الأحد، 5 يونيو 2022

يوميات : عوالمي السرية..../ ما بعد كورونا...حياتي الاسرية..


 ٦- اختلفت سبلنا قبل الانطلاقة.

اين انا من ما كان يترتب بشكل او باخر ..!!؟ اين طارق بكل حساباته وتقديراته من ما كان جد محتمل الحدوث وهل ملك حقيقة ان يختار ام لم يكن منتبها حتى ....؟!!..

كل الذي كان يدفعني للقبول في كل الاحوال حقيقة انني تعبت من ان اكون لوحدي ...تعبت من البكاء على نفسي وعلى عثراتي وعلى كل همومي التي اجترعها لوحدي ...كانت الاربعين سنة التي راكمتها في عمري قد انهكت ظهري وتركتني في حيرة من كيف ساعيش العمر الاتي ....

طارق ...كان متعبا جدا من المضي كما لا يمضي ...لم اكن اعرف ما عساني بعد انتظره ...!؟ كنت مفتوحا على كل الاحتمالات وعلى اسوئها ..انتهيت ها هنا بمدينتي على ان اكون ..لم يعد يهمني اي شكل اكون عليه مقابل ان اكون بعد ما دام حتى الانسجاب لم يعد خيارا ....كنت مثخنا من العيش كالظل ..كنت ضجرا من مجرد ان اتكلم مع نفسي ..وكان يلزمني بداية ما ...بداية جديدة استقوي بها على مجرد العيش بلا معنى ...

جربت بشكل جدي ان اسقط ..ان اقارب حافات المرض لعلي اتملك بعد السلوى ..ولم اعرف كيف اخادع نفسي او لربما لم اجد نفسي على ذلك النحو ...

جربت ان اتفوضى..ان اتبعثر...لعلي اتلاشى او اتحول الى سراب واضيع . .لكنني لم اكن بقادر على ان ادوار وعي وامكنه مني ...

ما جدوى المعرفة هل هي لتحمينا ام لتقف في وجهنا بصفاقة هي وكل حقيقة ..حقيقة ...!!؟.

كنت بازمان شديد اعاني الحاجة لاتحدث ..لاتكلم ...لاقول ...لامارس فعل القول والحكي والبوح والاعتراف وكل اشكال الكلام الشفاهي وغير شفاهي ....

كنت في حاجة لان اجد روموزي وافك شفرات ذاكرتي المتعبة 

في السنوات الاخيرة من عمري ذلك عشت فقرا في العلاقات مع الاخرين وانا منغمس كلية في متابعة العالم بسياسته واقتصاده وكل ما يكونه حتى الفكر والقواعد التي تحكمه ..لم اكن هنا بل كنت في سفر طويل مع الزمن اقرا الخرائط والونها واقصها واحفظ كل اشكالها ..افردت لكل بقعة ملفا وسعيت بكل جد لأملاه بالمعرفة ...كنت اريد ان اعرف اكثر وان ارتب عقلي على طرق جديدة من التفكير والرؤيا ...كنت احاصر الشك ذاخلي واجعلني ادور حول الساقية دون ان تزوغ عيني للتوهم او تخال ..كنت اريد من قراءاتي هذه المرة كذلك ان تكون علمية وعلى اسس جيدة ...لعلي كنت احارب المرض العقلي داخلي بتبني تلك الاساليب من الدرس والبحث والمعرفة ....

اغلقت الباب علي جيدا وانفتحت على عوالم جديدة ..عوالم المعرفة...كان يحدث ان يصعب علي النوم واتارق لليالي متتاليات ..ويفسد مزاجي ويتوغل صدري واشعر بالرغبة في الانفجار ...فألجأ لاحتساء الشراب في فراشي بين اوراقي وملفاتي وخرائطي حتي يثقل راسي فانام دونما ان ادري كيف وما ان استيقظ ابدا في انهاء ما تبقى عندي من شراب واحاول ان اسافر مع الرغبة ..اكون في حاجة لان انفس قليلا عن جوعي وعن عطشي وعن صعوبة ان لا اكون جيدا في ذاتي ومع ذاتي ....

حبي كان لا متناهيا للورق ..للاقلام ..لامواس تقطيع الورق  ..للحبر المدادي ..لملفات الورق المقوى ...للجرائد ..للمجلات اللامعة وللصورها الملونة ...لعدد القصاصات المتراكمة امامي وانا اعامل الصحف والمجلات بمنتهى الحرفية وماض في تقطيع قصاصاتها وتاريخها وتوضيبها لتوزيعها على ملفات مفردة لكل واحدة او مجموعة منها ....

عشقي كبيرا كان للموسيقى للاغاني ..للصوت المرتفع الذي يهز كياني ويدخله في احلى سفر واستحضار ...

كانت ذاكرتي مصيبتي توقض علي الاوجاع وترجع لي صدى الايام التي خلت ..الايام العامرة ..الملئ..الحبلى باجمل الذكريات واعطرها واحبها لقلبي ...فتتسلل الدموع لتنهمر بصمت ودفئ وغزارة على خدي ..تسري الى ما بين عنقي ..تمضي لحيث صدري ..ويحدث النشيج ...وحرقة البكاء واعض على شفتي وفمي خاوي من الاسنان ...فقط هي عضة اسى او اسف او رغبة ...يحدث ان اشعر بانني اعاني ...بانني اتالم ..وان هذا اكبر على احتمالي ..

كنت استبعد العودة للعيادة النفسية لا اريد ان اقابل المعالج لسبب وحيد ،"لا اريده ان يلحظ ضعفي ..بعد أريده ان يراني قويا "..كانت دوما لي حججي عندما لا اريد ان افعل شيئا محددا ...كنت مقتصرا على زيارات اطباء الحراسة الليلية بقسم المستعجلات بالمستشفى الاقليمي ..وانا وحظي وانا وكيف اديت الدور واستطعت ان اقنع الطبيب بصرف دواء مهدئ لي ....

لا احمل هم الاتي من الايام ..اجلس في كنبتي التي هي سريري وفرشي الاوحد وابدا في معالجة ملفاتي مفردة ..مفردة ...صورة ..صورة ..حدث ..حدث...

الملفات تتناسل بين يدي بصورة عجائبية ولا ابالي بكم من الوقت عساه سيكفيني لانجز بنسب معتبرة كل متطلبات ملف وبطائقه التعريفية على حدى...لا ابالي مادم كل سعي المعرفة والتي لا اريد منها اي شيء اخر ..لا تنويها او اعتراف معينا ولا اي تقدير مخصوص ...انا على هذا المنوال احفظ عهودي على نفسي وامثل كامل وفائي للشخص الذي اردت ان اكونه ...

حتى لما انسحب لخارج البيت واعبر الازقة والشوارع لا اركز في الوجوه ولا اهتم باشكال الناس ولا ما عساها تحمل عيونهم عني حين تبصرني او تلمحني ...

بعد انا ذلك "العروبي "الذي يحب التسوق ما يلزمه بالجملة او بالقائمة ..لعلي جاد في قولها عالية اجتماعيا :" بعد انا اكفي نفسي بنفسي وبعد بامكاني ان اثير غيرتكم وحسدكم ..." اعني جيدا رسالتي ..لانني بكافة الاحوال وبكل تبدلاتي ما اسقطوا تعاملهم الاجتماعي السياسي معي وعليه لا يجب ان اغفل بانني كائن اجتماعي وعليه ان يمارس السياسة بدوره ورغما عن انفه ....

العدد الكبير من الناس الذين كنت على علاقة بهم اكاد لا اعرفهم ولا اعرف ما الذي حصل بيننا حتى افترقنا وحتى بتنا ننسى حتى إلقاء التحية الصامتة على بعضنا البعض ...

في البيت ليس هناك غيرنا ..انا ووالدتي هي تسال عني وتهتم بي وتوفر لي كل احتياجاتي ...لكن الاساسي منها عندي وما يلزمني بحق لا عهدة لها بان تعرفه لتوفره لي ...انا مهما صادقتها لااستطيع ان افصح لها عن كل ما يدور في ذهني وفي خاطري ..ومهما توسلت اللغة لا يمكنني ان احملها كل ما يعنني واعقله بالضبط ...اعرف ان هناك مستويات لاقف عاجزا على ان اقول كل شيء ولا لابوح بحقيقة مشاعري وما يكلمني ويجرحني من الداخل ....

لا اريد ان اشعر بالغبن الذي يتحقق داخلي كلما قابلت صديقا عزيزا على قلبي او قرات عنه قصاصة تذكره فيها...فانا عندما اساءلني كيف ومتى ولماذا حدث البعاد بيننا..اعرف دون ان اتبين كيف على وجه الدقة ..ان لا بعدا حقيقيا حدث بيننا وان كل الحادث والعارض اننا كففنا على ان نحدث مصادفات اللقاء بيننا ...وان الامر لا يعدوا ان يكون اتفاقا بيننا ..حتى يستمر كل واحد منا يدهش الاخر ويخلق داخله رغبة وامل في ان نلتقي ذات يوم ونسعد باللقاء ....

اقتنعت تماما بان لا مجال لي لاهرب اليه ذات يوم غير هذا المجال الذي يشكله بيتنا ..حينا ..منطقتنا ..مدينتنا ...ولا لزوم حتى للحلم في امكان وجود مكان ما ممكن ومتاح غير هذا ...لعلي في اسوا حالاتي النفسية اعتقد في امكان وجود مكان ممكن ما ..مكان موسوم بالحرية المقيدة او المحددة ..سجن ..مركز رعاية اجتماعية ..مرستان للامراض العقلية والنفسية ..مكان الجا اليه رحمة بنفسي من ان تتعرض للاشفاق والمهانة والذل الاجتماعي ...

عادت لي رغبتي في ان اسرح بالليل ..ان اخرج للشوارع وللساحات العمومية وللحدائق والافريز الساحلي ..رغبة يداعبني فيها الهواء العليل ونسيم الليالي الصيفية المحتمل والرقيق على القلب ...

تتلون عيناي بنبيذ احمر او شراب قوي او ببضعة حبوب مهدأة... فتتفتح لتعانق وهج المصابيح والوانها وبياض البيوتات وحركة بعض الباقين مثلي في الشوارع والازقة او مجرد العابرين الى اشغالهم او بيوتاتهم ...هل من سؤال وهل من جواب ...!؟؟لا اعتقد ...هو مجرد فضول عابر ينتهي عند كنهه انه كذلك وانتهينا ...وما يبقى يرتج بداخل كل واحد يكون همه الخاص ورغباته الخاصة ...وهل ممكن ان نلتقي في هذه الدائرة ؟!!..نعم ..هاهنا امكان متاح ...امكان قابل لان يلاعب عقولنا ويسرح بمخيلتنا قليلا ..مثل فعل الترويح عن النفس من ما يقلقها او يصطخب فيها على غير عادتها ...

اعاني بالجسد ورغباته ..اشعر بالسعار خصوصا لما اسكر واعرف ان النبيذ او الشراب القوي يخادعني يهبني رغبة ناقصة ...رغبة ملحة في ان امارس لكنني اعرف في ذات الان انه يسلبني فعالياتي الجنسية ومقدرتي ...وعندما اخرج اركب الانثى داخلي وابدا في التسكع كمدام بوفاري الشخصية الروائية الشهيرة ...اسائل الغواية ..افكر في تجارب "كجوال"  في فعل اي شيء يتحقق فيه فعل لذة ...ولا يهم كيف ....!!؟

عانيت بشكل جدي وعنيف مع من حاولوا حصاري بالاشاعات المعرضة والهجوم علي كمن يحاولوا اخصائي ...كانوا يضربون فوق الحزام وتحته وفي كل مكان ....وانا كان همي الوحيد ان لا اتاثر ..ان ابقى واقفا ..ماضيا في طريقي ...وان اعرف متى ينبغي لي ان اركب التحدي وافاجا واباغث بدوري واضرب متى بدت لي الفرصة مناسبة ....

احداث فبراير ٢٠١١ فجرت غيضي ..صباح ٢٠ فبراير كنت قبل التاسعة صباجا في انتظار ان يفتح محل بيع الخمور بابه بالقرب من السوق المركزي ..كان المحيط كله ملغما برجال الشرطة وسياراتهم وعرباتهم ...انا كنت احمل عددا من الصحف الاسبوعية والمجلات الوطنية زادي وصاحبي في جلسة شراب اريد ان اعقدها بعد القليل من الان 

عرفت بنفسي وبغرضي من وقفتي هاهناك كما تتطلبه الاعرف البوليسية والامنية ولم اقابل اي تحذير ..كنت ابادلهم التحية بالراس ومن بعيد وساعة تقضيت ما يلزمني من شراب وجعات وخرجت كانوا مدرين لي ظهورهم وعبرت من جانبهم دون تردد او وجل ...

كنت اعرف ان الاجواء متلبدة وان هناك ترقب وخوف من وقوع احداث هذا اليوم ....لكنني انا بعيد عن كل ما يعتمل في الشارع العام او في مؤسسات بعينها ...اتابع كل شيء بل وحتى الساحة المحلية لكن من خلال تحليل المعطيات الخبرية وتجميعها . ..كما اتابع الاحداث الدولية من خلال القنوات  الفضائية  الدولية...والقاهرة كانت متصدرة البث المباشر يومها ....

شربت وبكيت بحرارة وكان كاظم الساهر من لعب على اعصابي وهز مشاعري ...

نمت في حدود العصر وفقت بعد اذان العشاء بقليل ..نزلت الى الطابق الارضي لاعد قهوة سوداء لي ..فعالجتني والدتي بخبر ان الاوضاع بالمدينة مقلوبة بعضها على بعض وان اخي خالد اتصل بها وطلب منها ان تحذرني من مغبة الخروج للشارع ...

ثرت لم اتقبل موضوع التحذير من اساسه ..لكن ثورتي الحقيقية انني لم اجد اي خبر بكل القنوات المتابعة للاحداث تذكر ما وقع ويقع بالمغرب طيلة هذا الزوال وهذا المساء ...فحملت التلفاز وضربته مع الارض ليقع متكسرا ...كنت غاضبا وركبني السعار ...خرجت اتقصى الاحداث في محيط منطقتنا السكنية كانت الاغلاق سيد الموقف والتحركات الوجلة والمشبوهة لبعض المارة ومنهم من كان يحمل قطع اثاث على غير المالوف في مثل هذه الظروف وهذا الزمن من الليل ....

احسست بكثير من الشماتة وبانني معني بدرجة معتبرة فيما حصل والذي لا يمكنني حصره الان غير انني ممكن ان اتصور اشكاله ...لا اعرف ملابسات ما حصل لكنني افترض كيف حصل القصور وكيف خرجت الامور عن السيطرة وعن الى اي حد يمكن ترتيب الاوليات والمسؤوليات ....

بذاخلي كنت ممتعضا من تحركات اليسار الذي اعرفه والذين لا اعرفهم ممن التحقوا بافراد القبيلة الحاكمة بالمدينة ..ولم اكن راضيا البثة على سلوك السيد رئيس المجلس البلدي ايت سي امبارك محمد صديقي وواحد من ناس حينا ..كنت اجده متماديا في نزوع اناني برغماثي حد الشطط والجشع مما جعل الجميع يحدق فيه مليا ويحاكمه او يسائله ...وفي غياب جماعة داعمة متمكنة هي الاخرى فالسيد الرئيس لا محالة يقامر بكل مستقبله السياسي والاجتماعي خلال هذه الجولة...

المدينة فريدة من نوعها وتحمل تناقضات عميقة ومركبة داخلها ...انا كنت جد متحفظ كي لا انخرط في اي احداث ولو حتى بمجرد الظهور ..غير ان تواجدي في الشارع الذي يكون بمبرر معقول يصادف احداثا تقع اناها بشوارع المدينة او ساحاتها ...ولم اكن اذهل من انزالات الجماعات الاسلامية واحتشادهم لانني اعرف كيف هي تعبئتهم وعملهم الاستقطابي وسبق ان نبهت اليه في تقارير سابقة للادارة ...اما الان فانا ابعد من كل هذا ..مجرد مراقب لاغير ...

عندما اعود لخلوتي ولوحدتي اكون انا هو انا لست بحاجة لاية اوهام انفخ بها ذاتي واحول بها وجودي ...انا هو نفسي طارق الذي سلبته فنون الصحافة والتحرير والاستقصاء الميداني والذي يحركه اساسا هم ان يعرف وان يعرف اكثر وان لا يغفل اي شيء وكل شيء ... والذي يتجاوز الاحساسات باللاكفاءة او الفاعلية او اقلها اهماله وركنه جانبا من الادارة بعد كل الذي حصل بيني وبينهم ...

كنت مصرا على ان لا اتوقف ..مدفوعا بقوة غريبة للاستمرار وللمزيد من التكوين واعادة التكوين ...

مصدق في نفسي وفي مقدراتي اعرفني جيدا من اكونه وما بجعبتي ولا يهمني ان اكون طوال الوقت اعاني الاحتراق النفسي ...ومرارة البقاء في الظل وحيدا ..غير مرئي ...

التقينا ...ووجدتني على قدر يديها ولربما رات في صدقي مكمن ضعفي ..تمسكت بي وابت ان تذهب لسبيلها لعلي بدوت لها فرصة لما لا تستغلها ...وانا يسرت لها كل السبل ..ما عاندتها ولا لججتها كانت عندي الامور سيان لم تكن الانثى التي احلم بها لم تكن بسعة معرفة او ذكاء اجتماعي وسياسي ..كانت واحدة من القاع من الهامش وتحمل عنف واقعها وانا كنت مستعدا لاقبل مرافقة اي كانت لعلها تزيل القليل من وحشتي وتعيد الي فرص الحلم والرغبة ..فقبلت بها ...كان انتحارا اجتماعيا لكنني قبلت به 

واحد بتجربتي وبخبراتي وبالاربعين سنة التي راكمها في عمره من شانه ان يستسهل اية عمليات انتحار اجتماعي بل بامكانه ان يحولها الى انتصارات وذلك كان تصميمي ....

ليت سعاد امنت بانني ممكن ان اكون فرصتها لانها لوكانت كذلك لارتقيت بها بعيدا ولمكنتها من اجل المواقع واشرفها لكنها كانت مشكاكة وخائفة ومترددة وتجرب ليس الا ....ومن هاهنا نبع اول خلاف في التوجه بيننا وحدث الصدع في طريقنا ....


الأربعاء، 1 يونيو 2022

يوميات : عوالمي السرية..../ مابعد كورونا...حياتي الاسرية..

 ٥-الدوامة ...


كان عندي رهان مع نفسي ومع كل من حولي انني قادر على استعاب هذه الانسانة لجواري ..وانها لن تغلبني وسافعل فيها وساغير منها للافضل ...

سعاد التي عرفتها كانت تستحق ان احنوا عليها وان ارعاها بكل اخلاص ...

في الزمن الذي تورطت في قصتها وعدمت السبل لاضع حدا بيني وبينها كما يحدث في اي قصة تلاقى فيها اثنان وتشاركا رضائيا الحب بينهما بدون شرط او التزام وآن الوقت ليستعيد كل واحد منها حياته الخاصة بعيدا عن الاخر ..سعاد ابت الا ان تعود كل ليلة او على الاكثر مدة غياب يوم وليلة وفي صباح اليوم الموالي تكون تحث نافذتي تنادي علي باسمها .." سعاد..سعاد ..سعاد.."من جهة كنت اشعر بورطة وكنت افكر في ان لا استجيب لندائها ومن جهة اخرى كنت انتفض بقلق وخوف وتوجس لاريها من نافذة غرفتي انني سمعتها وسانزل لافتح الباب اليها ..وبسرعة تكون معي بغرفتي واكون كالمجاس اتفحصها جزءا جزءا واحاول ان استبين بداية هل من مكروه اصابها ...كانت تاتيني محتسية شرابا وسكرانة ومضطربة واحيانا تحمل اثار خناقة وضرب توجه اليها وتحكي عن شخوص لا اعرفهم كانت معهم وحدث ما حدث بينهم وانتهت جلستهم على لا خير وقصدتني لانها تعرف انني لا انام الليل بكامله وانني لا محالة ساسمح لها بدخول لتنام عندي ليلتها ....

في البيت لم نكن الا انا ووالدتي الكبيرة في السن وانا كنت مستقلا بسكن بالسطح غرفتين ومطبخ ومرحاض وتيراس السطح ...والدتي كانت توقرني ولا تطلب مني الا ان اوقرها وان احترم البيت والناس والجيران وان ابتعد عن الوقوع مع رجال الشرطة والامن والباقي تعرف انني شاب وصاحب تجارب وخبرات لكن المهم الوقار اولا واخيرا ....

كنت اتدبر امري ودائما ما احاول السيطرة على الاوضاع كي لا تتكهرب ولا تنقلب لضجيج او فوضى او حالات عنف ..كنت دائما اضبط التسلل للبيت ولمسكني الخاص دون ان اثير الانتباه واضبط جو سهراتي مع رفاقي او رفيقاتي ...

سعاد ..ولفت مني معاملتي الحسنة لها.. وصدقي في كل شيء معها ..وانا كنت اعرف انها في امس الحاجة في زمن البرد ولياليه هذه في منتصف نوفمبر ودجنبر الى بيت يأويها والى وجبات طعام ساخنة والى ما تحتاجه من دخان وغيره ...ولم يكن عندي من مشكلة في ان اقاسمها كل شيء حتى لباسي وفراشي ومصروفي لكنها كانت تطلب اكثر ..اكثر مما املك ..تطلب نوع سجائر بعينها ..تطلب ان اتدبر الشراب ..وهو ما كان يوقعني معها ..عبثا كنت احاول افهامها انني عاطل عن العمل وان مقدار مصروفي الخاص هو هذا ولا مقدرة لي كي اقترض او اتدبر ما يثقل كاهلي ويوقعني في مشاكل اجتماعية ..لكنها كانت تعرف كيف تضغط علي باساليب الحرب النفسية والمزاجية وكان يصعب علي ان ابقى معها تحث سقف واحد وهي لا تطيق ان تنظر الى وجهي ولا انا كذلك ...لا من ضعف مني كنت ارضخ لمتطلبتها ولكن بسبب انني لا اقوى على حالات التوثر التي كانت تقحمني فيها ..وكثيرا ما كنت ااكد لنفسي انها ستكون المرة الاخيرة التي ساسمح لها بالعودة عندي اذا ما صممت على الخروج ...

سعاد ...كانت تعاني من تعلق شديد بالشراب..كانت تاتيني منهكة وفي امس الحاجة فقط لتنام ..ولتنام مطمئنة ...معي كانت تعرف ان ليس هناك ممن سيأديها او يغافلها وهي نائمة كي يعتدي عليها ...لكنها ما ان تستعيد راحة اعصابها حتى يداهمها ذاك القلق الاصفر العصبي والمزاجي وشيئا فشيئا تنقلب حالتها مع انبعاث رغبة وحيدة في امر وحيد وبعينه ..الحاجة للشراب ..تصبح في اعلى درجات التوثر والتحسس والنرفزة وتبدا في الارتعاش وعدم الاستقرار حتى تقف لترتدي جلبابها وتطلب مني ان افسح لها المجال لتخرج وعبثا احاول استبقاءها او اطلب منها ان تحتمل قليلا وان تبدل ساعة باخرى وسيذهب عنها قلقها .. 

سعاد كانت تعاني متلازمة الاعتماد على الكحول ..وكانت اوضاعها الاجتماعية والاسرية مضطربة ونفسيتها مهزومة ولا خلاص يبدوا لها في الافق ..

كانت متذمرة وتشكوا فراقها عن ابنتها الصغيرة وعن امها وعن مشاكل مع اخ غير شقيق يقف بالمرصاد لها وهو من جعل حتى من امكانية زيارة بيت والدتها مشكلة وصعب ايجاد حل لها ...

كانت تلعن وتسب كل صاحباتها وعشيراتها اللواتي انقلبن عليها ونسين خيرها ..وتلك التي اخرجتها من سكن مشترك معها وصادرت كل لباسها ومتاعها ...

كانت تبكي بحرقة وحشة امها وابنتها وتلعن كل الزمن الذي اوصلها الى هذه الحالة ...كانت تحكي عن نفسها كواحدة غيرها الان ..كواحدة كانت تشتغل وتتدبر امورها وتعود الى بيتها ..والى والدتها التي تخرج معها  لتوصلها كل صباح لتقل حافلة نقل العاملات ...قالت انها ما كانت لترضى ان تذهب مع هذا او ذاك بمقابل لكن " الصحابات " كن يعرفن كيف يعيدونها الى نفس الدروب الخفية والى نفس الاسطوانة المشروخة ...

لم تكن تقول كيف كان يحصل ان تترك الطريق وتزوغ عنها ...لم تكن تستفيض في شرح ما الذي كان يحصل معها لكي تعود فتخرج من بيت اسرتها لتبحث بعيدا عن مستقر في محل مع الجيران او بيت تشتركه مع واحدة او لترحل مع واحد يتكفل بالصرف عليها وايواءها ...لا تقول كيف كانت تتدبر امورها المادية في الاوقات التي لم تكن تشتغل كخادمة في البيوت لانها في وقت اشتغالها بالضياعات او المعامل كانت تكون في حضن اسرتها بجانب امها وابنتها الصغيرة ....

سعاد لم تكن من نوع تلك البنات التي يستهويهن الحكي وتلفيق القصص واللعب على حبال الدراما ...كانت ما ممكن ان تقوله ..تقوله بكل بساطة وكما هو وبدون تنميق او تزويق في الكلام ..وما لا تتملك ان تقوله ..تصمت عنه ..

حياتنا في سكن السطح وبخفية كانت له نغمته الخاصة ..سعاد وهي تشاركني لباسي كانت تبدوا ذكورية وتمة لي بالاكثر من صلة ..انها لا تشبهني ولكنها تكاد تقول انا صنوك ..ندك ...

لم يكن هناك من نشاط دي بال يمكننا ان نمارسه لكننا كنا نحاول الاستمتاع ببرامج القنوات الفضائية وبالموسيقى وبالاسترخاء ..وكنا نتدبر تسللات من البيت لنخرج للشارع وللارجاء وربما اصاجبها لتعرج على صاحبة لها ....

كنت اعرف انها باتت معروفة من الكثير من ناس الحي وانه لا محالة سيصل الخبر للحاجة امي ...والحاجة كانت تعرف بطريقتها الخاصة انني اعيش متغيرات وكانت تراهن على ان هناك من يصحبني داخل البيت ..كنت الاحظ ذلك من كمية الطعام الذي باتت تتركه خاصة لي ..وحتى في المصروف الاضافي ما عادت تبخل علي ...واعرف ماذا كانت تطلب في المقابل ..."غير هنينا ..مبغينا صدعات ومشاكل وحريق الراس لي فينا راه كافينا ...."..

