الثلاثاء، 26 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(34) بعيدا عن حنان"هذه..."13 تابع :"21-1"


 

يوميات:عوالمي السرية..(34) بعيدا عن حنان"هذه..."13 تابع "21-1"


 الجيل الذي انتمي اليه أنهى دراسته او انقطع عنها ...الجيل الذي على احتكاك به تجاوز عمره الثلاثون بينما انا بالعشرين سنة ..ربما يبدوا سنا حديثا ولازال المستقبل كله بين يده وملا نظره ..هذا لو كان يعرف ماذا يريده وماذا فعلا يقدر عليه وما هي الإمكانات المتاحة على أرض الواقع ...؟!! ..

المدينة امكاناتها جد محدودة وكل الانظار متجهة لامكانات التوظيف بالقطاع الجماعي بالبلدية او بالعمالة او باحدى الادارات العمومية توظيفا مباشرا لانه كلما هم الامر مباراة توظيف وطنية بدت الحظوظ جد بعيدة ولا من نتيجة مضمونة حين أن الفرص الحقيقية للتوظيف غير متكافئة ..والتوظيف المباشر عبارة عن خوصصة للمناصب لصالح المقربين والمحسوبين على الإدارة أو المنتخبين الذين يسيرون المدينة او بلغة الواقع هو فرصة لمن يملك دفع العمولة وحصة سمسار الوظيفة ..

زمن المدينة في بداية التسعينيات كان زمن حزب الاستقلال الذي تحمل مسؤولية تسيير شؤونها الجماعية منذ سنة 1983 وتم تمديد في عمره .لذلك كان طبيعي ان تخصخص الوظائف المباشرة للاستقلاليين وللمقربين منهم ..طبيعي ان يستحصلوا على نصيب الأسد من الوظائف والبقع الأرضية والمنح والرخص وكل الامتيازات .. وطبيعي ان يطمئن اي استقلالي لخدمات أية إدارة او مصلحة مادام للحزب مسؤول ورجله في كل إدارة ...

أية معرفة نظرية او أية قراءة في  خطابات الحزب على الصعيد الوطني وبين ممارساته على أرض الواقع تكاد لا تستقيم ولا تصلح ولا ينبغي الركون على الاقل لواحد منهما ....

ممارسة الحزبين منه كانت دائما تصب لصالح الحزبين والمنظمين معهم وكلهم يعملون كجماعة مصالح واحدة وكشبكة نفود تقوت منذ استقلال البلاد الى زمننا الحاضر عبر تمكين اعضاء الحزب وكوادره من أهم المراكز والوظائف بالوزارات وبالمؤسسات العمومية في عهد كل توزير او تعيين في المناصب العليا  يكون من نصيب الحزب حتى ان الوطن اقترن عندهم بحزبهم وبانه لهم وليس لغيرهم ...

ناس الحزب طيبون وودودون لكن ليخدموك بحق يجب ان تكون معهم ليستفيدوا منك كما تود انت الاستفادة من خدماتهم ..خدمة ترهنك وتموقفك او على الاقل تبصم سجلك السياسي الحزبي ...هم اكثر من منطقين  مع انفسهم وتاريخيهم وتواجدهم الحزبي مترسخ في مشهد مغرب الاستقلال ويكاد يكون من بين جميع الأحزاب المغربية التي استطاعت ان تفتح لها مقرات في جل التراب الوطني وحتى بالعالم القروي والنائي .ويكسبوا نفوذا لهم..

ناس الحزب يرفعون صوتهم عاليا وهم يتحدثون عن مواقف فريقهم النيابي وامانتهم العامة وصحافتهم الرائدة لكنهم لا يجراون على أن يناقشوا اوضاع المدينة وتسيرها وان اوشوا بشيء فللتمويه ليس الا ...

مقر الحزب يعرف نظام مداومة مزدوجة واحدة خاصة بالاتحاد العام للشغاليين واخرى للمفتشية الإقليمية للحزب ولباقي هيئات الحزب الشبابية والنسوية والتلمذية والكشفية ودائما هناك من ينتظر على الباب او بذهليز المقر لانه دائما هناك راغب او طالب لخدماتهم وخدمة مقابل خدمة الا ان البطاقة الحزبية او بطاقة الاتحاد هي الأولى قبل اي نقاش معقول ...قد يقول قائل ان كل الاحزاب قد تشرع لمثل هذه الممارسة ونقول لو لم يكن حزب الاستقلال من اقدمها ومن اول من تسلم الحكم وراهن على أن يبقى بيده لوحده ...

العرائش ابتليت بناس يجيدون اللغة الاسبانية احسن من اللغة العربية واي تقصير او خلل يلاحظ في تسير مرفق عمومي او في الاشراف عليه شان نظافة المدينة او مراقبة الاسواق او حال الحدائق اول ما يخطر على بالهم ويتحدثون عنه هو حال المدينة ابان الاستعمار الاسباني وتراهم يتكلمون بحنين لزمن الإقامة الاسبانية وعن شان المعمر الاسباني ...ناس لا يخطر على بالهم ان ينتقدوا السياسات العمومية أو الحزبية ولا ان يرفعوا من الوعي والحس الوطني وانما هم وكانهم فقدوا القدرة على الاندماج مع كل ما هو وطني.. وطني ومع ذلك فاغلبيتهم كانوا يدينون لحزب الاستقلال ويصوتون لصالح مرشحيهم ربما فقط لكي لا يتهموا بالخيانة العظمى على انهم في دخيلة انفسهم وفيما بينهم ودائما بلسان اسباني وفي نوادي اسبانية او بمقاهي لاصحابها الاسبان او لمن ظل لجانبهم الى اخر لحظة منذ ان قرروا الرجوع طواعية لديارهم بعد سنوات على الاستقلال كانوا يلعنون كل ما هو مغربي او على الاقل كل ما يسير ويدار مغربيا ... 

كانت ساكنة المدينة التي تقارب 85.000  نسمة مع بدايات سنة 1990اغلبيتها نشيطة وفي اوج عطاءها وقد اقتنعت بان احسن استثمار وتوظيف للاموال هو في اقتناء قطعة أرضية وبناء مسكن فوقها او تملك منزل ببساطة ..كانت سومة الكراء التي تم مراجعتها من قبل الحكومة قد بدأت تعرف تصاعدا مثيرا ومقلقا وفي العشر سنوات الأخيرة تضاعف ثمن المتر المربع من الارض وان لم تستغل الفرصة الان فبالتاكيد ستعرف تصاعدا صاروخيا في ثمنها ..لذلك بدى كل من قضى ثلثي مدة توظيفه أو استخدامه اكثر اهتماما وارقا بان يتحصل على الاقل على بقعة أرضية وليعمل على بناءها لاحقا تدريجيا المهم أن لا يتباطئ وان لا يترك القطار يفوته ..من قبل هذه المرحلة العمرية كان يسال الواحد من الناس عن ان تاهل الزواج ام بعد متعثرة احواله لكنه الان كان السؤال الأكثر إثارة هو هل بنيت منزلك ام بعد في دار الكراء ...!!؟ 

كان مجتمعنا المحلي "الاصيل "يعرف بعضه البعض ويربطهم ببعضهم اكثر من رابط  عائلي او مصاهرة او جورة او نشاط مهني او انتماء قبلي وعشرة سنوات وذاكرة ..وكان طبيعي ان يكون ذلك الاهتمام المشترك بتتبع أحوال البعض للبعض والذي كان من خلاله يحصل التاثير والتأثر وما ان انطلقت الموجة الجديدة من اقتناء البقع الأرضية وبناء المساكن او شراء منازل قديمة واصلاحها حتى انخرط فيها جيل بأكمله من الأسر واصبح الكل متحسس من الموضوع ويستشعر حجم المسؤولية الملقات على عاتقه ان هو لم يحزم اموره وينطلق  مثلما انطلق الاخرون في بناء او حيازة مساكنهم الخاصة ..انتعشت حرف البناء وتجارة مواده وقروضه والاشهار عنه والسمسرة له واكتوت الأسر التي كانت مضطرة للتقشف في زمن عام سياسي وطني عنوانه التقشف وتجميد الرواتب والترقيات والزيادة في الاسعار والضرائب على تابعات السياسات الحكومية العامة التي قد لا يستوعبها الا من كان قريبا من لج نارها واعتمالها المباشر معه كما كان الشأن مع مسلسل الخوصصة والتفويت والذي جاء في إطار سياسية التقويم الهيكلي للاقتصاد كما املته المؤسستين الماليتين الدوليتين البنك الدولي وصندوق  النقد الدولي ...بل حتى من لم يفهم مدى تاثير ذلك على وضعيته الخاصة المهنية او الاجتماعية فلقد كان متوجسا من قادم الايام وغير مطمئن للاوضاع خصوصا بعد ما عرفته العشرية الأخيرة من هزات اجتماعية ثلاثة أساسية 1981 -1984-دجنبر 1990 راح ضحيتها العشرات بل المئات ويقال الآلاف برصاص حي على الآلاف المعتقلين ...

كان زمن صعب واصعب ما فيه حجم الخوف الذي كان يستشعر الواحد منا من مستقبله ومن امنه على نفسه وأحواله وذويه ..كان الجميع يعيش القلق النفسي والاجتماعي والضغوط الاقتصادية والمعيشية المتحولة ..وكانت الاسر المستقرة بالمدن والتي افتقدت الارتباط بالارض وبالعائلة الممتدة الكبيرة وبالقبيلة تشتشعر الحاجة الماسة للتحرك في اتجاه تثبيت اوضاعها وضمان مستقبل ابناءها بعد ان لم تعد تضحياتهم في سبيل تعليم ابناءهم لا تاتي اكلها في كل الاحوال وبعد ان تقلصت الفرحة بحصول ابنهم او ابنتهم على شهادة الباكلوريا لدرجة التخوف من ان يكون ذلك بداية مشوار غير مضمون في وسط جامعي مضطرب ويعاني على كل المستويات بداية مع السكن الجامعي وهزالة المنحة وغياب الرقابة الأبوية لصالح رقابة الأجهزة البوليسية المختلفة التي ترصد اي نشاط سياسي او اجتماعي بالساحة الطلابية ..

الأسر مضغوطة وتمارس ضغطها على ابناءها كمن وعت على راهن البلاد المتحول والغير مطمئن ...وكانت فرصة من ضيع فرصته في التعليم البداية من جديد في اخد تكوين مهني في أية شعبة المهم أن لا يسمح له بتضيع المزيد من الوقت كما كان يستشعروا جسامة وفداحة الخطأ الذي ارتكبوه هم كاجيال سابقة تتحسر على بقع الارض التي بيعت بارخص الاثمنة وعن دور المستعمر التي شبه وهبت بحفنة دراهم معدودات وعن الوظائف التي لم يكن يرضى اي واحد على القبول بها   وعن فرص الهجرة إلى الخارج في زمن اليد العاملة المطلوبة والمرغوبة ....كل هذا كان يبدوا انه ذهب مع الرياح وزاده الاحساس بالذل امام اسياد الوقت الجدد ..كل من يملك المال او السلطة ...

الأسر المحلية "الأصيلة "بمجتمعاتنا كانت تعيش كفاف يومها وكان البحر يجود كل يوم بما يملا الموائد وكانت البطن لما تشبع تترك للرأس وللنفس فرصة أن تبتهج بالكؤوس وبادنان الجعة الاسبانية وكانوا يعيشون العطل الأسبوعية والرسمية والموسمية بكل طقوسها خصوصا النزهة بالغابة او بالبساتين والجنانات والاغراس او بالشواطئ  البحرية وكانت تعد وتطهى   اشهى الطواجن و"البايلات"  ويقام بشي الاسماك كما اللحوم وهات افخر شراب وارقه بعد ذلك ...المخزن لم يكن يساءل كل مقتدر على الشراب ان شرب وحتى ترنح قليلا او تحدث بصوت عال وغنى او رقص ..المخزن لعله كان مع هؤلاء يتدبر نصيبه ويحصل  على حصته التي تكفل له استقرار اوضاعه المادية في زمن الرواتب الهزيلة والشبه مجمدة..

الأسر المحلية "الأصيلة "كانت مضيافة ومحتفلة بنفسها دائما بالقليل او بالكثير ..وكانت تانس إقامة العشويات والعزومات العائلية حيث يكون موعدها مع اشكال من الطرب والغناء الشعبي العفوي والرقص وقد تخصص لذلك استدعاء فرق موسيقية وغنائية شعبية ككناوى او حمادشة او عيساوى او طرب  الآلة الأندلسية كل حسب استطاعته ولا تهم ان تكون هناك مناسبة مادامت الاحوال رائقة والامور المادية ميسرة ..وحتى تلك الأسر المحافظة لم تكن لتبخل في إقامة ليالي ذكر وتلاوة القراءن تكرم فيها الطلبة والفقهاء بآية حجة المهم أن تستمع هي الاخرى بطريقتها ...

الأسر المحلية  الأصلية كانت لا تهتم بغير ايامها ليس لها مع الهم وما يوجع الصدر وعلى ذلك الأساس كانت متسامحة مع الجميع ..تعلمت درس الحياة والفت انه مهما تبدل للاسوء يعود لسابق عهده ويجود  ويروق ... لذلك ظلت منتظرة وعلى امل ان تنزاح هذه الغمامة التي خيمت على واقع المدينة وابأستها ..ظلت منتظرة ان تهدأ الاجواء المشحونة سياسيا في أغلب جهات المملكة ..وظلت منتظرة ان يكف المخزن يده المسيطرة على اعناق الناس وارزاقهم ..مثلهم مثل باعة الخضر المتجولون والباعة المفترشون الأرضيات  ومن يدخل الميناء  او سوق الجملة للخضر ليتدبر احواله ...ومثلهم مثل المعتادين على الشغل كلما دعت اليه مصالح الإنعاش الوطني ..ومثلهم مثل نساء الأندية النسوية وتلامذة التكوين المهني الذين تاخرت عليه المعونة الغذائية التي تقدم لهم كمنحة او مساعدة او كتشجيع على الاستمرار ..مجرد الاستمرار ...!؟ومثلهم مثل البحارة ساعة تسوء الاحوال الجوية في عز اجواء المطر والرياح والبرد فيقفل الميناء ...

ظلوا منتظرين وهم يلاحظون غيرهم قد مل الانتظار ولم يعد يقدر عليه ..وهم يلاحظون  الاحوال تزداد سوءا والمدينة تضيق بنازحين جدد حملوا مما حملوا معهم لهجاتهم الجديدة والغير المفهومة من اغلبيتهم ..وانضافوا الى من كانوا ينتقلون اليها دون ان يثيروا الضجيج او يلفتوا الكثير من الانتباه اذ كان البربر الامازيغ من بلاد سوس والاطلس قد اختلطوا مع الساكنة او لم ينخرطوا وانما اوجدوا لهم مكانا خاصا بهم داخلها وتجارة مخصوصة عليهم كانوا شطراء فيها وكلما قصدوا ديارهم ايام العيد الكبير عيد الاضحى عادوا بصبي جديد او احد ابناء عمومتهم او عادوا متزوجين ....بينما النازحون الجدد من ابناء جبال الريف على الجماعات القروية المحيطة بالمدينة وعلى هوامش المدينة وداخل المدينة القديمة كانوا يحملون معهم على لهجاتهم المحلية ولسانهم البربري جروحا غائرة وهموما كبيرة وعزة نفس ممزوجة بانكسار واستعداد غريب على البداية في اي شيء والكثير من القدرة على التحمل ...المدينة كما ناسها استقبلوهم ببعض اللاهتمام المتصنع ليفتحوا لهم امكانيات الاندماج وتقبل الحياة التي ليست سهلة ولا صعبة كما بالمدن الكبيرة ..المدينة وناسها رسموا الحدود من البداية ولم ينسو ان يذكروهم بها كل يوم وهم يحرصون على منادتهم  مثلما تعودوا ان ينادوا السابقون منهم في التواجد بالمدينة "السوسي " ..."اريفي...اريفية .."..   "روافة"اندمجوا  بسرعة في نشاطات المدينة وغدوا مهنا بدت هي الانشط في الحاضر فاشتغلوا بالبناء وبالاشغال العمومية ومن كان سنه او وضعه لايسمح له بتشغيل قدراته الجسمية وقواها تدبر تجارة صغيرة أو قبل بالاستخدام في الاوراش الصغيرة ومخازن بيع المواد بالجملة ..اندمجوا دون ان يثيروا الكثير او القليل من المشاكل مع المجتمع المحلي لانهم بطبيعة عاداتهم ولسانهم كانوا متنحين  عن الاختلاط والانغماس في بناء علاقات وحتى من التحق بهم كمساعد في تجارة  " ريفي" مقيم من سنوات بالمدينة او بمحل خدمته ظل محافظا على تقديم نفس الصورة عن عرقهم "المعقول ولا للتخرشيش ".."النزاهة ولا للتلاعب او الاحتيال "..

نفس اللامبالات بهم مارسها شباب المدينة في حقهم مع الكثير من نظرات الاحترام لهم وهي ما لم ينلها مجتمع "العروبية "الذي كان يحتل نسبة الصدارة في ساكنة هوامش المدينة وعشوائياتها حتى من كان منهم قد لا يجب اعتباره نازحا او مهاجرا قرويا اليها لانه ينتمي الى دواوير وجماعات قروية من نفس دائرة الاقليم وقد لا تبعد غير بضع كليمترات محدودة عن المدينة ..ربما لانهم ساهموا بأشكال في ترييف المدينة واكسابها طابع البداوة باصرارهم على حمل عاداتهم واسلوبهم في العيش معهم ولانهم وعلى لسانهم العربي صعب التفاهم معهم وصعب اكثر حثهم على التغيير واستعاب وضع المدينة وحاجياتها ..ولانهم ظلوا متمسكين بان يمارسوا نفس نشاطهم البدوي بالمدينة فغدوا أساسا تجارة الخضر والفواكه على نحو عشوائي واستمروا في تربية مواشيهم ودواجنهم بمساكنهم الصفيحية التي  تتوسع يوما على يوم لتاكل المزيد من الارض المستولى عليها بالاتفاق او بالتواطئ مع عيون السلطة من مقدمين وشيوخ ومرشدين ..وربما كذلك لانهم اسريا كانوا مزاوجين وكثير انجاب الأبناء ويتصرفون على نحو عفوي ليس فيه اهتمام كبير بمظاهرهم او باوضاعهم الصحية بما فيها نظافتهم الشخصية ومطارح سكناهم وزرائب ماشيتهم ..على الكسل الذي كان يميزهم عموما وهو ما جعلهم يزاحمون بسرعة شباب المدينة في المقاهي والحانات   ويبداون في اثارة  عيون الشرطة   باصرارهم بدورهم على أن يدخنون "كيفهم" علانية بالمقاهي وبالاسواق وبجنبات الطرقات ..كما بدو اكثر ميلا للعنف وللعدوان ويتصرفون على نحو متكثل في المواجهة او التصدي لاي تحرش بهم وبالكثير من الحمية والعدائية والدموية ..

"العروبية "كانوا يعتبرون من ناس الداخل "داخلية "وعمليا كانت منطقة عرباوة التي منها كانت ترتسم الحدود الإستعمارية بين المنطقة الشمالية الواقعة تحت الحماية الاسبانية والاخرى الواقعة تحث النفود الفرنسي بما في ذلك حاضرة الاقليم الثانية مدينة القصر الكبير ..و"العروبية "قد يكونوا من بادية المدينة كساكنة دوار الغذيرة   او اولاد مصباح او ساكنة جماعة العوامرة والثلاثاء ريصانة ....وهؤلاء  كانوا حرصين على الاستمرار في الإقامة بمناطقهم وارضهم الا من تعب من رحلة الانتقال كل يوم ليعود لاهله واسرته حين انه قرر الاشتغال بالمدينة والاندماج ضمن نشاطها ودورتها   الاقتصادية والتخلي عن نمط عيشه البدوي والفلاحي ..فتدبر سبل عيشه والإقامة بالمدينة بمحل مكترى او بغرفة سطحية او بغرف فنادق رخيصة..

