لم تفارقني للحظة ولا تحولت تلك المواقف التي ارتسمت عليها كنهاية ختامية لا تدعوا الا للعودة إلى نقطة البداية ..الى علامة الصفر في علاقاتنا ببعضنا ..وللمرة المئة او ما لم احصيه جيدا تتثالب علي وتهزمني وتعلن انتصارها علي ..وتهزء مني بتودد ..بدون ان تثير حفيضتي ..فكلانا يعلم جيدا اننا حريصون على ان يستمر الود بيننا الى مالا نهاية ..
اقول مع نفسي :" هذه المرة فعلتها عن جد .." تنظر إلي مباشرة في عيني وهي تتشدد لتريني انها تنظر إلي بعمق وصراحة في عيني ودونما تصنع او بمنتهى الاتقان والتفنن تبدا في مخاطبتي مزاوجة الضحك والابتسام بالكلام : "- وماذا تعتقد هل نمزح ؟! قلت لك ساتركها عميقة في ذاكرتك لا تنتسى ..وها انا اترك على انتظاري ..."
كنت قد قررت ان اغير من سابق برنامج اهتمامي بالبيت من حيث ان عائلة خالي ابتدات موسم الزيارات فلا بد ان يكسروا عائلة خالتي بدورهم حالة الطوارئ الصحية وياتون لزيارتنا وبالتاكيد ستكون هي وزوجها ،رفيق عمرها اول من سيفد الينا منهم ..لذلك لم اتردد لحظة في ان اطرح جانبا برنامجي السابق وابدا في ورش اعداد البيت ونظافته لاقول بطريقة صغيرها التي ربت واعتنت به جيدا "ها انا ذا ..ممتثل لما لم تأمري به مباشرة لكنك اوصيت به من جملة ما توصيني به ..وها انا ذا مثل الصبي المتعلق بك دوما انتظر فقط الرضى من عيونك .."
حينما توصلت بالرسالة الصوتية وباشرت الاتصال بباقي افراد عائلة خالتي المتاحين لم يكلفني ذلك الكثير من الوقت وبعض جهد البحث لاخلص الى جانب اليقين في انها ستودعنا على الاقل ذلك اليقين العلمي البحث وبيني وبين نفسي لم اكن في حاجة لاصدق في التمني والاماني ..كان اهون علي ان اضرب في تخميني العلمي القوي على أن أطعن في القلب ..ولما أتى الخبر لم أملك الى أن الجأ الى اختى واخي ملتمسا بتحايل على أن يلملموا التبعثر الذي اضحيت عليه ..ليأمنوا لي سفرا امنا في دواخلي ..سفرا استعيد فيه الطفل الذي كنته ومازلته ..سفرا اطمئن فيه على احوالي من كل تعرضات الحاضر وتهديدات الاتي من الزمن ..
احملق فيها غير مباغث لكنني بذات الان كمن لا يريد ان يصدق واقول لها :" ..لن تعاودي زيارتنا اذن .." تضحك مني وبتغزل ترد علي "-..لا ما من زيارات بعض اخر مرة .." وبحنق حاولت جاهدا على أن اسيطر على تفجره عاليا من ذواخلي اقول لها :" ولماذا ادخلتني في زمن انتظارك حين انك لن تعاودي المجيء ؟!" تنظر للاسفل وكأنها تستجمع انفاسها او تكابر رغبات اخرى وتغير من نبرة تعاطينا في الحديث وتنظر الي عيني لبرهة ثم تحولها عني لتتركها تقع على اي شيء غير عيني وغير شخصي وتدخل معي في استرجاع "انسيت عما طالبت انت فيه ان ندفع في تأسيسه بيننا عندما كنا نتحدث عن العمر بيننا الذي على اننا كبرنا ونكبر لا يتغير ابدا بيننا ..انسيت انك انت من حشر حسابات الموت في علاقتنا ببعضنا وطالبت بان ناخده في تقديرنا وان نعمل عليه كما كنا نعمل على مشاريعنا الحياتية الصغيرة والكبيرة وان نحوله من مأساة الى مستوى مزحة او حدث طبيعي بسيط لا بد لاي واحد منا ان يعشه ...!!؟"
