعد في القيام ببعض الواجبات المدرسية ..ونسمح لانفسنا ببعض الاقتراب الغير المكشوف من بعضينا على أن أضيف لمجموعتي اسم بنت مرت علي وهكذا فعلت معها وها ما فعلته معي وها انا مع غيرها ...

"حنان "هذه يومها اقرت لي بأنها تعرف انني من  غير اولئك الطينة من الذكور لانها تتبعتني وسالت وبحثت خلفي ...وحتى  شخصية " س ن " تعرف من تكون وتقربت منها وعرفت قصتي الطويلة معها ولا يشكل معها فارق علاقاتي الخاصة بها مادامت هي بذاتها ما منعتني من باقي علاقاتي بصاحباتي ولا صاحباتي شكل معهن فارق اعلاءي الادبي لعلاقتي ب"س ن " ( سناء بنت حينا...)

"حنان "لم تجد ولا وجدت معها صعوبة لانها اخدت كامل وقتها للتفكير وللتدبير ومتى اقتنعت اتتني ودون لف او دوران قالت لي العبارة التي كنت اتوق لسماعها من شفتيها هي بالضبط :"نتصاحبوا ..." 

"حنان "هذه الذي راقني فيها والذي راقها في على كل الموضوعات الاخرى كان الشكل الذي نفكر به ونرى به  ونحلم عبره ...


   

             

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...