مشاكلي زادت مع قسم الاسعاف والمستعجلات بالمستشفى الاقليمي ..كنت كلما شربت اتحين اخر ساعة لامر على القسم وبطلب الحصول على مهدءات ..اراهن على وجوه الاطباء الجدد الذين لا يعرفونني واجرب حظي .. لكنني كنت اعرف انه كلما كثرة زياراتي للمستشفى الا وبت معروفا ومرصودا من رجال الامن الخاص وهم من كانوا يشبهونني ويتعاملوا معي كاي واحد مدمن سيء على الاقراص المخدرة ..طاقم التمريض بكامله كان يعرفني وكان يمكنني من حقنة ديازبام دون ادنى استشكال ..

كنت مضطربا وبقيت طوال الفترة التي التقيت بها بسعاد كذلك مضطربا ..من الفترة التي قدم فيها اخي وعائلته من فرنسا وتركونا عائدين الى ديار اقامتهم وانا وكما كل مرة افقد هدوئي وتناغم حياتي النفسية واعيش نفس الاحباطات واضحوا مكتئبا سيء المزاج ومتطلبا اكثر وبلا هدف واضح ...ومع هذه الحالات المتقلبة التي كانت تنتابني كانت تعاني معي الوالدة بحق ..اتعبها بطلب مال اكثر ..اجعلها متأرقة ويطير النوم من عيونها من كثرة خرجاتي بالليل وفي ساعات جد متاخرة ..وتصبح قلقة وخائفة ان يصير معي حادث ما ..مكروه ما ...

بعد كنت متضايقا جدا من الملابس التي حملها اخي لي معه من فرنسا كانت دون مقاسي او بالاحرى انا لم اكن في مقاسها لانني كنت قد تخنث قليلا ودون علمهم ...كنت انظر بحسرة لملابسي الجديدة والتي لا تصلح لشيء وعبثا كنت احاول التعديل من نفسيتي تجاه الامر لانه لم يكن باي حال مقصود ..لكن ما عساني اقول وطارق هو طارق صعب في احيان ان ترضيه ولو قدمت له كل ما يطلب وما لا يجرا على طلبه ...

سعاد باتت مستسلمة اكثر لقدرها العابر والجديد معي ..ألفتني بمثل ما ألفتها كنت استغل حالات هيجانها ورغبتها المجنونة في الخروج الى الشارع وادعاء الرحيل وهي لا تفكر الا في الحصول على القليل من دوائها ..علقمها وسمها الكحول ..لابدا معها سلسلة محاورات كانت تدوم لازيد من خمس وستة ساعات متواصلة ..اتحدث لها فيها واحكي واسرد تجاربا لي واواصل بالحكي عن ناس عرفتهم او عاشرتهم وعن خبراتهم مع الحياة ..واحاول بشتى الطرق كسب ثقتها بي وبنفسها وجعلها تقتنع بان لها بعد الامكان للاحتمال ....

كان يسعدني حالها لما تهدا وتنزع عنها جلبابها وتختار البقاء والاستحمال ...كنت حريصا على ان لا افاقم وضعها نفسي وانا مثلا دون نية فعل ذلك امكنها من مهدا لتنام او لتتجاوز عطشها للكحول ...غير انني كنت اشغل عقلي واجري تقيما خاصا للحالة وعليه قد ارى انه لا ضير من ان امكنها من حبة مهدا بينزودبازيبيني على انني كنت حريصا على ان لا امكنها الا من الجرعة المناسبة وليست التخديرية ...

كنت اساءل نفسي كثيرا بخصوصها واحاول ان ازيح عن ذهني الاوهام ..فاكيد انني لا اسعى لالعب معها لعبة المعالج النفسي او الطبيب لكنني بثقة بنفسي وببعض معرفتي وخبرتي المرضية لاستطيع لحد ما ان اكون مفيدا في مثل حالات سعاد ...

هل كنت انسج علاقة مرضية معها !!؟ انا نفسي اعرف انني متعب ومريض وهي كذلك لكنني انا مريض مزمن ولي تاريخ وسنوات طوال مع المرض حتى الفته والفني فهل من اسقاط في الموضوع في تعاملاتي معها ...لا اعرف واعرف في نفس الوقت بانني هكذا من الصعب علي ان ارى انسانا يتالم ولا اساعده ..من العسير علي ان اتجاهل من يطلب بشكل او باخر ان امد له يدي ان احاول انتشاله او مساعدته ...

مع سعاد وجدت الجزء الاكبر مما انا مفتقده وجدت الرفقة والصحبة والعشرة ..وجدت من يملا علي وحدتي ويهز عني قليلا غربتي ويحرك في قليلا رغبة الكلام والحكي والتنفيس عن مكنوناتي ...

لم اكن اضايقها بطلب اي شيء ..علاقتنا كانت متروكة لها كي تديرها وتقودها الى انى شاءت هي ...واحدة في وضعية سعاد اعرف تحسسها من موضوع الجنس والجسد يكاد يرادف عندها مفهوم الاستغلال وانا كنت اريد ان ابقيني خارج دائرة هذا المفهوم ...كان يكفيني ان اجدها امامي وعلى طبيعتها بجواري ...الباقي كنت اعرف انه فن في التواصل ولغة بمفردها ولا انا ممن يقبل المنة في هذا الباب ..الحب عندي حب وللجسد حرمته واسلوب خاص في التعامل به او معه...

في الايام الاولى امتنعت عن الممارسة معها حتى بوسائل الوقاية الصحية ..كانت مصابة بسفلس وكان يلزمها ان تتلقى علاجا ..ولما وضحت لها الامر رحبت به فتدبرت الدفتر الصحي والخروج معها لحيث المستوصف حيث اخدت الحقن الاولى وبدات برنامج التطعيمات الواجبة لصحة الام ...

كنا نعيش كزواج ..في اخر ساعة من الليل ننزل الى الطابق الارضي حيث ندلف الحمام سوية وناخد حمامنا معا دونما ان نثير ضجة او نتبادل الحديث كي لا تفطن والدتي بنا ...

في اخر الليل او في الصباح الباكر كان لسعاد ام تخرج لترياس السطح لتنشر ملابس الصابون انا كنت اوصيها بان تتجنب المقابلة مع الجيران لا لشيء الا تحوطا على خصوصيتنا ...لا نريد من يفرض نفسه علينا باسم العادات او الاعراف او القانون او يوقعنا في خدعة الامتنان والمحابات لكونها متستر علينا ....

في اول خرجة مع سعاد كنت مستعد لاتجاوز الاخر ..الاخرين ..لكنها هي من اختارت اسلوب ان نترافق متفارقين عن بعضنا وان امضي وكانني اتعقبها لكوني معروف في دائرة حينا ومنطقتنا السكنية وحتما سالفت الانتباه اليها او هي من ستفعل ذلك بي ....

بعدها صممت على ان نمضي بجانب بعضنا البعض بلا هم او اهتمام بالاخرين لانهم لا يملكون لنا شيئا حقيقيا ولان حال محاكامتهم جارية في كل ان ووقت وذلك حالهم اجمعين ونحن ما علينا الا ان نتحداهم كي نفرض حقنا في ان نكون مع بعض وان نتواجد في الشارع العام بكل حرية ومسؤولية ...

سعاد واجهت معي مشكلة عويصة وهي ساعاتي البيولوجية الغير المضبوطة بالمرة ووجودنا بغرفة النوم الصغيرة ومع الطقس البارد الذي يحول دون فتح النافذة بدات تشكوا من كوني اضايق نومها بالتذخين وكانت شكواها في محلها لانني كنت قد عشت الوضع المقلق والمثير للاعصاب في السجن لما كانت تصلني روائح ذخان السجائر فتربك نومي وتسعر رغبتي في التذخين وانهاء النوم تماما ...

سعاد استعادت حقيبتها من تلك التي صادرتها لها وابت الا ان تطردها لخارج مسكنها منتقضة الاتفاق الذي كان بينهما ...

تخلصت من الكثير من توتراتها في الشهرين الاولين لها معي لكنها بقيت بذالك الحنين لان تشرب ولما كنت اسايرها فاتكلف واتدبر من هنا ومن هناك ثمن المشروب ونبدا في احتساءه سوية كانت تثمل بسرعة وتتفوضى علي بل اجدها عدائية تجاهي وبدون ان اعرف السبب في ذلك ...ثم من جديد ينقلب مزاجها الى اكتئاب ودموع وشجن وتبدا سيرتها الرثائية عن امها وعن طفلتها وعن العائلة التي تنكرت لها وعن ما دفعوها اليه وعن ما تعانيه بسببهم كلهم ....وتتحول جلسة شرب كنا نقصد منها خلق وبعث جو طيب ومرح ومؤنس بالشرب الى اوبرت صاخبة في مقامات وشجية في اخرى ومثيرة في التالية ..وتفسد جلسة الشرب تماما فهي تريد ان تحتسي بسرعة وحالما يبدوا ان الشراب سينتهي تبدا في التفكير في الخروج وفي عزمها على ان تتدبر زجاجة اخرى وانها ستعرف كيف ستحضرها ...وانا اتوسلها بان تخفض قليلا من صوتها وصخبها وان تراعي بانه يصعب ان اسمح لها بالخروج وهي ثملة لا تكاد تقف على قدميها حتى تبدا في الترنح حد امكان السقوط ارضا او الانحشار في الاثاث ...وعبثا ابدا في توسلها وهي لا تزداد الا اصرارا على ان تكمل الشراب ...ولكي انهي الفوضى تلك اتكفل انا بحل المشكلة جزئيا ..اترك لها ما تبقى من شراب لنا لها لوحدها واخرج بعد ان اغلق الباب من ورائها ..واقصد ابناء الحي لاقترض منه مبلغا بسيطا او دكان الحي ومرة قصدت منزل ابن عمتي عائشة ..ومرة مكتبة كنت دائم التبضع منها ومرة محل الاسطونات الموسيقية الذي كنت زبونه الاوفى  ..المهم كل مرة اجرا وفقط واتدبر ما اتبضع به مجرد كحول صناعي رديئ نخلطه بالماء او الليموندا ونشربه ...

كان يلزمني ان ابتلع عددا من الاقراص المهدئة على تنافي ذلك مع ما شربته من شراب كي اثبط اي حرص اجتماعي يخجلني او يربكني على ما انا مقدم عليه ..وفي نفسي يتولد احساس عنيف بالغبن من هذه التي تصحبني والتي ستدفعني نحو ارتكاب اكبر الحماقات في حق نفسي وامام كل من يعرفني ويقدرني ...

لم تكن عندي تجربة معاقرة خالصة للكحول الصناعي الرديئ لكنني بالتاكيد خضتها كتجربة وقتية وخضتها على اساس انها تجربة استكشاف ومعرفة لا غير ...ولكنني ها انا اجد هذه تعيدني لالعبها وعلى نحو مذل وسخيف وفي الكثير من قلة العقل والتمييز ....

كانت تصبج نادمة ومريضة لا تقوى على النهوظ من الفراش ولا على تناول اي شيء ومن اساي اخد ما تبقى من كحول ممزوج بالماء وابدا في اجتراعه مند الصباح وانا كاره نفسي والحالة التي بات بوعي او بلا وعي منها تريدني ان اصلها ...

اخترت ان اساعدها على تجاوز محناتها لا لاسقط معها في محنات اكبر ... 

الأحد، 29 مايو 2022

يوميات : عوالمي السرية ..../ مابعد كورونا ...حياتي الاسرية ..

 ٤-هجران عنيف ...


هكذا كانت حسبتي ...مرت ازيد من اربع سنوات ونصف على انفصالنا ...لم اكن اتقصى اخبارك ..لم احاول ولو مرة ان افعلها ..غير انني دائما وانا اقطع الطرقات وبشوارع المدينة واسواقها عندي ذاك الهاجس بانني قد اراك ..قد اقابلك ..قد تقع عيني مع عينك ...

تعبت ...عندما انتظرتي خروجي للعمل وازلت الجبس عن ساقيك وقدميك وخرجت متسللة من البيت ولما وصلت منزل الوالدة هاتفتني لتبلغيني انك هجرتني وانني لا استحقك وانني ....وانني وانت وانت ....وما لا عدت اعرف كم من الكلام قلتيه وظللت ترديده ...

تعبت من الاسئلة ..تعبت من الحاجة التي دعتني لاجمد نشاطي بالشارع "تجارة الفراشة "

واحزم سلعتي واخزنها وان اقبل بعرض اخي الكبير بان اساعده في اعمال صباغة وتشطيب ومراقبة العاملين ببيته وكان يقصد اساسا ان يبعدني عن الوحدة والعزلة ومجرد التفكير فيما وقع بيننا ....وكان بذلك يؤمن لي ان اكون بعيدا عن اي مكان كان لسعاد ان تصلني به خصوصا بعد كل التهديدات التي قالت بها ...نعرف كلنا انها لن تصمت ولن تنهد وستحاول ولمرات ان تستفزني في الشارع العام لعلي امكنها من ما به ترفع قضية اعتداء عليها ..وفي ادنى محاولاتها ستلجا لي دوما لكي تجبرني على ان تاخد مني مصروفا .." تكريسني "  بلا واجب حق وتحث طائلة انها ستحيح علي  ان رفضت الرضوخ لمساوماتها ....

عانقت قنينة الخمرة الرديئة سعة لتر ونصف والتي اممزجها باليموندا وبدات استعملها كرضاعة اطفال وانا حبيس الفراش ..اشرب منها واشرب حتى يغفلني النوم فانام ...لاصحوا من جديد عليها ...كنت لاغيب استعمل حبوب "اتراكس ٣٥مغ" واحيانا جرعات من محلول "كلسي برونات " او "دوغماتيل سيروا"...واستمر في الشرب ..لا شهية عندي للاكل او بما لا اعرف كنهه اسقطتها من حسابي واكتفيت بالنزير والقليل كنت اريد ان اتخلص من كثافة جسمي ..كنت اريد النحول والخفة في سفري هذا ...

لم يكن سهل علي بالمرة على كل ما كنت اتصوره واتوقعه ان يكون الفراغ قاتل وان يكون الاستتراك اشبه بالجحيم ...اعرف انني الرجل ..لكن الا يعني هذا انني بدوري انسان وكائن اجتماعي ومن حقه ان يحزن وان يكتئب وان يشعر بالضياع وان يعاني في المحصلة من الالم النفسي والارق والاكتئاب ....؟!..

سعاد ..كانت شريكتي والتي لا يهمني كيف كانت تنظر الي .." سهل الانقياد وسهل ان تتحكم به وتتلاعب بعواطفه حتى .. " لانني كنت مقتنعا بانه ما ان ينوجد عيب او نقص فينا او خلل في تركيبنا فسيتم استغلاله الطرف الاخر ..وهي كغيرها من حقها ان تسعى وتحاول معي ان استطاعت الي سبيلا ..

كانت شريكتي بالحضور ..بالمرافقة ..بالمصاحبة ..كانت لكل الوقت بجانبي حتى ولو لم نكن على وئام وود دائم  بيننا ...كانت مصممة على ان تكون حاضرة بجانبي تلحضني وتراقبني وتتحين فرصها معي ...

وفجاة ..او دفعة واحدة تقرر ان لاتفعل امرا حقيقيا للبقاء معي وتختار الابتعاد وكان لها ذلك دون ان تاخد  الوقت الكافي لتفكر كيف سيكون حالي بدونها ...!؟؟.

بعد كنت غير قادر ان اصدق ان ما حصل حصل كما هو.. كما يقولون او لا يقولون.. كما اتفقت الرواية عليه ونتداوله نحن ..ام انه لاسباب معينة حدث الاتفاق على ان نتدوال ما حدث على هذا النسق ..لنقل اتفقنا على تزيف الواقعة لسبب معقول ...

اصعد لسطح منزلنا اظل ادور حول السياج الذي اقمناه فاصلا يحول دون ان يتسرب كلبنا الاسود العزيز "برونو " لسطح منزل جيراننا المجاور ...اتفقد السياج والفتحات التي اقيمت فيه ولسبب من الاسباب اراها غير عملية وانها صعبة حتى على سعاد  المرور السلس لسطج المنزل المجاور لنا عبرها ...انظر لعلو طابقه اجده عاليا وليس دنيا بالمرة ..والارضية التي يقف عليها صلبة لامجال للمناورة ...واشعر بالقشعريرة والامتعاض ..كيف جرات على تحاول الهرب من هناك ..وكيف اقدمت على القاء نفسها من كل ذلك الارتفاع ....!!؟

انا تركتها على الكنبة القريبة من باب صالة جلوسنا الواسعة ..كانت تحزم راسها بخرقة حزم المحاربين رؤسهم ..كانت مكفهرة الوجه متألمة من الالام اسنانها حيث وقعت بعض اللكمات على وجهها بعد ان تجرات لتمد يدها لوجهي مستعملة اظفار اصابعها لتصيبني بجراح وندوب على مستوى الوجه والجبهة والعنق وهو ما اغازني جدا واستفزني لاقسى درجة لانني فهمت منه ومنها انها تحاول توثيق الحدث على خارطة وجهي واشهارها للعلن ...كانت امي التي لا تقوى حتى التحدث دونما تهدج وتعب واضح والتي صعدت درج سلم الطابقين بمشقة وصعدتهما كمن تحبوا هي المريضة المزمنة بالالام المفاصل وامراض الشيخوخة ..تدعوني وتتراجني لكي اترك سعاد ...تقولوا لي باركا عليها بارك عليها المسخوط خليها عليك ....انا راضية عليك اولدي متضربهاش ...

ابعدتها من يدي واخدتها للكنبة وجلست بالقرب منها تلتقط انفاسها وهي تقول لنا :"غذين تقتلوني ..غدين تصفيوها ليا ....احرام هد شي لكتديروه في بعضكم ....

نزلت لغرفة الطابق الاول لاقفل الباب علي واحاول الاسترخاء بالتدخين ...كانت كل حواسي متوقظة تتابعها ..لا اعرف ما عساها يمكنه ان تفعله ...نزلت واغلقت باب البيت الرئسية بالمفتاح وصعدت من جديد لانظر لحالها واسالها ماذا تريد ..وكانت تطالب فقط بان اسمح لها بالخروج وهو ما كنت ارفضه على الاقل الا ان يبزغ الصباح ...

بعد نصف ساعة او حولها اسمع استغاثة..وعثقوا الروح ..واعثقوا الروح ...انهظ جاريا من مكاني اصعد الدرج ابحث عنها في الغرفة ..في السطح ..في سطح الجيران ...لا اجدها ..اعود لاتتبع صوت استغاتثها ..اتبين انه من خارج البيت ...انزل مسرعا درج الطابقين افتح الباب بسرعة امضي لاخر الطوار والتفت لارها تحاول الحبو وتجر رجلها بصعوبة ...اقصدها اسالها ماذا فعلت بنفسها ..ماذا كانت تنوي ان تفعله بنفسها ....اطلب منها حملها لداخل البيت ترفض وتستمر في الحبو باتجاه الشارع ...امي خرجت ...والسيد مقدم الحي بدوره تقدم منا واخد يراقب الوضع ودونما ان يوجه اي سؤال ...كانت سعاد تتالم وتشير لرجلها ...رجلي تهرسات ...امي رجلي تهرسوا ...قال لي مقدم الحي انها في حاجة لسيارة اسعاف سالته رقمها ودخلت لاحمل الهاتف واتصل بهم وكذلك فعل هو ...في تلك اللحضات وصلت هي للشارع كانت تلبس قميصا شبيا خفيف  ونهديها يبرزان منه وترتدي سروال نوم خفيف بلا سليب من تحته من نفس اللون ..كنت احاول مساعدتها على الوقوف واطلب منها الرجوع للمنزل ولكنها تعلل رفضها بان قدميها متكسرتين ..في هذه الاثناء وصلت سيارة الاسعاف ونقلوها بها ..توادعنا انا والسيد مقدم الحي، عون السلطة وشكرته من جانبي ودخلت للمنزل صعدت غرفتي دخنت عدد من السجائر الواحدة تلو الاخرى وانا تحث وقع اسوا صدمة..ثم تدثرت بمعطف ثقيل حيت كان درجات الحرارة جد منخفظة انها ايام راس السنة الميلادية ..وطلبت من والدتي مبلغ ٢٠ درهم لعلي احتاجها في حال اخدوني عناصر الشرطة الى مركز الديمومة للاستماع الي وان افرجوا علي يكون بملكي ما اقل به سيارة اجرة...قلت للوالدة فيما بعد ساخبرك بكيف تتصرفين مع الكلاب في حال كنت ساغيب لفترة من الزمن ...كانت تنظر الي ولا تناقشني   انا الان لست متاكدا من اي شيء ومفتوح على كافة الاحتمالات . .المهم لا تنزعجي مما قد يحصل معي في اسوا الاحتمالات ...وادعي لي ...لانه ينبغي ان الحقها الى مصلحة الاسعاف والمستعجلات والمفروض ان اكون بجانبها ولا اعرف ما يمكن ان اقابل هناك ...

عانقت والدتي حملت المزيد من السجائر وتوجت راجلا الى حيث مستشفى اللامريم ....وجدتهم قد ارسلوها لقسم الاشعة لتاخد صورا لقدميها وساقيها .. لحقت بها لهناك ..ولما خرجت من القسم كانت ترتجف ونادتني باسمي طالبة مني ان ادفئها ..خلعت معطفي الثقيل ووضعته عليها ..كانت تطلب مني ان ابقى بجوارها ..عدنا بها لقسم المستعجلات حيث اقر بوجود كسر واكثر وبضرورة ان تاخد سريرا استشفائيا بجناح النساء لتتلقى العلاجات ولتتمكن من ان يفحصها  اخصائي العظام وجراحهم...

سعاد كانت تشكوا من البرد اكثر فاكثر ومن الالم ..الممرضة المناوبة شكت لي عدم وجود مواد تسكينية بخزانة الجناح وطلبت مني ان احاول مع ممرضي غرفة الاسعاف والاستعجالات ...وقصدتهم وعدت بحقنتين ..كانت سعاد تتحدث للممرضة وماسمعته منها شيء على اننا نهددها ونستقوي عليها وهي لا تعرف كيف تتصرف ....

عدت للمنزل وحملت لها بطانيات وملاية ووسادة كان النهار قد بزغ وابتدات الحركة تعج بها المستشفى الاقليمي...كنت قد اجريت مكالمة مع والدتها مي السعدية وقلت لها ان سعاد بالمستشفى وقالت لي بانها سترسل من وراء اختها الكبرى باصيلا وسيأتون معا ...

لم يكن هناك اي تدخل للشرطة ولا من طلب قدمته سعاد تطلب فيه حضور الشرطة ولا طاقم التمريض وجد من ضرورة ان يقوم بدلك الاجراء ...على كل انا كنت مستعدا لكل الاحتمالات ..كانت معنوياتي في الارض وكذا مشاعري ..كان كل شيء متساوي عندي ولا اي فارق معي يشكل ...

عدت لاشرب قهوتي بالبيت ولادخن وعقلي منجبس علي لا اكاد المس اي ترتيب للاحداث كيف وقعت ولا ما هو ما فلت من بين يدي فاوصل الامر الى هذه النتيجة ...اصبحت في غاية التلف لا افهم كيف حصلت الامور وهل فعلا هي من اسقطت نفسها من الطابق الاول لمسكن جيراننا ...او الا يكون انا من حملتها واخرجتها لجوار البيت بعد تعنثها واصرارها على ان تخرج الان وفي التو من هذا البيت .  والكسور كيف وقعت لها ..ربما ليست هناك كسور كل ما هناك رضوص فقط ....ومع كل هذه الاسئلة والاستفهامات انا ما بين المصدق ان هذا حصل وانه لم يحصل او ليته لم يحصل ...وهنا تبلبلت كل مشاعري ....

بعد ارجاعها للبيت ومكوثها معي لازيد من شهر ونصف كلانا كنا مريضين ومتعبين ..هي كانت مكتئبة وانا اعاني "كرب ما بعد الصدمة " (PTSD)..ولما رحلت تفاقمت الحالة معي وبت اكثر سوداوية وحزنا واغترابا وضياعا ..كان كل شيء سعيت لبناءه بجانبها قد انهار ...والبرنامج الذي داومت عليه لزهاء ثلاثة سنوات انهار بدوره ...وعاودني الخوف والقلق على نفسي وفقدت القدرة على ان انام مما كان يجعلني كل ايامي اعاني الانهاك وسوء المزاج واضطراب المشاعر والرغبات ...

ثلاثة عشرة شهرا وانا على هذه الوضعية اشرب بشكل مستمر لوحدي وبالفراش ..اعيش الفوضى والاغتراب لا اعرف كيف يمكن ان اقيمني من جديد ..ان اجعلني انهظ مجددا وافكر في المسير واستمراره ....

وطوال هده الفترة لا خبرا يصلني عن سعاد ....



الخميس، 26 مايو 2022

يوميات : عوالمي السرية ../ مابعد كورونا..حياتي الاسرية

 ٣- البحث عن المصالحة ...!؟


لست في حاجة لان اقرا ما خلف خطابك ولا لكي افهم دواعي قول اي شيء او كل شيء مادامت  اختلفت دروبنا ..او فشلنا في ان نصنع نقطة الالتقاء ...!!؟ ..

حيحتي ...كنت اعرف ان ذالك منتهاك ..بكامل الرعونة تهدين اي جسر للتواصل بيننا وتسدين الباب التي انفتحت امامك بكل سعة وترحيب ...

عمرتي راسك وجيتي عوالى على خزيت ...تدركين جيدا انك الخاسرة قبل ان تفكري حتى في المحاولة ...خسرت قبل ان تعلينها علانية امام كل الناس الذين ايقضتيهم من نومهم لتفرجينهم في ..ناسية انك ستكونين الفرجة ..من سيهتم ..ومن سيتجاوب معك ..تعرفين مسبقا ان الصمت سيكون كامل جوابي عن كل سفالتك ...

لن اعاتبك اعرفك ضائعة ..اعرفك تبحثين عن اي سبب وجيه او مقنع يساعدك على الخلاص من كل عبئ حياتك التي لم ترضيك قط او  فقط لمجرد سويعات ...سويعات تجرعين فيها بضع كؤوس تشعرك بالتعاطف مع نفسك ومع بعض من العالم وليس كل العالم الذي خاصمتيه ونسيت حتى لماذا ....!!؟.

سعاد ..عبثا تقاوم ..مجبورة على ان تعاند الى اخر رمق كي لا تسقط او تنهار قصتها ..لا يمكن في لحظة ان تجد كل الذي ادارت له ظهرها وناصبته العداء كان مجرد خطء كبير وفادح ...

عبثا ظلت تبحث عن عائلة هي من رفضت الانتماء اليها او بالاحرى هي من تمردت عليها وخرجت عنها ...الواقع انها كانت صغيرة بعد على ان تاخد اية قرارات ..لكن الحاصل هو ما وقع وتتالى ...وكان الليل وويل الليل وكانت الكلاب الضالة والذئاب وكانت القسوة وكان الاذلال وكانت كل انواع المرارات وكان الشارع الخالي والبرد والجوع والخوف ...وكانت سعاد التي لا تملك ان تعود للخلف ..كانت التي فقدت ان تكون طفلة وان يكون لها بيت وحضن دافئ يسامح ويغفر ...

اذكرها وهي تجفل من النوم مرتعدة صارخة .."وامي وامي ..."..كنت احس بها غير قادرة على ان تتظاهر طوال الوقت بانها قادرة على ان تتجاوز كل مخاوفها وبانها فعلا تعاني وبعمق ...

تلك التي احببتها ..تلك الانسانة الحقيقية ..الصادقة في مشاعرها الغير محتاجة لان تفكر في حيحة تعيد برمجتها وتشغل اليات دفاعها عن نفسها حتى وهي تعقل جيدا ان كل ما ستفعله لن يساهم الا في تازيم موقفها ..لكن من يبالي ..وهي من هم لهم تغدوا ولا من بيت استطاع في يوم ان يشعرها بانه بيتها ..ولا من حاضر مهما راق جوه ودام امكنها الاطمئنان اليه ..لقد صدقت في اللعنة ..

صعب ان تعيش متوجسا..خائفا..مرعوبا..والاصعب ان تعلق امالا كبيرة على غد سياتي ولا ياتي ...

من اجل نصر في معركة واحدة تخسر كل الحرب لان الحرب ليست معركة واحدة...سعاد ارادت اعتبارها وعدمت بدون ان تعي الطريق لنيله ..من جديد وكما دائما كانت تلهت وراء السراب لانها لم تصدق ان ما حصل، حصل..وكان يجب ان ينتهي عنده..ما كان يتوجب ان تعلق فشلها على اي احد ..وهكذا من اجل ان تستمر الحياة ..ما كان يجب ان تفكر كثيرا ...

لست في حاجة لان امسك قصة ماثرة او مقنعة لادافع عن الحق في ان اكون وان اوجد ...

تعرف جيدا انها مضطربة وكفت على ان تلاقي نفسها وخائفة من ان تختار الانسحاب ...

لا اعرف لماذا كنت مصرا على ان اتلقفها ولا ادفعها نحو السقوط ...كانت سهلة امامي ..قادر على ان اتخلص منها مثلما تفعل هي بدون لحظة تردد او مراجعة للنفس ...لكنني اخالني كنت اريد ان اعرف فعلا كيف تراها تعاني ..ما الذي تعانيه ...كنت اريد طريقا لاستوعبها اكثر ..ربما باصرار ان لا اخسر المعركة معها ..ربما بانانية ان اجعلها ممتنة لصدقي وتقدر بعض نبلي ...كنت مستعدا لان اخسر اشياءا كثيرة من اجل ان اجعلها تصدق انها اختياري ..وانني راض بنصيبي ويحق لي ان اكون سعيدا به ...لكنها تابى الا ان تذكرني بنفسي زمن العناد والمكابرة ..زمن التلف والانهيارات العصبية ..كانت مستعدة لان تخسر كل شيء الا وفاءها لنفسها ..كانت مستعدة لان تصدق في كل ضلالتها لكي لا ينهار عالمها ...

صدقت في انها ضحية ولن تقبل ان تنازع في ذلك ..والسبيل الوحيد لاقناعها ان تشاركها اوهامها الخاصة جدا وان تضمحل امامها لتحل هي مكانك ..لتبتلعك كي تكون هي ..وهي فقط في كل معادلة الزوجين او الشريكين او العشران ...

بكل بساطة لم يكن بامكاني ان اسايرها تكفيني عللي النفسية وامراضي ..لا يمكنني ان اقبل ان اكون مجرد وعاء ..او نحو شكل مجرد ..وقلتها بصراحة ..لو كانت تقدر على امتلائي لما همني ان تكون هي النبع وانا المستقر ..او تكون هي كل الوهم الذي تضج به دواخلنا ..لكنها لم تتملكني ولا غيبت كامل وعي بانني حتى انا في حاجة لان اكون ولان انوجد ...



الأربعاء، 25 مايو 2022

يوميات ...عوالمي السرية .../ مابعد كورونا ..حياتي الاسرية ...

 ٢- احقاد الماضي..


لازلت استحضر نصا قصصيا لمحمد الشريف الطريبق نشره بجريدة العرايش التي كنت اديرها بعمود بالصفحة الاخيرة ..وكان يتحدث عن تلك التي تحمل حقيبتها واشياها وتخرج برغبة ان لاتعود لغرفتها ولسابق حياتها بها وبعد رحلة تقف فيها بافريز الاطلسي تعود من جديد تحمل حقيبتها لنفس الغرفة وكل شيء يقول داخلها انها ستعاود الكرة مرة اخرى ....

هي ذي سعاد رغم انني اخليت لها رفوفا بالخزانة لتضع ملابسها واشياءها الخاصة الا انها ظلت مصرت على ان تحتفظ بهم في حقيبتها..حتى لما تصبن قطعا من ثيابها تعاود وضعها بذات حقيبتها ...براسي يصدع صوت مغني الراي المغربي "محمد مسكر "ويطلق اغنيته :داير صاكي فوق كتافي وباقي نعرف بحق الرجال  ...."،

اخاطبها من بعيد ودون ان اوصل لها افكاري او صوتي ..."الا متى ستظلين تحملين قطعك وبعض القليل من ممتلكاتك البسيطة والفقيرة فوق كتفك وتفكرين دوما في الرحيل والرحيل ...!!؟ الى متى ستاجلين ساعة الاستقرار وتحطين متاعك الارض وراسك الارض وترضين بواقعك ...؟!..

بعد سعاد هي سعاد بعد تتوعد بانها ستنال حقها من كل الذين ظلموها وتعدوا عليها ..وانها لن تسامح ابدا في كل من اداها من قريب او بعيد ...

اذكر بحنية "امي السعدية " وهي تسخر من سعاد دون ان تقسوا عليها في ذلك ..."هزا قرنك كي العقرب ..."

سعاد طيبة بلا حدود و"درويشة "غير انها بالاضافة الى ذلك "عافية "

مر الزمن بسعاد دون ان يمكنها من ما اردته بشدة ..وما اردته هي بكل قوة وعنف ان تعيد الاعتبار لنفسها وان تنتقم من كل من احتقرها في يوم او سخر منها او قلل من اعتبارها او حاول محاصرتها وفي هذه تستوى كل ساكنة جماعتها القروية "الساحل "..وكل عائلتها وبعبارة ادق كل من يعرفها او عرفها في يوم من الايام ...لعلها تنتظر ان تتحول الا غيرها الا انسانة اخرى بلا كل ذلك الماضي الذي يعقلونه عنها ..او لعلها في حاجة لان تنسلخ من كل ما يذكرها بذلك الماضي وبتلك الشخصية التي يعقلونها عنها ....

تقول جادة انها لم تكن كذلك في معظم ايامها بل كانت تشتغل وتلتزم البيت بالشهور وتصرف عليه وتعول والدتها ...لكن لا تعرف كيف "المساخيط ديال السوحليا كيعودو يدور بها ويخرجوها الطريق ..."...

عاشت متمردة هذه هي حقيقتها الاصلية ..تمردت وهي بعد صغيرة على كل اوضاع واعراف القرية ومحافظتها ..كل الذي كانت تستوعبه يتلخص في ام تشتغل لتعيلهم تشتغل في المعامل ..في الحقول ..في اي عمل ومن اول الصباح الى اخر المساء لتاتي قوتها وقوت ابنائها ...سعاد حاولت ان تفهم ولعلها لم تفهم تماما كيف ان لها ثلاثة اخوة ذكور واحد توفي وكل واحد منهم من اب اخر ومن اب توفي وانا حتى هي لا تعقل والدها المتوفي السي المختار ...

والدتها التي عايشت ثلاثة ملوك حكموا المغرب للان حدث ان تزوجت باربع رجال وولدت مع كل واحد منهم وكلهم وافتهم المنية ..اربعة ذكور واحد منهم توفي وترك بناتا من صلبه والذكر الاصغر له اخت لها ابناء واحفاد ولكنه ليس الاخ الشقيق لسعاد اصغر العنقود ومن اخر زوج تزوجته الوالدة ...

الاخ الاصغر الغير الشقيق ودونما ان تفصح في شانه الكثير تناصبه اشد عداء ..تحكي حكايات مبعثرة عن طفولتهما معا وعن حوادث كان يعترض سبيلها ويسابها ما تتحصل عليه من اجرة عمل قامت به ...

لكن الطريقة التي تتحدث بها عن اخيها هذا منفرة ومبالغ فيها فهي ترميه باقدح الصفات وتنعثه بالانتهازي وبالاناني وبالنصاب و....كما تحاول توجيه اتهمات ملتبسة له حينما تقول "انا بسبابوا خرجت من الدار ..."...

في احد اعترفاتها لي قالت لي انها منذ صغرها كانت تطمح لان تخرج شيخة ...وبانها كانت منبهرة بحيات الشيخات وبجراتهن على ان يذخن جهرا كما الرجال ....

تتحدث عن طفولة نزقة عاشتها وعن ميولات كانت تركبها لتقاتل الاناث والذكور من اقرانها وعن تحراميات كانت تفعلها ..سعاد لم تدخل يوما فصلا دراسيا او حتى كتابا تعلميا ..قالت لي انها استفادت لما كبرت قليلا من دورة تدريب بالمعهد النسوي على الخياطة والصوفة 

تتحدث عن فترات كانت تصحب والدتها لتشتغل بجانبها في معامل تصبير السمك وفي معمل تعبئة قنينات الكوكاكولا ...

وتتحدث عن فترة سافرت لتعيش عند خالتها بمدينة القصر الكبير ...لكنها لا تقول اشياء كثيرة عن حياتها ...كل الذي تستقيه منها ان علاقاتها مع اخيها بمنزل الوالدة هي من اوصلها لكي تاخد القرار بان تخرج نهائيا من بيت الاسرة وتخرج على نظام العائلة ....

سعاد الان جدة لصغيرة اسمها "افنان" تقول بطريقة لا احبها منها عن ابنتها "حنان " تزوجت شهر ونص وجبت الكادوا (الهدية) وجات ..."

سعاد على انها ليست راضية عن مال بنتها الا انها داخليا كمن حصلت على الخلاص الذي يرضيها خصوصا انه يهبها الحق الان في ان تقول ها لماذا انا كنت رافضة لهذا الزواج وها لماذا ابعدوني انا امها عن زواج بنتي وفعلوا بها ما شاؤوا وهاهي النتيجة الان ...غادين يعطوها للجبل وميقلولهاش حتى تشرب اقراص منع الحمل المساخط ...خرجوا على البنت ..دعوا بهم لله معمري نسمحلوهم والنهار لغذي يجي بيدوا غذي نوريهم شكون تكون هي سعاد وعلياش انا قادة ....

الأحد، 22 مايو 2022

يوميات : عوالمي السرية ...مابعد كورنا حياتي الاسرية ..

 ١- الثقة...



تكبر داخلي هذه الرغبة في اجراء هذا الحديث ..في التكلم .. في قول اشياء واشياء تظل حبيسة بذاخلي وتتحرك بعنف ..تريد الخروج ...خارج كل سياق ما كنت احكي واسترجعه..ربما لان لا علاقة لها بذلك الماضي القريب او البعيد ولكنها مرتبطة بحاضر هذا الوقت ...بهذا الحاضر المبعثر كما هو دائما ..

وحدتي قد لا يكون اي جديد فيها ومهما حاولت استحضارها كانها معانات ستبدوا مجترة وقديمة ولا شيء فيها مستجد ..دائما كنت كذلك في معظم لحظات عمري ..كنت وحيدا ..وماذا بعد !!؟..

الزمن خاص ..زمن يهرب من اي التزامات ولا يريد ان يخضع لاطار يقيده او يخصه ...زمن اكون فيه ويسعني لا يهم نهارا او ليلا ولا اي ساعات منهما ولا ما عساه يكون اليوم وتاريخ اليوم ...

زمن بلا ذاكرة مهمة ..لا شيء يستحق ان يوضع حكاية او يقص عنه..

زمن غالبية وقته استرجاع ..ارتماء في تفاصيل الماضي البعيد وبعض من الماضي القريب ..

زمن كل الشخوص فيه غير حقيقة الا بمقدار ما كانت وما لم تتبدل فيه رغم كل امتداد زمنها وتاريخها ..

اعرف انني لن احي ولن اميت اي من شخوص ذاكرتي وقد لا افاجا بان ارفض وان احاصر متى سجل علي تطاول على تلك الذاكرة التي لا تخصني انا وحدي ...

لا ابالي بان اوضع بين معقوفتين وان يحسب علي انني امارس فضحا غير مقبول اجتماعيا ..لانني ما كنت لاهتم بنشر غسيلي ولا غسيل اي احد وجل ما ابتغيه ان اتخلص من ذاكرة قد تتعفن ولا تحكي اي شيء والاهم ان لا تملك ان تقول كل ما كان يجب ان يقال ويحكي قبل ان تضمحل وتضيع كالهباء المنثور ...

لم اكن قاسيا في احكامي ولا متطرفا في نظرتي للامور فقط حاولت ان اكون صادقا مع نفسي ومع من حولي حتى وان لن يرقهم حالي ولا حالهم كما تناولته من زاوية نظري ومن تمام حرية رؤيتي ...

"سعاد " اخدت الفرصة التي تستحق ..الفرصة الثانية ..فرصة كاملة بلا سابق احكام وبلا تدابير اختبارات وكشوفات تقيمات ..فرصة تامة لها كامل القوة لكي تنهي وتطمس التجربة السابقة التي كانت بيننا والتي انتهت على ذلك النحو الكارثي والدرماتيكي..وتاسس بالمقابل لزمن جديد يجمعنا ..يوحدنا ..يقربنا من بعضنا ..يديب اي خلافات بيننا ..يوصلنا فعليا للحظة المصالحة الخاصة ولتاسيس السلم والعيش الممكن مع بعضنا ...

كانت مغامرة من طرفي ..مغامرة بحق ان ابدا مع واحد انا اعرفه جيدا واعرف لحدود بعيدة نسبية امكانيات تغييره لكن ما كان مقبول ان الغي فعل اننا نتطور ونتغير ما دمنا في تفاعل مع الحياة ومع الناس ومع ظروفهما...

كانت مغامرة ادرك انها قد لا تسلم جرتي معها وانها قد ترتد فوق راسي ..لكنني كنت مدفوعا وعلى نحو واعي وصريح واخر غير صريح ولكنه واعي هو كذلك لاخضها ولاعيشها كتجربة عيش جديدة وبشكل كامل بدون ان اضع سقفا محددا لنهايتها ..النهاية ليست شاني ولكنها قد تاتي كنتيجة منطقية وموضوعية وعندها لا محالة من ان اتقبلها واعمل بها وانتهى ...

كان يلزمني اطار اطرح فيه المغامرة لكي لا تتحول مهزلة تجرني الا ما لا يحمد عقباه ...

من قبل اخد القرار كان نص روائي لنجيب محفوظ يطاردني بشدة ويفرض حضوره بقوة على فكري وذهني ..كان عمله الموسوم ب"حضرة المحترم "يجثم على فكري ..يمارس رصدا فوقيا علي ..وكل الذي كنت اردده داخلي بانني لن اعيش روايته بل اريد ان اعيش روايتي ...

ما كنت لاقبل ان تدخل حياتي وتخرج منها متى شاءت وتعاود الكر كذلك ودون ان تحس بانها مطالبة باي تفسير او تبرير منطقي ...

هذه المرة كانت مصممة على ان تلعبها خارج قواعد الزواج والعشرة والمساكنة الشرعية رفضت ببساطة ان تترك الكوخ الذي تكتريه في عمارة سكنية مقسمة بيوتاتها على عدد من المكتريين منهم المتزوجون ومنهم المطلقون ومنهم الاعزاب ...كان منطقها هش لا يستقيم ..ان الدعوى بانه يلزمها ان تتحوط وان تترك لها مكانا خاصا به تعود اليه لانها تعبت من ان تدور على بيوتات الاخرين وكل مرة يخرجونها الى الشارع ...قالت ان لا امان اضحى لها ...وانا لعلي افهم ان سابق انكسارها ودوران الدنيا عليها زعزعز الثقة بنفسها ..افقدها قدرتها على ان تركب التحدي كل ما من مرة وان تبدا من جديد مهما كانت الظروف التي تقابلها ...

سجلت كامل رفضي لهذا الوضع الشاذ وقلت انني لن ادعمه ..اما ان تكون معي او لا تكون ...خصوصا ان مجال بيتنا واسع ولا يكلفنا اي اجر وما من يطرق باب بيتنا طالبا باجرة او حق لديه علينا ...

ابت ان تترك كوخها لتقيم بشكل رسمي معي كما ابت ان اخبر اخوتي بانني اعدتها الى البيت وانني من يتكلف بكل مصاريفها ومصاريف البيت 

من جديد تمادت في الخروج لعالمها لحيث صاحباتها واحياءهم ونشاطاتهن سواء في البيع على ارضية الطرقات والشوارع وعادت لجلساتهن ولكوؤس الخمرة وسجائر الحشيش ولقصصهن وحكايتهن وعادت لتاتين لتطرق باب مسكني وهي سكرانة وفي حالة متدمرة وقد صرفت كل ما كان بحوزتها من مال قليل بل وتاتي وقد تعرضت لسرقة هاتفها ومفاتيح باب كوخها وباب ومسكننا وما كان معها من نقود ...بل وتاتي وقد تعرضت لمحاولة اعتداء بالضرب لما خرجت عن طورها وهي شاربة الخمرة تسب وتلعن كل ناس السوق الذي يتوسط حيهم ...

يعز علي حالها اعرف انها كبرت في السن واخدت تشيخ تجاعيد تجد مكانها تحث جفونها ..اما فمها ففي حالة كارثية من الدمار ..اسنان مكسرة وصفراء واخرى سوداء واخرى اخلت مكانها وحتى شفتيها اضحت بجلدتين جلدة متسخة بسواد وصفرة الدخان مغطاة باخرى ..ما زالت بنفس الحدبة الخفيفة على ظهرها وجسدها يشكوا من سوء التغدية .ما من نهذين ممتلئتين ولا ردفين ...كلها على بعضها في حاجة الى ترميم والى اعادة تاهيل ..بالاضافة الى الكسرين الذي تعرضت له على مستوى القدمين والقصبتين والذي وان وقفت منه عليها فهي لا زالت تعاني الالم والتعب بسرعة ولازال اسفل قدمها يتذمل ....

قبل ان نعاود الاتصال ببعضنا بعد وفاة والدتي كنت اعرف انها اشعلتها معركة مع اهلها مع كل العائلة ووصل الامر باخيها من والدتها ووالدتها ان قدم بلاغا وشكاية بها لمصالح الدرك الملكي بدعوى تهديد اهل بيته بتصفيتهم جسديا وقد قدموا تسجيلات بذلك للمصالح الامنية .. 

كما علمت بان حتى ابنتها حنان هددتها بان ان لم تترك ساحتها وتنساها فهي بدورها ستوصلها الى الدرك والمحكمة معها ...

وكل القصة حسب روايتها هي تدور عن باي حق يزوجون بنتها دون حضورها ودون علمها ودون مشورتها ....

وجدتها هي هي لازلت تجتر ويلها لوحدها وتوجد الاسباب ايجادا للاتتغير بل لتبقى بكل الحقد الذي ياكلها من الداخل ويمتص دمائها ويعكر صفوها ويفسد علاقتها ...

هالني حالها وشكل وجهها وتعنتها بعد لا تريد ان تصدق الا ما تصدقه هي وان كان لا عقلا يقول به ولا نظرية تدفع به ...

ضيعت كل صاحباتها القديمات وابتدات مع اخريات بنفس الاستعداد لتضيع اول واحدة منهن لن تنسجم مع افكارها او خواطرها او جنونها ...

ابتدات معها تاركا لها حرية القرار واتخاده ..قالت يلزمني الوقت لاطمئن ولاقرر ..قلت خوديه لكن بحساب لن يكون بامكاني ان احتمل ان تضعيني في اختبار دون ان اضعك بدورك في نفس الاختيار ...ثم عدت وقلت ..صعب سعاد ان نبدا حياة جديدة نفتقد فيها كلينا لاهم عنصر الثقة ..

الجمعة، 1 أبريل 2022

يوميات : عوالمي السرية.../فصل مطول...استرسال الحكي والسرد / ابن التاسعة سنوات..


 ننسى لربما لنحاول ان نبدا من جديد.. ننسى لربما كي لا نجبن من الاستمرار في النظر للوجوه التي خدلتنا باستمرار وتلك التي تمنت ان تمحونا وببساطة شديدة لتعيش هي فقط وتبتسم هي فقط... ننسى لاننا قد نفزع من حقيقة ما عشناه ورايناه منا ومن الاخرين.. لاننا قد نتمكن من هول ما وقع ان نفكر جادين في وضع نهاية لكل ذلك ولكل وجودنا... ننسى لاننا لا نملك ان نظل نفتكر كل الذي حصل ونتصرف وكان لا شيء حصل.... 

لا اعرف...(وان اعرف تماما...!) كيف كنت اتحمل ان اصحوا في الصباح وان افطر وان البس ثيابي.. وان امضي الى المدرسة وان اتصرف وكان لا شيء حصل معنا.. وانني طفل عادي وكذلك ها انا امضي.. واسير... واجلس طاولة الدرس واحمل حقيبتي... واعود للمنزل... وان ذلك والدي يحضر طعامه بنفسه ويعد لجلسته لوحده مع قنينته وذخانه وموسيقاه... وان تلك امي منحنية بقلة صبر واضحة تخيط ملابس زبنوناتها... وان تلك القادمة وهي تحاول رسم ابتسامة على محياها.. اختي الصغيرة التي ستقبلني على خذي وستحاول مداعباتي بجملة ما ثم ستكمل طريقها الى الداخل وكان كل شيء يمضي وفق ما مقدر له ان يمضي.. وانه بلا شك مجرد يوم اخر مثل اي يوم اخر في حياتنا العادية... مهما كنت احاول تقليب الاشياء لا ارسوا على اي فهم يقنعني اننا بالفعل نعيش حياة عادية... لم اكن ابانها افهم شيئا عن الحياة الخصوصية... وخصوصية الاخرين لااول كل شيء يحدث معنا وبيننا بانه نمط خصوصي بنا واكيد انه لا ينبغي ان نشبه الاخرين في كل شيء.... لا كانت عندي قناعاتي الصغيرة التي تجعلني اميز بان ما يصير معنا ليس عاديا بالمرة ان يصير مع اي اسرة.. واننا باليقين لسنا اسرة سوية مهما حاولنا التظاهر.. ومهما ربث كل واحد منا على كتف كل واحد منا وابتسم في وجهه... 

كان على كل واحد منا ان يخلوا لنفسه لبعض الوقت او لكثيره ليعيد استعاب ما الذي يحصل معنا ويعدمنا الاحساس بان الحياة الى حد ما عادلة معنا واننا نستحق ان نعيشها على نحو ما نفعله... كان البيت يصمت لبعض الوقت او لكثيره.. ليوم ليومين ولربما للاكثر من ذلك لنستعيد شيئاً فشيئا بعض الحركة وبعض الضجيج الذي يعطي نفس الحياة للبيت... كان يلزم وقت كي نعاود القدرة على النظر لوجوه بعضنا والقدرة على بدا حديث صريح... 

انا كنت اتعطل... يحدث ان اصاب بالخلل... اكذب على كل واحد فيكم لو قلت او ادعيت بانني من ساعتها اعرف كي امضي او اسير ولا كيف للوقت ان يمضي سلسا كاي وقت... كنت اتمنى لو امرض واتعب تعبا شديدا وانتهي بلا حركة طريح الفراش وانعم قليلا باهتمامهم قبل ان انتهي مودعا الحياة وساعتها لعلي قد لا احرم من رؤيتهم من حيث لا يرونني هم وانظر لكم كانوا يحبونني ويفتقدونني.... كنت اتمنى ان امسي في خبر مر من هنا... كان وانتهى...  

لا اعرف ما الذي كان ينكسر بداخلي ويصيبني بالذهول والحزن وبلا رغبة في فعل اي شيء...

كان العالم يبدوا لي كبيرا جدا بحيث لا مكان لي اصلا فيه ولا حجم لي عليه...بانني لا شيء...مجرد طفل قلق..يعاني باستمرار ضائقة وجوده في مثل هذه الحياة...

كنت انظر الى ثيابي اجدها قد تكون تليق اكثر من تلك التي يرتديها الاخرون من حولي وان هناك من ينظر الي شزارا لانني ابن هذا واننا...واننا...واجدني انني حتى بالافضل منها لا اريدها ولا اريد لي مثل تلك الاحساسات بالهزيمة والضعف والرثاء على نفسي وعلى حالنا... 

لم اكن اعرف انني اسمم اكثر باحاديث الوالدة وشكوها المستمر والمزمن من حال والدنا معها ومعنا..لكنني كنت اتعرض باستمرار لاعدم احساسي بالتوازن واشك بانني قد اكون فتى عادي مثل كل الفتيان....

احساس بانني مفضوح..وبانني منظور لدرجة ملفتة للانتباه دون ان اعرف كيف يحدث ذلك ولا لما ينتابني...

احساسي بانني مهما راوغت وادعيت فشبه الجميع يعرف بانني قلق ومشتث الذهن وخائف وبلا ثقة في النفس...

خوف مستمر من الاخرين على نفسي...اخاف ان يشتم خوفي حتى من الاغراب ومن البعيدين عن محيطي وعن من من يعرفون ما يحصل معنا....

رغبة خفية في ان انهمر بالبكاء..ان ابكي وابكي حتى يصبح الامر بلا معنى وانتهي على مزاج اخر...

تحسس من الضوء الذي يتسلل من النوافذ المشرعة على الخارج..وتحسس من العيون التي يمكن ان ترصد تحركاتنا بالداخل ويمكن ان يصلها صوت تحدثنا وتحركاتنا..

وتحسس اكثر من ساعة غروب الشمس وقرب دخول الليل ومن ضوء المصابيح الاصفر الشاحب..تحسس يثير الاعصاب وينبه المخاوف والتوجسات..ما الذي يمكن ان يحدث الليلة كذلك...؟!.

لا معنى لاقف اكثر على ناصية طوار بيتنا او حتى لاجلسه...اعرف انني انا ووالدي من فضلا بالبيت وان الوالدة بعد لن تعود وان اخوتي نادرا اذا ما كانوا لم يعدوا قبل هذا الوقت ان يدخلوا البيت عما قريب....

اعرف ان الوالد يتابع وقوفي مرات ويتقصى وجودي من نافذة الطابق الاول 

قد يحدث ان يناديني الوالد ليهبني قطعة طرطة البيض بالجمبري ونصف كاس ليموندة كوكا كولا...وقد يهبني نقودا..مبلغا محترما قد يصل الى خمسة دراهم مما سيجعلني اخرج قاصدا وسط المدينة عند اول مكتبة لاقتناء مجلة او كناب صغير وانني لن استبقى حتى قطعة نقدية لاقتناء زريعة عباد الشمس لالبلبها ولا فولا سوداني...لا احب عندما اكون وحدي ان امضي كالمتسكع امضغ لبابا او فولا سودانيا...ثم اعرف ان والدتي حتما ستمر هي واختي بشرى في جولة لوسط المدينة لاقتناء مستلزمات الخياطة وقدرا من الزريعة والكاوكاو والحمص المقلي...

واعرف ان ذلك سيفرحني لكنه في نفس الان سيحزنني لان السيد الوالد يريد ان يقول بذلك اسمح لي او اغفر لي لكنه لا يجرا على قولها صريحة وانه بذلك يبلبل مشاعري نحوه اكثر وسيجعلني من جديد افكر فيه وافكر في ما الذي يحدث معه حتى يتحول على ذلك النحو الفضيع والعدواني..وافكر في اسبابه الخاصة التي جعلت منه والدا لنا على هذه الشاكلة...افكر وكل همي ان افهم..ان املك فهما له فهما يسعفني على تلمس الاعذار اليه واسامحه وانسى كل ما بدر منه الا انه والدي ولا يمكن ان يكون الا يحبني لانني ابنه...

مصيبتي انني اعرف انه لا يمكنني الا ان احبه وان التمس له آلاف الأعذار لاتقبله على ماهو عليه لا أقل ولا أكثر لانه في كل الأحوال انسان مثلنا رحلة حياته اخدته لهاهنا واصبح هكذا ...!؟؟علي ان اتقبله وابحث عن أي سلوك فيه يعجبني واقدره منه لاقتنع بانه يلزمني ان احبه....كان علي ان اعدل مرارا وتكرارا من نظرتي اليه ولا احتفظ منها الا على ما يعجبني او يسير تقبله منه كصورة له احملها معي ....كنت اعرفني واعرف انني علي ان العب معه لعبة الحب كما هي ودون اخد مواقف جاهزة او معدلة سابقا ...وكنت مصرا على ان العبها بإتقان لسبب بسيط وهام جدا لانني على كل حال في حاجة لوالد بجانبي لمن يلعب معي هذا الدور ..كنت أعي ان تطوري يلزمه حضور هذه السلطة ومرجعياتها المجتمعية كي اتجنب الصدام والتهميش والحصار او التغييب...لكنني لم اكن افهم الا على نحو بسيط يقول بأهمية الوالدية ودورها في صناعة الرجل والكائن الاجتماعي المتوافق مع بيئته ....ووعيتها  على النحو الاخر الاقتصادي البناء فأنا في أشد حاجة ليعيلني ويهتم بحاجياتي المادية على رعايته النفسية والسلوكية...وفي حاجة نفسية-نفسية لاتصالح  مع نفسي ومعه دون ان اترك للصورة المشوهة ان تطغى وتفسد علاقتنا وسلوك بعضينا نحو بعضينا ...

كنت اعرف بانه يعرفني جيدا واختبرني دائما وبسهوله يستطيع كشف مشاعري نحوه وما يقلقني وكنت اعرف بانني لا املك ان اخادعه لانه سيكشفني ولاكون صادقا نحوه وامامه علي ان اتصرف على نحو متسامح معه وان التمس له الاعذار باستمرار ...لا يمكن الا ان انتهز فيه وارفض التعامل معه ....

كنت اتجنب الاصطدام معه خصوصا في ساعة تعكر مزاجه في ساعة الاستيقاظ من النوم او في ساعة يبدوا من الموسيقى والاغاني التي يستمع إليها مكتئبا او حزينا او بلا طيب خاطر ...وساعة يطلب مني ان اتركه لوحده لانه يريد ذلك ....وكان علي ان احافظ على ابداء احترامي له مهما كان موقفي من سلوكه يظل هو الكبير وهو الأصل وهو السيد الكبير ..والدي ...

كنت بنوع من السكونية والاستسلامية اتقبله على ما هو عليه لسنا نحن من نختار من يكون والدينا ولا واقعهم الذي اوجدنا نحن ...واتقبل ان هذا حالنا المادي وانا  هذه هي كل امكانياتنا وانا حتى وجهي في المرأة هو كما يبدوا لي عليه لا صنيعة لي فيه وإنما هم من اوجدوه على تلك الشاكلة ....ربما كنت اتمنى ان اكون على حال اخر وبفرص وحضوظ أخرى لكن الواقع يبقى واقعا....  

كان علي ان ابدل جهدا كبيرا لاسوي الصراع داخلي ولاركن لجانب من السلم والسلام الداخلي يسمح لي بان اتقبل ايامي وتواجدي في دوائر الحياة ...كان علي ان ابكي وابكي خيباتي حتى اشبع من البكاء وان اتارق طويلا وان افكر كثيرا حتى أوجد لي فسحة استعيد معها هدوئي الخاص وابدا في تقبل الأمور والاوضاع والأشياء من حولي ...  

الايام لا تمضي كما نشتهي معظم الأوقات لكنني اتقبل القليل الذي تجود به من الهدوء وان اظل على حذري ..لا يمكن ان اطمئن للايام وهي دائما ما تخدلني وتهز مني يقيني بأنها ممكن ان تعطف علي وتدعني اعيش بسلام...

كنت اتقبل فكرة انني بعد صغير وان العمر مازال كله أمامي وانه لن ينتهي على ذات الوتيرة التي يمضي بها الان ...او لعلي فقط كنت امل في الفكرة ان تعدل من مزاجي ومن طعم الكآبة التي يسيطر علي خصوصا لما ابقى وحدي وذلك كان معظم الأوقات حالي ...

كنت بما لا أعتقد أنه طبعي او ميلي ابقى لوحدي حتى بت اانس حالي واقنع به ..احاول ان اسيطر على زمني الخاص بان اهتم بشؤني الخاصة وان ابحث دوما عن أشياء أفعلها..اشياء تستوعب تركيزي وتدخلني عوالمها..وكان يحصل ان انتهي بان لا أفعل شيئا سوى ان اختلي بنفسي واسرح بخاطري وخيالي واراجع ذاكرتي الحديثة واعيد ترتيبها بحسب ما يطيب ويحلو لي ...أقف مطولا عند أحداث بعينها ..عند صور حبيبة على قلبي ..عند احاديث استحضرها بلذة غريبة وممتعة ...أقف عند ذكريات عزيزة علي ..ذكريات سفريتنا الى طنجة ..ذكريات جمعات ببيت الجدة ..لحظات بالشاطئ الصخري القريب الى جهتنا السكنية ..بعض الذكريات التي كان يحضر فيها عمي محمد وهو يجلس الى والدي ويعاملنا بحنو وبمحبة خالصة ..ثم أغرق في استشفاف عوالم الغذ ..واسافر مع احلام ظاهرة وجلية المعاني لي ربما لأنها تحمل الكثير من الشوق والرغبة في التواجد قريبا من الاحباب والأقارب والأصحاب منهم في أماكن وفضاءات مغايرة لجو بيتنا والقلق الذي يعصف به ..اتمنى بكل بساطة ان تمر السنة الدراسية سريعا وان اخلص من الكدر الذي يرافقني كلما تذكرت بأننا بعد في بدايتها ويلزم صبر طويل والكثير من الاحتمال لما يفوق طاقتي الصغيرة بعد على بدل كل ذلك الجهد وغير المبرر الا برغبة في الاستمرار والبقاء على ذلك الحال ..الاستمرار بعناد حين لا خلاص يبدوا قريبا في الافق من كل ما يضجرني ويشفيني ويعرضني للاضطراب والاحساس بالمرض وبانني لست على ما يرام ... 

اخدت استقل اكثر بنفسي عن محيطي وكوني بلا صاحب او رفيق دائم لي إذ حتى رفقة المدرسة لا تناسب فيها إذ يظل من كنت تفضل ان تصاحبه ليس من يصاحبك ويتقرب دوما منك ومن تستمتع بمجرد الدنو منها والتلفض ببعض الكلمات أمامها وبحضورها ليست من في الواقع تتقرب منك وباستمرار وبما يشبه المطاردة ...ورفاق الحي ليسوا رفاقا مخلصين في أغلب الأحيان إذ بمجرد ما تكبر اللمة ويحضر جماعة منهم حتى تسترك وتهمل من من كان لوقت قريب ملتصق بك ويحلم معك وبانتظار  العمل مع اي اقتراح منك ..المهم ساعتها انه كان يريد رفقتك ومؤانستك ..والان أتى غيرك والافضل منك بالنسبة له ...ومن كان يراعيك له ان يتحول ليتنمر عليك بمجرد ما يبدأ الامر الاخرون معك ..على ان الاهل وتبعا للعلاقات مع اندادك وأبناء الحي من اقرانك يبدأون في تفضيل التعامل مع هذا دون ذاك ويمنعونك من مصاحبة من يرون هم انه قليل التربية او لا يحسن التصرف والسلوك العام ... ويتم التشديد بخصوص من يدفعونك لتتعارك معهم..وكلما تدخل الاهل كلما قلت فرصتك في تكوين علاقات مع أبناء الحي وكلما فاتوك لوحدك أو كمن يعمدون لمحاصرتك ...

انا لم اكن فتيا كما قد يخالوا ذلك ..كل ما هناك انه كان علي ان اكون مراعيا لاداب السلوك ان لا اتصرف ببداءة وان لا أتحدث بسفالة وقلة حياء وان انوء  بي بعيدا عن أساليب التنمر ومضايقة الاخرين صغارا كانوا او كبارا وان لا اتصرف بعدوانية او اسلك سلوكا  تخريبيا يمس ممتلكات الناس والآخرين..وان احافظ على ظهور بسلوك عام محافظ ومهدب ومقبول اجتماعيا ..كما أنه كان علي ان اتجنب الشجار والعراك  والسباب واللعان وان لا اخدش الحياء العام بما اتلفض به ....وان لا ابتعد بعيدا عن دائرة الحي دون ان اخد اذنا من اهلي بذلك ...كان يمكن ان اتصرف ببعض الخشونة وببعض المكر لكن في حدود لا تلفت انتباه الاخرين الكبار لنا ...كان يلزمني ان احافظ دوما على الانطباع الذي يكونه العامة عني والذي ياهلني لاتصف بحسن السلوك وبالمهدب والمربي ..وهو نفسه ما كان ينعثه الباقية من أصحابي واقراني بانني " ابن ماما   " او يجعله الاخرون نعثا بانني "خروطو"..وبان سوقي خاوي ....وأحيانا يتبعه وصم اجتماعي جنسي فيقولون عني بانني "مبنت "...

"مبنت" كانت تلصق بي صفة ونعثا لامرين اثنين كوني اخالط بنات الحي صاحبات اختي وصاحباتي كثيرا اصاحبهم دون ان اتخلى على لعب دور الذكر بحضورهن ودونما ان اتمادى في معاملتهم من خلفيتهم النوعية الجنسية وإنما كاصحاب كاصدقاء وصديقات مقربات....  ولكوني احضى باهتمامهم وتفضيلهم لي وهو ما كان يحرك غيرة الاخرين الذين يهاجمونني ويلصقون بي الوصم اياه "مبنت " 

انا لم تكن في حركاتي اي تماهي مع حركات وأساليب الفتيات والبنات ولا في لباسي اي ميل او شبه بملابس الاناث ولا في طريقتي كلامي تفضيل للتحدث بانوثة او غنج او اي اتباع لطرقهم في لوك الكلمات والنطق بها ...كل ما هناك انني كنت اشاركهم جلساتهن  ومحادثاثهن  واصاحبهن في طريقهن لقضاء غرض للبيت او للسخرة او لزيارة صاحبة في حي سكني خارج دائرتنا السكنية ...على انني في ساعات كنت استمتع معهن بلعب دور الأنثى من قبيل التفكه والسخرية والتطبيع بيننا ....

البنات لسن سليطات اللسان خصوصا في علاقتهن مع الذكور ومراعيات للود اكثر من الذكور ومكايسات وحنونات وديعات ويتمتعن بحس مرهف ويهتمن بك شخصيا بهندامك وحسن لباسه وترتيبه عليك ومعهن لا شجارات ولا عراكات...   

في القرب من البنات امتاع وراحة وحس بالانسجام وما ممكن الخوض فيه معهن غير ما يخاض مع الذكور..

البنات في الغالب نظيفات الثياب والحالة ويتحدثن بصوت منخفض ومراعيات للأدب العامة ويبدين كامل الاحترام للكبار وعلى عكسهم  يحاول الذكور ان يبدوا عنيفون .. صاخبون..همجيون الى حد ما..غير مراعين في كافة الأحوال للأخلاق وللاداب العامة والسلوك العام الى حد قد يكونون فيه جناحين ويمارسون النشل والسرقات الصغيرة ويعتدون على الملكيات الخاصة والمنشاءات العامة بالتخريب وتلويثها بالقادورات ..يزعجون راحة السكان بقصد وبغير قصد..بالإضافة إلى العنف والاعتداء على بعضهم البعض دونما اعتبار او احتساب لما ممكن ان تتطور  اليه مثل هذه الاعتداءات...

انا حتى مع رفاق المدرسة كنت حريصا على ان لا ألفت انتباه العامة بسلوك شائن قد اسلكه ولا حتى بمرافقة من يبدون من هندامهم اولاد سوق ومتسخين وغير مراعيين..

عالم الذكور عالم يمتاز بالعنف والعدوان والتنمر لكنه ليس عالم الذكور كلهم هناك من أحسن تربيتهم وتاديبهم ومتخلصين من تلك الطاقة الميالة للعنف .ويحسنون التصرف وغير مأديين للاخرين ولا معتدين على ملكيات الاخرين ...

وضعت لي حدودا خاصة واراحني كثيرا عدم اهتمامي بلعب كرة القدم ولا ايجادتها من الانتساب لفرقة صغار أبناء الحي لكرة القدم ولا في ربط علاقات مع كبار الفتيان واليافعين الذين ينتظمون هم الاخرون في فرق ويلعبون مع فرق أحياء أخرى بيضاء غابة اولمبيكا ...وان عدمت هواية لعب الكرة الأكثر شعبية فلقد عدمت ام الألعاب وأهمها وأكثر من يلتف حولها الصغار واليافعين والكبار...

انا كنت احب ان اجري قليلا ..ان العب كرة التنس ..ان أجرى مباريات "البي " ان العب الورق ..وان اغني وانشد الاناشيد وان نتحاكى وكان ذلك يخلق لي قمة النشاط والمتعة والانبساط ...كما كنت احب ان اتسكع في الجوار برفقة ما ..مجرد تسكع نرى فيه الناس والمحالات والأشياء ونتحدث في اي شيء قد يلفت انتباهنا..  

لم اكن  بحاجة للباس او حذاء رياضي ولا لي لأن اتظاهر مثلهم بمشية جد خاصة وبحركات مميزة..

كنت أغلب الأوقات هادئا وقد اصخب في غمرة الحماس والنشاط والجهد البدني المبذول..لكنني منتبه للاخرين ومستعد لان ابدي كامل انضباطي اذا ما نسيت نفسي وحدودي العامة...

كان ياخدني الفضول لما اراهم جماعات ..فرقة لهم اهتمام مشترك ويجمعهم حماس واحد ورغبات واحدة واتابعهم ..اراقبها.. احاول ان افهم المشترك بينهم وما يوحدهم ويجعلهم احيانا يتصرفون كعصبة واحدة ويدخلون في مناوشات مع عصبة حي اخر ...

وحده الفضول ومحبة ان اعرف عنهم اكثر ليس ان اكون بينهم فأنا لا يستهوني نشاطهم ولا ينقص ذلك من ذكوريتي في شيء...كنت اعرف الحد الفاصل بين النوعين ..بين الأنثى والذكر وابدا ما وجدتني برغبة او تفضيل لان اكون أنثى بالعكس كنت احس ذكوريتي وفي الاعيبنا وحينما نتماسك ونتجارى وتدافع ونتماس يحدث ذلك اللقاء الجسدي الذي يعزز في ذكوريتي وينفخ فيها بمثل ما أشعر بانوثة الأخرى شريكة في اللعب اياه...ونتبادل التلميحات الجنسية والنظرات  الفاضحة بيننا ولا نخجل كثيرا من بعضنا البعض ..نعي ونستوعب في حدودنا حتى نوع العلاقة التي يمكن ان تجمعنا وتجمعنا ....

لم يحدث في كل مراحل طفولتي ان كرهت نوعي ..جنسي ورغبت في ان اكون أنثى بدل الذكر الذي اكون...كنت  متوافقا مع نوعي وسعيد بذكوريتي...وحتى في الاعيب دعني أرى وترى..بين اترابي الذكور لم اكن مبتاسا لحجم ذكري بل كنت مفتخرا بانني املك حجما لاباس به  ..

اضطررت لاخد مسافة من اختى الصغرى ومن صاحباتها لانني كنت أشعر بانني اكبر ولكي لا تضطرب نظرتي وعلاقتي بأختي الصغرى بالأساس اعرف وتعرف اننا كنا متالفين ودائما ملتصقين ببعضنا ونمتد لجوار بعضينا وننام بالقرب من بعضنا البعض ..كنا أخوة صغار وكنا نحاول اكتشاف المختلف عند بعضنا البعض وكانت لنا العابنا الخاصة لوحدينا ومع جماعة صاحباتها ...لكنه مع ازدياد وعينا وحسنا ومعرفتنا الجنسية نبدا في اخد مسافة من بعضنا البعض ربما كي لا نثير سوء الظن ولربما للانفقد احترام بعضنا للبعض...لكنها تبقى اختى وابقى اخاها الذي يعانقها ويقترب منها ويقبلها ويمسك بها وتمسك به ....وأحيانا تشعر بثوتري وبرغبتي فيها وقد تتقوى فيها هي الأخرى ونغافل بعضنا البعض محاولين تحقيق قدر من الاستمتاع دونما ان نتمادى وذلك كان يخلق بيننا ميثاقا سريا وفهما عجيبا لبعضنا ونشعر معهم بأننا نحب بعضنا البعض اكثر فأكثر...

في فراغنا وسأمنا من العابنا..يحدث ان نصمت ونكتفي بمشاهدة الاخرين والأشياء من حولنا وننتبه لوجودنا ولقربنا من بعض ولتماس جسدينا وللحرارة التي تسري بيننا فتسيقظ رغبات فينا نفهمها ولا نفهمها..نفهم الاحساس بالدفئ الذي تولد فينا ..نفهم ميلنا الطبيعي لنكاتف بعضنا البعض ما دمنا أصحاب ويحدث ذلك بين الأصحاب...لكن أشياء أخرى تتحرك فينا..نشعرها تكبر فينا ..تتورم فينا ..تنتصب بين فخدينا..وكلما أصبح الوضع محسوسا اكثر فينا على انه قد نحرص على ان نخفيه عن أنظار بعضنا البعض بضم ساقينا او بوضع ساق على ساق وفخد على اخرى.. تتحول نظرتنا عن بعض وترتبك بالتالي مشاعرنا وتصرفاتنا ونصبح ما بين الرغبة في إنهاء الحالة والوضع الذي أصبحنا عليه وما بين رغبة أخرى في الاستمتاع بهذا الدفئ اللذيذ ..نفقد صبرنا..ونصبح قلقين بلا سبب سوى لاننا متضايقن  من ما لا نعرف كنهه ..محروجين بدون لزوم لان نكون كذلك ...الاحساسات بيننا اخدت شكلا من التضايق الصريح ولربما كل واحد منا بدا يعمل عقله لانهاء الحالة والوضع والنهوظ لغاية أخرى...افهم الى حد ما مالذي يعتمل فينا وبيننا ومع بعضينا ممكن للامور ان تاخد بعدا اخر وتمضي لانى شاءت ما من مشكلة..وافهم ان على واحد منا ان ييسر فتح الحوار لانه بالحوار يمكن ان نخفض من توثراتنا ونمضي في الكلام مع بعضنا ..اساءل نفسي فلا أجد عندي ممانعة فادفع الامر نحو الذي ينبغي ان يحدث ويكون ..ويكون اقتراح صغيرا :"نلعبوا...."وعلى صاحبي ان يكون بقدر ذكائي واستعابي وبلا تعالي او تناكر عليه ان يتخير الإجابة كان تكون :"وفين غذي نلعبوا هانين..."او قد تكون اكثر عملية الإجابة:"ياله نطلعوا لسطح ديالكم من سطحنا..."   

اللعبة بسيطة من حيث انك تريد وانا اريد ومن حيث انك تفهم حدود اللعبة وبيننا الان رغبة في ان نلعب اللعبة فلتكن بيننا ....

نحن لسنا في حاجة للكثير من الكلمات والخطابات والنقاشات لنصل الى اتفاق او تراضي بيننا ....

كما ان العمر بيننا المتقارب لا يسمح لنا بان نلعب لعبة تكالب واحد على واحد ..نعرف بعضنا ونعرف هوانا الحقيقي وهذه العاب نمارسها مع بعضنا كتبادل للخبرات او كمحاولات استكشاف وتعرف عن قرب وغذا سيأخذ كل واحد طريقه وسيختار ما يحلوا له وما يناسبه او يفضله....

الكبار ليسوا مغفلين تماما كما قد ننظر إليهم نحن الصغار بل هم من يهيؤوا لنا الأجواء والظروف لنتقرب من بعض ولنكتشف مع بعض ولنتبادل الخبرات بيننا ...الكبار مروا من هاهنا ...الكبار كانوا بدورهم صغارا من قبلنا ويعرفون ما يكون بين الصغار وما يحس به الصغار وما يتحرك بداخل الصغار ....                         

    نحن الصغار لعلنا اكثر ميلا للصدق والمصارحة ولا نحب اللف والدوران ولا كثرة الكلام والملاججة ..ولا نملك من الصبر الكثير  في موضوع الاختيار....نحزم أمرنا بسرعة ونتخد في العادة قرارنا بنفس السرعة بمثل ما قد نغضب دفعة واحدة او نندفع دفعة واحدة...    

نحن الصغار نميز بطريقتنا الخاصة وبمنطق خاص بنا ونستطيع ان نتبين الحدود وان نتخطى ما لا نجد من ضرورة  في وجوده او اعلاءه واقامته ...ولا يخيفنا الضرب والردع بالقدر ما يازمنا العقاب النفسي...وهو كذلك قد لا يحد من رغبتنا في تجاوز الحدود اذا ما وجدنا ذلك العقاب النفسي تعسف في حقنا ولم ينصفنا او تعدي علينا ...عندنا احساسنا بقيم كالعدل والظلم والحب والكراهية والقوة والضعف والكذب والصدق ...وتستطيع  ان نحكم عقولنا الصغيرة واحساساتنا لنصل الى يقين والى تكوين اقتناع وقناعة ...نعي متى اننا أخطأنا ونعم كذلك متى اننا لم نخطئ من موقعنا نحن ..من ظروفنا ..من وضعنا ..من تجربتنا..ولا نحب ان نسلب حقنا او يتحكم فينا او يشتط في استعمال الخوف علينا دريعة للحجر على مشاعرنا وعلى حرية اختيارتنا الصغيرة....

لعلنا لا نريد أن نعرف الكثير لا نريد الخطابات والوصايا الطويلة بقدر ما نريد الصدق والوضوح معنا ...

لا نطلب الاشياء الكثيرة وإنما الأساسي منها ان توفر وان لم يتوفر لا نحتج ..نتفهم فقط على اساس ان يتحدثون إلينا بصدق ويعاملوننا كعاقلين وان كنا صغارا نحن نملك ان نستوعب الأفكار والحقائق...

لا نشكوا بجد غير عدم الاهتمام بنا ..واهمالنا..وعدم السؤال عن أحوالنا...نحن نقدر اعطيتهم لنا وتعبهم من أجلنا وخوف على صالحنا ولسنا بجاحدين...لكننا نكره التعالي علينا ..نمقت المن علينا ..نكره من لا يتعامل معنا بمنطق القلب ...

نحن اقدر على ان نتعلم في كل يوم العديد من الاشياء الجديدة نحن اقدر على ان نتطور لمستويات في كل يوم ..نحن اقدر على اكتساب المهارات اسرع من اي كبير اخر  وكذلك لاخد الخبرات لذلك نرفض احتقارنا والتعامل معنا كصغار سادجين لا عقل ولا ذاكرة لهم ...

نحن من نسامح اكثر من اي واحد راشد منهم ..لأنهم جميعا يرتكبون الأخطاء في حقنا ويسيؤا  التعامل معنا لأنهم بداية لا يقدروننا جيدا ولانهم يقعون في التناقض اكثر منا ..ولانهم ينسون بسرعة ..ولانهم لا يملكون الخبرة اللازمة في التعامل والتربية الصحيحة والسليمة ليراعوننا ...

نحن من مجبرون على الاقتداء بهم لاننا مسلوبون بحبهم فلماذا نعاقب على ما اتيناه تأثرا بهم ..يطالبوننا بالصدق وهم غير صادقين معنا وعلى مع الناس . يطالبوننا بمراعاة الله وهم لا يراعونه ...

نحن بالذي يتحرك فينا وبالذي هم من استدخلوه فينا وايقضوه فينا وجدنا الفرصة وقبلها الرغبة لنلعب مع بعضينا ..لنخوض التجربة والاستكشاف..فلماذا علينا ان نتخوف..ونتهيب..ومن ماذا ...؟!!

والدي ليس وحشا ولا قاضي او سجان وليس في مقام الله ليفرض علي العقاب ويحاكمني وينفذه في وكل ذنبي انني بالذي يتحرك ذاخلي وعلى نحو طبيعي خضت التجربة للاكتشاف او بالرغبة في المعرفة او بالرغبة ذاتها في الاستمتاع ..والدي ان فرضا وجدني اخطئت عليه ان يصحح لي مساري وان يعيد توجيهي ولا حاجة لي به لان يقلب الطاولة علي ويبدي لي منه وجها اخرا لا أعرفه منه وانكر  ان يكون لوالدي الذي احبه وافتخر به ....

كنت صغيرا لكن اسئلتي بدأت تكبر ..وصمتي وعزلتي قوت في إمكانيات الملاحظة والمقارنة وصياغة الأحكام...واعرف من أين استشربت كل ذلك ...لقد كان من القصص والكتب والمجالات والاداعة  

كنت بعد كالهر الصغير الذي ابتلع لسانه ...اسجل وانسج الحوارات واتابع وأقيم واصيغ الأحكام.. الاحظ واعي واستوعب والتزم الصمت ...بعد لا املك الاستعداد اللازم ولا فنونه او تقنياته لاخوض في النقاشات والمحادثات واقول واقول ....الان حتى القول عندي هو كمحطة قول وليس مجرد قول ولانه كذلك فهو يكون مجرد سؤال...سؤال وتحدث انت ..تكلم انت ..انا سامعك وساتابعك وساتحرى الصدق في كلامك وساستبين التناقض بين كلامك وسلوكك ان وجد وساترك لك انت ولوحدك إمكانية المرور على ما ممكن ان يكون موقفي ..او ماخدتي.. او ملاحظتي...او حكمي..ان كنت في مستوى تبين محطة قولي ....نحن الصغار لا ينقصنا الاحترام الا متى لم نتعلمه والا متى لم نرضعه مع الحب ...نحن نصمت وقد نغلق فمنا كليا كي لا نقلل في احترام كبير لنا أي كبير لانه يمثل كبار أحبتنا والدينا واخواتنا وأفراد عائلتنا وجيرانا...

كان وعي يكبر يوما على يوم.. وخشيتي على نفسي من ان اسيء الفهم او يساء فهمي تكبر...اعرف انني بعد لا اعرف أشياء كثيرة ولا املك ان اعرف كل الصواب...لا املك ان اميز في النوايا كما الوعود ولا في تمام الصدق من تمام الكذب..اتصرف في احيان عديدة مستعملا حدسي الخاص ..او مدفوعا برغبات غامضة كحب الاستطلاع او مجرد الفضول او لانني بلا رغبة وإنما منقاد لاشبه باللعب او التجريب او اختراع شيء لا أعرفه ولا شكلا له في مخيلتي حتى ...مجرد شيء ..أي شيء ..المهم  انني أفعل أمرا..شيئا... وفي تعاملاتي مع الكبار قد افهم وقد لا افهم تماما المعنى ..او المقصود منه ولا الصريح تماما منه ...واخشى ان اكون مجرد مدفوع بتاويلات خاطئة وان كل ما ذهب اليه عقلي او خاطري خاطئ وسوء فهم...

الأحكام في عالمنا قد تكون تهويلية وتضخيمية اكثر من كونها تقريرية وواقعية ..وأحيانا فقط لاننا عاجزين عن تكوين حكم نميل لتبني حكم ما على اننا قد نعي انه غير حقيقي وإنما نساير عقلية ما ..نمط ما ..او نريد أن نحصل على رد فعل ما ..كتعاطف او تستر علينا ...

الأحكام في عالمي غير يقينية دائما هناك شك ما ورغبة في عدم التصديق مقابل عدم الانخداع لدرجة تنطلي علي حيلة توهيمي في كل مرة انني اتعرض فقط للخداع ...

كان يلزمني الكثير من الجرأة وقدر كبير من اللامبالاة لاراهن على نفسي بانني لن اكون الخاسر على اية حال وانني على اي حال كنت احاول ان أفعل شيئا...

الشك كان يقابلني في اتباع رغبة الاخرين ويخلق لي موقفا متصلبا اكثر ما اكون مترددا او خائفا من التجريب ..مادام الامر لا يوافق هوايا ولا ينبع خالصا من عندي ..من رغبتي فيه فأنا اكثر تصميما على ان أقف عند حدي ولا اعبر الى حد اخر...ما كان يهمني حكم الاخرين علي ..لا اهتم لنعثي بالجبن او الضعف او بانني "مشي راجل "...

عندما يرتسم في ذهني مخطط أمر لا ارتاح الا بعد محاولات ومحاولات تنفيذه او الحصول عليه وان لم احصل عليه لا اصدق في وعد الحصول عليه لاحقا ...لا أريد أن اصدق الا فيما احصل عليه ..حتى تجاربي الناجحة والتي حققت فيها الهدف تشبه تجاربي التي كانت فاشلة لان كلهما كان تجاربي الخاصة ..تجاربي أنا ولا يهم كثيرا ان أفشل في بعضها لان الفشل فيها يعوضني هم الانشغال بها دوما دون القدرة على المرور للفعل وتجريبها واقعيا واكتشاف محتواها فعليا ...

كنت اعرف انني قد اسب والعن واقدف بأول شيء تقع عليه اليد او اعنف واضرب بشكل مبرح واهدد بمعاقبات  تالية و..و..و..لكنني ما كنت لابالي كثيرا لانه حدث ما حدث وحدث كما أردت له ان يحدث وانتهى الامر بالنسبة لي لا عند ما حدث وإنما عند ما دعني أساسا للاقدام عليه سواء كنت افهمه واستوعبه تماما او لا استوعبه ...لم اكن اقبل على نفسي ان اجبن طويلا امام أفكاري وامام ما يسيطر على ذهني ويبلبلني ...  

الاخرون وخصوصا الكبار عليهم ان لا يعرفوا الكثير مما نفكر فيه او يحدث بيننا ومعنا ...كما عليهم ان لا يخضعوننا دوما للاستنطاقات والتحقيقات...خصوصا عندما نلحظ إنهم غير صادقين معنا ولا نهتم بما عساهم يفتكرونه عنا او يتخيلون اننا نفعله او نفكر في فعله ...حين إنهم أنفسهم يتجاهلوننا ويتجاهلون رغباتنا...

نكتشف في لحظات عديدة إنهم يمثلون علينا..مجرد أدوار يمثلونها امامنا وبحضور الاخرين ويعرفون اننا اذكياء لحد اننا نعي حقيقة ما يفعلونه امامنا او ما يريدون ان نصدق ولو بعض القليل مما فيه ولا نقبل تحديهم او كشف خداعهم وإنما ببساطة نوهمهم كما يحاولون ايهامنا...نتبادل التوهيم ذلك كل ما نفعله امام ما يفعلونه ...

نكاد في مواقف متعددة من ان نرفع أيدينا عنهم ونكف نهائيا  في الإعتقاد بأنهم صادقين في كل ما يفعلونه او يقومون به او يقولون به ....

نشك في كل الحقائق التي يعللون بها سلوكهم فقط لاننا غير مقتنعين في صدقهم وعلى الاقل في صدق ما يعبرون به ويحاولون استدخاله في عقولنا او مخيلاتنا من حقائق كبرى كالنار وجهنم وارتضاء رضى الوالدين ولقيا  وجه الله تعالي...والاحترام....

صغار للا نجادلهم ونعرض أنفسنا للانتقاد او للعقاب او للوضع في خانة الاختبار وجس النبض او للمتابعة والمراقبة ..لكننا لسنا مغفلين للصدق في كل ما يقولونه ويفعلونه ظاهريا وامام الاخرين وبحضورنا...

يبقى دائما هناك ذلك البون امام ما نصدقه وما يريدوننا ان نصدقه..وامام ما نجرا على فعله وما نفعله امامهم وبحضورهم ودائما معنا الحق لأنهم هم من علموننا ان لا نكون صادقين معهم ثم من الغباء ان نترك لهم فرصة النيل منا بالادعاء الكاذب بأنهم يريدون الخير لنا ولا يهمهم  الا صالحنا ...في أشياء بسيطة نكشف زيف ادعاءتهم إنهم يكذبون في غالب الأحيان ويريدوننا ان  نصدق إنهم لا يكذبون علينا وان الكذب حرام وهم على الاقل لا يقولون كل الحقيقة ويريدوننا ان نطالعهم حتى فيما نفكر فيه ....أغبياء هؤلاء ليعتقدوا بأننا سدج للا نلاحظ وللا نعقل الاشياء .... 

لم يكن عمري يتجاوز التسع سنوات عندما شبه فقدت القدرة على متابعة تعلمي المدرسي وانعزلت عن الاخرين..كلما كنت استقل بنفسي وبافكاري كلما كنت ابتعد عن التصديق في حقيقة ان الاخر صادق معنا في كل ما يقوله ويتظاهر بانه يفعله ويسلكه..وكلما كبرت اسئلتي  

كنت استمتع بوقتي مع اقراني حينما يسمحون لي ان اشاركهم العابهم واكون بين حضورهم وما كان بإمكانية ان اكون دوما برفقتهم وأنا دون اهتمامتهم وبلا قوة لمسايرتهم نشاطهم ولا مسموح لي من اهلي بكل الحرية التي ينطلقون هم بها ..على انني لم اكن لأحصل على مكانة متقدمة بينهم تحول دون ان اتعرض لتنمرات بعضهم علي وهزئهم مني ...

خروجي للزقاق ولدربنا يبقى تحت أنظار والدتي ومتابعاتها لي وهي من توجهني لالاعب هذا دون الاخر او الاخرون واحد حتى من حركية الإبتعاد عن فضاء الدرب او الزقاق ..على إنها اقراتني وصاياها لا عراكات ولا قلة حياء ولا تصرفات عنيفة كما اوصتني الاهتمام بنظافة ثيابي والمحافظه على سلامة حذائي...على ان اخوتي بدورهم يوجهون خروجي وعلاقتي مع اقراني ويتابعونها ..أما في المدرسة فشكليا أنا تحت أعين الوالد وكل من يعرف ابن من اكون أنا بما في ذلك حتى معلمي لكن عمليا أنا مجرد تلميذ كباقي التلامذة ولا كنت من زمرة النجباء او المجتهدين وفي هذا ما اربك علاقتي بالسيد والدي الذي أعرفه جيدا لو شاء واراد ان يصنع مني التلميذ المجتهد والاول على مستواه او على كامل المدرسة لفعلها معي واهتم بتدرسي وتقويتي منزليا كما سبق ان فعلها مع أخي خالد وأخي فؤاد إما سمير فكان جهده الخاص من يجعله من الناجحين والاوائل دائما... 

في مستوى المتوسط الأول كانت تدرسنا معلمة اللغة الفرنسية والرياضيات " الأستاذة سعيدة " ومعلم اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية "السي الجمعاوي "....في حصص اللغة الفرنسية كنت اجلس جنبا لجانب بطاولة واحدة مع ابنة حينا "نجية فراجي " وسبق ان كنت اجلس لجانب "رحيموا الموثوق"في مستوى الأولى ابتدائي عندما كان يدرسنا السيد الوالد وفي حصة اللغة العربية كنت اجالس "بهاء الدين الصروخ"وفي مستوى الثانية ابتدائي كان أستاذ اللغة الفرنسية والرياضيات "السي الشاوي " ومعلم اللغة العربية والدي وكان يجالسني في حصة الفرنسية "العدوي منير "وفي اللغة العربية كانت تجالسني "فاطمة الحدادي"...

"بهاء الدين الصروخ"كان صغير الحجم ومتخلق جدا ومتدين ووالده رجل تعليم ابتدائي بدوره وكل تفكيره مقصور على التعلم وعلى أداء الصلوات وحفظ القرآن..كان ضعيف الشخصية ومتنمر عليه من الجميع لذلك كان منعزلا وحريصا على ان يأتي في الموعد تماما وينصرف كذلك في تمام موعد الانصراف كي لا يتعرض لتنمرات باقي التلاميذ ...حاولت مصاحبته لفترة من الزمن وكان يأتي وعمر علي بيتنا وكذلك كنت أفعل أنا لكنه كان مضغوطا اكثر مني وانتهينا بان لا نكون أصحابا...على انه زميل لي بنفس طاولة الدرس...بالساحة كان بعد يأتيني "اليأس امزيان "ابن مدير مدرستنا لنتسكع معا او لنقف بجانب بعضينا وعادة لا نتحدث طويلا كانت صحبتنا يتخللها الكثير من الصمت والرفقة الطيبة والود...

"نجية "ابنة حينا كانت أكبر سنا مني وذات بنية طويلة وتبدوا أكبر سنا من قريناتها وعلاقتي بها كانت في الغالب صامتة لا نكاد نتحدث الا ببعض الكلمات مع بعضنا البعض لكنها كانت مهتمة بي وتجيد  معاملتي وتفرض نفسها علي فترافقني في طريقي من المنزل الى المدرسة او بالعكس وكانت منتبهة لي وكأنها كانت تقرأ أفكاري وتعرف بانني أعاني من مشاكل جمة...

كنت احاول ان لا افكر طويلا في معنى اختيار واحدة دائما لتجالسني طاولة الفصل دوني دون باقي التلامذة لانني في بدايتها معي جاءت من والدي/معلمي ...ووالدي لعله ادرى بمصلحتي وله اسبابه الخاصة وتقديره للامور ومادام رأى ذلك وفعله فلا يجب أن افكر طويلا فيه على انني كنت مستمتعا بذلك الاستثناء و"رحيموا" كانت تتعامل معي بتودد كبير وبعاطفة جياشة حتى انني كنت احرج منها وهي حريصة على ان تقربني منها وتمسك بيدي على غرار ما كامت تفعله اختي الصغيرة بالمدرسة دائما معي...ومع "فاطمة الحدادي" كان الامر مختلفا لأنها كانت مختلفة عن "رحيموا " كانت صغيرة الحجم ورشيقة ودقيقة الملامح وانيقة ودائمة الابتسامة في وجهي مع الكل ومعي بالتدقيق ولم يكن لي بها سابق معرفة كما "رحيمو" التي كانت اسرتها على علاقة بعائلتنا وكانوا يعرفوننا .."فاطمة" ظلت توثرني لفترة طويلة قبل ان أانسها وأالف دنوها مني وتقاربنا من بعضنا البعض ..."فاطمة " كانت أنثى بالنسبة لي بينما "رحيموا " كانت كأخت كبيرة لي على إنها كانت جد بسيطة لحد ممكن اعتبارها سادجة كما ان تحصيلها الدراسي كان ضعيفا بخلاف "فاطمة " التي كانت حريصة على ان تتلقى تعليمها وتنجح ..غير ان "نجية " كانت مختلفة كليا عنهما كانت صامتة ومنطوية على نفسها وتجاهي كانت باحساس امومي وهي ترعاني بأمانة وصمت ..كانت نظراتها احيانا لي تخجلني من نفسي وهي لم تكن تتعمد الاقتراب مني بتودد الطفلات الصغيرات بل كانت على مسافة مني وهي المسافة التي كانت تكسرها متى شاءت هي لقد كانت تكبرني وليس هذه هي الحجة بل هي كانت تتصرف على نحو إنها أكبر من عمرها اعتبارا لطول قامتها ولحضور جسمها ..كانت تحرك في الرغبة لملاحظتها وتتبعها والنظر إليها وعندما تلامسني كانت تفعل ذلك بذكاء يخجلني..كانت تعرف ما الذي افكر فيه او اتخيله ..كانت تدرك انني أصبحت بتجارب طفولية مع الاناث وكانت تراقب علاقاتي مع بنات عائلتي اللواتي يكبرنني وكيف اقبل منهم ضماتهم وتقريبهم لي لهن ...انا لم أقل لها في أيامها إنها تذكرني بحضورها ببنت خالتي "أسية " التي تكبرني بعامين وكانت بمثل طولها ...غير ان بنت خالتي كانت لي معها اشكال وصال لاننا كنا قريبين وعائلة واحدة وكانت خالتي وبنات خالتي الكبيرات يسمحوا لنا باشكال من الاحتكاك والتعايش مراعين المرحلة العمرية التي نحن عليها واختلاف النوع بيننا على ان ذلك كان أسلوبهم في التوليف بيننا ومد جسور المحبة بين الاقران من افراد العائلة الواحدة ..لقد كان مسموح لنا بالعبور الى مناطق حميمية مادامت  الأمور تحت سيطرتهم ورقابتهم والفرص هم من يوجدوها لنا ..."نجية " لم تكن بنت خالتي ولا قريبة لي لكنها كانت بنت جيراننا ..بنت حينا ...لكنها مع ذلك كانت مختلفة عن باقي بنات جيراننا خصوصا بنات "سي قاسم "فهي لم تكن منطلقة مثلهم ولا تلاعبنا او تختلط بالذكور ..كما إنها كانت تعاني لربما من مشكلة جسمانيتها ..طولها وكبر قامتها بالنظر لعمرها ثم لعلها كانت تعدم الاسباب نفسها التي كانت تجعل كل بنات "سي قاسم "يختلطون بنا فمهما كانت الواحدة منهن كبيرة لتكون من غير اقراننا فمع ذلك ما دامت أختها قرينة لنا فهي بحكم وصايتها ورعايتها لاختها تقترب منا وتتحدث لنا وتتصرف معنا بمرجعيات عمرها وسيكولوجية الاناث اللواتي من عمرها .."نجية " دائما  كانت مراقبة اكثر من منخرطة معنا في العابنا واحاديثنا..وواحدة مثلها كانت بالتأكيد تضمر وتخفي اكثر مما تفصح عن شخصيتها وميولاتها ...بالإضافة إلى إنها من اسرة محافظة وعدد الذكور فيها أكبر من الاناث بخلاف اسرة "سي قاسم " التي كان الوضع بالعكس وكما كان يقال بين الكبار تربية الاناث متطلبة اكثر من تربية الذكور ومختلفة في وضع الأنثى المستفردة بين الذكور والتي حتى ترتيب أخواتها الاناث متباعد  عمريا ..أي تبقى على كل مستحكمة بعقليه تربية الذكور ..وكذلك كانت "نجية "حتى في المرات القليلات التي تصاحب والدتها مع جاراتهم أم أبناء وبنات "سي قاسم " للشاطئ الصخري " الماء الجديد " ما كانت تجرا على ان تتعرى وتدخل البحر للسباحة ...لا اعرف تماما ما كان يحول دون ان تكون منطلقة وعلى طبيعتنا هي الأخرى..غير انني في علاقتي معها بقيت اكن لها الكثير من الاحترام وذلك الفهم العميق الغير قادر ان يشخص بالكلمات والتعابير ..وقد أقول ولا ازعم في قولي ..إنها كانت في صميم اهتماماتي ونصب  عيني وانها استطاعت ان تدخلني بعيدا الى عالم الاناث ..الى محاولة فهمهن واستبيان حقيقة مشاعرهن وسلوكهن ..ما يقلنه صراحة وما لا يقلنه الا تلميحا او صمتا ...  ما هن قادرات عليه ويجرأن عليه وما هن من الصعب ان يقدمن عليه ...والسؤال عن هل يحسسن بمثل ما نحسه نحن..أم الامر مغاير...!!؟

أستطيع أن اصف  نفسي ولا أجد في وصفي خصوصية تجعل اساتذتى يجلسوني على طاولة واحدة مع زميلة أنثى...فلماذا يفعلونه ذاك بي ؟! 

"نجية " كانت حريصة على علاقتنا ببعضنا بالفصل بالمدرسة بخارج المدرسة وبالحي ..وعليه أصبحنا اصحابا ...كان الامر الذي فقط كنت اتصوره ..قد احلم به ..قد أتمناه ان يحدث معي ...لكنني أبدا ما قفزت الى ارض الواقع ورغبت بحق في تحقيقه...وحتى عندما كنت معجبا بالصغيرة " سكينة التفرسيتي " الشقراء الجميلة كنت لا أخال ان شيئا ممكن ان نقول به ويحدث بيننا لذلك بقيت احرم حول كل مداراتها واحاول التقرب منها لتعي بانني أحبها واتمناها صديقة مقربة لي ليس إلا لانني كنت أعي بأننا بعد بعمر صغير ويلزمنا عمر وعمرين آخرين...

"نجية "بكل تودد وذكاء اجتماعي  طلبت مني ان اقبل بها صاحبة لي لأنها تريديني كذلك...لعلها كانت تكبرني بثلاثة سنوات إنا بعمر التاسعة وهي بعمر الأنثى عشرة سنة واتفقنا على ان نبقى ونظل كذلك اصحابا نترافق في الطريق للمدرسة وبالمدرسة وبالفصل وارافقها في خرجاتها للتبضع أمرا للمنزل ...وتأتي لتطرق باب منزلنا وتنادي علي لاخرج واقف إليها...وفي كل ذلك أنا لا اتصرف كالمذهول ولا كالمستغرب وإنما بكامل هدوئي واريحية وسعة صدر وانتظارية ..اظل إنتظر خطواتها هي ..اقتراحاتها هي ...لانني كنت استوعب ما أكونه أنا بالنسبة لها أنا صاحبها الصغير الذي ترعاه والذي ارتات هي ان تتطور معه عاطفيا وان تجرب نفسها معه ...لذلك زاد احترامي لها وكبرت كثيرا في عيني للاانساها أبدا...

كنت ارتاح كثيرا للبنات اللواتي يكبرنني سنا لأنهن في العادة يبدون مستقلات بانفسهن او لم يعدن  طفلات صغيرات يخشى عليهن ويجب حراستهن ومراقبتهن وفي الحقيقة لم اكن أبدا أنا من يتقرب منهن بل هن كن البادئات معي ومما يقولونه عني انني أبدوا مختلفا عن الباقية وبانني أبدوا أكبر من سني وهادئ  ومتزن وصامت في غالب الأحيان وانني اطرح لهن مجموعة أسئلة فيودون التقرب مني والتعرف عني عن قرب ..  وكنت أقولها لهن ان ذلك ليسعدني جدا ويشرفني معرفتهن...

هن مثلنا كذلك ..وكلنا في حاجة للمزيد من الاختلاط  بيننا لنتعرف على بعضنا البعض ..لنتجاوز الأحكام المسبقة والخلفيات المشوهة وكلنا في حاجة لمساحة لا نتعرض فيها لزجر او رفض او تضيق او حصار من أهالينا...لذلك كل واحدة وجدت في نفسها الاستعداد لتغامر في معرفة اخر كان عليها هي ان تختار جيدا من يكون شريكها والذي عليه ان يكون مخلقا ويعرف معنى الاحترام والتصرف السليم ....

هل كنت كذلك ؟!!...نعم كنت كذلك وأكثر اؤمن في الوفاء واصون السر ولا اتطاول  على الاخرين ..واحب ان أعامل الاخرين كما احب ان يعاملون أنا....

لقد كنت واقعيا بطريقتي الخاصة ...واقعيا للابني أحلاما كبيرة ..وللانسى انه بمضي العمر تتغير الاشياء والاوضاع والناس...واقعيا للارفض ان ادخل علاقة إنسانية وعاطفية ممكنة الان وفي حدود الان ....وللغد كلام اخر وحديث اخر ....

منذ متى بدا ذلك الاحساس يكبر ذاخلي .. ؟!! ..وهل حصل ان لا كان معي حتى انوجد لاحقا ....؟!!...لا اعرف تماما غير انني بدأت اعقله كاحساس مغاير منذ اللحظات الأولى التي أصبحت اتدوال بين الاحضان واحمل من هذا وذاك وكان في كل ضمة احساس منفرد وخاص جدا ...وفي كل حركة تقريب اكتشاف  احساس اخر مفرح او عجائبي..وتمريغ وجه هذا فوق وجهي مخالف إحساسه اللذيذ داخلي ...وعندما كان لي ان أخطو على قدمي كنت السباق في اختيار والذهاب الى الموضوع العاطفي المشتهى عندي ...دائما  كان معي ذلك الاحساس ودائما معي الشوق اليه والكثير من الحنين والاحتياج اليه .....

كانت مداعبة بسيطة لشعر راسي تاخدني بعيدا في دروب الرغبة وفي عوالم الاحساسات اللذيذة المطبوعة داخلي لاستقرئها وافك شفراتها وأحيلها على مرجعها الأول...كانت كل لمسة تنفد بي عميقا لمستوى تفقد اللمسة الأولى اللمسة الام ولما بعدها للمسة المخالف عنها للمسة التي تكون هي من اهدتها إليك لأنها هي من سمحت لذلك الاخر ان يحملك او يقترب منك او يمسسك .....

لا اخال ان احساساتي مختلفة وان تنتمي لنفس الزمرة وإنما لأنها متعددة وكل منها كان لاحقا لسابق منها وأنا وبذاكرتي من يحيلها على الخامة الاساس ...الخامة الحسية البليغة والاصلية ....حيث يمكنني ان استشعر وجودي الأول....

البنات الكبيرات في السن اقدر على النفاد سريعا لمثل هذه الاعماق فينا ... معي كنت أنسى العالم والناس أجمعين والوقت والفرق بيننا وما كان وما ممكن ان يكون ..وابقى في غاية الاستسلام لملامسة هذه او لمكتافة أخرى لي او لمداعبة شعر من تلك او من دنو ملامس لكل جسدي من تلك ....

البنات الكبيرات كن روعة بالنسبة لي لأنهن يتحرك بسلاسة ويتصرفن بنظام عفوي او لاشعوري وهن يتخاطبن معي مع جسدي ..مع البعض من جسدي ...حنوهن..دفئهن.. ملامستهن الخفيفة والمكتسحة والعابرة لحيث ستقف وستشعل أجمل الاحساسات ...رائحتهن ...رائحة صابون الحمام ..او شنبوان الشعر ..رائحة الحناء او الحناء والقرنفل... رائحة عطر رخيص او غالي .. رائحة أم مرضعة على رائحة خالة تطبخ الطعام على رائحة جدة متطيبة بالمسك والماء ورد ...وملامستهن لاثوابهن العجائبية ..الصوف  غير الثوب الخشن غير الثوب الناعم غير الحريري غير المصنوع من نيلون ...ملامستهن باكفهن المختلافات تماما من حيث الاحجام والكثل والخشونة من الرطوبة والعظمية من اللحمية الثخينة ...وشعورهن هل هن مستويات او مجموعات مغطات ولون شعوره  واشكاله وملمسه  هو نفسه ......

ما ان تقترب بنت كبيرة لتسلم علي من وجهي حتى اتكهرب وان كانت بعطر جميل امسك فيها واتمنى لو أموت مختنقا بعطرها وعلى كتفها   

اما اذا كانت تقبليني وتنظر لعيني وتبتسم  فلها ان تفعل بي ماشاءت ان تنظرني مابين القبلة والقبلة زمنا وهي تتحدث لاخرى او تنادي أحدا وان اختلط عليها الحساب فلتكن حتى ستة قبلات الاهم عندي اللحظة التي ستقربني من صدرها وتضمني اليه لانني هناك اريد ان ادفن الى الابد ولا أصحو  ...

البنت الكبيرة تحس بك تهب اكثر للجسد فيك تقربك منها تغرز صدرها في ظهرك او براسك ..تقترب اكثر منك تجعلك تلامس تقريبا كل جسدها وتمسك بكفك كما تكاتفك وتقربك لصدرها ...تجلس الارض وتجلسك ملتصقا بها وتعود لتكاتفك ولتقرب كامل  وجهها لوجهك وتشعر بانفاسها قريبة من أنفاسك ومن رائحة فمها وعندها....

كيفما كنت أشعر بالسلام بحضرتهن وبانني طاهر وقد عدت لعودتي الأولى..لوجودي الأول....

كنت افكر فيهن نحو ان استعيد معهن اللذات الأولى وافعم الاحساسات الأولى...كل واحدة كنت احيلها على الأصل المتفرد المطبوع بداخلي وكانهن لسن غير مثيراث توصل لذلك العمق الأصلي في .. ذلك الأصل الذي حضيت به في اولى ايامي ومع أعز الناس علي الذين سنحت لهم والدتي ووالدي بان ياخدونى الى احضانهم ويحملونني إليهم ومن بعدهم اخوتي وخالتي وعماتي وأبناء كل واحد من كل هؤلاء 

البنات الكبيرات هن من يعبرن إليك ويكسرن ذلك الحاجز الوهمي الذي يسمونه الحياء والخجل..وربما لأنهن كبيرات فهن الاقدر على التمييز  والمراعات وربما لأنهن قطعن  شوطا في التاهل لممارسة أدوار العاطفة والأمومة ومدركات لحدودهن في مثل هذه الممارسات حتى لا تزيغ عن اهدافها المحددة والمرجوة وتصبح لعبة خطرة ....

"نجية " نفذت لي من موقع فاهم وعارف ومدرك لما يريد ان يلعبه معي من أدوار نفسية او نفسية إجتماعية  وبمثل ما استشعرت الحاجة للتطور مع مغاير جنسي لها كانت تستقصد العمل على تطويره هو الاخر ....

نحن في الحي كنا كلنا نعرف بعضنا البعض ونعرف بعضنا البعض جيدا .. ولا أحدا كان فيها خارجا عن الردار الاجتماعي نعرف الأسماء الكاملة ومكان المنشا والمستوى التعليمي والاجتماعي  لكل واحد منا وعائلته وقصصا  من تاريخ عائلته ونعرف الوقائع الاجتماعية اليومية والاسبوع والشهرية والفصلية التي تحدث في جهاتنا السكنية ....

كان الكبار يسعون للتبادل مثل هذه المعرفة الاجتماعية والتي تاسس لادوار ممكن ان يلعبوها لصالح الحياة الاجتماعية السلمية والممكنة التعايش داخلها 

كان كل كبير في زمننا نحن جيل السبعينات والثمانينات  يملك سلطة وهي سلطة الكبير الواجب احترامه والسماع لنصائحه وتوجهاته ويملك سلطة الكلمة فكلمته يجب أن تكون مسموعة ومطاعة..على إنها كلمة ضامنة وكلمة ثقة ...

والكبير كيفما كان وضعه عليه ان يحترم حضور المرأة الام الكبيرة او المتوسط في العمر لأنها هي من تمثل المجتمع وهي من تصنع ابناءه وبناته  وتكون نساءه ورجاله . .

الاخوة الكبار والاصفر منهم لهم كلمتهم على اليافعين  والصغار وهم من يحاولون ان يصنعوا السلم الاجتماعي بين الاقران والمجايلين وبالتالي بين  الاسر والعائلات بالتدخل للحد من اي عدوان او عنف او زيغ خلقي ولتنظيم الفضاء العام للحي ولزقاق والشارع وللمنطقة السكنية ...وفي العادة ينسقون مع الكبار في ذلك ....

صغارا او كبارا بعض الشئ كنا نعرف بأننا مراقبون وباننا دائما تحت التقييم وبقدر ما كان يحلوا لنا اللعب خارج رقاباتهم كنا نقدر جيدا مسألة ان تحاكم اجتماعيا فتدان او توصم او يسمح للدوائر الاجتماعية الأخرى الحق في التصرف معك من تخصصها التاديبي او الوقائي الامني ...

صغارا كنا ولكن بذهننا مجموعة لاءات  وتحريمات  وتجريمات علينا ان نعقلها جيدا  قبل ان يسمح لنا بالخروج فرادى  الى الحي او لامام منزل الباب  واخرى اكثر تعقيدا علينا ان نعلم بها قبل ان نعتاد الذهاب الى المدرسة ...واخرى يجب تذكيرنا بها باستمرار قبل الاشراف ضيوفا عند أي عائلة اخرى...

"نجية " لو لم تكن تعرفني واسرتها لو لم تكن تعرفنا لما تصاحبت معي ...لانه صعب ان تمر من مجرد متابعة بسيطة وعادية ..الى متابعة وتقييم خاص ونوعي ...

"نجية " لوحدها شان ...و"طارق" لوحده شأن اخر ...لكن "،نجية " ترافق وتصاحب وتخرج وتقف وتسأل عن "طارق "شان اخر ويتطلب تنبها من نوع اخر ورقابة من مستوى اعلى واذنا خاصا من اعلى سلطة ببيتها .... 

ارفع راسي لعينها تنظر عميقا فيهما لأقرأ فيها السلام والترحيب والثقة فأطمئن على نفسي بحضورها ..أقف عند منضدة الفران التقليدي تقف وراني وتضع كفها على كتفي وتتركه هناك ..ارغب اكثر في الانغراز فيها بظهري ..ارغب في ان تتلامس اجسامنا اكثر ..ومع مجيء واحد اخر يحمل طبلة الخبز المعجون ليضعها على المنضدة تسحبني "نجية "معها وهي تميل لتقف جانبيه والان أنا ملتصق بها من خلف وراسي على صدرها وكفها على كتفي الاخرى والان هي كمن تضمني من خلف ...لا يمضي الكثير من الوقت ربما دقيقتين او ثلاثة ثم تتركني لاعدل من وضعي او لننطلق في طريق عودتنا للبيت ..للحي ...  

وعندنا تلتقي عيوننا من جديد تقرأ في عيوني كامل الامتنان والمحبة والرغبة في ان تقبلني اكثر صاحبا لها ...

تقول لي :"تسناني حتى ندوز عليك نمشيو مع بعض للمدرسة "

أرد عليها :" عيطلي أنا كنتسنك..."

أنا لجانب اختى الصغيرة بشرى و"نجية "تقترب منها لتسلم عليها من وجهها ولما  تنتهي من ذلك تعبر من جواري .. بمحادتي كأنها ستحضنني ولا تحضنني الا عبورا وعليه تكون بالفعل كمن حضنتي..وتبتسم في وجهي ....ثم تذهب لتدخل بيتهم ....

تكاتفني اختي الصغرى وتطلع قبلة على خذي وتدفعني لندخل البيت سويا انه موعد الغذاء وما ان ننتهي منه حتى سيحل وقت العودة للمدارس .....   

من جديد تقبلت موضوع العلاقة كحادثة سعيدة وككل الاشياء المستجدة علي والتي لا اعرف فيها شيئا يذكر...الذي اعرف انني احببته جدا هو انني لم اكن متكلفا في أي سلوك وإنما مفتوح على كافة الاحتمالات والاستجابات ..وعندي ثقة الى حد بعيد بأنها لن تؤديني ولن تقسوا علي ....إنها الادرى بالحال اكثر مني وهي التي تملك ان تصيغ قانون اللعب بيننا ..انا فقط جد ممتن بالاهتمام الذي غذقتني به وليس لي أي سيناريوا اسير عليه ... 

كنت أقول لها في كل مرة نتقابل ونترافق بانني اقدر منها جدا ما تفعله معي ..أقولها بصمت وأنا انظر الى عينها وأنا طامع في ان تقربني منها او تقترب اكثر مني ... 

لم اكن  أعتقد من قبل ذلك ان ما حصل معي منها كان ممكن ان يحصل لا لانني لم اكن افكر فيه واحلم به ولكن لانني أنا شخصيا ما كنت لأجرأ حتى تصور نفسي ممكن ان احضى بعلاقة وأنا بهذا العمر وأنا بكل هذا الخوف الذي يسكنني..انا وبكل حجم الاغتراب الذي أشعر به بين اقراني وبين كل الناس .... 

علاقة من هذا النوع وعلاقات الحي الأخرى جعلتني انظر جيدا لواقع الحياة الاجتماعية ..لأن افكر في طبيعة وجودنا الاجتماعي..في العوائل التي تسكن في حينا والاحياء الأخرى المجاورة منا او الابعد منا ..في نمط كل عائلة ..عائلة ..وفي نوع تربيتها لابناءها  ..في مدى انفتاحها على الاخرين من مدى انغلاقها ومحافضتها على خصوصيتها .. وان افكر مليا في مدونة سلوكي الاجتماعي وكيف علي ان اظهر اجتماعيا وكيف اتصرف واسلك اجتماعيا ...وان أعيد تقيم سلوكي تجاه الاخرين ...كنت استشعر مسؤولية ان اكون في موقع المنتبه لسلوكه والخاضع لنظام التقييم الاجتماعي باستمرار ..كان علي ببساطة ان أزيد من تعديل سلوكي لدرجة إن أكون مقبولا اجتماعيا وان اتجنب ما يمكنه ان يعطي انطباعا سينا عني وعن التربية التي تلقيتها ...كنت وأصبحت اكثر ميلا لان أبدوا مأديا ومهتما بملابسي  ومظهري والاماكن التي يمكن ان اجلس الارض عليها غير مستهتر بحال لباسي وبما يمكن ان تتعرى له من اتساخ ..ومتنبها اكثر لكي لا أحدث ضجيجا ولا لان أتحدث بصوت عالي او بنظرة سوقية وكلام قد يكون فيه فحش او ما يخدش الحياء ...كما عملت الى تعديل طريقة رؤيتي بحيث لا تبدوا حادة تجاه موضوعات بعينها ..حاولت ان احفظ منها لتصبح متوارية اكثر وحرفية اكثر دون  ان تكون ملحوظة فوجدتها اتعمد ان اضفي عليها لمسات من الحياء والمداورة غير المكشوفة...كان ببساطة علي ان اكسب المزيد  من الاحترام الاجتماعي والقبول ...وكان الامر يسير علي من حيث انني كنت ميالا للانعزال والمكوث لاطول وقت بالمنزل وحتى خرجاتي محدودة ومحسوب..ومخالطاتي للاخرين منتقاة فأنا كنت اتجنب مخالطة أي واحد معروف بسيرته الرعناء او قلة الحياء وسوء التربية ..  

ودونما وضع في الحسبان وجدت ان وضعي داخل البيت بات أفضل حالا وتقيمهم لسلوكي  مرضي عليه واشجع  عليه وقد اكافئ عليه احيانا ..   

في الجانب الاخر ظلت علاقتي في تطور مع إبن حينا وجارنا "فريد " كان بالفعل هو الاخر يتطور .. ويكبر ..ويبدوا اكثر هدوءا عن ما كان ولم يعد عدوانيا تجاه الاخرين وتجاه كل الاشياء مما فيها الحيونات وممتلكات الناس ...فريد في علاقاته المتميزه والخاصة جدا مع والده "سي محمد بن سعيد " الرجل ذو الكاريزما  والشخصيه القوية والحريص على اناقته وابداء استقلاليته وتفرده كان أكبر بكثير من عمره الطولي الكمي ..كان والده يعامله بنذية الأصحاب والرفاق وبهيمنة وسلطوية مستترة غير بارزة او ملحوظة ...فهو نادرا ما يعنفه او يهم بضربه او معقابته كما جاد في تلقينه مبادئ الميكانيك والصيانة للاليات والشاحنات وكل المحركات و"فريد "كان من أولئك الذين ننعث رؤسهم بأنها خفيفة ويسهل تعلمهم وتلقينهم...   

"فريد " كان الوحيد الذي جعلني أقف مليا عند شخصية الاخر ...ذلك الاخر الذي لا يفرض شخصيته عليك لكنه يعرف كيف يتقرب منك ..كيف يصادقك...كان حريصا على اللقاء بي عند حصة الاستراحة كنا ندرس  عند نفس المعلمين لكن بنظام مختلف ..وكان يفاجئني بزيارته حتى باب قسمنا والنداء علي ..كان قد كف على ان يتنمر علي او يتصيد وحدتي ووجوده هو بين جماعة اقران ليهمشني ...كان في هذا العمر كمن شبع من تذاكيه الحاد ومن ميله للمقالب والمكر بالاخرين وغدى اكثر ميالا للانعزال نسبيا على ما كان ..."فريد " كان أكبر بكثير من عمره وكان يتصرف باستقلالية نوعية ...

تعاملي مع "فريد " اخد في التبدل إذ لم أعد محترسا منه ومن تقلباته المفاجئة وبت بدوري إنتظر قدومه وسؤاله عني وارحب بمرافقته ..   

"الياس " كان الحاضر الغائب في الأكثر من الأحيان فهو يدرس معي لكن قلما كنت انتبه اليه لانني تعودت ان أراه بجانبي ..مقتربا اكثر مني ..وعادة ما تتقايل عينانا ونتبادل الابتسام والترحيب...واعرف انه يفكر في مثلما افكر فيه وانني احاول ان اطرحه من بالي  مثلما أعتقد أنه يفعل هو الاخر ...علاقتي به كانت عجيبة ..كان فيها إصرار من جانبه ليلفت انتباهي له بحسن معاملته لي ..على انه مدلل وابن مدير مدرستنا وبيننا فرق واضح في المظهر ..كان دائما يناولني أفخم قطع الشكولاتة والحلوى وهو مبتسم برقة في وجهي وصامت في أغلب الأوقات..كنت أشعر بامتنان عجيب لنبله معي ..

"فريد " بقوة ملاحظته ولتنبهه اليقظ لكل ما حوله ومن الجميع كان سديدا في توجيهه لي ويصحح من سلوكي الاجتماعي..بدى انه يريدني ان أبدوا أقوى مما أنا عليه وقادر على ان افك حلقات التنمر علي ومحاولات استغفالي من الكبار مني الذين كانوا يحاولون احتوائي بظرفهم ووقوفهم لجانبي ضد مضايقات البعض لي لاستدراجي نحو افساد خلقي ودفعي لتجارب التدخين وشراء السجائر بالتقسيط ..على تعريضي لصدمات نفسية واجتماعية بوضعي في مواقف شاهد على ممارسات فيها الكثير من الجرأة الجنسية والتمادي مع ذكور مثلهم كل نقصهم إنهم أصغر سنا منهم او معزولون لغرابة ملامحمهم او وضعهم الاسري الاجتماعي المتردي وحدث ان تعرضوا في سن مبكرة جدا لممارسات جنسية او نحوها...

"فريد " كان  ذلك الاخر الأكثر جراة على ان يحادثني وان يسمي الاشياء بأسمائها الفجة والواقعية جدا ..وأحببت منه ان يقول كل ما كنت أقوله واتحدث فيه فقط بيني وبين نفسي دون الجرأة حتى للتعرض لموضوعه لا من قريب أو بعيد مع اخوتي او أبناء عائلتنا ..كان يقرب إلي منطق ادراك الأمور ويقصر الفجوة علي بين ما أدركه ولوحدي واصل الى تحديده ورصده بمفردي وما قد يظل يراودني الشك فيه واخشى ان يكون مجرد ضلالات تسيطر على تفكيري ...كنت لعلي اقايس بين ما اعيه كحقائق وما بين ما يعيه الاخرون ..الاخر بدوره كحقائق ...وكنت في حاجة لمثل هذا الإسناد..

" الياس " مختلف تماما عن "فريد " احب شيء ل"فريد" ان يشارك اخر قطعة خبز ..لقمة منه وقد يقاسم آخرون منها ..لم يكن من من يتلدد بحلوى او قضم الخضر النيئة لكنه كان يستعدب تناول الفاكهة ولا يحب سرقتها لكنه يستطيب التحايل والنصب للحصول عليها ..وكان جسورا على الكبار بعكس "الياس "الذي كان يغلق فمه ويذهل نظرته ويتصرف وكأنه عدم الوجود بمحضر الكبار منه على انه يقف في مكانه ولا يسير في مجموعاتهم لما يهموا بالتحرك لجهة ما كخلف المدرسة او للساحة الخلفية الخاصة بالرياضة ..كان بكوابح دقيقة في موضوع مخالطتهم  لكنه بالمقابل كان شغوفا  بالصغار والصغيرات ويستلطفهم جميعا وهم كذلك في أغلبيتهم.."الياس " كأنه في عالم غير عالمنا ..ذكي وجد منتبه وصاخب دون الحاجة للكلمات او إخراج الأصوات كان يجيد التحدث بنظراته ..بوقفته..بحضوره ..بجسده ..وبابتساماته...وكان يشغل مجال تفكيري أيام الاحاد والعطل حيث اعدم  وجوده بجانبي ....  "فريد " وان كبر على قدف بيتوات الاخرين ونوافدها بالحجارة وترصد اليافعين الذين يحاولون الاختلاء بصاحبتهم في الدروب المظلمة والخالية من المارة لافساد خلوتهم فهو لم ينثني عن تصيد الصغار ومحاولات الغواية بهم كان يقول لي بانه هكذا يتأهل لان يكون رجلا ويحسب له الف حساب وانه لن يترك الصغار الذين سيكبرون ذات يوم يرفعون راسهم مقابل رأسه...كنت اعرف الى حد ما ان شخصية والده مأثرة فيه وانه بذلك  يتباهى بقوة شخصية والده لا بعضلاته المفتوحة فقط وبالوشم عليها وإنما بعلاقات والده مع من يمتلكون السلطة وبجسارته وجراته التي تبلغ احيانا حد السفالة والسباب والعربدة دونما ان يراعي ان من الممكن لأحد ان يتصدى اليه ويضع له حدا ... 

"فريد " استطاع ان يكسب مودتي بحرصه  على ان يصادقني وان يكون بالأساس صادقا معي واصبح لنا وقت لنقضيه بالحي سويا بالقرب من منزلينا المجاورين لبعضيها  وبالزقاق المطل على بستان صغير تابع لمنزل "با مجاهد " والذي كنا نطلق عليه إسم "باكا " ولربما هو تحريف بسيط لاسم "البارك " ومعا كانت تجمعنا الكثير من الحكايات والاحاديث والتي كان يتقن روايتها وتأليفها وإختراعها دون ان ينفي إنها من تلفيقه وان شخصيتها مستعارة ولا تمت بصلة لمن ينسبها إليهم...

كنا بعمر واحد تقريبا وندرس بنفس  المستوى وكلا والدينا يتعاطى الشراب والسكر وان شخصيتهما مختلفتين تماما مع جامع واحد هو قدرتهما على التظاهر وكان لاشيء حصل منهما او يحصل منهما ساعة يتماديان في الشرب والعربدة ..

"فريد " اقحمني في مغامراته و اكتشافاته وفي ميله العفوي للتمرد على القوالب والحدود المرسومة بعناية وبخطوط عريضة وظاهرة وكذلك ولربما هذا هو الاهم في القدرة على المنافقة والادعاء بالبراءه  والسذاجة كما القدرة العجيبه على المفاجئة والمناورة والانقلاب كليا من حال الى حال ..."فريد " بات لي بمثابة مرجع في التحايل واقتناص الفرص للانقضاض  على اي غريم  او خصم او منافس ... 

 "فريد " كان بقامة طويلة ونحيلة لكنه صلب العود وفي عراكاته يعتمد على المباغثة والهروب  جريا وباقصى سرعة لكنه لا يعتمد ذلك مع من يعرفه جيدا ...ويفضل ان يتركه للوقت حتى يتدبر له مقلبا او حيلة يتصيده فيها وينهي حساباته معه...

"فريد " لم يكن يعول على التقدم للمراتب الأولى في تمدرسه وكان يقول لي انه مع "الساهلة " ينجح فقط ولا داعي ليتعب راسه...

"فريد " كان جريئا حتى في التحدث للاغراب كما للفتيات ومن كل الاعمار ..وعندما عدل من سلوكه الارعن ومن مظهره قليلا خصوصا في ايام الدراسة بات انيقا ومقبولا اجتماعيا وراقني مصاحبته وما عدت اتحرج من تعليقات اخوتي على مرافقتي لواحد مثل فريد بل راقهم حتى هم التغيرات التي اخدت تلحق بي ...

المدرسة نظام مغلق وصارم وعنيف ويلتهم الوقت كله ويتعب خصوصا بعدما يستثب برنامج الحصص والدروس ويصبح معروف اول باول ما سندرسه واي دفتر سنخرجه او سنحمله معنا بمحفضتنا ...

المدرسة تصبح عبئا ثقيلا لنتحمله ولولا الصداقات وحكايات كل يوم مع الرفاق ومع الاخرون لما رغبت اساسا في ارتيادها كل يوم ..وحتى ايام الاحاد قد تصبح بدورها مملة ورتيبة ان لم يكسرها برنامج استثنائي يمتص الوقت كله ...

انا لحدود هذا العمر ابقى فاشلا في تكوين صدقات دائمة ربما لان مزاجي سيء ومختلف عن مزاج اقراني ودائما في صراع لم استطع الحسم فيه نهائيا ..صراع مع ما اجده يدفعني لانهي علاقاتي مع صاحبات اختي وبنات جيراننا وابدا كغيري من الذكور في تكوين علاقات مع نوعي وجنسي ..وفي نفس الوقت الاحساس بالحاجة لان اكون معهن واشاركهن احاديثهن ورفقتهن ...

لعل المشكل كان اكبر من ذلك  فانا ارتاح في التواجد معهن واستمتع بالوقت الذي اقضيه بجانبهن لكنني في نفس الوقت اعير اهتماما لما يحاول ان يوصمني به الاخرون من ذكور الحي والذي يقللون فيه من ذكوريتي ورجوليتي ...على انني اعرف بانني قد اكون محسودا على علاقاتي بالجنس اللطيف ...

كان علي ان احسم الصراع وان اتصرف على سجيتي حتى في اهتمامي ومشاركتي في شؤون البيت كالتنظيف وغسل ثيابي والصحون والاواني .. 

لم اكن افهم الادوار الاجتماعية على ما هي عليه من تقسيم بين ادوار خاصة بالاناث واخرى خاصة بالذكور ولا الفضاءات كذلك كالمطبخ وسطح المنزل ومدخل البيت .. انا داخل بيتنا كانت الامور عندنا لحد بعيد واضحة على الكل ان يتعلم ما يصلح له من امور البيت ليقوم بشؤونه متى دعت الحاجة لذلك او لزمه الامر دون ان يعتمد على الاخر او يختبا وراء جهله وعدم تدريبه عليها ..لكن خارج البيت كانت الانتقادات والملاحضات والكثير من الهزء والسخرية لانهم كانوا تابعين لعقلية ذكورية جامدة تنتقص من شان الاتثى ومن الادوار التي تتطلع بها ...

وبيني وبين اختى الصغرى كان يسود جو من التفاهم والتناغم والتماهي وكل شيء كان بامكانها ان تفعله هي كنت بدوري احاول ان اتعلمه وانافسها عليه وكذلك هي ...لم نكن نشعر بذلك البون الشاسع بين ان تكون انثى او تكون ذكر ..نعي اختلافاتنا الفيزيولوجية لكننا نستشعر اننا نفس المخلوق ..اننا نفس ذلك الانسان ولا شيء مما اقدر عليه لا تقدر هي كذلك عليه ...وانا وهي  كنا ندرك ما للتربية التي نتلقاها من دور في تكريس ذلك التنميط والتقسيم التعسفي للادوار ...

مع اختي كنت اكسب مساحة اكبر والكثير من الحرية في ان اعبر عن نفسي وان افهم خصوصية الانثى في واقعنا المجتمعي الكبير والبسيط ..في حينا مثلا وفي وسط عائلتنا الكبيرة كذلك ..كما انها معي كانت تملك كامل الجراة والحرية في التجريب والانخراط في نشاطات ذكورية بامتياز ....

هي انثى وانا ذكر  ولكننا خارج التقسيمات المتعارفة وقوالب التنميط المتداولة ...

هي انثى لها مايميزها كاللباس والشعر الطويل و انا ذكر لي ما يميزني مظهريا كذلك وغيره لا نهتم باقامته او الخضوع اليه قسرا ...

اختي احبها وتحبني واشعر باحساسات طيبة وانا امضي لجانبها مكاتفا اياها او وهي تجلس قريبة مني ..ملتصقة بي 

وصاحبي اعزه ويعزني وبدوره يشعرني باحساسات جيدة وهو يمضي لجاتبي مكاتفا اياي او وهو يجلس قريبا مني ..ملتصقا بي ..

وصاحبتنا بنت جيراننا افهمها وتفهمني واشعر باحساسات طيبة وعجيبة وهي تمضي لجانبي او وهي تجلس بالقرب مني ...

اختي غير صاحبي وغير صاحبتنا وصاحبي "فريد " غير "صاحبي " الياس " و"لمياء " غير " شهرزاد " وغير " نجية "....

وفي المجموع الامور مختلفة تماما عن بعضها البعض ويلزمني الكثير من محاولات فهمها وتاطيرها كل واحدة على حدى واستعاب خصوصية كل واحدة منها ...

مع اختي والامور تختلف من حين لاخر ..احيانا نتجاوز المسموح به ونستشعر كلانا ذلك لكننا نقبل مثل ذلك اللعب ومثل تلك المدعبات ويكون علينا ان نعود من جديد لنرسم الحدود من جديد بين المسموح واللامسموح لنا دائما وفي كل الاوقات وما بين الحين والحين الاخر والممكن في احيان مختلفة تماما ...

نعي ذلك لوحدينا وان غير صحيح ادعاءنا هذا ..لان كل واحد منا وهو مهتم بامر ما يناقشه ويتحرى فيه مع اصحابه ومع من يثق فيهم ولو بطرق غير مباشرة او من بعيد لبعيد ...وقد ينقض كل ما سلم به معهم لانه ببساطة لم يقتنع او لم يجد بدا يدفعه ليعقد الامور كما يفعلون هم او يحاولون القول به صراحة وعلانية هم ...

نعي المحضور الاجتماعي ونعي اكثر اهمية الاسرار الشخصية والتي تبقى فقط بين اثنين ..اثنين لااخر ثالث ..لا اي احد اخر ..

نعي الممنوع الاجتماعي وندرك اهمية التكتم على نشاطنا ولو كنا مجموعة اشخاص ...

نعي الحرمة والحرام والحلال وبمنطق بسيط نوجد مناطق وسطى بينهما وداخل وعينا بحيث لا تعرضنا لاحساسات التكبيت والذنب ...

لم يكن مجرد منطق بسيط انه متى اردت واردت انت كذلك واتفق ان تجرانا قليلا لنكتشف حقيقة ما تريده وما اريده واتفقت ارادتنا ان نفعله او ان نحاول اكتشاف كيف يمكن لنا ان نفعله ودون ان يعرضنا للخطر او للمساءلة او للضرر...وحتى ولو حدث ان اكتشف امرنا احد ان لا نبالي كثيرا لاننا نعرف اننا لسنا الوحيدين الذين قدر لنا ان نكون صغارا في هذه الحياة ...  

لا اعرف تماما...لكن متى انتابني احساس بان ما يحصل معي قد لا يكون هو ما يحصل مع الاخرين ..او وجدت في نزوعا لضرورة ان اداري واخفي احاسيسي ووقائعي الصغيرة كلما تعرضت داخليا لنوع من الانقسام وكلما خفت على نفسي اكثر ...!؟؟..

لا اعرف صراحة هل يجب ان اشك في نزاهتي وذميتي وامضي للابعد من ذلك نحو انهاء الصراع داخلي والخروج من اي احساسات بالذنب او يجب ان اصغر امام الضغط الواقع علي وانحنو نحو اتجاه مختلف انكر فيه علي اي رغبة مخالفة ....!!؟..

في كل هذا كنت اعرف شيئا واحدا هو انني اتغير ..اتحول ..اتطور الى اشكال مختلفة واميل نحو اتجاهات جديدة علي ..وان الرغبة في للمضي في ذلك للابعد مشتعلة ومتقدة ...

في اجزاء كبيرة من ذاتي كنت اقبلني على شاكلتي واحاول ان اتجاوز اية موضوعات تعيق سيري ونمائي الشخصي ...كنت ارفع كتفي غير مبال كثيرا بما قد يعتقده الاخرون عني ..كنت اعقل امرا فريدا واحدا يخصني انا هو انني بداية ونهاية اتصرف كما انا ..كما انا عليه ..وكما ممكن ان اتصرف ...ربما لانني كنت بحاجة للاطمئنان كنت احسم في الامور على هذا النحو ...

في تفاعلتي مع اقراني اعي ان ما نعقله كحقائق عامة قد لا تكون مطابقا لما يحدث على نحو خاص في تفاعلات محدودة مع شخصين اثنين ..بينهما هما لوحديهما...كنت اكتشف انطلاقا من علاقاتي وتفاعلاتي الخاصة كم نحن نتستر على ما نتحدث به ويحصل بيننا حتى فيما بيننا نحن الاثنين نحجم عن التصريح به او تسميته ونتصرف كما لو ان لا شئ حدث او كان يحدث بيننا ...وقد نمضي للابعد من ذلك قد نحجبه حتى عن وعينا الشخصي ونحاول ان نصدق انه لم يحدث معنا كما كنا نتصور انه كان يحدث معنا ..نتصرف وكان سوء تقدير وفهم هو ما ساد وقتها لا غير ...

كان يلزمني من يعزز الثقة في نفسي ومن يميز معي الصواب من الخطأ ومن يقنعني بانني لن اسمح بوقوع نفس الاخطاء ...كان عالم ينشأ داخلي من تقديري الخاص انا ومن محاولاتي لاكون ومن ما اجرب فيه وافكر فيه واتساءل نحوه ..عالم بدات اعقل انه خاص بي لانه وليد مصادفاتي انا وظروفي الخاصة والعامة ولا هو ما يحدث في ظروف اخرى ومع اشخاص اخرين ..

كانت صورتي عن نفسي ليست مرضية تماما وينبغي علي ان اعدلها في كل ما من مرة ولو بتامل صورة اخرى عنها ...صورة مستحسنة ومقبولة اجتماعيا وغير مرعوبة او خائفة على نفسها باستمرار ...كنت اتمنى لو اكون مكشوفا كلية حتى فيما ينتابني من افكار وصور وتخيلات وان يكون هناك من يصحح لي جنوحاتي وبشكل عادي يجعلني لا اشعر بالاغتراب ..

بصعوبة كنت انجز تكيفاتي النفسية ...كنت اتارق كثيرا ويجفل النوم عن عيني ..وابكي لوحدي وبصمت اغتراب مشاعري ..واصحو متعبا ومنزعج المزاج او بلا رغبة في متابعة اي شيء ...

لم اكن املك كامل اليقين في ان ما يحصل معي طبيعي او غير طبيعي ولا اعرف لماذا لا يحصل معي تماما ما يحصل مع الاخرين ..!!؟ ..في المدرسة ...في المنزل ...في الحي ...في الشارع ...في منازل الاخرين ...دائما هناك ما يتفق حصوله معي دون سوايا او يحصل عكسه مع اخرين ...كانت الاختبارات والفروض المدرسية تعقد عملية تعلمي وتحصيلي لمبادئ الكتابة والقراءة ولقواعدهما لانها كانت تضعني في امتحان قدراتي مقابل قدرات الاخرين ..ولما لا احصل على تقديرات بعض الاخرين..يملئني الشك في ذاتي وتتبلبل مشاعري خصوصا انني كنت احاول ان اكون في مستواهم ومثلهم ...وفي الشارع اقابل بتنمر واستخفاف بي ليس الا لانني لا اعرف كيف ادافع عن نفسي مثلما يفعل من يتعرض لمحاولة تنمر ...وفي العابنا لا اعرف لماذا حتى ولو حاولت البقاء بمسافة من الالعاب تلك تكبر في مشاعر خاصة تفسد عفويتي وتربك سلوكي وكانني انست ان يتعامل معي ومن الجميع على ذلك الحال ودون الجميع ...وفي البيت لا افهم سر عزوفي عن البقاء تحث اعينهم وتفضيلي البقاء في وحدتي وفي احلام يقضتي ان لم اكن افعل شيئا اخر يخصني انا وحدي وبهم يركبني انا بمفردي ...

لم اكن استوعب ذلك التسلسل المنطقي للوقائع وللافعال ولردود الافعال ..لم اكن اعي بوضوح ان الحال من بعضه ..وانه مادمت قبلت بوضع الا وقد جررتني لوضع اعقد منه بالتتالي ...وانه ما ان تملكت فك عقدة الا وانحل كل البناء بالتتالي وبالتتابع ...وضع كان يدفعني لوضع وحال الى حال وسلوك الى سلوك اخر من نفس الصنف ..حتى اصابني التاثر في كل نواحي ذاتي وعلاقاتي مع العالم ومع الاخرين ....

خوفي من الاختبارات عمق تشتث ذهني وتركيزي وطرق استثمار المعلومات حتى ولو كنت حافظا اياها واذكرها جيدا ..كانت عندي صعوبات في اجراء عمليات القسمة الحسابية على اعداد ثلاثية ..وكانت عندي صعوبات في تمثل الكلمات لكتابتها سواء في اللغة العربية او الفرنسية ...وكان خوف يلزمني كلما هممت بقراءة نص من ان اتعثر في تهجي الحرف جيدا او في تصويت بعض الحروف في المفردات والمصيبة هو انه لا يحصل الامر مع الجميع بالفصل فيكبر التساءل عندي ..لماذا انا بالضبط اتعثر واخاف وانتهي بالا اوفق مع انني قد اكون من قبل انجزت قراءته او اعرف الجواب عنه ...وهذا دفعني لان اكون اقل تنبها وتركيزا في المرات المقبلة لان شيئا في كان يضعف داخلي في كل مرة كنت افشل او اتعثر فيها ..وعندما كنت انشغل بالتفكير فيما تعرضت اليه قبل دخولي للفصل وما للممكن ان اتعرض اليه بعد انتهاء الحصة يزيد ضياع تركيزي وهذا التفكير كله يعقد من حالاتي المزاجية ويسئ اليها يوما على يوم ويضعني في موقف العاجز عن فعل اي شيء لي ويجعلني اكثر سلبية في تقبل اوضاع التنمر وتشتث الانتباه والاحساس بالعجز والضعف وبانني دون الاخرين وهذا بدوره كان يهز شخصيتي ويحد من قدرتي على الافتخار بنفسي بالبيت ونيل اعجابهم وهذا كان يؤدني داخليا في مشاعري ويجعلني عاجزا عن تحصيل الرضى الداخلي عن نفسي وعن حالي وعن اوضاعي كلها ويعرضني للاضربات في النوم وفي تقلب شهيتي ما بين الرغبة في التهام اي شيء واكبر قدر من اي شيء وما بين العزوف عن اكل اطعمة بلا سبب معقول وبدون ان اعرف لماذا افعل ذلك ...فقط كنت احس بانني اغرق يوما على يوم وتتعقد حياتي يوما على يوم 

كنت احاول ان افهم ومنشغلا بذلك في معظم الاوقات وفي الوقت الاخر اتصرف واسلك كيفما اتفق معي وكانني معدوم الاختيار او القدرة على التغيير ...اصبحت متوثرا اغلب الاوقات وبتقدير سيئ عن ذاتي وزاد هذا من حدة عصبيتي ونرفزتي وسرعة تاثري بالاحداث والوقائع التي تحدث معنا داخل اسرتنا وفي علاقاتي مع اختي الصغرى التي اصبحت غير مستقرة وفيها شطط من طرفي وحب استبداد ...كما افسد علي صفاء تفكيري وتوقعاتي وابتلاني ببعض السوداوية والشك ...

اصبحت مكشوفا في مستوى ما انا عليه من ضعف وعجز وسوء تكيف واداء ...واضحيت مقيما اجتماعيا من اقراني وحتى من الكبار بشكل مسبق يحكم علي ويميزني ...وهذا جعلني غير راض على حياتي وغير مقبل بترحيب على ايامي ولا اعرف ما عساني انتظره كحل او علاج لمشكلاتي ...هذا انا وهذه اسرتي وهؤلاء ابناء حينا وهؤلاء اقراني وزملائي في المدرسة وهذا مجتمعنا ...هذا واقعي وهذه حدودي وهذه انطباعاتي واحاسيسي وما يشغل تفكيري وما في المحصلة يجعلني لا اقبل نفسي واريد ان اكون اخرا غير هذا الذي انا عليه ...

اصبحت في حكم المقتنع بانني لا املك لي الكثير لاتغير للاحسن وللافضل ولما اتمنى ان اكون عليه فملت طبيعيا لاتقبل انهزاميتي وفشلي وضعفي وكل اشكال السلوك الذي اسلكه كنت في احسن الاحوال لا افترض غير ان انجح وبمعدل متوسط وان لا اسلم الا من الادى البدني او تمزيق الثياب من المتنمرين بي وان   اهان ولا اعاقب من والدي على سوء تحصيلي وعلى المعدل الذي نجحت به وان انهر على سوء اداءاتي او تصرفاتي دون ان امنع كليا من محاولات فعل شيء ....

كنت اتغير ..واكبر حجما وتتبدل ملامحي واهتم بمقارنة نفسي بالاخرين وانا افعل ذلك يتحرك داخلي غيض وحنق لانني اكتشف نفسي على غير ما هم عليه اقراني ...زهاء الاربع سنوات بالحي قربتني لا محالة من ابناء حينا ودفعتني لاكون علاقات معهم لكنها لم تكن ندية في مجملها ..بقيت وحدها علاقاتي مع ابناء وبنات "سي قاسم " و" فريد "واصحابه هو طيبة لحد بعيد ..."فريد " كان على علاقة مع الجميع وكان موقرا ومراعى حتى من ابناء الاحياء الاخرى لانه كان يعرف كيف يفرض نفسه وكيف يتسلل الى الصفوف الاولى بينهم والى حد زعامة مجموعاتهم وانا لم اكن الا تابعا له وتحث وصايته وعطفه ..كنت اتحرك وفق ما يمليه علي وتبعا لما يشير علي به ..هو كان مرجعي في التعامل مع الباقي ..هو من يسندني ومن يبعد علي الاذى عندما تسوء الاحوال بيني وبين بعضهم او احدهم ...وهو من يرسم لي حدود تعاملتي معهم لانه هو من كان يخالطهم ويعرفهم اكثر مني واكثر من اي واحد منهم ..

"فريد " كان مفتوحا في علاقاته على الجميع وكان يقضي اغلب اوقاته خارج البيت وكان حركي جدا وتسعفه رشاقته وخفته وصلابة عوده في تجاوز اي اعتداء عليه ولو بسلوك طريق الفرار السريع ...

"فريد " كانت له دوما حكايات تروى وماثر تذكر له بين جماعات الاقران ..فملت طبيعيا لتقبل صحبته خصوصا انه لم يكن معظم الاوقات يسلك معي بمثالبة او يتنكر لي ...

هو كان له ان يدمجني بين الاخرين لكن انا لم اكن اسعف في ذلك مع من اصلا كانت اختي الخيط الواصل بيني وبينهن و بينهم ..وكنت اعرف عنه ومنه انه كان يقصد بتقربه مني التقرب كذلك من جماعاتي الخاصة ..

بخلاف ايام الاحاد وايام العطلة المدرسية لم نكن نجتمع كلنا ابناء الحي لنلاعب بعضنا البعض ونخلق جوا من النشاط والمتعة بيننا بل كان هناك من ينظم الينا ممن يسمح له بالخروج للحي او كان يتفق ان يكون غير مداوم على المدرسة لسبب من الاسباب و عندها كان "فريد "  من نوع معاملته المخصوصة يهبني مفاتيح للدخول الى عالمهم ومعرفة شخصيتهم ومستوى ذكاءهم وميولاتهم وما يستهويهم ونوع موهبتهم التي يمتازون بها ...كان يطلب مني ان ابقى متنبها في البدايات وان استبين طريقته الخاصة في تعامله معهم لاعي بالتالي نوع من انظم الينا ...

"فريد " كان يصدقني معظم الاوقات وطور علاقاته بي لمستوى انه اخد يشركني في خططه للتكالب على هذا او الاحتيال على ذلك او للانتقام من احد...وفي هذا المستوى طور من زاوية نظري ومن رؤيتي للموضوعات ..اذ اخد يكشف لي حقيقة الالعاب وطرق التنمر واساليب الاستقواء على الاخرين ..."فريد " كان ذكيا اجتماعيا ومزودا بخبرة كبيرة من والده بالاساس الذي كان يصاحبه ودون ان ياثر ذلك على سلطته الابوية ..والده كان يريده ان يكون رجلا ولو في هذه السن الصغيرة خصوصا انه ابنه البكر والذكر و"فريد " في حقيقته بيننا كان هو زعيم ابناء الحي ولكن دون ان يتبوا الزعامة علنيا كان يتركها حسب المقام والوضع لغيره ..فهو ما كان يجرا على معاندة اختيارات ابن حينا "محمد الشكذالي " الذي كان مهابا ويحسم خلافاته بالعنف ويميل الى استعداء من لا يتفق معه وكانت قامته الطويلة وصلابته تميزه بدورها بالاضافة انه كان من اسرة وضعها المادي والاجتماعي لا باس بها والى مستوى مستحسن ..كان والده "سي عبد السلام الشكذالي يشتغل مديرا لشركة 'افيم " الفلاحية ويتحرك بسيارة ويبدوا ذا شان عال ومهم وميسور في حالته المادية ..

الحي كان مقسما لقطع ومتعددة اشكال زعاماته ..ففي زنقة عبد الواحد بن عاشر التي تضم الباب الخلفية لمسجد حينا "مسجد تشاد " كان "سيمحمد  ولد ربيعة "من يملك الزعامة هنالك بالاضافة للحماية فلجانبه ابن عمه "زكرياء " واخيه الاصغر "احمد "ولا يبقى من ابناء الزنقة غير"هشام واخوه الصغير محمد "  والصغير "نور الدين الرحموني " وبحكم ان له اخوات بنات وبنات ابن عم له كذلك وهولاء يصاحبن مجموعات البنات الاخريات فلقد كان يجد نفسه بدوره مهعم يحادثن ويداعبهن ويمزح معهن ويفرحن هن بحضوره ومشاركتهم تجمعاتهن ...اخواته البنات "حنان ..احسان بهية..."كنا منظمات مع مجموعات بنات "سي قاسم ": "بدرى ..قمرية ..شهرزاد ..لمياء "واختي بدورها كانت منظمة لهن ..وكان طبيعي ان اجد نفسي ومن جديد في مواجهة "سيمحمد الشكذالي" ولكن هذه المرة بعيدا عن الانفة التي كان يتعامل بها والصرامة الى حد الاستعداء التي كان يتظاهر بها وربما ما سمح لنا بالتقابل والتصادق هذه المرة انه لم يحصل من جهتي اي رد فعل سلبي على ما كان يصدر سابقا منه على انه كان من المحتمل ان اواجه تعنفه بالوقوف خلف اخوتي الكبار الجاهزون لموازرتي حسب الظرف والموقف وبالرجوع للاعراف الاجتماعية ...

"محمد الكنفاوي " اخو "احمد " الصغير منه والذي يماثل عمرنا كان من زعماء الحي وعلى قدر كبير من الذكاء والاستقلالية بنفسه ومن الذين كانت لهم علاقات خارج الحي وقدر من التجارب والمعرفة الاجتماعية ...وكان بيتهم الصغير والذي سطحه بدون سور  متفرد في زقاق يصب في دربنا ...بينما كان الزقاق الاخر الموازي له والذي تفصلهما عن بعضهما "الباكا "ذاك الجنان الصغير المدمرة اسواره تؤول الزعامة فيه ل"ولاد مجاو " على ثلاثة مراتب عمرية متفرقة ففي مرتبة الصغار كان "رشيد مجاو " وللاكبر قليلا منهم كان اخوه " خالد " ولمرتبة المراهقين كان اخوهما "يوسف " الذي كان يماثل عمر اخي "فؤاد " الذي يكبرني باربع سنوات ...

كنا نحن الصغار نقارب عدديا فئة مراهقي الحي ..كنا في حدود الخمسة عشرة طفلا ومثلها مراهقين ذكور ..البنات كن فئات متعددة بدورهن وتميز النوعين عدد من المسافات والحواجز قد تقصر وقد تطول بحسب العمر وتقاربه وبحسب الفضاء والزمن الخاصين ...

ابن الخمسة سنوات التي ولجت بها الحي وتعرفت فيها على وجوههم واسمائهم غير عمري الحالي بالازيد من التسع سنوات ..حدث تقارب تعارفي واعقبه تباعد وتقاربات اخرى شكلية ثم حدث تقارب نوعي جديد من حيث اننا بتنا بهذه العمر اوسع اضطلاعا على فضاءات المدينة واكثر حرية في اكتشاف المجال والنشاط فيه وهذا اسهم في اعادة اكتشافنا لبعضنا البعض اذ لم نعد محدودي الحركة ومقيدة اكثر ساعة خروجنا للزقاق والعابنا كما ان قدرتنا على الحكي والتحدث تطورت بتطور اهتمامتنا ومستويات تعلمنا المدرسي ....

لم نعد ميالين طوال الوقت للتحرك والجري واللعب بل اضحت لنا اوقات لنجلس فيها لبعضنا ونتحاكى ونتحدث ونغني ووقت لنتمشى فيه بالجوار او لنجلس بصمت جنبا لجنب بعضنا البعض ..هذا الصمت وفسحات التحدث لبعضنا البعض جعلتنا نكتشف كم نحن مختلفون وممكن ان نكون مدهشين ومثيرين للاعجاب وبالمقابل كم يمكن ان نكون تافهين وضحلي المعرفة وسدج وبلديين ...بالاضافة الى تنبهنا بوضوح للفروقات الجسمانية بيننا ولمن موعود منا بان ينمو بسرعة وعكسه ..ومن منا يتمتع ببعض الملاحة والرشاقة ومن منا يستزيد عليها بقدرته على ان يلبس ويرتدي افضل الثياب والاحدية ومن عليه على الدوام ان يغطي على نقصه وفقره وضعف بنيته او على عيب خلقي عنده ...

اصبحنا نتزاور ونطرق ابواب بيوت بعضنا البعض ونتنادى واصبح بامكاننا ان نختار مع من يمكن ان نقضي الوقت ونتلاعب ونمرح ونستمتع من غيره ..من من لا نحس معه بالارتياح او بالاثارة ..اضحى بامكاننا ان نختلق الاعذار ونكذب لنزيح من لا يروقنا مخالطته ورفقته ونحسسه بانه غير مرغوب فيه لسبب او اسباب لعلنا تحدثنا فيها ووجهنا الانتقاد اليها ...

اصبحنا اكثر ذكاء في تعاملاتنا مع بعضنا اذ اصبح هناك اختيار اول وثاني وثالث وحسب مزاجنا ورغباتنا واهوائنا اذ يمكن ان نقبل برفقة واحد منا فقط لانه لا يتوفر غيره في الحي ولا يوجد اخر محتمل اكثر من من وجدناه يعيش الفراغ ومتاح له ان يكون بالخارج بالزقاق او الدرب ..

واصبحنا نميل للتعامل السياسي اذ لا نرفض احدا كلية ولكن قد ندفعه ليتركنا ويدعنا فقط لاننا لا نريده في انها معنا وقد نتفق على ان نتزوار دون علم اخر لاننا ببساطة لا نريده ان يكون معنا ونحن قد ننطلق لنصعد سطح بيت احدنا لنجلس به هنالك ونتلاعب او نجلس لنتشارك الاحاديث والاستمتاع بالوقت جنبا لجنب بعضنا البعض ...

هذا المستوى من التعامل بيننا هو الذي ميز بيننا و ادخلنا لابواب تكوين صدقات ورفقات وصحبات حميمية ...كنا نعرف بعضنا البعض كلنا على اننا ابناء الحي الواحد واقران لكن بات هذا مستوى من التعامل والصحبة والصداقة والرفقة شيء اخر ..مستويات اخرى من التعالق تسمح لنا بتكوين مشاعر وانطباعات عمق عن بعضنا البعض وتدفعنا بالتالي لاتخاد خطوات محسوبة تجاه بعضنا البعض ..كنا قد نكذب بحضور الاخرين وندعي لكن لم يعد مقبول ان نكذب او ندعي ونحن اصدقاء واصحاب او رفاق ..واصبح طبيعي ان نهتم ببعضنا البعض ونصحح اخطاء بعضنا البعض ونتواثق بمعرفتنا لبعضنا البعض ونتحدث اكثر عن انفسنا وخواطرنا ونتبادل التعريف باسرنا لبعضنا البعض واصبح ممكن ان نكتشف بيوت بعضنا البعض ...

لم نكن نغفل عن ما يشدنا لنكون علاقة مع اخر بل اضحينا اكثر تنبها لدوافعنا ولميولتنا ولمستويات كل واحد منا وكان يهمنا ان نكسب رضى اهالينا عن علاقتنا لانه كان طبيعي ان نتجنب الابقاء على علاقتنا مع من اتخد والدينا او اخواتنا موقفا سلبيا منهم وطلبوا منا الابتعاد عن مرافقتهم ..

كان علي في هذه المرحلة ان احكم عقلي جيدا وان انظر مليا لنوعية دوافعي ومشاعري تجاه اي اخر قبل ان ابدا في الانتظام على التفكير في انني قد اقبل بصداقته او اسعى اليها وارحب بها ..في اجزاء من ذهني كنت انشغل بصورة الاخر وبمجموع الانطباعات التي يخلفها اللقاء به واسعى لمحاولة تفكيكها وفهمها والنظر في مستقبلها ..في الممكن وغير الممكن ان تتطور اليه ...

كنت جادا في بحث علاقاتي مع الاخرين افكر فيهم جيدا واراجع باستمرار تطور مستويات علاقاتي بهم ...ابحث في الرغبة الاساسية التي تجعلني على حرص في ابقاء علاقتي به او تطويرها او العمل على انهائها ..انظر في نوع التكامل الذي لربما يحدث في اللقاء والتواجد مع بعضنا البعض ..واهتم بمستوى الاحترام الموجود بيننا والى نوع التبادل الحاصل بيننا وابحث في اشكال التاثير الممارس بيننا على كلينا ...

اصبحنا نسعد بالتعبير عن سعادة لقاءنا وتواجدنا معا ونراهن على ان ياخد قدرا كبيرا من زمن اليوم ولما لا ان يمتد لليوم الاخر الاتي ولكل ما كان متاحا من الاوقات ...

اصبحنا نجيد التعامل مع بعضنا البعض ..ونحرص على ان لا نفسد الوقت الذي نمضيه مع بعض ونحرص على ان نسيء لمشاعر كلينا لان علاقتنا مع بعض تهمنا ونشعر بتميزها ...

بهذه العمر كنا ابناء حي كبير واحد واقران ولكننا اضحينا الان مجموعات اصحاب ومجموعات رفاق ومجموعات اصدقاء وفي نفس الوقت كلنا نظل ونبقى على علاقتنا الكبيرة التي تجمعنا كلنا وتقدمنا على اننا ابناء الحي الكبير الواحد....

لم نعد ميالين للخصومات الطارئة والتي تحسم فيها انفعالتنا او يدفعنا طرف اخر لنميل اليها ..وحتى عندما يحدث خصام نعود باسرع شكل ممكن لنتصالح ونستعيد علاقتنا ...

اصبح هناك تقدير لنوع العلاقة التي تربطني بهذا وذاك ولاختلاف مستويات التعامل داخلها قد اقبل نوعا من التكالب علي من هذا وقد لا اقبله من الاخر لانني ببساطة حريص على ابقى على علاقة بذلك حتى ولو كان فيها ما يجعلني غير مطمئن تماما له ..ربما لانني اقدر في خسارته خسارة تواجد مع اخرين يحيطون به وياتمرون بامره وشكلا من العزلة قد اتعرض له ..اصبح هنالك هاجس ينتابني ازاء الاخرين وعلاقاتي بهم وازاء تواجدي بالخارج ..اصبج يهمني لدرجة غير هامشية كيف افرض نفسي بالخارج وكيف ادافع عن وجودي بين اترابي واقراني ...كنت استوعب اكثر معنى وحدود العلاقات مع الاخرين وتحول انشغالي من مجرد استغلال فرصة وجودي بينهم للاستمتاع بها الى هم خلق هذه الفرص ...اصبح يهمني ان تكون لي علاقة مع العالم الخارجي ومع الناس ومع هذه الوجوه التي تلحضني وتراقبني وتتبعني وتحدد نوع سلوكها معي ..تطور اكثر اهتمامي بكبار ناس الحي وبشبابه وباليافعين منهم ..كنت قد تجاوزت على كل المستويات واقع انني بعد دخيل على هذا التجمع البشري من الاهالي والجيران والناس الان بت انتمي فعليا لهذا الحي ولهذه المنطقة السكنية ولكل فضاءاتها ولمؤسساتها التعليمية ولمرافقها كالدكاكين والسوق والمسجد والكتاب والمحالات والفرن والحمام ....والان هم باتوا يعرفونني باسرتي وبمستواها ووظيف والدي وعدد اخوتي وجنسهم ...."فريد " مع تطور علاقاته بي ومصاحبتنا اصبح مكشوفا لي اكثر بعيوبه وبقدر تنمره حتى علي كان يعرف انني تعلقت به اكثر من احساس بالحاجة لمن ياخد بيدي ويقدمني للاخرين ويفسج لي مجالا لاتعرف عن قرب عنهم ومحاولة مصادقتهم فاضحى يتعامل معي بفوقية وبنوع من السيطرة فهو لم يعد يقبل بالخروج عندي كلما ناديته كما لا يبقى معي الا بحسب مزاجه ...ويوما على يوم اخد يتولد عندي احساس بانني اصغر امامه وانه يبتلعتي ويوجهني بحسب هواه وهو ما دفعني بدوري لابدا في وضع مسافة بيني وبينه ...كان وهو يلاعبني يريد اقحامي في ادوار سلبية ينتهز فيها مني ويستغفلني ويستغلني كما اخد لا يراعي التمويه والتغطية على الاعيبنا الخاصة وغدى متحرشا جنسيا بي بشكل مفضوح ومبالغ فيه مما دفعني لابدا في الثوران ضده والوصول لحد الانتفاض في وجهه ومخاصمته ..وهو كان يبدي عدم اهتمامه او حرصه على علاقته بي فكان يبتعد عني كمحاولة منه لجعلي استجدي واتوسل عودة الصفاء بيننا لانه بالفعل كان يتركني عرضة للوحدة وللفراغ وللاحساس بالسام والملل ...

كان لا بد من اخد افكار واضحة عن ما يحدث بيننا وعن ما نعبر اليه من باب اننا نلعب سوية ونترافق ونحاول الاستمتاع بقرب الواحد منا بالاخر وان اعي نظرة الاخرين لسلوكنا الذي كنا نحاول بقدر ان نموه عنه لكن كان هناك من ينتبه اليه ويستطيع رصده ...وهو ما خلف داخلي رغبة قوية في السعي لتجاوز نظرة الاستنقاص التي كنت احس بانها توجه الي ومنها الى بدا رفض ان يعاملني على ذلك النحو والاجهار صراحة بانني ارفض هذا النوع من الملاعبة الذي يوصمني بنعوث اقلها انني سلبي وضعيف الشخصية ...

هذه المرة وضعت حدا لعلاقات لا شعر فيها بتمام احترام شخصي وكل ما اجر اليه فيها لا يعرضني سوى للمهانة ولا يميز فيها بين مايصح سلوكه معي كذكر و انما يساوي بيني وبين الاناث او بمن هم يقبلون ان يتم معاملته على نحو وسط بين الذكور والاناث ...

لعلي كنت لاقبل لو بقيت العيبنا بيننا وبتراض تام بيننا وطي الكتمان والسر وغير فاضحة وعلنية باشكال متنوعة تروم الى اخضاعي والتحكم في واعطاء فكرة سيئة عن ميولي ونزوعي ...لم اكن لاستشعر بانني ارتكب اي عمل شائن او سلوك من شانه ان يجعلني اشعر بالدونية او بالذنب فانا بعد صغير وبعد استكشف الحياة واتعرف على دروبها واختبر صروفها واحاول ان افهمها من موقعي وبما قدم لي من معرفة جاهزة عنها وعليها ...

كان علي ان اعيد رسم حدودي مع الاخرين وسلوكهم نحوي ومن منطق جديد اصبح خاضعا لقيم ما يصح ولا يصح ..ما ممكن التساهل نحوه وماويجب رفضه جملة وتفصيلا ..وما ينبغي التفكير  فيه مليا قبل السماح بوقوعه وليس مع اي احد ولا اي من كان ....وكان علي ان اعيد الوعي بالرغبة في وفينا وان اتساءل في ماهيتها وفي ما يحركها فينا وياججها فينا حتى ننساق دون التفكير في العواقب ولو كانت مجرد مواقف رفض صارم وتقريع لنا لن يتحول الى عقاب او تهديد واضح به ....

لم يكن سهل علي الشك في قناعاتي السابقة وافكاري عن العالم والوصول الى تبني فهم جديد ووعي جديد للمحيط بي ولاحساساتي به ..هذا النوع من العبور لم يكن يقع بشكل سلسل ودون ان يثير الكثير من الخوف والقلق والريبة داخلي ..لم يكن هين ان اصحوا فجاة وان اجرا على اتخاد اجراءات ومسافات من الاخرين وكانني غير ما كنت عليه ...استوعب انني اكبر في العمر لكن بما لا يتناسب باجراء تحولات سلوكية ونفسية وبمفردي ...

الذي حدث انني فجاة بدات اقيم رصدا مزدوجا لسلوكي العام وسلوك العامة معي ولاحساساتي الخاصة ..لما يتولد عندي من استثارات وانطباعات وهواجس وخواطر ...فيما سبق كنت انفعل مع الاحداث والوقائع والاوضاع والمواقف اولا باول واستدخلها في نسق بسيط ولا ابالي كثيرا بانطباعات الاخرين عني ..الان بات علي ان اقيم المسافات وان انتبه للحدود وان لا اسمح لنفسي بالانسياق وراء انفعالات انية او لحظية وكانني لا اعرف ...ولكن المشكل كذلك هو ما الذي اعرفه الان ولم اكن اعرفه سابقا ..؟؟! ..

كنت افهم منذ زمن جد مبكر العابنا ورغباتنا في التقارب والتعانق والاحتكاك ببعضنا البعض ...كنت لاستشعر رغبات الكبار في احتضاني والتقرب الي وتقبيلي ومداعبة شعري ..جسدي ..كنت استحلي عناقات الكبار وان اكون قريبا منهم ومحط عنايتهم وحبهم وتدليلهم ودفئهم ...كنت استمتع بان نراوغ بعضنا البعض قبل ان نتكاشف ونختلي لنتلاعب ولننظر في هل كبرنا كفاية او لازلنا بعد صغارا ...

لكنني افهم الان انه لا يصح الكثير مما كنا نقبل به بيننا او بيننا وبين الكبار وان علي ان انتبه اكثر من ان انخدع وان هناك الكثير من الاستغلال بشكل مخادع بين اقراني وبين اليافعين وحتى الكبار ...

افهم ولكن ماذا عن احساساتي الخاصة .؟!.وماذا عن عواطفي الشخصية  ؟! وماذا عن كل تلك اللذات الصغيرة التي كنت احصلها ...؟!..

كشف كان متعب ومرهق واحيانا كان يبدوا لي بانه بلا معنى ولا طائل منه الا تعقيد الامور بما لا تحتمله ...

فجاة اصبح لزاما علي ان ابعد رفيقي عن مكاتفتي والسير جنبا لجنب لجواري والوقوف مجانبا لي مقتربا اكثر مني ...وفجاة اصبح ينبغي ان اخد مسافة من رفاقي وان لا اسمح لهم بالدنو مني دون سبب واضح ومعقول مني لان ذلك قد يصبح تحرشا جنسيا بي على اننا لطالما تلاعبنا مع بعضنا البعض واستمتعنا بذلك ولم نكن نقيم مثل هذه الحدود ولا كانت احكامنا قاسية على بعضنا كما اضحينا ...

فجاة اصبح علي ان اتحسس من ملامسات الكبار الي وان اكبر على جلسة حجرهم وتقريبهم لي ...

كنت احاول ان افهم اكثر ...كنت افكر اكثر في هذه الموضوعات بهذه الجدة التي الت اليها ..وان اعرف ما تروم تغيره فينا ونحو ماذا ...؟؟!..

بدون ان نفكر كثيرا كنت ادنوا من اختي ..من صاحبي.. من صاحبتنا ..ونسمح لبعضنا بمثل هذا الاقتراب ونستشعر الدفئ يسري بيننا وبرغبتنا في ان نتكاشف اكثر ونتدبر امر ملاعبتنا لبعضنا ..لم نكن نقيم حواجزا او نعليها بيننا ..لم يكن هناك ذالك الذي يصح ولا يصح بيننا ولا ذالك الحرام والحلال ولا ذالك الفاعل والمفعول به ..ولا ذالك الخوف كله من ان نستكشف وان يرانا الاخرون .....

اشياء كثيرة في رفضت هذا الاختلال في توازني وابت ان تتورط في تقويل الامور العادية والبسيطة والممتعة التي كانت تحصل بيننا بمثل ما اخدت تتقول به والذي يفوق مفهوم الاخلاق والتربية كما كنا نحاول استعابه والتقيد به لمفاهيم اخرى تجرم افعالنا وتوصمنا وتعرضنا للبلبلة وللزلزال ...

اول ما دق الجرس داخلي هو عدم تسامح الاخرين نحونا ونحو العابنا ..وعادة كان هؤلاء الاخرين من من لا يشكلون دوائرنا الاقرب ..لم يكونوا عائلتنا او اسرنا كانوا من اولئك الذين قد نعرفهم ولكن على اعتبارهم اخرون بعيدون عنا ..ربما جيران ..وربما جيران احد اقربائنا ..عمتي ..او احد معارف العائلة ..ومن بعض اليافعين الذين لم نكن على علاقة مباشرة بهم ...وقد يكون احد اصدقاء اخوتي الذي لا نعتقد في ان له اي حق في توجيه سلوكنا نحو الشكل الذي يقول به ...

واولى واقسى ما نبه حواسنا وازعجنا جدا هو عدم تسامح الاهل معنا والذين فجاة اصبحوا اكثر ترصدا لسلوك لعبنا ومكوثنا مع بعضنا البعض واضحوا كمن يتجسسون علينا ويحاولون مباغثتنا والامساك بنا ب"الجرم المشهود "..ولهجتهم التشككية في نوايانا وفيما كان يجري بيننا ...

كانوا يعلون داخلنا وفيما بيننا اسوارا وحواجز ويقيمون متاريس مراقبة وتفتيش في سلوكنا ...والمصيبة ان هناك منا من اجرى ذلك التعديل القسري باوتماتيكية وبانقلابية تامة وفجاة اصبح هو نفسه غير ذلك الفرد الذي كنا نعرفه ونعرف بعضنا البعض ....واصبح هو نفسه يراقب ويفتش ويشي ويدين ويجرم ....

باشكال عدة كنا نحتج ونستنكر ونرفض الانصياع لهذا التمييز الجديد ولهذا الاقبار للحرية وللعفوية ..انا كنت مع الجهتين كنت مع البنات والصبيا ومع حقنا في الاختلاط والرفقة والمضي كما كنا ومع حقنا في ان نعبر عن رغباتنا وعن ميولاتنا في الحدود التي نحن من اقامها منعا لاي انسياق غير محمود العواقب ...وكنت مع فتيان واليافعين والصغار ومع حرية ان نقترب من بعض ونتصاحب ونتلاعب ما دمنا لا نفكر في اذية احد او تحويل مسار واحد لما لا يرتضيه لنفسه ....

لم نكن نعرف بانهم سينقلبون علينا بحجة اننا كبرنا وانهم يسعون من جديد لفطمنا عن احساساتنا ومتعنا الصغيرة والرغباتنا الطبيعية العادية ...

كنا نشعر بالغبن وغير راضين على ان يعسكروا فوق رؤسنا ويعيدوا رسم الحدود بيننا ويقيموها مفاتيش تحكيم في نويانا وفيما يخص ابسط رغباتنا في ان نكون بالقرب من بعضنا البعض ونتحدث ونترافق ونستمع لبعضنا البعض ...

كان علي ان اتخد قراري الشخصي وان اتحمل كامل مسؤليتي كنت احمل تمام الرفض لمشروع اعادة ادماجنا الاخلاقي /الاجتماعي..كما كنت ضد التقسيم النوعي ووضع الحواجز النفسية والاجتماعية بين الذكور والاناث الاقران وكنت رافضا لقوالب تنشئة الذكور المخالفة لقوالب تنشئة الاناث كنت ابن مدرسة عمومية مختلطة ونزعم كلنا اننا في حاجة للمزيد من حرية الاختلاط بيننا والانسجام والتعاون والتكامل وانه ما عاد مقبول سلوك الحريم السابق ولا تلك التربية المحافظة والمتزمة التي تكسر من مقاديف الانثى وتنقص من شانها وتحط من كرامتها ...كنا مع المساوات بين الجنسين والفرص المتاحة لهما ....

كنا نشعر بغبن امهاتنا وعماتنا وخالاتنا وبنات عائلتنا الكبار المحرومين من فرص التعليم والخروج للعمل والسفر وممارسة التجارة ومن اختيار قدرهم ومستقبلهم ولا نريد ان يكون ذالك نصيبنا ..

كنا نشعر ان الكبار يثقلوننا بفعل وتعلم اشياء والسلوك على نواحي معينة وانهم يقسون علينا بما لا نستوعب اهميته ولا الجدوى منه وانهم باتوا اميل كثيرا ليحولوا سلوكنا وقناعتنا بدعوى اننا كبرنا ونكبر ...كانوا كمن يسلخوننا عن جلودنا ويهيؤننا لنفقد عفويتنا وبراءتنا ولعوض ان تظل عيوننا مفتوحة يغمضونها لنا بما لا نستسيغه ولا نقبله الا على مضاضة ونعاني في ذلك ...

كانت الاشياء العادية التي تحصل بيننا تتحول برقابتهم وبرصدهم الفج الى اشياء غير عادية وقبيحة ومذمومة ومنها ما هو حرام بشكل صريح ....

كانت قوانين جديدة تسن ولوائح جديدة تفرض والكثير من عدم التسامح يبرز ....كانت قيم جديدة تناقض القيم التي تشبعنا بها سابقا تطفوا وتملا السطح ..وكانت قيم تبخس واخرى تتزعزع من حديها ...اصبح الصدق نسبي ...واصبح الكدب كدبا ابيضا واخر اسود ..والكلمة والوعود غير ملزمة ...وما يجوز في مقامات لا يجوز في كافة المقامات وتنعدم الحدود وتفقد معالما منها وتختلط وتدبوا في حدود اخرى ....

اصبحت متذمرا من فكرة انني اكبر او كمن يرفض ما يرافق واقع انني اكبر ..كنا لمستويات بعيدة مرتاحين وغير متناقضين ..وطبيعين ونتصرف بتلقائية والان علينا وعلينا وعلينا لا نعرف كم من قيود علينا ان نغتل بها ونتقدم بها في عمرنا هذا ...

هل كنا مغفلين او مستغفلين ...؟!..ولماذا الان يطالبوننا بالامتثال للقواعد وللنظام الجديد ؟! لماذا كانوا متساهلين معنا ليصبحوا متشددين الان معنا ...؟!!..

كانت حريتنا تضرب في الصميم ..وتفردنا يسلب منا اصبحوا الان اكثر ميلا لمقارنتنا ببعضنا البعض واعلاء نماذج على نمودجنا ...فجاة اصبحنا دون المستوى وقليلي التربية وغير منضبطين وكسولين وثقيلي المزاج وغير مسلين وفاشلين وبين بين ...اصبحنا نقيم بشكل مستمر ونانب ونوبخ ونعاقب مما يفقدنا اعصابنا ويبلبل  مشاعرنا ويعرضنا من الداخل للانكسار وللفوضى ....

لم نكن كلنا نستغفل بعضنا وانما كانت العابنا تفرض نوعا من التصرف النحوي السلوكي واشكالا من التظاهر كانت تلزم بان نتبادل المواقع ونبالي هاهنا ولا نبالي هنالك ونتقبل تجاوزا على حساب انصياع معين مقابل ...كان الهدف ان نستمتع بالوقت ونستمتع اكثر بالتصرف على نحو ما ينسجم مع تقبلنا وما يتولد فينا من استثارة ومشاعر التلذذ ..وتعلمنا ان نتجاوز حد التعبير الصريح لانه يفسد اللعبة التي نريدها كما تاتي وكما تطلب التمهيد وظروبه من الوصول اليها ...والاهم اننا لم نكن نجهد انفسنا بالكثير من التحليل ومحاولات الفهم ولا نسمح بترسب لمشاعر الذنب او الاثم ان يطال اعماقنا ...كان يحدث ان نلعب فنلعب وبانتهاءه ننتقل لامر اخر دون حاجة لان نبرر تصرفاتنا او نتارق بما دفعنا للاستسلام لتيارها وكاننا فعلا انجرفنا نحو الممنوع ونحو المحضور ونحو ذلك الحرام والمجرم اجتماعيا وقانونيا .....

كانت امور اخرى  تحدد طبيعة التعامل العام وامكانية المرور الى ذلك النحو الخاص والحميمي من العابنا ..كان الجسد ..وكانت القامة وكانت الملاحة او الجمال الخاص ..وكان زمن العلاقة ومدى استقرارها وامتدادها ..وكانت نظرة الاخرين وتقيميهم لنا ..وكانت مساحات التحرك الخاصة بكل مجموعة منا وكان الزمن الخاص لكل واحد منا عامل بحد ذاته حاسم في تقرير امكانية الدخول لعالمنا من عدمه ...وربما كان كل هذا ما وفر لنا الامكانيات تلك للاستمتاع وللاستكشاف ...لكنه بهذه العمر اضجت معايير اخرى يستلزم استفاءها وتحققها ...فهمنا الدرس جيدا وكل بحسب طريقة تلقينه له وما خلف داخله من اثار او جروح او شروخ ...بتنا نعي اساليبهم في سوقنا وتربيتنا وتدجيننا ...وبتنا نضع المسافة بيننا وبينهم ..وكان عليننا ان نتفنن اكثر في التظاهر والتمثيل والخداع وان نتعلم كيفية صياغة الكذبات وكيف نتهرب من محاولات التحقيق معنا واستنطاقنا ..كيف نحقق اكبر قدر من الزوغان من رقابة الكبار ووصايتهم ...كان علينا ان نجتهد كلنا في دراسة اساليبهم معنا وطرق تحكمهم فينا وتقيد حركتنا وان نتبادل الخبرات بيننا ..الطرق الناجحة للافلات من العقاب ومن الرصد ومن التتبع ....كان لكل واحد منا نوع من مشاكله الخاصة مع والديه او اخوته الكبار والتي تشمل التضييق والمنع والحد من الحرية والقدرة على التصرف ولكل منا سوابق جنح فيها وضبط فيها ربما سرقات صغيرة ..ربما اعتداء على ملكيات الاخرين ..ربما تجاوز اخلاقي جنسي ...ربما اعتداء وعنف في حق الاخرين ....وبمثل ما كانت لكل واحد منا كنيته او صفة تلصق به ومعروف بها ..كان لكل واحد منا موقعه المحدد والمرسوم بين الجماعة ومع الاقران ولعلنا تنبهنا لضرورة ان نبدا في هدم ذلك وتصحيح الاوضاع وتغطية نقص كل واحد منا لنتمكن جميعا من كسب اكبر الهوامش للحرية وللعب ولابراز الذات ...كان علينا ان نفرض انفسنا هذه المرات كابناء حي واحد وكزمرة او عصبة واحدة متجانسة وتكمل بعضها وتفرض نفسها امام زمر وعصب ابناء الاحياء الاخرى...بشكل او باخر كنا نعمل على توحيد صفوف الصغار والفتيان لنضبط جو اللعب ونتجنب المشاكل التي تنتهي بتدخل الاهالي وفرض المنع والعقوبات ...

انا استوعبت الوضع الجديد جيدا وكنت مع محاولات العمل على احتواءه لصالحنا الخاص ..كنت ارفض التدخل المستمر من الاهالي لتقزيمنا واظهارننا وكاننا بلا راي وبلا رغبات وبلا حق في الاختيار ولا نظرتهم لنا باننا بعد صغار وسدج وتحث وصايتهم ....

بالبيت كان علي ان اتحول لممثل صغير يختلق الاكاذيب الصغيرة ليغطي على الفضول الكبير الذي يتحرك في والذي كان يدفعني باستمرار لابحث في ممتلكات الاخرين واعراضهم ..كان يثيرني ان اعرف ماذا يخفون هم كذلك باستمرار ...وكان يشدني نوع كذباتهم وتظاهرهم ونوع الاتفاقات التي ينشؤنها بينهم للتغطية على سلوك احدهم او على خطء واحد منهم 

بالبيت كان علي ان ارعى شخصية جديدة تتكون مني ..شخصية عليها ان تكون متكتمة وتحتفظ لنفسها باسرارها الخاصة ...شخصية مراوغة تستطيع ان تتهرب من بعض المسؤوليات او تماطل في اداء واجبات ...شخصية تستطيع ان تمثل الضعف لتستحود على العطف وعلى فرص افضل ..شخصية مسالمة وهادئة وخدومة ومبادرة وحريصة يثق الكبار فيها وتكافئ على الدوام ....شخصية تترصد وتخطط..وتنتهز وتمسح اثار ما حدث وتعود دوما الى سكينتها وكانها ابدا ما فعلت شيئا .... 

كنت اعرف انني انشا احدا قادرا ان يستوعب كل المتغيرات من حولنا ..كنت اعرف انه علي وحدي ان اجد الصيغة التي تجعلني مقبولا بينهم ...وفي سعي لايجادها كان علي ان اجرب العديد من الاشياء لاختار منها ما يصلح لي ويخدمني وما لا يصلح لي ...

كنت اجري التحول داخلي وافكر طويلا في اموري وفيما يحصل معي ومعنا ...ويحلوا لي ان ابقى اوقاتا لوحدي لارتب ذهني ولانظر في احوالي ...وشيئا فشيئا اصبح الليل يستهوني ..اصبحت احب ان امكث تحث ظلمة الغرفة والبطانية لافكر ولاسترجع الصور ولاحلم ولابكي احيانا ...

كان لي كوخي الخشبي الصغير المسقف بصفائح القزدير الذي بناه لي والدي بمجاورة غرفة سطح سمير وخالد والذي اعطاني معه حرية استقبال من اختارهم من اصحاب ورفاق وان ارتبه على طريقتي ودوقي ...وكان هذا الكوخ مفخرة لواحد في مثل سني لانه صعب جدا ان تجد بين اسرة متعددة الافراد من يملك غرفة مستقلة لوحده حتى ولو كان كبيرا بما يكفي ليكون له مكانا خاصا به ...

كوخي الذي اتعبني محاولة تدبر له الخصوصية التي تلزمني والاحساس بالامان والامن الذي كان ينقصني فيه الا ان قرر الوالد ان يصنع لي بابا خشبيا له كان بامكاني ان اقفله من الداخل بمزلاج صغير ومن الخارج بقفل معي مفتاحه...

كوخي الصغير والاستثنائي في كل محيط الحي قربني اكثر من اخي سمير ومن عالم اخي سمير لانني اصبحت جاره وصديقه الصغير والذي يوفر له فرص شغل صغيرة كتنظيف حضيرة الدجاج وصناديق الحمام التي يربيها ..كما الاهتمام باصاص الزهور والنبتات التي اقامها ...اصبح سطح المنزل شبه مملكتي الصغيرة ..صنع لي والدي طاولة مكتب رائعة التصميم بينما حولت صناديق بلاستيكية للخضار مكتبة لكتبي ولمجلاتي ومجموعة قصصي ..كانت لي كنبتين متقابلتين وحصير وفرته لي الوالدة بالاضافة لعدد من اجود بطانات خرفان العيد الصوفية والمعالجة جيدا ..كان هناك مصباح اضاءة بالكوخ ومسجل كاسيط اصلحه الوالد ليصبح في ملكي هو ومجموعة صغيرة من كاسيط المسجل من بينها اشرطة فارغة لاسجل فوقها تيترات المسلسلات واغاني البرامج التي افضلها ولتذكرات صوتية لاصحابي وصاحباتي من ابناء وبنات الحي والعائلة.. 

اخدت مسافة بيني وبين الجميع ..اصبحت اكثر استقلالية بنفسي ..اصبح بامكاني ان انام وحدي بكوخ السطح وتجاوزت مشاعر الرهبة والخوف التي انتابتني في بادئ الامر ..خوف غير مبرر او مبرر بما يكفي لكن قهره كان سهل ..كان يكفي ان اقتنع من الداخل بانني بامكاني ان افعلها وان اكبر على مخاوفي ..وان اكبر ...وذلك ما حصل ..

لا يمكن ان ينكر علي احد خوفي المشروع من النوم وحدي في كوخ بالسطح مع تواجد اسطح بيوت الجيران المتقاربة من بعضها والتي يمكن لاي متسلل ان يقتحمها الواحدة تلو الاخرى خصوصا مع عدم وجود ابواب بقفل لهذه الاسطح ...لكنني اقتنعت بانه بجانبي من له ان يحميني ويوفر لي كامل الحماية والدفاع عني ضد اي اعتداء او محاولته ...كان اخي سمير ينزل الغرفة المجاورة لكوخي وهو كبير وقوي بما يكفي ليهبني الامن والامان ...ثم كان علي ان ابدا في عقلنة مخاوفي بحسب ما نبهني لذلك اخي فؤاد وان ابدا باستعاب المخاوف الواقعية والجد واردة والممكنة من الجد المستبعدة او الغير المعتادة الوقوع دائما .....

لم يكن لي غرفة مستقلة مثل ما كانت لي "سيمحمد الشكذالي " ولاخيه "احمد " ولا سرير مثل ما كان لكل واحد منهم ولا خزانة ملابس انا كل ما كان لدي كوخ خشبي مسقف بصفائح قزدير واثاث تدبرته بمعرفة الوالدة والوالد حتى اصبح ممكن العيش فيه والنوم به والدراسة به واهم ميزة كانت لي به انه كوخي لوحدي ولا يشاركني فيه احد وانه مسموح لي بان استقبل فيه اصحابي واصدقائي بشرط ان لا نثير الفوضى او الضجيج وان نحترم البيت والمكان مع طلب الادن بذلك خصوصا في المرات الاولى التي يكون  صاحبي غير معروف بالنسبة لهم ..لابي او لاخي او لوالدتي ....بعدها اصبح يكفي اخبارهم بمن معي وكفى ....

تنظيم زيارة لكوخي يحقق لي سعادة خاصة لانني ابدوا خلالها سيد المكان وصاحبه وفرصة لاعرض على اصحابي ما يشكل ممتلكاتي الصغيرة ومفخرتي والتي كانت اساسا قصصي ومجلاتي وكتبي المصورة بالاضافة الى مسجل الاشرطة الموسيقية والمدمج بالراديو ...بالاضافة الى اغراضي الخاصة كطاولة المكتب التي اعدها لي الوالد وكنبتي النوم والجلوس وحصير ووسادات وكرسيين ..على ان فناء السطح الممتد يبقى لوحده فضاءا لنلعب به ونطل عبره على بيوتات الحي وازقته ونستمتع بمتابعة مجموعات من الحمائم والطيور الاخرى ك"ذكر الله " والدجاج ....


                 

                    

                       

             

Tariktariko

 ماذا تركت خلفي حين ودعت جماعة الرفاق في اواخر سنة 1988 ؟! هل تركت مكانا اشعر حقا بالانتماء اليه ..؟! هل تركت هدفا يعوزه التحقيق ..؟! وهل فع...