لم يحدث معي ان نكث بعهودي ..لم يحدث معي ان تحايلت لانال شيئا او حبا دون ان فضحت نية تحايلي قبل الفوز به اردتني دوما صادقا ولو على حساب قانون الخسارة والربح الاجتماعيين .وفي احيان كثيرة كنت لا اتحصل الا على الكثير من المرارة والاحساسات المتضاربة وانا لا اعرف كيف اداور ولا كيف الون مشاعري وانما مع اول ينوع الفكرة بداخل راسي حتى اتدفق بها واعمل على المكاشفة بها ولما اعود لنفسي اجدني مكتظا بمشاعر وباستفهامات وخائفا من ان اكون قد اسيئت الفهم ..وحدها تلك القناعة التي كونتها كانت تردني الى توازني كنت اعالج الموضوع ببعض اللامبالاة من حتى ان يسأ فهمي "..ماذا يعني ان لا افهم جيدا ما دمت انا كنت مخلصا في كل ما قلته او دعوت اليه بمثل ما انا وفي لنفسي..! "
اذكر صغيرتي "رحاب "لما وجدتها تبكي وحدها بالغرفة وهي ترفض ان تتحدث عن مابها وانا اقاوم حالة الانحباس التي وضعتني فيها بوعي او بلا وعي ..لا اقدر على أن احتويها بين ذراعي ولا ان اضمها الى صدري واتركها لمساحة من التطهر او لنزع الوحشة من كوامنها لم يكن امامي سوى المزيد من دفعها لتتحدث الي عبر عدم الكف من جهتي عن التحدث اليها ..من جملة ما قلته لها انني اطلب منها ان تسامحني ان كنت قد ارتكبت اي خطا في حقها دون ان أقصده وان تسامحني على اي زلة لسان اساءت اليها لانني في هذه قد اذنب انا بطبعي لا اقاوم لذة الكلام والمحادثة وقد يدفعني تدفقي الحميمي في الكلام الى ان اتفوه لربما بما لا يصح او يحب او متواضع عليه اجتماعيا وهو ما قد ياول بالإساءة ..وهو ما انا صادق أاكد على انه ليس بنيتي ابدا ..
كنت الجأ الى التبرير لنفسي وكانت "فاطمة "تفهم عني ذلك ولم تكن من طينة من تسايرني من أجل المسايرة ..معي كانت لجوجة تطالب بلا انقطاع بحقها في الكلام وفي ان اسمعها كما تسمع هي لي وكانت بمطالبتها تلك تكبر في عيوني هي لا تقول الا بالمشاركة في الاخد والعطاء وعندما تتحدث الي لا تأكد الا على حقيقة صدقها ومنتهى صراحتها كانت تحب ان تدللني يقولها "ألعيل 'يايها الولد' "..ألعيل وكيصحبلك انت الاول لجيتي الدنيا ..؟! " ثم تردف :يمكن تكون مدوز ...'اي لك خبرة "لكن راه كل واحد عندو تجربتو ومدوز حتى هو..عندك تكون غالط .."
نحب ان نناوش بعضنا الى أن نمسك بعضنا من الجانب الذي يوجعنا وعندها نهادن ونمد السلام بيننا ونفتح الباب على مصرعه للمكاشفة بيننا..لسنا في حاجة لنشك لحظة في صدق مشاعرنا ولا نوايانا ..كنا نعرف كلنا اننا كبرنا ..كانت قد صارت جدة من زمن اخد يبعد وانا اجتماعيا لا زلت على حالتي وكنت استوعب بعض قلقها بخصوصي لكنها تطمئن على وعلى اختياراتي وتقدف لي نفس الكرة التي مررتها اليها :"عندي هو تكون عايش مزيان ..بخير مع راسك .."