"العروبية "  الذين قصدوا هوامش المدينة ليستوطنوها كانوا عموما من بوادي مدن واقاليم مختلفة اختاروا الهجرة القروية بعد ان انسدت الافق امام اعينهم وضاق بهم مجالهم  وعموما كان الفقر خيطا يجمعهم ويوحدهم وكل أسرة منهم او كل واحد منهم كان يحمل قصته معه ويطمح في فرصة جديدة ليبدا ليس اقل او اكثر ...وهم على انهم كانوا يتحدثون كثيرا الا انهم لا يخبرونك شيئا حقيقيا عنهم وعندما تسالهم يقفلون آدانهم ويدعون انهم لم يصغوا اليك جيدا ..كانوا حريصين على أن يتغدوا جيدا باي شيء متوفر وان يتصرفوا على سجيتهم وكما يحلوا لهم غير معنيين بالاخرين ...نساء "العروبية "بدون اكثر حماسة واهتماما بتدبر احوال معيشتهن والسعي وراء أية فرصة عمل او شغل ...والكثرات منهن انخرطن بشكل مباشر في القطاع الفلاحي كعاملات  موقف اي مياومات يقبلن اي شغل لجني او بذر او العناية باي خضر او فواكه ..على عكس "الجبليات" اللواتي غدين معامل تصبير السمك وشركات تلفيف الحوامض والبواكر والمتعلمات منهن كما الصنعيات انخرطن في شركة الخياطة والفصالة للملابس الجاهزة  ...

لا احسب ان نزعات قبائلية تعصبية حكمت ناس المدينة وان ظل بعض من ناس المدينة ينظر بتعالي ويتصرف بتحسس تجاه أي وافد جديد على المدينة ..لكنه لم يسلم الامر كلما احس البعض بنوع من المزاحمة في تدبر لقمة العيش بان يعلي صوته ويبدأ في لعن كل قبائل الدنيا ..كان كذلك يحدث في المحطة الطرقية وببوابة الميناء وبالاسواق وبالارضيات التي يفترشها  الباعة ..

لا احسب ان المدينة كانت ترغب في أن تبقى صغيرة منكفئة على نفسها لكنها بدت وكأنها تعاني مع كل امتداد واكتضاض لم يكن مخططا له ولم تكن المدينة مهيأة لها نفسها ولا مستعدة لاحتضانه او احتواءه .. وبدات مشاكل الازبال والمطارح العشوائية والكلاب الضالة ومظاهر البداوة والفقر تصطدم الناس بالإضافة إلى كم المتشردين والمتسولين والمرضى العقليين والنفسانين الذين يجلون الشوارع والطرقات والازقة والاسواق كل يوم وينامون جماعات بالمحطة الطرقية او باقواس باب المدينة والسوق الصغير وبموقف حمالة مفترق طرق أربعة طرق "كواتروا كامينوا "..

لم تكن مشكلة امن وجهاز شرطة بقدر ما كانت مشكلة قطاعات حكومية وسلطات عمومية ومنتخبين بدو عاجزين عن تدبر الحلول الا بسياسية التجاهل ورش الرماد على العيون كبرمجة مشكلة اجتماعية للتدارس في جدول اعمال دورات المجلس البلدي دون الخروج بآية قرارات او توصيات في شأنها ...لعل الكل اكتشف ان المشاكل اكبر منه وأنها نتاج سياسيات وارادة سياسية والكل انتظر الحلول التي تأتي من اعلى.. من المركز ..وفي انتظار ذلك تعامل كل من جانبه بما يجعله مستفيدا من هذه الأوضاع لا خاسرا خصوصا على المستوى الشخصي ...

جيلي ..جيلنا كان يعي انه سيستسلم عما قريب مشعل تسيير المدينة وهو من سيستانف العمل بكل المجالات الحيوية بالمدينة والاقليم من تعليم وصحة وبريد وإدارة واشغال ...بعد ان بدا رعيل الاستقلال  رحلة تقاعده الوظيفي والمهني .. لكن اغلبيته كان غير مرتاح وقلق من حال الوظيفة العمومية ومن حال التعينات بها المرتبطة اما بالعالم القروي او بالمدن والاقاليم النائية التي لم تكن قد إستفادت بشيء يذكر من فرص التنمية ..  على هزالة الراتب الوظيفي الابتدائي ووجوب  انتظار حوالي السنة الى أن يبدأ صرفه هذا ان لم يكن الوظيف مرتبط بمدة تكوين وتدريب بمدارس او بمعاهد وبمنح وبوحود سكن او بانعدامه ...

جيلي ..مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات كان مضغوطا من كافة المستويات ويائسا من السياسية كما تمارس في حياتنا اليومية بمنطق االمنفعية والمحسوبية والزبونية والفساد وغير مقتنع بالعمليات الانتخابية المزورة ولا بعمل المجالس المنبثقة عنها وغير راض عن التدخل العميق والمستبد  لوزارة الداخلية ولكل مصالحها في كل شؤون حياة المواطن ورزقه وحريته..ورافضا للمزيد من التطبيع مع الفساد ..وجزء من جيلي ذاك كان جد متحسس من طغيان مظاهر التاسلم والاسلام السياسي التي وحدها من كانت منتعشة من كل تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى من المتغيرات الدولية التي شهدها العالم مع بداية تصدع المعسكر الشرقي وانحدار وتفكك الاتحاد السوفياتي  ونهاية نظام القطبين الحاكمين للعالم ...


الجمعة، 22 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(33) بعيدا عن حنان"هذه..."12 تابع:"20-1"


 

الخميس، 21 يناير 2021

يوميات:عوالمي السرية..(33) بعيدا عن حنان"هذه..." 12 تابع :"20-1"


 كان مجتمعنا المحلي يتحول وبسرعة وبخطوات مهرولة ..جزء كبير من شباب المدينة كان عازما على الهجرة إلى اسبانيا أساسا والى باقي الدول الأوربية حسب من سبقه من ذويه او عائلته الى هنالك الى انجلترا او المانيا او بلجيكا وهولندا ..او ايطاليا .. كان شبح البطالة يخيم بضلاله على الشباب الجامعي والمتعلم والازمة الاجتماعية متفاقمة وبدى انه انسب الاوقات لمن يستطيع ان ينفد بجلده ويسلك الحدود سواء بتدبر تأشيرة عمل او بعقد زواج ابيض او توسط شبكات التهجير السري النشطة بمنطقة الشمال والتي كانت تزواج مابين تهريب البشر وتهريب المخدرات ..

وجزء مهم من شباب المدينة كان غارقا في مكانه وقد استوعبته مقاهي تذخين الحشيش والكيف التي اخدت تعرف طريقها الى المناطق السكنية المكتظة والشعبية هي وقاعات الالعاب والبليار ..والتي تتحول في آخر المساء والليل الى قاعات مغلقة لمشاهدة الأفلام البورنغرافية الاباحية والتي كانت تلقى إقبالا كبيرا من اليافعين والمراهقيين هي وكراجات استعملت للغاية ذاتها خصيصا وحتما كان الامر في علم السلطة والجهات الأمنية لكنها بدت غير مهتمة بتطويق  الظاهرة لعلها كانت تشتشعر حاجة الشباب واليافعين للتنفيس عن انفسهم وعن مكبوتاتهم  ..وربما لانها كانت تعتمد على خلق توازنات بسيكوسيسيولوحية تضمن معها عدم اهتمام هذه الفئات الا بيومها وبتحقيق بعض رغباتها الخاصة على الاهتمام بالواقع السياسي والاقتصادي المتازم ..وربما بصمتها حيال ذلك الواقع الجديد كانت تمارس وتكرس  سياسية التغييب لجانب سياسية الرضى بالأمر بالواقع ...

كانت الاحياء الهامشية والعشوائية في تزايد مستمر هي ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وبدى ان جماعات مصلحية هي المستفيدة في كل الحالات من وراء خلقها والتستر عن حقيقة ساكنيها الوافدين من مناطق ريفية مغربية مختلفة ..وكثر الحديث عن فساد الاداريين ورجال السلطة واعوانهم ..وعن مافيات سياسية تنتعش من الاوضاع تلك ...

جمعت تلك الأحياء الكثير من البؤس الاجتماعي والنفسي وعرفت بين ارجائها اكبر سوق مفتوحة لتجارة الممنوعات من الحشيش الى الكحول المهرب الى الأقراص المخدرة الى السيلسيون الى الدعارة الى تجارة أشرطة الفيديو الاباحية ..كما غذت المدينة ساكنتها بافواج جديدة من الباعة الجائلين للخضر والفواكه والمواد المعيشية الرخيصة و أفواج جديدة من حمالي العربات المجرورة باليد وبالبهائم وبجيل جديد من الباعة المفترشي الطرقات والذين يبيعون المتلاشيات والأشياء القديمة ولقى المطارح والمزابل العمومية فانعشت بذلك مهنا جديدة كما خلقت كائنين جدد يحملون اسم "الميخاليين "وهم الذين يبحثون في القمامة وينتعشون منها ..

هذه الاحياء مدت في سطوة عناصر الشرطة القضائية التي كان طبيعي ان تضعها نصب أعينها لما تعج به من اشخاص مطلوبين للعدالة من محاكم مختلفة بالمملكة ولما تعرفه من نشاطات ممنوعة قانونا ..وأصبحت ملعبهم الرئيسي ..ولانها كانت صعبة الاختراق ومنفلتة فلقد مهدت عناصر الشرطة القضائية لتدخلها بها عبر تصيد الناشطين في توزيع المخدرات وبيعها وهم خارج مناطقهم السكنية وبمحيط وسط المدينة وبمقاهيها ..تصطادهم للتفاوض معهم حول تعاونهم لجانبها ...وفي هذا الاتجاه دأب كل مفتش شرطة او ثنائي مفتشي شرطة الى كسب سبق قدم بالمناطق الهامشية والعشوائية ..لم يكن عموما يلقى القبض الا على رافضي التعاون والذين كانوا يزاولون نشاطاتهم الممنوعة باستعمال العنف واللجوء اليه في تصفية نزاعاتهم خصوصا في جلسات قمارهم الذي كان رائج تعاطيه من اول الصباح الى ساعات متأخرة من الليل وفي خلاءات ومناطق بعيدة عن تدخل الامنيين والشرطة ..

لم ياتي مفتشوا الشرطة القضائية بجديد في الموضوع فلقد كان معروف في الاحياء والمناطق السكنية الشعبية بالمدينة وجود عناصر نشيطة في بيع وتوزيع المخدرات والخمور من لدن عامة الناس وجميعهم لكنهم لم يكن يلقى القبض عليهم وكان يروج على نطاق واسع ان حماية مبسوطة عليهم من من يواليهم من أفراد الشرطة وان بينهم اتفاقات سرية تضمن لهم الحرية على  ابلاغهم بكمائن او حملات التفتيش الممكن ان تقوم به دوريات ومهمات أمنية محايدة ...

لا يمكن الجزم في شيء بكل يقين لكنه تمة حدود واضحة بين الحقيقة وبين مجرد الاشاعات ..لقد كان عدد من "البزنازة "معروفون بتبعيتهم لفلان من الشرطة القضائية او من فرقة مكافحة المخدرات ..حتى كان يقال ان ما يبيعه من حشيش تم تمويله به من طرفه ومن ما تحصل عليه من مداهمة منزل "بزناز  "اخر تم تجريده من الممنوعات ومن حصيلة بيعه في يومه مقابل تقديمه كمستهلك او اطلاق سراحه قبل انجاز أية مسطرة في حقه ...

كان يرى مفتشوا شرطة صحبة "بزنانزة "معروفون بنشاطهم ..وكان منهم من تعودوا ان يمروا على بيوت المفتشين محملين بمقتضيات السوق والدكان ليودعوها لحسابهم كجزء من الأتاوة ...

وكان بالحانات من يتكفل بدفع ثمن كل مشروب يحتسوه وكان هؤلاء معروفون بنشاطهم في تجارة الممنوعات ...

ربما كان الكل يعرف ما يحصل لكنه كان أشبه بطابو اجتماعي الكل يرى ويعرف ويتابع لكن لا احد يجرا على استنكار الامر علنا وحيث يجب ..والكل يتجنب على الاقل الوقوع في مشاكل مع الامنيين ومع من بحوزتهم كامل سلطة الاعتقال وحتى تلفيق التهم ....

كان كف  أن ينظر لرجال الشرطة على أن مرتابتهم دون المستوى  وان وضعهم وظروف عملهم الوظيفية متعبة ودون الحد المعتبر من الحاصل ..لانهم على أرض الواقع كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش ويصرفون اضعاف حجم مرتباتهم ويغيرون السيارات في السنة مرات وكل منهم تحصل على بقعة أرضية ويجهز في بناءها وابناءهم وزوجاتهم متمتعون بافضل سبل العيش ومظاهرها ..وكان من يشرب منهم ويراعي البيئة المحلية ينتقل الى افخم فنادق ونوادي مدينة طنجة واصيلا ليشرب ويسهر بها ..ومن كان يفضل السهر ببيته  كان الشراب يصله حتى باب بيته هو والطعام المعد بمطعم   شهير بالمدينة ..ومن كان يرتاد منهم حانات المدينة كان في الغالب لا يدفع اي شيء تقريبا من جيبه الا اذا اراد هو التباهي على طريقته في ضيافة احد على حسابه الخاص ...

لا يمكننا ان نعرف على وجه اليقين كيف كان لهم ان يعيشوا مثل الامراء ويتصرفون مثلهم وبعيدا عن اي خوف او شعور بالتهديد ..لكن بالتاكيد لم يكن صعب اعمال حسبتها بالعقل والتفكر فيها ...

كانت منطقة الشمال فرصة يطمح كل ملتحق  بسلك الشرطة او السلطة ان يوفد  للعمل بها حيث بإمكانه أن يحقق الثروة ويختصر الطريق اليها في بحر سنوات معدودات على رؤس الاصابع ..كانت المنطقة تعج بنشاطات التهريب والاتجار بالممنوعات وبكل الأنشطة السوداء وتعرف دوائر المسؤولية والسلطة بها تراخيا وتواطئا بينا مع كل المفسدين والطامحين للوصول بسرعة وباي ثمن ...كما كانت المنطقة الشمالية هي منطقة زراعة نبتة القنب الهندي الأصلية ومصدرها الاساسي الذي منه تنقل وتوزع وتباع في كل التراب الوطني وتهرب لخارج البلاد ..كما  بالمنطقة الشمالية يوجد معبر حدودي "معبر باب سبتة "الذي يؤمن كل تجارة البضائع المهربة من المنطقة الحرة بالمدينة المحتلة الى جانب تلك القادمة من معبر حدودي اخر مجاور للمنطقة "معبر مدينة مليلية"..كما لوجود المنطقة جغرافيا على الضفة الأخرى لشبه الجزيرة الابيرية جعلها منطقة عبور مثالية للهجرة غير الشرعية للناس وللبضائع وللممنوعات ...ومنطقة تعج بجنسيات متنوعة وباطياف مختلفة من المجتمع اختارت الإقامة بعواصم المنطقة كطنجة وتطوان لما توفره لهم المنطقة من نشاط سياحي وترفيهي خارج عن نظام المراقبة والضبط القانوني او القضائي ...  

تتبع مدينة العرائش قضائيا دائرة طنجة ويتم ترحيل المسجونين والذين على ذمة قضايا جنائية الى سجن طنجة "سات فيلاج"والى محكمة الاستئناف والغرفة الجنائية بها وكان السجن هنالك يعج بجنسيات أوروبية مختلفة وفرصة ليتعرف المودوع به الى بشر ما كان له بان يتعرف عليهم عن قرب كما عن حكايات عجيبة وغريبة عن مدى توغل الجريمة في المجتمع وفي المنطقة على الخصوص وعلى مدى تورط الامنيين وعناصر من السلطة والجمارك والدرك ومختلف التشكيلات الأمنية في الفساد وفي نشاط التغطية على تجارات الممنوعات والتهريب النشط بالمنطقة   وعن كم الثروات التي كونوها في مدد قصيرة  ...

بالمدينة اختار جديدو التعرف على النعم احياء جديدة لبناء مساكنهم في تجزئات حديثة وكان جزء كبير منهم هؤلاء الامنيين بينما عموم المدينة تغرق في البداوة والبشاعة والفوضى والتسيب على الملك العام وتنحرف سلوكيات شبابها وناسها ...ربما كانت ردة فعل المجتمع في تبنيه ايديولوجية الإسلاميين طبيعية من منطلق انه اختار الوقوف جانبا من طغيان الفساد والمفسدين وربما كان اختيار جزء منه الوقوف بجانب معه كرد فعل اجتماعي  طبيعي  لمسايرة الاوضاع وعدم معاندة التيار ...خصوصا في زمن وصلت فيه ظاهرة الرشوة والمحسوبية الى سؤددها وتمكنت من التفشي في كل الدوائر الرسمية والحكومية ونخرت حتى جسم القضاء والعاملين في دوائره ومحيطه   ...

التحول الجارف يعصف بمجتمعاتنا المحلية ويتلاعب بمنظوماتنا القيمية والاخلاقية ويقدم الشيء ونقيضه في ذات الان لانه وعلى كل حال كان ولايزال الاختلاف قائم في درجات واستعدادات الناس على التكيف مع التحولات والتعاطي معها .. 

الصراع كان على أشده بين الحكومة والنقابات والمعارضة السياسية بالداخل وبالخارج ..وكان عموم ناس الشعب يتطاحنون لضمان لقمة عيش وفرصة في المدارس لابناءهم  بينما صغار الموظفين والمحسوبين على  الطبقة المتوسطة يعيشون التقشف على أمل ان يكفوا مدخراتهم ليحولوها الى مساكن يبنوها ويامنوها لاسرهم وتدخلهم بذلك لصنف من يملكون شيئا ..من يملكون ارضا او دارا يحمل اسمهم ونسبهم ويورثوه لمن سيخلفهم بعد مماتهم ورحيلهم من دار الزوال الى دار البقاء...

التساكن بين مختلف الفئات المجتمعية كان أصيلا فينا لكنه بدى في هذه العشرية الأخيرة يميل الى التزعزع وينقلب عليه ..بدت روح جديدة تهب على المجتمع ..روح مادية متطلعة ونازعة الى الأنانية والتنافس حد التطاحن والاصطدام ...تغيرت لغة الكلام والتعبير اليومية وكثرة الخصومات وضاقت الانفس وأصبحت اكثر تصيدا لاخطاء الاخرين ..ربما ذكى ذلك الخوف من ان يتحول الفقر الى قدر حتمي ..وربما اثاره رؤية قادمين ونازحين جدد يصبحون في ظروف قياسية ملاكين وأصحاب خير ودخول مالية معتبرة بينما ما كانوا للامس القريب يتباهون بأنهم سكان المدينة الاصليون وناسها يفقدون ماء وجوههم ويتحولون الى فقراء يوما على يوم امام تعقد الحياة العامة وغلاء المعيشة وتكاثر الساكنة ومشاكلها التي الهبت الاسعار وزادت من اثمنة الاكرية  والبقع الأرضية ومواد البناء وضيقت من فرص ايجاد وظائف او شغل كريم وباجور تكفي وتسد الحاجة ..  

