الأحد، 23 أكتوبر 2022

يوميات : عوالمي السرية .../ مابعد زمن كورونا ....تابع ٢-١ : الحاضر...


 كانت كالحقيقة الصارخة والجلية ترتسم امام افقي..كانت كما شيء نريد ان نرفض التصديق فيه لانه  ولعله يحمل كل المرارة وبعض من ذلك الايمان الذي ياتي متاخرا جدا...

قلتها له صريحة :" وهل سيصبح ضروري ان نفقد احدنا ويموت عزيز علينا كي نلتقي ...؟!!"

وكان كل مافي ينظر حوله ..وفي نفسه ..في نفسي حتى انا وانا لا استطيع ان اجزم في من منا عليه الدور هذه المرة..ومن سيعبر من امامنا لحيث لا يعود له وجود بيننا ..

بيني وبين نفسي لا اهتم ان كان الامر بملكي او ان جاء دوري ...ربما لانني الوحيد الذي قد لا يخسر شيئا يذكر ..وعبوري سيكون يسيرا على كل احبتي على الاقل لانني ساعدم دفعة واحدة لا احدا ساورثه هوسي او جنوني ولا هزائمي وانكساراتي ...سامضي وسيسهل حتما طي حكايتي حيث لا اصدق فيها حتى انا نفسي ...

ذاكرتي مخرومة وملئ بالثقوب ومشوشة لدرجة عنيفة ومرضية فمن سيهتم بما ارويه او اقول به ...وانا كلما صدقت في بعض حقائقي حتى انتهي ومن جديد لاشك في كل تفصيل او حدث او واقعة زعمت انها حصلت معي ...

غادروني جميعهم وتركوني لوحدتي تقتلني او اقتلها ...

كلما استعدت وجوههم وحضورهم اشعر كم انهم يكبرون بينما انا اشيخ ..

كلما تمعنت في وحدتي المزمنة لا اخاف القدر الذي قد ياتيني وياخدني معه لكنني لا امنع نفسي من ان ترثي حضها وقد ارحل في غفلة عنهم كلهم وحتى في اسوا الحالات ولا من سينتبه لي ...

ذهب العمر وكبرت رغما عن رغبتي وكل الذي كنت اخشاه من غربتي اصبح حقيقة ...

في يوم قد اصحوا ككلب ميت ولا من سيسال عني حتى تتعفن جتثي وياخد الدود في التهامي ...

ربما الشيء الوحيد الذي سيكون عزائي انني انني لم امت ككلب شوارع ..

اشتقت لكل احبتي وناسي ولاحضانهم ..اشتقت لجنوني وفوضاي وعبثي ..اشتقت للابالي ..اشتقت لسابق رغباتي العاتية ولكل ما كان يدفعني لاحاول على الاقل الرحيل بارادتي ...

انظر لوجههم وفي رغبة ان تكون نظرتي الاخيرة لهم لانني حقيقة تعبث من ان اكون شاهدا مرة اخرى على افتقاد اي واحد منهم ..

لم اعد قادرا لان اقبل دروسا جديدة من الحياة ..لقد اكتفيت خبرت من الاشياء الكثير وفوق ما كنت لاصبوا اليه ..ما تصورت ان ابقى العمر كله هاهنا قاعدا ..وان يرحل او يغادر او يخرج كل اولئك وكلهم دوني انا ..

كل حياتي عشتها في هذا البيت الفارغ الا من الذكريات 

كل حياتي بقيت حبيسة هذه المدينة اللعينة لا رحلت ولا ارتحلت الى اي مكان يذكر ..

ماتت والدتي ولم يخرج اي ابن لها في جنازتها ولا تلقى عزاء المقابر فيها ...حمل نعشها الاخرون واودعها التراب الاخرون ..

وماتت اختى الصغرى ولم تودع حتى ارضنا ولا مقابرنا ...ماتت هي الاخرى غريبة عن ديارها ولعلي لن اعرف يوما طريقا للوصول لقبرها ...

ومن سيكون التالي !!؟...انه الخريف سيد كل الفصول والمواسم ..

لست مكتئبا لكنني متعب لدرجة يمكن ان اكون فيها مكتئبا بحق وعمق ..

مكتئب لمستوى ضيعت معه كل خططي ..لم يعد بملكي مواجهة اي شيء ...رفعت عاليا يدي مستسلما كما لم اكن اتصوره سيكون مني ...

لم اكن ادرك حجم الخسارة التي سيشكلها رحيلها ..ذهبت وذهب معها كل امل بسيط او حلم بليه كان يراودني ...

ذهبت كما لو لم اكن مستعدا جيدا للحظة فراقها ..هزت مني كل يقين وثقة في النفس ...

انظر لكل من تبقى منهم ولسان حالي يكاد يقول لهم :رجاء لا ترحلوا قبلي هذه المرة ..اتركوا لي على الاقل هذه الفرصة ..اعطتكم الحياة ما لم تهبني اياه فدعوها تاخدني كعدل وحيد لي ان انتظره من كل هذه الحياة التي لا تبدوا عادلة دائما ...

بعد هي ذات المسافة الساشعة الممتدة بيني وبين كل من كنت اعرفهم في يوم من ايام حياتي ...هم هناك ...في عدد من الامكنة والمواقع يعيشون حياتهم ..وانا ما برحت مكاني ..يعقلون اشياء عني ..يتذكرونني حتما لكن كمن ابتعد ليتحول لمجرد ظل...يعرفون بالاكثر من شكل انني بعد احملهم معي ..وانتقل بهم معي ..وانني احببتهم بالاكثر من صيغة واحساس ...

بعد لا املك الجرأة الكاملة لاسئلهم حتى كيف افترقنا وابتعدنا..ولا كيف لم احاول حتى استرداد بعضهم ...

في سؤال لي من عنصر من شرطة المرور سالني واضحا :"ماذا افعل الان ..ما مهنتي الحالية ...!؟..وتفكرت للحظة ان اقول له بعض الاشياء لكن لم تخرج من شفتي غير عبارة " لا افعل اي شيء ..."

اصبحت جد محرج امام اخي سمير وامامهم جميعهم ...لا تستقيم الكلمات بين شفتي ..وامتلا بالتوثر والرغبة في الخروج سريعا من الموقف ..اشعر بالضحالة وشخصيتي كمن تاخد في الترنج وسؤال خبيث ..ماكر يداعب فكري ..ولا اعرف كيف املك ان اقول واقول كل ذلك الكلام دون ان احتسب نفسي ..هل قبلت ان اكون الاستثناء ..؟! ام وصل بي الفصام لاتجاهل وضعي من كل الحكايات والوقائع..

فعلت كل الذي فعلته وانتهيت لهاهنا فهل من الضروري ان افصح عن كيف اصبح ذلك واقعا ..واقعي انا ..

تمنيت ان ابتلع لساني واصمت للابد لا داع لابرر وجودي ..حكايتي لم اصغها في معضمها مخيرا ..كانت فقط حكاياتي وانتهيت الان كغبي يحاول ان يعقلن الاشياء ...

هل الاحبة سيخاصمونني لانني تطاولت عليهم وقلت وقلت وقلت ...؟!

هل تراهم سيتفهمون يوما دواعي !؟؟ هل سيميزون مني ما ينطلق بمنطق القلب عن غيره ....!!؟

يؤلمني بشدة انني بعد لم اقل لهم كل حكاياتي معهم ..ويؤلمني بوجع عنيف انني لاافعل الشيء الكبير لاكون مفهوما لهم ولنتجاوز سوء فهمنا بعضنا لبعضنا ...

لا ثقة لي في الحياة ..لا امن لي من جانبها ..في لحظة واحدة قد تقلب كل الموازين وقد توزع فوضاها كما شاءت هي لا نحن ...واهم لو اعتقدت للحظة انني مسيطر على الاوضاع وعلى حالاتي ...

ربما لست خائفا من يختل توازني واسقط ..او يكبر حزني فيبتلعني ..او ببساطة افعلها ذات يوم فاشنقني او اقدف بي من علو شاهق ...ربما لانني سلمت بعضا من نفسي للمعالج النفسي وارتضيت ان اكون المريض والمتعب وللا سوي حتى لا اضطر لابرر نفسي في كل ما من مرة ...

لم اتغير تماما لا زلت في معظمي انا كما كنت فقط لربما لانني اشيخ فيبدوا وكانني اتغير ..

لا زلت للان ستضيعني الاسئلة وستجنني شكوكي ...للان لازالت ذاكرتي مترنحة لا تعقل الا ما تريد عقله هي ..

وللان انتظر من اليومي ان يربط صلتي بالواقع ..للان انتظر من اليومي البسيط والفقير ان ينظم علاقاتي مع الزمن ومع الامكنة والناس ...

لم يعد لي سرير متاح في مستشفى الامراض العقلية والعصبية ..ومن زمن اخد يطول لا عاد لي فرش في مؤسسة سجنية ما ..ولا سافرت الى اي مكان فضعت فيه ولجات الى الاي مكان ليضحى مكاني ..ولا عائلة يمكنني ان الود اليهم ...

مغامرة الحياة اصبحث اكثر عمقا وبلا شكل تحتويه ..وكل مكان قد اضيع فيه سيكون حتما في ذاكرتي ...

ربحت الوالدة رهانها ..ولم يتخلى عني احدهم كما كنت اتوقع وأتصور انه يمكنه ان يحدث معي ...

ربحت بعضا من تقاعدي المريح شكلا ومضمونا لكنني داخليا لا زلت احمل ذلك الصبي الشقي وارتحل به الى اللامكان وانا بذات الارتعاب والخوف ..لست قويا كما قد يعتقد البعض بعد بنفس الهشاشة والسرعة على الانكسار وكل الفرق انني اصبحت محترفا في التمثيل واعرف اختيار الاقنعة ..

لا احتاج لااول نفسي او سلوكاتي او حتى ممارستي..

لا اهتم بجد على ان اعطي انطباعا عني اجتماعيا..او اسعى لرسم صورة عني ...

لا اعرف ما عساني سافعل بباقي ايامي ...اعيشها فقط ..كما تاتي ..ولربما بالكثير من السلبية وعدم الاقبال عليها ...

لا اراهن على ان الغذ سيكون لي ..ولا اهداف اعقل انني اسعى لتحقيقها ...

ليس يسير علي ان اتقبل ان النهاية تكون في كل الحالات هي الموت ..حادثة الموت ..او انني استشعر بان جيلي يعيش ازمة انقراضه ..

اشعر بانني اشبه بحيوان لم يعرف كيف يدجن جيدا ..والان يعيش عزلته ورعب مواته ...

كحيوان جريح ..مكلوم ..ومغلوب على امره ..يعيش ويقتات على ماتبقى من حب الاخرين ..

ابكي ...بالطبع ابكي ..وبحرقة ...لم اكن اتخيل يوما ان حياتي ستنتهي على هذا الشكل ...!!؟

ابكي كثيرا وحدتي ...وغربتي بين ناسي واحبتي وفي وطني ...

وابكي الان كم يلزمني ان انتظر لاقابل منهم ..لواحد اعرف انه سياتي ليذهب ...ومع ذلك انتظر ان ياتي ليجبرني قليلا على تحمل قسوة حياتي ..ليهبني بعضا من الامل والحب والدفئ...

كل مايلزمني الان الاعتراف بكم هي وحدتي قاسية علي ...





الخميس، 8 سبتمبر 2022

يوميات : عوالمي السرية .../ تابع ...ما بعد كورونا : الحاضر


 على غير المتوقع مني اخذتني حياتي بعيدا عن ما كنت امله وجاد في تحقيقه ..فجاة اخدت ايامي تبهت وتدبل وتفرغ من المعنى وتمضي وكانها لا تمضي وانما تنسرق مني او تضيع من بين يدي ...حساباتي تبعثرت وسفري وكانه توقف وانقطع ..اصبحت ارتجل العيش ارتجالا وما من برنامج قادر ان يستوعبني وانتظم عليه واتحفز للفعل من داخله ...وصعبت علي حقيقتي ..استسلمت تدريجيا لواقع اكبر مني ..لوحدة صاعقة ومخيفة ..لحياة انعزل فيها يوما على يوم عن الحياة العامة والاجتماعية ولاجدني اكاد لا انتظر اي شيء..فقط اعبر ايامي ..

شيء مثل الياس يغلب طعمه المر والرديء على حاسة تذوقي وعيني داخل اطارات محددة سلفا وضيقة لا تكاد تبصر شيئا ..لا اعرف لماذا اجري مثل هذه التكيفات الصعبة ولا لماذا اسمح بها ؟!!..

استغرب مني قوة هذا الاحتمال الذي يعدمني العفوية والقدرة على الفرح ويخضعني لاقاسي بعمق وبكامل الصمت والتكتم وبالامكان ان اخرج عليه ولا اقبل به واعمد لنقضيه ودونما ان اهتم كثيرا بالعواقب ان كانت هناك عواقب لا محالة ستصادفني ...

كبرت لدرجة الاحساس بانني شخت وانتهى امري وانني قاب قوسين او ادنى من ان اغادر عما قريب واودع حياتي هاهنا ...

اختياراتي باتت بئيسة وبشبه لا استعدادات لااغامر في المجهول او لاقتحم الاتي والمستقبل ...

اكتشف وقتا اخرا ...زمنا يتكور على بعضه ويتدحرج ليشكل الايام والاسبايع والشهور والفصول وانا فيه وكانني لا اكون ..

لعله يعني الكثير ان احيل نفسي على انتظار ما ..انتظار فيه حياة وفعل وحركة ..على ذلك الانتظار العقيم الذي اتابع فيه موتي ونهايتي..

"حل الخريف..." وانتهى الزمن بان اشرف على موت الاحبة ورحيلهم لحيث ليس هنا ..ومرير اعادة اكتشاف مثل هذه الحقائق ..حقيقة اننا نموت ونغادر ونذهب بعيدا كي لا نعود ....

لم امل يوما من اعادة ترديدها والتمعن بها :" حنا هودين حودرة ..." نحن ننزل المنحدر ...او نحن نتدحرج بسرعة نحو الاسفل ..او ببساطة نحن ننهي دورة حياتنا وافولنا ...هكذا رددها ابن عمتي " عبد العالي " : حنا هودين حودرة....وستخوننا اجسامنا وابداننا ونبدا في التهاوي وستضيق علينا دنيانا وسنصبح اكثر وحدة وغربة وحدة يوما على يوم ...

فكرت كثيرا في الموت وعشت حالاته لكنني لم اصدق الا متاخرا بانني عشت ولازيد من خمسين سنة ولم تتحطم سفينتي في زمن مبكر ولم امشي في جنازتي وحدي بعد ...

طرق الموت ابوابنا واخد الاحبة من بيننا وهو يوعدنا بيوم سيكون دورنا فيه ..لوح الموت بكفه لنا ومضى بالاحبة فهل اصابني بعطل ما ؟!..هل اينع في حرقة مخصوصة او اسئلة محرمة ؟!..لا ادري ..لكنه عرضني للكثير من القلق الذي لا لازمة منه او له ...فعندي سيان ان اكون اول حصاده او ينظرني الى حين وان يعز علي ان يورثني دور الشاهد والذي يرحل متاخرا دونما فائدة معلومة ترتجى ..

لاججتها ببعض التخابث وانا ادافع عن حقي في ان اسبقها ولو لهذه المرة في ان ارحل قبلها ما دامت كانت تلاحقني دوما وتندفع للامام وتسبقني دوما وفي كل شيء وكنت مقدرا جيدا لبعض دواعي فانا مثلا لا احد ينتظرني مني شيئا بعد..وانا شبه نكرة ..وفرع عقيم ورحيلي لن يحدث رجة او ضجة ..ولا اخالها لم تفهم مني صدقية اسبابي او لم تحس بمرارة اسئلتي ...

اعقل انها رفضت مني ما قلت به في نصي الموسوم ب"ارادة السلمون " وانها رات مني ميلا بلا داع للتشاءم وللاكتئاب وانها مع ارادة الحياة مهما كان ..

كنت اضحك من خواطرها واستخف من هواجسها واردد اماها بان حياتها من قبل الان مجرد منحة ربانية او مثل تجميع للوقت بدل الضائع ..وانها يجب ان تعيشه كذلك كاجمل هدية يمكن ان تقدمها الحياة لها ....

كنت ادرك فداحة الاحساس بان الحياة تنحسر من بين ايدينا وتسلب منا دون ان يكون لنا اي اختيار ..

كنت اتصور عن قرب معنى ان نقيم جنازة مفتوحة لنا وان نعشها بازمان وان يحصل ان نودع انفسنا وكل شيء عزيز علينا وكل حبيب على قلبنا كل يوم وكل لحظة لكنني لم اتصور ان يحصل ان نصمت قبل حدوث تلك النهاية..وان اابى على نفسي ان احتفظ لها بصور في ذاكرتي وهي تعيش نهايتها وتتخبط في اشرس الام واوجاع وتعاني الرحيل ...

كنت ادرك ان لا فائدة في التعلق باي امل ولا حاجة لاموه الحقيقة كما ترتسم امام اعيننا جميعا ..

كنت اعاني انتظار ساعة الصفر وبقلق وحنق شديد اريدها الان وليس بعده او بعد بعده ...وصمت لانني فجاة وجدت ان كل ما كان ممكن قوله قد قلته ومن قبل الان  وانتهى كل ممكن بيننا وتفاصيل صغيرة كل ما تبقى لها وكل ما عساه سياتي علينا ..

اعتصمت في البعاد والصمت وانا فيما يشبه الذهول الذي لا فائدة منه لانه عبث ان اسمي الاشياء بغير اسمائها ...

وذهبت ..مضت ..عبرت ..وانتهى زمن الامها ومواتها القاسي على كل من من حولها ولم يهمني ان اعرف لا اخر ما قالته ولا ما نظرت اليه ..لم افكر حتى فيما تراها ستكون كلمات وداعي لها وهل ساجرا على تصوره كذلك .وانا احدس انها لن تذهب بعيدا عنا وان ستكف عن التواجد بيننا كنا كنا نعهده منا وننتظره ونتفق على حصوله ..

ببساطة اختفت ..غافلتنا واجادة لعبة استغماية هذه المرة للا تتركنا لغير تصور اين يمكن لهذه الصغيرة ان تكون قد اختفت عنا ...!!؟..

لا فكرة لي مع من ستكون في هذه اللحظات لكنني اتصورها حتما ستكون لجانب احبتنا الذين شاء لهم ان يغيبوا عنا لابد وجودنا نحن ...وفي ذلك سعادة ما وانتشاء اخر ...

لم يخطر على بالي انني سانسحب خلف كلماتي لاطرق سبيل عزائها انا لم استحسن في يوم ممارسة اي طقس اجتماعي لم اتعلم في يوم الرقص ولا صوتا كان لي يجيد الغناء وكنت دوما لا اجدني في غير موقف الحزن والبؤس في كل اعيادنا ومناسبات افرحنا ولا اقوى عل قول جملة واحدة مفيدة في اي عزاء لفقيدنا او فقيد اعزتنا ..كنت دوما ارفع كتفي بالكثير من القلق وببعض اللامبالات وانا اردد داخلي بانني ارعن وابله ولم اتعلم في يوم المحابات ولا المواسات ولا كنت اجتماعيا بالمرة مهما تظاهرت او حاولت ذلك ...

ثقل كبير علي هذه السنوات التي احمل والتي تكون عمري والمفروض انها تاريخ خاص بي ..كل الذي اعقله يظهر لي انه خاص جدا وبدائي ونوع من الهذيانات او مجرد ضلالات وخطوط زائفة ..لقد لزمني في كل مرة ان اعيد النظر في كل احداث عمري وما مر بي حيث كنت انتهي في كل ما من مرة على الشك في تفاصيل بعينها ووقائع بحد ذاتها ان هي حصلت معي او لم تحصل الا تخيلا او توهما مرضيا ولا اعرف سبيلا اخرا لاستبين منه او عبره على وجه اليقين ما حصل معي او لم يحصل معي ...للان ظلت ذاكرتي ملعونة وتتلاعب بها الاشباح وانصاف الحقائق ..فالذي ممكن ان يكون قد حدث غير تماما ما امل ان يكون حدث معي وعلى ذلك النحو وبكل تلك التفاصيل التي الفقها او استمثلها ...

الذي انتهيت بان اعلنه للمقربين مني بانني بعد متعب ومريض واتابع علاجاتي دون امل حقيقي في ان اكف على ان اكون كذلك في يوم من الايام ..وكانني بذلك ارفع الحرج عن نفسي واجانب ان اساء الفهم اكثر مما ينبغي علي ان اتعرض له ...والذي جاد في ان لا اتعرض له هو ان يكون هناك بعد من سبب يدعوني لابرر في كل مرة احد تصرفاتي او اعلل وجودي او نظري للامور الطبيعية في حياتي ...لقد كنت صادقا لابعد الحدود ومع الجميع لذلك اابى على نفسي ان اعرض من جديد لتقديم الاعتذارات دونما معنى لذلك ...

انا انتهيت من قبل الان ومن وقت جد طويل على ان اتسابق مع اي كان وعلى اي هدف كان او غاية او قيمة او امر او شيء ما ...وارتضيت لنفسي ان اعيش فقرا وقفرا ووحشة وان اودع كل الاحبة وانا بعد المحهم وانظر اليه وتاتيني اخبارهم للا اوجع فيهم وللا اعيش دفعة واحدة اسى افتقاد وجودهم في دنيايا ومعي او بجواري كما كانوا في زمن اول قاطعته وانتهى على ان يكون ...

اعاني بازمان وحدتي وعزلتي وغربة ايامي كصوفي تعيس او ماجن سفيه منبوذ ..يستغرقني الماضي معظم الوقت ...ما من حاضر ياخدني اليه لامل معه واترجى فيه ...اجريت من زمن مبكر كل المراجعات الضرورية للخلاص والوقوف عند انتظار الرحيل ...ما من اسى حقيقي على كل حياتي ..لقد عشت حياتي بما كانت هي عليه وانتهينا ..لا حقد ولا ضغينة ..لا ندم كلي ولا كل الرضى ...وينبغي لي ان اشعر بسعاداتي على اي حال لمجرد انني للان لا زلت هاهنا ..بكيفما كان هذا الهاهنا..

لطالما اتعبني وارهقني بشدة التفكير في الاتي والغبن بكيفيات امكان ان اتدبر امور الحياة معي وكان الافق يرتسم امام عيني مظلما ومتكسرا ..وتبدوا لي حياتي مجرد معركة خاسرة مهما حاولت ...ولم يحدث معي للان اي من تلك السيناريوهات المرعبة التي كانت تقحمني في دوائر من التشنجات والهوس وتفتك بقدرتي على التحمل دونما وجود بديل اخر اطرقه او انشد اللجوء اليه ...حدث ان اخدت حياتي منعطفا بسيطا ويسيرا وهادئا وكانني اتلقى كل انصاف وعدل واهدى صبرا جميلا بعد كل الذي صار وكان وحدث معي واقعدني مكسور الجناح اعاني بلا طائل هم الوجود وقلة الحيلة ونفاذ الصبر ...

 " لست وحدك ... " ..قيلت لي باجمل المعاني واقدرها على النفاذ الى الصدر والنفس والنبض ...فماذا يلزمني بعد للا احني راسي وارنوا قليلا الى موقعي من الارض ..!!؟ .هكذا انجزت المصالحة وهكذا رفعت كلتا يدي الى الاعلى مستسلما لاي اتي له ان ياتي وسياتي ....

انتهيت لاشبع عيني بجمال بهي لدنيايا متجاوزا كل الرغبات العنيفة وكل تلك الاحلام المجهضة والخيابات المتوالية ..رقت لي حياتي وتسامحت لابعد حد مع نفسي ..اعرف الان ان الحياة ابدا لم تكن عادلة ومع الجميع وان الحياة هينة ومقدور عليها مهما تغيرت وتبدلت وتلونت معنا ..سهل ان نعيش كما كان يتراءى لي دوما وان ليس بالامر الهين بالمرة الطريقة التي نتصورها لهذا العيش ولا كيف نريد نحن عن حق ان نعيش ونحيا ...

في لحظة او لحظات معينة نشبع من كل شيء ..نشبع حتى من مدى استشعارنا للحرمانات وللنقص وتغدوا كل تلك الاسوار العالية والحواجز التي تصدنا وتمنع عنا وتحدنا مجرد بناءات اتفق وجودها بكل ذلك العلو والجبروت لتازم نظرتنا وتخلخل بعض الشيء من انواتنا ولتثير شيئا منا ..قوانا على المحاولة لفعل شيء او اي شيء عوض الاستسلام والقبول بالهزيمة دونما الجراة على المحاولة والمغامرة والتجريب ...

الاثنين، 4 يوليو 2022

يوميات : عوالمي السرية .../مابعد زمن كورونا ...(٠٧) حياتي الاسرية...


عندما نعاشر بعضنا البعض تسقط الاقنعة..نكف عن التظاهر كثيرا ..نمر لعتبة الصدق تدريجيا بالرغم منا لنضمن القليل من الصفاء والود الكافيين ليجعلنا نقبل بالاستمرار جنبا لجنب بعضنا  مع البعض ..

لم يكن عندي ما اخفيه او اسره بل لعلي كنت متسرعا في انتهاز اول الفرص لامارس البوح والاعتراف ..كنت اريدها ان تعرفني ..وان تبدا في عقلي ..وان وحدها تبدا في رسم الاعذار لي وتقبلي كما انا ..كما انتهيت بان اكون بكل ضعفي ونقائصي وحماقاتي ...

اعرف عني انني صعب المراس وانست زمنا ان اظل وحدي وان اعيش وحدي وذلك مشكل قد يرتسم كالجدار العالي بيننا ..واعرف ان مزاجي متقلب وصعب وشبه استحالة ان انضبط على وتيرة وحيدة مستقرة ..علاقاتي مع الزمن مرضية ..الليل يجدبني من جهة والنهار يتصارع واياه ليفرض علي حقائقه وانا انست من نفسي ان اترك لهما نفسي ليتقادفى بي كما يشاءا ويحلوا لهما ....

والدتي كانت مستعدة لتضحي بالكثير من اجل ان تسعدني قليلا وان تصالحني مع ايامي ..لم تعاند للحظة ولا استصعبت الوضع ولا اهتمت نهائيا باعتبارات الاخرين ..كانت فقط تستشعر حجم مسؤولياتها تجاهي وكانت كام يعز عليها ان ترى كم احزاني وفوضاي ..فارتات وبكامل عقلانية ان تهبني فرصة عمر لانسى قليلا مرارة الوحدة والاغتراب ولامتد في الاخر ومع الاخر ..ولما لا ان احاول ايجاد اسرة لي ..اسرة خاصة بي تجعلها مطمئنة علي ان حل وقت رحيلها عنا ....

لم افكر طويلا ولا تملكني التردد مطولا .اذ بمجرد ما خلى المنزل علي بعد عودة اخوتي لديارهم بانتهاء حدث اربعينية رحيل والدتنا وبناء قبرها حتي واجهتني بحقيقة وضعي ..كنت اعرف انني منهوك عصبيا تماما وانني اقاوم واكابر كي لا اسقط مجددا في انهيار عصبي مزمن ..

عائلة اخي سمير كانت الاخيرة التي حزمت حقائبها ورحلت عائدة لحياتها بفرنسا ..هم لوحوا لي بايديهم من سياراتهم حتى اخدتهم الطريق وانا بدات في اقفال النوافد وتسجيل العودة الى حياتي وغربتي في بيتنا وحينا وبمدينتنا وبكل الوطن ...عدت لفراشي حملت الدواء الذي زودتني به " مارتين " زوجة اخي سمير واخدت اول حبة منه "Paroxetine 20 mg  وغدوت افكر في حالي ..فيما ينتظرني من ايامي ..نمت تلك الليل بعد ان بكيت نفسي ولما استيقظت كان قراري جاهز ...حملت الهاتف واتصلت بها ..." الو سعاد ..انا طارق ...لنا ان نلتقي انا وحدي الان ..........."

كنت اعالج مشكلاتي ببعض الحكمة واعي جيدا ان وجود امراة ..شريكة لي بجانبي اضمن لي من فوضى المشاعر ولا اي محاولات تجريب نمط عيش ممكن ...

ربما كنت جد برغماتي ..."الذي تعرفه خير من من لا تعرفه ..."

هي تبقى امراتي وانا رجلها ..افترقنا حصل ذلك واضحى واقعا بيننا ولنا ان اردنا ان نبدله بواقع غيره ...

ومن جديد تضع شروطا عالية وتعقد الوضع وتطلب مني ان افهمها فهي غير مستعدة لان تنخرط في العيش مجددا معي بشكل تام لانه يلزمها ان لا تنسى ما عانته وما خسرته طوال امد انفصالنا عن بعضنا ولذلك فهي بحاجة للكثير من الوقت لتطمئن لعلاقتنا ببعضنا البعض ...

لعلي حتى انا كنت في حاجة لمساحة من الوقت اطمئن فيها اليها ولادرس خلالها حقيقة استعداداتها ونوياها تجاهي وتجاهنا ....

من جديد كان علي ان اقبل بنصف الحلول مرحليا وان انتظر ...

سعاد تكرفست في هذه الاربع سنوات ونصف التي انفصلنا خلالها عن بعضنا البعض هي بعنادها ابت ان تعترف باخطائها وتتحمل مسؤوليتها وانا من عمق الجرح الذي منيت به في صدري ومن وقع الصدمة الذي عرضتني اليه والذي ادخلني في حالة كرب ما بعد الصدمة (PTSd) ابتعدت تماما عن اي طريق يمكن ان يجمعنا او نلتقي فيه صدفة مع بعضنا كنت لازلت مثل الحوث الضخم الذي عندما يتادي يهجر للاعماق بعيدا ووحيدا ...

تركتني مريضا ارى من حوالي كل العالم البسيط الذي كنت اصنعه ينهار على راسي ..كل محاولاتي لبناء عالم اجتماعي لي امارس فيه ولو بشكل مؤقت دور تنجبس وتتوقف واعود من جديد لوحدتي ولغربتي ..لم يعد لي برنامج ..لم يعد هناك ما يستوعبني ..سقطت كل الاهداف القريبة التي كنت اسعى لتحقيقها من اجلنا ...والذي اجهز علي ودبحني ان حتى الصغيرة حنان ابنتي مضت معها وتوارت معها في المجهول بلا امل في حتى ان ارى او اسمع صوتها او احضنها لصدري في يوم قريب ...

ازيد من ثلاثة عشرة شهر وانا اعاقر الخمر وابكيني واهتم ببناء حديقة لي وكل من كان يتابعني يخالني احمقا بت 

ربما عدت لبعض صوابي عندما انتهى عمل القاضي او المستشار المقرر وسلم الملف لجلسة المحكمة بعد احدى عشرة مرة استجواب بمكتبه ..

كان الامر معي قد حسم وان كانوا هم جادون في تطليقي من هذه فليتحملوا دفع المبالغ التي اقرت بها المحكمة لاجراء التطليق للشقاق ..ولا مجالا بعد ليطلبوا مني ان احاول التفاوض معها على مبلغ التسوية .....

كنت مستاءا جدا من جميع افراد اهلي لانني كنت احسهم غير حاسين بي وغير مدركين للخسارة التي منيت بها 

كنت اعاني بحق ولا اتصورهم واعون بما يحصل معي ...

انا بكل بساطة اردت ان اكون بيتا ان انشا اسرة ان اجد لي دورا بسيطا اجتماعيا اكون به واقف به على قدمي ..وكنت بالفعل مراهنا على دعهم لي كلهم لا ليسوفونني وليقدموا لي ما لا يغني او يسمن من جوع ....

كنت اشعر بانهم بدورهم كلهم تخلوا عني واتخدوا زواية نظر مجانبة لما انظر اليه واراه ممكن جدا وواقعي وانتهوا بان رفعوا ايديهم عن القضية برمتها ورموا الكرة في ملعبي بدعوة وحيدة لي وهي ان اعدل من قواعد لعبي وان انسى انهم سيكونون بجانبي في ما اذا ارتايت ان العب جولات اضافية ....

عانيت بحق وخاصمتهم اجمعين لانه تبدى لي بانهم جميعهم تخلوا عني وتركوني في المعمعة وحدي ....

لم ابدا في استعادة بعضا من نفسي حتى عدت بطارق لشغفه بالقراءة والدراسة والبحث وبالتالي للانزواء وللوحدانية ....

الحقت ورممت زمني السابق بحاضر مثيل لاتمكن من مجرد الخطو والسير مجددا وان لا اعرف الى اين ....!!؟

اخدني الظل واغرقني تماما فيه ...لا اقتات الا من ذاكرتي ...الماضي كل ما هو لي حقيقي الى درجة بعيدة ..واحيانا يختلط علي وارتج ..وارتعد وتكبر مخاوفي ...ويخاصمني النوم وتسوء حالتي المزاجية ...

لا زلت احاول معالجة فجوات ذاكرتي ..تلك اللحظات العالية التي كان يحصل فيها اشبه بانطفاء او تعتيم شديد وكل ما يرتسم عنها اشبه بامكان ان تصدق فيها او لا تصدق ...وكلا الامرين يتطلبا مني ان اصيغ نظرية لحياتي ...كان استمر في النفي ..او الانكار ..او تصور الامر برمته كانه مجرد خلط ...ربما اشبه بامر تصور في لحظة امكان حدوثه ولم يحدث قط ولكنه انحصر جانبيا نحو انه تحول لذلك المأمول منه ان يكون قد حصل ...شكلته الرغبة فسهل تسلله للذاكرة على نحو مخادع ....

لم يكن ممكننا لي ان افكر بشكل حقيقي في حاضري او التخطيط لمستقبلي ..كنت مرتهنا لما اردته صادقا ان يحدث معي وان يكون لكنه ابى ان يحدث او يكون ...

كنت انفعل بشدة وعن جد مع خواطري وافكاري واساجل مع نفسي ..اثور واترافع واحتد واظل انسج نقاشات واحاديث لا تريد ان تنتهي ..كانت غربتي مزمنة ووحشتي للاخرين محرقة وكان يعدبني انني بعد على انتظاره.. زمن نتلاقى فيه من جديد لعلي فقط لاقول البعض مما اردت فعلا ان اقوله ولا يهم بعد ذلك ان نتوارى في البعاد من جديد ...

لطلما احسست بانني في حاجة لزمن اضافي وخاص يكون لي فيه حق رد ..وحق ايجابة عن كل الاسئلة المعلقة التي بقيت بيني وبين كل الناس الذين حاولوا فهمي او الذين ساءوا فهمي او الذين لم يحاولوا حتى اعارتي انتباههم ...

زمن القي به بكلماتي وامضي لحالي سبلي ...مع بعض الناس اصبح شبه مستحيل ان نلتقي ..ان يجمعنا الكلام لانه كذلك قدر لنا ان ننتهي وان نفترق ..وعندما اخد كل طريقه ابتلعه الطريق حتى اصبح جغرافيا من التضاريس تمتد بيننا وتحول دون ان نحاول بعد ان نلتقي لنقول ولو بضع كلمات ...مضينا ..انتهينا ...كنا ..

ومع بعض الناس الاخرين انهيت ما كان يستوجب ان اقوله عاليا وبمحضرهم وحسمت امري منهم ولا حتى الحاجة عادت تدعوني لافكر في ان اعلن لهم ما سبق وانجزته ....

تقاطعت دروبي مع العديد من الناس لحد غدى يصعب علي تذكر وجوههم ولا من اين يعرفونني ولازالوا يلقون التحية علي ...لا يمكنني ان اعقل كل شيء مع تمام يقيني بان كل شيء مسجل ها هنا بهذه الذاكرة التي تملك بعد الان ان تفاجئني في نفسي من جديد...

تعلمت من وانا صبي صغير ان ابكي حتى الصمت والنسيان ...كان يلزمني الكثير من عقد اتفاقات مع نفسي بكوني لا محالة سأنسى لانني لا اقوى على حمل الاذية بداخلي والمضي بها ..كما لا اثق في وعودي لنفسي بانني سأثأر في يوم ....الامر كان جد بسيط .." دعني انسى الان ان كنت سافعله بعد ايام او العديد من الايام ..."

اخطئت التقدير ..اخطئت انت التقدير ..اختلفنا ..كبرت في ذماغنا اننا انتهينا من بعضنا وصدقناها ...هيا لنصدق في البعض منها سوية على الاقل وننهي وجع الراس ..

كنت اعود بخطى سريعة نحو الظل ومتى اعتقدوا في انني غيرت حرفتي ولباسي وطريقة قص شعري وانتهى ان اكون لزوجة ومع زوجة وطفلة جميلة وخفت رجلي على الاسواق وانقطعت عالجوني باسرع نكران وكانهم ما عرفونني يوما ولا عاشرنا بعضنا وقتا يكاد يكون كمثل زمن ...

ربما فكرت في استرجاع اشياء مني اكيد انها كانت لي من قبل زمن سعاد وما تلاه ...واندهشت بادئ ذي بدء ثم تملكتني رغبة عاتية في مجرد السخرية والاستخفاف على حالي من حالي ...لم يكن في زمني غير الكثير من الوحدة والعزلة والوحشة وبعض الجنون والكثير من محاولات مكابرة العيش وخلق امكانات للاستمرار ..لمجرد الاستمرار...

ما من عودة الى اي مكان غير الذي لا زلت  به ولا من زمن غير مثيل ذلك الحاضر المبعثر والمرتجل باستمرار ..

كنت اسالني بجد :"ما الذي حصل معك !!؟ ما الذي تعطل فيك من جديد !!؟..

لم يعد لي غير زمني اعيد عده وحسابه والنظر فيه واحيانا المزح معه بلؤم :" وهل تعتقد فعلا انك شخت ايها اللئيم !!؟"

لدى عودة اخوتي وانا بعد اتابع اجراءات الطلاق لم يفهموا لماذا انا متاثر لمثل هذه الدرجة ومنفعل ومكتئب وبمزاج مريض ولا اريد غير الخمرة وفي حالة خصام مع الجميع ...

سمير الذي يألفني جيدا ويعرفني مليا تنحى جانبا مني وتركني اصيغ انهياراتي العصبية الصغيرة كما اريد لانني بالفعل كنت جد مضغوط وعلى وشك الانفجار ...

وبمضيهم لحالهم ذلك الصيف كانت اجزاء مني قد تشتت وكان يلزمني اعادة لم اجزائي وتبعثراتي ...

كنت اعرف انني عرضت نفسي للخطر واستقراري للانهيار وانني حتما ارتكبت حماقات ..والذي اعرفه جيدا عن نفسي انني كنت متأدى عميقا في ذاتي ...وان لغتي اصابها بعض العطل لم اعرف كيف اقول مابي ..او ما فعلا اعانيه او انا في حاجة اليه ....وكنت اعرف ان والدتي شاهدة على غرقي وفوضاي وتحول حالي للاسوأ ..

لم اعرف لي من اكثر من عشرة سنة وازيد الخروج باي شيء ولا محاولة فعل شيء حقيقي على ارض الواقع يقول ببعض ما انا صرت عليه او اود ان اصبح عليه ...فقط كنت اعرف انني اكبر واتقدم في السن وكذلك والدتي وكل الذين اعرفهم وعرفتهم في يوم بعيد او قريب ...كنت برغم الصلابة التي اتقنع بها اعرف كم هو خوفي كبير ...وكم لست على استعداد لاحمل ذلي وهواني وامضي راضيا ...لم ارد هذه الحياة التي اضحت لي انما حصلت عليه هكذا ودونما تخطيط مسبق ..كانت هي مجموع ايامي بما كانت تمضي عليه من رتابة ووحدة وجوع حقيقي للاخر ولمجال اكون فيه فاعلا كما اردتني دوما ...كانت حياتي كما الخسارة الكبرى التي يمكن ان يمنى بها المرء ...لاشيء من الاماني الكبرى او الصغرى تحقق ...فقط هو ذلك الاصرار الغريب على ان امضي وكما لا امضي ...متواريا خلف الظل ودونما حاجات ملحة تضعفني وتجعلني في حاجة لاتوسل الاخرين ...

ابكي نفسي ووحدتي لكنني في نفس الان مقتنع بانني هكذا اكون افضل حال ...لعل مثلي يناسبه ان يعبر الحياة كالخيال ..كما لو لم يكن ...

كان تحديا حياتيا واجتماعيا لا باس به ان اخرج من قمطي وكفني وان ابدا العودة للحياة الواقعية الاجتماعية وان اجدني دونما مناص مجبور على ان امارس الصراع باشكاله المتعددة لاوجد لي مكانا وفرصة ودورا على انه هامشي ..وان اختبر كل ما حشوت به راسي من ما كنت عاكفا على دراسته في مجال العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..

اخلصت في غاياتي واردتها بجد ان تظل معي وبجانبي لكنها الشقية لم تكن لتكبر على ما فهمته من حياتها وسارت على منواله ...لم تجد ما يناسبها من اهداف بجانبي ...كانت غير قادرة على ان تمثل بجواري دور الزوجة والامر بالنسبة لها ان تستمر في تلقي كل الاسئلة والاستفهامات التي لا تكف عن ادانتها ...حاولت بالفعل ان تتخطى ماضيها وما عليها من احكام اجتماعية لكنها عدمت الصبر الكافي والوعي اللازم لتفك الحصار عنها وتنسى ما كان ....وساعة كانت تتعب وتبتأس وتنظر حولها فلا تجد غيري تفجر في كل غيضها وحنقها وتحملني مثل الاخرين سبب تعاستها وحضها العاثر ...

بعودة اخوتي وعائلات ابناءهم كنت قد حسمت في بيت الجنون والاماني المجهضة وقبلت النزول للطابق الاول والاستقرار بغرفة به وبذلك كنت كمن قبل اخيرا بانه صار اعزبا وليس فقط منفصلا عن زوجته ...وحاولت ان اعيش الوضع الجديد 

استعنت بدواء "دوغماتيل "الذي كان يحسن من جودة نومي ..ويخفف عني الاعراض النفسية الجسدية التي كانت تلازمني وتبرحني بالالام والاوجاع وبسوء الحال ...وبحبوب "اطراكس 25مغ " التي كانت تخفف من حدة قلقي وتهبني بعض الاثار التهديئية والتطمينية لاتجاوز ايامي ....وفي مرات كنت الجا الى شراب "كالسي برونات "او الى حبوب عشبية مهدئة "سيداتيف بسي "...

استعدت قدرتي على ان اقرا وادرس لساعات متواصلة من يومي واخدتني عوالم الكتب الجادة والاعمال الروائية فاستعدت ولعي وحبي القديم ...اصبحت بقدرة على ان اخرج للشارع العام ولاجلس بالاماكن العامة وحدي ولاصيغ لي شكلا ونوعا من الظهور الاجتماعي وافرحني انني استطعت ان استعيد النظر للوجوه المالوفة لدي ولمن صاحبتهم بصريا من زمن اخد يبعد ولمن رافقتهم طوال حياتي ووضعتهم بين عيني ...

كنت قد استطعت ان اتجاوز واقعيا  الفراغ الذي خلفه رحيلها عن البيت ..هي نفسها لعلها عانت حتى تتقبل انه الفراق بينها ...وانني جاد هذه المرة كي لا اقبل بان تدخل وتخرج من حياتي ساعت تشاء هي ودونما ادنى مبالات لحجم الخسائر التي تخلفها داخلي ...ومع ذلك كنت اهتم جدا لمعرفة اي خبر عنها ..كان يهمني ان اعرف كيف عساها تعيش وتحيا ..لم اكن اريد لها ان تشعر بالندم او الاسى لكن ان تشعر بانها في الاول والاخير هي من تخلت عني وهي من صعبت العيش بيننا وهي من دفعت علاقتنا الى مهب الرياح العاتية ...

في حقيقة الامر لم يكن يصلني عنها اية اخبار تذكر كما انني لم اكن حتى ألمح وجودها في شارع من شوارع المدينة او احد اسواقها ...اعرف ان المدينة كبرت وانها تسكن الجهة الاخرى الجديدة من المدينة والتي لا تطأها قدمي ..على انها جهة مستقلة بمرافقها لذلك كان نادر جدا مرات ان تصادفنا وتقابلت عيني بعينها ...

كنت استحضر كلماتها واصرارها على ان تنقطع صلتنا ببعضنا ان افترقنا وداخلي كنت اعرف انها في احسن الاحوال تكابر وتتظاهر وانه صعب عليها ان توفر سبل العيش خصوصا مع وضعها الصحي المستجد من حادثة تكسر كلا قدميها ومن ما ترتب كذلك على عدم مكوثها قيد العلاج الفترة المطلوبة لتجبر الكسور التي اصابتها ..

كنت اعرف انها تعاني ويحز في قلبي تعنتها المجاني وايباءها الذي يبقى بلا معنى ..كنت اتمنى صادقا لو تعود ..لو تحني راسها قليلا وتنظر الي وتقولها صادقة انها اخطات في حق نفسها اولا وفي حقي انا تاليا وفي حقنا كلنا ....لكنني في المقابل كنت اعرف ان سعاد محال ..محال ان تعترف وتقر ولو على جتثها كما يقولون .....

لا اعرف ما عساه يكون مثل هذا الاباء او الممناعة...؟!!..لكنني اخاله كسوء فهم عميق ..او رد فعل مرضي بامتياز...لمعنى هنا للكرامة لو لعزة الذات حينما هو عناد في عناد...

عني انا فالذي اعقله مني جيدا هو كل تلك الاستعدادات عندي لأبدا معها من جديد او لاستانف معها المسير من حيث توقفنا على ان نكون سوية..في مقابل كامل اصرارها على ان تهد كل الجسور بيننا ..وفي مقابل ان تتمكن من هزمي وجعلي اقبل بلا شيء ..جعلي اقر بان احتياجي اليها مزمن فتنتصر على كل ارادة عندي في ان اصيغ حياة تليق بي ...




الأحد، 12 يونيو 2022

حنان الخلطي -بومنينة...../عوالمي السرية ...( الوثيقة رقم:A128مكرر ))

خواطر من القلب الى القلب : عنوان اساسي ...../ الى ابنتي حنان ...
لم الحقك ..ولم اشارك في اي نقاش تشاوري في شان ارتباطك ...والحقيقة المرة ان كل اخبارك كانت غائبة عني...تعرفين عادتي يابنتي العزيزة ..لا ابحث عن الخبر وانما اجعله هو ياتي عندي هذا حال الخبري استقصاء وبحث وتحري ...الاخبار هي من تبحث عنهم وليسوا هم ...
افترقنا للاكثر من اربع سنوات اقسم انني رايتك خلالها مرات.. انت او اخرى حسبتها قد تكون انت ولكن لا يهم غير انني كنت ابحث عنك في الوجوه في الحركات في النظرات كل الوقت وطوال الوقت لعلي المحك وتلمحينني ..لعل عيناي تعانق عن حق عيناك ...وانسى نفسي فيها لما لا ادري لكم من الوقت ...
كنت في حاجة لان اعرف ولو في حدود ادني ماذا عساها تفعل معك الحياة والى اين تقودك....وكنت استعر بالرغبة في ان اراك ..ان المس وجودك ..ان اقترب منك وان اضمك بقوة الى صدري واسالك كيف تعيشين ....؟!! وهل لا زلت تتذكرين كل الكلام الذي كان بيننا...؟؟
طارق خاصتك (طارق ديالك )حقيقة لم يكن يعرف الى اين ستاخده خطاه ...كان فقط يعاني وجوده ويتصارع بالرغم منه لاثباث وجوده الاجتماعي ...وجاءت والدتك "سعاد "  جاءت في ليلة جد خاصة ...شيء واشياء بيننا كانت تقول اننا بيننا اكثر من سر وداع لنعقل جيدا انفسنا ومن نكون ....
لم تمانع للحظة في ان تصحبني الى منزلي عانقتها من خلف ونمت لجانبها كطفلة طوال الليل ...كانت تبدوا لي طفلة متعبة ومعذبة وضائعة وخائفة ....
انا قبل ان يضيع سكري اخذت حبوبا مهداة واعددت قهوة سوداء مركزة واعلنتها ليلة بيضاء بجانب هته التي جلبها لي حظي او قدري في هذه الليلة من شهر نوفمبر ٢٠١٢.
سعاد ...لها طريقتها في الحدث عن نفسها وفي سرد قصصها وهي شحيحة في ذكر التفاصيل ..ودائمة التساءل حول مخاطبها وهل ممكن ان تبوح له وتعترف له ام تعطيها التفاصيل الخاوية والقصص المزيفة ....

في مقال دعوتي لطلب الطلاق من والدتك (في ٢٢فبراير ٢٠١٧ ) اول حيثية تطرقت اليها كانت :"...ان هذه العلاقة الزوجية لم ثتمر على انجاب ابناء ولا وجود لاي حمل ." فهل لك ابنتي حنان ان تعي مقدار ما يعني لي ذلك انا ما صدقت يوما بانني قد اكون غصنا ذابلا في شجرة العائلة او احتقر وجودي لدرجة انني قد ارغب ان امر من الحياة دون ان اترك او اخلف اثرا من بعدي ...ان على الزواج فلقد كان وارد ان لا يتسنى لي ابدا لكن متى اتفق وحدث فهو بشكل طبيعي حرك الرغبة العاتية في ان يكون لي اطفال ..ابناء ..ان ارى حبي وهو ينمو ويكبر امامي وبحضوري ككائن حي وحقيقي ...
كانت اول ضربة عميقة احصل عليه في الصدر مباشرة متى اخبرتني ان لا حاجة لها لاية وسيلة لتنظيم الحمل لان الامر لن يحصل معها .....
لم اكن العقيم ...ولم تكن هي عاقر ولكنها تعرف ماذا فعلت بنفسها لتحمي نفسها من مزيد من الاطفال في مثل وضعيتها الاجتماعية كام عازبة ....
كنت انت " حنان " كل السلوى وكل تعويض مقبول من رب السماوات والارض في شان الابن والابنة وفلذة الكبد ....واحببتك من قبل ان نجتمع ببعضنا بعد مضي ازيد من خمسة اشهر على لقاءنا ببعضنا انا ووالدتك في نوفمبر ٢٠١٢..حتى عقد زواجنا  الرسمي في ١ ابريل ٢٠١٣ ...
هل تراني اتماهى مع نمادج بشرية اخرى غيري وعبثا اسعى لايجاد تطابق ما حسي او شعوري بيني وبينهم في هذا الصدد ؟!!   لا اعتقد ياعزيزتي ...ربما لم احسبها يوما جيدا ..وربما كنت احجبها عن وعي الاساسي لاعتبارها لا حقة ولانني بعد كنت ابحث عن الانثى التي يمكن ان ارتبط بها في مثل ظروفي ومزاجي الشخصي ....لكنني عميقا كنت مسحورا بعالم الطفولة ..بهذه المخلوقات التي لا تعرف ولا تؤمن الا في الحب ..في تحقيق لذاتها وامنها العاطفي ومستعدة لتتعلق بكل من يبدل من اجلها ولو القليل ..القليل ...
"حنان " وهي تناغي طفلتها "افنان " وتقبلها في نفس الخد وبتتالي  تقول لصغيرتها ابنة الشهرين : " عليك ابنتي كنضرب الخدمة وشحال عندي منك بش منخدمشي عليك ..."
ظهرت لي حنان ليست مبالغة في خطابها لكنها مغالية في تقمس دور الام والاب في نفس الان ....
حنان بعد صغيرة من ايام فقط بلغت سنها العشرون صامتة وعميقة التفكير ...تفكر طويلا قبل ان تهمس بكلمة ..في اولى زيارتها لنا لتقضي المساء والليل والنهار التالي معنا قبل ان تعود الى جماعتها القروية للزوم ان تتابع دروسها هاهناك برعاية جدتها التي ربتها كابنتها وليست كحفيدة لها ...اعقل جيدا انها وهي ترسم قلوبا واشكالا وعلامات وكتابات انها كتبت :" بابا طارق ...طارق احبك بابا ....."كنت فرحا جدا بها لكنني خشيت عليها من هذا الشعور الذي لا تعبر الا عن افتقادها اليه وعن عميق حرمانها منه ...انا كنت سعيدا بانها فكرت في امكان تعويض ما او احلال ما معين لصورة اب تفتقده باخر قريب منها وممكن جدا لكنني انا لم اتعود على مثل عذا الشعور ...كان جميع احبتي وصغار عائلتي ابناء وبنات اخوتي ينادونني باسمي طارق دونما حاجة للقب عم او خال ...واطيب نعث يمكنوا اضافته اخي طارق ...كانت عندي مؤاخدات كثيرة على نظام القرابة عندنا وعن ما ينظم حياتنا الاجتماعية وكنت مخنوقا بصددها وارى انه يلزمها التفكيك فيها واعادة صياغتها وتحديثها لتغدوا ممكنة ومنطقية وقابلة للاستدماج على نحو سلس وفاعل وهادف ....
كنت اقول لهم جميعا :"انا لست عم احدكم ولا خال اي منكم انا طارق ويمكنني ان اكون اخوك طارق هذا منتهى ما يمكنني ان اكون فيه معكم صادقا ...."

اخدت "حنان "الصغيرة واجلستها حجري وقلت لها انه يسعدني ان اكون "باباها " لكن يفرجني اكثر لو اكون باباها صديقها الذي ليست في حاجة لتناديه بغير اسمه الشخصي "طارق "وقلت لها اشياءا كثيرة عن الصدق وعن الحب وعن الرغبة وعن الحياة الاجتماعية وعن احتياجتنا النفسية والعاطفية ....كانت تصغى الي بكل تمعن وتحسس رهيف لكل معنى ..معنى كلمة ارومه وابانت انها تفهم حقيقة ان لا نتسرع في تشكيل حقيقة لعواطفنا لانه تلزمها الكثير من الوقت لتتشكل وتكتمل على اجل صورة ممكنة وانها الحاجة هي من تدعوا لوجودها ولا ستخدامها ...
كانت متفقة معي وانا كنت اكاد ان اطير فرحا بهذه الابنة الجميلة الذكية والمرهفة الاحساس 
"حنان " كانت تكبت اكثر مما تفصح عنه ..وكانت تعاني على نحو لا شعوري عميق ...كانت اكبر من عمرها الحقيقي ...نضجت شعوريا قبل قريناتها ..وان استمرت في الدلال على جدتها التي تناديها "يما " بينما والدتها " سعاد " تناديها ب " ماما "...
كان سكنهم القروي بسيط ونظيف ومرتب على نحو يدعوا للارتياح ..كان بيتا حجريا مشكلا من غرفة اساسية وغرفة صغيرة جانبية ومطبخ ..وساحة خاوية احتوت " خبازا " للخبز التقليدي ومرحاض بجانب باب الفناء المسور بصفائح القزدير ..."حنان " لعلها ابانها ما كانت تشعر بفقر الحال لانها كانت ممتلئة باحساسات الكفاف والقناعة بالاضافة الى ان " يماها " ما كانت تبخل عليها بما تراها تشتهيه وجادة كانت في ان تهبها احسن تربية واقومها ...

"حنان " كانت طويلة القامة ونحيفة البنيان وبشعر اسود فاحم طويل وبتقاسيم وجه طفولية جميلة لكنني كنت الاحظ انها تخفي قلقا داخلها على تعاملها السيئ مع وجبات الطعام اذ تكاد لا تاكل الا النزير ..تخطف الطعام كما العصفور ..في داخلها لعله كان رفض في ان تنموا وتكبر بسرعة ..ولربما كانت مستمتعة بقوام صغير لا يثير الانتباه الى جسدها ويجعلها في ذات الان تغنم بالمزيد من الرعاية والخوف عليها والاهتمام الزائد بها ...
الرجل الوحيد الاقرب مكانيا وزمنيا منها خالها "العياشي " الملقب ب" حميد " وهو اذ ذاك اب لبنتين " ريحان " و "هاجر " ابنة الثلات سنوات اما الاولى فهي تقارب عمر " حنان " ..لكنه من عالم محافظ وذكوري بامتياز تكفيه بناته عن اي اهتمام حقيقي ووازن بالصغيرة " حنان "...
"حنان " لعل البيت الذي كان يحلوا لها الاقامة به منزل خالتها " رحيموا " باصيلا حيث زوج خالتها " عزيزها " يدلعها ويحنوا عليها اما اولاد خالتها فهم يتخاطفون على حنان ويلبوا لها كل رغباتها في الخروج والتجول والتسكع واللعب في فضاءات الالعاب والسيرك الحضري لكن همها الوحيد والذي كان يعكر صفو ايامها هو اشتياقها الزائد ل" يماها " السعدية الجدة التي تعودت ان تنام لجوارها كل ليلة ولا تفارقها ...
تعاملها مع "السعدية " يماها جعل حنان اكثر من ملتصقة بصدرها الحنون ومتعلقة بها اكثر من الطبيعي ...لا تعاملها معها كان ينحو نحو مسلك مرضي ...فحنان بعيدا عن اهتمامها الشخصي بدراستها وبعيدا عن شلة صاحباتها بنات حيها وبنات خالها كانت كمن لا تريد ان تكبر عن حضن جدتها ..كانت تسلك تصرفات لا تناسب سنها فقط لتضمن لنفسها حضن واهتمام "الجدة السعدية "...التي لعلها هي الاخرى دخلت معها لعلاقة مرضية واصبحت بدورها تستجيب لها دون ان تعقلن او تدفع نحو ضبط سلوكاتها مع ما يتوافق تقريبيا مع عمرها وعمر اقرانها ....
"حنان " كانت تعاني وذكرتني بنفسي في مثل عمرها كنت دائما اشكوا من اوجاع وامراض ومتاعب صحية حقيقية واخرى ليست تماما كذلك وانما لا اعرف ربما عندما اركز اكثر معها تعاود انتيابي واشعر بها ..ولا اعرف كيف كنت استثمر العلل تلك والوعكات الصحية لاتهرب من الذهاب للمدرسة او لا احصل على المزيد من الاهتمام واصبح في محو اهتمام وسؤال الجميع عني ...
"حنان " كانت مصرة على تجويع نفسها لتصاب بالدوخة والعياء والتعب ..."حنان " كانت جد مزاجية في تناول الطعام هكذا وبدون سبب سوى جعل الاخر يعتقد في ان ما يحصل مع هذه البنت ليس بطبيعي ....
"حنان " كانت تحمل عنادا غير طبيعي فهي قادرة على ان تصم اذانها وتتظاهر بان الامر كمن لا يعنيها او يخصها ..وكانت قادرة على تمنح عكس المنتظر والمتوقع منها فاستجابتها من نوع الذي يثير الاعصاب ويصيب بالنرفزة وهي تفعل ذلك بعمدية خاصة كمن يريد ان يعرف مكانته وعزته عند الاخر او كمن يختبر صبر الاخر عليه ..وهي في كل ذلك كانت تشكوا وتعاني من ازمان شديد في الحب ..كانت تدرك جيدا ان وضعيتها الاسرية جد خاصة 
تتبعت الصغيرة "حنان " جيدا في محاولة لفهمها اكثر وكنت اريد ان اعرف عنها كيف عساها تتقبل وضعها الاسري المركب فانا اجدها معتمدة كلية على يماها السعدية بينما تنظر من بعيد الى امها ماماها سعاد ..تضع مسافة بصرية بينها وبين سعاد والدتها كما لعلها تحمل قلقا تجاه تصرفاتها ...نظرتها لسعدية يماها دنية ..قريبة لماحة ..سريعة وذكية بينما هي لسعاد مرتقبة ..بطيئة ..خاوية من الاحساسات او تكاد تكون كذلك ..واحيانا فيها تكالب عاطفي وغنج تجاه امها ....علمت ان السعدية تهدد ..تتوعد بالعقاب وقلما تكون جادة في ذلك بينما سعاد حال واحوال قد تنقلب في لحظة من مجرد التهديد الى محاولات تنفيده وابداء عنف زائد في ذلك ....الامر لعله عند سعاد اكبر من نرفزة وتوثر وقلق سببه عوزها للتذخين وهو ما لا يحصل ببيتهم وبحضورهم ..لقد لاحظت ان سعاد لا تملك صبرا طويلا على اي احد وسريعة الانفعال و اتخاد القرارات وفي العادة يعود عليها ذلك بالندم والاسف الشديد ...















































 

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...