مع "فاطمة " لم اكن لالعب دورا اتماهي فيه مع والدي المتوفي ربما مع اخوتي ربما مع ابناءهم خصوصا مع تقدم والدتي في السن ومكوثي بجانبها ببيت الأسرة والعائلة حتى انني وجدتني مدعوا لاذكر بعضهم جهرا وعلانية بانني انا صغيرهم من يلعب دور الاب بحضورهم من حيث ان لكل بيت لا بد من تواجد للاب فيه ...ومع "فاطمة " لم اكن بحاجة للكثير من الاسترجاعات كان يكفي ان انطلق معها من حيث انا كائن نفسيا ونحويا وان لا اخفي عنها ما تنتابني من افكار او هواجس او مما أنا منشغل عليه بالتفكير والتارق ومعها كنت مستوعب تماما للعمر بتقديره الطولي الزمني الحقيقي ..كنا نعرف أن كلينا كبر لنملك اكثر مساحات لنتحدث في كل الموضوعات وعن مختلف الاحساسات و لهذه مساحة خاصة اوجدنها نحن لأنفسنا منذ ان لمست في صغيرها المفضل من بين كل ابناء خالتها انه بدا يكبر ويتعلق بها عاطفيا ومنذ أن فهمت بان عليها ان ترعاه وتامن له مساحة ومسافة امان تحميه من مشاعر الافتقاد والتهديد ..
"هل تظنينني اخطات في نبش مثل هذا الموضوع ؟! "
-"بالتاكيد ..لا ..انت كمن كان يقرا في خاطري ويعرف فيما انا منشغلة به .."
لم اباغثها وان شعرت بانني اوجعتها ..كنت اعرف انني ادعوها مرة أخرى لتحدثني عن عالمها عن صغارها الذين كبروا كانت تعرف انني لست من ذوي ذلك الاهتمام الحسي الاجتماعي لاسالها عن احوالهم وانما لانني ببساطة مؤمن بالعائلة وبالقيم التي تاسس لها والتي استشربتها منذ نشئتي ..وهذه المرة تعمدت ان اوجه علامات استفهاماتي بشكل مباشر اليها بعد ان كسرنا من حدة استحضار الموت في حياة كل واحد منا .."- هل انت راضية على ما قدمته في حياتك لاسرتك ..؟!"واجابت وكأنها تسترسل في احد احاديثها الخاصة جدا مع نفسها والتي لم تخبر بتمام التفصيل عنه حتى شريك عمرها ورفيقه الوفي .. "_ساكذب عليك ان قلت غير راضية عن نفسي ..راضية تمام الرضى عن كل ما قدمته وبذلته من اجلي من اجل كل واحد.. واحد ..لانني ابدا لم انم على هواجس فكرة لانفذها مباشرة في الصباح وانما كنت اقضي اوقاتا واياما وانا منشغلة في التفكير والبحث واسئل بطرق غير مباشرة قبل أن املك القرار واقتنع ومن ثمة ابدا التنفيذ ..انا حتى في آخر قرارتي لاستكمال بناء المسكنين لابني لم اذخر جهدا ولا ركنت الى الاختيارات السهلة بداية من تفضيل حج البيت الحرام او مصلحة بناتي واولادي كلهم سوية الى من هم احق من غيرهم ولا لماذا افعل ذلك .!!؟..ولما اطمئن قلبي حاول زوجي مراجعتي في الامر بدواعي الاهتمام بصحتي والاعتناء بامري نفسي لان امور البناء صعبة ومتعبة نفسيا وعصبيا ..لكنه لما لمس في الاصرار في الغد الموالي بدأ معالجة الأمور الإدارية ..وانطلقنا ..انا بناتي مطمئنة عليهن لابعد حدود لان تربيتهن على كل ما عانيته معهن كانت سهلة لكنني مع الاولاد لم افارق خوفي الاول بشأنهم الى الان ..الاولاد محتاجون الى كل أنواع الدعم والدعم المادي أساسا انا اعرف انني لم أقصر في تربيتهم كما والدهم علمهم مند صغرهم الاعتماد على الذات وقيمة العمل والانجاز ...ابني الاصغر نسخة مذكرة مني يشبهني حتى في ملامح وجهي وكل ما اعطيه له كمن اعطيه لنفسي لذلك ارتايت ان احتفظ به قريبا من عيني ومن رعايتي وان احرص على أن يستوعب ما عرض زواجه الاول للفشل ..