بدى يأس متزايد من ما يتيحه التعليم من فرص توظيف وايجاد شغل بعدما اخدت تعلن قطاعات عن اشباع حاجاتها من الوظائف والخدمات لجانب تفشي منطق المحسوبية والرشوة السائد والجاري به العمل في كل مباريات التوظيف والترشيح لشغل مناصب ..هذا بالنسبة لمن تمكنوا من الحصول على الاقل على شهادة التوجيه الاعدادي فما فوق اما دونهم فلقد خلت إمكانية ايجاد وظيف او شغل لهم حتى كاعوان خدمة ومساعدين دون تدخلات ووساطات ..ناهيك عن حال الأجرة الهزيلة والمرتبات الضعيفة التي لا تحل المشاكل وانما تزيد في تعقيدها ...

كان سن زواج الشباب عموما متاخر لانه يحتاج لسنين حتى يكون نفسه ويستقر في عمل ويبدأ مشوار الادخار لتجهيزات العرس وبيت الزوجية ..بينما كان سن الانثى المرشحة للزواح منخفض جدا واغلب الزيجات للقاصرات ولذوات الحضوة الاجتماعية والنصيب العالي من الجمال والانوثة ...وكانت الاسر التي وجدت نفسها فيما سبق قد ابتلت بانجاب عدد كبير من الابناء في ورطات حقيقية.امام تبدل الاحوال وتعقدها وامام ما اخد يعج من سخط عام وعارم بين مختلف شرائح المجتمع طوال هذه العشرية الأخيرة "الثمانينيات " وحتى اسس ومبادئ الزواج اخدت بدورها تعرف طريق التحول ..اصبح الزواج المقبول اجتماعيا يتطلب تكافئا من نوع مادي ووظيفي  تحث مقولة ان اليد الواحدة لا تصفق وانه لانجاح الزواج لابد من ان يكون هناك تعاون بين الزوج وزوجته او بين الزوج واصهاره  واصبح تزويج البنت للمغترب باوربا او باحد دول الخليج  اكثر تفضيلا وترحيبا منه من زواج الفقر والبؤس المعروض داخليا بالبلد حتى وان لم يكن هناك تناسب عمري او ثقافي او لغوي ...واصبح مقبول تزويج البنت من رجل اصلا متزوج من واحدة أو اثنتين ما دام قادرا وقواما على التعدد ..كما أصبحت الاسر تقبل بتزويج بناتهم بابناء من خارج المنطقة ومن خارج قبائلهم ولغاتهم ولهجاتهم المهم عندها ان ترتاح من حمل يتقل كاهلها او من بعضه لتتفرغ لبقيته ...وامام هذا التحول الاجتماعي الأسري الذي املته الظروف الاقتصادية والسياسية العامة للبلاد والخاصة للمناطق الغير النامية او الفقيرة او المهمشة وفي مجتمع  يصل معدل الترييف والبداوة فيه الى ازيد  من 82٪  بينما يصل تعداده السكني الى ازيد من اربعة وعشرين مليون نسمة وجدت الأسرة المغربية نفسها في أزمة حقيقة وبدى انها في حاجة لان تعيد النظر في إطار الزواج وحقله التنظيمي وتراجع النظر في قانون الأحوال الشخصية المغربي لانه افلس الأسر المغربية وساهم في خلق جيل من المطلقات ومن النساء العازبات ومن الأبناء المشردين من دون أية حقوق او امكانات للعيش الكريم ..

ربما تعاطت عدد من الأسر المغربية والمحلية مع الزواج وتزويج بناتها للاسلامويين بمنطق انهم الاقرب الى المعقول وانهم الاقرب الى النزاهة والذمية من حيث أنهم يراعون الله ويتبعون طريقه لذلك تغاضوا حتى على إشكالية التعدد او عدم التناسب العمري او الثقافي لان المجتمع بدى وكانهم انقسم على نفسه الى قسمين كبيرين ..قسم يدعي الصلاح والصواب والتقوى ولايزهد في تدبر لقمة عيشه والعمل على ذلك وقسم ضيع الطريق او اضاعته يعاني العطالة او عسر الحال او وضعه داخل اسرته المتعددة الأفراد والمشاكل المادية والاجتماعية ولم يستطع ايجاد فرصته لا في الهجرة حيث يكون نفسه ثم يعود ليوظف ماله في مشروع مدر للدخل يضمن له تاهلا  مريحا للزواج ..ولا في الحصول على وظيف مطابق لشهادته  وقريب من مدينته الام واسرته وضمن مجموع الوظائف المجزية رواتبها والتي تعرف فرص ترقي سريعة ...ولا حتى فرصة تدبر راس مال يبدا به تجارة حرة او يشارك به في مشروع مضمون الربح ...وجزء كبير من هذا القسم وجد نفسه وامام تحديات المرحلة العمرية والجنسية التي هو فيها يعاني من مشكلات الادمان اما على الكحول او المخدرات وبالتالي يعاني صراعا مع وسطه ومشاكل مع الجيران والمحيط والشرطة ...

بالمدن تبدوا المشاكل وكأنها مصطنعة على عكس ما تبدوا عليه في القرى والارياف التي تظنها وكأنها قدرية ...بالمدن تتجسم المشاكل وتاخد اشكالا مؤسساتية   وقانونية ..بالمدن تفقد حريتك امام كل ماهو مادي او ذي طابع مادي وتفقد حتى قدرتك على أن تتنفس هواءا صحيا او تشرب ماء نقيا صافيا دون ان تفكر كيف ستدفع  ثمنه ومن اين ستتدبر امكانيات الحصول عليه بشكل مستمر ودائم...القرب من وسط المدينة مشكلة مثلما هو البعد عن وسطها لاطرافها مشكلة كذلك ...بمدينتنا كان كل ساكنة وسطها يلعنون اطراف المدينة وينسبون لها كل المشاكل التي باتت تعرفها المدينة ككل ..كان تصاعد أعمال العنف والجنوح والجريمة ياول اوتوماتيكيا لتمدد هوامش المدينة وعشوائيتها ولمن يعتبرون دخلين على اوساط المدينة ونازحين عليها ..بينما كانت هناك عملية اضطرادية وتعالقية بين الهامش والوسط بين ما يتطلبه شباب وسط المدينة وبين ما يوفره شباب هامشها ..خصوصا في الوقت الذي بدت فيه المدينة والبلد باكملها تتخلى عن استعاب طاقاتها الشابة واليافعة وتقامر بمستقبلهم في مشاريع التقويم الهيكلي للاقتصاد  والخوصصة ..وتسهم بذلك في المزيد من تشريد العائلات واللعب بمصيرها ..

بالمدينة وبالاقليم التي غابت عنه أية مشاريع تنموية حقيقة منذ مقدم العمالة وتسمية السيد المولودي بوسيف عاملا على إقليم العرائش المستحدث جديدا والسمة الغالبة على أحوالها هو التردي و التهميش والتضيق ..اغلقت معامل ورحلت مشاريع لمناطق نفود تابعة لوزير الداخلية .. سرحت شغيلة وفوتت ضياعات وشركات الدولة الفلاحية بالمنطقة في إطار عمليات الخوصصة وبقي الميناء ومشاريع تطويره عالقة ..بينما كانت الاراضي الجماعية والاملاك المخزنية والغابوية تنهب نهبا وتقسم بين المحظوظين ومفايات الإدارة والمتخبين ورجال السلطة والسماسرة...على بقاء جماعات قروية معروفة تزرع القنب الهندي بمحادات  الطرق الرئيسية ولا من ناهي او رقيب ..بينما كانت عمليات تخريب يومية للاقتصاد المحلي الأصغر يمارسها المشتغلون بحقل التهريب وتحث تغطية ونفوذ دوائر الجمارك والدرك والشرطة الإدارية والعجيب ان الجزء الاكبر من ممتهيني هذا النشاط التهريبي كانوا من الاسلامويين ..او كان لحاسبهم الشخصي ...اما كل مكونات السلطة والنظام فلقد بدى انها غير مهتمة الا بتحسين أحوالها وضمان سرعة اثراءها وتحوزها على المزيد من اشكال التسلط والنفوذ ولا يهمهما مع من تلعب اكانوا اسلامويين او تجار مخدرات وممنوعات او مفايات عقار او جماعات ضغط مصلحية مفسدة ....  


 

السبت، 16 يناير 2021

يوميات : عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."11 تابع:"19-1"


 

يوميات: عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."11 تابع :"19-1".


 عندما كنت بعد تلميذا منتظما على الدراسة كان سهل عليهم تحديد هويتي الاجتماعية وحصري في خانة التلمذة واليفاعة وبداية الشباب ..حتى وان كانوا قلقين جدا من فروة نشاطي وعلاقاتي ويحاولون تحديد ميولاتي الفكرية والسياسية من من اخالطهم أساسا ومن ما معروف عنهم من تشبع فكري أو انحيازات سياسية ..انا لم اهتم بالاقتراب منهم لانهم ببساطة لا يرقونني ولا ينسجمون مع ميولاتي الاجتماعية ولانني لا استسيغ انماط تفكيرهم والقوالب التي حشروا  رؤسهم فيها ولانني ما كنت اقبل منهم اشكال الوصاية التي كانوا يحاولون ممارستها على الجميع ...وحتى داخل فضاء الدراسة ومؤسساته لم اسعى لإقامة علاقة مع من كانوا يمثلون نمطهم وتوجههم السياسي الاجتماعي لانني حتى لما انفتحت على الاخرين كنت اتخير من بإمكان ان اطور معه النقاش والعلاقة لمستويات أكثر فاعلية ودينامية ...وهم كانوا يمثلون لي اولئك العازفين عن ممارسة اي فعل ثقافي او جمعوي منفتح على العموم ..ومعزولون عن التفاعل السليم مع باقي مكونات وافراد المجتمع ..وحقودين ببساطة لانهم لا يتكلمون عن أنفسهم وغير جادين في إقامة علاقات متفاعلة كما الجميع ...على انهم يدورن في نسق رتيب ومحافظين على شكل لباس ومظهر يميزهم ومنظمون ايقاع يومهم على اوقات الادان والذهاب المساجد ويعطون ذلك الانطباع بأنهم احرس الناس على الطهارة ونقاء الداخل ان لم يتعدوه ليعلوا من شأن ذميتهم وضمائرهم وسرائرهم النقية على حساب كل من لا ينتمي اليهم ويسير على خطوهم ...كانوا وكانهم كلهم نسخة واحدة ليس فيها اي تميز ..ناس نمطيون جدا وكسالى وحذرين ويعانون .... 

عندما انقطعت عن الدراسة وخرجت لرحلات الإستكشاف الإجتماعية ولاخالط اصنافا متعددة من الناس ولانفتح على مجالات نسبيا جديدة على من في عمري ووضعي ..بدوا اكثر اهتماما بمحاصرة هويتي وتحديد انتمائي ..كانوا يسعون بجد لتعليق يافطة علي وتصنيفي ..كان منهم من يجرا على تعقبي وتتبعي في الشوارع العامة ويقترب من مجمعي ليستسرق السمع لحديثنا ..وكخطوات يائسة حاولوا الاصطدام معي عنوة كجس نبظ من جانبهم لي ..لم اهضم لهم وارتابوا كثيرا في مجموع تحركاتي وسعة واختلاف علاقاتي ..لم يستوعبوا حتى اشتغالي بالصحافة ربما لانها كانت تتبع حزبا يمينيا ومشارك امينه العام في الحكومة ..ولأن حتى مفتشه الإقليمي الاستاذ محمد بديع كان شخصا اشكاليا فهو مناضل اتحادي حتى النخاع ارتاى ان يخرج من صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وان ينظم لحزب الحركة الشعبية وان يؤسس بمجهوده الخاص الفرع المحلي والاقليمي للحزب بكل من العرائش ومدينة القصر الكبير ..حاضرتا الاقليم ..ارتابوا في إمكان ان يتحول واحد بتفكيره وبقناعاته وبما دائم التعبير عنه جهرا وصراحة الى مثل هذه الدرجة من التحول والميلان...كما لم تهضم لهم علاقاتي برجال الأمن والشرطة والسلطة ..وكانت العلامة التي حاولوا وضعها علي هي انني مقرب من السلطة وعين لها وربما متورط اكثر معها ...كانوا يشيعون الخبر عني في كل دوائر المجتمع الذين أعرفهم ويعرفونني واتعامل معهم ...وكانوا يتجنبونني باستعداء في نفس الآن ..يرفضون التعامل معي حتى عندما يتعلق الامر بخدمة عامة يقدمونها للجميع او بشأن البيع والشراء  ومعاملاته  ..ولم يكفوا عن التحري في شاني ..لحسن حظي انني كنت على علاقات جد طيبة مع من شاءت طرقهم ان تتقاطع وتلتقي معهم وكانوا يخبرونني ويعلمونني بشأن مسعاهم ذلك ومنهم من كان يسالني سبب اهتمامهم بي ببعض الإستغراب ..وهؤلاء لم يحدث أن قاطعتهم او اتخذت منهم موقفا عنيفا ..ظلوا كما كانوا اصدقائي ومعارفي واجتمع اليهم كلما سنح الوقت بذلك واتحدث اليهم ويجمعنا النقاش وحرارته ...

سعوا بجد الى نشر ستار من ذخان حولي وادخال شخصي الى دوائر الإشتباه ..وتمكنوا لحد ما من جعل من كنت لزمن قريب اعتبرهم يعرفونني ومقربين من بعضنا البعض يرتابون مني ويصبحون حذرين مني وشبه عازفين عن خوض الحديث معي ..  ومنهم من قاطعني دون مقدمات ..

حتى من داخل الحي حاول بعضهم تلويث سمعتي ونعثي بالانحلال الخلقي داعي بعض الأهالي للزم الحذر تجاه سلوكي وعلاقاتي مع ابناءهم وبناتهم ..حاولوا استغلال اي معطى سلوكي عني لمحاربتي به ..ولم اكن في ذلك افضل حالا من بعض منا من لم يراعوا حتى مركزهم الوظيفي وحالتهم  الاجتماعية وعمرهم و كانوا يكيلون لهم الاستعداء لدرجة أن حولوا نزق الصغار والاطفال لسلاح بايديهم يضربون به ويحاصرون عبره حتى مرورهم في الشارع وحتى خلوتهم المفروض انها امنت ببيوتهم الخاصة ..فتجد جماعات من الصغار ومن المراهقين تصرخ في وجوههم  وتنعثهم بالسكارى وبافحش الاوصاف وترجم بيوتهم بالحجارة او تضايقهم بطرق أبوابه والهروب لاقصى مكان لحين خروجهم الاستقصائي ليبدؤا في كيل السباب واللعنات لهم ...

كان الامر مقلقا للغاية خصوصا في مدينة صغيرة نسبيا كمدينتنا العرائش حيث الاخبار تشيع بسرعة ويكاد يعرف الجميع الكل ...هذه الحرب النفسية والاجتماعية لم تكن مفهومة على الاقل في خلفياتها ومنطلقاتها  فهؤلاء الاسلامويون خليط غير متجانس على انه يبدوا لا تمايز بينهم شكلا وظهورا اجتماعيا .فهل يمكن فهمها على انها حرب ايديولوجيات وعقائد ؟! ام هي مجرد تعبير اخر عن مفهوم الصراع الاجتماعي والصراع بين الأجيال ..؟! ام هي بالفعل حرب مواقع سياسية وسلط اجتماعية وقوى ونفوذ ...؟! ..

هؤلاء الاسلامويون يبدون ان ان لاروابط تجمعهم كلهم بل لعلهم طوائف وجماعات وملل ..وحتى تواجدهم بالساحات المدينة وفضاءاتها متفرق فلا توحد فئوي مهني او حرفي يجمعهم ولا تصنيف نخبوي يشملهم ..ربما لحد ما التقارب العمري قد يؤلفهم بغض النظر عن الادوار التي يلعبونها مجتمعيا وبمارسونها مهنيا ...

كانت الفئة العمرية المتراوحة بين الثلاثين والخمسة والاربعون هي الناشطة سياسيا واجتماعيا وكانت مهنهم تتوحد افقيا في ميدان التجارة لكنها مختلفة في اشكالها كان بينهم اصحاب محلات الجزارة وأصحاب المقشدات والملبنات وتجار اكسسورات إلكترونية وقطع ملابس وعطورات وكتيبات وأشرطة دينية يعملون كباعة جائلين او مفترشي ارضيات الاسواق والشوارع العامة ...هذه الفئة كانت شبه متواجدة يوميا بكل مركز المدينة وشوارعها ويلتقي اصحابها بعضهم ببعض ويقفون لبعضهم ويتجولون مع بعضهم ..

كانت فئة اخرى يشكلها تجار قيسرية سوق البرارك وهي منقسمة على ثلاثة فئات عمرية فئة اليافعين والشباب من ابناء التجار اصحاب المحلات والعاملين كمساعدين لهم وفئة الشباب والرجال مابين عمر الثلاثين والخمسة والاربعين وفئة الرجال والشيوخ وكان بينها كلها نوع من التفاهم السري وعدم الاختلاط واحترام مبالغ فيه لعامل السن والحالة الاجتماعية والدور الممارس ...

وكانت فئة اخرى من العاملين بمجال الصيد البحري ومنها من احتكرت تسير مراكب بعينها لوحدها وهذه كانت متشكلة من فئات عمرية مختلفة ..اما فئة تجار السمك بفضاء الميناء ونقله للاسواق الخارجية فهي كانت في نفس الفئة العمرية الممتدة من الثلاثين الى الخمسة والأربعون ..

وكانت فئات لا يجمعها غير المسجد الذي يأموه وهم موزعون على محلات تجارية مختلفة ونشاط تحاري مختلف فكانت فئة مسجد سوق سبتة وفئة مسجد قيسرية ابنيدا وفئة مسجد الباركي ...

وكانت فئات متناثرة لا يجمعها غير مسجد المنطقة القريب وهم ليسوا على علاقات مترابطة ببعضهم البعض كفئات مسجد القدس وفئات مسجد تشاد الهم المجموعة المنتمية منهم لحقل التعليم والتدريس  ...

وكانت فئات شابة تجتمع بمسجد حي ديور حواتة وهؤلاء شبه اقران وأصحاب وابناء حي واحد ...ومثلها كان بكل الاحياء السكنية المتوزعة على المدينة وكانت بالحي الجديد وبحي المحصحص و بحي المنزه تجمع أكبر عدد من المهنيين والحرفيين  المشتغلين بمجال اصلاح السياراة وكهربائها وطلاء هيكلها ..والنجارة  وباقي المهن الفنية والتقنية ..

وكانت فئة اخرى من مستخدمي قطاع الجماعات المحلية من عاملين في قطاع النظافة والحدائق والاعوان وهم من فئة الرجال مافوق الخمسة والأربعون سنة ...

لم يكن هناك توزيع مهني قطاعي يجمعهم ولا سكني مناطقي يوحدهم ولا وظيفي ولا مؤسساتي خاص يضمهم البعض للبعض ..وهذا كان يجعلهم يبدون متعددون على أن العامة لا يميزونهم بعضهم عن بعض فكلهم "اخوانيون "او "سنيون "او خوانجية  " او "ملتزمون "...

كان عدد من رجال التعليم والصحة الاسلامويون قد اختاروا الانضمام الى نضلات نقابتهم التابعة للاتحاد العام للشغاليين التابعة لحزب الاستقلال ربما للمرجعية الدينية المتميزة للحزب ...

كانوا منتشرين ويغطون كامل خريطة المهن والحرف والوظائف وقطاعات التجارة والخدمات كلون سياسي ديني لكنهم كانوا بالتاكيد يحملون الاختلاف بينهم او لا يحملونه الا كتكتيك سياسي بينهم ...

ربما كان يسجل اختلاف شديد في شكل اللحي وتقاسيم وتعابير الوجه والوان قناديرهم وجلالبهم وكان يظهر التمايز ذلك بوجود رفقتهم من النساء فالمتشددون منهم حسب تجهم وجوههم وسلوكهم يصحبون  المنقبات والكاملات الغطاء بينما الاخرون يصحبون المحجبات السافرات الوجوه والكفيين ...

لم تحصل  أية وقائع سياسية كبيرة او هامة ولا اية احداث او هزات اجتماعية لحدود زمننا هذا بداية التسعينات والمشاركة في الاضراب العام لسنة 1984 كان بلا لون سياسي او حزبي وبلا غطاء ديني كان شعبي وتلمذي على مستوى المدينة والاقليم و كما احداث الاضراب العام لسنة 1990 على أنه في تظاهرات فاتح ماي العمالية السنوية لم يكن لهم اي بروز  كتيار سياسي ديني ولا اية مشاركات متميزة لهم ..لم يحدث طوال حقبة الثمانينات اي اصطفاف لهم على الاقل إقليميا ومحليا لنلحظ مدى احتشادهم وقوة تنظيمهم ....هم فقط كانوا منتشرين ومكتسحين  كظاهرة  في كل مواقع  وخطوط المجتمع ..ولم يظهر عليهم الا ذلك المستوى من التجمع كجماعات او "مليشيات "في الاحياء الشعبية والهامشية منتظمة في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وفي الدعوة والتبليغ وفي استقطاب اليافعين والشباب في بعض النشاطات التجارية والكسبية البسيطة والهامشية ...

الامر الثاني الواضح والجلي والمثير للكثير من الدهشة هو اكتساح الشابات والنسوة المساجد بزيهن المميز وبصحبة الطفلات الصغيرات حتى انه كان يحصل تمام امتلاء الأجنحة الخاصة بالمصليات بالمساجد المناطقية القريبة حيث ان المساجد الصغيرة التي تزامن ظهورها مع اكتساح الاسلاموين للفضاء العام المحلي لم تكن تخصص جناحا للنسوة من المصلين لصغر فضاء المسجد ...واكتساحهن للفضاء  المؤسسات الثانوية ك "ثانوية محمد بن عبد الله "وثانوية ماء العينين للتعليم الاصيل ",ولفضاء اعدادية عبد الكريم الخطابي على الخصوص ولمدارس تعليم الرقانة والكتابة ولمدرسة خصوصية للتعليم الاعدادي و الثانوي كان يتوجه اليها الذين وجدوا صعوبات في التمدرس بالقطاع العمومي او ببساطة الراسبون والفاشلون درسيا ..

اليافعات والشابات منهن كن يؤتثن الفضاء العام وحريصات على الظهور الاجتماعي ويتميزين بما يحملنه معهن من كرسات وكتب واوراق ومحافظ أوراق ودفاتر ...وكن التلميذات منهن يحتلن قاعة الاناث بالمكتبة العامة للبلدية دون القاعة المختلطة للمطالعة بمكتبة وادي المخازن التابعة لمنذوبية الشؤون الثقافية ...

اليافعات والشابات كن ميالات لممارسة رياضة الجري والهرولة صباحا بفضاء غابة اولمبيكا بلباسهن المميز ..وكنا حريصات على تنظيم لقاءات بالمنازل قيل عنها انها مخصصة لحفظ القران وللتفقه في الدين و لحفظ الاناشيد والامداح ...

ظهورهن في الفضاءات العامة عني به بشدة اذ لم يلحظ على انه ظهور متسكع او فقط للتجول في الأسواق ومع ذلك بدى طاغيا وكل واحدة منهن او رفقيتين منهن تشكل ظاهرة بشكلهن المتميز وبمشيتهن الخاصة التي حتى هي اقمن لها ادابا وطريقة ...وظهورهن كان السمة الغالبة عليه الظهور الفئوي الجنسي النوعي "النساء مع النساء" والاناث مع الاناث "والخروج صحبة زوج او محرم كان الاستثناء وفي مناسبات السفر والاعياد وزيارات الاهل يوم الجمعة من كل اسبوع وعادة يشاهدون صحبة ازواجهن او اباءهن اما حتى الإخوة فهو أمر ناذر ... 

ظهورهم الاجتماعي لم يكن عفويا او شعبيا مرتجلا بالقدر الذي كان استفزازيا وانما كان سياسيا وكان تعبيرا عن مواقفهم المجتمعية وعن رؤيتهم التجديدية او الإصلاحية لبنى المجتمع ..كانوا يطرحون انفسهم كبديل وكخيار في مواجهة كل قوى اليسار التقدمية وضد كل انحلال وفساد اخلاقي وعقائدي ..وظهورهم الاجتماعي كان استعراضيا بامتياز ..استعراض لاعدادهم ولمدى انتشارهم واكتساحهم وسيطرتهم على الفضاءات العامة ..وكان يستهدف المزيد من الاستقطابات...وظهورهم كان تكتيكيا   كان يحاول الاستفادة من الاجواء السياسية والأمنية المشحونة بين النظام والمعارضة الحزبية وبين النظام واليسار النشيط بالجامعات والثانويات وبين النظام والنقابات المحتجة على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتدهورة وعلى غلاء الاسعار وارتفاع معدلات البطالة كنتيحة لبرامج التقويم الهيكلي التي نهجها المغرب منذ بداية الثمانينات ..

وظهورهم كان خلطا للاوراق لانه كان لا يكفي بان تكون ملتزما بالعبادات وبالمساجد ولا حتى بزي محافظ او حجاب او ببعض العادات المعروفة اتباعها من أهل السنة النبوية لكي تكون اسلاموايا اي تزاوج بين الدين والسياسية وتحمل مشروعا سياسيا في إطار الدولة الإسلامية او دولة الخلافة على المنهج النبوي او تنتصر للثورة الإيرانية وللتشيع....

وظهورهم الاجتماعي كان محاولة منهم لكسب مواقع متقدمة مجتمعيا وسياسيا كحركات وتيارات تجمع مابين الدعوي والتربوي والثقافي وكذا السياسي والاقتصادي الى جانب باقي الحركات والتيارات المجتمعية والسياسية والاقتصادية...     


    



الأربعاء، 13 يناير 2021

يوميات : عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."10 تابع :"18-1"


 

يوميات: عوالمي السرية..(32) بعيدا عن حنان"هذه..."10 تابع :"18-1"


 كان نمط حياتنا يضرب في الصميم ونجر للمجهول مكرهين حين أن استجابة المجتمع كانت الرهان الذي اخد يبدوا اننا نخسره ... كننا ننظر للوجوه المتحولة من حولنا كما لو اننا لانعرفها ..لا عشنا بجانبها وشاركناها متعنا والعابنا وشغبنا ..وجوه لا نعرف ماذا ركبها ولا لماذا ركبت الموجة !؟؟..كنا نضبط اعصاب بعضنا في حالات لكي لا نبدوا مستفزين او مستفزين ..كنا نضبط لساننا كي لا يتحدث بالسؤء عن تاريخنا المشترك ونحن نلمحهم يرتدون قناعات لا تناسبهم ولا تساير الذي نعرفه منهم ...

كان التحول على أشده يجرف اعدادا من الناس كل يوم ..تحول مساير ..مطاوع ..خاضع لميلان موازين القوى المجتمعية ...فجأة اتفقوا على أن ينضبطوا لايقاع الصحوة او الموجة ...كنا نعرف أن أغلبية الناس مغلوبة على امرها وكل الذي تريده ان تعيش بسلام وان تترك لحالها بسلام ...ومتى اتفقوا على أن يزيفوا حقيقة المجتمع والوانه وقرروا ان يغيروا من مظاهرهم وازياءهم فلا ضير من ان يسايروهم ليتقوا جانب النقد اللادع والحصار بالنظرات في كل مشوار وتحرك في الجوار او الفضاءات العامة ..

سكوت النظام على مايسري بات تواطئا ومؤامرة نحن من سندفع ثمنها والاجيال القادمة ...فجأة بات كل يتهرب من تحمل مسؤولياته ..فجأة بات كل واحد منهم يتدرع بالوظيف المحدود الأثر على جسم السلطة وبانه عبد للمأمور ..وفجأة بات كل يسحب نفسه من مجرد كسب الاعداء المجانين مادامت الجهات المركزية والعليا لم تصدر تعليمات او لوائح في الموضوع ...

الذي كنا نعيه جيدا انه كان بالإمكان محاصرتهم وحجم حركتهم وللنظام اكثر من طريقة واسلوب لجعلهم يتراجعون للظل وللخطوط  الخلفية والهامشية  لو فقط أعطى لباقي مكونات المجتمع ثقتهم بنفسهم ورعى حوارا مجتمعيا وسمح باثراء النقاش العمومي ..ولكف عنا يد إدريس البصري الطويلة ..

كان صعب القبول بمنطق اننا نعيش الجاهلية وان كل تصرفاتنا وسلوكاتنا خاطئة وانه ليس امامنا غير ان نتبع هديهم ونتوب ونركع لنهجهم ..

كنا نسجل الاكثر من ملاحظة على نمط حياتنا وعلى كل الفئات منا ..كنا نعي اننا متاخرون ونعاني من اكثر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية كدولة وكمجتمع ثالثي ،نامي ..كنا نشعر بالغبن من أوضاع هوامش المدن وبوادي  البلد ونسخط على فقرنا وعلى حالنا واميتنا ..وذلك وحده كان شفعينا في التسامح مع عدد من الأمراض والظواهر الاجتماعية لأننا بجانب ذلك كنا واثقين في ان مسار التغيير الاجتماعي شاق وطويل ويحتاج للكثير من المجهودات والتضحيات..

كنا في حاجة لمنظومات قانونية متطورة نابعة من فلسفة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية لا تلك المتهالكة والمتوارثة من حقبة الاستعمار او المنسوخة على أصله ...وكنا في حاجة لان نرفع اصواتنا ونعبر عن ما يخلجنا في هذه اللحظات الراهنة بكامل الصدق والامانة وبدون خوف او اشتراطات مسبقة ..وكنا في حاجة لوقفة صريحة مع الذات نسعى عبرها لوقف النزيف الذي قادتنا  اليه سنوات من مسلسل الفساد والنهب  وسرقة المال العام وتهريبه للخارج ولكي نعمل قطيعة مع سياسة الريع والامتيازات ...

كنا في حاجة لان لا نصمت ...ولا نكف ..ولا لان نرفع ايدينا ونستسلم للتيار ..

كنا لحد بعيد قادرين على أن نتدبر محاولات الاصطدام بنا من جانب الاسلامويين ومن جانب نظام السي إدريس البصري الذي كان على استعداد ليدوس اي واحد يعلن عن رفضه العالي الصوت للنظام ...والذي كان يحاصر اي حركات مجتمعية تقدمية حداثية بالترويج لها على انها قوى ملحدة وعميلة وهدامة وفي وضع مخالف للقانون وللمجتمع  ....

كنا لا نكف عن النقاش واثارته بين كل الاوساط ومع مختلف الفئات وكل من موقعه يحاول الرفع بالوعي بمشكلاتنا المجتمعية والسياسية والاقتصادية ويحاول رفع حالة التضبيب والتضليل عن اعين بعضنا البعض ...

حصر من حوصر منا ومنع بعضنا من ارتياد دار الشباب ولحقت بعضنا مساءلات ومتابعات بما لا علاقة له بحقيقة نشاطه ولا لما يتم من تضيق عليه ...نفس الأساليب التي نعرفها ونقدرها جيدا مورست في حق بعضنا واكتفى البقية بوضعهم في لوائح انذار وانتظار ...

مجتمعيا كان حجم الاستفزاز عالي وكان المقصود منه ادخالنا في ردود افعال تشنجية تجهز علينا وتقدمنا لقمة سائغة للنظام ...

كانت حرب نفسية واجتماعية قادتها عناصر من الاسلامويين واولئك الذين لا نعرف كيف كانوا يعادوننا بدون موجب سبب مباشر او غير مباشر مقصود ..واستغلتها الأجهزة الأمنية والاستعلاماتية للتضييق علينا واستعملوا فيها نفودهم في الفضاءات العامة لمحاصرتنا ووضع علاماتنا علينا ..أشبه بالوصم الاجتماعي كمسعى ليتم نبدنا اجتماعيا واقصاؤنا الواحد تلو الآخر ...

كان معروف في الاوساط الخدمية اولئك الذين يقدمون الخدمات وبالمحان لذوي السلطة وكان يكفي بان يهمس في اذنه او يومأ اليه بعينه ليتصرف معك بقواعدهم غير المكايسة ويضايقك ويعبر لك بصريح العبارة بانك غير مرحب بك او يرفض أن يقدم لك الخدمة او حتى ان يبيع او يشترى معك ...

وكان يتصيد خروجك من الحانة بعد ان احتسيت بعض الشراب ليوقفك وللايسوقك للمركز وانما ليستفزك وليمارس عليك التحقير والتعنيف والتهديد ثم يتركك لحالك...

كانت فجأة تقام دورية تفتيش وتحقيق من الهويات والبطاقات الوطنية امام مدخل سينما منتظرة خروج رواد القاعة للا يفلت اي واحد يريدونه بمركزهم  او يريدون التاكد من هويته وبياناته او ليوجهوا اليه رسائلهم وهم يحورون امر مهمتهم الرسمية ليقودوا ما يشبه التحقيق أو التحري في امور لا يتم التحري فيها على باب سينما وبدون تعليل معقول ...

كان فجأة يبدا في التوافد على بيتك مقدم الحي والشيخ ومامور الضرائب ومبلغ قضائي بغرامة قديمة استحق اجل سدادها ...وكل المصائب الإدارية واحدة تلو الأخرى ..وفجأة يبدا التدقيق في الأخطاء التي يحتمل وقوعها في كناش الحالة المدنية وبطاقة التعريف الوطني وبطاقة صحة الأمضاء وطلبك المرفوع ..في موضوع بسيط كاستخراح نسخة من رسم الولادة او عقد تاريخ الازدياد او او شهادة سكنى إدارية ...وفجأة تصبح في وضع مخالف لعقدك مع شركة توزيع الكهرباء والماء ومع مصالح البلدية ومع المقاطعة ومع الحيران ...

وفجأة يصبح ممنوع عليك دخول الميناء لانك لا تحمل تصريحا وفجأة تصبح حتى خدمات الاستشفاء غير متوفرة لك ولا احد في الادارة المخاطبة او الموجهة اليها يستطيع مقابلتك او النظر في شكواك ...وحتى المحكمة لا احد يستطيع ان يسمع لك فقط اكتب شكايتك واطبعها عند كاتب عمومي واوادعها  في مكتب الشكايات ...

وفجأة تصبح ممنوعا من الاشتغال حتى على مركب تجديف يقل المصطافين وناس منطقة رقادة لشاطئ  راس الرمل بأي سبب ...

وفجأة تصبح غير مرحب بك للاشتغال في المحلات العامة ببساطة لانك غير منضبط بشهادة الجميع ....!!؟ 

وفجأة تطرق الشرطة القضائية باب بيتك لتفد اليه وتتحرى معك في موضوع بعيد كل البعد عنك وتطلب منك المرور على المركز او الدائرة للثتبت من افادتك وتتركك بالساعات تنتظر ...

وفجأة تقف اليك عناصر شرطية بمكان عام وتفتشك كمن تبحث عن مخدرات او سلاح ابيض بحوزتك دون ان تعرف عن نفسها وعن غرضها وتطلب هويتك الوطنية ...

وفجأة الدكان الذي تستدين منه عند الحاجة يوقف خدمات الإستدانة ...

وفجأة تصبح الغرفة السطحية خرقا لقانون السكنى وبناء عشوائيا بدون ترخيص والقائد الحضري يتابعك أمام المحكمة بالخرق ذاك ..

وفجأة توقف من العمل لحين مراجعة كامل ملفك التوظيفي لاحتمال أخطاء واردة فيه او تصريحات متضاربة به ....

كان يتساوى الناشط الجمعوي والسياسي مع اي شخص بسيط اكتسب بعض الوعي بموقعه وبدوره والقدرة على التعبير عن أفكاره وأراءه لتوضع عليه علامة وليحاصر في كل تحركاته ولتنهال عليه المشاكل المصطنعة دفعة واحدة ...

لقد اكتشفنا فجأة كم هي قدرتهم على تسخير الغير والحفر تحث الارض التي تقف عليها ...لقد انتهينا لنكتشف ان جهاز الامن والشرطة كله قابل للتحول والعمل كفريق واحد مع قسم الشؤون العامة للشرطة او ما كان يعرف بالقسم السياسي ..فجأة لم يعد هناك ثلاثة عناصر تكون القسم بمفوضية شرطة العرائش  وانما كل عناصر المفوضية تتعاون معهم وتأتمر بامرهم خصوصا تلك التي في مهام حفظ النظام بمصالح وادارات الدولة كالمحكمة والمستشفى ..كان يكفي ان يوجهها رئيس القسم او احد مفتشي القسم لتضعك نصب اعينها ولتبدا هي  الاخرى إشاعة الامر بين باقي العناصر ...كنا نعتقد أن عناصر الشرطة القضائية على حياد مع القضايا السياسية ومع الناشطين الجمعويين ليتاكد لنا كم كنا موهومين وهم جزء لا يتحزا من النظام ..

من الصعب التحدث عن شرعية او قانونية ما كان يمارسونه لانهم كانوا لا يتماهون مع القانون بل كانوا يتصرفون على انهم هم القانون وهم الدولة وهم السلطة وهم النظام ...والى جانبهم كل موظفي الدولة يكفي فقط ان يلتقطوا الاشارة منهم ليتصرفوا بعدها من تلقاء أنفسهم ويساهمون في التضييق عليك ومحاصرتك واستفزازك نحو ان تمل او تتعب وتنهار او تضغط فتنفجر ...

لم نكن نحمل أية مشاريع انقلابية او تخريبية او نتوسل العنف ..لم نكن نمت بصلة الى أي تنظيم سياسي سري او علني كل ما كنا نحمله بضعة افكار وقيم ومبادئ وقدرة على التحليل والتفكيك والنظر ...و رؤية مفتوحة على المستقبل الذي نريده ..كنا مجموعة رفاق وكل واحد منا تربطه علاقات مع محيطه وجماعاته الخاصة ..وكل واحد منا يطور ذاته ولغته وامكاناته الفكرية والادبية  مع وسطه القريب منه ..لم ننضبط لاي تيار او جناح أو تنظيم خلوي ولا حتى لاطار جمعوي ..كان كل ينشط في نادي او جمعية مختلفة .. كانت هناك تجربة جمعية الاشعاع الثقافي وتجربة نادي الافاق  وتجارب من داخل شبيبات حزبية كتجربة شبيبة حزب التقدم والاشتراكية وشبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتجربة الشبيبة العمالية التابعة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل...ومجموعات لم تنتظم مهنيا كالبحارة وبحارة قوارب نقل المصطافين وعاملي الصباغة والتبيض ..وطلبة جامعيين ناشيطون في مواقعهم..وفنانون ..موسيقيون ومغنيون ..كنا نتلاقى وننتناقش ودون هم ان يوحدنا اطار أو تنظيم واحد حين اننا ننتظم لنفس الافكار ولنفس الرؤى والحلم ...كنا نملك القدرة على السخرية من جميع من سعو لمحاصرتنا ...انا طبيعي حوصرت لجانبهم لكن ليس من العناصر او الأجهزة الرسمية والعلامة التي وضعت علي لم تكن من قبلهم بل من جانب الاسلامويين ومن بعض الحزبيين الذين رغم محاولاتهم لاستقطابي ضمنهم لم اسايرهم ...رجال الامن والشرطة و"القسم السياسي"كنت أعرفهم ويعرفونني وكانت تجمعني علاقات بهم تطورت لمستويات الرفقة والصحبة بالحانات وباماكن الشرب وكلما حاولوا البحث في ما ورائي وجدوا أنفسهم يعرفونني ويعرفون ارائي ومواقفي واهتماماتي كما يعرفون الوسط الأسري والعائلي الذي انتمي اليه ...اما بعض الموظفين كما بعض استاذتي فلقد نبهونني لرفاقي ولموقف السلطة والنظام منهم وطلبوا  مني كما فعلوا مع صاحبي الشريف والگراب بالانصراف عنهم وتركهم ..لكننا ببساطة لم نستجب لطلبهم لأننا كنا نقاسمهم همومنا واحلامنا وتطلعاتنا وكنا في حاجة لنتطور بجانبهم.... 

كنا نقضي ساعات بمقهى النخيل ومرات بمقهى الوفاء ويعاودنا الحنين لمقهى ليكسوس فنجلس بطريساها رغم عدم يقيننا بأنهم سيقدمون لنا خدمات المحل وان قدموها فلن تكن كاملة او على مايرام ...وكنا مع  مجموعة  أخرى نرتاد مقهى المنارة ومقهى غرناطة ..وكان الليل بمقهى المحطة الطرقية ..لكننا كنا نقضي اغلب الوقت نتمشى بالطرقات وندور بساحة التحرير في آخر المساء والليل او نجتمع لساحة دار المخزن وبفضاء الطري لنشرب ونحتسي الكونياك المهرب ...وكنا نفد على بيوتات بعضنا البعض ان كانت بها فسحة وامكان لنجلس بها ....

كنا نضحك ونسخر منهم لانهم وضعوا لنا هالة اكبر منا وعبثا يحاولون اقحامنا في الوقوع معهم ....كنا مسالمين لابعد حد وغير مستعدين للدخول في المعارك الخاسرة ولانشبه تلك الصورة التي وضعوها ورسموها لنا ...ربما عيبنا الاوحد اننا كنا نمارس حريتنا وقناعاتنا وغير مستعدين لمقايضتها او المتاجرة  بها ...

هناك من استسلم لبعض الانهاك والياس وغلبته حالة الاحتراق   النفسي التي وجد نفسه عليها فقرر الابتعاد وقرر الانغماس في عمله دون شيء اخر ..لكننا معا واصلنا الاهتمام والنقاش والقراءة والتحليل والحلم ...واللقاء وتحدي الظلام والظلامين ومن استعدونا بلا مقابل او طائل ...


     


   

الأحد، 10 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(31) بعيدا عن حنان"هذه..."9 تابع :"17-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..31) بعيدا عن حنان "هذه ..." 9 تابع :"17-1".


 لا يمكنني الجزم في شيء لكن البادي من الامر يقول ان المصالح والجهات الأمنية كانت بعيدة عن تقدير التحول الذي هم حياتنا الاجتماعية بعد اكتساح الإسلاميين وتنظيماتهم المشهد الاجتماعي العام ..لم تكن هناك أية بوادر تنم على انها تتعاطى بجدية مع ما اضحى أشبه بانقسام للمجتمع لانها لو فعلا كانت مهتمة بما يكفي لحاصرت الظاهرة قبل أن تعم وتتسع وتتشعب ..

وطنيا كان النظام الامني يعيش فترة التربع على كل سلطة بفضل العناية الفائقة التي أولها السيد وزير الداخلية انداك إدريس البصري لأجهزة الأمن والشرطة ولكل مكونات السلطة بل لعله كان هناك احساس مبالغ به بالامن وقدراته على مواجهة تحديات المرحلة ورهانتها ولحدود منتصف الثمانينات لم نجده في مواجهة مع الإسلاميين ..ربما بعدها وعلى  اثر تحرك  الساحات الجامعية وبروز الفصائل والتنظيمات الإسلامية السياسية اخد يوجه النظام الامني ضربات انتقائية تمركزت خصوصا في الشرق والوسط بمنطقة فاس وبالشمال بطنجة وتطوان ..وكان يستعمل قوات التدخل السريع لمحاصرة الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية ويشن حملات اعتقال ما ان يسيطر على التوثر وتخف حدة المواجهات بين الفصائل التقدمية والقاعدية واليسارية وبين فصائل الإسلاميين والسلفيين ..كما اخد يوجه في نهاية الثمانينات وبدايات التسعينيات ضربات تستهدف الاجتماعات التحضيرية والتنظيمية للاسلاميين بما فيها ما قيل عنها مجرد جموع اجتماعية بغرض الدراسة والتفقه والنصح كان ينظمها الاسلاميون ..

النظام الامني بدى متاثرا بالاحداث والوقائع ومنفعل بها ومعها وغير مسيطر على الأوضاع كما يدعي وهو يبرز عضلاته ويضرب في كل اتجاه ..

النظام الامني كان يعيش صراعا تقليديا مع مكونات المعارضة الحزبية وباقي الأجنحة والتيارات التي نبثت منها او تسللت اليها وكان يعيش على ايقاع المناوشات التصعيدية  التي قادتها الحركات النقابية العمالية والعامة التابعة لاحزاب المعارضة وكان ينتج نفس ردود أفعاله تجاهها ويكرس طاقة اجهزته في متابعتها ومحاولات الالتفاف حولها ..

النظام الامني والسلطوي في عهد وزارة داخلية إدريس البصري الذي زاوج الاعلام اليها كان استعراضيا بامتياز وكان متذخلا في كل مناحي الحياة اليومية للسكان وفي كل سياسات الحكومة  وعمل إدارتها ودوائرها ..كان نظام العمال والبشوات والقياد وخلفاؤهم مستحكم في كل جزئيات النظام العام ومسخرة له كل الإمكانات المادية واللوجستيكية والبشرية ..وهذا النظام كان نافذا ويتمتع باقصى الامتيازات بل كان يشكل أشبه بنظام حكومات إقليمية ومحلية واسعة الصلاحيات فهي التي تامر وتنهى وترخص وتفوت وتقتطع وتوظف وترقي وتراقب وتتذخل وتمارس حتى السياسية وتطبخ حتى نتائج الانتخابات ...

كان صعب الاقرار بان نظاما امنيا وسلطويا كهذا لم يكن منتبها لكل التغيرات التي مست بنيان المجتمع وحولت ابديولوجيته واخدت تمسخ هويته ...!؟

وكان من الصعب الاعتقاد في ان النظام لم يكن مباليا بميل موازين القوى المجتمعية لصالح الإسلاميين او الاعتقاد في انه سمح لهم بذلك ...

وزارة الداخلية والاعلام كانت اقوى وزارة في كل الحكومة ومقربة من القصر وتضلع بمهام جسام وتقع عليها مسؤوليات متعددة بما تحث يدها من أجهزة مكلفة بالرصد والمراقبة والتتبع والاستعلام والتحري ..وليس خفي كم هي مهتمة برصد اي نبض الحياة العامة  وكل تحول في الرأي العام ..وأنها على سنوات طوال اوجدت لها في كل التراب الوطني عين ترصد وادن تتبع و عناصر تبلغ وتتحرى ...فهل فاتها شيء ما مما كان يعتمل بداية في الخفاء ثم لاحقا في العلن ؟! ام انها لم تقيم حجم هؤلاء الإسلاميين واهدافهم التحويلية للمجتمع..واستهانت بمقدراتهم ؟! ام انها كانت متورطة في خلقهم واستعمالهم لمصالح وحدها التي تعلم بها ...؟!! 

محليا لم نلحظ شيئا يوشي بان هناك شكل من الاستنفار حيال هؤلاء المكتسحين المشهد الاجتماعي والسياسي ولا اشكال من الاعتراض على تظاهرهم الاجتماعي المقلق للعموم ..كنا نفهم الحق في التعدد والاختلاف ولسنا مع التعرض للحريات وللحقوق الأساسية في التعبير وابداء الاراء واعتناق المبادئ والقيم السياسية وممارسة الديمقراطية ولم يكن من نظرنا ان يقمع اي مكون سياسي او ايديولوجي في مجتمعنا هذا اذا ممارسا ملتزما بقواعد العمل السياسي أو النقابي او الجمعوي او الاجتماعي ولمبادئها ويعمل في نوع من الوضوح ..

محليا كان الامن يباشر مهامه بشكل اعتيادي وروتيني يتدخل ليقف على اضراب قطاعي ويجري تحرياته واستعلامه عن الجهات النقابية او التنظيمية التي تقف وراءه او يتابع مظاهرة صغيرة غير مرخص لها تحاول الخروج من مقر حزبي او حزبي نقابي لتجوب الشوارع في اتجاه الوقوف الاحتجاجي قبالة قصر العمالة او البلدية او المحكمة او يمارس رقابته بالحضور الرصدي لنشاط سياسي جماهيري او جمعوي ثقافي يقام بقاعة سينما او بدار الشباب او يحتضنه مقر حزبي او نقابي..ودائما كانت نفس الوجوه هي التي تظهر وتتابع برفقة عناصر نظامية وعلى جانب منها كان هناك السادة المقدمين والشيوخ ياطر حضورهم خليفة قائد او قائد ملحق من العمالة ..وعنصر الى عنصرين من إدارة مراقبة التراب الوطني  ...

بالمدينة كان يبدوا كل شيء عادي وغير مقلق للسلطات التي لم تتحرك في اي اتجاه لتقييم الظاهرة والعمل على احتواءها ..كانت تتصرف بذات ايقاعها في ممارسة أعمالها ومهامها ..ايقاع متاخر وغير استباقي في محاربة الظواهر الجنوحية وفي إجراء المتعين وهي تستمع لمنازعات الناس من من يقصدون دوائرها وان يبقى سؤال يطرح نفسه بالحاج :ما الذي كان بامكانها ان تعمله بالفعل ؟! وباي وسائل ...؟!  

تعتمد مصالح الشؤون العامة للعمالة والبلدية والمقاطعات على فعاليات قسم الولاة والمقدمين وعلى مجهود رؤساء المصلحة والاقسام التابعة لها وعلى مدى قدرتهم في خلق شبكات استعلامية واحتواء عناصر تيسر لها مهامها ..ليس هناك من عمل اساسي تعتمد عليها في صياغة تقاريرها اليومية غير ما يجود به السادة المقدمون والشيوخ..والباقي ما لم تكن هناك احداث او نشاطات سياسية أو اجتماعية فهو يقيد في خانة العمل الروتيني ويؤشر عليه بذات العبارة التقليدية : ليس هناك من اعلام جديد ...كان ينبغي على الحدث ان ينوجد اولا ليليه نشاط استعلامي  ويحاط بالتحري الواجب ..او كان الامر مرهونا بتعليمات وتوجيهات الادارة المركزية وبمدى عنايتها بملفات وقضايا معينة أو بتركيزها  على اشخاص وتنظيمات معينة ..

كان الكل يبدوا منخرطا في العمل الرسمي الروتيني وينتظر التعليمات والتوجيهات  وحيث ان لاشيءا رسميا يقتضي بفتح ملف او تتبع ظاهرة محددة فلا احد يهتم ...وحيث الكل يغني ويطبل مع شعار الامن المستتب والوزارة القوية فلا خوف هناك ولا هم يحزنون ...

بالتاكيد لم نكن نحن وحدنا من نلاحظ حال المجتمع الغادي في الانقسام على نفسه لكنهم كعناصر أمنية واستعلاماتية ورجال سلطة محلية واقليمية ما كان يجدر بهم ان يقفوا عند الملاحظة فقط ولسان حالهم يعبر عن عجزهم  او عدم قدرتهم على استعاب ما يحصل ولا كيف حصل ...!!؟ ..

كان الشارع يغلي على مهل واحيانا على شكل متشنج ..اخدت تسجل حالات من انفلات الاعصاب في الاحياء السكنية وفي الفضاءات العامة ..ترصد متعمد من جماعات الإسلاميين لحالات درجنا على أن تتعاطى معها بحيادية او ببعض اللامبالاة وببعض التسامح على اعتبارها غير غريبة على مجتمعنا مهما قيل عنها انها تخدش بعض الحياء العام أو قد تعتبر جانحة او مخالفة للنظام العام المجتمعي ..وبدات اعترضاتهم تتطور لمحاولتهم إعادة ضبط الامور والتدخل بما قيل عنه منهم امر بالمعروف ونهي عن المنكر وعلى اعتبار أن الساكت عن الحق شيطان اخرس ...وفي المقابل لم تكن تمر تدخلاتهم دون تطورات ردود الافعال وتكهربها ووصول بعض قضاياها لدوائر الأمن والشرطة لكنها لم تكن تقرا الا على اعتبار أنها قضايا سب وقدف او تبادل الضرب والجرح او محاولات اعتداء واعتراض سبيل او اعتداء على ممتلكات الغير ..لا احد كان يملك سلطة تكييف القضايا تكييفها السياسي الصحيح حتى ولو كان في قرارة نفسه يعرف خباياها وخلفياتها...وحتى مع الادارات المخول لها تسليم التصاريح والتراخيص المختلفة لم تجرا على فعل شيء غير الامتثال للقانون ومساطره وتمكين طالبي التصاريح والتراخيص منها على انها بدات تتحسس من نوعيات مرتفقي مصالحها وقوتهم الصاعدة ...

حتى الدوائر الشرطية التي كانت على الاقل تعرف اصحاب السوابق العدلية وأصحاب حالات العود ومثيري المشاكل والخلافات والنعائر ما كان لها ان تفعل شيئا امام التحول المثير للريبة والشك لبعض هؤلاء لجهة الإسلاميين والملتزمين بسلوك ومظهر جديد ..

واي ملاحظ او متتبع عادي ما كان ليفوت انقلاب احوال عديدين داخل مجتمعنا المحلي ..انقلابه لمسايرة الموجة الاسلاموية ان لم يكن قلبا فقالبا ..ان لم تكن عن قناعة فكتكتيك سياسي لمسايرة السوق ولكسب زبناءه ...ومن لم يحتوى معهم هادنهم وسايرهم وبذلك كانوا يمدونهم بالقوة ليخرجوا للفضاءات العامة مستعرضين  عضالاتهم ..متبخثرين في مشياتهم ولباسهم المتميز  ..بابتساماتهم الصفراء المبالغ فيها او بنظرات بعضهم السلطوية .الرادعة او المهددة ..وبقدرة بعضهم على التطفل  على حياة الآخرين وخصوصياتهم ..

كانت نفوس العدد الاخر من الناس الذين وقفوا على خلاف مع الاسلامويين وتوجهاتهم تغلي وتشتعل بالغيض وهي ترى نمودج عيشها الاجتماعي يختطف منها ويلبس لبوسا اخرا لا يكاد يتبين نوعيته ولا حقيقة اهدافه ..وحتى من فيهم لم يكن يدري ما كان على السلطات ان تفعله لتجابه هذا التحول وهذا الانقسام فهو لم يكن مع ان تقف مربوعة اليدين هي القادرة على فعل واتيان العجاب من الامور ...

كان المجتمع المحلي العرائشي يعرف أشبه بنظام فتوات ..رحال وشباب ببنية جسمانية ضخمة وعضلات يتصرفون عموما ببعض الخشونة وحين اندلاع المعارك يصوتون ويجولون ..لكن دون ان يدعوا الامور تخرج تماما عن سيطرتهم ..قد يدخلون عراكات كلامية وبعض النثر والشد في ثياب الخصم وحتى ايقاعه ارضا لكنهم يضبطون اعصابهم ..دائما هناك ذلك الحس والوعي بان "المخزن "لن يتساهل معهم ...

كان نظام فتوات اجتماعي خلقته ظروف العمل والخروج لساحاته ..وفرضه الأمر الواقع وقيم الرجولة المعلات والكرامة ولا للحقرة وللدوس على الحقوق ..كانت له ساحاته المعروفة كالميناء وسوق الجملة للخضر والفواكه والمحطة الطرقية ومرسى ركوب القوارب بشاطئ راس الرمل ..وكانت له وجوهه واسماءه المعروفة والموقرة الجانب ...التي صنعت سيطها واسطورتها المحلية والمعجبين بهم ..ولم يكونوا عموما من المدمنين للمخدرات او المعاقرين للشراب وان كانت سيرة بعضهم السابقة سيئة وفيها الاكثر من سابقة قضائية ..كانوا رجالا وشبابا  وبعض اليافعين الذين بعد يحاولون تقليد الكبار منهم والسير على نهجهم وسلوكهم ..

كانت مجتمعات العمل غارقة في الفوضى والتسيب ومستحكمة من شبكات مصالح وضغط لها مزاجهها الخاص في ترتيب وتصنيف الناس الذين يشتغلون تحث امرتهم او بحانبهم وكان كل وافد جديد يبحث عن فرصته يجب عليه ان  يتدافع ويتكاتف ويمتطى هامة الاخرين ليحقق مكسبه ..وفي مجتمعات العمل الذكورية بامتياز كانت لغة العضلات والجسد وقوته هي الغالبة بالإضافة إلى لغة الرأس المال المعتبر  ..والى جانب ظهور وسيطرة نظام الفتوات هذا كانت الكلمة لا تنزل للارض ..كلمة كبار المجتمع ذلك ..رياس بحارة او صاحب مركب او مجهز كبير او تاجر جملة كبير او قيدوم ماسكي تذاكر السفر ومرشدي وحمالة المحطة ..وهؤلاء لم يبنوا سمعتهم من فراغ ودائما هناك من على استعداد ليتطوع بالدفاع عنهم ومؤازرتهم  بمثل ما هناك من لا يكف عن الحكي عن حكاياتهم ومغامراتهم ومعاركهم الرابحة ..

كان اي شخص جديد يبحث عن فرصة شغل في اوساطهم عليه أن يدير الاكثر من حساب ..حساب الاخرين ..لم تكن اوساطا مفتوحة تلقائيا ولم يكن كل شخص بقادر على ان يحتمل اشكال التجريب والتعريض المستمرة ليلين او ليكشف عن معدنه وقوته ..كان على الاقل عليه أن يختار من ينظم لجانبه ليبسط عليه بعضا من حمايته وهذا كان يتطلب منه ايجاد من يتوصى به ويفهمه لغة الوسط والاسلوب الأنسب لاتباعه ...

نظام الفتوات هذه امتد حتى للاحياء السكنية والمناطق كامتداد طبيعي للموقع المحقق في الوسط المهني والتجاري والخدمي وكانعكاس لتداخل العلاقات والمصالح والنفود اجتماعيا ..ونظام الفتوات هذا كان على النقيض من نظام الرعونة والسيطرة العنيفة الذي كان يمارسه بعض اصحاب السوابق العدلية وتجار الحشيش والخمور المهربة بمناطقهم السكنية وبنقط توزيعهم التي يستحكمون عليها بمن يسندهم من أفراد ارتأت ان مصلحتها مع من يزودها باحتياجتها من الحشيش والكحول والاقراص المخدرة ..وكانوا معا يشكلون أشبه بنظام عصابات وجماعات خارجة على القانون والمجتمع ..

كانت مواقع  القوى في مجتمعنا المحلي متقاسمة وتحكمها اعراف وتقاليد اجتماعية وتراتبية ومجالية وكان الصراع على أشده بين كل الاطراف للتغيير فيها واقتحامها وقلبها لصالحه ..وكان على رأس هذه القوى شكليا رجال الامن وكبار رجال الدرك لانه فعليا كان كل من يملك الثروة يملك القوة اوتوماتيكيا ..ولكي تكسب المال وتحقق الثروة لابد لك من ان تتحد مع من بيده السلطة والقوة الاخضاعية ..ولكي يسمح لك بجنيها عليك ان تخلق خلقا ظروف كسبها الأنسب ..عليك ان تميل الى جانب وتسمح بان يقتطع جزء من ربحك لصالحهم ..عليك ببساطة أن تدفع وتخصص وترشي وتهادي لكي يتم الرضى عنك وتسهيل اعمالك والدفاع عن مصالحك ...

كان للميناء نظامه  واعرافه الخاصة وجماعته القوية بلا منازع وفتوته ..بمثل ما كان لسوق الجملة والمحطة الطرقية جماعته وناسه المستحكمين فيهما ..وكل المنازعات والشجارات تعتبر شانا محليا وخاصا باصحابه ما لم يرفعوا عنه أيديهم ليتركوا للامن والشرطة والدرك بالتدخل وحتى ذلك كان يعتبر تصفية حساب..وانما على سيناريوا جديد ومغاير ..

في الاحياء والمناطق السكنية احتفظ كل صاحب قوة وشان بمقامه واعتباره مع التنحي عن الانغماس في التفاصيل اليومية للساكنة وللجيران ..اخد تلك المسافة منهم ضروري لتكريس الامتياز وعلو الشأن الاجتماعي وحتى عندما كان يطلب منهم التدخل فهم كانوا ينيبون عنهم من يفعل ذلك وعلى نحو حاسم وهنا كان تاتي قوة علاقاتهم وتشباك مصالحهم مع عناصر الأمن والشرطة وقد تمتد لغيرهم من كبار مسؤولي السلطة المحلية والاقليمية  وكبار موظفي العدل ومصلحة السجون ..

كانوا تقليديا في المجتمع المحلي العرائش اصحاب نعم وخير على الجميع وأصحاب حضوة وامتيازات وفي مجالاتهم هم السادة والباطرونا والكلمة كلمتهم ..ما من تهجم في الامر وانما هذه هي الحقيقة التي كان يلحظها الجميع ويهمس بها ..كان رجال الامن مجرد تابعين لهم وامتداد لقوتهم ونفودهم الرأس المالي ...

كانوا يكدسون  المال والثروات ويتحوزون على اجمل البقع الأرضية والمنازل والسيارات والخدم والتابعين ويعيشون كامراء واستغلوا نظام الفتوة لصالحهم وللمد في نفودهم على الأرض كما استغلوا نظام الرعناء وجماعاتهم ليصفوا حساباتهم الخاصة مع خصومهم او مع من يناصبهم العداء كما استغلوا عناصر من رجال الامن والدرك لتيسير مصالحهم ولمعاقبة المتطاوليين  عليهم ...كانوا يصرفون ببذخ وساعة يدخل أحدهم حانة فالكل يشرب على حسابه الخاص ..كانوا يتحركون بمرافقة خاصة او بحماية مباشرة من عناصر الأمن ...وبمثل ماراكموا المال والسلطة ركموا الأحقاد والغل ..كانت العيون تترصدهم بنوايا خبيثة وتتمنى زوال النعمة عنهم وتتامر عليهم ولو وجدت فرصة لتنتقم منهم وتوشي بهم لفعلت ذلك لكن لمن ...؟! 

كان المجتمع تراتبي ..هناك من يعيش الأبهة وهناك المعدمون ومن لا يملكون غير أجرة يومهم وقوته ..هناك من يملك ان يبطش ويصفي خصمه وهناك من حتى لو دوس فوق قدمه فلا يملك ان يحرك ساكنا ..  

كان المجتمع المحلي طبقات والوان وتشكيلات هناك من ولد دليلا وعاش دليلا وقد يموت كذلك وهناك من عاش يملك كل ما يريده ويموت في غنى عن كل ذلك ويبقو ورثته وحاملي اسمه وراعي رزقه ..

كان الجميع يتساوى في إمكان ان يحلم بأن يكون ذات يوم يملك ويقدر ويستطيع لكن ليس كل واحد يحلم بقادر على ان يغامر ويركب الصعب ليصل لتحقيق أحلامه وايجاد مكان له في المجتمع ..

اولئك الاسلامويون  لم ينوجدوا من فراغ ولا فجأة ظهروا وان كان يحدث التحول الشخصي بشكل يفاجئ الجميع ..كانوا بيننا كأيها الناس فيهم البحار والتاجر والعامل والمستخدم والموظف ورجل التعليم ورجل الصحة والطالب والتلميذ والذي على باب الله والعاطل....وكانوا مثل غيرهم يعيشون الصراع الاجتماعي ويعاني البعض منهم الاندحار الاجتماعي ..ومنهم من يعاني الصراع النفسي ومشاكل التكيف ..وكل واحد منهم لعله كان مثل جمعينا..يعاني وجوده ويحلم ويسعى ويتطاحن وينهم  ويتعب يعاود الوقوف والمكابرة من جديد والمضي مجددا ..

هؤلاء الاسلامويون  لم يكونوا ابناء شرفاء الزوايا الصوفية ولا حفدة علامين وفقهاء دين وشريعة ..كانوا عموما بلا حضوة اجتماعية وبلا مرتبة متوارثة او مكتسبة الا اذا استثنينا بعض وجوههم البارزة التي كانت تشتغل كاساتذة جامعيين وكعدول وكطلبة باحثين ..وكانوا عموما عرائشيين بما للعرائش من امكاناتها ومن حجم ثروثها ومن قدرتها على استعاب الباحثين عن الفرص وعن الاستقرار المادي والاجتماعي ...

وجوههم كانت معروفة في اوساطهم السكنية ومنهم من بحكم مهنته او تحارته معروف من باقي ساكنة المدينة ..وسيرهم بدورها كانت معروفة في خطوطها العريضة ..وكانوا موزعين حسب قدرتهم واحوالهم المادية والاجتماعية على المناطق السكنية وبالتالي على مجالات وميادين العمل واقسام الدراسة  ويغطون تقريبا مختلف الفئات العمرية وكلا الجنسين ..

كانوا معروفين بلا يافطة سياسية وان قد تكون لبعضهم سابق انتماءات سياسية أو نقابية لكنهم لم يتبوؤا مسؤوليات في مكاتب أحزاب او شبببات سياسية ..ربما كانت لبعضهم بحكم قرابته العائلية تعاطف او ميل سياسي حزبي ..

كانوا من غير النشطيين  الجمعويين المعروفين بالمدينة وعلى الساحة ..كما لم يكونوا من العاملين او المتطوعين في الحقل الاجتماعي والتربوي ...

كانوا عموما غائبين عن الظهور الاجتماعي البارز محليا وان كانوا وجوها محلية معروفة من قبل ناس المدينة بحكم مهنهم او حرفهم او تجاراتهم او ببساطة بحسب موقع سكناهم والعائلة التي ينتمون إليها أو معروفون بحكم المدارس التي ارتادوها والاحياء التي كبروا فيها ...

وعندما اخدوا يظهرون وبتميزون بلباسهم وسلوك ظهورهم الاجتماعي كان طبيعي ان يثيروا الانتباه والتساءل حول تحولهم او انتقالهم لهذا المستوى من لفت الانتباه اليهم وحولهم ...وعندما اخدوا يحرصون على الالتقاء في محلات تجارة بعضهم او في أماكن معينة من وسط المدينة او بسوق الكبيبات او سوق الاحد ..ولما اخدوا يحرصون على أن لا يفدوا مصلحة إدارية الا اذا كانوا على الاقل ثلاثة أشخاص ..وكذلك لما اخدوا يكثرون من زياراتهم الشخصية لبعضهم البعض واطالة  امد وقوفهم قريبا من باب البيت او على ناصية الزقاق او الدرب او الشارع ..كما لما اخدوا يحرصون على التجول كاصحاب في الفضاءات العامة ...كانوا قد انتقلوا إلى إلى مستوى ثاني من ظهورهم الاجتماعي الى الظهور الاجتماعي السياسي وكان واضح انهم يسعون ليتقوا ببعضهم ..وانهم اوجدوا او يوحدوا لهم نوعا من التنظيم والتنسيق وانهم مهتمون بالاكثر من شان ويسعون من خلال احتماعاتهم عمدا للفت الانتباه الى أنهم يعدون العدة لتحولات قادمة ...

من الغباء الاعتقاد ان كل هذا لم يلفت انتباه السلطات المعنية واجهزتها او احدى الجهات التي تقرا في المؤشرات والاحوال المجتمعية المختلفة أو الاعلام على اقله المكتوب ....؟!! 

من قبيل السداجة الاعتقاد بأن يد وسمع وبصر السلطة ورجالاتها قصيرة لتسمح بان يشق المجتمع هذا التيار الاسلامي السياسي في زمن الصحوة الإسلامية التي يبشر بها في كل الديار العربية والإسلامية والقريبة منا او ليكون دون انتباه منا ...!!؟ 

كانت بعض الانباء من الاوساط الجامعية والطلابية تتبني نظرية ان النظام من خلق هذه الحركة الإسلامية ليضرب بها التنظيمات الماركسية والشيوعية واليسارية الريديكالية كما فعل الرئيس جمال عبدالناصر بالاخوان المسلمين ويتحدثون عن سماح النظام والترخيص   للشبيبة الإسلامية بعد ان وجدت في الساحة الطلابية   منذ سنة 1969  في سنة 1972 لتضرب بها الحركات الطلابية ومنظمتها العتيدة  ..ويستدلون على ذلك بسماح مصالح واقسام وزارة الداخلية بقبول ملفات تأسيس جمعيات ومنظمات كلها كانت تحمل مرادفات الاسلام والإسلامية ...

غير أن قوة ظهورهم وتزايده العددي واشكاله والفئات التي ضمها وانتقالهم في المستوى الثالث من ظهورهم الى التصادم الاجتماعي والى التعبئة والتحريض على النظام والى تبني استراتجيات العمل السري بعزل الخلايا عن اي تنظيم واضح ومسمى ..كان يوشي بأنه حتى ولو كان النظام سمح لهم في مرحلة سياسية سابقة بالظهور فهو يعاني من جهتهم الان وسيعاني مستقبلا ...لان الامور كانت تخرج عن السيطرة ولانهم بشكل او باخر يهددون السلم المجتمعي وكيان الدولة ...ويضربون مصالحها واقتصادها ..

هل استوعبت وزارة إدريس البصري الرجل القوي في الدولة والحكومة حقيقة الوضع وحقيقة ما حصل بالجارة  الشقيقة الجزائر والتي لم نكن دائما على وفاق معها !!؟..

وهل استوعبت مصالح الخارجية والاستخبارات المغربية دور المملكة السعودية وفكرها الوهابي ومال بترولها المتدفق في ما يحصل داخل مجتمعنا ويتلاعب باقتصادنا ويحاول افراز قوة جديدة وصنع تغيير جديد في كل بنياتنا وهياكل الدولة ...؟! 

هل فعلا كان النظام ضابطا للعبة السياسية والاجتماعية وقوي بما يكفي للا يترك الحبل ينفلت من بين أصابعه ...؟! ...... 

 

الأربعاء، 6 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(30) بعيدا عن حنان"هذه..." 8 تابع :"16-1"


 

يوميات : عوالمي السرية..(30). بعيدا عن حنان "هذه..."8 تابع :"16-1"


 لم نعتاد على اشكال ظهورهم الاجتماعي ..وعلى اصرارهم على التميز ..ولا على سلوكهم واسلوبهم في التعامل ..عشنا تجاربا معهم في كل حي ومنطقة سكنية ..كان مالوف ان نجد شابا او رجلا منطوي على نفسه وقد اختار له زيا يعبر من خلاله على إلتزامه بالدين وتعاليمه ..زيا لا يشبه زي فقهائنا وطلبة المعاهد والمدارس الدينية والقرائنية ..زيا اختير بعناية ليضفي على صاحبه صفة تشبعه باختياراته الدينية ..صاحبه يعبر من جانبنا ويتحاشنا ..وحتى عندما نقترب منه يضع مسافة بيننا وبينه ..صاحبه قليل الكلام وعازف عن التحدث والخوض في الكلام ... مستحي ..خجول ..قد يعاقر قراءة الكتب والمجلدات الأنيقة للكتب الاسلامية التي نراه يتابطها تحت ذراعه وهو في غير خرجته للمسجد ...قد يداوم على رياضة المشي والركض بالغابة او بالطرقات في الصباح الباكر او في آخر المساء...

وبمثل صاحبنا هذا كانت لا تخلوا منطقة سكنية او حي من وجه مالوف منزوي بدوره لا يفارق عتبة منزلهم او طواره او راس الدرب ..في العادة يجلس القرفصاء ويذخن كيفه او يهيا سجارة ملفوفة بالحشيش ..لا يعرف عنه كيف يتدبر احواله تماما ..لكنه مقدر في حاله ..قد نسلم عليه حتى مع علمنا بأنه قد يرد السلام وقد لا يفعله ...

وبمثل هولاء نجد جماعات همها الاوحد وحديثها الدائم الاسترسال عن كرة القدم وعن ابطال ومباريات كرة القدم ..وجماعات اخرى تجتمع اخر المساء للتتسامر وقد تدبرت امر حشيشها ودخانه ....وغيرهم من ناس الحي والمنطقة ...

كنا متقبلين لتناقض طبائعنا وميولاتنا واختياراتنا في الحياة وكان كبار ناس الحي يعبرون عن تعاطفهم مع الحالات الخاصة به بأشكال متعددة وعموما يحاولوا ان يدوبوا الفروقات والحجزازات والاقصاءات ...كانت النسوة خصوصا البارعات في ذلك ..لم نكن نقصد نعث الاخواني او الإخوانية الا في شكله ولغاية وسم الشخص المتميز ظاهريا بالخصوص ..كنا لحدود بداية الثمانينات غير مدعويين لأعمال انتباهنا وملاحظتنا لهم وكانهم ظاهرة اجتماعية تحتاج مليا الوقوف عندها وتناولها بالبحث والدراسة لانهم كانوا يوجدون بيننا كاقلية ..ربما كأسر اختارت أسلوب الحياة  التجنبي ذلك والمراعي جدا ..وكنا نتعايش معهم دونما اي تصادم او تضارب في المصالح ودون ان يشكل اي منا للاخر اشكال احراج او تعدي ..ثم لا نعرف كيف اخدوا يتناسلون  افرادا وجماعات ويكتسحون المشهد الاجتماعي ...واقل شيء فعلوه ان اثاروا فينا الاكثر من سؤال  :اين كانوا ؟! وكيف تدبروا خروجهم الواحد تلو الآخر في زمن قياسي ؟! ولماذا هم حرصيون على مظهرهم المتفرد ؟! 

خرجوا واخدوا ينتظمون في جماعات افراد وأصحاب ثم في جماعات مصالح كحرفيين وكمهنيين ..ثم اخدوا ينظمون خروج زوجاتهم وبناتهن واخواتهن في طقوس وباشكال غير مألوفة على مجتمعنا  ..ثم اخدوا ينظمون لقاءات بينهم على هامش حفلات قرانهم او ازدياد مولود لهم او ختانه .؟ثم اخدوا يعلنون عن بعض اختيارتهم في السماع والانشاد والمديح ويختارون لهم مقرئيهم وطريقة ترتيلهم  للقرءان ... وابتدات أشبه بحرب الابواق ومكبرات الصوة الشخصية في الحي الواحد وفي السوق الواحدة ومابين مقهى ومقهى مجاور..

كانوا بيننا ..عاشوا بجوارنا ..كانوا يتاجرون معنا وبيننا فكيف وما السبب في تحولهم الفجائي ..منهم من كانت له سوابقه في الحياة على سوابقه العدلية ومنهم من لم يكن معروفا بعفة او ذمية او مراعات جانب ..ومع كل الذي نعقله عنهم يدهشوننا بقدرتهم على التحول وعلى تقديم انفسهم بمظاهر تدعى الطهر والورع والالتزام ..وحتى الى ذلك الحد الاستفزازي لمشاعر الجميع وهم ينزعون عنا صفات ليلصقوها ويخصون انفسهم بها وكان الامر لا يعدوا أن يبقى مهموسا به ولا يثير الاستعداء الى أن تغيرت من جانبهم معاملاتهم مع الناس واصبحوا يقدمون انفسهم كشرطة اخلاق واداب عامة بل وكمفتشي ذمم وضمير   ويتعاملون باستعلاء ويمارسون النبذ في حق فئات من المجتمع خصوصا المدمنين منهم والمتعاطيات البغاء ..ويهددون ان وجدوا سبيلا لذلك صغار الجانحين والذين يعانون من مشاكل نفسية تفضيلية ومن بعض اللاسواء الجنسي ...

من أن لم يكونوا منظورين شبه تماما الى أن اصبحوا كثرة ومرئيين بوضوح واستفزاز الى أن اعلنوا الحرب على المجتمع تحث عناوين عريضة :مكافحة الفساد والرديلة ..التصدي للتسيب الاخلاقي والانحلال المظهري ..حصار اوكار الفساد وتعاطي الموبقات ..حصار الشواذ والبغايا وتطهير المجتمع منهم ...ثم جاءت المرحلة الثانية من حربهم على المجتمع بعد ان تقووا كشبكات مصالح وكمحتكري لنشاطات تجارية ومهنية معينة فاخدوا يعلنون عن رغبتهم في محاصرة سلطان الفساد والظلم والمعاصي ..وبداوا بالاستنكار من بيع الخمور والشراب علنا في دولة دينها الرسمي الاسلام .ومن الاحتجاج على الترخيص للفنادق التي تستغل كاوكار لممارسة الزنى والبغاء والرديلة ..والاحتجاح  كذلك على الزي المدرسي للبنات وعلى ممارسة نشاط التربية البدنية بشكل مختلط بين البنين والبنات ..وعلى حلاقة رؤس الشباب وتقليعات لباسهم ..وعلى نوع الموسيقى التي يسمعونها ..وعلى ما يعرض على التلفاز العمومي من سهرات ومن برامج ..وعلى مناهج التدريس والتعليم ...وعلى كل شيء ألفناه وانتظمنا عليه ...ثم جاءت المرحلة الثالثة من الحرب الصريحة على النظام السياسي للدولة وعلى الملكية  وعلى كل اختيارات الشعب المغربي المذهبية والعقائدية والعقدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ..لم يكونوا كلهم ولا اغلبيتهم من المتعلمين والمتفقهين في الدين بل اغلبيتهم كانوا اميون او فاشلون دراسيا ومع ذلك استغلوا حرب الأشرطة المسموعة وأشرطة الفيديوا المصورة والكتب الصفراء والمطبوعات والمناشير..واستغلوا ملكات حفظ الشباب منهم لخطاباتهم  ودروسهم واجزاء من مناظراتهم ..

بدوا مضجرين ومقلقين لحريات الناس في التسكع والسير على الطرقات عبر تعمدهم ممارسة آليات ضبطهم النظرية عبر التتبع ورسم الاستنكار على المحيا وعبر وقوفهم المتصلب المضايق ا للاخرين ..انتقلوا من اعتزال مجالسهم والاركان التي يجلسون عليها بالمقاهي الى الجلوس وسط الجميع ولفت الانتباه اليهم والى الاخرين الذين من وجهة نظرهم غيرمنضبطي السلوك العام المقيم وفق نظرتهم الأخلاقية والدينية المتعصبة..

اصبحوا يمارسون رقابة جماعية على المجتمع ويبدلون الضمير العام ...اخدوا يجاهرون بحروبهم على المنكر والحرام ويتصيدون المواقف الاجتماعية ليعلنوا حربهم المقدسة ...وليعلنوا مقاطعتهم للحياة السياسية العامة وللاحزاب العميلة للنظام الفاسد والربوي ...

افسدوا على الناس حرية تدوقهم للحياة واستمتاعهم بالفضاءات العامة ..حيثما مضيت اخدت ترى اصحاب اللحي والحجاب والبرقع ..حيثما نويت ان تتسوق تجدهم وقد اوجدوا لهم تجارة خاصة دينية هي الاخرى لملابسهم المتميزة ولاكسسوارتهم وعطوراتهم وكتبهم ومطبوعاتهم  واشرطتهم وسجادهم والعجيب او الغريب هو التحول الذي سار عليه أغلبية اصحاب رؤوس الأموال والتجار المحليون الذين استبدلوا بدورهم حلاقة وجوههم واخدوا ينمون لحاهم  وشدبوا من لهجتهم واخدوا يرددون كببغاءات ما يردده التجار الإسلاميون اولئك ..كانوا مكشوفين في نفاقهم وموراءتهم لمن اتفق على تسميتهم في الشارع العام بالاخوانيين او ببساطة "الخوانجية "..كانوا خائفين من ان يصبحوا قلة بينهم في الاسواق والتجارة فسلموا بالتحول درءا لفساد تجارتهم  او خوفا من محاصرة الرأس المال المضارب والمحتكر لتجارتهم ...

كنا جد متضايقين من بشاعة التحول في المشهد الجمالي الاجتماعي ومن هبوط الذوق العام وتراجعه لقرون خلت تحث شعار العودة للسلف وزمن المدينة والخلافة  لزمن الحبيب ولزمن ابي بكر وعمر وعلي وعثمان ..

وكنا مستائين من تقبل الخسارة  الكبيرة الواقعة على المرأة فينا بالخصوص التي اعتبرت كلها عبارة عن عورة كبيرة في حاجة للستر والحجاب و لتقبع تحث ظل بعلها ورضاه ..كنا مستغربين من الحمى التي ركبت جيلا من الفتيات التي أقبلت على القبول بالحجاب والبرقع والتخلي عن فرصهن في الدراسة والوظيف والمركز الاجتماعي مقابل ان يحصلن على زوج يرعى حقوقهن ويوفر لهن بعض المتاع الدنيوي ولاباس من ان يحجر  على حرياتهن وحقهن في التقدم وفرصهن في المساواة والفاعلية المجتمعية ..ولاضير من ان يعدد عليهن مثنى وثلاث ورباعى ....

لم تكن فرص الجميع فيهم متساوية ..لم يكونوا كلهم اصحاب تجارات قائمة ورؤس اموال جيدة وتوظيفات مربحة في المدارس الخاصة ودور التنشئة الأولية الخصوصية وفي مجال التأمينات ودور المحاسبة والوكالات العقارية ..كان السواد الاعظم منهم على باب الله وتجارته بسيطة براس مال زهيد واغلبيته او كله دين في ذمته او كانوا أجراء في محلات   الاخرين او مجرد عمال ومستخدمين وباعة متجولين وحمالة و عمال موقف وجزء منهم سحب وجر جرا ليمارس تجارة تهريب البضائع من المعابر الحدودية الشمالية والشرقية او العمل على تسهيل تهريبها واغراق الاسواق بها وفي هذا لم يبدوا انهم متناقضون مع انفسهم وهم يخربون اقتصاد البلد ويهربون عملته الصعبة بل كل من كان يعاني من ضائقة مادية سايرهم وانظم الى شبكات تهريبهم وتسويقهم تلك وبدوا وكانهم اوجدوا الحل لازمات الناس المادية والمعيشية لا هم من يتعمدون خلقها بمزاحة التجارة الشرعية والانتاج الوطني والاقتصادات المحلية للمناطق ..

لم يكن سهل على المرأ أن يطأ تكثلهم الا اذا اتبعهم او تظاهر بذلك ولم يكن المجتمع بكامله على استعداد لان يتورط معهم ويلبس ثوبهم او يتدلل  لهم ...وقف على الجانب الاخر شباب قيل عنه طائش او جانح او ضد مجتمعي  كان لوقت قريب ساكن وفي حاله غير مهتم غير بنفسه وبيومه .وقف كالملدوع او الملسوع ليرفع التحدي في وجوههم وليجاهر بكل ما يعاقره او كان يمارسه في الخفاء ..كانوا ببساطة يعلنون انهم ضد الترهيب والتخويف وانهم احرار في انفسهم وفي انماط حياتهم وانهم غير قابلين للمساومة او للبيع او الشراء ولا يقبلون من يزايدهم على دينهم واسلامهم ...  

كانت كل منطقة سكنية شعبية معروفة بمزاجها الشخصي واسلوبها في ابراز شخصيتها وتعاطيها مع بعضها وكان ذلك الجزء من ناسها موجوعون ومطعنون  في ان يستكثر عليهم حقهم في التعبير عن ذواتهم ومحيطهم وان ياتي من داخلهم او من خارجهم من يعلمهم كيف يتحدثون وكيف يمشون وكيف يلبسون وكيف يحلمون ...والأمر ان يحرضو الباقية من الناس عليهم بمنطق ان يحاصروهم حتى يخرجوهم من بيوتاتهم اما لأخرى او للسجن وليتدبر شانهم النظام الذي افسدهم وتساهل معهم واستمرأهم...

كان للشباب خصوصا طريقتهم الخاصة في العيش وتدبره ..كانت العرائش مدينة صغيرة في طور النمو العمراني والسكاني المتسارع منفدها الاقتصادي الاهم هو البحر وميناء الصيد ورصيفه ومخازن اصلاح الشباك وخياطتها وناصيات بيع السمك وشوائه الى جانب عربات تحميل السمك للمدن الداخلية ولمعامل تصبير السمك وتعليبه بالمدينة ..وكان أغلبية شباب المدينة يمتعشون من البحر وميناءه وسوقه ..وطبيعتهم النفسية من طبيعة البحر في مده وجزره ..في هدوئه وهيجانه ..في جوده وشحه ..كان مزاجهم وساعتهم البيولوجية مضبوطة على فترات المد والجزر ساعة تخرج السفن للاصطياد او تعود بحمولتها الميناء ..وكانت تؤشر بغروب الشمس او بساعة الفجر وانقشاع الظلام ..لذلك كان عادي لشاب عرائشي ان ياخد فطوره ساعة المغرب او يتناول عشاءه ساعة انتهاء انزال السفن لطواقمها واسماكها وانحصار عمليات البيع والشراء للتحميل والتوزيع او لانطلاق عمليات التسفير نحو الاسواق الاخرى ..اي بعد السابعة صباحا الى الثامنة صباحا في فصل الشتاء  ..وكان عادي جدا ان تنشط أماكن معينة بجوار الميناء وبالمحطة الطرقية ومحطة سيارات الأجرة الكبيرة بالمواقف المؤدية لجماعة الساحل ومحيطها او تلك المؤدية لجماعة العوامرة ..وللقصر الكبير ..وبمنطقة عبور الحافلات الطرقية التي لا تدخل المحطة الطرقية بمدار أربعة طرق ساحة الاستقلال وعلى طول الشارع المنتهي بطريق القصر الكبير -الرباط وبمدخل المدينة على طريق طنجة ..وان يأم كل تلك المناطق ناس وشباب الليل على اختلاف نوعياتهم وعلى وجود أصناف من المتعاطين فيهم لكنهم عموما ما داموا يكسبون ما يمكنهم من ما يتعاطونه فهم مقبولون اجتماعيا وهم مع هذا القبول لهم حريصون على أن يبقوا منسحمين مع روح المجتمع ومسالمين له ...كانت بالفعل تعرف المدينة احيانا احداث عنف او اعتراض سبيل او مشاجرات دامية او عمليات سرقة ومداهمة لمنازل المغتربين لسلبها لكنها كانت احداث تقع في كل مكان وفي كل المدن.. وسرعان ما كان تدخل الامن وعناصره تعيد السكينة للمدينة ويستمر حالها على ما هو عليه ..الليل لطالبي البحر وللخادمين على توفير حاجيات مدمينه كرها او اختيارا بحسب العمل وطبيعته  وهوية صاحبه المدنية ..ومقاهي الليل للعابرين من سائقين مهنيين لعربات وشاحنات تموين الاسواق بمتطلباتها اليومية وللوافدين مع اول نداء لدخول الشطر  الاخير من الليل  لاخد فطورهم  وانتظار حافلات او سيارات تقلهم لخارج المدينة نحو العاصمة او مدن وجماعات الجهة ..

شباب المدينة ألف نمط عيشه وكفاياته واسلوب تعبيره عن شخصه وافكاره ..ألف طرق تنفيسه عن ضغوطاته النفسية والاجتماعية ..ألف جزء كبير منه خصوصا من بعد يأجل مشروع ارتباطه وزواجه ان يسكر حينا وان يبذخ في طلب متعة الشراب والسهر في الحانات ومع جماعات رفاقه وزملاءه في العمل ..وألف ساعة يجود البحر ويكسب الشيء الكثير ان يستمتع بليلة فخمة بجوار من تلائم طبعه وتواتي ميله الجنسي ..وألف ساعة يشح المدخول ويغلق الميناء أن يكتفي بتدخين الكيف وشرب الشاي المنعنع ولعن الحظ ..وألف اصحاب البيوت والابناء ان يصرفوا باريحية وان يمارسوا حرياتهم الخاصة ساعة يعم الخير من البحر وان ينقلبوا مكرهين لغير ذلك ساعة ينحسر ..وهذه الإزدواجية وسمت طبيعة ناس المدينة واثرت في نمط عيشهم وتعاملهم وفي قدراتهم على التعاطي مع الناس والاخرين وفي صبرهم كذلك ونفسياتهم واعتقادتهم عن نفسهم وفي حقل قيمهم المخصوص كالكرم والجود والانتهاز والبخل والعطاء والحب والمسؤولية والضمير ...

لم يمارس ناس المدينة تقليديا التجارة الا في السمك والحوت كانت اعمال البقالة وتجارة الملابس والأثاث والعقاقير  حكرا على اليهود والاسبان واهل سوس والبربر الامازيغ وبعض قليل من جبلي المنطقة بينما كانت تجارة الخضر والفواكه واللحوم مرتبطة بناس اماكن انتاجها وكانوا عموما من بدو مناطق الغرب والداخل  "العروبية "وبعض من جبلي المنطقة ومن نزح من مناطق الريف للمدينة ..ناس المدينة كانوا نشطين في مجال البحر والصيد وتجارته ومهنه وكان لجانبهم باقي الحرفيون والمهنيون المختلفون ...موظفوا المدينة هم من ابناء المنطقة الكبيرة لقبيلة الخلوط من من امكنهم التمدرس واجتياز الشهادة الابتدائية والاعدادية ونسبة قليلة منهم وافدة على الاقليم "إقليم تطوان "او المنطقة الجغرافية ..

كان محيط بالمدينة مساحات من الجنان التي استغلت بأنشطة فلاحية صغيرة بينما الضيعات كانت بعد في ملك الدولة وشركاتها العمومية أو في يد بعض كبار الخواص من متقاعدي الجيش او من اختار البقاء من المعمرين الاسبان والفرنسين بالمنطقة ثم تبقى الأراضي الفلاحية الواسعة مقسمة مابين ملاكين كبار وصغار بكل من منطقة حوض اللوكوس والعوامرة..وبمثل مايسم البحر مزاج وطبيعة الناس كذلك تفعل الارض الفلاحية وباديتها ..وكان ان يلتقي ابن المنطقة بابن المدينة كما لا يمكن ان يلتقيا لانهما مختلفين تماما عن طبيعة بعضيهما وكانت لخطوط حافلات "الريفي " المحتكرة للنقل الحضري والربط القروي ان تسهم في هذا التقريب بين ابن المدينة وابن البادية وجبلي المناطق ..بمثل ما كانت تربط المناطق الهامشية والعشوائية التي كانت تشكلها احياء "كليطوا ",الحي الجديد واحياء المحصحص وجنان الباشا والمنزه والتي كانت تتناسل بيوتاتها الصفيحية والعشوائية بسرعة متنامية كساكنتها المهاجرة من العالم القروي ومن الجوار الريفي والبدوي للمنطقة ..

كانت كل منطقة سكنية لها خصوصيتها ومشاكلها وجغرافية سكانها وتاريخها الخاص ولكنتها المتميزة وثقافتها الشعبية ومزاج شبابها ونزق اطفالها ويافعيها ..وكل منطقة تعاملت على حدى مع بداية اكتساح واكتساح الإسلاميين اصحاب اللحي والقنادر والعمائم والحجاب والبرقع والنقاب ..المناطق الهامشية والعشوائية حاصرتهم قبل أن يحاصروها وشدت عليهم الحصار الا ان اخدوا يرخفون وطأته عليهم عبر الاستحواذ على شبابهم ويافعيهم عبر فتح ابواب الترزق والكسب  لهم وعبر بضع اعمال بر واحسان مناسباتية لصالح ارامله ومطلقاته وعجائزه كانت تقوم بها جماعات منهم دون اي غطاء تنظيمي ثم اسسوا لانفسهم جمعيات او فروع جمعيات وطنية احسانية وتكافلية ..مناطق المدينة القديمة المزدوجة الساكنة مابين الساكنة العرائشية القديمة والتي لها تاريخ بالمدينة والمنطقة ومابين الوافدين القدامى والوافدين الموسميين لارتباط اشتغالهم بالبحر ونشاطه كانت معرضة للاختراق اكثر من غيرها وكثرث فيها الاصطدامات لانها بشكل او باخر كانت مسكونة باغلبية من الممارسين لانشطة البحر والصيد ولهولاء مزاجهم الشخصي ونمط خاص في العيش تاثر لحد كبير بالمقيم الاسباني بالمنطقة ابان الاحتلال وهؤلاء كان منهم من ساير موجة الإسلاميين منذ بدايتها الاولى ومنهم من التحق بها متاخرا وبقية أغلبية محافظة مترددة الى جانب جيل من الشباب الذي رفض جملة وتفصيلا مشروع "الخوانجية "وأعلن تصديه وتمرده عليه ...كثرت الوشايات لدى السلطات الأمنية والمحلية ..وكثرت المشاجرات والمشاحنات بين الفريقين من ابناء الحي الواحد ..وكثرت المكائد لايقاع صاحبة دار بغاء سري او علني .. وكثرت المزايدات من الطرفين على بعضهما البعض وكل اخد يكيل على طريقته.لحصار الاخر ...

البادي في الامر ان الامن والسلطة المحلية استغلت الوضع لصالحها ..ووسعت من دائرة من بامكانها احتواءهم كواشين لها ومرشدين لدوائرها ومن حملة اعتقالاتها في صفوف من يتورط في أعمال جنوحية او اعتداءات على منازل الغير وسلامتهم   بالإضافة لضبط عمليات توزيع وتسويق الممنوعات واحوال بيوتات واوكار الدعارة ..لكنها هل كانت تتعامل مع الوضع بمنطق سياسي ضابط لما يحدث ولما يمكن له أن يتحول ويتطور ...؟! 

هل انحازت السلطات لاية جهة من الفريقين ؟! وهل كان لها ان تنحاز فعلا ...؟! ....

الاثنين، 4 يناير 2021

يوميات: عوالمي السرية..(29). بعيدا عن حنان"هذه..."7 تابع "15-1".


لقد كنت مندهشا انا نفسي مما كان ينكشف لي يوما بعد يوم من متابعة التنظيم والتسلل إلى حظيرة عناصره وربط علاقات معهم ...كان التنظيم يتقوى عدديا بشكل رهيب وكانت العناصر الطلابية والتلمذية في مستويات الباكلوريا والمرحلة الثانوية نشيطة للغاية في استقطاب كل اقرانها وفي كل دوائر تحركها ..داخل الاحياء السكنية التي تقطنها ..داخل فضاء المؤسسة التعليمية او الجامعية ..داخل المساجد وخارجها في الشارع والفضاء العام ...وهذه العناصر هي من اوجدت اللبنة الاساس الحرفية والمهنية لتكوين قيادات محلية منها قادرة على أن تعمل من تلقاء نفسها نفس الادوار في خلق متعاطفين  معهم والاستقطاب لصالح التنظيم ...لم تكن لهم من امكانات مادية أو لجوستيكية يعتمدون عليها في تعبئتهم الجماهيرية الشعبية كما كانت تفعل وللاكثر من عقد او عقدين متتاليين الجماعات الإسلامية التي تكونت وانتعشت بفضل مال ودولارات السعودية ودول الخليج العربي وعبر منظمات عاملة بالخارج بالديار الأوربية والاسيوية نشطت في توزيع كتيباتها المجانية باعتماد نظام المراسلة والتوصيل ...لم يعتمدوا اساليب الاحتواء الاجتماعية /الاقتصادية في كسب منظمين جدد للتنظيم عبر ضخ موارد مالية  ورؤس اموال صغيرة أو متوسطة لصالح الفئات الفقيرة والمعدمة والتي تعاني من معضلات التهميش والعطالة ..لم يستعملوا مؤسسات اجتماعية بديلة في الوصول للناس ولكسب تعاطفهم مستغلين حاجاتهم للدعم والتاهيل النفسي والاجتماعي ..لم يفكروا حتى في خلق مقرات لهم ولو على سبيل التعريف بجماعاتهم والدعوة للنشاط بجانبهم ..لم ينتظموا في جمعيات اسسوا لها ...لم يمارسوا العمل السياسي الجماعي او الترافع ليكسبوا مؤيدين ....كانوا على النقيض من كل الجماعات الاسلاميه المتواجدة بالساحة وكانوا غير متماهين مع أية تجارب سابقة للاسلاميين في الوطن العربي ..كانوا يشبهون انفسهم فقط وكانت تجربتهم أصيلة لحدود بعيدة ومتفردة في اساليب استقطابها وعملها التعبوي الغير المعتمد على الدعوة ونشر الوعي الاسلامي وانما  يستغل هذا الجانب كما يستغل كل الجوانب الأخرى من ما يحسب على الجماعات الإسلامية النشطة بالساحة لصالح كسب اعضاء جدد عاملين ونشطيين لمصلحة تقوية التنظيم وليس فقط لمده عدديا بأشكال من القوة الصورية ...

عبرت بصريح العبارة لرئيس قسم الشؤون العامة بالعمالة عن فزعي الشخصي من قدرة التنظيم المحلي على الانتشار وكسب اعضاء جدد وتكوين خلايا سكنية ومناطقية وقطاعية..وعلى رفعهم العالي لمستويات تحديهم  للنظام العام ..فهم لم يحتاجوا لبناء مؤسسات اجتماعية وانما تسللوا اليها ..تسللوا للنقابات..للاحزاب..للجمعيات والمنظمات والنوادي ..استولوا عمليا على اجزاء من المساجد أو كلها ..سيطروا على شواطئ وفرضوا التقسيم والعزل على باقي الشواطئ في مختلف التراب الساحلي المغربي ..نظموا تلقائيا العزل في وسائل النقل الحضري والطرقي  ...قووا حضوريا العناصر التي تعاني من التهميش والحاجة وركزوا على دعمها وسندها معنويا وتحفيزها على المثابرة والعمل ..انشؤوا ببساطة نظام اخوية بامتياز غير مبالين بصنع الفرق والتميز بلباس معين أو لحلاقة الوجه على شكل بل استغلوا كل تلك المعطيات لتصيد من من المتميزين بها قابل للاحتواء وللانظمام اليهم ...لم يعتمدوا  على المصاهرات بالقدر الذي اسسوا اليه عبر فتح وتيسير الزواج بين عناصر التنظيم الذكوري والنسوي منهم خصوصا بين الطلبة والطالبات الجامعين واسفل المجتمع بين كل من لمس في نفسه القدرة على بناء وفتح بيت ...

لم يكونوا ميالين قبل أن يبدوا في الخروج للعلن وينظموا نشاطتهم الثقافية وحلقاتهم بالفضاء الجامعي والتلمذي للظهور الجماعي كفصيل او كجماعة اخوية وحتى عندما اخدوا يبرزون وجودهم وقوتهم بالمساجد وبمحيطها كانوا قلما يترافقون في الشارع العام الا زوجين ولا يقفوا لبعضهم البعض اكثر من ثلاثة أفراد ..وكل فرد كانت على العموم تمة رابطة قديمة او سابقة تجمعه بالذي يصاحبه ..كانوا متواجدون في العلن ويصعب فرز انتماءهم خصوصا مع تجردهم من التمسك بالشكل المظهري ..هم عموما يقدمون انفسهم ملتزمين بالدين وباداء العبادات بالمساجد دون مغالات او تشديد مبدئي او شكلي...ويتصرفون في غير ذلك من المواقف الاجتماعية كايها الناس ما بين المهتمين وغير المهتمين ...لا يعطون الانطباع بأنهم متسرعون في امرهم او جد مبالين بالاحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية ..حريصون على أن يفعلوا ذلك فيما بينهم وفي كثير من التخفي ودون ان يشيع الامر لغيرهم ..كانوا يبرزون ذواتهم كمختلفين بالمثابرة والاجتهاد والاقبال على الدروس التعلمية وبالانكباب على أعمالهم ومهنهم ..محافظين على علاقات جوار طيبة وبحس خلقي عالي غير مقتحمين المجامع بالدعوة ونشر الوعي وإعمال النصيحة ..وحده الهدف او المستهدف من يتم التركيز عليه ومن من بإمكانه تلقفه من بين الجميع ومصاحبته والعمل على إعداده وشحنه ايديولوجيا وتاطيره نظريا وتنظيميا ..ثم حيثما اكتمل الاعداد والتهيئة يدخلا الاثنين في التباعد وينحصر تلاقيهما الا في المناسبات العرضية وبالصدفة او اذا دعت الحاجات التنظيمية لذلك وبذلك كان كل عناصر التنظيم تحرص على ان تبقي التنظيم في امان من الكشف عن عناصره وخلاياه ...

اخويتهم لم يكن مبالغ فيها عاطفيا كانت اقرب الى الصحبة والمصاحبة او الى جو الرفقة والزمالة ..يمارسون الرياضة سويا والتمشي في الفضاءات العامة ..يقصدون المكتبات العمومية وقاعات المطالعة ..قد يهتموا بحضور نشاط ثقافي او سياسي عمومي وينحشرون في الجموع دون الإفصاح عن هوياتهم او ميولاتهم السياسية حتى ولو تناولوا الكلمات او التدخل في النقاش ..كانوا محافظين في اللغة التي يستخدمونها بحيث انها توشي اكثر مما تفصح ..الا بعض الوجوه القيادية التي الصق بها اليافطة والانتماء والتي كانت تلعب على فرص الظهور والتسلل إلى المواقع القيادية المجتمعية او تكتفي بان تعبر عن وجودها في قلب المعادلة السياسية كتنظيم اسلامي سياسي قوي ...

في زحمة التنظيمات الإسلامية وتعدد اسماءها ومراجعها واختلاف توجهاتها واهدافها وفي جو الاكتساح المجتمعي لظاهرة التاسلم والاسلام السياسي المدعوم من الخارج وبشقيه السني و الشيعي والى جانب الاسلام الصوفي المعتدل الرسمي كانوا قادرين على التنظيم والتكاثر العددي وصدم النظام الاستعلاماتي والامني بقوة تعبئتهم وبمشاركتهم في التظاهرات السياسية والنقابية بجانب باقي التيارات السياسية المجتمعية او بمفردهم في بعض الخطوات المناصرة لمعتقليهم الذين كانوا يمثلون امام القضاء او في الاضطرابات التي كانت تعرفها الساحات الجامعية والمعاهد العليا ...

لم يعرف عنهم تنسيق مع حركات إسلامية موازية او تيارات حزبية قريبة او ممكن ان تقترب من مراجعهم كانوا حرصين حتى على مستوى قيادتهم الوطنية او ما يعرف بمجلس الارشاد على استقلاليتهم  والظهور كتنظيم موحد مع إعلان قابلية واستعداد لفتح اي نقاش والدفع في اي مستوى منه يخدم رسالتهم واهدافهم المجتمعية العامة ويحقق لهم نصرة قضيتهم في مواجهة الطاغوث وسلطان الكفر ...

كانوا لفترات طويلة يمرون بجوارنا ومن حولنا دون ان يلفتوا الانتباه اليهم ..كانوا في اقصى ما قد يتعقبهم من ملاحظة انهم شباب ويافعون ملتزمون خلقيا ودينيا وفي حالهم ..وخط سيرهم عادي ليس فيه من مميز غير فسحة الصلاة بالمسجد واينما ادركتهم الصلاة يلتحقون  باول مسجد بالجوار ..

المساجد عندنا غير موقوفة على اوفياء بعينهم ..ربما يامها كبار السن والمتقاعدون  وجماعة ألفنا ان تغلق محلاتها التجارية ساعة النداء للصلاة لتلتحق بالمسجد ..وبعض الشباب القريب من جوارها والذي دأب على اللحاق بالمسجد عند كل صلاة بما فيها الفجر وهم كانوا قلة ..وقلة فيمن يداوم على ذلك دون انقطاع ودون ان يرتد للا يفعل ذلك لما قد ياتي من  ايام حياته ..لكنها تبدوا خليطا من كل الاطياف والاعمار ايام ايام الجمعة وطيلة شهر رمضان ...

ألفنا المساجد والولوج اليها في فترات من اعمارنا وكان عادي جدا ان نداب على ذلك بجد في فترات قصيرة ثم نعاود سحب انفسنا من دائرته تدريجيا حتى لعلنا ننقطع عن اداء الصلوات.. وألف بعضنا أن يفعل ذلك كتكفير عن ذنب اقترفه او انب عليه بشدة من الاهل او على اثر تعثر حاله في الدراسة أو ميل حاله في شغله او تجارته ...وألفنا ان نلحظ ارتياد حديثي الزواج المساجد ربما استشعارا منهم انهم عبروا بنجاح عتبة الرجولة ويتهيؤا ليصبحوا اباءا صالحين ..لكننا بيننا وبين انفسنا كنا جميعنا متهيبون من الصلاة ومن دخول المساجد لانها ليست للعب كما كنا نقول اول ما نستفسر عنها وعن علاقتنا بها ..ومتهيبين من الالتزام الحقيقي بدروب  التقوى كنا مضطربين بما يكفي برغباتنا وهمومنا الصغيرة ومتعبين ضجرين باعمارنا وبكل الذي بعد ينتظرنا ..ولا نقوى على الالتزام ويشعرنا حال التزامنا الصوري بالغباء والتقزم امام سلطة اباءنا واولياء امورنا وكبار ناس الحي والعائلة ...وبيننا وبين انفسنا كنا نعتقد بأن الصلاة الحقيقية والالتزام ياتي مع السن ..بعد ان نكبر وليس في مرحلتنا المبكرة او المتأخرة من المراهقة وبداية الشباب ...

كنا نحب ان نبقى على سجيتنا بعيدا عن مشاعر التقريع والذنب ..نحب  ان نمارس الاعيبنا ونمرح ونكتشف ونزوغ قليلا عن الطريق..

كنا نعترف بينا وبين انفسنا بان عنف الرغبة الجنسية يحول دون ان نضبط ذواتنا ونوفق في الالتزام باقامة شعائر الصلاة والتحلي بالطهارة قالبا ومعنى ...كنا مشغولين لاقصى درجة بتخفيف حدة مزاجنا وعدواننا وانفعالاتنا نحو ان نشعر ببعض السلام داخلنا ومن حولنا ...ولم تكن تغرنا مظاهر التاسلم الفاضحة ولا حرص بعض اقراننا على اظهار التزامهم ..كنا بشكل او باخر نراهن على من فيهم الاول الذي سيلتحق بنا بعد  ان يودع ركنه بالمسجد ..  

لم نكن لنطمئن لفتى ورع لانه ببساطة لا يوجد فتى وورع جنبا لجنب ..بل يوجد نظام اسري ..ابوي او امومي محافظ ..صارم ويوجد بالمقابل امتثال ورضوخ او تظاهر بذلك ...لم نكن نعمم  من موقف العارفين وانما من واقع تجاربنا الشخصية وتجارب اقراننا والمحيط ...لذلك لم نكن نصدم عندما ينكشف لنا أن واحدا من اقراننا ترك الطريق المعتاد الى المسجد لطريق جانبي حيث يذخن سجارة او يترافق مع عازف قيتارة او يتصيد بنت الجيران ..كان ظننا أن فترة الحرص على الصلاة تشبه غيرها من الأنشطة التي ننكب على ممارستها دفعة واحدة ونتركها دفعة واحدة لغيرها من النشاطات والتجارب...ضرورية في مجتمعنا للتعرف ولبناء معرفة روحية سنعود اليها في مرحلة الرشاد والثبات النفسي ولكنه ليس الان ...

حتى في المرحلة اللاحقة على خروجنا من فترة المراهقة العنيفة كنا متضايقين بشدة ومتحسسين من أية سلطة تراقبنا وتتدخل فينا  وتمارس الحد من حريتنا والقهر على رغباتنا ..كنا ميالين لتجنب لقاء كبار افراد عائلتنا واخواننا الكبار وكبار ناس الحي ومعلمينا واساتذتنا وكل من له سلطة معنوية علينا ..كنا حتى وبعد ان اضحينا نقدر على أن نعقلن الأمور والأشياء في حاجة لنتمرد على القوالب الاجتماعية والاعراف ونخرج على القواعد المتعارف عليها بمثل ما كنا ونحن تلامذة دائمي التذمر من النظام المدرسي ونفكر باستمرار بالخروج عليه وتكسيره ...    

وكنا شبه اجمعين نشكوا بصريح العبارة او بغيرها من عتو السلطة الأبوية ومن سأمنا من لائحة ما يصح ولا يصح المرفوعة دائما في وجوهنا ..

لم تكن علاقتنا بناس المساجد كلها جيدة وحسنة لان مساجدنا كانت تمارس سلطة بدورها علينا لم نكن نعرف بأي وجه حق يكفل لواحد يرتاد المسجد باستمرار ان يصبح واصيا علينا ويلفت انتباهنا باستمرار بمواعيد الصلاة أو للا نترك   صلاة تفوتنا ولنتحلى بزي معين أو بسلوك مخصص ...وكنا نحاول جاهدين الا نصطدم معهم لكننا بالمقابل كنا نجتنبهم ما امكننا وكنا ننسب لبعضهم من من كانوا لايملون مطاردتنا بوصايتهم السبب في الكف عن ارتياد المسجد وتغييره باخر واحيانا بأنهم كانوا سببا من جملة الاسباب التي جعلتنا نقاطع الصلاة ...

في اوساطنا الشعبية كان الفقر عام والحرمان يسم ولا يسلم منه جميعنا على تفاوت احوال معيشتنا وكانت عندنا قناعة  لا نعرف من اين اتتنا وترسخت فينا تحدسنا بان فساد احوال السلطة والمسؤولين عنا وشيوع الفساد والرشوى والمحسوبية سبب تردي اوضاعنا وحرماننا ...لذلك كنا ميالين ولو في سلوكنا الشفاهي الى لعن الاوضاع وكره اي سلوك تحكمي فينا وكل من يمارس السلطة وخصوصا بتغنج ...لم نكن نعادي بعضنا البعض على تعدد امزجتنا وطبائعنا وميولتنا ..كنا لحدود بعيدة نعي بان الحال من حالنا وكلنا متساوون امام قهر الاوضاع الاقتصادية والسياسية وامام استمرار تخلف مجتمعنا الفكري والثقافي وسواد الأمية في اوساطه..لذلك كنا ميالين للتسامح مع كل الظواهر الاجتماعية السلوكية الا العنف والتحرش والذي بدوره كان سائدا...

بالمدينة كانت هناك اكثر من ثماني أمكنة لتعاطي الخمور والشراب ما بين خمارات وفندق ونادي ومطعم و ثلاثة محلات لتوزيع وبيع الخمر والشراب ..واكثر من خمس دور الدعارة بالمدينة القديمة لوحدها تنشط باستمرار وفي كل حي أو منطقة سكنية هناك نقطة الى ثلاثة نقط لبيع الحشيش والكيف وبمنتصف الثمانينات انضافت نقط لبيع الأقراص المخدرة ك"ريبلوم "و" ريفوتريل "و "الارتان"....كما لم تخلوا منطقة سكنية من دور تمارس الدعارة بالخفاء خصوصا بالمناطق الشعبية جدا والهامشية العشوائية ...كما كانت القوادات معروفات ولهن شعبيتهن وخروجهن للتسوق او التجول في الشوارع والساحات العامة فرصة لاصطياد زبائن لمن بحوزتهن من مومسات او بنات جدد على الميدان ...رسميا كنا قد ودعنا زمن الدعارة المقونن والذي عمر معنا لما بعد فترة الاستقلال وللاكثر من عقد ونصف ورسميا ايضا لم تكن تمارس الدعارة في البيوت دون ان تكون تحت أعين ومعرفة السلطات المحلية والأمنية بذلك ومثلما كانت الخمارات مفتوحة في وجه العموم على المنع التقليدي الرسمي لان تكون مفتوحة في وجه المسلمين ومحالات بيع الخمور سوق مفتوحة في وجه الجميع كذلك فلقد كانت الدعارة كذلك هذا دون الحديث عن الدور المخصصة للانس والفرفشة والتي يكتيرها المقتدرون ماديا العزاب والمتزوجون منهم والتي مثلها مثل الدور الشبه الرسمية لا اعتراض عليها ما دامت امورها مسيطرة عليها ولم تحدث الكثير من الضجة والبلبلة وما يثير الريبة او يقلق راحة السكان وامنهم .. 

كانت ايام السبت والاحاد كما ايام الاعياد والاحتفالات الرسمية لا تخلوا اماسيها ولياليها من ضجات السكرى والمعربدين والمعربدات في الشوارع والازقة والحارات ..على غرار كل ايام فصل الصيف والذي يكثر فيه السهر وحفلات الزواج ويقترن بالعطل الرسمية وبعودة المغتربين داخل وخارج الوطن لمدنهم الأصلية ...

باقي ايام الاسبوع تنشط الحانات ومحيطها بزبناءها المعتادين والمعروفين وتتصيد الخارجين منها القوادات والقوادون والعاهرات والمثليين ...وكل يوم يتسوق معاقروا الشراب حاجاتهم منه ليشربوها في بيوتاتهم او بسياراتهم وبجوار البحر والغابة وبارصفة الأزقة والحارات الداخلية ....

كان زمنا خاصا.. حر في ان تلج خمارة او دار دعارة او مسجد صلاة ..مثلما انت حر في ان تدخن سجائر او حشيشا او كيفا او تستنشق غراء كيميائيا "سلسيون "او ماء تخفيف الصباغة او بنزين سيارات ...

كان زمنا خاصا جدا  لا يعيب الرجل غير جيبه وما يحتسب فيه على مال ولا يعيب الواحدة من اولئك غير قدرتها على كفاية نفسها وتدبر أحوالها ..كان مقبول من الجميع ان  يفسحوا لك مكانا بينهم بالمسجد متى عدت اليه وكان باب التوبة مفتوح في وجه الجميع وكذلك كنا نعيه ونعي بان الرجل منا ما ان يكبر في السن وتضعف بعض قواه سيعود الى رشده ويتوب وسيحج البيت الحرام ليكرم توبته  ...

لذلك لعلنا لم نستسغ كل ذلك الاسلام المظهري الذي مارسه بين ظهراني المجتمع كل مستقطبي الجماعات الإسلامية المدعومين من دول الخليج ولا ذلك المتمثل  لاخوان مسلمي مصر ولا ذلك الذي يقف على صراع معه والقادم من الدولة الصفوية الشيعية والذين احتكروا  لانفسهم تجارات ونشاطات كسبية وتزيوا بالبستهم الخاصة واطلقوا لحاهم وشعورهم على طريقتهم  ووضعوا بينهم وبين بقية اطياف وافراد المجتمع فوارق وحواجز وفيهم من اقام بين الناس محاكم تفتش في دواخلهم ونواياهم واخدوا يصادرون حريات الناس ويحرضون بقيتهم على محاربة الفساد الخلقي والمناكر ...

كنا ننتظر الموجة ان تعدي سريعا من بين مجتمعنا وان تختفي ارتدادتها.. لم نتوقع أن تحتكر  الطرقات وناصيات الشوارع والاسواق والقيسريات و محلات الاكل والطعام ..لم نتوقع منها ان تسيطر على تجارات الاثواب والذهب والحلي والعسل وزيت الزيتون والكتب والمكتبات ومحلات تصوير المستندات والوثائق وتوجد لها استوديوهات تسجيل أشرطة وشركات توزيع ومحلات بيع وعربات متجولة ..لم نتوقع أن يتحول المجتمع بمثل تلك الدرجة ويصبح غطاء الشعر بالنسبة للفتاة والمرأة شرف والزام بل ونرى لجانب الحجاب البرقع والنقاب حتى للطفلات  الصغيرات ..لم نستسغ ان يبني جزء من المجتمع جدارات بينك وبينه ..جدارات من النظرة الازدرادية والفوقية والتانيبية والاستعدائية ..وينعزل بنفسه عن بقية اطياف المجتمع فيقيم لنفسه مواسمه الثقافية والفنية ومراسيم زواجه وحفلاته واماكن اصطيافه وتنزهه ورحالاته الخاصة ..ولم نقبل منهم محاولات تدخلهم في توجيه حياة الناس بمشيئتهم ...

كان الجميع يقبل التجريح في النظام وقد يمارسه كتنفيس عن كبته السياسي لكن لكنتهم كانت توشي بخلل مركب يغشى المشهد السياسي الاجتماعي للبلد لانها ركبت على قاموس ديني وفقهي واخلاقي سلوكي عتيق لم يكن مقبولا العودة إليه لا في مدارسنا التي كانت تتحول لمدارس مختلطة لبنين والبنات ولا في فضاءنا الاجتماعي ولا لكي تقصي نصف المجتمع منا وتعيده للبيت وتمنع عنه حتى حق الكد والسعاية ..فبتنا نسمع عبارات التكفير ونعث الكفر والكافرين والقوم الظالمين والرهط المفسدين ... وكأن العجلة تعود للوراء بنا نحن الجيل  الذي يطمح  للتقدم والسير نحو الامام ...

عاد النقاش مجددا للنظام التعليمي والبرامج الدراسية وعلت أصوات منهم كانت تمارس التربية والتعليم لتطعن في مناهج تدريس مواد كالفلسفة والتاريخ الاسلامي والاداب ...ولما لم تجد ادانا صاغية لها حاولت فرض اسلوبها على المتمدرسين عندها والتمييز بينهم وبدى ان نظاما جديدا يستبدل بنظام يسود ..نظام يميز في الادارة بين اخ يؤدي الصلاة بالمسجد وملتزم واخر سفيه وسكير ونظام يميز بين المرأة المحجبة والمرأة سفيفة في المواصلات العامة وفي محلات الخدمات العامة وفي الطرقات والشوارع والمنتزهات ...وبدى ان المجتمع ببساطة ينقسم على نفسه ....

والعجيب ان التنظيم المحضور ذاك استغل كل ذلك للعمل على تقوية نفسه وكسب منظمين اليه دون الدخول في صرعات او صدمات في بداياته ...واستغل وجود اسماء جماعات عدة والوان من الزي والمظاهر ومساجد مخصصة محسوبة على جماعات بعينها او زوايا صوفية محددة والميل الطبيعي للعناصر المحايدة من الناس مع ضغط كل جانب قوي او يتقوى على حساب الآخر ..واستغلوا كل تناقض موجود في المجتمع ليسيطروا  خصوصا على الفئات اليافعة والشابة من المجتمع ...كانت ادواتهم تفعل فعلها بصمت ونشاط منقطع النظير ودون ان يوجهوا كامل الانتباه للتحويل الذي يمارسونه على بنى المجتمع وهياكله ...

من جملة ما عبرت بصريح العبارة عنه وانا اقدم لاعتباراتي الشخصية في الموضوع في المقابلة تلك هو انني ضد اي تطبيع مع قوى تعادي المجتمع وتقدم نفسها النمودج الامثل والوحيد لنمط العيش وللجميع وتصادر الحريات وتمارس القمع تحث  أي مسمى كان ....


  

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...