ابني الاكبر اسم على مسمى عالم لوحده وبحكمة خاصة جدا اخد من كلا والديه لكنه استطاع ان ينفرد بشخصيته وبتقديره هو لأموره ومع ذلك لم يكن من مناص لنقربه هو كذلك منا وان لا نخاف عليه ..بناتي كل واحدة مستقرة ببيت زوجها وكل واحدة دعمت فيها الجوانب التي اختارت ان تتعلق بها مني كل واحدة منهن هي في نفسها وذاتها جزء مني ..من "فاطمة " أخرى لكن بجوانب تركت لها كامل الحرية في ان تصنعها هي بنفسها لنفسها لكن برعاية مني وبتوجيه مني ..وبناتي انا لم يتمردن علي حتى مع من خالت نفسها أنها ستفعل بي ذلك نسيت بانني انا من قويت فيها نزوعها الكبير للاستقلال باراءها وذاتها وتحملها لمسؤولية نفسها وثمن اخطاءها ..انا اعطيت من القلب ومن العقل لم اكن متساهلة معهن وفي نفس الوقت اكثر من متسامحة معهن بقيت ملتصقة نفسيا بعمر كل واحدة منهن لافهمها ولاستوعب احتياجتها ولارافقها في تمرحلها ومعهن عشت اجمل لحظات عمري خصوصا ان لا واحدة منهن تشبه الاخرى منهن لكل واحدة طباعها الخاصة ومميزاتها الخاصة وطريقة تعبيرها عن نفسها ..الكبيرة متعلقة بابيها مستقلة بنفسها وكانني ما ربيتها وبيني وبينك أحبها أكثر لأنها كذلك والتي تعقبها اكثر وعيا بمصلحتها وبمصلحة إخوتها ومستعدة لتبدل الغالي والنفيس من أجل إخوتها ومن اجل كل العائلة وناجحة في حياتها والثالثة صاحبة القلب الكبير اما الرابعة فهي عنيدة صعبة الانقياد وتبدوا خشنة مع انها اكثر طيبة وان لا تبدي ..انا ربيت بناتي ..زوجتهن بمحض اختيارهن.. سهرت لجانبهن وهن يضعن بناتهن واولادهن ..بقيت الى جانب اولادي الذكور ..واسكنتهم لجواري حتى لا تخلوا علي حيطان البيت من حس الاولاد والاحفاد واشيخ واتعب.. وفي اقرب الاجال سأوفي ديني مع ربي بالحج صحبة زوجي ..فكيف لا اكون راضية ..يحدث معي كثيرا عندما امكث لوحدي بالبيت ان ابكي لدرجة أنني اشعر بانني مكتئبة وربما أكون في حاجة لعلاج من نوع تخصصي ثم اعود لنفسي ولصلاتي ولحمدي لله اقول لنفسي وماذا ينقصني بعد ليطمئن قلبي ...امر من وعكات صحية ومع توالي مرورها لا اخفيك انني بدات افكر في حادثة الموت لكنني عندما اتمعن في مختلف فصول حياتي اجدني مطمئنة على نفسي حققت جميع ما تمنيته وحلمت به عندي اجمل الحفدة والحفيدات وضعنا المادي انتقل من منتهى الكفاف الى مستوى لاباس به اعتمدنا على انفسنا صحيح اننا عشنا مراحل من التقشف الى أن وقفنا على ارجلنا لكننا بمجرد ما ان انتهينا من بناء مسكننا الاول والفرن حتى انفتحت علينا ابواب الرزق وتجاوزنا تقشفنا ومخاوفنا والان وبعد ان كبرنا الاولاد بات بالإمكان أن نلتف لأحولنا نحن وبتنا نخرج ونسافر انا وزوجي ... انا بصراحة وبعد وفاة والدي والدتي بالخصوص راجعت حساباتي مع الموت وكل ما عدت اتمناه هو ان اموت مرضية دون ان يطول معي مرض الموت لا اريد ان اتعدب وان يتعدب اولادي معي اما من حيث انني ان كنت راضية على حياتي نعم راضية وراضية حتى بالموت لقد اديت رسالتي بكل جهد من اراد ان يأديها على احق واتم وجه ..تصور معي حتى في زيارة الغداء يوم الجمعة دائما يوجه لي زوجي اللوم ويطلب مني ان اغير من هذا الطقس ..في آخر صيف نبهت بناتي واولادي بانني تقاعدت نهائيا عن تفصيل وخياطة اي ثوب لاي احد ..ان لي الاوان بان ارتاح انا بدوري....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق